الفصل الحادي والعشرون

الفصل الحادي والعشرون

عايزة سيجارة، لـ حسن دماغي هتتفرتك، و مش عارفة
اروح اشتري.

تبسم بفرحة بحرفية صياد محترف، قد وقعت
للتو ضحيته في شباكة بعد طول أنتظار، و اخرج من جيبه علبه سجائر و قال متسائلا:

- بتحبيها شرعي و لا عرفي؟

اعتدلت في مجلسها و اقتربت منه و السعادة تعتلي و جهها الأبيض، و ابتلعت لعاب ريقها بشهية جائع منذ أيام و الآن جاءت لحظة التهامه لأكلته المفضلة، و هي حقًا اشتاقت منذ آخر مرة تناولتها مع حبيبه
ا السابق، تذكرت كم كانت حالقه في عنان السماء
من السعادة معه، حتى لو كانت لحظات مؤقتة،
مدت يدها له و قالت:

- عُرفي طبعًا، هي عايزة كلام.
بس هو أنت ليك في العرفي يا أمين؟

ضحك عدة ضحكات متكرره، و قدمها لها و اشعلها، و أكد لها أنه له في كل شيء، و هو رهن اشارة من
اصبعها البنصر، رجعت مستنده للخلف، و زفرت
انفاسًا بمنتهى الاستمتاع، وظلت هكذا حتى انتهت منها، و اشعلت غيرها و غيرها، حتى أصبحت في حالة لا ترسى لها، تضحك تارة بشدة، و تارة آخرى تبكي
على حالتها، و لحظة الضياع الذي تعاني منه، كان
"أمين" يستمع لحديثها الذي تتكلم به دون وعي لما
تقول، حيث كانت الحروف ثقيلة متبعثرة، و لا تعرف كيف تلملها، قصت بدون ان تدري قصة حبها
المزيف، توقفت لوهلة، شعر "أمين" بـ النشوى
تسري بداخله نظراته لها تلتهمها بأعجاب، لكنه
الجم روحه بصعوبة، و توجه بها إلى الفيلا، و حين
وصل، وجد والدتها آتية من الخارج تسأله بصوتٍ
جهور:

- كنت فين يا أمين؟ و فونگ ليه مقفول؟ اتصلت اكتر من مرة عشان تيجي تاخدني من النادي مكنتش بترد.

تقدم منها بخطى مسرعة، راسمًا على وجهه الاعتذار و الاسف، مطأطأ الرأس شارحًا لها سبب غيابه، ادعى كذبه بأن ابنتها أصابها التعب فجأة، و هاتفته
ليتوجة إلى أقرب مشفى، تغيرت نبرة صوتها و سألتة بلهفة:

- و هي عاملة اية دلوقتي؟

هدأت معالم وجهه، و تنهد بأنها ابتلعت الطعم،
و طمئنها عليها، و تقدما إلى السيارة، حيث كانت
"سيلا" راقده غير متزنة، تشعر بالدوار، عيناها ذائغتان تفتحهما لـ صعوبة بالغة، امسكتها من ذراعها
و ساعدتها للوقوف، لتدلف للداخل، كانت تسير
معها بخطى بطيئة، حالتها اثارت دهشة والدتها
فـ سألته مرة اخرى:

- هي مالها مش مركزة ليه كده، و بتتطوح يا أمين؟

تلجلج و مسح بيده على وجهه، و تنحنح رادف:

- مفيش يا هانم، هي زي الفل، بس الضغط عندها
واطي أوي، و ركبت محاليل؛ عشان كده دايخه بس،
حضرتك بس طلعيها ترتاح في اوضتها و بكره
هتكون زي الفل.

اومأت بالموافقة و تركته، و هو تنهد براحة بأنها
صدقته، و ذهب لـ يجلس في السيارة يجري اتصال
هاتفي لـ يخبره بأخر التطورات، ليرد الاخر عليه بفرحة في صوته، راسمًا له خط سير الاحداث القادمة.
************

و بمرور الأيام السابقة، الحال تغير كليًا مع "صقر"
بعد مقابلته و استلام عمله كـ سائق لدكتور "رأفت"
شعر أن الأمور استقرت اخيرا و تبسمت له الأيام بعد طول عذاب و إرهاق و شقى، نظم وقته جيدًا، و ساعده في ذلك بأن الدكتور يخرج قليلا، و قد كان يساعده
كثيرًا في شرح بعض النقاط الصعبه، و ليس فقد
ذلك؛ بل يمده بالمراجع التي تفيده، لم يبتعد عن
صديقة "جاسر" او يشعره أنه اتنازل و خسره بسبب
أخته، التي لا يعلم عنها شيء بعد خروجه من الفيلا.
**************
يجلس "محروس" يتابع عمله بكل حرفية منه، صيته
في المنطقة علم به الجميع، و الاقبال على الكافي
يزيد كل يوم، خصوصًا شباب المنطفة و المناطق
المحيطة، فقد كان يقضي نهاره في عمله، و ليلًا في احضان عشيقته "سونيا" بئر اسراره، و بحر غرامه، انتبه لإحدى العمال يصيح بأحدى الزبائن و يوكزة بعنف،
نهض يفض هذا الشجار، و يستفسر عن سبب هذا
الصياح، و حين علم اخذه من يده يشده بعنف قائلًا:

- اللي معوش؛ ميلزموش يا بابا، ولما يبقى معاك
ثمن الهباب اللي بتتسممه تبقى تيجي تطلب، امشي يالا من هنا.

نظر له الشاب بكسرة، ممسك بيدة جسده الذي
يتمزق من شدة الوجع، و "محروس" واقفًا بكل جبروت، قلبه حجر صوان لا لين لصراخه و ترجيه له، رمقه
بنظرة حاده و قذف به خارج الكافي، غير منتبه
لوقوعة ارضًا، و لا اهتز لسماعة قذفه بالحسبنه عليه، لم يبالي له؛ بل سخر منه و من دعاءه، و اولاه ظهرة
و جلس على مقعده، ممسكًا رزمه من المال، يعدها
بسعادة ليس لها مثيل.
*************

استيقظت "سيلا" صباحًا ممسكة برأسها بألم شديد، حاولت أن تتذكر ماحدث ليلة امس لكنها لم تذكر
شيء، نهضت تأخذ حمامًا سريعًا، ثم انتهت
و توجهت لتطلب من العاملة عمل فنجان القهوة
ليهدأ هذا الطبل الذي يدق داخل رأسها، جلست
تتناولة في هول الفيلا، واضعة قدما على الأخرى، لم تنتبه لـ قدوم اخاها نحوها، نظر لما ترتشف إليه،
فقال بحدة:

- مينفعش يا سيلا تشربي قهوة كده على الصبح من غير ما تفطري الاول، و لو حتى سندوتش صغير.

نزلت قدميها، و وضعت قدح قهوتها الشهي على
الطاوله أمامها، و رفعت عيناها قائلة:

- الناس تقول الأول صباح الخير، مش تدي أوامر على الصبح، و كمان دماغي وجعاني و مليش نفس اكل،
قولت اشرب قهوة عشان اعرف اذاكر شوية قبل ما
يجي المستر.

- تذاكري !! ده من امتى يا سيلا، يا شيخة أنا نفسي
اشوفك فاتحة كتاب و بتذاكري بضمير.

قال حديثة بسخرية منها، بادلته نظراته و سخريته
و هي واقفة و قالت:

- و الله مش ذنبي ان نظرك ضعيف، و انك مش
بتشوفني، دي مشكلتك أنت مش مشكلتي، و عن
اذنك عشان مش فاضية ورايا مذاكرة.

و تركته قبل ان يرد عليها، صاعدة إلى غرفتها، حاولت ان تمسك احد كتبها، لـ تستذكر دروسها، لكن ما زال
الصداع يداهمها بشده، قذفت الكتيب بعنف،
و امسكت هاتفها لتتصل بـ "أمين" الذي رد فورا قائلًا:

- اوامرك يا برنسيسة.
- أمين دماغي وجعاني أوي، هاتلي حاجة من
الصيدلية بسرعة، مش قادرة افتح عيني و لا اذاكر.
- عيوني يا برنسيسة حالا هيكون عندك برشام
للصداع هيريحك جدا، و مش هحتسي بأي تعب بعد
النهارده، طول ما أمين في خدمتك و تحت امرك
مفيش تعب لحظة، انزلي الجنينة بسرعة.
أغلقت معه و نزلت مسرعة إليه، تعجب لـ سرعتها
"جاسر" سار خلفها، وجدها تتوجه نحو سيارة
والدهما، و لمح بداخلها "أمين" تناولت منه شريط
من البرشام، و دسته في جيب بنطالها بسرعة البرق،
ثم شكرته و اولته ظهرها، و ما ان التفتت وجدت
اخاها واقفًا أمامها يسألها عما حدث، تلجلجت
و بررت أنها طلبت منه يشتري لها نوع من
الشكولاته، لـ تحسن مودها، و من حسن حظها انها
اخذتها معها حين لمحتها و هي متوجهه إليه، ثم
اخرجتها ليراها، حدقها وهو يشك في أمرها، و لا
يعلم لماذا هذا الشك يتسرب بداخله و يشعر ان
هناك امرا مخفي، و يوجد سر تخفيه، ربما لـ عدم ثقته فيها، او مما فعلته مع صديقه، لكن مهما تكن
الأسباب لابد من معرفته مهما طال الوقت.
تركها و انصرف لـ يتوجه إلى جامعته، فقد قرر أنه
يركز اكثر في دراسته ليتخرج و يبدأ في تحقيق أحلامه.





و مرت الأيام و الاسابيع، و علاقة "سيلا" تزداد مع
السائق "امين" و ادمانها لشرائط التي اخذتها منه لا تستغنى عنها.
و جاء موعد امتحانات الثانوية العامة، و ادت أول يوم امتحانات، و لا تعلم ماذا سردت في ورقة الإجابة،
و حين خرجت تهاتفت اصدقاءها عليها ليطمئنوا
عليها، كانت تائهه، معالم وجهها لا تبشر بالخير
تعجبت "ساندي" و سألتها:

- مالك يا سيلا؟ انتي مجاوبتيش كويس و لا ايه؟ ده
حتى الامتحان العربي كان جميل أوي، و الكل طالع مبسوط، شكلك مش حلو ليه و عيونك تحتها اسود
ليه كده؟

رفعت عيونها لها، و امسكت برأسها من الصداع
و قالت:

- مفيش يا ساسو تعبانه و مصدعه اوي، أنا هروح
مش قادرة، سلام.

تركتها دون أن تسمع لـ مناديتها راجية ان تقف
لـ تتحدث معها، و حين لمحت "أمين" ركضت مسرعة
إليه، و قالت بنبرة ترجي:

- امين اديني البرشام خلص إمبارح و اتصلت عليك
تلفونك مقفول طول الوقت، الصداع جامد اوي،
ارجوك أنا اتعودت عليه.

التفتت إليها بنظرة شر و قال بابتسامة خبيثة
مرسومة على محياه:

- البرشام ده بقى قديم، و في الجديد اللي هيخليكي طايرة كده في السما السابعه.
ردت بلهفة مقاطعة حديثة:
- اية هو قول بسرعة.
مد يده و قدم لها انبوبة صغيرة و قال لها :
- خدي دي وشمي مرة واحدة، و عيشي يا برنسيسة
و قولي حاسة بأية؟

اخذتها بدون تفكير و قربتها من انفها، واستنشقت
ما بداخلها بسرعة، من كل جانب، ثواني مرت عليها، و ادار هو السيارة و انطلق بها، و هي ما زالت صامتة مستنده رأسها على المقعد الخلفي بأريحية، و ما هي إلا دقائق مرت حتى سرى مفعول المخدرات بداخلها، و شعرت بالسعادة المزيفه، و النشوة المؤقتة تسري داخل جسدها، ظلت تضحك و لا تعلم لماذا تضحك،
تبسم الأخر و قال:

- اية رأيك بقى مش أحلى من البرشام؟
- برشام مين ياعم، ده حاجة عاليا اوي، ده بيخلي
الدنيا شكلها حلو اوي، و باللون البمبي، كل حاجة
حلوة قدام عيني، بقولك أية؟
- اية يا برنسيسة، امريني؟
- شغلنا اغنية بمبي بمبي، الحياة بقى لونها بمبي
بمبي بمبي...
و ظلت تردد هذه الكلمات بـ منتهى السعادة و المرح.
ظلت هكذا في نشوة حتى وصلت إلى منزلها وجدت والدتها جالسة في حديقة الفيلا، و حين لمحتها عن
بعد ركضت نحوها محتضنه إياها و مقبلاها، تعجبت الأم من منظرها و سألتها عن الامتحان كانت اجابتها لها بأنه كان جميل جدا، و تركتها تلتف حول نفسها كأنها تؤدي رقصة استعراضية، و توجهت لغرفتها
و استلقت على فراشها لتنعم بنوم هادئ.
* * * * * * * * * * *
بينما انتهى "جاسر" من محاضراته، أمسك هاتفه
ليسأل على اخته و لم يجد رد، غضب من عدم ردها،
و قام بمهاتفة والدته التي وصفت له حالتها، انها
كانت سعيدة بالامتحان، ظنًا منها ان هذا هو السبب لهذة الفرحة، حمد ربه و دعاه ان يقف بجوارها
و يوفقها.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي