وحكم سلطان الحب الأخير

وقبل ان يبدأ شجار جديد بين الشابين أخذت شهرزاد على الفور تقص لهم ما تبقى من قصتها:بلغني ايها السادة الكرام أن ساندرا تلك الاميرة الجميلة كانت تجلس في حديقة القصر بعد ثلاثة ايام من عودتها وكل ما حولها يغني بالسعادة كأشعة الشمس التي تفترش المكان وتلك الزهور المتفتحة التي تمتلأ بها الحديقة بألوانها الزاهية وروائحها العطرةالى جانب تغريد الطيور التي تشدو معبرة عن مدى سعادتها.

وبالرغم من كل ذلك الا ان وجه ساندرا لم يكن ينم عن انها تستمتع به وأصدق دليل على هذا تلك الدموع التي تتساقط على خدها دون توقف وهي تتذكر الليالي الثلاثة السابقة التي مرت عليها وهي تنتظر قدومه ولكنه لم يأت. وقد كانت تجهل كيفية التصرف حيث ان والدها قد حدثها في الحاح شريف الدين عليه لتحديد موعد نهائي لاتمام الزواج وحينها عجز لسانها عن البوح له بالحقيقة, فلقد تمنت في تلك اللحظة ان يكون ادهم بجوارها لتستمد شجاعتها منه ولكنه لم يظهر ايضا الى ان قررت ان تصبر حتى نهاية الاسبوع فبالطبع سيأتي الى الحفل الذي سيقيمه والدها من اجلها وحينها يمكنها ان تخبر الجميع بأن هذا الرجل هو زوجها وحبيبها, وهي على استعداد لان تعيش معه للأبد

***********************************
وجاء موعد الحفل ورغم قلقها وضيقها الشديد الا انها حاولت ان تبدو في ابهى صورة لذا اختارت ذلك الفستان الواسع من الساتان وردي اللون بكم قصير لا يصل الى كوعها كما تركت شعرها حرا ينساب خلف ظهرها مع ضفيرتين صغيرتين على جانبيه تتخلله السلاسل الذهبية اللامعة والتي تزين جبينها ايضا لتضفي عليها مزيدا من الجمال والبهاء.

حسنا! فعندما يراها ادهم اليوم ستعقد الصدمة لسانه فهو بالطبع لم يرها قبل الان كإمرأة تمتلك ذلك السحر والانوثة, ومما زاد ثقتها بنفسها اكثر عندما اغدق جميع الحاضرين عليها كلمات المدح والاعجاب وأولهم كان شريف الذي رتب للاستئثار بها طوال الحفل ولكنها لم تكن في مزاج يسمح لها بمجاراته في الحديث فلقد انشغلت رغما عنها بالتدقيق في ملامحه الجذابة والرقيقة لتقارنها بتلك التقاطيع القاسية التي يمتاز بها فارسها وكذلك الصرامة التي تزيده رجولة في نظرها, حقا فلا وجه للمقارنة على الاطلاق, فهذا الرجل امامها لم يستطع ان يحرك فيها تلك المشاعر الجميلة التي ايقظها فيها ادهم ولا جعلها تشعر بذلك الانجذاب القوي الذي تشعر به تجاه هذا الاخير, ولكن اين هو الان؟ ولماذا تأخر كل ذلك الوقت؟

وسرعان ما اتاها الردعلى اسئلتها فلقد حضر كل فريق الصقر يتقدمهم الشيخ جلال الذي سارع الملك لاستقباله بالحفاوة والترحاب وقدمه هو ورجاله الى كل ضيوفه وهو يعترف له بالجميل والعرفان, اما ساندرا فقد اظلم وجهها حين اكتشفت تخلف ادهم عن الحضور معهم مما بدأ يزيد الشك بداخلها فاستأذنت من رفيقها بكلمات مبهمة وتقدمت بخطوات مضطربة ناحية هدفها وهي ترد بآلية على كل من كان يقابلها في طريقها حتى وصلت اخيرا الى شهاب الذي وقف مع شابة جميلة لاحظت ساندرا بانها قد حضرت معهم: شهاب! ازيك.

كان ذلك الصوت الضعيف ذو الابتسامة الباهتة لساندرا التي ما ان انتبه شهاب لوجودها حتى تبسم وهو يرد على تحيتها: سمو الاميرة! ازيك انتي, ايه اخبارك؟

ثم استدرك ليقول وهو يشير ناحية رفيقته: اسمحيلي الاول اقدملك خطيبتي رغدة.

صافحت ساندرا الفتاة بتلقائية ثم سألت شهاب: هو فين ادهم؟

شهاب: ادهم سافر.

لم تدر ساندرا ان كانت الدنيا تدور من حولها ام ان عقلها هو الذي يلف في دوامة لا نهاية لها؟ فهل قال حقا انه سافر؟ حتى دون ان يراها؟

: سمو الاميرة! انتي كويسة؟

سمعت صوت شهاب وكأنه اتيا من بعيد فحاولت ان تستعيد رشدها لتسأله مجددا بصوت متحشرج: سافر فين؟

شهاب: ادهم لما بيسافر ما بيقولش لحد هو رايح فين؟

ساندرا:طب ما تعرفش هو هيرجع امتى؟

اما هذه المرة فقد اكتفى شهاب بأن هز رأسه بالنفي وكأنها الزلزال الذي هز كيانها بأكمله, فلقد رحل ادهم وربما بلا عودة.

مرت الايام تباعا وقد تملك الحزن منها وأصبحت تفقد شهيتها لكل شيء من متع الحياة حتى ذبلت واصفر لونها.

وذات يوم كانت تجلس في حجرتها كالعادة دخلت عليها الملكة وهي تكاد تطير من الفرحة ثم جلست بجوارها وعانقتها بحرارة: ساندرا حبيبتي! مبروك, جوازك اتحدد بعد اسبوعين.

وكأنها كانت بحاجة الى مزيد من الصدمات, وعندما لاحظت كاميليا تجهم وجهها وتحجر الدموع في عينيها سألتها: ساندرا! فيه ايه؟ مالك؟ المفروض خبر زي دة يخليكي طايرة من السعادة.

ساندرا في محاولة جاهدة للتغلب على دموعها:ارجوكي يا ماما, خلي بابا يأجل الموضوع دة شوية, انا حاسة اني لسة مش مستعدة.

رق قب الام لابنتها فمسحت على شعرها بحنان: لية يا ساندرا؟ صارحيني يا حبيبتي, فيكي ايه؟

هل يمكنها بالفعل ان تخبر امها بذلك العذاب الذي تعانيه؟ فهل يمكن لقلب الام ان يتغلب على عقل الملكة بداخلها لتساعدها في محنتها تلك؟ ولكنها تعلم ان ذلك مستحيل.

ساندرا وهي تحاول ان تخفي المها خلف تلك الابتسامة الواهنة: ابدا يا ماما, بس انا لسة تعبانة,فياريت نأجل الموضوع دة شوية.

كاميليا بصوت مرح: يا حبيبتي لا تعبانة ولا حاجة, وانا وبابا متأكدين انك هتكوني سعيدة مع الملك شريف الدين لانه هو الوحيد اللي هيقدر يحافظ عليكي ويصونك, وياللا بقا بلاش دلع.

ثم قبلتها على خدها لتختتم حديثها بقولها: ع العموم يا حبيبتي انتي اكيد عارفة اننا مش عاوزين غير مصلحتك, واحنا شايفين مصلحتك في جوازك من جلالة الملك شريف الدين وانتي هتتأكدي من دة بعد الجواز, وربنا يتمملك بخير يا بنتي.

ثم تركتها وغادرت المكان لتشعر ساندرا وكأنها سقطت في اعماق بحر مظلم لا تستطيع الخلاص منه, وعلى الفور احضرت ورقة وكتبت عليها بعض الكلمات السريعة ثم نادت على سندس التي حضرت مهرولة: دادة, انا عاوزة منك خدمة
************
حل المساء وساندرا تذرع حديقة القصر ذهابا وايابا في توتر شديد وكأنها في انتظار احدهم, حتى حضر بالفعل من كانت بانتظاره: مساء الخير يا سمو الاميرة
كان هذا الصوت المألوف هو صوت شهاب الذي ما ان رأى شحوب وجهها حتى راوده القلق حيالها وسألها بلهفة: فيه ايه يا سمو الاميرة؟ انتي بخير؟
فهزت رأسها نافية وهي تقول بأسى: لا يا شهاب, انا مش بخير خالص.
ردها زاده قلقا ولكنه فضل ان ينتظر حتى تنهي كلامها: بابا خلاص حدد ميعاد جوازي من الملك شريف الدين
وهنا استطاع شهاب ان يستنتج بقية الحديث : وطبعا انتي مش عاوزة الجوازة دي لانك مع كل اسف بتفكري في حد تاني واللي هو حاليا مسافر ومش عارفة هو فين؟

ساندرا بألم: المشكلة دلوقت مش اني بحب ادهم وبس لا دة احنا كمان متجوزين.
لم تكن بحاجة للمزيد من الكلام لترى اثر الدهشة التي قد حفرت علاماتها على وجهه وهو يحاول ان يستوعب ما قالت: متجوزين! طب ازاي وامتى؟

ساندرا: احنا اتجوزنا في قرية زست قبل ما نوصل هنا بتلات ايام.
شهاب وهو لا يزال يحاول ان يقنع نفسه بأنه لا يحلم: طب ليه ما قولتوش من ساعتها؟

ساندرا: كنت فاكرة ان ادهم هيعلن الخبر اول ما نوصل لكن دة ما حصلش واتفاجئت بعدها بخبر سفره منك.

ثم تحولت نبرتها الى التوسل والرجاء: ارجوك يا شهاب لو تعرف مكانه قولي, انا مش عارفة اتصرف ازاي لوحدي؟

شهاب وهو يشعر بالاسى تجاهها: صدقيني يا سمو الاميرة انا لو اعرف كنت اكيد قولتلك.كل اللي اعرفه انه سافر واخد معاه كريم ولحد دلوقت محدش يعرف طريقهم.

ساندرا وقد عشعش اليأس بداخلها: طب والحل؟
اكتفى شهاب بالصمت وهو يرفع كتفه عاليا ثم يخفضه مرة اخرى ليؤكد لها ان تلك المشكلة بلا حل وانها قد زجت بنفسها في ورطة لن تستطيع الخروج منها بدون خسائر.

********************
اجتمع شريف الدين بالملك توفيق وزوجته لمناقشة ترتيبات الزواج حين اتتهم الخادمة سندس وهي تلهث من الجري وقد بدا عليها الفزع الشديد: مولاي الملك , مولاتي الملكة, الحقوا الاميرة ساندرا.

كانت تلك الكلمات القليلة كفيلة بأن ينهض الجميع ويهرعوا خارج القاعة الى حيث تنتظرهم مفاجأة غير متوقعة.

*********************************
: ماهو احنا لازم نشوف حل للكارثة دي.

كان هذا الصوت المحمل بالغضب هو صوت فريد الذي اخذ يروح ويجىء في قلب القاعة بدون هدى على مرأى ومسمع من عمه وزوجته وكذلك الملك شريف الدين دون ان ييدي احدهم الرغبة في الرد عليه فقد كان وقع الخبر عليهم كالصاعقة وكل منهم لا يستطيع نسيان تلك اللحظة التي خرج فيها الطبيب من حجرة الاميرة ساندرا ليصدمهم بخبر حملها في ذلك الطفل الذي بعد استجواب بسيط لابنتهم قد علموا ان اباه هو الفارس ادهم حسين.
استمر فريد يقول بصوته الثائر وهو يجز على اسنانه ويكور قبضته بشدة: اه لو اشوفه ادامي دلوقت كنت محيته من على وجه الارض, ازاي قدر يضحك علينا كلنا عشان نعامله كأنه بطل الابطال وهو من ناحية تانية داس على كرامتنا كلنا ولوث شرف المملكة, والاميرة ساندرا ازاي تقبل بحاجة زي دي؟ بقا معقولة وريثة عرش اللؤلؤة تتجوز واحد من صعاليك الصحرا؟ وكمان من غير علم اي حد؟ لا وايه يسيبها ويهرب قبل ما نكتشف الحقيقة؟

ثم اتجه الى عمه يسأله بنظرات مليئة بالحقد والتحفز للانتقام: وانت ناوي تعمل ايه يا عمي؟

كان توفيق عقله مشتتا لا يملك ردا على سؤاله, فخرج صوته ضعيفا مهتزا: وانا بايدي ايه اعمله؟

ازداد غضب فريد وارتفعت نبرة صوته اكثر وهو يقول: يعني ايه؟ هتسكت ع المهزلة دي؟

ثم اشار ناحيته باصبعه ليكمل: افتكر ان القانون واضح جدا يا عمي, وانت عمرك ما خالفت القانون.

وهنا تتخلى الملكة عن صمتها وقد انهمرت الدموع من عينيها: يعني انت عاوز الملك يحكم بالاعدام على بنتنا يا فريد؟

فريد ببرود: سمو الاميرة اختارت ولازم تتحمل نتيجة اختيارها.

كاميليا بصوت باك: بس دي بنتي, هو مش كفاية اني اتحرمت من اخوها وهو صغير؟ كمان عاوزيني اتحرم منها بعد ما بقت عروسة بالشكل دة؟اكيد لازم فيه حل تاني غير دة.

: انا عندي الحل.

كان اول ما نطق به شريف الدين في ذلك المجلس فاتجهت اليه العيون بعضها بامل ورجاء والاخرى بغضب وحقد, فاستأنف يقول: الحل هو ان جوازي من سمو الاميرة يتم في اسرع وقت.

اصابتهم الدهشة جميعا وسأله فريد بعدم تصديق: تتجوزها؟! حتى بعد ما عرفت انها فضلت واحد تاني عليك وسلمته نفسها؟

شريف بجمود ووجه خال من التعبير: جوازي من الاميرة في الاول كان صفقة وانا لسة عاوز اتمها لكن مع اضافة شرط واحد...الشرط هو ان الملك توفيق يتنازلي عن حكم اللؤلؤة قبل الجواز.

فريد صائحا: انت بتقول ايه؟دة مستحيل!

تجاهل شريف احتجاجه ليوجه حديثه الى الملك: جلالة الملك حياة بنتك مقابل عرش اللؤلؤة اللي كان المفروض انه هيكون ليا بردو في الاخر بعد عمر طويل طبعا.

ولم ينتظر جوابه بل نهض واستعد لمغادرة المكان لينهي كلامه بجملته الحاسمة: مستني اعرف رأيك قبل ما اسافر يا جلالة الملك.

*****************************
: صفوت! صفوت!

هتف فريد بصوت كالرعد مما جعل ذلك المدعو صفوت يهرع اليه: امرك يا سمو الامير.

فريد: انا هكتبلك رسالة دلوقت وعاوزها توصل بسرعة البرق لقلعة النمور السودا
**************************
مثلت ساندرا امام والديها اللذين كانا يحاولان اقناعها بقبول الزواج من شريف الدين حفاظا على حياتها وهو ما لم يلق استحسانا من ناحيتها لذا خرجت كلمات الاحتجاج من فمها سريعا: انا مش موافقة. واذا كان حبي لادهم او جوازنا دة ذنب فانا مستعدة لتحمل العقاب المناسب.

فريد محذرا بعد ان تراقص شبح ابتسامة على شفتيه دون ملاحظة احد: انتي عارفة كويس دة معناه ايه؟

ساندرا بثبات: عارفة, وانا مصرة على رأيي ومستعدة لاي عقاب دة لو كنا بنعتبر الحب ذنب.

************************
:دة ظلم
قالها شهاب بعد ان سمع بذلك الخبر الرهيب باصدرا حكم الاعدام على سمو الاميرة اليكساندرا

فربتت زوجته على كتفه بحنان: دة قانون المملكة و محدش يقدر يغيره, الاميرة ساندرا في نظر الجميع دلوقت حامل في طفل غير شرعي, حتى جوازها من ادهم محدش راضي يعترف بيه.

شهاب بحيرة: اللي انا مش قادر افهمه هو فين ادهم من كل دة؟

ثم سمعا طرقا على الباب فذهب شهاب ليرى من الطارق؟ وما ان فتح الباب حتى اذهلته المفاجأةفلم يستطع ان ينطق سوى باسمه: كريم!

********************
جاء يوم تنفيذ الحكم فقد احتشد العامة حول خندق كبير يشتعل نارا بينما يعتلي الملك المقصورة الخاصة به يجلس على كرسي العرش بمفرده بعد ان لازمت زوجته الفراش منذ ان وصلها الحكم, ثم حانت اللحظة التي وقف فيها نائب الملك سمو الامير ليقول بصوته الجهوري: بناء على حكم مجلس القضاة سيتم اليوم تنفيذ الحكم بالاعدام حرقا على سمو الاميرة اليكساندرا توفيق وذلك لمخالفتها قوانين المملكة وحملها بطفل غير شرعي.

وقام الحراس باحضار الاميرة التي اظهرت شجاعة غير عادية وهي تتقدمهم رافعة رأسها بشموخ وكأنها ذاهبة الى تتويجها وتعمدت الا تنظر ناحية مقصورة الملك حتى لا يرق قلبه لها فيفعل ماهو مخالفا للقانون لتتشوه صورته امام العامة, اما هو فلم يستطع الا ان ينظر اليها باشفاق حينا ولوم حينا, ثم رفع كفه عاليا كاشارة منه للاستعداد لتنفيذ الحكم, وانتظر الحراس حركته التالية ليقوموا بالقاء الاميرة كفريسة سهلة لالسنة اللهب الجائعة.
: عفوا جلالة الملك, ياريت توقف تنفيذ الحكم لحد ما تسمعني الاول.

اخترق الصوت اذنها فظنت انه ربما يكون حلم اخر من احلام اليقظة التي كانت تراودها في الايام السابقة, ولكن ها هو يتجسد أمامها تماما كما كان دوما تفوح منه كل معاني الثقة بالنفس والرجولة والجاذبية.

سرت همهمة بين جموع الشعب فأسكتها صوت فريد الهادر: انت! وكمان ليك عين تيجي هنا برجليك؟ انت كدة بقا يبقا جيت لقضاك, عشان تتحاسب على جريمتك.

ادهم بهدوء: لا انا ولا ساندرا عملنا جريمة ممكن نتحاسب عليها. ومين اصلا اللي قال ان الحب والجواز جريمة تستوجب العقاب؟!

تكلم توفيق اخيرا بصوت بالكاد سمعه الجميع: وطالما انت شايف انك ما عملتش جريمة, هربت ليه؟

ادهم مدافعا عن نفسه: انا مهربتش, سفري دة كان ضروري عشان اتأكد من سلامة الاميرة طول عمرها وهي عايشة معايا, عشان كدة كان لازم اعرف مين اللي ورا اللي حصلها دة؟

توفيق بلهفة: وعرفت؟!

ادهم بثقة وهو يشير ناحية فريد: ابن اخوك يا جلالة الملك سمو الامير فريد.

تعالت اصوات الناس تتملكهم الدهشة من هذا الاعلان الخطير وسارع فريد بالانكار:انت بتقول ايه, اكيد انت مجنون, دي حجة انت بتقولها عشان تداري على عملتك.

ادهم محافظا على هدوئه وهو يقول موجها حديثه للملك توفيق الذي بدا وكأنه يقف في صف ابن اخيه: اسمحلي يا جلالة الملك انا معايا كل الادلة اللي بتثبت صحة كلامي.

فأومأ توفيق برأسه موافقا ليستأنف ادهم حديثه: بعد ما اتأكدت من ان سمو الاميرة بقت في امان في وسطكم سافرت انا وكريم ومعانا صديقة عزيزة لقلعة النمور متنكرين في شخصية تاجر ومراته وابنه ومرت ايام واسابيع وشهور واحنا مش عارفين نوصل لاي نتيجة لحد ما جه اليوم اللي ظهر فيه الشخص اللي كان حلقة الوصل بين سمو الامير و عزت قائد النور.
وهنا ظهر شهاب وهو يدفع صفوت امامه حيث كان هذا الاخير مقيدا باحكام, واستطرد ادهم حديثه وهو يشير ناحية صفوت: لما شوفت صفوت هناك بدأت اشك في الامر ومن خلال جاسوس ليا في القلعة قدرت اعرف ان صفوت كان جاي برسالة من سمو الامير بيعقد فيها صفقة جديدة مع عزت.

فريد مقاطعا: انا ما بعتش رسايل لحد.

فاومأ ادهم برأسه مؤيدا وهو يقول بسخرية مبطنة: على كدة بقا يبقا انا غلطت لما افتكرت ان التوقيع اللي في الرسالة دي يبقا توقيعك يا سمو الامير؟

واخرج الرسالة المخبأة في سترته ليقرأ سطورها بهدوء مشددا على كل كلمة ينطق بها:

عزيزي عزت, بعد التحية
انا ارسل اليك بتلك الرسالة لتصفية الامور بيننا ولننسى الماضي, فانا ارغب في عقد صفقة اخرى معك وحيث انني علمت بنواياك, هذه المرة سيكون عرضي مغريا حيث اضمن لك اعتراف كل الممالك بقلعة النور السوداء كمملكة مستقلة ذات سيادة فقط ان قمت بقتل الاميرة اليكساندرا قبل عقد قرانها, فان تم ذلك القران سيخسر كلانا بكل تأكيد.

لا تتأخر في الرد فليس امامنا الكثير من الوقت

توقيع: صديقك الامير فريد محمود.

انهى قراءة الرسالة في وسط ذهول الجميع, و جمد فريد في مكانه و قد هربت الدماء من وجهه, بينما استمر ادهم يقول: اما اذا قرر سمو الامير ان الدليل دة مش كافي فانا معايا اللي يأكد صحة كلامي.

وفي تلك اللحظة قدم باقي فريق الصقر يدفعون امامهم عزت والذي لم تقل قيوده عن قيود صفوت, وبسرعة مذهلة دون توقع من احد اشهر ادهم سيفه ليلامس النصل رقبة عزت الذي جحظت عيناه رعبا وهو يرى شبح الموت يرفرف حوله, ثم سمع صوت ادهم البارد كالثلج يقول له مهددا: لو مش عاوز سيفي يتلوث بدمك ادامك اقل من خمس دقايق تقول فبهم كل اللي تعرفه.

ولانه لم يكن امامه وقتا للتفكير اسرع يقول: انا اعرف الامير فريد من زمان وهو اللي طلب مني اني اقتل سمو الاميرة بعد ما وافق عمه على جوازها من الملك شريف الدين وضاع العرش من بين ايديه, زي ما سبق قبل كدة و ابوه سمو الامير محمود اتفق مع الزعيم اللي كان قبلي وطلب منه انه يقتل الامير مروان عشان يتولى ابنه فريد ولاية العهد بداله.

توفيق وقد اضعفته الصدمة التي تلقاها في اقرب الناس اليه فسأل فريد لائما: الكلام دة حقيقي يا فريد؟

لم يجد اي فائدة من الانكار فصاح فريد بحقد: اه صحيح, لان دة حقي وكان لازم اخده بأي طريقة. العرش كان من حقي لاني اكبر الامراء سنا ومع ذلك عطيت ولاية العهد لابنك, كمان ساندرا كانت من حقي وبردة حرمتني منها ووافقت على جوازها من شريف الدين, وهي بقا راحت سابتنا احنا الاتنين وفضلت علينا واحد ملوش اصل ولا فصل.

احمر وجه ادهم وهو يستمع الى اهانته باذنيه مما افقده السيطرة على اعصابه فأشهر سيفه في وجه فريد: انت اتماديت اوي يا سمو الامير, وافتكر ان جه الوقت عشان تدفع التمن على كل اللي عملته, فلو كنت شايف ان ليك اي حق في ساندرا اللي هي بقت مراتي فيبقا خد حقك بسيفك.

لم يكن فريد بحاجة الى اكثر من تلك الدعوة حتى يشهر سيفه هو الاخر ويبدأ القتال, ولم يحاول احد فض النزاع فبدا ان الجميع في انتظار معرفة من سيكون الرابح في تلك المنافسة التي كان يقاتل فيها فريد بشراسة وكأنه ينتقم من الجميع في شخصية ادهم الذي ولأول مرة يقاتل من اجل ذلك الحب الذي يختبره للمرة الاولى, اما ساندرا فكان حالها كحال الجميع تترقب النتيجة بخوف وأمل يتصارعان بداخلها فهي تخشى ان تفقده مرة اخرى, فانها لاترغب في تجربة هذا الشعور مرة اخرى.

وها قد جاءت اللحظة التي استغلها ادهم احسن استغلال حيث اطاح بسيف فريد بعيدا بضربة قوية من سيفه و سقط فريد ارضا وقد اغمض عينيه في انتظار نهايته, كما كتم الجميع انفاسهم استعدادا لتلك اللحظة ولكن لم يحدث اي شيء من المتوقع حيث قال له ادهم وهو ينحي سيفه جانبا: للأسف يا سمو الامير, انا مش عاوز مراتي كل ما تبصلي تفتكر ان انا الشخص اللي قتلت ابن عمها وعشان كدة انا هسيب عقابك يتولاه جلالة الملك وولي عهده الامير مروان.

:ابني!

عبرت بها كاميليا التي كانت حضرت مؤخرا بعد ان وصلتها الاخبار بما يتم هنا في الساحة, ماذا؟! هل بالفعل ذكر اسم ابنها المفقود؟! مروان! هل يعقل انه لايزال حيا؟!

جاءتها الاجابة سريعا حين رأته يشق طريقه بين الجموع شابا يا فعا كما كانت تحلم ان تراه يوما , يتقدم نحوها برفقة يزيد وكلارا, ورغم تغير ملامحه قليلا نتيجة للأثر الذي تركته فيه تلك السنوات السابقة التي غاب فيها عنها, الا انها لم تجد اي صعوبة في التعرف عليه, ثم دفعها شوقها اليه وفي اقل من ثانية أخذته في حضنها تعبر دموعها الغزيرة عن مدى الاشتياق والحنين اليه فهو ابنها البكر, اول فرحتها, وضي عينيها, واخذ مروان يقبل رأسها ويديها والناس لايصدقون ما يحدث امامهم فقال ادهم شارحا الامر: بعد ما زعيم النمور القديم امر بخطف سمو الامير قرر انه يحتفظ بيه وما يقتلوش زي ما طلب منه الامير محمود, كورقة ممكن يستخدمها في اي وقت للضغط عليه بعد كدة والفكرة فضلت بردو ثابتة عند عزت وفضلو حابسينه في القلعة لحد ما اتقابل مع يزيد وطلب مساعدته , ودة اللي حصل فعلا افتعل يزيد مشكلة مع عزت خلته يسيب القلعة وبعدين جالي قبل ما يخطفوا ساندرا بأيام و رتبنا الخطة مع بعض على ان يزيد يبان ادام الكل انه خاين عشان يقدر يرجع القلعة تاني ويبقا عيننا هناك.

خلال ذلك كان الملك ينزل من مقصورته ليأخذ ابنه وسنده ووريث عرشه في احضانه, فها هو لم يعد بحاجة لان يبحث عمن يرث العرش من بعده: وحشتني اوي يابني, يااااااه اد ايه انا كنت محتاجلك اوي.

مروان: انت كمان وحشتني اوي يا بابا وماما وساندرا اختي.
وما ان نطق باسمها حتى تذكر بأنها الوحيدة التي لم تهرول للارتماء في احضانه و لكن حيرته لم تستمر طويلا حتى رأى نظرات الفزع في عيني ادهم فاتجهت عينيه الى نفس الاتجاه ليصدمه ذلك المشهد ايضا وابويه كذلك عندما رأوا فريد وقد امسك ساندرا من الخلف ورفع خنجره على رقبتها بالقرب من الخندق وهو يصيح فيهم وتعلو شفتيه ابتسامة انتصار: لسة اللعبة ما خلصتش, ماهو مش معقول انا الوحيد اللي اطلع خسران من كل دة, انتوا كمان لازم تدوقوا الخسارة زيي.

فصرخت كاميليا برعب حقيقي: بنتي!

توفيق متوسلا: فريد! ارجوك خد كل اللي انت عاوزه, بس سيبلي بنتي.

فريد باصرار خطير: للأسف يا عمي انت ما سبتليش اخي خيار تاني.

وهنا تدخل ادهم محاولا ان يتقدم منه بضعة خطوات: طب انت هتستفيد ايه لو قتلتها؟

فريد بابتسامة شريرة: كفاية اني احرق قلبكم عليها, واهو ع الاقل ما اخليش واحد زيك يتمتع بحاجة كانت من حقي, خليك عندك, ما تقربش.
صرخ فريد بذلك عاليا عندما لاحظ تقدم ادهم منه ببطء مما جعله يثبت مكانه وهو يقول محاولة تهدئته: حاضر, انا مش هقرب, بس انت اهدى وخلينا نتفاهم.
فريد: انا مفيش بيني وبينك اي تفاهم.
فقال مروان وقد تملكه الخوف من فقدان اخته في اول لحظة يجتمعان فيها بعد هذا الفراق الطويل: طب انا مستعد اتنازلك عن ولاية العهد لو كان هو دة اللي انت عاوزه, بس ارجوك ما تأذيهاش.

فريد: للأسف , عرضك جه متأخر اوي يا ابن عمي.

التقت عيناها بعيونهم جميعا كل على حدة لترى ذلك الرعب الحقيقي خوفا من فقدها وهي التي كانت على وشك تنفيذ حكم الاعدام فيها, فما الفرق ان ماتت بيد فريد الان او بيد الجلاد في وقت لاحق؟ هي حقا لا ترى اي فرق فقد تعددت الاسباب والموت واحد, لذا لم تشعر بالخوف او ينتابها ككل مرة, فقط كانت تحاول ان تطبع صورتهم بداخلها لتكون تلك الصورة التي يجتمع فيها كل احبابها هي اخر ما تراه عينيها, حقا فالموت في حد ذاته لم يكن سبب حزنها بل كان ما يؤلمها حقا هو فكرة الفراق, اخذت تنتقل بعينيها بينهم لتستقر في النهاية عليه هو وحده حيث لم تعد ترى سواه. فوداعا ايها الحبيب, حقا سأشتاق اليك كثيرا, ثم شعرت بيدي فريد تجرانها للخلف ناحية الخندق لتتيقن من قرب النهاية امام نحيب امها و وصراخ بعض الناس, ثم اغلقت عينيها لتستقبل الموت بصدر رحب وهي تشعر بقدميها يختل توازنهما.

لتهوى الى الحفرة وكان سبقها فريد من قبل, صور كثيرة تزاحمت بعقلها كانت اغلبها هي ما تجمع بينها وبين ادهم و اختتمتهم بتلك الصورة الاخيرة التي التقطتها ذاكرتها قبل سقوطها, حتى افاقت فجأة على تلك اليد القوة التي امسكت برسخها تسحبها لاعلى, وعندما فتحت عينيها وجدت انها لاتزال على قيد الحياة وها هو ادهم يجرها لاعلى.

فمنذ لحظات وباشارة خفية بينه وبين شهاب تخفى ذلك الاخير في مكان ما ثم اخرج قوسه واخذ وضع الاستعداد وفي اللحظة المناسبة سحب السهم ثم تركه لينطلق حيث استقر تماما في رأس فريد الذي خر صريعا ع الفو ر ليسقط في الحفرة وفي تلك الاثناء تقدم منهما ادهم بأسرع ما يمكنه ليلحق ساندرا التي كانت قد زلت قدمها قبل ان تبتلعها النيران كما فعلت مع فريد.

لم تصدق ساندرا انها لاتزال على قيد الحياة حتى انها لم تكن تشعر بافراد اسرتها الذين يحيطون بها يعبرون عن مدى سعادتهم بنجاتها بشتى الطرق فقط لم تكن تستشعر وجود احد غيره.

*************************
وتعود المياه لمجاريها حيث يأخد مروان مكانه على العرش بجانب والديه في حفل تتويجه كولي للعهد في حضور افراد الاسرة الملكية وكبار رجال الدولة الى جانب جميع اعضاء فريق الصقر, وبعد ان وضع الملك التاج على رأس ابنه نهض سمو الامير ليقول بابتسامة مشرقة: قبل كل شيء اسمحولي اني اقدم الشكر لصاحب الفضل في رجوعي تاني للملك وولاية العهد وهو الفارس ادهم حسين قائد فريق الصقر و جوز اختي.
انتظر مروان قليلا حتى تنتهي تلك الهمهمة التي سرت بين الحاضرين وقد تطلعت العيون الى ذلك الفارس ذو الملامح الصارمة التي لا تتأثر بشيء على الاطلاق ليستأنف قوله وهو ينظر الى والده: ادهم, بلغني بخبر جوازه من اختي واحنا في طريقنا للمملكة وانا بعد اذنك يا بابا وافقت, واديته وعد باني هقدر اقنعك بانك توافق وتبارك الجوازة دي كمان.

توفيق بعد فترة من الصمت مصحوبا بالتفكير: وانا مقدرش ارد كلمة لولي العهد, مبروك جوازك من بنتي يا ادهم, وكهدية لجوازكم انا بوليك منصب وزير المملكة.

فاعتذر ادهم بلطف: متشكر اوي يا جلالة الملك بس انا اسف دي مش حياتي ومش هقدر اتأقلم عليها, انا ليا حياتي اللي حابب اعيشها زي ما هي ولو ساندرا هتوافق انها تكمل معايا فلازم تقبل هي كمان بيها.

ابتسم له توفيق باعجاب, ثم نظر الى حيث كانت تجلس ساندرا: قولتي اي يا ساندرا؟

ولكن اين هي ساندرا الان؟! فلقد خلت القاعة منها, حيث انتهزت فرصة انشغال الجميع بتتويج ولي العهد لتتسلل الى حديقة القصر تحاول ان ترتب افكارها المشتتة, نعم فهو حتى الان لم يعترف بحبه لها, مما جعل الشك يتآكلها من ناحية حقيقة مشاعره تجاهها, خاصة بعد عودته برفقة كلارا تلك الانثى الفاتنة التي قضى برفقتها اكثر من ثلاثة اشهر بينما كانت تجلس هي هنا وحدها ترافقها ذكرياتها معه, تشتكي همها لذلك القمر المنير عله ينقل شكواها اليه.

:كنت متأكد انك هتفضلي مستنياني هنا على حسب ميعادنا اللي اتفقنا عليه.

قالها ادهم بصوته الذي طالما عشقته وهو يضمها بذراعيه القوية من الخلف, فتخلصت منهما ساندرا بلطف وهي تستدير لمواجهته و عينيها مليئة بنظرات اللوم والعتاب: انت مش شايف انك اتأخرت اوي؟

اخذ ادهم نفسا عميقا قبل ان يجيب ويلمس وجنتيها بظهر يده بلطف شديد: عارف, بس كان غصب عني, ما كنش ممكن اشوف حبيبتي في خطر وافضل ساكت.

لم تستوعب في البداية خروج كلمة حبيبة من بين شفتيه, فمطت شفتيها في تبرم: كان لازم تقولي قبل ما تسافر.

ثم وكأنها تذكرت امرا ما فجأة: انت قولت ايه؟ حبيبتك؟

اقترب منها ادهم اكثر وهو ينظر بحنان الى عينيها اللتين بلون العسل المصفى: طبعا, حبيبتي اللي عمري ما حبيت ولا هحب واحدة تانية غيرها.

ساندرا بشك وهي تشير الى بطنها: انت بتقول كدة عشان ابنك؟

ادهم مبتسما: وهو انا كنت اعرف انك حامل لما سافرت؟ ساندرا انتي غيرتي حاجات كتير جوايا. صحيتي فيا مشاعر انا اصلا ما كنتش اعرف انها موجودة.

لكن هذا الاعتراف وحده لم يكفيها: طب وكلارا؟

زادت ابتسامته وهو يرى علامات الغيرة بادية على وجهها: كلارا, هي افضل صديقة قابلتها في حياتي, اول ما طلبت مساعدتها ما اتأخرتش.

ساندرا بغيظ: قضيت معاها تلات شهور باعتبارها مراتك؟

ادهم: بالاسم بس يا ساندرا, ويمكن لولا ان دة حصل ما كانتش اتعرفت على يزيد واتجوزوا.

ساندرا بدهشة ممتزجة بالسعادة: ايه؟ يزيد اتجوز كلارا؟!

فتصنع ادهم البراءة: عرفتي بقا انك كنتي ظالماني؟

لم تنتظر ساندرا المزيد فيكفي ما ضيعاه من وقت حتى الان, فسارعت للارتماء بين احضانه وهي تقول بسعادة طاغية: ادهم, انا بحبك اوي.

ضمها ادهم بقوة الى صدره وكأنه يريد ان يسجنها بين طياته حتى يضمن عدم ابتعادها عنه مجددا, ولكن يبقا شيء اخير يجب ان يتأكد منه, فأبعدها عنها قليلا, لتتفاجأ به ساندرا يجثو على ركبته امامها وهو يمسك يدها قائلا بجدية: تقبل سمو الاميرة اليكساندرا انها تتجوز فارس رحال زيي حياته مش مضمونة وكل اللي بيملكه حاليا هو حبه ليها؟

ساندرا بمشاكسة: مفتكرش ان الاميرة اليكساندرا ممكن توافق على حاجة زي كدة.

وعندما رأت تجهم وجهه ابتسمت لتقول له: اما اليكس فمستعدة انها تتخلى عن كل شيء مقابل انها تقضي حياتها كلها معاك ومع ابنها.

فنهض ادهم مجددا ليجذبها من يدها برفق وهو يقول مستعدا للرحيل: طب ياللا بينا.

وذهب الاثنان معا ليبدآ حياة جديدة بعيدا عن الناس فقط وحدها يقتسمان السعادة فيما بينهما ويرفرف على عشهما الصغير طائر الحب الى الابد.

*******************************
انهت شهرزاد كلامها وهي تنتظر رد فعل الجميع, ليكون عمار هو اول من نطق بانفعال: دة كلام روايات, وملوش اي اساس في الواقع.

الملكة معترضة بنبرة هادئة: لا ايها الشاب, فالحب موجود على ارض الواقع, فبدونه لا يمكن للحياة ان تستمر, نحن نعترف بوجود الكره فلماذا لا نعترف بوجود الحب كذلك وكأنه جريمة نخجل من الاعتراف بها؟

ثم نظرت الى الشيخ لتسألة: وانت ايها الشيخ! ما رأيك فيما سمعت؟

الشيخ بهدوء: مولاتي انا كل ما يهمني هو مصلحة ابنتي وسعادتها.

شهرزاد: اذن فلتتركها تختار بنفسها ولو لمرة واحدة, ودعها تتحمل نتيجة اختيارها. ان كانت تريد ان تتبع خطوات قلبها فليكن ولتنظر ما سيحدث حينها.

الشيخ: وان كانت على خطأ؟

شهرزاد: حينها لن تتمكن من القاء اللوم عليك, فستكون هي وحدها الملامة على ما سيحدث لها.

وقد دل صمت الشيخ على اقتناعه بكلامها, لذا وجهت شهرزاد كلامها لبهاء: وانت ايها الشاب! هل يمكنك ان تتزوج شكران وتضمن لها حياة كريمة بعيدا عن والدها وامواله؟

بهاء: مولاتي انا لم اطلب مساعدته قط, فكل ما اطلبه منه ان يباركنا بموافقته على زواجنا.

شهرزاد: حسنا اعتقد ان الشيخ عماد الدين مستعد ان يمنحك فرصة لتثبت فيها صدق كلامك, اليس كذلك يا شيخ عمران؟

عمران بعد ان القى بنظرة طويلة ناحية ابنته ليرى في عينيها كلامات الرجاء والتوسل التي لم يستطع لسانها النطق بها, ثم قال اخيرا: حسنا, انا موافق.

سعادة طاغية ملأت قلب العاشقين وهما ينظران الى بعضهما ولا يصدقان بأن حلمهما سيتحقق اخيرا, واثناء ذلك القت شهرزاد بنظرة الى جانبها لترى شهريار ينظر اليها بدوره وفي عينيه تعبير غامض لا تفهمه.

*******************************
جاء الوقت الذي استطاع فيه شهريار الانفراد بزوجته في غرفتهما لينظر اليها بشوق واعجاب قائلا: لم يخيب ظني فيك ابدا يا شهرزاد.

شهرزاد بضيق: بل خاب يا مولاي.

سألها شهريار الذي لم يفهم ما قالته للتو: كيف؟ فما سبب قولك هذا؟
شهرزاد بتوتر: لقد كذبت عليك, فادعيت المرض واتفقت مع الطبيب ان يؤيد ذلك لنذهب في تلك الرحلة كي استطيع ابعادك عن تلك الفتاة حسناء.

كانت تنتظر ثورته, غضبه, عقابه, ولكنها لم تتلق منه ايا من كل هذا, وتفاجأت بصدى ضحكته التي ترددت في المكان دون ان تفهم السبب وراء ذلك, ولكنها انتظرت حتى ينتهي ويرى السؤال في عينيها ليجيب قبل ان تنطق به وهو يربت بلطف على خدها: لست وحدك من لجأ الى الحيلة يا شهرزاد, انا ايضا فعلتها قبلك, فلم تكن حسناء تلك سوى وسيلة للضغط عليك وليس اكثر من ذلك, ويمكنني ان اؤكد لك ان حسناء لم تنم في سريري ولا ليلة واحدة.

شهرزاد بغير تصديق: ولكن لم؟

شهريار: حتى اخمد بها نيران تمردك الذي لاحظته في الايام الاخيرة.

شهرزاد باحتجاج: انا لم اتمرد يوما, فما كان يحدث فقط لشعوري بأنني لم اكن بالنسبة لمولاي سوى راوية تطرب اذنيه بحكاويها المثيرة لدرجة ان مولاي كان مستعدا لقطع رأسي, اليس كذلك؟

شهريار وهو يجذبها اليه قاضيا على كل مقاوماتها الواهية: هل تعتقدين انه كان بامكاني ان اعيش ولو للحظة واحدة اذا فقدتك؟

ثم امتدت يده لتعبث بذلك الشلال الاسود الذي يلتمع من اعلى رأسها وينساب بحرية خلف ظهرها, وهو يستمر في قوله بهيام: شهرزاد, فأنت حياتي؟
ثم اخذ يقرب وجهه منها اكثر, وهي مستسلمة له بكل ارادتها لا ترغب في معاندته كعادتها, فها هي تهيم معه في دنيا العشق الذي طالما حكت عنه الاساطير حتى انهما لم يعيرا اي اهتمام لذلك الصوت المألوف الذي صاح عاليا معلنا عن نهاية ليلة اخرى بعد الاف ليلة ولية: كوكو كوووووك كووووووووووووك.

***********تم بحمد الله***********
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي