الفصل الثالث

في عيادة روفيدا

جلست روفيدا خلف مكتبها وكانت شاردة حزينة ، تفكر في مصطفى الذي لم يتكلم في الهاتف منذ آخر محادثة له ، وقد وعدها أنه سوف يصفي أعماله ويعود على الفور ، لقد اشتاقت له ، بل هي قلقة عليه أيضا ، كل ساعة وكل دقيقة تتساءل ترى كيف حاله الآن ، ينهشها الندم ، نادمة هي لأنها لم تحدثه ، ليته يحدثها الآن لأجابته على الفور ،  أخرجها من أفكارها الحزينة ممرضتها تعلن عن مريضة تريد الفحص زفرت روفيدا حزنها  وقالت لها :
_خمس دقائق ودخليها.
_ أمرك يا دكتورة.
تنفست بعمق لتخفي بين ضلوعها عذابها ، بدأت تستعد وتهيأ نفسها لكي تستقبل أول مريضة ، بعد خمس دقائق ، دخلت شابة عشرينية  بيضاء ، متوسطة الطول ، تميزها شامة على أحد  خديها وتقدمت وهي تلقي السلام :
_ السلام عليكم
بابتسامة عذبة ردت روفيدا :
_ وعليكم السلام ورحمه الله اتفضلي
أشارت لها روفيدا بالجلوس أمامها ..فجلست المريضة مردفة :
_ شكرا
_العفو
أخرجت روفيدا دفترها وظلت تسألها عن بعض بياناتها.
روفيدا : اسمك ايه؟؛
المريضة : حبيبة محرم
روفيدا : سنك ؟
حبيبة: ٢٥ سنة
روفيدا متجوزة؟!
حبيبة : أيوة
روفيدا : اتفضلي احكيلي بتشتكي من ايه ؟
أطرقت الفتاة بخجل وراحت تحكي بمزيج من الحزن والألم:
_ أنا اتخطبت لإبن عمي ، كنا بنحب بعض قوي ، قبل ما يخطبني اتقدملي عرسان كتير رفضتهم لاني بحبه هو وعشان كان خايف أضيع منه قال أخطبها ..قعدنا أربع سنين مخطوبين وفضلت مستنياه لحد ما يكون نفسه ، قبل فرحنا بكام شهر، كنت في البيت لوحدى وفي لحظة ضعف مني سلمته نفسي ، لحظتها كنت بعيط بهيستريا كنت خايفة من الفضايح وكنت خايفة كمان ليتخلى عني ، لكن هو فضل يأكدلي انه عمره ما حيسبني لأني بنت عمه يعني شرفي هو شرفه..اطمنت شوية بعد كلامه بس الخوف والقلق مرحوش مني لحد ما اتجوزنا فعلا ، فجأة لقيته اتغير ١٨٠ درجة كأنه بقى واحد تاني ، بقى يشك بيا ، أول ما يرجع البيت تفضل عنيه دايرة في الشقة كلها كأنه بيدور على حاجة ولما أسأله يقولي مفيش حاجة وأنا حاسة أنه بيتأكد إن مفيش حد معايا في الشقة، حرمني من الخروج نهائي ..حتى مرواحي عند بيت أبويا مكنش بيوديني غير لما يكون معايا ونروح سوا ونرجع مع بعض ،  ويا ويلي وسواد ليلي لو خرجنا مع بعض وحد عاكسني أول ما نرجع البيت يسود ليلتي، يفضل يلومني  يقولي كلام زي السم كأني أنا المسئولة عن معاكستي دي ، ومع ذلك كنت بستحمله لأني أنا غلطت وبدفع تمن غلطتي شك وغير وعدم ثقة، كنت بحاول أتكلم معاه بهدوء وأفهمه اني أنا إن كنت غلطت فده عشان كنت بحبه وبثق فيه ، ولأني كنت بعتبره جوزي قدام ربنا وان هو كمان غلط زي وأكتر لأنه المفروض كان يحافظ عليا لحد ما نتجوز، فيسكت باقتناع في لحظتها بس وبعدين يرجع أسوأ من الأول لحد ما خلاص ما بقيتش قادرة أستحمل غيرته ،ولا شكه ولا قسوته عليا ، تعبت ..تعبت بجد يا دكتورة ومش عارفة اعمل ايه معاه .. قوليلي اتصرف ازاي اعمل ايه معاه ازاي ارجع ثقته فيا زي الأول؟؛
وأنهت  حكايتها ببكاء مرير فربتت روفيدا على يدها قائلة :
_خلاص اهدي يا حبيبة من فضلك..طلبت لها عصير الليمون وتركتها تشربه وصمتت حتى تهدأ.
قالت روفيدا بعد أن هدأت حبيبة:
_ اسمعيني يا حبيبة كويس
انتبهت لها حبيبة وقالت:
_ اتفضلي يا دكتورة أنا سمعاكي كويس؛

_ انتي غلطتي غلطة كبيرة قوي لما سلمتيه نفسك ، لأن الراجل خاصة في مجتمعنا الشرقي بيفقد ثقته في الست ال بتفرط في نفسها حتى لو كان هو أول واحد ، انتي كمان حرمتي نفسك أنك تشوفي دماء عذريتك في ليلة دخلتك وتفرحي أن ربنا سترك لغاية اللحظة دي ، وعيشتي في خوف وقلق وتوتر لحد يوم فرحك ، الحصل حصل خلاص ، لكن بسكوتك عليه و إحساسك بالذنب خلى جوزك يشيلك كل الغلط ، يفقد الثقة فيكي ويقول لنفسه ( طالما غلطت معايا ممكن تغلط مع غيري ) لكن انتي لازم تحمليه هو كل المسئولية ، وانك زي ما انتي غلطتي هو غلطه اكبر بكتير ، لأنه استغل وجودك لوحدك في البيت ، استغل حبك ليه ، كان لازم يحافظ عليكي مش يعمل عملته ، وبعدين يزلك ويعذبك بشكه.. افرضي كان حصل حاجة كنت ساعتها اتصرفتي إزاي، افرضي انك حملت منه ، أو لقدر الله مات ، أو لعب بيه الشيطان واتخلى عنك..لازم تقولي له كده ، وتفهميه يا إما ينسى ال حصل وتعيشوا مع بعض وتبدأو من جديد يا إما كل واحد يروح لحاله ، لو معملتيش كده حتفضلي طول عمرك في عذاب ، مش حيبطل غيرة ولا شك بل حيذيد.
لمحت الاضطراب والخوف على ملامحها علمت إنها خافت من فكرة الطلاق فقالت له وقد أودعت كل الثقة في نبرتها:
_ أنا عارفة إنك خايفة من فكرة الطلاق دي ، متخافيش لو بيحبك بجد مش حيسيبك حيتمسك بيكي ، وخلي بالك كتر شكه والعذاب ال أنتو الإتنين فيه ممكن تكون نهايته الطلاق فعلاً لأن حتى لو انتي استحملتي، ممكن هو ما يقدرش يتحمل أنه يعيش معاكي والشك بينهش في قلبه.
عشان كده لازم تفوقيه من شكه ده لأنه ،كمان بيتعذب زيك فإنتي كده بترحميه ، وانتي لازم كمان تكوني قد ثقته دي ممكن تتعبي شوية لحد ما تثبتيله إنك فعلا قد الثقة دي ، لازم كل خطوة تخطيها تكون بعلمه ، حاولي بكل قوتك تثبتيله فعلا إنك جديرة بثقته واحترامه..فهماني يا حبيبة.
أومئت حبيبة بتفهم هاتفة:
_ فهماكي يا دكتورة
روفيدا : طيب انا حديكي ١٥ يوم وبعدين تيجيني تاني وتقوليلي ايه الجد . اهم حاجة لازم تبيني له إنك قوية وإن غلطك ده مش بطحة على رأسك ولا زلة يفضل يزلك بيها العمر كله يا اما تعيشوا مع بعض وتنسوا الحصل يا أما حتفضلي تحت رحمة شكه فيكي وعذابه ليكي إلى مالا نهاية فاهمة؟؛
_ فاهمة يا دكتور.
_ربنا معاكي وأتمنى إني أسمع أخبار حلوة المرة الجاية.
حبيبة: إن شاء الله متشكرة قوي يا دكتورة بجد كلامك ريحني وفرق معايا كتير
روفيدا : العفو حبيبتي مع السلامة في حفظ الله.
                             ****

عادا ممدوح في ميعاده كعادته ليجد أمه تجلس في الصالة مع ابنه، القى عليها التحية وهو يقبل رأسها:
_ السلام عليكم ورحمة الله ازيك يا أمي عاملة إيه ؟
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ازيك انت يا حبيبي الحمد الله في نعمة.
_ وانا مفيش ازيك يا إياد.. ولا نستني.
قالها إياد بوجه عابس فجعل أبيه يضحك هو وجدته فجذبه ممدوح وضمه إليه وهو يقول وقد أعرفه بقبلاته:
_ أنا أقدر أنسى ابني اللمض.
وظل يداعبه لدقائق فسأل أمه:
_ أمال فرح فين ورودينا يا ماما؟
_ رودينا نايمة وفرح جوة في المطبخ بتحضر العشا.
__ طب أنا حروح أغير هدومي بقى.
_  روح يا حبيبي تكون فرح جهزت الأكل
وقبل أن يتوجه لحجرته اتجه للمطبخ بعد أن التفت إلى أمه ليتأكد إنها لن تلمحه فرأى فرح منهمكة في إعداد الطعام فدغدغها في خصرها وقد همس باشتياق:
_ وحشتيني يا فروح.
فزعت فرح فقد تفاجأت بممدوح فصرخت صرخة خفيفة:
_ اااعععع..ممدوح اخص عليك  خضتني.
_ سلامتك من الخضة يا روحي.
قالها وهو يديرها إليه ويسجنها بين يديه ويتابع همسه:
_ وحشتيني قوي  يا بت وبعدين هما الجماعة دول طولوا قوي هما ملهومش بيت ولا ايه؟
قالت فرح مبتسمة:
_ هششش عيب تقول كده وبعدين مهم مونسينا.. وأنت انهار كله بره.
تابع همسه : أيوة بس دول طولوا قوي وانتي وحشتيني قوووي قوي ومش عارف انفرد بيكي وعمالة تتحججي بيهم مرة وبالعيال مرة.
_ بس بقى يا ممدوح يعني حنقولهم امشوا ..يلا بقى روح اقعد مع ماما متسيبهاش وحدها عالبال ما اجهز العشا
قال وهو يقرب فمه بالقرب من شفتيها : طب هاتي بوسة.
_ لأ .. وامشي بقى لحسن ماما تيجي.
همست بها وهي تبعده عنها وتحاول أن تتخلص منه .
قال بإصرار : مش ماشي غير لما اخد بوسة وانتي حرة بقى.
همست بتزمر : يو بقى يا ممدوح ..
ممدوح بإلحاح: مش منقول غير لما اخد بوسة وبعدها حامشي عالطول .
وكاد أن يلتقط شفتيها لولا أن أتى إياد ابنه وهو يهتف : ماما جعت خلصتي الأكل ولا لسة.
ابتعدا عن بعضهما بحركة خاطفة مرتبكة وكأنهما ضبطا متلبسين ..فانصرف ممدوح على الفور نحو حجرته أما فرح ابتلعت ريقها حاولت التماسك وإن تبدو طبيعية وهي تقول له: حاضر يا حبيبي انا خلاص حغرف الأكل أهو.
وزفرت براحة وكادت أن تضحك على منظر ممدوح عندما ارتبك كالأطفال وركض كالمراهقين.

                             "****"
بعد أن انتهى العشاء وخلد الجميع للنوم ما عدا فرح التي كانت واقفة في المطبخ تغسل الأواني ، افتقدها ممدوح وذهب إليها على أطراف أصابعه حتى لا يزعج أحد فهمس لها وعلى وجهه تبدو ملامح الضيق:
_  فرح .
همست فرح بشهقة فزع:
_ اععع ايه يا ممدوح خضتني ايه حكايتك انهاردة.. غاوي تفزعني.
_ لا يا شيخة  ايه مش حتنامي ليل ونهار مزروعة في المطبخ.
همس بها ممدوح وصوته غاضب معترض.
فردت عليه بهجوم:
_ الله مش بغسل المواعين انام وأسيبهم كده في الحوض؟
تمتم ممدوح بغيظ:
_ عبو الموعين وال بدعها.. هي حبكت الموعين دلوقت مكنتي سبتيهم للصبح اما تيجي رحاب وتغسلهم.
_ يوووه بقى أنا مش حيجيني نوم غير لما اخلص هم بقى.
فنزع يديها منهم عنوة وجذبها خلفه وهو يقول:
_ سيبى المواعين دي تولع ويلا .
_ ممدوح في ايه بتجرني وراك كده ليه أنا مش عايزة انام.
دفعها داخل حجرة النوم وهو يهمس:
_هششش وطي صوتك لحسن حد يصحى ويلا بقى عشان ننام .
_ أنا مش عايزة أنام دلوقت  الله.
_لكن أنا عايز .
همس بها وهو يغمز بعينه ثم حملها بحركة مفاجأة وألقى بها على الفراش ..قيدها أسفله يداعب وجهها بأنفه هامسا بشغف وأنفاسها تطيح بتماسكها:
_وحشاني يا جزمة وانتي مطنشاني من ساعة ما الجماعة جم عندنا، بتتحججي بيهم وبتبعدي عني.
قالت بخبث تدعي البراءة:
_ أنا ..لا ابدا انت متهيألك ..بس مشغولة بيهم حبتين.
همس :
_ لا والله ..طب وأنا متنشغليش ليه بيا شوية. . أنا أهم حد في البيت ده.

وراح يغرق وجهها بقبلاته المحمومة حتى كادت أن تتلاشى ..وتلقي بمقومتها لتستمتع بلحظاته الكاسحة تلك ، ولكن هي لا تريد لحظات حب منه ترتوي لحظتها ثم تنتهي هي تريد أن تعيش مع رغبته فيها التي لا تنقطع.. رغبته التي توصلها اشتياقه لها..وهذا لا يحدث إلا إذا حجبت عنه الماء.. ماء حبها ليظل دائما يلهث عطشا طالبا الارتواء .. شعرت أنها على وشك السقوط فانتشلت نفسها من أسفله وهي تقول مدعية الإعياء:
_ ممدوح أنا تعبانة سبني انهاردة.
واتجهت الى الخزانة حتى تغير ملابسها وتنام .
ولكنه جذبها وادارها إليه سجنها بين ذراعيه قائلاً بإصرار:
_لا بطلي تتحججي بقى أنا فاهمك كويس.. ثم همس برقة:  وبعدين أنا حضيعلك التعب ده..بس أنتي سبيلي نفسك.
وراح يكمل وصلة القبلات حتى أبعدته وتهتف متزمرة:
_ يوووه يا ممدوح بقى بقولك تعبانة يا اخي الله ماليش مزاج.
احتقن وجهه بشدة ونفرت ملامحه  وضم شفتيه بغضب هامسا:
_ ماشي روحي نامي يا فرح بس متلومنيش على ال حيحصل بعد كده.
وتركها ونام في سريره ..شعرت هي بانقباضة في صدرها وراحت تسأل نفسها:
_ هو فهمني ولا ايه ؟ ويا ترى ناوي على إيه؟
نامت بجواره ..وددت لو تديره إليها وتعتذر له..ودت لو تغرقه بقبلاتها وتهمس في أذنه :
_ حقك عليا يا حبيبى
ولكن شئ ما منعها ولا تعلم ما هو.
يا ترى ممدوح حيعاقب فرح، وفرح حتستسلم حنشوف.

بكرة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي