الفصل العشرون

تفاجأت "نيا" من تساؤلها و رمشت بأهدابها ببعض الربكة الممزوجة بالدهشة و لكن سريعا ما وجدت شفتيها دون أرادة منها تنفرجان بابتسامة لا تدرى كيف تشكلت على محياها، و أجابتها بتأكيد بنبرة معتريها الحب الكامن  بداخلها لحبيبها، و هى موجهة نظرها أمامها على الطريق و هى مستمرة في قيادتها للسيارة:

-نعم.

ابتسامة مجاملة ارتسمت على وجه "أستريد" و هي بذات الوقت لم تفهم من الأساس لمَ تساءلت حول ذلك الأمر فهى ليست بفضولية حول أمور الغير على الإطلاق، و لكنها تكلمت بعفوية منها بما جال بفكرها بغتة، لتنتبه وسط خضم تفكيرها المشوش على صوت "نيا" المستطرد و المتسائل باهتمام جلي:

-ماذا عنك أنتِ و ماسيمو؟، هل أنتما بخير معا؟

اعترى ملامح "استريد" قليل من الضيق، و قامت بطرق رأسها لأسفل لكى لا ترى "نيا" تعبيرات وجهها التي تبدلت و أجابتها بإيجاز مقتضب:

-نعم بخير.

لم تلاحظ "نيا" نبرة "استريد" المقتضبة و التي توحي بالضيق المعتلى وجهها لصب جام تركيزها على قيادتها للسيارة، بينما استطردت "نيا" قائلة باطناب في الحديث:

-صراحةً تفاجأت عندما علمت إنك أنتِ و ماسيمو ستتزوجان، لم أكن متخيلة بالأساس أن ماسيمو سيتزوج بعد زيجته الأولى.

عقدت "استريد" حاجبيها بدهشة من عبارتها الأخيرة عندما وقعت على مسامعها متجاهلة ما قالته جميعه فى البداية، و راحت تتساءل سريعا بطيف اهتمام محاولة مواراته قائلة:

-هل ماسيمو كان متزوج؟

بينما هى تفرق نظرها بينها و بين الطريق أجابتها بتأكيد و إيضاح:

-نعم، من سبع سنوات تقريبا، و لم يتفاهما مع بعضهما البعض حينها و اتفقا بمحض إرادتهما على الطلاق، ألم يهبرك ماسيمو عن ذلك الأمر؟

تحولت ملامح "نيا" للجدية البالغة و هى تسألها بسؤالها الأخير لترد عليها "استريد" بإيجاز موجز و هى موجهة نظرها أمامها و لاح على وجهها قليل من الحزن الذى لم تدرى نيا" أنّى لها به و ظنت أنها السبب هو حديثها النزق:

-لا.

ندمت "نيا" على تسرعها في الحديث و تكلمها حول ما لا يعنيها، و فكرت أنه لربما لم يرد شقيقها أن يتكلم حول ذلك الأمر معها لذا بحنكة منها حاولت أن تصلح ما أفسدت بزلة لسانها و قولها النزق متكلمة بتبرير بنبرة هادئة متفاهمة:

-ربما لم تأتيه فرصة لإخبارك بالأمر، أو رأى أنه أمر تم و انتهى ولم يحبذ التطرق إليه معك لئلا يضايقك بتحدثه عن زيجته الأولى معك في أولى أيام زواجكما.

اكتفت "استريد" بإيماءة بسيطة دون أن تعقب على كلماتها المبررة له و حولت نظرها للجانب تناظر الفراغ من زجاج نافذةالسيارة، و شردت فى كونه لا يتحدث إليها من الأساس، فلم إذا سيكلف وسعه و يخبرها عن زيجته السابقة و هو لا يعطي بالا لزيجته الحالية و لم يتحدث عن سريان زيجتهما معا، فهي ترى أنه لا يضعها بعين الإعتبار لا هي و لا زواجهما.

¤¤¤¤¤¤

كانت جالسة فوق الأريكة بجانب "فين" شاعرة بتوتر بالغ تنظر تارة له و تارة أخرى مرتكزة ببصرها على وجوه الثلاث رجال الجالسون قبالتها يجهزون الأوراق و ياخذون المعلومات من الجالس بجانبعا ليدونوها، و ما يختلج داخلها يخبرها أن ما يحدث الآن لن تكون عواقبه خيره نهائيا و ما ستجنيه منه سوى المصائب، و رغم شعورها ذلك و الذي يخنق روحها إلا أنه هناك شعور آخر يحثها و يدفعها على المضى قدما فيما هي على شفا حفرة من إتمامه، فهي حينها سيتسنى لها البقاء طواعية بجانب حبيبها، و لن يبتعد "فين" عنها نتيجة له و هي ستسعد بعلاقتهما التي لن تنقطع بشجار بينهما، حيث إنها ستصبح زوجة له، حتى و إن لم يكن رسميا و بحضور والدها وكيلا لها، ألا أن هناك محامي هو من قام بكتابة بنود عقد زواجهما و هناك شهود على الواقعة، فاقت  من شرودها الذي كانت تائهة بين اصواته الداخلية في جوف رأسها على صوت المحامي صديق "فين" و هو يقوم بإعطاء الورقة التي هي عقد زواجهما و القلم لها و أخبرها و هو يشير بأصبعه تجاه موضع بعينه في الورقة قائلا بطلب منها:

-امضي هنا.

بيد مرتجفة باردة أخذت القلم منه، و نظرت نظرة خاطفة يشع منها الخوف و التوتر تجاه "فين" الجالس بجانبها ارتسم على ثغره ابتسامة هادئة مشجعا لها على فعلها، بادلته تلك الابتسامة بابتسامة لطيفة ناعمة و لكنها مهزوزة نوعا ما و يظهر عليه الإرتباك، ثم زفرت نفسا يحمل الضيق على عجالة و وجهت نظرها تجاه الورقة من جديد و ثبتتها جيدا بيدها فوق الطاولة و باليد الأخرى وضعت إمضتها بالمكان الذى حدده لها ذلك المحامي، ثم بعدما انتهت تركت القلم من يدها و وضعته بجانب الورقة، حينها صدح صوت المحامي و هو يأخذ الورقة من فوق الطاولة و هو يقول بنبرة ودودة و ابتسامة عملية موجها حديثه تجاه "نيا" و "فين":

-مبارك لكما.

ابتسامة صغيرة منمقة بادلت بها ابتسامتة مجاملة إياه على ما قاله، و بعد ما يقارب الدقيقتين نهض هو و الشاهدين و توجها نحو باب الشقة ليغادروها بعدما صافحوا "فين" و قام هو بشكرهم على مجهودهم المشكورين عليه معه في إتمام عقد زواجهما، ثم عاد بعدها إليها و على محياه ابتسامة راضية جذابة و أردف بهمس بحرارة تظهر مع أنفاسه بعدما جذبها معانقها بقوة:

-بحبك.

قامت "نيا" بمبادلته العناق بعاطفة أقوى منه و صادقة للغاية كونها تحبه و تكن له مشاعر جياشة، و هى متكأة برأسها فوق كتفه بنبرة طاغى عليها عشقها العارم همست له:

-و انا أيضا احبك للغاية.

قام "فين" بحاوطة وجهها بكفي يديه و دنا منها بوجهه أخذا شفتيها بقبلة مطولة عميقة بث فيها رغبته الملتاعة بها و شغفه بلمس كل ما بها.

بعد مرور عدة لحظات ابتعد عنها مفرقا قبلتهما و هما يلهثان بقوة لتأجج رغبتهما و مشاعرهما التي أثارت، و هو في أوج سعادته و الإبتسامة على وجهه ملءشدقيه وجدها تنكس رأسها لأسفل و هى تتنفس بتواتر سريع و لكن ملامحها منافية لسعادته.

وضع أصبعيه السبابة و الإبهام أسفل ذقنها بلمسة رقيقة رافعا وجهها ليقابل وجهه و يتسنى له رؤية رماديتيها الذي لمح بهما بعض الخوف المبرر في ذلك اليوم فهو لم يفهمه غير انه خوف من تقارب حميمي سيتم بينهما للوهلة الأولى، مسد على وجنتها بحنان بإبهامه و تساءل بخفوت بنبرة متفهمة:

-خائفة؟

إيماءة بسيطة من وجهها نافية، و هى تنظر بتمعن بنظرات دافئة متلهفة بعينيه العسليتين و أجابته بصدق بصوت خفيض، و هى تميل وجنتها أكثر على كف يده الذى ثبتته بيدها التي قبضت عليه فوق خدها:

-لا أخاف طالما متواجدة معك.

اتسعت ابتسامة "فين" مظهرة نواجذه و جمال محياه الضاحك، و قال بهدوء بصوت رخيم لكى لا يثير ذعرها منه، و هو يشير برأسه تجاه الغرفة بإيماءة صغيرة عارضا عليها:

-ندخل غرفتنا إذا لا يوجد لديك مانع؟

بغتة من عرضه شعرت بوجيب قلبها ازداد للغاية، فعلى ذكره أمر دلوفهمها الغرفة و تخيلها ما سيحدث بينهما في الوقت الراهن ألبك سائر أوصالها و لكنها رغم ذلك لم تعترض و أومأت بهدوء بموافقة على عرضه، بينما حاوط هو خصرها بأحد ذراعيه و توجه بها نحو الغرفة عاقدا العزم على إتمام زواجهما العرفي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي