الفصل الأول
يجلس في مكتبه
بكل هيبه ووقار ينظر الي العمال الذين يقفون امامه
" عايزين اجازه صح "
خرج صوته الجشن قليلاً والرجولي
اومأ الواقفين امامه موافقين ليقول احدهم
" ايوه يا ياسين باشا والله ظروفنا صعبه وانت عارف اللي بيحصل في البلد دلوقتي "
" ومفكرتوش اللي هيحصل في المصنع لما خمسه من المشرفين يسيبوه "
قال بكل برود وهدوء
ليرد احد من العمال
" يا باشا انا بنتي بتموت حتي اني قدمت اني اخد مرتبي بدري وبطمع ان حضرتك توافق وكمان حسين وسعيد امهم لسه ميته واهلهم محتاجنهم في العزا هو أسبوع واحد والله وهرجع تاني "
" ماشي انت ليك الاسبوع وسعيد وحسين هما تلت ايام ويرجعوا الشغل الباقي عايز اجازه ليه مراتتكم وحشتكم اتفضلوا علي شغلكوا "
خرج العمال فور انتهاء كلامها
لكن صوته ظهر مجددا قائلاً
" استنى يا احمد "
توقف احمد ذلك والتفت ليقول
" تأمرني بحاجه "
اخرج من جيبه حزمه من الأموال وقال
" خد دول واكشف علي بنتك واهتم بيها "
" لكن يا باشا دول كتير اوي "
اعترض احمد ليقول ياسين
" لا مش كتير هتلها فاكهه وخضار علشان تخف بسرعه يلا امشي علشان متتأخرش عليها "
اومأ احمد وقال بينما هناك بعض الدموع في عينيه
" ربنا يخليك يا باشا ويرزقك زاي ما انت مراضينا "
ابتسم ياسين بخفه بينما يربت علي كتف احمد احد أفضل العمال ليه والمجد بعمله
هذه لمحه صغيره عن ياسين المنشاوي
في 28 من عمره مواليد خمسه يناير عام 1920
من أصول فرنسية حيث ان جده جاء بغرض العمل ثم استقر في مصر بعد الزواج بجدته المصرية
ذو طول يتخطي 185 وشعر بني رفقه عينان زرقاء ورثهم من والدته
ياسين يعرف لدي الجميع بالباشا
هو جيد من الجيد وشيطان مع السئ
لا احد يعارض كلامه
لا احد يتجرأ ويتطاول عليه
ما يقوله ينفذ
هو ابدا لم تكن حياته سهله حاولوا قتله مئات المرات
وهو لم يسكت بل رد الصاع صاعين
طرق باب مكتبه
ليأمر الطارق بالدخول
والذي كان صديقه
محمود
" اخبار الباشا انهارده "
تحدث صديقه بنبره مرحه جعلت الذي امامه يبتسم قليلاً وقال
" بخير "
" طب كويس نقلت ولا لسه "
" اه البيت الجديد احلي الخدم ظبتوا كل حاجه هناك وانا هروح هناك انهارده "
رد بينما ينظر الي الاوراق التي امامه ليقول صديقه بتذمر
" يابني انت مش ناوي تتجوز وتريحنا منك بقي "
" لا مش ناوي سبتلك انت الجواز اشبع بيه كله "
قال بإبتسامه يستفز صديقه
ليقول محمود بنبره حالمه
" اه علي الجواز وحلوته اتجوز بس الاول تعرف انا حبيت الجواز ليه "
" خلاص بقي روح شوف شغلك "
تحدث ياسين بينما يعقد حاجبيه ليقول احمد
" تصدق انا اللي غلطان علشان تعبت نفسي سبع خطوات وجتلك انا هروح مكتبي حبيبي "
" شوف شغلك يا حقير "
" ماشي ماشي "
خرج ياسين من مصنعه بعدما انهي يوم عمله
ليركب سيارته والتي تعد من اوئل السيارات التي تدخل الي مصر
وصل الي منزله الجديد
نظر الي الحي والذي كان من الأحياء حديثه البناء والهادئة وتحتوي علي الأغنياء
اخذ نظره سريعه علي الحي
ليقع نظره علي الڤيلا التي امام خاصته
كانت تشبه خاصته بدرجه كبيره
ليلاحظ نافذه مفتوحه وهناك فتاه تقف بها
دقق النظر بها وعندما وقعت عينيه علي خاصتها دخلت الفتاه بسرعه واختفت من امام أنظاره
تعجب قليلاً لكن هناك فكره واحده احتلت رأسه
' عينها حلوه '
دخل الي منزله لتقابله الخادمه والتي تدعي ام سعيد
" أهلاً يا باشا أحط الاكل "
قالتها بإبتسامه ليبادلها بواحده صغيره
" ايوا هغير هدومي واجي "
" حاضر يا باشا "
دخل الي غرفته ليجد ملابسه مرتبه مثلما كانت في منزله القديم
فام سعيد معه منذ فتره طويله تعلم كل طباعه وما يحب وما يكره
وأكثر ما يحبه النظام
- في المساء -
انهي بعض الاوراق الخاصه بعمله
ليذهب الي سريره يستعد للنوم
لكن فور ما إن اغلق عينيه حتي دخلت صوره عيني تلك الفتاه الي عقله
هو لم يلاحظ غير عينيها
زمرديه اللون
تقلب في سريره مراراً لكن شكل عينيها لم يخرج من مخيلته
' اخرجي من دماغي بقي '
وقف من سريره ليقف امام النافذه
عل الهواء ينعشه ويخرجها من عقله
' بشوف كل ألوان العيون ومافيش حاجه علقت معايا كده '
نظر الي النافذه التي كانت تقف بها الفتاه سابقاً
ليجدها مفتوحه
وثواني ليجدها تقف
وهو بسرعه اخفي نفسه
ليظهر فقط عينيه ليراها
وهنا انتبه الي وجهها
بشرتها البيضاء
شعرها البني
ملامحها التي تبدوا طفوليه و صغيره
' انتي مين يا حلوه '
ظل يراقبها لوقت لا يعلمه هو
تقف بدون ان تفعل اي شئ تنظر مره الي السماء او المباني او الشارع
يراقب شعرها الذي يتطاير بفعل الرياح
سقط علي الارض فجأه عندما حرك قدمه بغته
ليدرك بعدها انها تخدرت من كثره وقوفه
وقف بحذر لينظر الي النافذه بترقب ليجدها اختفت كما اول مره رأها
جلس علي سريره ليغمض عينيه ويظهر شكلها في مخيلته مره اخري
' يوه دي شكلها هتبقي ليله طويله '
بعد مرور أسبوع
" انت مش مظبوط بقالك أسبوع في ايه "
لكن لا حياه لمن تنادي
هذا يحدث منذ اكثر من عشر دقائق محمود يتحدث وياسين يؤمي برأسه
" ياسين "
" ياسين ياسين "
كرر محمود اسم صديقه عله يخرج من شروده وبالفعل نظر اليه ياسين وقال
" ايه في ايه "
" ولا حاجه بقالي حوالي عشر دقايق بكلمك ولا كأنك موجود "
" معلش كنت بفكر في حاجه كده "
قال ياسين وعندما كان علي وشك الشرود مجدداً
قال محمود
" بتفكر في ايه يمكن أساعدك "
" لا لا متشغلش بالك انت المهم خلصت الورق اللي ادتهولك "
" اه مستني توقيعك ويفضل بس انك تقابل يحيي بيه "
" ماشي شوف المعاد هيبقي امته وقولي "
تحدث ياسين بينما يوجه نظره لأوراقه تنهد محمود علي حال صديقه الذي تغير فجأه
ليخرج ليذهب الي مكتبه
فور ان خرج محمود رفع ياسين رأسه يتأكد من ذهابه قبل ان يتنهد بتعب
فهو طيله هذا الاسبوع يجلس ويراقب تلك الفتاه في الخفاء
لا يعرف ما يجذبه اليها
هدوءها ام جمالها ام عينيها التي تكاد تقتله
هو حتي لا يعرف لما يراقبها فقط احب ذلك احب ان ينظر الي ملامحها الهادئه لساعات دون ملل
ما لا يعرفه ان قلبه ايضا تعلق برؤيتها
قرر يومها ان يعود ان منزله مبكراً عله يراها ولو لدقيقة واحدة إضافيه
وقف امام نافذه غرفته بعدما غير ملابسه ولم يتناول طعامه حتي
ينتظر ان تظهر فقط
لكن نظره كان موجه الي نافذتها ولم يلحظ تلك التي تفتح باب المنزل وتخرج منه
وقع نظره صدفه عليها
ليجدها ترتدي شال شفاف علي رأسها يظهر منه شعرها البني الطويل وترتدي فستان وردي اللون تحت ركبتيها
هنا قلبه كاد ان يخرج من مكانه
كانت كالملاك
' يا الله سبحانك فقد ابدعت في خلقها '
قال بهيام دون شعور منه
ليسمع بعدها صوت احد اخر يخرج من المنزل
وقد كانت أمرأه كبيره في السن
قائله
" يا ورده بتعملي ايه "
' ورده اسمها ورده ياربي وهي ورده فعلاً '
" بس يا داده وطي صوتك بابا مش موجود ف والنبي خليني اسقي الورد انهارده "
سمع صوتها الهادئ والذي تحاول خفضه قدر المستطاع
هو بدون شعور منه تحركت قدمه لينزل درج المنزل بسرعه ويفتح باب المنزل
هو فقط يريد رؤيتها عن قرب ان يتحدث معها
لكن عندما خرج ووقف في حديقه منزله
كانت غير موجوده
بالمقابل وجد رجل كبير يدخل المنزل المقابل لخاصته
وعي علي نفسه
ليعاود الدخول وغلق الباب ورائه
ليجد ام سعيد تنظر له قائله
" كنت عايز حاجه يا باشا "
" لا..اه..بصي عايزك تعرفي كل حاجه عن الجيران اللي في وشنا "
" حاضر يا باشا امرك بس هو في مشاكل بينك وبينهم "
قالت بتعجب ليقول بسرعه
" لا لا ولا مشاكل ولا حاجه بس عايزك تعرفي اي حاجه عنهم وتقوليلي "
" اللي تأمر بيه "
دخل الي غرفته مره اخري بينما يتنهد بقوه
' ايه يا ياسين اللي بيحصل فيك ده اااه في حاجه غلط فيا فعلاً '
استلقي علي سريره ليغلق عينيه
يحاول أزاله اي افكار من رأسه
تجلس امامه بإبتسامه صغيره احبها بشده
ترتدي فستانها الوردي وتضع قدم علي الاخري
وشعرها منسدل علي كتفيها
نظر الي عينيها بهيام
ليقف ويقترب منها ببطء بينما نظره موجه الي شئ واحد
تلك الشفاه الوردية التي تغريه بشده
اقترب منها لدرجه شعر بإنفاسها ضد وجهه
هدفه كان واضح وهو الحصول علي شفتيها بين خاصته
وعندما كان قريباً من هدفه
' اعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتي في أحلامي اروحلك فين علشان تختفي من دماغي '
مسح وجهه بكفيه ليقف ويتجهز لعمله
قابل صديقه محمود في طريقه للدخول يقول محمود
" ياسين انا حددت معاد مع يحيي بيه هو قرر انه يعزمك في بيته انهارده علي الضهر "
" ماشي مافيش مشكله المهم حضر انت العقود واوراق الشراكة "
" انا حضرتهم من امبارح وهما علي مكتبك دلوقتي "
" هو في ايه انت بتعمل الشغل قبل ما أقولك عليه "
قال ياسين بينما يرفع احدي حاجبيه بسخريه
ليتحدث محمود بترقب
" الصراحه خايف اقولك "
ليرد ياسين بهدوء
" اتكلم "
" عايز اخد اجازه علشان مراتي حامل وتعبانه الفتره دي وخايف ترفض "
لم يتلقي محمود رد من ياسين بل كل ما تلقاه هو عناق اخوي شديد منه وضربه علي ظهره وقال
" يا غبي خايف تقولي يعني مش هفرحلك خد يا سيدي اجازه زاي ما انت عايز "
ابتسم محمود بسعاده وقال " ربنا يخليك ليا يا اخويا "
اجل علاقتهم اخويه من الدرجه الاولي يهتمون لبعضهم ويساندون بعضهم
بينما في وقت اخر ومكان اخر حيث الفتاه صاحبه العيون الزمرديه والشعر البني
" ورده حبيبتي بكره هيجي شريكي ويتغدا معايا و أوعي تخرجي من اوضك غير لما اقولك "
تحدث ذلك الرجل والذي يظهر تقدم العمر علي محياه يحادث ابنته صاحبه الثمانيه عشر عاماً
نظرت اليه الفتاه بهدوء وقالت
" حاضر يا بابا اللي تأمر بي "
ابتسم الأب بوجه ابنته لتبادله هي الاخره بواحده صغير
وتستأذنه لتذهب الي غرفتها
دخلت غرفتها لترتمي علي سريرها وتبكي
' هو ليه معايا كده انا برضوا من حقي اخرج واتفسح "
اجل والدها لا يسمح لها بالخروج من المنزل
او مقابله الغرباء
حتي دراستها جعلها في المنزل
وهي مع تقدم عمرها اصبحت تشعر بالاختناق وتريد رؤيه ما لم تراه
كما سمعت من قصص مربيتها
غفت دون ان تشعر بينما الدموع مازالت عالقه في عينيها
لتستيقظ صباح اليوم التالي
علي صوت مربيتها قائله
" في ايه يا داده بتصحيني ليه "
" اتأخرتي في النوم وقلقت عليكي يا حببتي يلا قومي علشان تفطري مع باباكي "
قالتها مربيتها التي تدعي فايزه بحنان وهي تمسد علي شعرها
لترد الاخري بسرعه وهدوء
" مش جايلي نفس اكل قوليلو لسه نايمه "
" مالك يا حببتي في حاجه مزعلاكي "
" ما انتي عارفه يا داده بابا مش بيخليني اخرج او حتي اقعد مع اي ضيف يجي وانا زهقت جو البيت "
قالتها وهي توشك علي البكاء لتأخذها مربيتها في احضانها تربت عليها وقالت بحنان
" انتي عارفه انه بيعمل كده علشان يحميكي الدنيا بره البيت مش أمان وانتي بقيتي عروسه حلوه وزاي العسل لازم تقعدي تستني عريسك اللي هياخدك ويهننك "
" بس هو الناس تعرف اصلا ان بابا عنده بنت علشان اتجوز وبعدين انا مش عايزه ابعد عنكم انا عايزه اخرج واتفسح بس "
ردت بتذمر لطيف لتبتسم مربيتها وقالت
" بما ان باباكي مش هيرضي يخرجك ايه رأيك اعلمك شويه حاجات تتسلي بيها "
اتسعت اعين الفتاه لتقول بسرعه
" ايه ايه هي يا داده "
" عندك الطبخ والخياطه والتريكو والكورشيه ممكن تعملي منها مفارش او هدوم كمان وانتي شاطره وهتتعلمي بسرعه "
" بس انا بعرف اطبخ وكمان انتي معلماني أساس الخياطه "
قالتها بعبوس خفيف
لتقول الاخره
" الله اومال مش بشوف شغلك ليه يلا يلا يا أستاذه ورده عايزه اشوف شغلك انهارده "
قالت اخر كلامها بحزم مصطنع لتضحك الاخري بقوه وقالت
" حاضر يا أستاذه داده أوعدك انهارده بالليل هتلاقي شغلي بين ايدك وكمان انا اللي هعمل الاكل انهارده "
" طب يلا علي المطبخ يا بكاشه "
ابتسمت الفتاه بسعاده وتذهب لتغير ملابسها لتساعد مربيتها
هذا هو روتينها
تستيقظ تساعد مربيتها في الفطور ثم تقرأ بعض الكتب المفضله لديها ثم تساعد في صنع الغداء وتأخذ قيوله ثم تستيقظ وقت العشاء تحادث والدها قليلاً ثم يذهب كلاهما للنوم
وهي نوعاً ما بدأت تمل من هذا الوضع
هي ما زالت في ريعان شبابها
لكن محبوسه دائما في المنزل
حضرت ورده الاكل كما قالت لمربيتها وهناك ابتسامه سعيده علي وجهها
لان علي الاقل الضيف سيأكل من أكلها حتي لو لم يقابلها
دخلت غرفتها عندما امرها والدها بالذهاب لان الضيف علي وشك المجئ
دخلت بعبوس علي وجهها
لتجلس بجانب نفذتها تمسك احد الكتب وتبدأ في القراءه من حيث انتهت قبلاً
وقع نظرها علي خارج النافذه لتجد رجل يطرق الباب
وفجاءه رفع ذلك الرجل رأسه
لتخفي هي نفسها بسرعه
" شافني اكيد شافني بابا لو عرف هيزعل مني وممكن يخاصمني "
قالت بتوتر وهي تدعوا الا يعرف والدها ان ضيفه رأها
بينما في الأسفل
" اتفضل يا ياسين باشا اتفضل "
قال والد ورده والذي يدعي يحيي وهو يمد يديه ليصافح ياسين
بادله ياسين المصافحة وهناك ابتسامه غريبه علي شفتيه
" يزيد فضلك يا يحيي باشا "
ربما لم يفهم يحيي معني هذه الابتسامه لكن ياسين يكاد يموت فرحاً لانه في منزل من سرقت عقله وشتت قلبه
" احنا بقي ناكل الاول وبعد كده نتفق براحتنا ايه رأيك "
قال يحيي بإبتسامه لطيفه تزين وجهه الذي به بعض التجاعيد نتيجه لكبر سنه
" اكيد مافيش مشكله "
قال ياسين وبادله الابتسامه
جلس الاثنين علي طاوله الطعام بعدما وضعت فايزه الطعام
انتهي الاثنان منه بهدوء كما بدأوه
ليجلسوا في غرفه الجلوس
" نبدأ بقي ببسم الله الرحمن الرحيم ونقول بقي انا كنت عايز نبقي شركه في المصانع اللي هتبنيها في الفيوم وبما انها بلدي هيكون الموضوع اسهل "
" اكيد لكن انا لسه مشوفتش أراضي ولسه محددتش الموقع "
" مافيش مشكله ممكن اجبلك اكبر ملاك أراضي هناك وتنزل وتشوف اللي يعجبك بس المشكله ان الحكومه هترضي تخليك تبني هناك مصانع "
" ولا مشكله ولا حاجه الموضوع ده هيخلص بسرعه فمتقلقش نفسك "
" يبقي اتفقنا "
قال يحيي وهو يمد يده يصافح ياسين
ليرد ياسين مبادلته المصافحة
" اتفقنا "
وبالخطئ أوقع ياسين القهوه علي بدلته او هذا ما يظنه يحيي ليقول
" اتفضل علي الحمام يا ابني "
اومأ ياسين بصمت
ليبدأ بسير بهدوء لكن بدل ان يدخل الحمام الذي في الدور السفلي
اتجه الي العلوي
وبما ان المنزل يشبه منزله في التصميم يعلم اين تقع الغرفه
وقد استغل انشغال يحيي بالأوراق امامه
وفايزة بالمطبخ
حتي لا يروا الي اين سيذهب
وقف في الممر ليخمن ان غرفتها
هي الثانيه بين عدد الغرف المكونه من اربع غرف
هو يعي انه يفقد علقه
فما يفعله الان منافي لما تربي عليه ولأخلاقه ودينه
لم ينتظر ثواني ليفتح باب الغرفه بلا تردد
ليجدها جالسه علي السرير تعطي له ظهرها لتقول هي فاجأه
" داده هو الضيف مشي عايزه اخرج من الاوضه بقي "
أنهت كلامها مع التفاتها لتشهق متفاجأه
ومن شده صدمتها
لم تستطيع النطق بحرف
فهي لم تري رجل بهذا القرب ابداً
بل لم تكن مع رجل في نفس المكان هكذا غيروالدها
ليقول ياسين بعدما ادرك خطئه ولاحظ توترها
" اسف فكرت الحمام هنا "
اعتذر سريعاً واغلق الباب خلفه
لينزل بخطوات سريعه
يذهب اللي الحمام في الطابق السفلي
وقف امام المرأه بينما يلهث بقوه
" هتجنني هتجنني لازم الاقي حل للي بيحصلي ده "
غسل وجه بالماء وكذلك قميصه الملطخ بالقهوة
ليخرج بينما يتنهد
ويذهب بإتجاه يحيي في غرفه الجلوس
" همشي انا بقي يا يحيي بيه وهنتقابل تاني علشان الأراضي "
قال ياسين ليومئ يحيي قائله
" بإذن الله "
وقف ليصله للباب ليقول ياسين بسرعه
" مافيش داعي احنا الباب في وش الباب "
استغرب يحيي ليقول
" ازاي "
" اصل انا الساكن الجديد في البيت اللي قدام بيتك "
ابتسم يحيي ليقول
" طب عال اويي كده مافيش تعب ولا حاجه وتشرفنا بزيارتك مره تانيه "
اومأ ياسين ليقول " إن شاء الله "
خرج من المنزل ليذهب اللي منزله
ليجد ان ام سعيد في انتظاره
" ها يا ام سعيد عملتي اللي قولتلك عليه "
قال بعدما جلس علي الاريكه
اومأت بإبتسامه لتقول
" ايوا يا باشا شفت الشغالة اللي عندهم انهارده في السوق وتقريباً بقينا صحاب واسمها فايزه بتشتغل عندهم من زمان اوي وكمان هما ساكنين هنا من ساعه ما الاموره بنتهم ورده اتولدت وعرفت كمان ان بعد ما مرات يحيي بيه ماتت وبنتهم لسه صغيره تقريباً كان عندها خمس سنين منع خروج الانسه ورده من البيت كل حياتها بقت في البيت فايزه قالتلي انه بيخاف عليها جدا ومش بيحب حد يبصلها بس يا عيني قالتلي ان الانسه ورده بقيت زعلانه علي طول
خصوصا بعد ما كبرت وبقي نفسها تخرج وتتفسح لكن من كتر خوفها من يحيي بيه مابقتيش بتتكلم معاه في الموضوع وتقعد تعيط
صعبت عليا اوي يا حبه عيني "
أنهت ام سعيد حديثها الطويل
والذي كان ياسين يستمع اليه بتركيز شديد
" وهي الانسه ورد عندها كام سنه "
" ١٨ سنه وهتكمل بعد أسبوعين ١٩ سنه "
اومأ ياسين متفهماً ليخرج من جيبه بعض الاوراق الماليه قائلاً
" طب ماشي خدي دول وهاتي لسعيد واخواته حاجه حلوه وانتي مروحه "
شكرته ام سعيد بكثره لتذهب من غرفه الجلوس بإتجاه المطبخ بسعاده
" أسبوعين قدامي أسبوعين ولازم أكون خلصت كل حاجه "
ابتسم بعد انتهاء كلامه
لينهض الي غرفته وينظر الي النافذه
عله يري من سرقت قلبه وجعلت عقله يكاد يجن
بينما في مكان اخر
وتحديداً حيث الفتاه التي يتمني ياسين رؤيتها
تجلس علي السرير تضم قدميها الي صدرها وتفكر فيما حدث اليوم
قائله بعقلها
" هو انا متأكده هو جارنا اللي في البيت اللي قدامنا كويس بابا معرفش بس انا برضوا مبحبش أخبئ عليه حاجه لكن لو عرف ممكن يزعق جامد "
قررت ورده انها لن تقول ما حدث لولدها لتجنب غضبه
والذي تكرهه هي للغايه
فورده بطبيعتها هادئه ومسالمة للغايه
ولذلك هي لا تحب حينما يغضب
بعد مرور يومين
اتصل ياسين علي يحيي ليحدد معه موعد ليذهبا لرؤيه
الأراضي في الفيوم
" خلاص اتفقنا يا ياسين باشا بكره نسافر الفيوم "
" صحيح يا يحيي بيه انا كنت بفكر اشتري مزرعه ليا هناك وعايزك تساعدني في الموضوع "
" طبعاً يا باشا انت تأمر نسافر الاول وكل حاجه بعد كده تتسهل بإذن الله "
" بإذن الله بكره هعدي عليك ونسافر في القطر "
" ماشي يا باشا علي خيره الله "
" سمعتي يا داده بابا هيروح الفيوم تفتكري لو قولتله اني اروح هيوافق "
تحدث بحماس الي مربيتها لتنظر لها الاخري بحزن حاولت إخفاءه وقالت
" مش عارفه والله يا حببتي هو مسافر علشان شغل بس ياريت يخدك يا حببتي "
" خلاص هروح دلوقتي اقوله واشوف هيقول ايه "
قالت ورده ولم تفقد حماسها للأن
ذهبت ورده حيث والدها يجلس في غرفه الجلوس يقرأ الجريده
جلست بجانبه لتقول بتوتر وقد ادركت انه لا سبيل للتراجع الان وقد يغضب منها
" بابا انت هتسافر بكره الفيوم صح "
ترك والدها الجريده يصب كامل انتباهه لها
" ايوا يا حببتي عايزه حاجه اجبهالك من هناك "
" لا..قصدي اه عايزه حاجه "
" عايزه ايه "
" عايزاك تاخدني معاك ، وقبل ما تعترض انا بجد نفسي اخرج يا بابا واوعدك لما نروح من هخرج من البيت هناك ،بس بجد نفسي اشوف اماكن جديده علشان خاطري خدني معاك يا بابا "
انهت حديثها وقد بدأت الدموع في الظهور في عينيها
وضع يحيي يده علي خدها وقال
" انتي عارفه هيكون ردي ايه يا ورده ، انتي عارفه انا بعمل كده ليه انا خايف عليكي يا حببتي الدنيا بره البيت مش زاي ما انتي فاكره انتي هنا في امان بره مش هتكون كده عارف انك كبرتي وعايزه تتفسحي لكن بالنسبه ليا انتي لسه وردتي الصغيره "
امسكت يده الموضوعه علي خدها ودموعها بدأت بالفعل في النزول من عينيها قائله
" انا هكون في امان طول ما انا معاك يا بابا ، بس علشان خاطري المره دي بس علشان خاطري "
" مش هقدر يا وردتي مش هقدر "
انهي يحيي حديثه وخرج من غرفه المعيشة لغرفته
يصعب عليه رؤيه دموعها فهي وحيدته
في ذلك اليوم نامت ورده والدموع علي خدها
تتمني لو كان والدها لا يخاف عليها لهذا الحد
لكن امنيتها الكبري لو لم تمت والدتها
لكان سيتغير الكثير
يتبع
بكل هيبه ووقار ينظر الي العمال الذين يقفون امامه
" عايزين اجازه صح "
خرج صوته الجشن قليلاً والرجولي
اومأ الواقفين امامه موافقين ليقول احدهم
" ايوه يا ياسين باشا والله ظروفنا صعبه وانت عارف اللي بيحصل في البلد دلوقتي "
" ومفكرتوش اللي هيحصل في المصنع لما خمسه من المشرفين يسيبوه "
قال بكل برود وهدوء
ليرد احد من العمال
" يا باشا انا بنتي بتموت حتي اني قدمت اني اخد مرتبي بدري وبطمع ان حضرتك توافق وكمان حسين وسعيد امهم لسه ميته واهلهم محتاجنهم في العزا هو أسبوع واحد والله وهرجع تاني "
" ماشي انت ليك الاسبوع وسعيد وحسين هما تلت ايام ويرجعوا الشغل الباقي عايز اجازه ليه مراتتكم وحشتكم اتفضلوا علي شغلكوا "
خرج العمال فور انتهاء كلامها
لكن صوته ظهر مجددا قائلاً
" استنى يا احمد "
توقف احمد ذلك والتفت ليقول
" تأمرني بحاجه "
اخرج من جيبه حزمه من الأموال وقال
" خد دول واكشف علي بنتك واهتم بيها "
" لكن يا باشا دول كتير اوي "
اعترض احمد ليقول ياسين
" لا مش كتير هتلها فاكهه وخضار علشان تخف بسرعه يلا امشي علشان متتأخرش عليها "
اومأ احمد وقال بينما هناك بعض الدموع في عينيه
" ربنا يخليك يا باشا ويرزقك زاي ما انت مراضينا "
ابتسم ياسين بخفه بينما يربت علي كتف احمد احد أفضل العمال ليه والمجد بعمله
هذه لمحه صغيره عن ياسين المنشاوي
في 28 من عمره مواليد خمسه يناير عام 1920
من أصول فرنسية حيث ان جده جاء بغرض العمل ثم استقر في مصر بعد الزواج بجدته المصرية
ذو طول يتخطي 185 وشعر بني رفقه عينان زرقاء ورثهم من والدته
ياسين يعرف لدي الجميع بالباشا
هو جيد من الجيد وشيطان مع السئ
لا احد يعارض كلامه
لا احد يتجرأ ويتطاول عليه
ما يقوله ينفذ
هو ابدا لم تكن حياته سهله حاولوا قتله مئات المرات
وهو لم يسكت بل رد الصاع صاعين
طرق باب مكتبه
ليأمر الطارق بالدخول
والذي كان صديقه
محمود
" اخبار الباشا انهارده "
تحدث صديقه بنبره مرحه جعلت الذي امامه يبتسم قليلاً وقال
" بخير "
" طب كويس نقلت ولا لسه "
" اه البيت الجديد احلي الخدم ظبتوا كل حاجه هناك وانا هروح هناك انهارده "
رد بينما ينظر الي الاوراق التي امامه ليقول صديقه بتذمر
" يابني انت مش ناوي تتجوز وتريحنا منك بقي "
" لا مش ناوي سبتلك انت الجواز اشبع بيه كله "
قال بإبتسامه يستفز صديقه
ليقول محمود بنبره حالمه
" اه علي الجواز وحلوته اتجوز بس الاول تعرف انا حبيت الجواز ليه "
" خلاص بقي روح شوف شغلك "
تحدث ياسين بينما يعقد حاجبيه ليقول احمد
" تصدق انا اللي غلطان علشان تعبت نفسي سبع خطوات وجتلك انا هروح مكتبي حبيبي "
" شوف شغلك يا حقير "
" ماشي ماشي "
خرج ياسين من مصنعه بعدما انهي يوم عمله
ليركب سيارته والتي تعد من اوئل السيارات التي تدخل الي مصر
وصل الي منزله الجديد
نظر الي الحي والذي كان من الأحياء حديثه البناء والهادئة وتحتوي علي الأغنياء
اخذ نظره سريعه علي الحي
ليقع نظره علي الڤيلا التي امام خاصته
كانت تشبه خاصته بدرجه كبيره
ليلاحظ نافذه مفتوحه وهناك فتاه تقف بها
دقق النظر بها وعندما وقعت عينيه علي خاصتها دخلت الفتاه بسرعه واختفت من امام أنظاره
تعجب قليلاً لكن هناك فكره واحده احتلت رأسه
' عينها حلوه '
دخل الي منزله لتقابله الخادمه والتي تدعي ام سعيد
" أهلاً يا باشا أحط الاكل "
قالتها بإبتسامه ليبادلها بواحده صغيره
" ايوا هغير هدومي واجي "
" حاضر يا باشا "
دخل الي غرفته ليجد ملابسه مرتبه مثلما كانت في منزله القديم
فام سعيد معه منذ فتره طويله تعلم كل طباعه وما يحب وما يكره
وأكثر ما يحبه النظام
- في المساء -
انهي بعض الاوراق الخاصه بعمله
ليذهب الي سريره يستعد للنوم
لكن فور ما إن اغلق عينيه حتي دخلت صوره عيني تلك الفتاه الي عقله
هو لم يلاحظ غير عينيها
زمرديه اللون
تقلب في سريره مراراً لكن شكل عينيها لم يخرج من مخيلته
' اخرجي من دماغي بقي '
وقف من سريره ليقف امام النافذه
عل الهواء ينعشه ويخرجها من عقله
' بشوف كل ألوان العيون ومافيش حاجه علقت معايا كده '
نظر الي النافذه التي كانت تقف بها الفتاه سابقاً
ليجدها مفتوحه
وثواني ليجدها تقف
وهو بسرعه اخفي نفسه
ليظهر فقط عينيه ليراها
وهنا انتبه الي وجهها
بشرتها البيضاء
شعرها البني
ملامحها التي تبدوا طفوليه و صغيره
' انتي مين يا حلوه '
ظل يراقبها لوقت لا يعلمه هو
تقف بدون ان تفعل اي شئ تنظر مره الي السماء او المباني او الشارع
يراقب شعرها الذي يتطاير بفعل الرياح
سقط علي الارض فجأه عندما حرك قدمه بغته
ليدرك بعدها انها تخدرت من كثره وقوفه
وقف بحذر لينظر الي النافذه بترقب ليجدها اختفت كما اول مره رأها
جلس علي سريره ليغمض عينيه ويظهر شكلها في مخيلته مره اخري
' يوه دي شكلها هتبقي ليله طويله '
بعد مرور أسبوع
" انت مش مظبوط بقالك أسبوع في ايه "
لكن لا حياه لمن تنادي
هذا يحدث منذ اكثر من عشر دقائق محمود يتحدث وياسين يؤمي برأسه
" ياسين "
" ياسين ياسين "
كرر محمود اسم صديقه عله يخرج من شروده وبالفعل نظر اليه ياسين وقال
" ايه في ايه "
" ولا حاجه بقالي حوالي عشر دقايق بكلمك ولا كأنك موجود "
" معلش كنت بفكر في حاجه كده "
قال ياسين وعندما كان علي وشك الشرود مجدداً
قال محمود
" بتفكر في ايه يمكن أساعدك "
" لا لا متشغلش بالك انت المهم خلصت الورق اللي ادتهولك "
" اه مستني توقيعك ويفضل بس انك تقابل يحيي بيه "
" ماشي شوف المعاد هيبقي امته وقولي "
تحدث ياسين بينما يوجه نظره لأوراقه تنهد محمود علي حال صديقه الذي تغير فجأه
ليخرج ليذهب الي مكتبه
فور ان خرج محمود رفع ياسين رأسه يتأكد من ذهابه قبل ان يتنهد بتعب
فهو طيله هذا الاسبوع يجلس ويراقب تلك الفتاه في الخفاء
لا يعرف ما يجذبه اليها
هدوءها ام جمالها ام عينيها التي تكاد تقتله
هو حتي لا يعرف لما يراقبها فقط احب ذلك احب ان ينظر الي ملامحها الهادئه لساعات دون ملل
ما لا يعرفه ان قلبه ايضا تعلق برؤيتها
قرر يومها ان يعود ان منزله مبكراً عله يراها ولو لدقيقة واحدة إضافيه
وقف امام نافذه غرفته بعدما غير ملابسه ولم يتناول طعامه حتي
ينتظر ان تظهر فقط
لكن نظره كان موجه الي نافذتها ولم يلحظ تلك التي تفتح باب المنزل وتخرج منه
وقع نظره صدفه عليها
ليجدها ترتدي شال شفاف علي رأسها يظهر منه شعرها البني الطويل وترتدي فستان وردي اللون تحت ركبتيها
هنا قلبه كاد ان يخرج من مكانه
كانت كالملاك
' يا الله سبحانك فقد ابدعت في خلقها '
قال بهيام دون شعور منه
ليسمع بعدها صوت احد اخر يخرج من المنزل
وقد كانت أمرأه كبيره في السن
قائله
" يا ورده بتعملي ايه "
' ورده اسمها ورده ياربي وهي ورده فعلاً '
" بس يا داده وطي صوتك بابا مش موجود ف والنبي خليني اسقي الورد انهارده "
سمع صوتها الهادئ والذي تحاول خفضه قدر المستطاع
هو بدون شعور منه تحركت قدمه لينزل درج المنزل بسرعه ويفتح باب المنزل
هو فقط يريد رؤيتها عن قرب ان يتحدث معها
لكن عندما خرج ووقف في حديقه منزله
كانت غير موجوده
بالمقابل وجد رجل كبير يدخل المنزل المقابل لخاصته
وعي علي نفسه
ليعاود الدخول وغلق الباب ورائه
ليجد ام سعيد تنظر له قائله
" كنت عايز حاجه يا باشا "
" لا..اه..بصي عايزك تعرفي كل حاجه عن الجيران اللي في وشنا "
" حاضر يا باشا امرك بس هو في مشاكل بينك وبينهم "
قالت بتعجب ليقول بسرعه
" لا لا ولا مشاكل ولا حاجه بس عايزك تعرفي اي حاجه عنهم وتقوليلي "
" اللي تأمر بيه "
دخل الي غرفته مره اخري بينما يتنهد بقوه
' ايه يا ياسين اللي بيحصل فيك ده اااه في حاجه غلط فيا فعلاً '
استلقي علي سريره ليغلق عينيه
يحاول أزاله اي افكار من رأسه
تجلس امامه بإبتسامه صغيره احبها بشده
ترتدي فستانها الوردي وتضع قدم علي الاخري
وشعرها منسدل علي كتفيها
نظر الي عينيها بهيام
ليقف ويقترب منها ببطء بينما نظره موجه الي شئ واحد
تلك الشفاه الوردية التي تغريه بشده
اقترب منها لدرجه شعر بإنفاسها ضد وجهه
هدفه كان واضح وهو الحصول علي شفتيها بين خاصته
وعندما كان قريباً من هدفه
' اعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتي في أحلامي اروحلك فين علشان تختفي من دماغي '
مسح وجهه بكفيه ليقف ويتجهز لعمله
قابل صديقه محمود في طريقه للدخول يقول محمود
" ياسين انا حددت معاد مع يحيي بيه هو قرر انه يعزمك في بيته انهارده علي الضهر "
" ماشي مافيش مشكله المهم حضر انت العقود واوراق الشراكة "
" انا حضرتهم من امبارح وهما علي مكتبك دلوقتي "
" هو في ايه انت بتعمل الشغل قبل ما أقولك عليه "
قال ياسين بينما يرفع احدي حاجبيه بسخريه
ليتحدث محمود بترقب
" الصراحه خايف اقولك "
ليرد ياسين بهدوء
" اتكلم "
" عايز اخد اجازه علشان مراتي حامل وتعبانه الفتره دي وخايف ترفض "
لم يتلقي محمود رد من ياسين بل كل ما تلقاه هو عناق اخوي شديد منه وضربه علي ظهره وقال
" يا غبي خايف تقولي يعني مش هفرحلك خد يا سيدي اجازه زاي ما انت عايز "
ابتسم محمود بسعاده وقال " ربنا يخليك ليا يا اخويا "
اجل علاقتهم اخويه من الدرجه الاولي يهتمون لبعضهم ويساندون بعضهم
بينما في وقت اخر ومكان اخر حيث الفتاه صاحبه العيون الزمرديه والشعر البني
" ورده حبيبتي بكره هيجي شريكي ويتغدا معايا و أوعي تخرجي من اوضك غير لما اقولك "
تحدث ذلك الرجل والذي يظهر تقدم العمر علي محياه يحادث ابنته صاحبه الثمانيه عشر عاماً
نظرت اليه الفتاه بهدوء وقالت
" حاضر يا بابا اللي تأمر بي "
ابتسم الأب بوجه ابنته لتبادله هي الاخره بواحده صغير
وتستأذنه لتذهب الي غرفتها
دخلت غرفتها لترتمي علي سريرها وتبكي
' هو ليه معايا كده انا برضوا من حقي اخرج واتفسح "
اجل والدها لا يسمح لها بالخروج من المنزل
او مقابله الغرباء
حتي دراستها جعلها في المنزل
وهي مع تقدم عمرها اصبحت تشعر بالاختناق وتريد رؤيه ما لم تراه
كما سمعت من قصص مربيتها
غفت دون ان تشعر بينما الدموع مازالت عالقه في عينيها
لتستيقظ صباح اليوم التالي
علي صوت مربيتها قائله
" في ايه يا داده بتصحيني ليه "
" اتأخرتي في النوم وقلقت عليكي يا حببتي يلا قومي علشان تفطري مع باباكي "
قالتها مربيتها التي تدعي فايزه بحنان وهي تمسد علي شعرها
لترد الاخري بسرعه وهدوء
" مش جايلي نفس اكل قوليلو لسه نايمه "
" مالك يا حببتي في حاجه مزعلاكي "
" ما انتي عارفه يا داده بابا مش بيخليني اخرج او حتي اقعد مع اي ضيف يجي وانا زهقت جو البيت "
قالتها وهي توشك علي البكاء لتأخذها مربيتها في احضانها تربت عليها وقالت بحنان
" انتي عارفه انه بيعمل كده علشان يحميكي الدنيا بره البيت مش أمان وانتي بقيتي عروسه حلوه وزاي العسل لازم تقعدي تستني عريسك اللي هياخدك ويهننك "
" بس هو الناس تعرف اصلا ان بابا عنده بنت علشان اتجوز وبعدين انا مش عايزه ابعد عنكم انا عايزه اخرج واتفسح بس "
ردت بتذمر لطيف لتبتسم مربيتها وقالت
" بما ان باباكي مش هيرضي يخرجك ايه رأيك اعلمك شويه حاجات تتسلي بيها "
اتسعت اعين الفتاه لتقول بسرعه
" ايه ايه هي يا داده "
" عندك الطبخ والخياطه والتريكو والكورشيه ممكن تعملي منها مفارش او هدوم كمان وانتي شاطره وهتتعلمي بسرعه "
" بس انا بعرف اطبخ وكمان انتي معلماني أساس الخياطه "
قالتها بعبوس خفيف
لتقول الاخره
" الله اومال مش بشوف شغلك ليه يلا يلا يا أستاذه ورده عايزه اشوف شغلك انهارده "
قالت اخر كلامها بحزم مصطنع لتضحك الاخري بقوه وقالت
" حاضر يا أستاذه داده أوعدك انهارده بالليل هتلاقي شغلي بين ايدك وكمان انا اللي هعمل الاكل انهارده "
" طب يلا علي المطبخ يا بكاشه "
ابتسمت الفتاه بسعاده وتذهب لتغير ملابسها لتساعد مربيتها
هذا هو روتينها
تستيقظ تساعد مربيتها في الفطور ثم تقرأ بعض الكتب المفضله لديها ثم تساعد في صنع الغداء وتأخذ قيوله ثم تستيقظ وقت العشاء تحادث والدها قليلاً ثم يذهب كلاهما للنوم
وهي نوعاً ما بدأت تمل من هذا الوضع
هي ما زالت في ريعان شبابها
لكن محبوسه دائما في المنزل
حضرت ورده الاكل كما قالت لمربيتها وهناك ابتسامه سعيده علي وجهها
لان علي الاقل الضيف سيأكل من أكلها حتي لو لم يقابلها
دخلت غرفتها عندما امرها والدها بالذهاب لان الضيف علي وشك المجئ
دخلت بعبوس علي وجهها
لتجلس بجانب نفذتها تمسك احد الكتب وتبدأ في القراءه من حيث انتهت قبلاً
وقع نظرها علي خارج النافذه لتجد رجل يطرق الباب
وفجاءه رفع ذلك الرجل رأسه
لتخفي هي نفسها بسرعه
" شافني اكيد شافني بابا لو عرف هيزعل مني وممكن يخاصمني "
قالت بتوتر وهي تدعوا الا يعرف والدها ان ضيفه رأها
بينما في الأسفل
" اتفضل يا ياسين باشا اتفضل "
قال والد ورده والذي يدعي يحيي وهو يمد يديه ليصافح ياسين
بادله ياسين المصافحة وهناك ابتسامه غريبه علي شفتيه
" يزيد فضلك يا يحيي باشا "
ربما لم يفهم يحيي معني هذه الابتسامه لكن ياسين يكاد يموت فرحاً لانه في منزل من سرقت عقله وشتت قلبه
" احنا بقي ناكل الاول وبعد كده نتفق براحتنا ايه رأيك "
قال يحيي بإبتسامه لطيفه تزين وجهه الذي به بعض التجاعيد نتيجه لكبر سنه
" اكيد مافيش مشكله "
قال ياسين وبادله الابتسامه
جلس الاثنين علي طاوله الطعام بعدما وضعت فايزه الطعام
انتهي الاثنان منه بهدوء كما بدأوه
ليجلسوا في غرفه الجلوس
" نبدأ بقي ببسم الله الرحمن الرحيم ونقول بقي انا كنت عايز نبقي شركه في المصانع اللي هتبنيها في الفيوم وبما انها بلدي هيكون الموضوع اسهل "
" اكيد لكن انا لسه مشوفتش أراضي ولسه محددتش الموقع "
" مافيش مشكله ممكن اجبلك اكبر ملاك أراضي هناك وتنزل وتشوف اللي يعجبك بس المشكله ان الحكومه هترضي تخليك تبني هناك مصانع "
" ولا مشكله ولا حاجه الموضوع ده هيخلص بسرعه فمتقلقش نفسك "
" يبقي اتفقنا "
قال يحيي وهو يمد يده يصافح ياسين
ليرد ياسين مبادلته المصافحة
" اتفقنا "
وبالخطئ أوقع ياسين القهوه علي بدلته او هذا ما يظنه يحيي ليقول
" اتفضل علي الحمام يا ابني "
اومأ ياسين بصمت
ليبدأ بسير بهدوء لكن بدل ان يدخل الحمام الذي في الدور السفلي
اتجه الي العلوي
وبما ان المنزل يشبه منزله في التصميم يعلم اين تقع الغرفه
وقد استغل انشغال يحيي بالأوراق امامه
وفايزة بالمطبخ
حتي لا يروا الي اين سيذهب
وقف في الممر ليخمن ان غرفتها
هي الثانيه بين عدد الغرف المكونه من اربع غرف
هو يعي انه يفقد علقه
فما يفعله الان منافي لما تربي عليه ولأخلاقه ودينه
لم ينتظر ثواني ليفتح باب الغرفه بلا تردد
ليجدها جالسه علي السرير تعطي له ظهرها لتقول هي فاجأه
" داده هو الضيف مشي عايزه اخرج من الاوضه بقي "
أنهت كلامها مع التفاتها لتشهق متفاجأه
ومن شده صدمتها
لم تستطيع النطق بحرف
فهي لم تري رجل بهذا القرب ابداً
بل لم تكن مع رجل في نفس المكان هكذا غيروالدها
ليقول ياسين بعدما ادرك خطئه ولاحظ توترها
" اسف فكرت الحمام هنا "
اعتذر سريعاً واغلق الباب خلفه
لينزل بخطوات سريعه
يذهب اللي الحمام في الطابق السفلي
وقف امام المرأه بينما يلهث بقوه
" هتجنني هتجنني لازم الاقي حل للي بيحصلي ده "
غسل وجه بالماء وكذلك قميصه الملطخ بالقهوة
ليخرج بينما يتنهد
ويذهب بإتجاه يحيي في غرفه الجلوس
" همشي انا بقي يا يحيي بيه وهنتقابل تاني علشان الأراضي "
قال ياسين ليومئ يحيي قائله
" بإذن الله "
وقف ليصله للباب ليقول ياسين بسرعه
" مافيش داعي احنا الباب في وش الباب "
استغرب يحيي ليقول
" ازاي "
" اصل انا الساكن الجديد في البيت اللي قدام بيتك "
ابتسم يحيي ليقول
" طب عال اويي كده مافيش تعب ولا حاجه وتشرفنا بزيارتك مره تانيه "
اومأ ياسين ليقول " إن شاء الله "
خرج من المنزل ليذهب اللي منزله
ليجد ان ام سعيد في انتظاره
" ها يا ام سعيد عملتي اللي قولتلك عليه "
قال بعدما جلس علي الاريكه
اومأت بإبتسامه لتقول
" ايوا يا باشا شفت الشغالة اللي عندهم انهارده في السوق وتقريباً بقينا صحاب واسمها فايزه بتشتغل عندهم من زمان اوي وكمان هما ساكنين هنا من ساعه ما الاموره بنتهم ورده اتولدت وعرفت كمان ان بعد ما مرات يحيي بيه ماتت وبنتهم لسه صغيره تقريباً كان عندها خمس سنين منع خروج الانسه ورده من البيت كل حياتها بقت في البيت فايزه قالتلي انه بيخاف عليها جدا ومش بيحب حد يبصلها بس يا عيني قالتلي ان الانسه ورده بقيت زعلانه علي طول
خصوصا بعد ما كبرت وبقي نفسها تخرج وتتفسح لكن من كتر خوفها من يحيي بيه مابقتيش بتتكلم معاه في الموضوع وتقعد تعيط
صعبت عليا اوي يا حبه عيني "
أنهت ام سعيد حديثها الطويل
والذي كان ياسين يستمع اليه بتركيز شديد
" وهي الانسه ورد عندها كام سنه "
" ١٨ سنه وهتكمل بعد أسبوعين ١٩ سنه "
اومأ ياسين متفهماً ليخرج من جيبه بعض الاوراق الماليه قائلاً
" طب ماشي خدي دول وهاتي لسعيد واخواته حاجه حلوه وانتي مروحه "
شكرته ام سعيد بكثره لتذهب من غرفه الجلوس بإتجاه المطبخ بسعاده
" أسبوعين قدامي أسبوعين ولازم أكون خلصت كل حاجه "
ابتسم بعد انتهاء كلامه
لينهض الي غرفته وينظر الي النافذه
عله يري من سرقت قلبه وجعلت عقله يكاد يجن
بينما في مكان اخر
وتحديداً حيث الفتاه التي يتمني ياسين رؤيتها
تجلس علي السرير تضم قدميها الي صدرها وتفكر فيما حدث اليوم
قائله بعقلها
" هو انا متأكده هو جارنا اللي في البيت اللي قدامنا كويس بابا معرفش بس انا برضوا مبحبش أخبئ عليه حاجه لكن لو عرف ممكن يزعق جامد "
قررت ورده انها لن تقول ما حدث لولدها لتجنب غضبه
والذي تكرهه هي للغايه
فورده بطبيعتها هادئه ومسالمة للغايه
ولذلك هي لا تحب حينما يغضب
بعد مرور يومين
اتصل ياسين علي يحيي ليحدد معه موعد ليذهبا لرؤيه
الأراضي في الفيوم
" خلاص اتفقنا يا ياسين باشا بكره نسافر الفيوم "
" صحيح يا يحيي بيه انا كنت بفكر اشتري مزرعه ليا هناك وعايزك تساعدني في الموضوع "
" طبعاً يا باشا انت تأمر نسافر الاول وكل حاجه بعد كده تتسهل بإذن الله "
" بإذن الله بكره هعدي عليك ونسافر في القطر "
" ماشي يا باشا علي خيره الله "
" سمعتي يا داده بابا هيروح الفيوم تفتكري لو قولتله اني اروح هيوافق "
تحدث بحماس الي مربيتها لتنظر لها الاخري بحزن حاولت إخفاءه وقالت
" مش عارفه والله يا حببتي هو مسافر علشان شغل بس ياريت يخدك يا حببتي "
" خلاص هروح دلوقتي اقوله واشوف هيقول ايه "
قالت ورده ولم تفقد حماسها للأن
ذهبت ورده حيث والدها يجلس في غرفه الجلوس يقرأ الجريده
جلست بجانبه لتقول بتوتر وقد ادركت انه لا سبيل للتراجع الان وقد يغضب منها
" بابا انت هتسافر بكره الفيوم صح "
ترك والدها الجريده يصب كامل انتباهه لها
" ايوا يا حببتي عايزه حاجه اجبهالك من هناك "
" لا..قصدي اه عايزه حاجه "
" عايزه ايه "
" عايزاك تاخدني معاك ، وقبل ما تعترض انا بجد نفسي اخرج يا بابا واوعدك لما نروح من هخرج من البيت هناك ،بس بجد نفسي اشوف اماكن جديده علشان خاطري خدني معاك يا بابا "
انهت حديثها وقد بدأت الدموع في الظهور في عينيها
وضع يحيي يده علي خدها وقال
" انتي عارفه هيكون ردي ايه يا ورده ، انتي عارفه انا بعمل كده ليه انا خايف عليكي يا حببتي الدنيا بره البيت مش زاي ما انتي فاكره انتي هنا في امان بره مش هتكون كده عارف انك كبرتي وعايزه تتفسحي لكن بالنسبه ليا انتي لسه وردتي الصغيره "
امسكت يده الموضوعه علي خدها ودموعها بدأت بالفعل في النزول من عينيها قائله
" انا هكون في امان طول ما انا معاك يا بابا ، بس علشان خاطري المره دي بس علشان خاطري "
" مش هقدر يا وردتي مش هقدر "
انهي يحيي حديثه وخرج من غرفه المعيشة لغرفته
يصعب عليه رؤيه دموعها فهي وحيدته
في ذلك اليوم نامت ورده والدموع علي خدها
تتمني لو كان والدها لا يخاف عليها لهذا الحد
لكن امنيتها الكبري لو لم تمت والدتها
لكان سيتغير الكثير
يتبع