الفصل الثلاثه و سبعون

كان الصمت و الصدمه مسيطران على الموقف.

فما زالت والدة مجدى تقف عند الباب تنظر لكل منهما و لا شخص منهم لديه شئ يقوله.

كيف و متى حدث كل هذا، عقلها توقف عن العمل حقا.

لقد خرج وحيدها صباحاً بعد إتفاق على الذهاب لرؤية عروس اليوم،اليوم صباحاً فقط .

صلى صلاة استخاره ثم خرج لعمله و عاد الآن بفتاه يقول انها زوجته ،تنظر لها بأعين مهزوزه مذبذبه كأنها طفلة ضائعه وسط عالم الكبار.

عادت بنظرها لابنها ،هى من انجبته و تعرفه جيدا،لا يجد ما يقوله و لا  يعرف كيف يشرح لها.

بل يبدو و كأنه.... و كأنه لا يعلم مال ذى يحدث من حوله و لا حتى الى اين و كيف سينتهى الامر.

كانت هى اول من بادر بقطع ذلك الصمت الرهيب و هى تحيد بنظرها عن تلك الفتاه و تخص النظر بابنها تسأله بصدمه و عدم قدره على التقبل او الاستيعاب:مراتك !! مراتك أزاى يا بنى ؟!

نظر ارضا لمده ثوانى غير قادر على مواكبة ما يحدث و لا يعرف ماذا يقول ،رفع عينه مره اخرى لها يأخذ نفس عميق و يقول بعدها: طيب تعالى ندخل يا امى و انا هحكيلك كل حاجه.

يبدو أنها لم تسمعه،او أنه تحدث بعكس توقعاتها،فقد توقعت انها اكيد أخطأت السمع او الفهم و هو سيصحح لها ما سمعت،لكن للعجب انه لم ينفى الأمر بل و طلب منها الإفساح لهما كى يدخلا.

ان تدخل تلك الفتاه البيت الآن و الوقت أصبح متأخر قليلا ليلا.
ف ظلت على وقفتها لم تتحرك إنش واحد ولا زالت علامات الصدمه والرفض تظهر جليا على محياها.

اما نسمه فكانت بموقف لا يكتبه الله على اى فتاه،تود لو ذابت عظامها و لحمها داخل ملابسها ،او لو تتبخر الآن مثلما يتبخر الماء المغلى .
لا هى قادره على الثبات في ذلك الموقف المخجل و لا هى قادره على العودة بقلب جامد الى بيتها بشبرا حيث والدها و اعمامها و أولاد عمومتها ذوات الجسد العريض و الصوت الخشن العاملين بالتنجنيد فى الجيش أبا عن جد تشرح لهم القصه الجميله الطريفه المشرفه ،و كيف جلبت لهم شاب لا تعرفه و لا يعرفها تقول فى ساعة تهور و مجون انه يود خطبتها بشده .

لم تتوقع ابدا ان يتهور والدها و يزوجها له هكذا دون اى مقدمات او حتى السؤال عنه.. و من اين لها أن تعلم ان هكذا سيتصرف والدها .

بادر مجدى بتخفيف بعد من حدة توتر الموقف و ربط على كتف والدته يقول برفق و تهذيب:ندخل بس يا امى و هحكيلك ،اكيد مش هنتكلم على الباب.

نظرت والدته حولها تحاول فقط أن تستوعب فردد مجدى يؤكد لها ما تفكر به مبتسماً بتعب: حضرتك موقفانا على الباب اكتر من عشر دقايق لحد دلوقتي.

اخفضت رأسها بحرج و كذلك نسمه كانت تشعر بالخزى و أنها گ عادتها اتخذت خطوه غير مدروسه و متهوره ، تبعها و لن تشتريه ، لكن هذه المره الأمر أكبر و اضخم بل و أكثر تهورا،لقد عُقد قرانها منذ نصف ساعه تقريباً على شخص لا تعرفه و ها هى ستبيت اليوم ببيته ،تقف مُنحرجه امام والدته التى تنظر لها نظره تقلل منها كثيرا.

أغمضت عينها تبتلع و تتقبل تلك النظره فهى من اقدمت على كل ذلك بتهورها.

اغلق مجدى الباب يحاول رسم ابتسامه مطمئنة لها ،تتعجب داخلها و هى تراه يتحمل نتاج افعالها هى ،تنظر له منبهره رغماً عنها .

افترت شفتيها عن ابتسامه ممتنه إنمحت سريعاً فى ظل ذلك الجو المشحون بطاقات مختلفه ، لكنها بالتأكيد طاقات غير ايجابية بالمره.

تحرك يشير بيده اليمنى لها على صالون بيتهم المذهب كى تتقدم و تجلس معهم يزيل عنها مشكوراً بعض من حرجها.

سارت خلفه تنظر لاثاث البيت الامع دليل على نظافة و اعتناء منقطعى النظير ،الارضيه البيضاء تظهر ناصعة من تحت السجاده الحمراء ذات الشكل المستطيل.

لون الحائط بسن الفيل الدافئ و الستائر كأنها فُردت ببخار الماء .

كل شيء منظم و مرتب .

حمحمت بحرج و هى تشعر بزوج من العيون مسلط عليها ،شعرت بهم دون الحاجه لرفع عينها.

و مجدى يجلى صوته بعد نفس عميق يحاول شرح الامر.

لاكثر من عشرة دقائق و هو يحكى تلك القصه القصيره و الظروف التى جمعت بينهما، و أن ما حدث كان شئ و لا بالخيال لكنه لسوء الحظ و الظروف قد حدث.

طلت والدته تنظر له بصدمه مستغربه، تقريباً عقلها رافض الاستيعاب .

__________سوما العربي ___________



مازال طرد أخيه و زوجته له يشعل النار في قلبه... لا يستطيع تقبل كل ما حدث ... و عقله لا يصرخ إلا بكلمه واحده هذه الفتاه لابد ان تقتل... و كذلك ابنته الساقطه.

تقدم يجلس على إقرب أريكه و ارتمى عليها بفظاظه و بفظاظه أكبر ردد دون أن ينظر لها: قومى أعملى لى حاجه أطفحها.

احتدت ملاحها و نظرت له بغضب جم لأول مرة منذ تزوجته: و ليك نفس تاكل.

أحتدت عيناه و احمرت أذنيه ف أصبح كالتنين المجنح ينظر لها و كأنها أخطائت فى البخارى او أحد ثوابت الدين.

تلك الساقطه هى الأخرى من وجهة نظره گ ثائر النساء لأول مرة تتجرأ عليه.. و لابد من رد فعل قوى و رادع.

ف وقف من فوره و جذبها من خصلات شعرها و بالطبع لم يفرق او حتى يؤثر فيه صراخها و اخذ يضربها بقبضة يده و هو يردد: اييييه... انتى بتردى عليا يا بنت ال"** يا زباله يا فجره ... ده انا هطلع روحك فى إيدى عشان تبقى تتجرأى و تعلى صوتك عليا.

لأول مرة في تاريخها معه و منذ تزوجته... كانت لحظه مضيئه توقف عندها الزمن حين قبضت على يده بقوه لا تعلم أنى لها بها ، و لا كيف استطاعت مجابهة قوته فهو حرفياً گ الثور إسمها و تعبيراً.

ربما تلك هى قوة من عند الله منحها إياها او بثها بها جعلها تقبض على يده الغليظه تبعده عنها و هو ينظر لها مصعوك مشدوه .

كيف تتجرأ و تفعل .

صرخ فيها وقد أبعد يدها عن كفه و هم كى ينهال عليها يبرحها ضربا كى تتأدب لكنها انتفضت من تحت يده و وقفت تنظر له بغل شديد و قوة رهيبه خفيه يعززها تصور فى عقلها لمشهد خاص بابنتها الصغيره و هى وحيده فى الشوارع و الطرقات و ذئاب البشر تحاول اگل لحمها و كل ذلك كانت هو السبب الرئيسي فيه و ربما هى أيضا بتخاذلها و خوفها كانت لها يد فى كل ما حدث .

و يأتى هو فى النهاية يستحل الطعام و يطلبه اين وجد شهيه للأكل .

بدأ الاستغراب يزحف لعقله و ينعكس على عيناه و أعقبه الخوف من نظرة عينها الشرسه الخطره و هى تحدثه من بين أسنانها مردده: تعرف انى فى اللحظه دى مش باقيه على حاجه؟ طب تعرف ان الطفح الى انت طالبه ده انا ممكن اعمله و أسمك و بعدها أقطعك و أوزع لحمك على قطط الشوارع.

ارتد خطوه للخلف ينظر لها بذعر حقيقى... يقسم أن هذه ليست زوجته بل هى امرأه أول مره يراها.

لم تعطه الفرصه كى يتفاجئ او حتى يستغرب بل صرخت فيه آمره: قدامك ليلتين و زى ما كنت انت السبب فى طفشان بنتى و هروبها من بيتها للشوارع و كلاب السكك تنهش فيها ترجعها لى تانى و إلا و الله و بالله أنا ما بقى عندى حاجه أصبر عشان خايفه عليها... أنا كنت بسكت و اصبر عشان تمارا و اهو صبرى و استحمالى ضرها هى اول واحده... ف قدامك ليلتين ترجعها أكتر من كده أبقى شوف حد يقرأ لك الفاتحه عشان انا مش هقراها عليك بعد ما أقطع لحمك.

قالت أمرها الصريح و غادرت تغلق باب غرفتها عليها بالمفتاح من الداخل و تركته يقف خلفها متيبس.. مذعور... و متفاجئ.


لكنه انتفض من مكانه سريعاً.. و تحرك كالثور الهائج ... تلك الساقطه تجرأت و رفعت صوتها عليه لأول مرة.. ليس ذلك و حسب... بل زاد الأمر سوءاً و هددته ... جاءت لها الشجاعه و فعلت.. أنى لها بكل هذا.

كان يسير ناحية باب الغرفه الذى اغلقته عليها و هو يتوعدها بأغلظ الإيمان... سيكسر عظامها عظمه عظمه .. سيجعلها كالعجين متكوره فى نفسها حتى لا تتجرأ فى رفع صوتها به مره أخرى بل لا تتجرأ و ترفع عيناها به .


ذهب بغضب و سخط و ظل يدفع الباب بكتفه بقوه و غيظ و هى بالداخل بدأت تستشعر الخطر و انطلق صوتها يصرخ ربما ينجدها أحد منه.

دفعه خلفها أخرى و أخرى إلى أن نجح فى النهاية بكسر الباب و ظهرت زوجته أمامه صارخه تنتفض مردده: لو قربت منى هصرخ و ألم عليك الناس .. انت سامع و لا لأ.

كان الغيظ و الظلام يقفزان من عيناه التى لت حياه بها و لا شفقه... يقترب منها مرددا بغل: و الله و طلع لك حس.. و بتعليه عليا يا بنت ال **" لأ و كمان بتهددينى.. طب انا بقا هقطع لك ايد و رجل و هدغدغ عضمك عضمه عضمه.. و هسيبك كمان مش هدويكى... عشان لا تبقى محصله موته براحه و لا عيشه براحه.

صرخت فيه برعب: لا لا .. حرام عليك.. انت بتعمل كده ليه.

لكنه لم يجيب عليها و إنما خلع عنه حزام بنطاله يرفعه بكل ما اوتى من قوه ثم يسقط به على جسدها الضعيف يخرج بها كل غيظه و غله بل و قلة حيلته التى عززها الشعور بالعجز و الدونيه.. يتذكر كيف طرد من بيت اخيه اليوم.

كانت هذه هى عادته.. حينما يتم إحراجه او يتعرض لأى موقف لا يحسن التصرف فيه او بالأحرى لا يملك إمكانية التصرف مع الرجال بالخارج و أحياناً أيضا يكن سيدات يفحمنه او يحرجنه و هو يكن غير قادر على التصرف لأنه لا يستطيع ف يعود على فوره لبيته يخرج كل غيظه و غله بما فُعل به بالخارج على زوجته و ابنته المساكين.. بالتوبيخ و السب و القذف .. كان يجد بتوبيخهن شعور مريح له جدا... يشعر برد الاعتبار و أنه قادر و غير عاجر و لا ينقصه شيء عن غيره من الرجال.

و الآن قد فرت منه ابنته و أصبحت زوجته وحدها هى من أمامه كى يخرج عليها كل عقده و شعوره بالقله و الضئاله.

لكن الآن الأمر ليس كذلك فقط بل هو يربيها كى يجعلها تخشى من فتح فمها فيه مره أخرى بعدما تجرات و قامت بتهديده أيضا.

ظلت تصرخ و تصرخ و هو ينهال عليها يبرحها ضربا حتى انقطع صوتها و تقطعت أحبالها الصوتيه و خرت أرضاً منهاره.. و هو يلهث بجوارها من شدة التعب و الاعياء من ضربه لها فما الحال بتلك التى تتلقى كل ذلك العنف.

وقعت على الأرض مسجاه لا تتحرك و هو لجوارها يبصق عليها مرددا: اتفو عليكى يا بنت ال""" يا """' عشان تبقى تعلى صوتك تانى على الراجل الى متاويكى فى بيته ... إلى الف غيرك تتمنى ضافره.

استمع لصوت فتح باب الشقه و دلف للداخل ابنه "جاسر" و هو يرتدى زيه العسكرى يحمل بيده حقيبته التى سقطت منه أرضاً و هو ينظر بهلع على والدته المسجاه أرضاً من شده ما تعرضت له من عنف.

و عاد بنظره لوالده يردد: إيه الى حصل.. مين عمل فى أمى كده؟!

احتدت عيناه و هو يرى حزام والده الجلد فى يده و صدر ابيه ينتفض صعودا و هبوطا يتنفس باضطراب.... و قال: أنت الى عملت فيها كده ؟!

الطريقه الوحشيه المخيفه التى تحدث بها جاسر جعلت فايز ينتفض للخلف برعب.. فهل كبر ابنه دون ان يلاحظ و اصبح رجل قوى الجسد يخشى منه ؟؟!


________ سوما العربي _________


أما عند كريمه

فقد فعلت بنصيحة خالها وجلست بغرفتها داخل بيته تتذكر حياتها وترتبها.

فى البداية جلست تتذكر مسيرتها طوال تسعه وعشرون عاما ونصف، اوشكت على إتمام الثلاثين عاما وهى على وجه الحياه لا تتذكر انها فرحت يوم بصدق؛

او فعلت ما تريد، بل كأنها كانت تسير على خطه موضوعه لها وفق اهواء والدها.

سؤال مهم سألته لنفسها هل هى سعيده، وماذا تريد، الأهم ما الشئ الذى سيسعدها؟

اخذت نفس عمييق وقد انبلجت على شفتيها ابتسامة هائمه وسعيده.

تتذكر حالتها وهى تقف على مسرح المعهد الموسيقى ولأمامها العازفين على اكبر الآلات الموسيقى يعزفون اروع واقرب الألحان الى قلبها وهى تقف موليه ظهرها لمقاعد الحضور تقف مواجهه للفرقه تشدو دون شعور منها كلمات تلك الاغنيه الرائعه لا ترى أمامها احد؛

فقط مغمضه عينها ومطلقه العنان لاحساسها يضفى وهجا زاد عذوبة صوتها حلاوه وطرب.

تلك هى اسعد اللحظات بحياتها.

العمر لحظه، لما لا يحيى الإنسان سعيدا خصوصا وهو يعرف جيدا ما يسعده.

تبا لكل القيود وتبا للعالم معها، قيود المجتمع ونظرة الناس تجعل منك مسجون فى البراح.

ربما السجن اهون، فى بالسجن حتى يمكنك التمرد فأنت تعلم البدايه والنهايه وقد نلت العقاب.

اما الطليق فى الشوراع لكنه مسجون يخشى السجن او العقاب فهذا لابشع من السجن نفسه.

خوفك من العقاب يمنعك من التمرد، يجعلك حذر دائما بعكس من وقع عليه العقاب وانتهى قذهبت رهبته واصبح لا يخشى شئ فمالذى سيحدث له أكثر من السجن.
ولكن الطليق يحرص دائما فى الحفاظ على حريته المذعومه.

وما هذه الحريه الا كذبه كبيره، ربما كان المسجون المعاقب هو أكثر حرية منه.

فما فائدة الجسد وهو حر بينما العقل والأفكار حتى الرغبات مسجونه.

ما الاشد ألما من العقاب هو انتظاره او الخوف منه.

بعدما يقع العقاب على شخص ما يتبدد خوفه وقد يحل محلها القوه، التمرد وربما الجبروت.

ومما يخف او من من؟ فقد عرف عقابه وانتهى.

الأكثر عذابا هو انتظار العقاب والاكثر وأكثر هو عدم معرفة ماهية او نوعية هذا العقاب.

المعاقب الذى نال عقابه يصبح حر حقا.

فهل يؤلم الشاة سلخها بعد ذبحها؟

بينما حر الجسد سجين الافكار والتحكمات هو المعذب فعلاً بل ومحاصر أيضا متوقع ان يختنق بأى وقت.

ينطق لسانك بما يريده الناس من حولك ويفعل جسدك ما ينتظرون وإلا تصبح منبوذ ومعاقب.

الى متى ستنتظر، وهل بالعمر ثلاثون عاما اخرى.

صرخ عقلها الباطن بأنه يكفى الى هنا، عندما أتمت العشرون عاما كانت حزينه تشعر انها كبرت قليلا وكلما تقدم العمر بها لعام اخر تشعر بالضيق، ولكن حقيقة الأمر كانت تعلم انها مازالت صغيره حتى ولو أصبحت واحد وعشرون او اثنين وعشرون حتى السابعة والعشرين والثامنه والعشرين ايضا.

لكن بداية الثلاثين رقم له رهبه،رغما عن اى شخص ومهما كان بكامل حيوايته وطفولته يظل له رهبه خاصه.

عمر الثلاثين كجرس إنذار، ينذرك كى تنتبه فقد يذهب عمرك هباءا.

تجلس تحاسب روحك طوال الثلاثين عاما المنصرمه كم مره فرح قلبك بحق، كم يوم مر عليك بسعاده؟
كم من مره فعلت شئ تريده انت حقا وليس برغبه من غيرك لمجرد انه ولى امرك وواصى عليك يعلم مصلحتك اكثر منك.

وجودها ببيت خالها وابتعادها عن والدها قليلا بث الكثير من القوه بقلبها.

هذه هى الحياه التى تريد،الى متى ستظل داخل ذلك القالب الزجاجى تفعل نا يريده غيرها ويسعده.

من اليوم ستفعل ماتريد وليحدث ما يحدث.

وهل ينقصها ثلاثون عاما أخرى كى تصبح قادره على مواجهة والدها والمجتمع بما تريد؟!

هل يجب ان يصبح عمرها ستون مثلاً كى تستطيع؟

السؤال الأهم ماذا تريد، الى اين تريد الوصول؟

وقفت عن الفراش وفتحت الباب تخرج للصاله حيث يوجد خالها.
وجدته يقف امام إحدى لوحاته يمارس هوايته التى اصبحت من صميم عمله فيما بعد.

وعلى أنغام مطربته المفضله(شاديه) وقف ينهى لوحته.

شعر بها تتقدم خلفه فقال وهو يوليها ظهره :ماقولتش لسه لحد انك رجعتى تتكلمى تانى.

استدار ينظر لها بمكر قائلاً :قولت يمكن تحتاجى الحته دى.

نظرت ارضا بارتباك فقال بدون مقدمات :عايزه تكملى مع عز؟

رفعت عينها له باستفهام مستغربه ليضيف:نصيحه منى بلاش.

عاد يوليها ظهره ويكمل لوحته برتابه كأنه يتحدث بأمر غير مهم :لو دخلتى السكه دى وهو معاكى وارد جدا إنك تظلميه وتحسى انك ظالمه نفسك كمان.

اقتربت تستفسر منه متسائله:إزاى ياخالو؟!

اخذ نفس عميق وقال وهو يبتسم بألم :هتقابلى ناس كتير... كتير اوى، كلهم هيبقوا حلوين ومتزوقين! هتنبرهى بيهم وبكلامهم، هتحسى انهم أد ايه صح وانك أد ايه كنتى مدفونه بالحيا، منهم ناس هتخليكى تحسى أد ايه كنتى غلط ونظرتك للحياه كلها غلط، وأد ايه هما صح والى بيعملوه هو الصح،هييجى عليكى وقت تحسى بالفشل وانك جنبهم ولا حاجة، ووقت تحسى إنك طايره وإن ماحدش فى الدنيا آدك وموهبتك فوق كل الناس، هتقابلى ناس وحشه كتيييير بس شكلهم حلو ومتزوق وناس حلوه بس مش باينين.

صمت ينظر لها وجدها تبادلخ بنظرات حيره وعدم فهم مع ضياع.

ليبتسم لها بحزن يشدد على توصيه :همتك انك تعرفى تفرقى بين الحلو والوحش بسرعه والأهم انك تعملى حدود لكل حد منهم وتعرفى إزاى تتعاملى مع الوحش قبل الحلو.

تحدثت بتيه تسأل:وايه دخل عز بكل ده؟!

تحدث بأسف:عز خطيبك وله تأثير كبير عليكى وعلى حياتك وده باين عليكى من غير حتى ماتتكلمى... للأسف هيدخل معاكى المفرمه دى هتحسى أنه ظالمك وانه مقيدك و شويه تحسى إنك انتى الى ظالماه وبين ده وده هتيجى الخانقه والمشاكل.

صمت قليلاً ثم أكمل بسخريه:ماتفرحيش اوى بالدنيا الى انتى داخله عليها.... كان غيرك اشطر.

تقدمت تجلس امامه على احد المقاعد وسألت :بتتكلم ليه بالالغاز، زى مايكون فى سر انت مخبيه.

نظر لها بجانب عينه واكمل بالفرشه على لوحته يرسم بعشوائيه كأنه يفرغ ما بداخله من كبت.

ليقول ببعض الغضب والتوتر:انا كنت متجوز قبل كده.

اتسعت عينها لتلك الصدمه تسأل :بجد؟! ازاى وليه ماحدش فينا عارف؟

اكمل لوحته يقول متصنعا عدم الاهتمام وقال:جوازه سريعه، ماتحسبش يعنى.

ليكمل بحزن دفين :بس كانت قصة حب كبيره، كبيره اوى...وهى... هى إنسانه هايله! هايله بجد.

حديثه الصادق والرائع عنها جعلها تسأل بزهول:طيب وليه سبتوا بعض؟!

القى مابيده وقال بنفور من نفسه على ما يبدو :لأن خالك راجل مايتعاشرش.

نظرت له بصدمه حقيقيه ليومئ برأسه مؤكدا :ايوه انا زوج سئ جدا وانانى... دى حقيقه انا نفسى اتصدمت واخدت وقت كتير على ما صدقتها.

كانت تجلس مذبذبه ومزهزله، خالها فؤاد شخص حنون جدا وأكثر من رائع كيف يكون هكذا وكيف يتحدث عن نفسه بهذا الإقرار الصريح.

لتسأل بضياع :ازاى؟! ده انت احن أخ فى الدنيا و اجدع خال فى الدنيا

تقدم يضرب مقدمة رأسها يقول :role number 2مافيش حاجة مطلقه ابدا.

تأوهت من ضربته القويه تقول :آااااه.. ودعجتنى يا خالو... قصدك إيه؟! وليه كل شويه تقولى رول نمبر كذا وتضربنى كده؟!!

قال بجديه :بقولك شوية قوانين تحطيه حلقه فى ودنك وبضربك لأن الضربه دى هى الى هتخليكى دايما فاكره وماتنسيش ابدا! الضرب والوقعات هى الى بتطلع بنى آدم ناجح، البحر الهادى عمره مايطلع قبطان شاطر.

صمت يأخذ نفس عميق ثم اكمل:اما بقى اقصد ايه بالقاعدة دى فأنا قصدى ان مافيش حد دايما صح او حد دايماً غلط.

وقف من مقعده وذهب يفتح لها إحدى الحلقات المسجله لواحدة من اشهر البرامج بمصر ثم قال :طبعا عارفه المذيعه دى؟
جاوبت كريمه بقوه :طبعا عارفه.. ده نجاح الشخص بيتقاس انه طلع فى برنامجها او لأ.

فؤاد :مذيعه شاطره وعندها مبادئ وده معروف عنها صح؟

كريمه :ايوه صح.
فؤاد :ولو استضافت حد فى برنامجها يبقى هو شخص لا غبار عليه مش كده؟

كريمه :طبعاً.

تناول جهاز التحكم عن بعض واوقف إحدى الحلقات المسجله لها وهى تحاور بكل إحترام وتقدير إحدى الفنانات المعروفه بأنها بلا موهبه او اى شئ تصل الى بنفوذ زوجها بل ومعروفه عن معاملتها السيئه وتعاليها على زملائها.

ليقول فؤاد:وكان ايه انطباعك لما جابت الفنانه دى.

كريمه :بصراحة استغربت بس قولت طالما هى استضافتها تبقى الست دى كويسه بس مظلومه وبدأت اغير وجهة نظرى عنها.

أطفأ فؤاد الفيديو المسجل وقال مبتسما:غلط.. كل الى بيتقال عن الممثله دى صح وانا شاهد عليه...بس المذيعه دى جابتها لأنها غصب عنى وعنك واخد ترند عالى والمذيعه مهما كانت قويه وليها كلمه مسموعه فى برنامجها بس فى حاجات كتير فارضه نفسها على الكل... وده بقا الى بكملك فيه مافيش حاجه مطلقه، يعنى مش معنى ان مذيعه نزيهه اتكلمت حلو عن حد يبقى هو حلو ممكن اجبرت او حكمتها المصلحه والاغراءات او حتى الصداقه منعتها تتكلم فى أخطاء صديقتها الى لو غيرها عملها كانت علقت له المشانق.

كريمه :صح، عندك حق.... بس ده ايه علاقته بيك وبأنك كنت متجوز؟!وانك زوج سئ؟!

تنهد بالم يكمل :ماهى نفس الفكره ونفس القاعده... فى شخصيه مثلا أم واحده صاحبتك ممكن تكون ست شريره وحقوده وبتكره الخير للناس وكل جيرانها كارهنها بس تلاقى جوزها وولادها بيحبوها اووى ليييه؟

كريمه بفضول وانتباه:ايوه صح ليه؟!

فؤاد:ده لأنها زوجه كويسه اووى، اوى اوى اوى، وام هايله جدا وبتحب ولادها اكتر حاجه في الدنيا، بس على جانب تانى هى ماعرفتش تبقى جاره كويسه او صاحبه جدعه؛فهمتى حاجة؟!

كريمه ببعض التيه:تقريباً.

فؤاد :انا كمان... اخ حنين واحب اختى اوى! وبحبك انتى كمان زى ماتكونى بنتى انا، وصاحب صاحبى وجدع بس كزوج لأ؛ انانى شويه، سى السيد شويتين، عايز مراتى ليا وللبيت وبس رغم انى بشجع جدا على حرية المرأه! وعايز اختى تبقى كده وبشجعك تعملى الى يبسطك وطز فى الناس، بس فى نفس الوقت كنت بحاول امنع الست الى حبيتها واتجوزتها عن كده، مشكله فى التانيه وهى قررت انى ارجع صاحب ليها احسن بدل ما نخسر بعض خالص؛ هى حتى قالتهالى؛ قالت ياريتنا فضلنا صحاب بس، لأنك صاحب جدع وانا مش حابه اخسرك.

صمتت تنظر له بمشاعر مختلطه لا تعلم هل هى تعاطف او صدمه ام ماذا.

لكنه انتشلها من كل ذلك سريعاً يقول :المهم سيبك من كل ده؛ سيبك منى ومن قصصى وقوليلى ناويه على ايه؟

حاولت الخروج من تلك الحقائق ثم قالت بعزم :هكلم المخرج الى اسمه ايه ده واعمل الحاجه اللي بحبها والى يحصل يحصل انا مابقتش صغيره وعايزه اعيش العيشه الى انا اختارها مش المفروضه عليا.

سأل فؤاد بنفور :قصدك كمال جميل؟

كريمه :انت مش بطيقه مش كده؟

فؤاد بتقزز:بنى ادم لزج.

لكنه اكمل بجديه :بس ده مايمنعش انه مخرج شاطر وأد كلمته وفرصة الشغل معاه ب١٠٠فرصه مع حد تانى لأن كل اعماله ناجحه... مش مهم بقا هو شخص كويس ولا لأ زى مالسه قايله تانى قاعده مافيش حاجة مطلقه واحنا الى يهمنا منه شغله؛ صح ولا إيه؟

كريمه:صح... انا هكمله والحق اعمل الى انا عايزاه قبل ما ارجع البلد تانى.

فؤاد :بس لازم تواجهى ابوكى الأول بلاش تأجيل انتى مش بتعملى حاجة غلط.

لكنها خافت كتيرا من مجرد طرح فؤاد للفكره وتراجعت عنها قائله :لأ لأ مش وقته خلينى استغل تعبى وانى بعيده، مايمكن مانفعش اصلا فى الغنا.

نظر لها فؤاد بعدم رضا لكنه صمت وتركها تخوض التجربه فهى لم تعد صغيره.

لتهاتف كمال الذى حدثها بحفاوه غير عاديه وحدد لها معاد قريب جداً.

لتذهب له بمشاعر مختلطه مابين الشغف والخوف.

لكنها اتخذت الخطوه وذهبت.

لتسرق لب فؤاد بخجلها وعفويتها، عينه عليها لا يتسمع لصوتها الذى اذهل الجميع.

إنما هى، هى من فعلت به الافاعيل ولجوارها يشعر بأنه عاد صبى فى السابعة عشر يعشق زميلتها بالمدرسه وكل مايريده هو ان يسمك يدها مره او يوصل خطابه ملتهب الكلمات لها.

نسى زوجته الحنون واهتمامها به ونسى كل شئ وهو يقابل حب حياته الحقيقى.

وبعد ايام كثيره عزم على مقابلة فؤاد ربما يمهد معه الطريق لها قليلاً يجلس امامه بدون اى مقدمات قائلاً :انا عارف على فكره انك مش بتطيقنى يا فؤاد،وانا كمان على فكره.

ضحك فؤاد قائلا :شخص انانى ولزج بس حقانى ومالكش فى اللف والدوران ودى حاجة الصراحة تحسب لك... الواحد بردو يقول الى ليه والى عليه.

كمال :وانت صحيح رخم ودمك واقف بس الصراحه جدع وليك مواقف... عشان كده عصرت على نفسى ١٠٠لمونه وجيت اكلمك.

ضحك فؤاد مجددا يسأل :ده من باب لو ليك حاجه عند الكلب قوله يا سيدى؟

جاوب كمال بجديه وصدق :أيوه يا سيدى.

لم يتمالك فؤاد حاله وقهقه بقوه ليكمل كمال :من غير إزاى وليه؛ انا بحب كريمه بنت اختك.

فؤاد بلا مبالاه:ماشى يا سيدى، انا ولا كأنى سمعت حاجه.

كمال ببوادر غضب:نعم؟!
فؤاد بحده وقد اعتدل بجلسته:نعم الله عليك يا أخي، انت مش المفروض راجل متجوز ومخلف ومراتك ست كويسه انت ايه الى بتقوله ده بس؟!

كمال بحزن:ماقدرش انكر كل الى بتقوله يا فؤاد وفعلا نرمين ست هايله وانا عارف انها وقفت معايا كتير كمان، وبحب بناتى اوى اوى فوق ماتتخيل، بس بردو حبيت كريمه ودي مالهاش علاقه لا ببناتى ولا بعلاقتي بيهم.

كما قال فؤاد لا شئ مطلق ابدا، كمال أب جيد، جيد جداً ويحترم نرمين جدا؛

لكن الاحترام والامتنان لا يتساوا بالحب ابدا.

وهذا هو الوضع بالضبط كما شرح لها ليجلس امام كمال صامت محتار.

وفى اليوم التالى

كانت كريمه قد وصلت لمقر شركة الإنتاج المتكفله بمسلسلها الجديد إن صح التعبير.

وقفت أمام غرفة الاجتماعات تنتظر هى وباقى فريق العمل ان يسمح لهم بالدخول.

جلست لجوارها إحدى الفتيات تتحدث ببشاشه:إزيك... انتى إسمك ايه؟

ابتسمت لها كريمه وقالت:كريمه.

الفتاه:وانا سمر... شكلك جديدة، اصلى اول مره اشوفك.

كريمه :انتى شغاله هنا من زمان؟

سمر:ايوه... فى الإنتاج انا الى بشرف على شرا الديكورات واللبس والذى منه يعنى بس قوليلى انتى مخطوبه؟ اصلك لابسه دبله.

كريمه :ايوه.

سمر :نصيحه منى اقلعيها.. مشى امورك.. كر حاجة هنا ماشيه كده.

كريمه ببهوت:ليه هما مالهم مخطوبه ولا متجوزه ولا حتى مطلقه.

سمر بصدق :اسمعى منى انا ياما شوفت فى المجال ده، امشى مع التيار لحد ما رجلك تثبت جوا الوسط وبعدها ابقى دبى دبلتك دى فى عين التخين.

ظلت تنظر لها بصمت تفكر بحديثها الى ان قطع تفكيرها صوت باب غرفة الاجتماعات يفتح والسكرتيره تدعوهم كى يتفضلوا للداخل.

لتقف هى وبلا تفكير وجدت يدها تنزع خاتم خطبتها من اليد الأخرى وتدلف للداخل.

جلست وسط المجموعة والكل يتحدث؛ لكن كمال تركيزه معها ينظر لها بين الحين والآخر باعجاب شديد.

حتى انتبه الكل ولاحظوا نظراته تلك.

ليتحدث المنتج قائلاً :وايه اخبار مطربتنا الجديده؟

ضيق عينيه كأنه يتذكر متسائلا :كريمه مش كده؟

ليصحح له كمال بقوه:كريمان... بقا اسمها الفنى والجديد كريمان.

ليسأله المنتج بابتسامة متهكمه : وده مين بقا الى قرر كده؟؟

كمال بقوه :انا يا شاكر... انا الى سميتها أسمها الجديد.

شاكر باستهزاء:خلاص ياسيدي وماله.

كل منهما يحدث الاخر ويقررا وكأن الأمر خاص بهم وقد قرر كمال وانتهى.
كأنهما لا يتحدثا عن انسان من لحم ودم جالس امامهما بل وغيرا له اسمه الذى سمى به منذ خلق.

نظر لها شاكر وقال :طيب يا كريمان.. انتى لمدة شهر فى بروفات لأننا زودنا لك اغنيتين جوا المسلسل هيتغنوا لايف وده بتوصيه شديدة جدا من استاذ كمال مخرجنا الكبير، وانا بصراحه بوافق على اى حاجة يقولها لانى بثق فى اقترحاته وترشيحاته؛ فهمتك معانا تتدربى على اللحن والكلمات لأننا هنسافر العين السخنه للتصوير بعد ما نتجهز كل حاجه.

كانت تستمع لكل تلك القرارت الواحده خلف الأخرى لا تعلم كيف ستفعل كل ذلك وماذا ستصنع مع والدها وعز أيضا....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي