الفصل الأول
الجزء الثاني من اتفاق بين زوجين
الفصل الأول
عقلها تسحقه الأفكار لا تقضي عليها اعمال المنزل، ولا انشغالها بأطفالها، ثم ينقضي اليوم كباقي أيامها التي تشبه بعضها البعض، ينام اولادها، وتعود المربية إلى بيتها، وتجلس هي في الصالة تنتظره، تنظر للساعة المعلقة على الحائط فتجدها العاشرة مساءً، فتزفر بسأم وتهمس لنفسها:
_ لسة بدري على متيجي يا ممدوح والله اعلم بقى حتبات انهاردة كمان ولا لأ.
تناولت جهاز المتحكم عن بعد وظلت تقلب في قنوات التلفاز، حتى استقرت على فيلم، استرخت في جلستها، وراحت تتابعه، شردت رغم عنها في تلك الليلة التي أنهى ممدوح فيها ذلك الاتفاق الذي كان بينهم، لقد انهاه بالقوة وبطلقة من مسدسه في الهواء، فابتسمت وظلت تتذكر تلك الليلة التي لن تنساها ما حيت، إنها أجمل أيام عمرها، كان ممدوح في تلك الليلة عنيفا في حبه وفي قبلاته ،في أحضانه، وفي كل شئ ، عنف لذيذ مفعم بالظمئ والحرمان الشديد، تذكرت هذه الليلة بحذافيرها حتى إنها أغمضت عينيها وراحت تعيد ذكراها علها تقضي بها على ظمأها ووحدتها التي عادت لها من جديد، بعد هذه الليلة انتهى كل شئ انتهى الشغف الذي كان يطل من عيون ممدوح لها، انتهى الاشتياق، انتهى الإهتمام، انتهى الركض خلفها وهو يطلب منها حنانها ، انتهى توسلات عيناه لعينيها طالبا الرحمة والشفقة بقلبه، انتهى كل شئ وعاد ممدوح لسابق عهده، عاد إهماله له، عاد يتأخر كل يوم ويتركها طوال النهار منغمسة في مشاكل البيت وأطفالها، وعادت هي تشكو إهماله لها وعدم إحساسه بها.
لقد تعبت من كثرة التفكير، تثاءبت في ضجر تخفي ثثائبها خلف يدها.. يبدو أن النعاس غلبها فنامت دون أن تشعر، حتى إنها لم تشعر بممدوح وهو يفتح الباب ويدخل ثم يرمي مفاتيحه على الطاولة أمامه، وينظر لها فيجدها جالسة قد أرخت رأسها على رأس الأريكة، تغط في النوم أنفاسها منتظمة، جلس بجوارها يتأملها لحظات، فداعب شفتيها بقبلة رقيقة، انتفضت على إثرها، وقد همهمت بصوت مفزوع:
_ممدوح؟ ايه فيه ايه.
_ايه يبت مالك اتخضيتي كده ليه.
عدلت من شعرها وقميصها وهي تهمس بصوت يداعبه النعاس:
_ خضتني يا اخي..أنا مش متعودة منك على الحنية دي دايما بتيجي تعمل صوت او تنده أنما تيجي وتبوسني برقة كده مش متعودة.
قال ببرود ليغيظها:
_ خلاص يا ستي حقك عليا مش حبوسك تاني، لما اجاي والاقيكي نايمة حفوقك بقلم على وشك.
_يا دمك.
قالتها وهي تضربه على كتفه وعلى وجهها علامات العتاب..ثم نظرت إلى الساعة وجدتها تشير العاشرة والنصف واستطردت:
_وبعدين خير جاي بدري يعني انهاردة تتحسد.
قال وهو يتناول المتحكم في التلفاز يقلب فيه وقد استرخى في جلسته:
_لا مهو أنا نازل تاني، قومي جهزي العشا بقى عشان قدامي ساعتين بالظبط.
وجدها ما زالت جالسة مكانها تنظر له بضيق وعيناها أوشكت على البكاء ونظراتها ترميه بعتاب لا ينتهي، فالتفت لها وصرخ بها:
_ متقومي حضري الأكل أنت حتفضلي تبصيلي كده.
فنهضت وزفرت عتابها بقوة واردفت مستسلمة:
_ ماشي يا ممدوح قايمة أهو .
_وأنا ال فرحت لما لقيته جاي بدري قلت حيقعد معايا..اتريه جاي ترانزيت حضرته دي مش عيشة دي ياربي أنا حفضل كده لحد امتى استغفر الله العظيم.
غمغمت بها لنفسها وهي تعد الطعام، وراحت تضعه على السفرة وذهبت عنده وقالت بنبرةغاضبة جافة دون أن تنظر له:
_الأكل جهز اتفضل.
قام ليغسل يديه ..جلس على السفرة ينظر لوجهها المتجهم قائلاً لها بخشونة :
_ايه متفردي وشك شوية وتيجي تقعدي تاكلي معايا ، ايه الوش الخشب ده ال يسد النفس.
_ يعني انتي فاتح نفسي بايه عشان أنا افتح نفسك.
قالتها ولم يعلق ممدوح على قولها .. ثم جلست لكنها لم تبتسم ، أو هي لم تستطيع الأبتسام، فكيف تظهر له وجه يعبر عن شئ لا تشعره، كيف تضحك في وجهه وهي غاضبة منه.
_ متاكلي .
_مليش نفس.
_طيب قومي حضري بدلة واكوي لي قميص.
_ طيب.
نطقتها باستسلام ثم نهضت بحركة غاضبة.
بعد أن انتهى من عشاءه ذهب خلفها إلى حجرة النوم كانت تقوم بكي القميص، وعلى وجهها علامات السخط، قال بصوت فيه أمر:
_ هاه حضرتي البدلة وكويتي القميص.
بنبرة جافة ودون النظر له:
_أيوة أهم.
توجه صوب الخزانة وأخرج ثوب يليق للخروج في سهرة وعاد إليها هامسا بنبرة مفعمة بالحب:
_ طب خدي البسي ده وجهزي نفسك بسرعة عشان حنخرج سوا.
نظرت للفستان ثم له في عدم تصديق وابتسمت قائلة:
_ ايه ده بجد؟! يعني حنخرج سوا.
هز رأسه مؤكدا ..فهمست بعتاب:
_ياغلاستك طب وكان لازمتها ايه الرخامة بتاعتك دي من ساعة ماجيت.
حاوط خصرها بيديه وأراح جبينه على جبينها هامسا:
_ بحب أشوفك كده متغاظة.
_والله.. يعني غيظي بيعجبك ماشي يا ممدوح الله يسامحك بس مسيري اردهالك.
فضحك وقد ابتعد عنها مردفا:
_طب يلا البسي عشان منتأخرش.
قالت وهي تعد نفسها للخروج:
_حنروح فين يادوحة.
_دلوقت حتعرفي.
انتهت فرح من إعداد نفسها فقالت لممدوح:
_خلاص خلاصت هاه ايه رأيك.
كانت رائعة في ثوبها الستان الأزرق الملفوف على جسدها ،وشعرها الذي صففته ببساطة
وجدته يحدق بها وعينييه متقدتين بغضب قائلاً بصوت مزعج:
_ ايه الفستان ده؟
ردت وصوتها متلكأ متعجبا في نفس الوقت:
_الله مش انت ال اخترته بتزعق ليه بقى.
سريعا تحولت نبضته وسارت هادئة فهمس برقة لا تتناسب مع غضبه من دقيقة واحدة:
_ مكنتش أعرف أنه حيخليكي قمر وكمان مينفعش تخرجي بيه كده.
ضمت شفتيها بغيظ صارخة فيه بعتاب ق من بين أسنانها:
_يعني اغيره ولا اعمل ايه دلوقت؟!
_لا يا روحي متغيريش مفيش وقت.. ثم ارتفع صوته بتحذير متابعا:
بس وديني لو حد عاكسك لحطين عشتك.
_تطين عشتي أنا..وانا مالي..ممدوح يا حبيبي أنت جرالك حاجة انهاردة.
_انتي حتفضلي ترغي يلا اتاخرنا.
قالت محدثة نفسها بصوت غير مسموع :
_الراجل اتجنن ولا ايه.
_بتبرطمي بتقولي ايه.
_لا يا حبيبي ولا حاجة أنا جاهزة يالا يا روحي.
خرجت من حجرة النوم وهو خلفها وعندما وصلت إلى الصالة توقفت فجأة وهي تشهق كأنها تذكرت شئ ازعجها:
_طب والعيال يا ممدوح حنسيبهم لوحدهم.
_افتكرت العيال دلوقت طبعا ساعة الخروج تنسي حتى نفسك.
قالها بتعنيف رقيق جعلها تنظر له نظرات نارية فردت عليه:
_ نعم أنت حتنكد عليا قبل ما نطلع ولا إيه.
_يا فرح اخلصي مش وقته يلا حنودي العيال عند أمي واحنا راجعين ناخدهم.
_طيب استنى اغيرهم هدومهم.
هتف بعصبية:
_يا ستي لازمته إيه. هو احنا حنمشي على رجلينا داحنا من الباب للباب بالعربية.
همست مجادلة:
_ يا ممدوح مينفعش ينزلوا بلبس بالبيت ماما تقول ايه؟.
صرخ ممدوح وقد فقد أعصابه:
_ايه كلام الستات الفاضي ده امي تقول ومتقولش ياستي اخلصي.
_طيب ..طيب خلاص متتنرفز قوى كده.
توجها إلى حجرة الاطفال قال ممدوح وهو يرفع ابنه ويرميه على كتفه:
_شيلي البنت انتي ويلا.
_حاضر.
نطقت بها وقبل أن تهم في حمل ابنتها تذكرت أمر:
_استنى اخد علبة اللبن لحسن تجوع ولا حاجة.
نظر ممدوح للسقف و نفس في ضجر..وأثر الصمت.
ولما وضعت علبة اللبن في حقيبتها تذكرت شئ آخر فقالت فرح:
_ايوة واخد كمان بمبرز معايا احتياطيا.
قالت ذلك وفوجئت به يصرخ بنفاذ صبر:
_ يعني افتكرتي الحاجات دي كلها وانا متذنب بالواد، متخلصي يا فرح دي مكنتش خروجة دي..عبو الخروج والبيخرجوا يا شيخة.
شعرت بغصة في قلبها قضت على فرحتها بخروجها معه، لم تستطيع أن ترد عليه كل ما فعلته إنها صمتت، ولكن وجهها الغاضب لم يخفي ضيقاها.. حملت ابنتها وتوجهت صوب الباب دون أن تنبث ببنت شفة وهو خلفها.
ضيقها لم يجعلها تشعر عندما حمل ممدوح أطفاله، وذهب بهم إلى والدته لكي يتركهم عندها، كانت جالسة عاقدة ذراعيها أمام صدرها، ومن داخلها صمت رهيب ..ولكن لامت نفسها قائلة:
_أنا ليه سكت على ذله ليا كل ده عشان مصدقت أخرج معاه يعني، كان المفروض أعاتبه وارفض الخروجة دي عشان يبطل ينكد عليا كل منطلع، ثم زفرت بضيق.
أخرجها من شرودها ظهوره وجلوسه خلف مقعد القيادة فالتفتت برأسها حيث النافذة، فلاحظ ممدوح تجهمها، فشاكسها بأن جذب خصلة من شعرها، فابعدت يده بحركة غاضبة، ولكنه طاردها وجذب ذقنها بين أصابعه، فابعدته بزفرة عصبية قائلة:
_يوووه بقى أوعى.
قال بتهديد مصتنع:
_لأ مهو انتي يا تفردي وشك لنروح.
فصرخت فرح وهي تحدق فيه بنظرات نارية مليئة بالتحدي:
_يكون أحسن يا ممدوح انت حتزلني بالخروجة دي بلاها مش عايزاها من وشك.
_ايه يبت صوتك علي عليا من أمتى الجمودية دي.
قالها وهو يحتوي فمها بقبضته ويهزها بطريقة عشوائية مستفزة..جعلتها تتحدث من تحت يده كلمات خرجت غير مفهومة.
_ايه بتقولي ايه؟!
تخلصت من قبضة يده بصعوبة ثم صرخت فيه:
_روحني يا ممدوح ..روحنى دلوقت حالا سديت نفسي.
_لا مش حنروح وحنروح مشوارنا الكلمة كلمتي أنا فاااااااهمة.
ثم أنهى صرخته بأن أحاط رأسها بكلتا يديه وقبلها عنوة قبلة مسيطرة جعلتها تحدق فيه بصدمة ولم يبالي هو بزهولها هذا ..بل تركها وأكمل طريقه كأنه لم يفعل شئ..وهي لم تستطيع أن تتفوه بشئ وإن قالت ،فماذا ستقول..ولكن لا تنكر أنه استطاع وبجدارة أن يمحو غضبها، واخفت بالكاد ابتسامة سعادة كادت أن تطفو على شفتيها.
.................
_يلا انزلي
قالها ممدوح بعد أن أوقف سيارته أمام فندق كبير.
_ الله إحنا حنروح فين؟
_رايحين فرح واحد صاحبي يلا بقى انزلي.
ترجلت من السيارة وتأبطت ذراعه شعرت بالانشراح يعمها، سار بها حتى طاولة كان عليها بعض من غاصدقائه ومعهم زوجاتهن تبادلا التحيات وجلسا معهن..شعرت بالضيق لجلوسها معهم كانت تود أن تنفرد بزوجها، أو هكذا تمنت، وزاد من ضيقها اقتراب ضابطة جميلة للغاية ، جمالها فتنة، عرفها عليهم ممدوح:
_يا جماعة اقدم لكم الملازم أسيل زميلتنا الجديدة في المكتب.
فمدت اسيل يدها لهم تسلم عليهم بحفاوة واحد تلو الآخر بعد أن عرفهم لها ممدوح قائلا وهو يشير على اصدقائه:
_ده جمال وهيثم طبعا عارفاهم، ومدام رانيا مراة جمال، ومراة هيثم مدام حنان ودي ياستي فرح مراتي.
سلمت عليها فرح حينما أتى دورها وكان سلاما فاترا من ناحية فرح بالتأكيد..والتي
نبض قلبها بالخوف عندما سمعت اسمها ورأتها، التفتت لزوجات الضباط الآخرين فوجدت ملامح الضيق والغيرة هجمت عليهن أيضاً.. مهما حاولن أن يخفين ذلك ولكن الأنثى لا يفهما إلا أنثى مثلها، ظنت أن المدعوة أسيل هذه سوف تجلس معهم، لكن وجدت ممدوح يأخذها بعيدا وظل يتحدث معها كأنه بينه وبينها سرا، شعرت بالاحراج والغيظ حاولت أن تخفيهما باندماج مصتنع مع الموسيقا، لكن في نفس الوقت الفضول يدفعها لكي تعرف ماذا يقول ممدوح لها؟
حاولت أن تندمج مع زوجات أصدقائه ، ولكن رغم عنها عينيها ترتفع إلى ذلك الثنائي الذي بدأ أن يلفت أنظار الجميع لهما، ويبدو جمال تلك الفتاة هو سر الجاذبيه.
ساعتان مضتا وممدوح منشغل بتلك الأسيل، وكأنه نسيها تمام ونسي أنه اصطحبها معه، هل أتى بها هذا الفرح لكي يغيظها، لم تحتمل فرح جلوسها هكذا مهملة فقد شعرت بإهانة عظيمة وقعت عليها لدرجة أنها أحست بحاجتها للبكاء وبالفعل استئذنت منهم للذهاب إلى المرحاض، وما أن وصلت للمرحاض ، فلم تتمالك نفسها واطلقت لدموعها العنان نظرت للمرآه وجدت وجهها قد احمرا وانهارت زينتها، بصعوبة ابتلعت دموعها، تنفست بعمق، غسلت وجهها وعدلت زينتها، ثم همست بتحدي ونية للانتقام:
_ماشي يا ممدوح أنا تعمل فيا كده؟
تسبني كم مهمل كده ومتعبرنيش هي دي بقى ست أسيل بتاعتك، طب والله لطلعه على عينك اصبر بس.
دقائق استعادت فيها جأشها وخرجت وهي تنوي لممدوح على شئ ما..
ترى ما هو الله اعلم سوف نرى في الفصل القادم باذن الله.
أطلق ممدوح صفيراً منغم أثناء قيادته لسيارته، وأصابعه تكمل السموفنية بطرقعاتها الخفيفة على عجلة القيادة، فكان بين الحين والحين يلقي نظرات سعادة لفرح مع مداعبة ذقنها بأصابعه فتبتسم له ابتسامة صفراء هامسة لنفسها:
_طبعا ليك حق تصفر وتبقى مبسوط مش كنت بتتساير مع المزة بتاعتك، ماشي يا ممدوح إن مطلعته كله ده عليك ما ابقاش أنا فرح وكله بما يرضى الله.
انتبهت من شرودها عندما وجدت ممدوح قد تخطى الشارع القاطن به بيت حماتها فسألته مندهشة:
_ الله احنا مش حنعدي ناخد العيال من عند نينة ولا ايه؟!
_ عيال مين ال حناخدهم دلوقت الساعة ٢ونص، زمانهم ناموا فعلى ايه نزعجهم، وبعدين خلي الجو يبقى رايق لنا يا جميل.
قال ذلك ممدوح ثم غمز بعينه اليمين، فابتسمت له فرح نفس ابتسامتها الصفراء مسايرة له ونيتها تضمر شئ آخر.
_ طب بس نينة تقول ايه مسؤلوش في العيال.
_ لا متقلقيش ما هو أنا اتصلت بيها وقلتلها حنتأخر فهي ال عرضت عليا إن اسيب العيال والصبح ابقى اخدهم قلت عالبركة..
يلا يا جميل وصلنا.. انزلي واستنيني بقى اجرش العربية ونطلع.
قالها ثم انتظر حتى ترجلت من السيارة دخل بها الجراش، ورأته فرح يخرج بعد دقائق ثم صعدا إلى شقتهما، وما إن فتح ممدوح الباب حتى رن هاتف فرح فقال ممدوح منزعجا:
_لتكون ماما بترن عشان العيال صحيوا ولا حاجة.
انتقل القلق لفرح فاخرجت الهاتف بطريقة متعجلة قلقة هامسة وهي تهم بالرد على الاتصال:
_ربنا يستر
_روفيدا مالك بتعيطي ليه ايه ال حصل.
قال ممدوح بقلق:
_مالها روفيدا يا فرح.
استنى بس يا ممدوح افهم.
_ايوة يا روفيدا اهدي وبطلي عياط عشان افهم
صرخت روفيدا:
_الحقيني يافرح يوسف وقع ورجله انكسرت.
حدقت فرح بانزعاج وصرخت وهي تضرب خدها بخفة:
_ ايه يوسف ينهار أبيض ...طب طب خلاص اهدي خلاص احنا جايين حالا اهو.
ممدوح بانزعاج:
_في ايه يا فرح ماله يوسف.
_يوسف ابنها وقع ورجله اظاهر اتكسرت يلا ياممدوح بسرعة نوديه المستشفى.
_ازاي
_مش عارفة يا ممدوح لما نروح نفهم منها مفهمتش منها حاجة بسبب عياطها.
كانت خطواتهم مهرولة مضطربة، وفي خلال ربع ساعة بالسيارة كانا قد وصلا إلى شقة روفيدا، الباب مفتوحا و روفيدا وحشد من جيرانها يلتف حولها، يوسف ممدد على الأرض يصرخ بألم:
_رجلي، آه رجلي بتوجعني قوووي ياماما الحقيني ياماما .. الحقيني.
وروفيدا تضم رأسه إلى صدرها قائلة وقلبها يتمزق من الخوف عليه:
_يقطعني ياحبيبي ، معلش معلش حالا نروح للدكتور.
_يوسف مالك يا حبيبي الف سلامة عليك.
صرخت بها فرح وهي تركع بجوارهما وتابعت بانزعاج وهي تسأل روفيدا:
_ماله يوسف يا روفيدا حصله ايه؟
_الحقيني يافرح الواد رجله اتكسرت كان بيلعب بالكرة فسكنت على النيش جاب كرسي عشان يجيبها وقع بيه على السيراميك.. ولقيته بيصرخ جامد.
كان ممدوح يستمع لها فيهز رأسه بأسف فقال وهو ينحني منهما قليلا:
_طب انتو مستنين ايه يلا قومي نوديه المستشفى.
رد واحد من الجيران كان واقفا مع الحشد الذي يحاوط روفيدا ويوسف:
_احنا يا افندم اتصلنا بالاسعاف وهي خلاص دقيقة وجاية ولازم هي تشيله عشان لا قدر الله ميحصلش مضاعفات لو شلناه غلط.
وكان صريخ يوسف يمزق القلوب جعل الكل يهمهم بكلمات الأسف ومنهم من يدعو له، حتى جاءت الأسعاف وقامت بحمل الطفل المصاب في العربة، تفرق الجيران وذهبوا إلى حال سبيلهم ركبت روفيدا مع ابنها في عربة الإسعاف، بينما فرح وممدوح اصطحبا معهما عمار الذي كان يرتجف من الخوف ويبكي على أخيه في سيارته وراحة يتبعونها.
_انا تعبتكم قوي ياجماعة .
قالتها روفيدا بنظرات ممتنة .
وهي تحمل ابنها عمار من فرح وتريحه على فراشه، بينما ممدوح وضع يوسف على سريره برفق حريصا على ألا يتألم من جراء قدمه المدفونة داخل الجبس.
قالت فرح:
_ولا تعب ولا حاجة ياروفيدا والحمد لله انها جت على قد كده ياحبيبتي.
ممدوح:
ازاي تقولي كده احنا اهل ياروفيد وملناش غير بعض.
روفيدا:
_ازاي يا ممدوح انتو ليكم ساعتين معايا من الكشف للأشعة لما دوختكم معايا.
ممدوح: ياستي ولا دوخة ولا حاجة احنا معملناش غير الواجب والحمد لله إن الكسر بسيط عشر ايام بالكثير ويفك الجبس ويبقى زي الفل.. بس انتي بقى اديله العلاج بانتظام .
أخرجت روفيدا بقايا خوفها وتوترها في زفرة حارة متمتمة:
_ الحمد لله على كل حال.
فرح:صحيح يا روفيدا كلمتي مصطفى وقولتيله؟
أخفت روفيدا ألمها حتى لا يلاحظ ممدوح فقالت:
_ لا والله يافرح محبيتش ازعجه ولا اخضه وكمان اتلهيت في يوسف.
ممدوح: احسن بردو يا روفيدا هو في غربة وقلقه حيبقى مضاعف، ابقي هاتيهاله وحدة وحدة لما يتصل بيكم عادي.
فاومئت روفيدا موافقة على كلامه.
فشعر ممدوح بتعبها والاجهاد البادي على وجهها فقال وهو يهم بالانصراف:
_طب يلا بقى يا فرح احنا نروح خليها تستريح شوية.
قالت له فرح بنبرة مترجية:
_ طب متسبني ابات معها يا ممدوح احسن تحتاج حاجة.
نظر لها ممدوح نظرة رافضة وحنق في نفس الوقت، لأنها تضعه في موقف محرج ولكنه قال بصوت حاول أن يكون هادئا:
_والعيال يا فرح ال سيبنهم عند ماما، وشغلي الصبح.
فقالت روفيدا بنبرة سريعة انقاذا للموقف:
_روحي مع جوزك يا فرح عشان العيال وبكرة ياستي ابقي تعالي من بدري، وأنا لو واحتجت حاجة حكلمك.
فقبلتها فرح في وجنتيها وقالت مستسلمة للأمر:
_ طيب ياحبيبتي أنا حمشي وبكرة حجيلك، تصبحي على خير.
روفيدا :
_وانتي من أهله.
ممدوح: تصبحي على خير يا روفيدا والف سلامة على يوسف.
روفيدا وهي تصطحب هما إلى الباب:
_ الله يسلمك ياممدوح .
أغلقت الباب خلفهما وهي تستنشق مزيدا من الهواء الذي نفذ من رئتيها بفضل التوتر والاضطراب, والقلق اللذين عاشتهم في ساعات النهار، ثم زفرت ما استنشقته على مهل وأغمضت عيناها باسترخاء، ذهبت لتتفقد ابنيها رأتهما يغطان في النوم، أطفأت نور الحجرة وأغلقت الباب عليهما .. وتوجهت إلى حجرتها تلقي بنفسها على فراشها الذي ضمها بحنو وامتص منها ارهاقها, ذهب عقلها إلى مصطفى عندما وقعت عيناها على صورته بجوارها على(الكومود) تعاتبه بدمعتها الساخنة التي سالت بسخاء على وجنتيها، تعاتبه في صمت وتقول مخاطبة إياه:
_عجبك ال انا فيه دلوقت، عجبك الشحططة ال انا فيها أنا وعيالك من ساعة ما سافرت، الفلوس ال انت سافرت عشان تعملهم تساوي العذاب ال أنا شفته انهاردة وال بشوفه مع عيالك، الله يسامحك يا اخي ، الله يسامحك يامصطفى.
قطع شكواها رنين هاتفها كان هو يتصل بها، أمسكت الهاتف تنظر لاسمه الذي يضيئ ، لا تريد أن تسمع صوته. فظلت تنظر لشاشة الهاتف ودموعها تزداد في الانهمار، حتى انتهى الرنين، ولكنه بعد ثواني عاود الإتصال فمسحت دموعها، ولبست ثوب التماسك قائلة بنبرة غاضبة جافة:
_ افندم.
دهش لنبرتها القاسية فزفر في حنق مجيبا عليها:
_ مالك في إيه؟
بنفس صوتها الحانق أجابت:
_مفيش
_مفيش إزاي صوتك بيقول إن في حاجة حصلت عشان كده قلبة عليا..في ايه يا روفيدا؟!
صوتها ارتفع وخرج حانقا كأنها لو كان أمامها في تلك اللحظة لقامت بخنقه:
_ قلتلك مفيش .
سمع بكاؤها عبر الأثير، وشهقاتها واناتها التي أصابته بالقلق والتوتر فصرخ بها:
_اتكلمي في إيه؟ في حاجة حصلت العيال..انتو بخير؟
ارادت أن تعذبه كما عذبها وتركها تحمل هم أولاده لوحدها من أجل حفنة أموالا أراد أن يجنيها فصرخت فيه:
_بتسأل ليه علينا؟ هو احنا نهمك قوي، ولا سلامتنا فارقة معاك، خليك أنت اجمع في الفلوس ال حتعيشك في مستوى أحسن ومش مهم إحنا نتفلق..نولع حتى طظ فينا.
بعدها أغلقت في وجهه الاتصال دون سلام وأغلقت الهاتف نهائيا، متعمدة أن تجعله يقاسي من القلق كما قاست هي منه منذ ساعات.
وبالفعل نظر مصطفى إلى الهاتف باندهاش، وحنق مقوسا فمه في غيظ حتى أنه ألقى بالهاتف على الفراش متمتما:
_ ماشي يا روفيدا بتقفلي التليفون في وشي .. استغفر الله العظيم يارب ..ياترى ايه الحصل ، بس انا عارف روفيدا متعملش كده غير لما بتبقى جايبة آخرها اكيد حصلت حاجة كبيرة..في ايه ترى؟
ازداد قلقه وظل ينهشه.. تسحقه الأفكار السيئة ،حائرا ماذا يفعل ففكر أن يكلم فرح قد تكون على علم بما حدث، فنظر في الساعة، فقال لنفسه:
_ياااه الساعة 4 الفجر بتوقيت القاهرة مينفعش اتصل بيهم في الوقت ده.. وبعدين انا حفضل كده قلقان.. يظهر أن لازم أستنى كام ساعة وابقى اتصل بفرح ولا ممدوح.
زفر في ضيق وقام لكي يصنع له فنجان من القهوة عله يهدأ.
وبعد ساعة اتصل مصطفى بممدوح وعلم منه أمر الحادث الذي حدث لأبنه يوسف، بعدها شعر بنغزات في صدره، وضيق نهش قلبه بقوة، وندم كسر همته، أنه نادم بالفعل على سفره وتركه لزوجته وأولاده، حادث ابنه جعله يتوقف بحياته، وحلمه للحظات فيسأل نفسه، هل أموال الدنيا كلها تعوضه عن أحد من أفراد أسرته لو حدث لأحدهم مكروهاً، هل يوجد شئ أغلى منهم؟ لماذا يضيع سنوات من عمره وعمرهم في الإبتعاد عنهم؟ عض على إبهامه في غيظ جارم قلقه على ابنه يمزق خافقه، يعد الساعات لكي تمر حتى يتصل بهم ويطمئن عليهم، وبعد مرور بضع ساعات كانت كدهر أمسك بالهاتف ليتصل بهم وقد أجاب يوسف عليه وما إن سمع صوته هتف بلهفة ونبرة مضطربة:
_يوسف حبيبي طمني عليك حبيب بابا مالك إيه الحصل؟
يوسف بنبرة باكية:
_وقعت يا بابا ورجلي اتكسرت وانكل مصطفى اجى ووداني المستشفى وجبسولي رجلي.
مصطفى بعتاب رقيق:
_يايوسف أنا مش موصيك متتشقاش عشان متتعبش ماما، وأني سايب في البيت راجل بعدي..بردو كده ياحبيبي.
يوسف:
_ والله متشقيت يابابا دأنا حطيت الكرسي عشان اجيب الكورة الكرسي وقع بيا.
زفر مصطفى ثم قال له:
_طيب يا حبيبي خلي بالك من نفسك ومن اخوك اديني ماما بقى أكملها.
مد يوسف يده بالهاتف لامه التي كانت جالسة بجواره وقد رأت اتصاله أولا ولم تشاء أن ترد عليه فأعطت الهاتف لأبنها طالبة منه أن يجيبه، وسمعت كل المحادثة قال يوسف وهو يحثها على أن تجيب أبيه:
_ماما ..بابا عايز يكلمك.
فهزت روفيدا رأسها بالرافض، فقال يوسف لأبيه:
_بابا..ماما مش عايزة تكلمك.
ابتلع مصطفى حنقه فقال له:
_افتح الاسبيكر يا يوسف
وفتح يوسف مكبر الصوت حتى تسمع أمه حديث أبيه الذي قال عبر الهاتف:
_روفيدا أنا بصفي أعمالي هنا، وخلاص قربت أرجع، خلي بالك من نفسك و العيال لحد ما أرجع ومتزعليش مني.
ثم أنهى الإتصال، فلم تتمالك روفيدا نفسها وركضت إلى حجرتها تبكي، لاحظت أن صوته بدى مجهدا ومرهق، أنها اشتاقته، تشعر أنها من غيره عارية، وحيدة، تشعر أنها يتيمة، نادمة على أنها لم تحدثه، ليتها كانت أجابته، انها أردت فقط أن تعذبه، فعذبت نفسها معه.
الفصل الأول
عقلها تسحقه الأفكار لا تقضي عليها اعمال المنزل، ولا انشغالها بأطفالها، ثم ينقضي اليوم كباقي أيامها التي تشبه بعضها البعض، ينام اولادها، وتعود المربية إلى بيتها، وتجلس هي في الصالة تنتظره، تنظر للساعة المعلقة على الحائط فتجدها العاشرة مساءً، فتزفر بسأم وتهمس لنفسها:
_ لسة بدري على متيجي يا ممدوح والله اعلم بقى حتبات انهاردة كمان ولا لأ.
تناولت جهاز المتحكم عن بعد وظلت تقلب في قنوات التلفاز، حتى استقرت على فيلم، استرخت في جلستها، وراحت تتابعه، شردت رغم عنها في تلك الليلة التي أنهى ممدوح فيها ذلك الاتفاق الذي كان بينهم، لقد انهاه بالقوة وبطلقة من مسدسه في الهواء، فابتسمت وظلت تتذكر تلك الليلة التي لن تنساها ما حيت، إنها أجمل أيام عمرها، كان ممدوح في تلك الليلة عنيفا في حبه وفي قبلاته ،في أحضانه، وفي كل شئ ، عنف لذيذ مفعم بالظمئ والحرمان الشديد، تذكرت هذه الليلة بحذافيرها حتى إنها أغمضت عينيها وراحت تعيد ذكراها علها تقضي بها على ظمأها ووحدتها التي عادت لها من جديد، بعد هذه الليلة انتهى كل شئ انتهى الشغف الذي كان يطل من عيون ممدوح لها، انتهى الاشتياق، انتهى الإهتمام، انتهى الركض خلفها وهو يطلب منها حنانها ، انتهى توسلات عيناه لعينيها طالبا الرحمة والشفقة بقلبه، انتهى كل شئ وعاد ممدوح لسابق عهده، عاد إهماله له، عاد يتأخر كل يوم ويتركها طوال النهار منغمسة في مشاكل البيت وأطفالها، وعادت هي تشكو إهماله لها وعدم إحساسه بها.
لقد تعبت من كثرة التفكير، تثاءبت في ضجر تخفي ثثائبها خلف يدها.. يبدو أن النعاس غلبها فنامت دون أن تشعر، حتى إنها لم تشعر بممدوح وهو يفتح الباب ويدخل ثم يرمي مفاتيحه على الطاولة أمامه، وينظر لها فيجدها جالسة قد أرخت رأسها على رأس الأريكة، تغط في النوم أنفاسها منتظمة، جلس بجوارها يتأملها لحظات، فداعب شفتيها بقبلة رقيقة، انتفضت على إثرها، وقد همهمت بصوت مفزوع:
_ممدوح؟ ايه فيه ايه.
_ايه يبت مالك اتخضيتي كده ليه.
عدلت من شعرها وقميصها وهي تهمس بصوت يداعبه النعاس:
_ خضتني يا اخي..أنا مش متعودة منك على الحنية دي دايما بتيجي تعمل صوت او تنده أنما تيجي وتبوسني برقة كده مش متعودة.
قال ببرود ليغيظها:
_ خلاص يا ستي حقك عليا مش حبوسك تاني، لما اجاي والاقيكي نايمة حفوقك بقلم على وشك.
_يا دمك.
قالتها وهي تضربه على كتفه وعلى وجهها علامات العتاب..ثم نظرت إلى الساعة وجدتها تشير العاشرة والنصف واستطردت:
_وبعدين خير جاي بدري يعني انهاردة تتحسد.
قال وهو يتناول المتحكم في التلفاز يقلب فيه وقد استرخى في جلسته:
_لا مهو أنا نازل تاني، قومي جهزي العشا بقى عشان قدامي ساعتين بالظبط.
وجدها ما زالت جالسة مكانها تنظر له بضيق وعيناها أوشكت على البكاء ونظراتها ترميه بعتاب لا ينتهي، فالتفت لها وصرخ بها:
_ متقومي حضري الأكل أنت حتفضلي تبصيلي كده.
فنهضت وزفرت عتابها بقوة واردفت مستسلمة:
_ ماشي يا ممدوح قايمة أهو .
_وأنا ال فرحت لما لقيته جاي بدري قلت حيقعد معايا..اتريه جاي ترانزيت حضرته دي مش عيشة دي ياربي أنا حفضل كده لحد امتى استغفر الله العظيم.
غمغمت بها لنفسها وهي تعد الطعام، وراحت تضعه على السفرة وذهبت عنده وقالت بنبرةغاضبة جافة دون أن تنظر له:
_الأكل جهز اتفضل.
قام ليغسل يديه ..جلس على السفرة ينظر لوجهها المتجهم قائلاً لها بخشونة :
_ايه متفردي وشك شوية وتيجي تقعدي تاكلي معايا ، ايه الوش الخشب ده ال يسد النفس.
_ يعني انتي فاتح نفسي بايه عشان أنا افتح نفسك.
قالتها ولم يعلق ممدوح على قولها .. ثم جلست لكنها لم تبتسم ، أو هي لم تستطيع الأبتسام، فكيف تظهر له وجه يعبر عن شئ لا تشعره، كيف تضحك في وجهه وهي غاضبة منه.
_ متاكلي .
_مليش نفس.
_طيب قومي حضري بدلة واكوي لي قميص.
_ طيب.
نطقتها باستسلام ثم نهضت بحركة غاضبة.
بعد أن انتهى من عشاءه ذهب خلفها إلى حجرة النوم كانت تقوم بكي القميص، وعلى وجهها علامات السخط، قال بصوت فيه أمر:
_ هاه حضرتي البدلة وكويتي القميص.
بنبرة جافة ودون النظر له:
_أيوة أهم.
توجه صوب الخزانة وأخرج ثوب يليق للخروج في سهرة وعاد إليها هامسا بنبرة مفعمة بالحب:
_ طب خدي البسي ده وجهزي نفسك بسرعة عشان حنخرج سوا.
نظرت للفستان ثم له في عدم تصديق وابتسمت قائلة:
_ ايه ده بجد؟! يعني حنخرج سوا.
هز رأسه مؤكدا ..فهمست بعتاب:
_ياغلاستك طب وكان لازمتها ايه الرخامة بتاعتك دي من ساعة ماجيت.
حاوط خصرها بيديه وأراح جبينه على جبينها هامسا:
_ بحب أشوفك كده متغاظة.
_والله.. يعني غيظي بيعجبك ماشي يا ممدوح الله يسامحك بس مسيري اردهالك.
فضحك وقد ابتعد عنها مردفا:
_طب يلا البسي عشان منتأخرش.
قالت وهي تعد نفسها للخروج:
_حنروح فين يادوحة.
_دلوقت حتعرفي.
انتهت فرح من إعداد نفسها فقالت لممدوح:
_خلاص خلاصت هاه ايه رأيك.
كانت رائعة في ثوبها الستان الأزرق الملفوف على جسدها ،وشعرها الذي صففته ببساطة
وجدته يحدق بها وعينييه متقدتين بغضب قائلاً بصوت مزعج:
_ ايه الفستان ده؟
ردت وصوتها متلكأ متعجبا في نفس الوقت:
_الله مش انت ال اخترته بتزعق ليه بقى.
سريعا تحولت نبضته وسارت هادئة فهمس برقة لا تتناسب مع غضبه من دقيقة واحدة:
_ مكنتش أعرف أنه حيخليكي قمر وكمان مينفعش تخرجي بيه كده.
ضمت شفتيها بغيظ صارخة فيه بعتاب ق من بين أسنانها:
_يعني اغيره ولا اعمل ايه دلوقت؟!
_لا يا روحي متغيريش مفيش وقت.. ثم ارتفع صوته بتحذير متابعا:
بس وديني لو حد عاكسك لحطين عشتك.
_تطين عشتي أنا..وانا مالي..ممدوح يا حبيبي أنت جرالك حاجة انهاردة.
_انتي حتفضلي ترغي يلا اتاخرنا.
قالت محدثة نفسها بصوت غير مسموع :
_الراجل اتجنن ولا ايه.
_بتبرطمي بتقولي ايه.
_لا يا حبيبي ولا حاجة أنا جاهزة يالا يا روحي.
خرجت من حجرة النوم وهو خلفها وعندما وصلت إلى الصالة توقفت فجأة وهي تشهق كأنها تذكرت شئ ازعجها:
_طب والعيال يا ممدوح حنسيبهم لوحدهم.
_افتكرت العيال دلوقت طبعا ساعة الخروج تنسي حتى نفسك.
قالها بتعنيف رقيق جعلها تنظر له نظرات نارية فردت عليه:
_ نعم أنت حتنكد عليا قبل ما نطلع ولا إيه.
_يا فرح اخلصي مش وقته يلا حنودي العيال عند أمي واحنا راجعين ناخدهم.
_طيب استنى اغيرهم هدومهم.
هتف بعصبية:
_يا ستي لازمته إيه. هو احنا حنمشي على رجلينا داحنا من الباب للباب بالعربية.
همست مجادلة:
_ يا ممدوح مينفعش ينزلوا بلبس بالبيت ماما تقول ايه؟.
صرخ ممدوح وقد فقد أعصابه:
_ايه كلام الستات الفاضي ده امي تقول ومتقولش ياستي اخلصي.
_طيب ..طيب خلاص متتنرفز قوى كده.
توجها إلى حجرة الاطفال قال ممدوح وهو يرفع ابنه ويرميه على كتفه:
_شيلي البنت انتي ويلا.
_حاضر.
نطقت بها وقبل أن تهم في حمل ابنتها تذكرت أمر:
_استنى اخد علبة اللبن لحسن تجوع ولا حاجة.
نظر ممدوح للسقف و نفس في ضجر..وأثر الصمت.
ولما وضعت علبة اللبن في حقيبتها تذكرت شئ آخر فقالت فرح:
_ايوة واخد كمان بمبرز معايا احتياطيا.
قالت ذلك وفوجئت به يصرخ بنفاذ صبر:
_ يعني افتكرتي الحاجات دي كلها وانا متذنب بالواد، متخلصي يا فرح دي مكنتش خروجة دي..عبو الخروج والبيخرجوا يا شيخة.
شعرت بغصة في قلبها قضت على فرحتها بخروجها معه، لم تستطيع أن ترد عليه كل ما فعلته إنها صمتت، ولكن وجهها الغاضب لم يخفي ضيقاها.. حملت ابنتها وتوجهت صوب الباب دون أن تنبث ببنت شفة وهو خلفها.
ضيقها لم يجعلها تشعر عندما حمل ممدوح أطفاله، وذهب بهم إلى والدته لكي يتركهم عندها، كانت جالسة عاقدة ذراعيها أمام صدرها، ومن داخلها صمت رهيب ..ولكن لامت نفسها قائلة:
_أنا ليه سكت على ذله ليا كل ده عشان مصدقت أخرج معاه يعني، كان المفروض أعاتبه وارفض الخروجة دي عشان يبطل ينكد عليا كل منطلع، ثم زفرت بضيق.
أخرجها من شرودها ظهوره وجلوسه خلف مقعد القيادة فالتفتت برأسها حيث النافذة، فلاحظ ممدوح تجهمها، فشاكسها بأن جذب خصلة من شعرها، فابعدت يده بحركة غاضبة، ولكنه طاردها وجذب ذقنها بين أصابعه، فابعدته بزفرة عصبية قائلة:
_يوووه بقى أوعى.
قال بتهديد مصتنع:
_لأ مهو انتي يا تفردي وشك لنروح.
فصرخت فرح وهي تحدق فيه بنظرات نارية مليئة بالتحدي:
_يكون أحسن يا ممدوح انت حتزلني بالخروجة دي بلاها مش عايزاها من وشك.
_ايه يبت صوتك علي عليا من أمتى الجمودية دي.
قالها وهو يحتوي فمها بقبضته ويهزها بطريقة عشوائية مستفزة..جعلتها تتحدث من تحت يده كلمات خرجت غير مفهومة.
_ايه بتقولي ايه؟!
تخلصت من قبضة يده بصعوبة ثم صرخت فيه:
_روحني يا ممدوح ..روحنى دلوقت حالا سديت نفسي.
_لا مش حنروح وحنروح مشوارنا الكلمة كلمتي أنا فاااااااهمة.
ثم أنهى صرخته بأن أحاط رأسها بكلتا يديه وقبلها عنوة قبلة مسيطرة جعلتها تحدق فيه بصدمة ولم يبالي هو بزهولها هذا ..بل تركها وأكمل طريقه كأنه لم يفعل شئ..وهي لم تستطيع أن تتفوه بشئ وإن قالت ،فماذا ستقول..ولكن لا تنكر أنه استطاع وبجدارة أن يمحو غضبها، واخفت بالكاد ابتسامة سعادة كادت أن تطفو على شفتيها.
.................
_يلا انزلي
قالها ممدوح بعد أن أوقف سيارته أمام فندق كبير.
_ الله إحنا حنروح فين؟
_رايحين فرح واحد صاحبي يلا بقى انزلي.
ترجلت من السيارة وتأبطت ذراعه شعرت بالانشراح يعمها، سار بها حتى طاولة كان عليها بعض من غاصدقائه ومعهم زوجاتهن تبادلا التحيات وجلسا معهن..شعرت بالضيق لجلوسها معهم كانت تود أن تنفرد بزوجها، أو هكذا تمنت، وزاد من ضيقها اقتراب ضابطة جميلة للغاية ، جمالها فتنة، عرفها عليهم ممدوح:
_يا جماعة اقدم لكم الملازم أسيل زميلتنا الجديدة في المكتب.
فمدت اسيل يدها لهم تسلم عليهم بحفاوة واحد تلو الآخر بعد أن عرفهم لها ممدوح قائلا وهو يشير على اصدقائه:
_ده جمال وهيثم طبعا عارفاهم، ومدام رانيا مراة جمال، ومراة هيثم مدام حنان ودي ياستي فرح مراتي.
سلمت عليها فرح حينما أتى دورها وكان سلاما فاترا من ناحية فرح بالتأكيد..والتي
نبض قلبها بالخوف عندما سمعت اسمها ورأتها، التفتت لزوجات الضباط الآخرين فوجدت ملامح الضيق والغيرة هجمت عليهن أيضاً.. مهما حاولن أن يخفين ذلك ولكن الأنثى لا يفهما إلا أنثى مثلها، ظنت أن المدعوة أسيل هذه سوف تجلس معهم، لكن وجدت ممدوح يأخذها بعيدا وظل يتحدث معها كأنه بينه وبينها سرا، شعرت بالاحراج والغيظ حاولت أن تخفيهما باندماج مصتنع مع الموسيقا، لكن في نفس الوقت الفضول يدفعها لكي تعرف ماذا يقول ممدوح لها؟
حاولت أن تندمج مع زوجات أصدقائه ، ولكن رغم عنها عينيها ترتفع إلى ذلك الثنائي الذي بدأ أن يلفت أنظار الجميع لهما، ويبدو جمال تلك الفتاة هو سر الجاذبيه.
ساعتان مضتا وممدوح منشغل بتلك الأسيل، وكأنه نسيها تمام ونسي أنه اصطحبها معه، هل أتى بها هذا الفرح لكي يغيظها، لم تحتمل فرح جلوسها هكذا مهملة فقد شعرت بإهانة عظيمة وقعت عليها لدرجة أنها أحست بحاجتها للبكاء وبالفعل استئذنت منهم للذهاب إلى المرحاض، وما أن وصلت للمرحاض ، فلم تتمالك نفسها واطلقت لدموعها العنان نظرت للمرآه وجدت وجهها قد احمرا وانهارت زينتها، بصعوبة ابتلعت دموعها، تنفست بعمق، غسلت وجهها وعدلت زينتها، ثم همست بتحدي ونية للانتقام:
_ماشي يا ممدوح أنا تعمل فيا كده؟
تسبني كم مهمل كده ومتعبرنيش هي دي بقى ست أسيل بتاعتك، طب والله لطلعه على عينك اصبر بس.
دقائق استعادت فيها جأشها وخرجت وهي تنوي لممدوح على شئ ما..
ترى ما هو الله اعلم سوف نرى في الفصل القادم باذن الله.
أطلق ممدوح صفيراً منغم أثناء قيادته لسيارته، وأصابعه تكمل السموفنية بطرقعاتها الخفيفة على عجلة القيادة، فكان بين الحين والحين يلقي نظرات سعادة لفرح مع مداعبة ذقنها بأصابعه فتبتسم له ابتسامة صفراء هامسة لنفسها:
_طبعا ليك حق تصفر وتبقى مبسوط مش كنت بتتساير مع المزة بتاعتك، ماشي يا ممدوح إن مطلعته كله ده عليك ما ابقاش أنا فرح وكله بما يرضى الله.
انتبهت من شرودها عندما وجدت ممدوح قد تخطى الشارع القاطن به بيت حماتها فسألته مندهشة:
_ الله احنا مش حنعدي ناخد العيال من عند نينة ولا ايه؟!
_ عيال مين ال حناخدهم دلوقت الساعة ٢ونص، زمانهم ناموا فعلى ايه نزعجهم، وبعدين خلي الجو يبقى رايق لنا يا جميل.
قال ذلك ممدوح ثم غمز بعينه اليمين، فابتسمت له فرح نفس ابتسامتها الصفراء مسايرة له ونيتها تضمر شئ آخر.
_ طب بس نينة تقول ايه مسؤلوش في العيال.
_ لا متقلقيش ما هو أنا اتصلت بيها وقلتلها حنتأخر فهي ال عرضت عليا إن اسيب العيال والصبح ابقى اخدهم قلت عالبركة..
يلا يا جميل وصلنا.. انزلي واستنيني بقى اجرش العربية ونطلع.
قالها ثم انتظر حتى ترجلت من السيارة دخل بها الجراش، ورأته فرح يخرج بعد دقائق ثم صعدا إلى شقتهما، وما إن فتح ممدوح الباب حتى رن هاتف فرح فقال ممدوح منزعجا:
_لتكون ماما بترن عشان العيال صحيوا ولا حاجة.
انتقل القلق لفرح فاخرجت الهاتف بطريقة متعجلة قلقة هامسة وهي تهم بالرد على الاتصال:
_ربنا يستر
_روفيدا مالك بتعيطي ليه ايه ال حصل.
قال ممدوح بقلق:
_مالها روفيدا يا فرح.
استنى بس يا ممدوح افهم.
_ايوة يا روفيدا اهدي وبطلي عياط عشان افهم
صرخت روفيدا:
_الحقيني يافرح يوسف وقع ورجله انكسرت.
حدقت فرح بانزعاج وصرخت وهي تضرب خدها بخفة:
_ ايه يوسف ينهار أبيض ...طب طب خلاص اهدي خلاص احنا جايين حالا اهو.
ممدوح بانزعاج:
_في ايه يا فرح ماله يوسف.
_يوسف ابنها وقع ورجله اظاهر اتكسرت يلا ياممدوح بسرعة نوديه المستشفى.
_ازاي
_مش عارفة يا ممدوح لما نروح نفهم منها مفهمتش منها حاجة بسبب عياطها.
كانت خطواتهم مهرولة مضطربة، وفي خلال ربع ساعة بالسيارة كانا قد وصلا إلى شقة روفيدا، الباب مفتوحا و روفيدا وحشد من جيرانها يلتف حولها، يوسف ممدد على الأرض يصرخ بألم:
_رجلي، آه رجلي بتوجعني قوووي ياماما الحقيني ياماما .. الحقيني.
وروفيدا تضم رأسه إلى صدرها قائلة وقلبها يتمزق من الخوف عليه:
_يقطعني ياحبيبي ، معلش معلش حالا نروح للدكتور.
_يوسف مالك يا حبيبي الف سلامة عليك.
صرخت بها فرح وهي تركع بجوارهما وتابعت بانزعاج وهي تسأل روفيدا:
_ماله يوسف يا روفيدا حصله ايه؟
_الحقيني يافرح الواد رجله اتكسرت كان بيلعب بالكرة فسكنت على النيش جاب كرسي عشان يجيبها وقع بيه على السيراميك.. ولقيته بيصرخ جامد.
كان ممدوح يستمع لها فيهز رأسه بأسف فقال وهو ينحني منهما قليلا:
_طب انتو مستنين ايه يلا قومي نوديه المستشفى.
رد واحد من الجيران كان واقفا مع الحشد الذي يحاوط روفيدا ويوسف:
_احنا يا افندم اتصلنا بالاسعاف وهي خلاص دقيقة وجاية ولازم هي تشيله عشان لا قدر الله ميحصلش مضاعفات لو شلناه غلط.
وكان صريخ يوسف يمزق القلوب جعل الكل يهمهم بكلمات الأسف ومنهم من يدعو له، حتى جاءت الأسعاف وقامت بحمل الطفل المصاب في العربة، تفرق الجيران وذهبوا إلى حال سبيلهم ركبت روفيدا مع ابنها في عربة الإسعاف، بينما فرح وممدوح اصطحبا معهما عمار الذي كان يرتجف من الخوف ويبكي على أخيه في سيارته وراحة يتبعونها.
_انا تعبتكم قوي ياجماعة .
قالتها روفيدا بنظرات ممتنة .
وهي تحمل ابنها عمار من فرح وتريحه على فراشه، بينما ممدوح وضع يوسف على سريره برفق حريصا على ألا يتألم من جراء قدمه المدفونة داخل الجبس.
قالت فرح:
_ولا تعب ولا حاجة ياروفيدا والحمد لله انها جت على قد كده ياحبيبتي.
ممدوح:
ازاي تقولي كده احنا اهل ياروفيد وملناش غير بعض.
روفيدا:
_ازاي يا ممدوح انتو ليكم ساعتين معايا من الكشف للأشعة لما دوختكم معايا.
ممدوح: ياستي ولا دوخة ولا حاجة احنا معملناش غير الواجب والحمد لله إن الكسر بسيط عشر ايام بالكثير ويفك الجبس ويبقى زي الفل.. بس انتي بقى اديله العلاج بانتظام .
أخرجت روفيدا بقايا خوفها وتوترها في زفرة حارة متمتمة:
_ الحمد لله على كل حال.
فرح:صحيح يا روفيدا كلمتي مصطفى وقولتيله؟
أخفت روفيدا ألمها حتى لا يلاحظ ممدوح فقالت:
_ لا والله يافرح محبيتش ازعجه ولا اخضه وكمان اتلهيت في يوسف.
ممدوح: احسن بردو يا روفيدا هو في غربة وقلقه حيبقى مضاعف، ابقي هاتيهاله وحدة وحدة لما يتصل بيكم عادي.
فاومئت روفيدا موافقة على كلامه.
فشعر ممدوح بتعبها والاجهاد البادي على وجهها فقال وهو يهم بالانصراف:
_طب يلا بقى يا فرح احنا نروح خليها تستريح شوية.
قالت له فرح بنبرة مترجية:
_ طب متسبني ابات معها يا ممدوح احسن تحتاج حاجة.
نظر لها ممدوح نظرة رافضة وحنق في نفس الوقت، لأنها تضعه في موقف محرج ولكنه قال بصوت حاول أن يكون هادئا:
_والعيال يا فرح ال سيبنهم عند ماما، وشغلي الصبح.
فقالت روفيدا بنبرة سريعة انقاذا للموقف:
_روحي مع جوزك يا فرح عشان العيال وبكرة ياستي ابقي تعالي من بدري، وأنا لو واحتجت حاجة حكلمك.
فقبلتها فرح في وجنتيها وقالت مستسلمة للأمر:
_ طيب ياحبيبتي أنا حمشي وبكرة حجيلك، تصبحي على خير.
روفيدا :
_وانتي من أهله.
ممدوح: تصبحي على خير يا روفيدا والف سلامة على يوسف.
روفيدا وهي تصطحب هما إلى الباب:
_ الله يسلمك ياممدوح .
أغلقت الباب خلفهما وهي تستنشق مزيدا من الهواء الذي نفذ من رئتيها بفضل التوتر والاضطراب, والقلق اللذين عاشتهم في ساعات النهار، ثم زفرت ما استنشقته على مهل وأغمضت عيناها باسترخاء، ذهبت لتتفقد ابنيها رأتهما يغطان في النوم، أطفأت نور الحجرة وأغلقت الباب عليهما .. وتوجهت إلى حجرتها تلقي بنفسها على فراشها الذي ضمها بحنو وامتص منها ارهاقها, ذهب عقلها إلى مصطفى عندما وقعت عيناها على صورته بجوارها على(الكومود) تعاتبه بدمعتها الساخنة التي سالت بسخاء على وجنتيها، تعاتبه في صمت وتقول مخاطبة إياه:
_عجبك ال انا فيه دلوقت، عجبك الشحططة ال انا فيها أنا وعيالك من ساعة ما سافرت، الفلوس ال انت سافرت عشان تعملهم تساوي العذاب ال أنا شفته انهاردة وال بشوفه مع عيالك، الله يسامحك يا اخي ، الله يسامحك يامصطفى.
قطع شكواها رنين هاتفها كان هو يتصل بها، أمسكت الهاتف تنظر لاسمه الذي يضيئ ، لا تريد أن تسمع صوته. فظلت تنظر لشاشة الهاتف ودموعها تزداد في الانهمار، حتى انتهى الرنين، ولكنه بعد ثواني عاود الإتصال فمسحت دموعها، ولبست ثوب التماسك قائلة بنبرة غاضبة جافة:
_ افندم.
دهش لنبرتها القاسية فزفر في حنق مجيبا عليها:
_ مالك في إيه؟
بنفس صوتها الحانق أجابت:
_مفيش
_مفيش إزاي صوتك بيقول إن في حاجة حصلت عشان كده قلبة عليا..في ايه يا روفيدا؟!
صوتها ارتفع وخرج حانقا كأنها لو كان أمامها في تلك اللحظة لقامت بخنقه:
_ قلتلك مفيش .
سمع بكاؤها عبر الأثير، وشهقاتها واناتها التي أصابته بالقلق والتوتر فصرخ بها:
_اتكلمي في إيه؟ في حاجة حصلت العيال..انتو بخير؟
ارادت أن تعذبه كما عذبها وتركها تحمل هم أولاده لوحدها من أجل حفنة أموالا أراد أن يجنيها فصرخت فيه:
_بتسأل ليه علينا؟ هو احنا نهمك قوي، ولا سلامتنا فارقة معاك، خليك أنت اجمع في الفلوس ال حتعيشك في مستوى أحسن ومش مهم إحنا نتفلق..نولع حتى طظ فينا.
بعدها أغلقت في وجهه الاتصال دون سلام وأغلقت الهاتف نهائيا، متعمدة أن تجعله يقاسي من القلق كما قاست هي منه منذ ساعات.
وبالفعل نظر مصطفى إلى الهاتف باندهاش، وحنق مقوسا فمه في غيظ حتى أنه ألقى بالهاتف على الفراش متمتما:
_ ماشي يا روفيدا بتقفلي التليفون في وشي .. استغفر الله العظيم يارب ..ياترى ايه الحصل ، بس انا عارف روفيدا متعملش كده غير لما بتبقى جايبة آخرها اكيد حصلت حاجة كبيرة..في ايه ترى؟
ازداد قلقه وظل ينهشه.. تسحقه الأفكار السيئة ،حائرا ماذا يفعل ففكر أن يكلم فرح قد تكون على علم بما حدث، فنظر في الساعة، فقال لنفسه:
_ياااه الساعة 4 الفجر بتوقيت القاهرة مينفعش اتصل بيهم في الوقت ده.. وبعدين انا حفضل كده قلقان.. يظهر أن لازم أستنى كام ساعة وابقى اتصل بفرح ولا ممدوح.
زفر في ضيق وقام لكي يصنع له فنجان من القهوة عله يهدأ.
وبعد ساعة اتصل مصطفى بممدوح وعلم منه أمر الحادث الذي حدث لأبنه يوسف، بعدها شعر بنغزات في صدره، وضيق نهش قلبه بقوة، وندم كسر همته، أنه نادم بالفعل على سفره وتركه لزوجته وأولاده، حادث ابنه جعله يتوقف بحياته، وحلمه للحظات فيسأل نفسه، هل أموال الدنيا كلها تعوضه عن أحد من أفراد أسرته لو حدث لأحدهم مكروهاً، هل يوجد شئ أغلى منهم؟ لماذا يضيع سنوات من عمره وعمرهم في الإبتعاد عنهم؟ عض على إبهامه في غيظ جارم قلقه على ابنه يمزق خافقه، يعد الساعات لكي تمر حتى يتصل بهم ويطمئن عليهم، وبعد مرور بضع ساعات كانت كدهر أمسك بالهاتف ليتصل بهم وقد أجاب يوسف عليه وما إن سمع صوته هتف بلهفة ونبرة مضطربة:
_يوسف حبيبي طمني عليك حبيب بابا مالك إيه الحصل؟
يوسف بنبرة باكية:
_وقعت يا بابا ورجلي اتكسرت وانكل مصطفى اجى ووداني المستشفى وجبسولي رجلي.
مصطفى بعتاب رقيق:
_يايوسف أنا مش موصيك متتشقاش عشان متتعبش ماما، وأني سايب في البيت راجل بعدي..بردو كده ياحبيبي.
يوسف:
_ والله متشقيت يابابا دأنا حطيت الكرسي عشان اجيب الكورة الكرسي وقع بيا.
زفر مصطفى ثم قال له:
_طيب يا حبيبي خلي بالك من نفسك ومن اخوك اديني ماما بقى أكملها.
مد يوسف يده بالهاتف لامه التي كانت جالسة بجواره وقد رأت اتصاله أولا ولم تشاء أن ترد عليه فأعطت الهاتف لأبنها طالبة منه أن يجيبه، وسمعت كل المحادثة قال يوسف وهو يحثها على أن تجيب أبيه:
_ماما ..بابا عايز يكلمك.
فهزت روفيدا رأسها بالرافض، فقال يوسف لأبيه:
_بابا..ماما مش عايزة تكلمك.
ابتلع مصطفى حنقه فقال له:
_افتح الاسبيكر يا يوسف
وفتح يوسف مكبر الصوت حتى تسمع أمه حديث أبيه الذي قال عبر الهاتف:
_روفيدا أنا بصفي أعمالي هنا، وخلاص قربت أرجع، خلي بالك من نفسك و العيال لحد ما أرجع ومتزعليش مني.
ثم أنهى الإتصال، فلم تتمالك روفيدا نفسها وركضت إلى حجرتها تبكي، لاحظت أن صوته بدى مجهدا ومرهق، أنها اشتاقته، تشعر أنها من غيره عارية، وحيدة، تشعر أنها يتيمة، نادمة على أنها لم تحدثه، ليتها كانت أجابته، انها أردت فقط أن تعذبه، فعذبت نفسها معه.