الفصل الثالث

"صباحك ضحكة بتسكر ساعاتي الجايه من يومي "
كانت تصور مقطع فيديو لقهوتها على انغام الموسيقى في شرفة منزلهم لتشاركه على احد مواقع التواصل الاجتماعي، نظرت لساعة هاتفها لتجد انها قاربت التاسعة، نهضت سريعا لتختار ملابسها المكونه من تنورة زيتونية اللون و قميص خريفي ذهبي اللون و وشاح خليط بينهما يبرز جمال عيناها و حذاء رياضي ليسهل عملها و اختارت لزينتها ملمع شفاه هادئ اللون.. فقط
حملت حقيبتها على ظهرها بحماس البدايات، فاليوم اول ايام عملها
و اثناء غلقها للباب خرجت جارتهم لتمتعض شفتاها و هي تنظر لعين المرأه الفضولية التي بادرت بالحديث
- صباح الخير يا غرام، على فين العزم
- ‏صباح النور، عندي شغل
و اجتازتها مسرعة و هي تنزل من على الدرج لتسمعها و هي تهتف
- طب استني قوليلي شغل ايه
و ضحكت بداخلها فأم ابتسام لن تتغير
وقفت أمام بناية منزلهم تتنفس بعمق، تهدئ من روعها لعل خوفها يهدأ
كانت تكتسب الشجاعة كلما خطت خطوة، فالصيدلية قريبة
و تذكرت بالأمس رد فعله على وجودها، عاملها بلطف بالغ، و دعاها للجلوس، طلب لها عصير المانجو دون سؤالها، و اخذ يقرأ ملفها بتمعن، و تمعنت هي بالنظر لوجهه، فهي لم تره من يوم خطبتها السابقة، و مازالت نظرة عيناه لها تربكها، فعندما خلع نظارته و وضعها على مكتبه وجدها تنظر له بشرود ففرقع اصابعه حتى استفاقت من شرودها لتحمر وجنتاها و هي تشيح بوجهها، ليبارك لها على القبول بالعمل و انهم بإنتظارها غدا

افاقت من شرودها عندما وصلت للصيدلية، ألقت السلام على الفتاتين و اتخذت مقعدا جانبيا
- يا هيام اهدي مش كده، هيبان عليكي
- ‏انتي مش شايفة ازاي عاملها امبارح
قالتها بحنق و هي ترمقها بحقد لتجيبها سناء بهدوء
- ‏ما البنت قالت انه يعرفها عشان صاحبه اخته
- ‏ما دي المشكلة...
و قاطع استرسالها قدومه، رأت لمعه عيناه عندما نظر للجالسة في مقعدها الجانبي و ألقى عليها تحيته الهادئة بنبره مهلكه و من ثم تقدم منهم و ألقى تحيته ليدخل مكتبه بهدوء لتقول هيام بغيرة واضحه
- شايفه بيبصلها ازاي يا سناء
و قاطع استرسالها دخول احد الشبان الذي نظر للجالسة بإعجاب لتقف قبالته و هو يعطيها ورقة الادوية التي ناظرتها بحيره فهي لم تدرس المكان
و همت سناء بالذهاب إليها لتوقفها يد الاخرى و هي تقول بتشفي
- خلينا نشوف هتعمل ايه
و كانت هي هناك تقف بوجه محمر اثر ارتباكها و نظرات ذاك الشاب الذي اخبرته و هي تنظر للأرفف الكثيرة
- ثواني و هجيبهم لحضرتك

و راقب هو الوضع من خلف زجاج غرفته بغضب ليهتف سريعا
- سناء
لتذهب مهروله لغرفته ليهتف بغضب واضح
- لسه أول يوم شغل و متعرفش حاجه و حضراتكم واقفين من غير ما تساعدوها ممكن اعرف بتعملوا ايه

و على اثر صوته العالي سمعته هيام لتزداد نيرانها اشتعالا و هي ترى سناء التي هرولت لنجده سندريلا التي شكرتها حينما رحل الشاب
- شكرا بجد، انا لسه معرفش حاجه، ممكن تبدأي تشرحيلي النظام
لتومئ سناء بإبتسامتها المعتاده
- اه طبعا
و بدأت بسرد المعلومات و خلفها غرام التي تدون ما تقوله بحماس غريب و هي تطالع غرفته الزجاجية بإمتنان

و في موعد الانصراف
اخبرها و هو يمر من امامها
- يلا عشان اوصلك
- ‏مفي...
قاطعها بحزم
- مستنيكي في العربية
و خرج لتخرج خلفه بعدما ألقت السلام عليهم لتشتعل نيران هيام اكثر و تهتف بغل
- شايفه يا سناء
- ‏بصراحه هو موعدكيش بحاجه انتي اللي بتوهمي نفسك بأوهام مش هتتحقق، انتي قدامه من سنة تقريبا مبيعاملكيش احسن مني حتى، انا شايفة انه معجب بيها اه و الكلام ده اكيد من زمان، فأنتي شيلي موضوعه من دماغك عشان ترتاحي او انقلي لشيفت بالليل عشان تبعدي
قالتها سناء بحزم و من ثم تركتها و رحلت و ظلت هي جالسة حتى اتي بديلها لمناوبه المساء ليسألها بإستغراب
- مالك يا هيام
- ‏بص يا أمير انا محتاجه منك خدمة بس هتنفذهالي في الوقت اللي اقولك عليه
و إلتمعت عيناها بمكر

و في سيارته كانت منكمشه على نفسها في مقعدها المجاور ليبدأ بالحديث
- بصي يا غرام
و تحشرج صوته دون ارادته عند نطق اسمها ليتنحنح مكملا
- انتي مش غريبة، لو عايزة اي مساعدة او اي حاجه قوليلي، زي موقف النهارده كان ممكن تقولي لحد من الدكاترة يساعدك
- ‏اصل انا اتكسفت اطلب منهم
- مش مبرر، فضلتي واقفة قدام الولد و
و ابتلع ريقه ليكمل
- اعرفي النظام قبل ما سناء تمشي و اعتقد انك بدأتي تعرفي حاجات النهارده
لتومئ برأسها و تجد ان السيارة قد توقفت امام منزلها ليقول
- وصلنا بسرعة، سلميلي على طنط زهرة
فخرجت مسرعة و هي تودعه بيدها لتدخل البناية خاصتهم و ينطلق هو بسيارته و كانت أعين احدهم تراقبهم بجنون

- انتي و كامل اخوات اه، بس ميصحش يوصلك
قالتها امها عندما اخبرتها غرام عن يومها و توصيل كامل لها
- مكنش عندي فرصة اعترض
- ‏ليه معندكيش شخصية
لتظهر علامات الضيق على وجه غرام لتستدرك امها الحديث و هي تجلس امامها في غرفتها
- انا عيزاكي تكوني جامدة و قوية، تاخدي من الدنيا اللي انتي عيزاه مش اللي الدنيا تديهولك و تسكتي على كده و......
و لم تكمل جملتها فلقد وصلها صوت الجرس الذي يرن بجنون متزامنا مع طرق عنيف على باب منزلهم
لتستقيم امها بسرعة و هي خلفها لتفتح للطارق الذي لم يكن سوى.. مروان

- حبيتي بسرعة كده
قالها بصوت حاد غير متزن و هو يناظرها من خلف امها، لتخرج ام ابتسام من الشقة المقابله، لتفسح زهرة يدها ليدخل بينما تقول لام ابتسام و عيناها الفضولية
- عن اذنك يا ام ابتسام
و اغلقت الباب سريعا لتلتفت لذاك الذي يناظر ابنتها بغضب مترنحا لتقف امامه و هي تهتف بغضب
- انت اتجننت، عايز ايه ما خلاص كل واحد راح لحاله
و من ثم تحكمت بصوتها العالي و هي تتذكر ام ابتسام
- مش عايزين فضايح
- ‏بنتك السبب
و ناظر غرام ليخاطبها
- بتعاقبيني؟
- ‏اعاقبك على ايه يا مجنون انت، انت خلاص مبقتش في حياتي و مش فارق معايا، معرفش حبيتك ازاي
و ناظرته بإشمئزاز ليردف مترنحا و هو يقترب منها لتقف امها امامه
- انا بحبك، انتي ليا، ليا انا و بس
و سقط ارضا لتصرخ بجزع لتقول امها بهدوء و هي تسحب هاتفها
- متخافيش، اكيد شارب حاجه
و بحثت في قائمة الاسماء لتضغط زر الاتصال

و بعد نصف ساعة
- استاذ فؤاد، انا مش عايزة فضايح و زي ما دخلنا بالمعروف خرجنا بالمعروف ليه ابنك يجيلنا تاني و يعلي صوته وسط الجيران و فوق ده كله شارب
قالتها بتوبيخ لوالده الذي حضر سريعا ليرى مصيبة ابنه الجديدة ليقول بمهادنه و هو يناظر النائم اسفل قدمه
- انا اسف بالنيابة عنه و مش هيتكرر تاني
- ‏و لو اتكرر محدش يلومني على اللي هعمله، ممكن صورة في وضعه ده
قالتها بخبث ليقاطعها بحزم
- مش هيحصل تاني قولتلك
و من ثم حضر احد رجاله الواقفين على الباب ليساعده في وقوف ابنه ليودعهم بإقتضاب و من ثم اغلقت هي الباب خلفه بعنف

- بتعملي ايه يا ماما
قالتها ابتسام لامها التي تقف خلف باب شقتهم الموارب لتجيبها بهدوء
- اسكتي، عايزة اعرف ايه اللي بيحصل
لتتحدث ابتسام بعصبية و صوت عالي
- لو سمحتي اقفلي الباب و الله اللي بتعمليه ده حرام
لتغلق امها الباب بعصبية و تتحدث سريعا لتداري حرجها
- مكلمتيش محسن
لتجيبها بعدم اكتراث
- بكلمه مبيردش
- ما هقول ايه انتي نكدية و مش هتسكتي غير لما يطفش من وشك
- يارب اللهم آمين
و قالتها سرا كي لا تسمعها امها

و في المساء وقف فؤاد أمام ابنه في غرفته ليتحدث بلهجته الصارمه
- حجزتلك تذكرة مفتوحة و اختار البلد اللي تحبها، هتمشي من هنا بعيد عن البنت دي
و هم مروان لمقاطعته ليهتف الاخر بحزم
- انا مش هبني كل ده عشان بتصرفاتك الطايشة و لعب العيال بتاعك يتهد، الانتخابات على الابواب و مش عايز كلام كتير، حضر شنطتك
و تركه مغادرا للغرفة، و بداخل ابنه اختلط عجزه مع قهره و ازداد يقينه بعدم عودتها لذلك سيتركها لمصيرها

و بعد عده أيام كانت غرام تقف مع لمياء في مطبخ منزلهم
- جالك البيت بجد
قالتها لمياء بصدمة لترد عليها غرام و هي تخلط الفراولة في الخلاط الكهربائي
- ‏اه و الله زي ما بقولك كده و ماما اتصرفت و مشوفتوش من يومها، الحمد لله اني خلصت منه بجد
- بصراحه مستغربة الجرأه دي
- ‏تقريبا كان شارب حاجه
قالتها غرام و هي تصب العصير الذي اخذته لمياء و سارت امامها لشرفة بيتها حيث مكانهم المعتاد لتغير لمياء مجرى الحديث و هي تبتسم بخبث
- و ايه اخبار الشغل بقا
فأجابتها غرام و قد غفلت عن نظرتها
- ‏الحمد لله كويس، اتعلمت حاجات كتير طبعا و سناء سابت الشغل عشان فرحها، بس البنت التانية دي مبتحبنيش تقريبا
- ‏ليه يعني
سألتها لمياء بإستغراب لتجيبها غرام
- ‏معرفش بتبصلي نظرات مش كويسة و خصوصا لما كامل يكلمني
- ‏يمكن معجبة و لا حاجه
قالتها لمياء بينما تدقق النظر في وجهها لتجيبها غرام ببراءه
- ‏لا ما كامل مش مهتم بيها اصلا

و سمعا بعد جملتها تلك صوت رنين الجرس
- اكيد ده كامل
و ذهبت لتفتح الباب بينما اعتدلت غرام في جلستها لتسأله لمياء بحنق
- لازم يعني اقوم افتح الباب ما انت معاك المفتاح
و كان الصوت يصلها لتسمع اجابته
- يا بنتي مش معاكي صاحبتك لازم انبهك اني موجود
و من ثم دخل الشرفة لتحيتها
- النهاردة اجازة و دماغك مروق انتي
ابتسمت لترد ببعض الشقاوة التي قلَّما تظهر
- قولتلك لو عايز مساعدة معنديش مانع اتنازل و اساعدك
ليشاكسها بدوره قائلا
- مستغنيين عن خدمات حضرتك
- ‏ماشي يا دكتور شكرا
و اندمجا مع بعضهما في الحديث حتى نسيا تلك التي تراقبهم بسعادة، خاصًة و هو يرتشف مشروب الفراولة من صنع يد حبيبته.

و مرت الأيام سريعا، كانت تكتسب الخبرات، تدون الجديد، حتى ان جميع العملاء شهدوا بإجتهادها، صغيرته تكبر أمام عيناه و رغم ضيقه من نظرات البعض إلا انه يعرف اخلاقها، يغار و لكن لا يشك، فغرام هي نصفه الاخر

- محسن، اخيرا ظهرت
قالتها ابتسام بإمتعاض و هي تراه واقفا امامها بعد غياب شهر
و ابتعدت ليدخل و من ثم همت بإغلاق الباب لتوقفها يده
- استني، اتفضل يا استاذ سالم
و من ثم دخل احد الرجال بحقيبة يده، و قد تزامن مع دخوله خروج امها لهم لتهتف بترحيب
- اتفضلوا البيت بيتكم
ليضحك محسن ضحكته السمجه قائلا بخبث
- ما هو بيتي فعلا يا ام ابتسام
و لم تفهم معني الجملة حتى جلسوا جميعا فبادر بالقول
- استاذ سالم المحامي
- ‏اهلا و سهلا، خير
قالتها صباح بتوجس ليجيبها محسن
- انا عايزكم تفضوا شقتي من الكراكيب بتاعتكم دي عشان أستلمها
لتهتف ام ابتسام بإستنكار
- شقتك!!
ليجيبها بتشفي واضعا ساق فوق الاخرى
اه يا ام ابتسام انتي ناسيه انك كتبتيها بإسمي عشان تجيلي فواتير الميه و الكهربا بإسمي، الدنيا غداره
و كان هذا اخر ما سمعته امها قبل ان تسقط ارضا

" نهاية الفصل الثالث"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي