جنةالإنسانية

فاطمة رأفت`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-17ضع على الرف
  • 42.6K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

((جنة الإنسانية))
الباب الأول :-
..................
تحرك قدمها بسرعة فائقة على (بدال) الدراجة التي تسير مسرعة فوق العشب الأخضر ،فتاة بملامح بريئة وطفولية بخصيلات شعرها البنية وبشرتها البيضاء بعينيها الزرقاء!..مهلاً لون عينيها غير متناسقاً مع ملامحها! ،لم تختفي ابتسامتها السعيدة وهى تضحك وتنظر خلفها وهى تتسابق بدراجتها في..الدار؟

: (أفنان) !..المديرة هتعمل مشكلة ، إنزلي.

تم اصدار تلك الجملة من فتاة واقفة بملامح مليئة بالضيق بشعرها الاسود وبشرتها القمحاوية بعينيها البندقية ،التي لديها ٢٢ عاماً..ومرتدية الملابس الرسمية للخدم.

لتظهر فتاة اخرى في سن ال٨ سنوات فوق دراجة تقودها هى ايضاً بسرعة فائقة في سباق مع( أفنان) وهى تسرع خلفها  ،
لم تعطيها (أفنان)رداً واكملت سباقها ،ثم ضربت صديقتها الارض بإحدى قدميها ..بضيق وهى تقول...
ريناد بضيق كبير: أفنان!

في نفس التوقيت**
على الناحية الاخرى:

نزل شاب من سيارته الفخمة وهو حاملاً بيده عُلبة، بحلته السوداء وجسده الرياضي المتناسق بعينيه السوداء ككُرتين من اللون الأسود، وبشرته القمحاوية لديه ٣٢ عاماً...إنه (تميم الألفي) ؟!

وقف في مكانه بملامح جدية وهادئة وهو ينظر للدار التي تقوم والدته بإدارته ،ثم سارت( أفنان) بدراجتها مسرعة..بابتسامتها المشرقة، نظرت خلفها لترى تلك الطفلة الصغيرة التي تتسابق معها

ثم كادت أن تنظُر أمامها ولكن توقفت رأسها ونظراتِها..حتى ابتسامتها! ،عندما رأته واقفاً أمامها على بُعد أمتارٍ

مهلاً..لقد شعرت انها رأت تلك الملامح من قبل ولكن أين؟ ظل (تميم) ناظراً لها بتعجب فلماذا تنظر له بهذه النظرات الغريبة؟
استيقظت من شرودها على إصطدامها بسيارة!! ،اسرع إليها (تميم) فور مشاهدته لما حدث..ووضع العُلبة التي  بيده على ظهر السيارة ثم امسك معصم ذراعها وهو يقول...

تميم بقلق: انتِ كويسة ؟ حصلك حاجة؟؟

اعتدلت في جلستها بصعوبة وهى جالسة على السيارة ..على أثر الصدمة.. واضعة يدها على انفها التي تؤلمها بقوة ،ولكن عندما استمعت لصوته نظرت لعينيه وهو أمامها..شعور بداخلها يقول بأنها تعلم تلك النبرة جيداً!
بلعت ريقها بخوف لعجزها عن الرد على سؤاله القلق!!

سهير (والدة تميم) بغضب: انتِ ياهانم!!...

انتبهوا لصوتها وهم ناظرين إليها ،ثم جائت سيدة في سن الخمسون مرتدية ملابس تشير إلى انها في رُتبة مرتفعة ،بشعرها البني وبشرتها البيضاء واضعة الكثير من مساحيق التجميل كي تظهر انها شابة دائماً !

ثم اكملت بغضب عندما وقفت أمام (أفنان) مباشرةً

: عجبك اللي عملتيه؟..بهدلتي العربية وكمان سايبة شغلك!! ،مخصوم منك شهر.

بلعت (أفنان) ريقها بخوفٍ من (سهير)..بينما نظر لهم (تميم) بضيق من أٌسلوب والدته القاسي مع الفتيات.

تميم بضيق : شهر! المفروض تدخليها دلوقتي للدكتورة نكشف عليها ونشوف لو عندها كسر.

أدارت (سُهير) رأسها لـ(تميم) بملامح ثابتة وقوة شخصيتها المعتادة ولكن ليست مع ابنها!

سهير بجدية تامة: تميم! الاشكال دي انا بعرف اتعامل معاها كويس...

ثم استدارت لـ(أفنان) بملامح قاسية وهى تكمل: ادخلي دلوقتي..وعلى اللي عملتيه دة! ،هتنضفي الاماكن اللي هتقولك عليها خديجة.. فاهمة ؟

اومأت (أفنان) سريعاً برأسها بطاعة من كلمات (سُهير) القاسية ، لكن على الرغم من صمتها إلا أنها تشعر بالظلم التي توجهه إليها (سُهير) دوناً عن بقية الخادمات هنا! ،ثم جائت خلفها تلك الطفلة... بينما نظر (تميم) لوالدته بضيق مما قالته!

سُهير بجدية : تعالىٰ ندخل  يا تميم.

تركته ورحلت بينما هو أخذ العُلبة بكل هدوء ..ثم نظر لوالدته التي غابت عن الأنظار شعر بشيء غريب يحدث هنا! ،ثم نظر حوله بتأفف واختناق..سار متوجهاً للمبنىٰ .
................................
في الاسكندرية:
داخل الملهى الليلي:

واقفة وهى في سن ال٢٥ عاماً ترتب المائدة جيداً… تقوم بتجهيز الاطباق وتضعهم على مائدة زجاجية صغيرة أمام اريكة ما في الغرفة..لتدخل عليها فتاة في سن ال١٩ عاماً بعينيها التي من لون الزُمرد !

اسمُها يدعىٰ.. زمرد، بنفس اسم لون عينيها ، مرتدية فستان بحمالات رفيعة ولكنه لا يظهر شيء من جسدها.
اعتدلت تلك الفتاة وهى تضع الطعام عندما نظرت لـ( زُمرد) بتعجب شديد!

سمر بتعجب: زُمرد!...ايه اللي حصل؟!

اسرعت إليها (سمر) بخطواتها لتقف آمامها مباشرةً وهى مُمسكة ذراع (زمرد) بيديها..عندما رأت تلك الدماء الخارجة من فمها وانفها!!

زُمرد بنبرة بها الاختناق: هشام.

ثم ازالت يد صديقتها (سمر ) وتوجهت بخطواتها الىٰ الاريكة..كي تجلس وعلامات الغضب علىٰ وجهها
،ثم إستدارت إليها (سمر) وهى مازالت في وقفتها..حركت يدها بضيق كبير وهى تقول..

سمر بضيق وغضب: تاني يا زمرد!..تاني؟!...
زمرد بضيق مقاطعة: خلاص يا سمر !

قالتها وهى ناظرة لها بغضب من إنفعالها عليها هى..وليس على هشام!

سمر بغضب: لا مش خلاص ،إنتِ مش هتستريحي غير لما يرمينا في الشارع!..مش هتوقفي نهائي انك تستفزيه بكلامك.

انهت كلماتها وهى آتية اليها بخطوات هادئة على الرغم من إنفعالها!
ثم عقدت (زُمرد) حاجبيها بتعجب..أهذا ما تتحدث عنه؟.. أنهم سيلقون في الشارع!؟ ، لا تهتم إذ كان يعنف صديقتها ام لا!!

زمرد بتعجب كبير: هو دة اللي فارقلك؟..إنك ماتترميش في الشارع؟!!

ضربت (سمر) بيدها اليمنى على جانب فخذيها بإستسلام وهى تقول بتنهيدة تعب...

: انتِ مش هتستريحي غير لما يعمل كدة ،اقول ايه بس.

لتتركها بنظرات الإختناق..لتستدير إلى الطاولة كي تكمل تحضير الاطباق ،بينما نهضت (زُمرد) مِن كلماتها الباغضة ،ثم توجهت إلىٰ (سمر) سريعاً

ووقفت بجوارها وهى ساندة ذراعها الايمن على الطاولة...لتقول لها بعدم إستيعاب من كلمات صديقتها..فـ هل چُنت؟

زمرد بإستفهام: انتٍ فاهمة بتقوليلي ايه؟...شايفة إن دة مكانك اللي هتفضلي طول حياتك عايشة فيه؟! ،مش بتحلمي زيي إنك تخرجي برة ونعيش كويس...

تركت (سمر ) مابيدها بإنفعال وصوت عالٍ

: لا مش بحلم! ...

ثم أدارت وجهها لـ(زُمرد) بضيق

: وانتِ مش هتستفيدي حاجة بهروبك للمرة المليون من هنا غير انه بيرجعك وبتاخدي حصتك من الضرب..

صمتت (زُمرد) لبضع ثوانٍ..ناظرة لصديقتها فـ أنىٰ لها أن تفكر هكذا؟!! ،ترى (سمر) أن ذلك المكان القذر أفضل من أنْ تُلقىٰ في الشارع.

بلعت (زُمرد) ريقها وهى ناظرة لصديقتها بعدم إستيعاب..لتفرغ شفتيها بضعف.

زمرد بنبرة هادئة : انا مش مصدقة انك بتقولي كدة!..انتي اللي كنتي بتشجعيني على الهرب من هنا ...

نظرت (سمر) أمامها لتتحول عينيها للحزن..ثم أخذت نفساً عميقاً كي تهدأ ولا تدخل في نقاشٍ حادٍ معها ، ثم اكملت( زمرد) بغضب وهى تتحرك بإنفعال كالأطفال

: دلوقتي بتقوليلي إني غلط؟..إزاي؟!! فهميني.

امسكت سمر الأطباق وتجاهلت حديثها المنفعل ،ثم وضعتهم على المائدة الزجاجية الصغيرة وهى تقول بملل

: كفاية يا زمرد..انا مش عايزة اتكلم.
: لا فهميني ،هشام عمل ايه عشان رأيك وإصرارك يتغير!؟؟...

قالت (زُمرد) كلماتها وهى تتحرك كالأطفال بغضب ثم وقفت أمام (سمر) صديقتها وهى تقول بحزن كبير

: مش معقول هشام يكون اقنعك بتفكيره القذر، مش عايزك غير عبدة عنده!..مش عايزنا غير كدة ، قوليلي..فـسريلي قالك كدة ازاي ،سمعتي صوت الشيطان واستسلمتي؟
" كــفـايــة" !

استدارت على صوته الخشن واقفاً عند باب الغرفة ،لتبلع سمر ريقها فهى تخشى منه..بينما نظرت له (زمرد) بدهشة فبالطبع استمع لكل كلمة قالتها عنه بعدما صفعها في الاسفل!..
.....................................
في غرفة مكتب سهير :

دخلت (سُهير) غرفة مكتبها لتجلس على مقعد مكتبها الرئيسي..ببنما جاء (تميم) خلفها وهو حامل بيده عُلبة مُغلفة من الخارج وهو يقول..

تميم بجدية: متهيألي دة دار ميتم، احنا مش في الڤيلا ياسهير هانم!

انهى حديثه ليقف ويضع العُلبة على سطح المكتب، لتعقد والدته حاجبيها بتعجب خفيف..بملامحها الثابتة.

سُهير بنبرة ثابتة: تقصد ايه ياتميم؟

ثم جلس على إحدى المقاعد التي بجوار المكتب ،يعلم أن والدته قاسية الطباع ولكنها معه ليست هكذا! ..ثم ادار وجهه لها بملامح مليئة بالجمود

تميم بجمود: انتِ عارفة قصدي كويس ، معاملتك معاهم اودام البنات هنا هيخلي شكلك وحش في الاعلام!

ابتسمت بسخرية بجوار شفتيها..لتعتدل في جلستها وتبدأ في فتح تلك العٌلبة بعدما تحولت ملامحها للابتسامة الهادئة وهى تقول..

: ماتكبرش الموضوع! ،انا عارفة البنات دي كويس وإزاي اتعامل معاهم ماتشغلش بالك..

وضعت تلك الشوكة في إحدى قطع الحلوىٰ التي جاء بها...من النوع الثمين جداً، ونظرت له بملامح قوية وثابتة.

تميم مقاطعاً وهو ناظراً امامُه بإبتسامة ثابتة ليس بها أي حياة!

: في شيء غريب!..اتضايقتي ليه؟!..

ثم ادار وجهه لها وهو يكمل بعينين مليئتين بالغموض

: لما روحت اشوفها ،ايه!..خايفة عليا؟ ،ولا اتضايقتي لما وقفت أُودامي؟!

استمعت سهير لكلماته..تحول جسدها الى تمثال صلب!! ،وهى مازالت ناظرة لعينيه والشوكة في يدها...بينما توقف فمها عن الحركة بعدما كانت تمضغ الحلوى في فمها المغلق

سُهير بثبات: تميم! ، مش غريبة انك تسأل عن البنت دي بالذات! ..دي خدامة.

وضع يديه الاثنين على سطح المكتب مسرعاً..بعدما اقترب بوجهه سريعاً وهو يقول بنبرة بها الضيق!

: الغريب هى نظراتك اللي شوفتها..توتر..قلق! ،لونك اتغير!!
: انا مش عارفة انت عايز تقول ايه ياتميم؟!

قالت وهى ناظرة لعينيه بعدما بلعت ريقها..بينما هو نهض وأعطاها ظهره لينظر للنافذة التي تطل على حديقة ذلك الدار وهو يقول بعدما اخرج تنهيدة..

تميم بجمود : اللي بقوله ان في حاجة غريبة لما البنت دي شافتني! ،انا حاسس اني عارفها.

انزلت الشوكة من يدها لتجعلها توضع في احدى الحلوى الاخرى وتقربها من فمها وهى تقول بابتسامة خبيثة

: بيتهيألك ،البنت دي عايشة هنا من ٤ سنين ،هتكون تعرفها ازاي يعني؟ بالاضافة إنها اتربت هنا.

ادار رأسه لها بعدما انهت كلماتها ، بينما هى وضعت الحلوىٰ في فمها وهى تمضغ بإبتسامة قوية
تقدم بضع الخطوات بثبات ليقف امام مكتبها مباشرةً وهو يقول..

تميم بجدية: انا بقول حاسس! لكن مااكدتش على كلامي..غير منك دلوقتي.

نظرت لعينيه بتوتر كبير..وهى ثابتة في جلستها هكذا! ،حتى تلك الشوكة مازالت في يدها.. ساندة كوع احدى ذراعيها على سطح المكتب

شعرت بأنه سيكشف أمرها الذي لطالما أخفته عنه!
انهىٰ كلماته ليتركها ويرحل بعدما جعلها تشعر أن هناك شيء ما!

ابعدت تلك الشوكة العُلبة جانباً..بعينين مليئتين بالغضب المكتوم ،اخذت عينيها تسير في كل انشٍ امامها على سطح المكتب..وصدرها الذي يعلو ويهبط!
!

سُهير بنبرة حادة: خديجة..خديجة!

اسرعت إليها خادمتها الخاصة في ذلك الدار وهى في مثابة ذراعها الايمن ،ثم وقفت امامها بتوتر كبير من تلك النيران التي في عين رئيستها!

خديجة بتوتر: تحت أمرك.
: اللي اسمها أفنان..من هنا ورايح مافيش خروج ليها من الاوضة لمدة يومين، مفهوم؟

انهت كلماتها وهى ناظرة لخديجة بتوعد كبير لتلك الفتاة !
................................
في قصر العائلة:
في غرفة ما:

نائماً على السرير وفوقه الغطاء ظاهراً منه رأسه وكتفيه..مرتدي (t-shirt) من اللون الرمادي..وهو نائماً على چانبه الايمن ، دخلت فتاة صغيرة لديها ٨ اعوام

مرتدية فستان قصير يصل لفوق الركبة بحمالات عريضة..بشعرها الطويل من اللون البني..يصل لأسفل ظهرها ، تدعىٰ (نور) وهى ابنته الوحيدة .

قُصة شعرها الرقيقة جداً على رموش عينيها بلطف ،ثم اسرعت متجهه لسرير والدها وهى تقول..

: بابا..بابا! ،اصحى...

ثم قفزت على والدها وهو نائماً بخفة بظهرها لتصبح فوقه ووجهها للسقف ،رفعت يديها للأعلى  لتجعل أصابعها تجتمع معاً لتصنع شكل مستطيل وهى تنظر منه للسقف بعين والعين الاخرى جعلتها تنغلق بطفولة ،ثم اكملت بنبرة مرحة

: عارف بكره هيكون ايه؟ ،اتبقى ٢٤ ساعة...
ثم فردت ذراعيها وهى تتحدث بإبتسامة سعيدة وحماس

: وهيبدأ يومنا..

لم يعطيها اجابة.. لتعتدل في جلستها سريعاً وهى مازالت فوقه ،ثم وضعت يديها الاثنين..لتكمل بإبتسامة هادئة

: يعني يوم كامل هنبقا سوا!..مش حاجة حلوة؟

اصدر انيناً هادئاً كإجابة على سؤالها..ومازال مغلق الأعيُن… فلم يتحرك انشاً
لتعقد حاجبيها بيأس ، بينما هو ابتسم من طريقتها لينهض من نومه ويجلس بكسل..ثم اقتربت منه بإبتسامة وهى تقول

: مستنيـنك عشان نفطر تحت..هتعملي ايه بكره؟

وضع (داوود) يده على إحدى اكتاف ابنته بحنان..ليبتسم بلطف وهو ناظراً لها

: هيبقا يوم مش هيتنسي.

ابتسمت بسعادة كبيرة وهى ناظرة لعينيه..اعطته قُبلة على إحدى وجنتيه سريعاً ،ثم نهضت من على السرير..لتخرج بسعادة كبيرة من وعده الذي اعطاها إياه.....بينما هو ابتسم وهو ناظراً امامه

باصطناع ،لترحل ابتسامته فور خروجها...وينظر امامه بعينين يائستين ليس يهما أي حياة!!..شارداً البال!

ثم ازال  ذلك الغطاء الذي عليه لينهض ويدخل المرحاض.
..............................

خارج الملهى الليلي:
الساعة ١٠ مساءً:

شاب في سن ال٢٥ عاماً..مرتدي بنطال (چنس ) وفوقه قميص من اللون الازرق الفاتح وفوق ذلك القميص سترة من اللون البني ،مرتدي على عينيه نظارة طبية ( مظهره يقول انه لا يصح أن يدخل ذلك المكان..مطلقاً! )

اخرج تنهيدة ثم نظر حوله..وهو يقول في نفسه بعدما نظر للداخل " حانت لحظة المواجهة ، بحثت عنها ٩ سنوات بلا فائدة "

تحدث أحد الحراس بتأفف: هتفضل واقف مكانك كتير مش بنحب الوقوف كدة ،ولا هتدخل؟

انتبه (كريم) لصوت ذلك الرجل الذي يعتبر جسده اضخم منه بكثير وهو مرتدي حلة سوداء ،ثم شعر بالتوتر الكبير وأومأ برأسه بعدما بلع ريقه.
كريم بتوتر

: ايوة!..أكيد ،أكيد هدخل.

قالها ودخل مسرعاً..ثم وقف بعدما رأى ذلك المكان!..ليفرغ شفتيه فتلك أول مرة يدخل الى هنا

" ماهذا.. انه قاع جهنم؟! ،ولكن بدلاً من الصراخ انهم...يضحكون! "

الجميع في ايديهم المشاريب والكؤوس..غير مدركين لما يحدث حولهم ،عقلهم قد تغيب عن الوعي تماماً..وتلك الفتيات معظم ملابسهم توحي بالعُري!

افاق من شروده على ارتطام فتاة ما به..ليبتعد خطوة للخلف على أثر الإصطدام..لينزل سريعاً على الارض وهو يقول مسرعاً...

انا اسف..اسف جداً ،مـ..ماكنش قصدي.

قالها وهو يجمع حقيبة تلك الفتاة والاشياء التي بها ثم اعتدل في وقفته بملامحه الهادئة.

الفتاة بابتسامة مستفزة: فتح بعد كدة كويس..ولا شكلك شارب كتير النهاردة!

قالت جملتها الأخيرة وهى تتحرك بعدم اتزان من شربها المُفرط..ثم رحلت ،بينما هو عقد حاجبيه وهو ناظراً لها.. بل هى التي أكثرت من الشرب!

توجه (كريم) إلى المقعد الذي امام رخامة كبيرة عليها كؤوس المشروبات المحرمة ، انه الان جالس ينتظر مجيئها..ولكن كيف علم انها هى من ستأتي؟!...
....................................
وفي المساء:
الساعة ١١ مساءً قبل منتصف الليل:
في الملهىٰ الليلي:

خرجت من غرفتها بتأفف كبير ثم نظرت حولها بعدما أغلقت الباب خلفها ،ثم وقفت بثبات واخرجت تنهيدة وهى ناظرة امامها...كرهت مايفعله بها (هشام) ،

انه يستخدمها كما يستخدم باقي الفتيات في ذلك المكان اللعين كي يعملوا..ويعطوه بعض من الأموال!

: زُمرد!..اتأخرتي ليه كل دة....

انتبهت سريعاً لصوت صديقتها الصاعدة على الدرچ ،ثم جائت إليها صديقتها وهى مرتدية فستان قصير يصل لفوق ركبتها قليلاً من اللون الأزرق.

زمرد بنبرة هادئة: كان لازم الاقي حاجة تناسبني، هشام غير دولابي!

وقفت أمامها ليلى لتخرج تنهيدة تنفساتها بتعب، ثم ابتسمت لتقول بحماس

: الوسيم مستنيكي تحت.

عقدت زمرد حاجبيها! ،فمن هو ذلك؟
زمرد بتعجب عندما تقدمت خطوة وهى ناظرة لـ(ليلى)

: وسيم مين دة؟

أسرعت (ليلى) متوجهة لجدار الدرچ وهى تجر (زُمرد) خلفها لتجعلها ترى ذلك الوسيم الجالس في الأسفل على مقعد أمام طاولة ينظر كل ثانية لساعته باستعجال!..مرتدي نظارته الطبية.

: انا مش فارق معايا، المهم إني اهرب من هنا..والنهاردة!

بعدما قالت (زُمرد) كلماتها نظرت لها (ليلى) بضيق...فهى تعلم مصيرها من الهرب، في النهاية تقع في يد (هشام).

ليلى بضيق: خليكي انتِ عايشة في أحلامك وفي الاخر هشام مش هيسكت! ،وييجي يزعقلي انا.

تحدثت زمرد بنبرة هادئة وهى تسير بخطواتها.. متوجهه للاسفل: ليلى ماتشغليش بالك ،انا مش هوقف لحد ماامشي من هنا.
استدارت ليلى إليها لتقول باختناق وملل
: بلاش جنان يا زمرد..مش هتوصلي لحاجة!

لم تعطيها (زُمرد) أي استجابة..ثم نزلت للأسفل وأخذت تسير بخطواتها حتى تصل إلى تلك الطاولة.

توقفت في خطواتها فجأة..لترى من امسك بها من كوع ذراعها الايمن، أدارت وجهها إليه بسرعة لتراه (هشام) ذو ال٣٠عاماً واقفاً بجوارها بضيق كبير في عينيه السوداء

هشام بغضب وصوت مكتوم
: انا كام مرة هقولك توقفي عناد!..ايه اللبس دة؟!

فرغت شفتيها بخوف منه..فهى بقدر ماتمتلك بشجاعة داخلها ،إلا انها تخشى منه بقوة!!
ثم نظرت لفستانها الطويل والذي يخبيء جسدها ولا يظهر منه شيئها سوى كتفيها..

عادت للنظر له من جديد لتبلع ريقها بتوتر كبير وهى تقول..
: مش لاقية فساتين تانية.

ضغط على كوع ذراعها بقسوة لتقترب اكثر وهى ناظرة لعينيه وهى تحاول أن تتملك شجاعتها من ذلك الظالم!

هشام وهو يجز على أسنانه
: زُمرد!
: انت كدة بتأخرني.

قالتها وهى ناظرة لعينيه بضعف..لم تستطع تملك شجاعتها حتى الآن!
ترك كوع ذراعها بإهمال وهو مازال ناظراً لعينيها ، تركته واسرعت إلى ذلك الوسيم بخطواتها .
......................................
في قصر تميم الآلفي:


في غرفته نائماً على جانبه الأيمن..ببچامته البيضاء من الحرير مفتوح ازرارها من الأعلى قليلاً ،عينيه مفتوحتين..أيعقل انه مازال يفكر بها!...اخرج تنهيدة لينام على ظهره وهو ناظراً للسقف وبجواره زوجته النائمة وهى مرتدية بچامة بحمالات رفيعة ،كيف لها ان تكون في عقله حتى تلك اللحظة!

وضع يديه الاثنين على وجهه باختناق وهو يشعر بالتعب من تفكيره المستمر بها ،لم يستطع ان يترك لحظة أخرى في التفكير بها لينهض من على السرير ويخرج من غرفة نومته بتسرع!!
.............................
وفي الملهى الليلي:

نزلت من على الدرج بملامح بها الضيق الكبير مما يحدث كل يوم معها منذ سنتين..حاولت الهروب مراراً! ،ولكنه في النهاية باء بالفشل

بينما (كريم) جالساً على إحدىٰ المقاعد..وعندما أصبحت امام عينيه ،ادار وجهه للناحية الاخرى سريعا بتوتر كبير!..أيعقل!!..إنها هى؟ ،بعد كل تلك السنوات أصبحت امامه من جديد!

،ثم بلع ريقه ليعتدل في جلسته

" إنها أمامي..ملامح عينيها لم تتغير مازالت كما هى! "

جائت ووقفت امامه وبينهم تلك الرخامة العريضة..ثم وضعت يدها اليسرى عليها بملل وهى تقول..

زمرد بملل: انتَ بقا اللي طلبتني بالاسم؟!

رأى عينيها الباهتة وهى تتحدث..يعلم جيداً انها محتچزة هنا بالقوة!

كريم بهدوء: بالظبط.

امسكت كأس ما ووضعته امامه بضيق..بملامح وجهها المليئة بالاختناق!

: وانت تعرفني منين؟..عشان تطلبني بالاسم..

ثم عقدت حاجبيها قليلا لتعتدل في
وقفتها ،واكملت بتعجب

: انا عمري ماشوفتك هنا!
كريم بجدية: انا عارفك كويس.

ربعت ساعديها لتسندها على الرخام وهى تقول بضيق

: وعايز ايه؟

نظر لعينيها وهو يعلم مابها جيداً..تمنى الان أن يعانقها ويعتذر لها عما بَدر منه منذ سنوات! ،ولكنه متماسك وهادىء...رأت في عينيه البراءة ليقول..

كريم بنبرة هادئة: الاجابة! ، انتِ هنا من امتى؟

اخرجت تنهيدة لتبتعد عنه وتعطيه ظهرها، ثم اخذت زجاجة بها المشروب المُحرم وهى تقوم بفتحها..

: ٩ سنين..

نظرت لناحية اخرى..ثم رمشت بعينيها بحزن، تِسع سنوات وهى فاشلة لا تنجح في خطة للهروب من ذلك المكان القذر!
ثم اكملت عندما استدارت إليه وهى متوجهه له بخطوات هادئة

: ماجوبتنيش على سؤالي ،عايز ايه؟
كريم بجدية: قولتلك اني عايز الاجابة..جاي عشان اسألك.

رفعت حاجبيها الاثنان بإصطناع الدهشة من حديثه ،ثم ابتسمت بسخرية..وسكبت له الخمر في الكأس .

زمرد بإبتسامة ساخرة وهى تنظر للكأس
: ومن حقي اسأل دلوقتي..ليه بتسألني؟
: انا مش بشرب.

رفعت نظراتها إليه بنظرة حادة..فشكوكها أصبحت في محلِها الآن ،إنه ليس كبقية الرچال..إنه فقط يريد أن يعرف شيئاً منها ويرحل!!
وضعت الزجاجة جانباً لتنظر له بهدوء وهى تقول...

: مش هتجاوب؟

اعتدل (كريم) في جلسته..ثم نظر للأعلى ليعاود النظر لها من جديد بملامحه الهادئة
:شوفت هشام وهو بيضغط عليكي عشان تنزلي..بالاضافة لملامحك وانتِ متضايقة لحد اللحظة دي!

وضعت (زُمرد) يديها الاثنين على الرخامة وهى تقول بإبتسامة ثقة وناظرة له

: هشام!..جميل جدا ،كلنا نعرف هشام كويس!!
كريم مسرعاً بجدية: زُمرد..انا عارف  انك بتحاولي تهربي من المكان دة ،انا معاكي هنا وهقدر اساعدك..

ظلت ناظرة لعينيه بصمت كبير ونظرات الجدية التي تعتلي وجهها..تعبيراً عن رد فعلها الغير متوقع! ، ليكمل بنظرات بريئة: انا اكتر واحد عارف هشام كويس....

لم يكمل كلماته!..قاطعته عندما وضعت الخنجر على رقبته بدون أن يشعر أحدٍ حولهم بأي شيء!!
بينما هو ناظراً لها بصدمة! ،كيف تفعل ذلك..ما تلك الجرأة!!

كريم بدهشة: زٌمرد!

اقتربت خطوة وهى ناظرة لعينيه بقوة لتقول..
زمرد بنبرة جادة: انا عارفة كويس ان هشام باعتك..انا مش غبية.

اخرج تنهيداته القلقة لم يتوقع ان تفعل ذلك به ! وهو يقول

: وهشام هيبعتني ليه؟ اذ كنت بقولك هساعدك؟!

امتلأت عينيها بالدموع..لم تقدر على احتجازها بالداخل اكثر من ذلك ،لتضغط على شفتيها في اقل من ثانية كي تكتم دموعها.

زمرد بحزن: مش عايزني امشي من هنا!..هيفضل سَجني..

قالت جملتها الاخيرة " هيفضل سَجني" وهى تنظر لناحية اخرى كي تهدأ..ثم عاودت النظر له من جديد بنظرات جادة وقوية ،لتكمل

: ودة اللي مش هسحمله..تطلع تقوله اني مش غبية ،واني هخرج من هنا قريب.
: زُمرد!..
رفع ذقنه قليلاً على اثر خنجرها الموضوع على رقبته ،ليكمل بنبرة ضعيفة وهو ناظراً لعينيها

: انا الوحيد هنا اللي هساعدك...هشام مابعتنيش ،انا جاي اخدك..وصدقيني هنتقم منه على اللي عمله فيكي ،ثقي فيا!

تحولت نظراتها للتعجب وعدم فهم مايحدث!..كيف لكلماته ان تؤثر بها هكذا؟ ،

ليكمل بهدوء: انا عارفك كويس..ومتأكد انك عارفاني ،لكنك نسيتيني! ،افتكري.

قالها وهو ناظراً لعينيها ببرائة ورجاء!...صمتت قليلاً وهى ناظرة له ........
......................................
في الدار:

وصلت سيارته أمام ذلك الدار الذي يرعىٰ الفتيات ،ثم نزل منها وهو لم يغير ملابسه!..حافي القدمين؟!

أغلق باب سيارته ليدخل مسرعاً بملامح وجهه الرجولية الخشنة
خرجت رئيسة الخدم من المرحاض ( خديچة)... التي تبلغ من العمر ٤٠ عاماً لتراه يدخل بدون وعي هكذا..
خديجة بتعجب

:تميم!...هو في حاجة حصلت في الوقت دة؟!

لم يعطيها اي رد ليكمل طريقه ناحية..غرفة الخادمات!
عقدت (خديجة ) حاجبيها بتعجب أكبر!..فكيف له أن يأتي في ذلك الوقت المتأخر ويتجه لتلك الغرفة؟
ثم ذهبت خلفه وهى تقول باستفهام..

خديجة بتعجب كبير :تميم!!..

وصل لغرفة الخادمات ليفتح الباب بقوة بدون أن يعطي أي اذن!! ،كأنه قد نسى القواعد..بدخوله عليهم هكذا...لكنه يبحث عنها ،تلك من سلبت عقله ،لتأتي (خديجة) خلفه وهى ترى مايفعله.

ارتطم ظهر الباب بالحائظ لتنهض كل فتاة في تلك الغرفة بعدم فهم ما الذي يحدث هنا؟؟
فور رؤيتهم له نهضوا بسرعة من بينهم ' افنان'

خديجة باستفهام : تميم بيه، ممكن افهم ايه اللي حصل؟ ،الهانم بخير؟!

قصدت بجملتها الاخيرة ( أحوال رئيستها سُهير..بالطبع لمچيئه في ذلك الوقت المتأخر وبتلك الحالة!! )
أخذت عينيه تسير عليهم واحدة تلو الأُخرى بملامحه الثابتة..القاسية!

تميم بجمود : بخير ،انا بس...

اقترب قليلاً منهم وهو يشعر أنها هنا..ليراها واقفة ناظرة للارض بملامح هادئة بعينيها الزرقاء التي يعشقها بقوة

رفعت نظراتها إليه فور شعورها بنظراته الممتلئة بالشغف ،نظرت لملابسه المبعثرة!...وأزرار بچامته المفتوحة باهمال!!  من الأعلى..بالإضافة إلى أنه حافي القدمين!! كيف له ان يأتي هكذا؟!........
.......................
بقلم: فاطمة رأفت
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي