الفصل الرابع
- البقاء لله
قالتها اخر المعزيات لها
ربتت غرام على يدها لتستفيق من شرودها الدائم، فقالت للمرأه كلمات غير مفهومة، نظرت حولها لتجد المقاعد خالية، و غرام بجوارها تواسيها بصمت، لتخرج ام غرام من المطبخ و في يدها كأس حليب لتجلس جوارها و هي تربت على ظهرها برفق و تحدثها بنبره حنون
- اشربي يا حبيبتي انتي بقالك يومين مبتاكليش حاجه، ربنا يرحمها
اخذت منها الكأس بصمت و ارتشفت بعضا منه لتغلبها دموعها كالعاده
لتبكي بحرقة
امها اخر ما لها في الدنيا
الان هي يتيمة بحق
رغم مساوئها..تبقى بالنهاية امها
لتغلب غرام دمعتها فتتركهم و تذهب لغرفتها
و تبقى زهرة بجوارها، تحتضنها بصمت حتى هدأت رجفتها لتسحبها من يدها و هي تدخلها لغرفة الضيوف الاضافية التي اصبحت تسكنها
و في اليوم التالي
ذهبت غرام للصيدلية، رأها متشحة بالأسود، عيناها حزينتان و يتحجر بهما الدمع، ألقى تحيتة المقتضبة عليها هي و هيام التي تترصدهم بعينها
و بعد ساعة طلبها، وقفت امام مكتبه ببعض الخجل
- اقعدي يا غرام
قالها بحنان لتجلس امامه و هي تشبك اصابع يديها في بعضهم لتبدأ بالحديث
- انا اسفه عشان غيابي بس..
قاطعها بإشارة من يده
- لمياء قالتلي، البقاء لله، ربنا يرحمها
دمعت عيناها دون ارادتها ليسألها بشفقة
- كنتي بتحبيها
- لأ، بس بنتها صعبانة عليا و كل شويه افكر في ماما و ان ممكن تروح مني بسهولة كده، انا مليش حد غيرها
اعطاها منديلا ورقيا و هو يختلس النظر لهيام التي اخفضت عيناها سريعا عن مراقبتهم ليشيح بوجهه عنها في ضيق بينما يردف للماثلة امامه
- طب اهدي، متعيطيش، ده قضاء و قدر، ربنا مبيحملناش فوق طاقتنا، بلاش تفكير سلبي
اومأت برأسها في طاعة، رأها كطفلة صغيرة تمسح وجنتاها المكتنزتان برقه، انفها محمر بجاذبية تخصها، رفعت عيناها إليه لتتقابل مع عيناه الحنونتان، تنهدت دون ارادتها، ارتبكت حدقتاها و نهضت سريعا لتستأذن و تخرج
و هيام تغلي و تزبد
تلك الفتاة حتما ستضيع منها كامل
لذلك ابتسمت بخبث لتبدأ خطتها
طرقت هيام على باب مكتبه بخفه
و استأذنته في اجازة مفتوحة لانها ستسافر بلدتهم لبعض الوقت، و يمكنها احضار بديل، وافقها بشرط حضور البديل سريعا
و قد كان ففي اليوم التالي وقف امامه البديل ليعرفه بنفسه
- أمير الانصاري
- اهلا بيك يا دكتور أمير، اتفضل
جلس ليشرح له كامل نظام الصيدلية، و على الرغم من هدوء الرجل امامه و لكن نظراته لغرام لم تكن تعجبه، بل انه تعجب انه ذكر و قد كان يتوقعها انثى
خرج امام نظراته ليلقي تحية هادئة على غرام، ردتها ببعض العجب و هي تراه يجلس امام حاسوب هيام ليجيب نظراتها
- هيام اخدت اجازة و انا هنا بديل
اومأت بصمت لتعود لعملها و دون ارادتها انحدرت حدقتاها ناحية الغرفة الزجاجية لتتلاقى اعينهما لتشيح بوجهها سريعا بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة
- ابتسام، محسن بعت النهارده واحد عشان عايز الشقة فاضية في اسرع وقت
قالتها زهرة لتلعن الاخرى محسن بداخلها لتلتفت إليها و هي تجيبها بتحشرج
- حاضر، هحاو...
قاطعتها زهرة بحنان و هي توقفها من جلستها
- روحي انتي هاتي الحاجات الخاصه، لبس مثلا او حاجه خاصه بيكم، و انا كلمت عمك عبدو هيشوفلنا اوضه فاضية ننقل فيها الحاجات
دمعت عيناها تأثرا و احتضنت زهرة بصمت لتربت الاخرى على كتفها مشجعة
حالما دخلت شقتهم السابقة، قابلتها رائحة امها، رغما عنها نظرت لذاك المكان الذي وقعت فيه، هنا زهقت انفاسها، ازمة قلبية، رحلت اثرها سريعا و كأنها لم تطق فكرة حياتها دون رجل حتى و ان كان محسن
دخلت للغرف سريعا، احضرت ما ارادته و شملت المنزل كله بنظرة قبل ان تفتح بابه و تخرج
و حالما فتحت الباب وجدته امامها و كأنه ينتظرها
محسن
نظر لها تلك النظرة التي تمقتها من اعلاها لاسفلها
- انا شايف انك احلويتي زيادة، ما تيجي نرجع الميه لمجاريها يا عروسة
و دون ارادتها ارتفعت يدها لتصفعة
صفعة
و ثانية
و من صدمته صمت حتى استفاق ليكيل لها لكمه قوية تأوهت على اثرها، خرجت زهرة و نزل بعض الجيران، و وابل من السباب انهال على رأسها، حتى انه طعن في شرفها و لكنها لم تهتم، لقد بردت نيران قلبها عندما صفعته
ادخلتها زهرة لشقتها امام ناظريه و امام نظرات الجميع بصقت في وجهه لتغلق خلفها الباب، و نالها بعض السباب
لتسمع نشيج ابتسام الخفيض لتربت على كتفها بأسى
- خلاص يا بوسي، راح لحاله الحمد لله انه نجاكي منه
- كنت عارفه انه كده، بس هي اللي اصرت
لم تضغط عليها زهرة بل ضمتها لاحضانها و ربتت على ظهرها بسكون و تحدثت هي
- كان هو اول عريس يجيلي، امي ما صدقت تخلص من الحمل التقيل بتاعي رغم اني كنت بشتغل و الله بس هي محبتش كده، وافقت بسرعة و مع الوقت محسن اغراها بالفلوس، قالها ما تكتبيلي الشقة بإسمي عشان الفواتير و في الاول و الاخر انا جوز بنتك، كتبتهاله و وقفتني عن الشغل لانه كان بيبعتلنا فلوس كل شهر عشان يغريها اكتر، و اهو ماتت بحسرتها
و انفجرت في البكاء و من ثم اكملت
- مكانتش بتحبني، كانت بتتمنى انها تخلف ولد عشان يقف جمبها
- متقوليش كده، اهدي يا ابتسام
و ربتت على كتفها مره ثانية
و دخلت غرام من الباب على ذاك المشهد الذي استفز الطفلة الغيور بداخلها، ألقت التحية بهدوء و جلست امامهم لتسأل امها
- هو محسن عمل حاجه و لا ايه اصل سمعت الجيران بيتكلموا
- انا اسفه بجد لكل اللي حصل، اسفه، انا هحاول اشو...
قالتها ابتسام و هي تعتدل في جلستها تاركه دفئ زهرة التي قاطعتها بصرامه
- ده بيتك يا ابتسام متقوليش كده، و انتي و غرام اخوات، يلا دخلي الحاجات اللي جبتيها اوضتك
اومأت بطاعه و تحركت بحاجياتها لترمقها غرام بإشفاق و تلاقت عيناها بعين امها التي ناظرتها بعتاب و لسانها يخبرها
- تعالي جمبي
جلست جوارها تفرك يديها ببعضهما مثلما كانت تفعل في طفولتها
- غيرانة
- اه
نطقتها دون مواربه لتناظرها زهرة بضحكة مشرقة فغرام لن تتغير مهما كبرت، و سألتها لتغير مجرى الحديث
- عامله ايه في الشغل
- الحمد لله كويسة
- و كامل
لم يخفى على امها توتر عيناها و ارتباكها الذي اعتراها
- كويس
قالتها بسرعة لتقف و هي تخبرها
- هروح اشوف ابتسام
و هربت
- وحشتني يا يوسف، وحشتني يا حبيبي
قالتها لمياء امام قبره
يوسف حب عمرها، زميل دراستها، و زوجها
اخرجت سلسال رفيع من رقبتها ينتهي بخاتم زواجها منه، عقد قرانهم و بعدها بيومين جاءها خبر رحيلة في احدى الحوادث و تعيش حتى الان على الذكرى
- انا وعدتك اني مش هقلع دبلتك صح، موجودة دايما معايا يا حبيبي، بيقولولي انسي يا لمياء، انساك ازاي و انت لسه عايش جوايا، انا محتاجاك يا حبيبي، سبتني ليه يا يوسف، انا مش قادرة اعيش من غيرك
و بدأت في البكاء حتى اتاها صوت نحنحه جانبية لتنظر بتوجس فتجد احد الشيوخ الذي غض بصره عنها و حدثها
- لمؤاخذه يا بنتي انا سمعت كلامك من غير قصد، بس اللي بتعمليه ده مينفعش، اصبري و احتسبي و ادعيله احسن من اللي بتعمليه في نفسك ده و ارضي باللي ربنا كتبهولك
و مضى الرجل امامها في طريقة
شكرته فهمهم ببعض الكلمات
كفكفت دمعها سريعا و هي تضع بعض الصبار امام قبره و تلقي عليه نظرة اخيرة قبل ذهابها
- ايه الاخبار يا أمير
كان هذا صوت هيام الذي يسأله في الهاتف فنظر امامه ليجد غرام المنشغلة كالعاده و رد بهمس
- مبتبلش ريقي بأي حاجه، ساكتة طول الوقت حتى مش لاقي اي حوار افتحه
- و انا اللي قولت انت اللي هتجيب خلاصه الموضوع و تعلقها
قالتها ببعض السخرية ليرد بتهكم
- متتريقيش يا حلوة ما انتي اللي معرفتيش تجيبي رجل الراجل من الاول
و رأى احد الزبائن قادمين فأغلق معها سريعا دون سماعها ليلتفت له فتركه الرجل ذاهبا لغرام التى انكمشت على نفسها من هيئته
- صباح الخير يا ابله، عايز العلاج ده
و فرك رأسه بعصبية فأخذت منه الورقة لتجده نوعا من أدوية الجدول غير المصرح بتناولها دون استشارة طبيب
- طب ممكن الروشتة بتاعه الدكتور
- نسيتها، ما الدوا اسمه اهو
قالها سريعا و مازال يفرك رأسه بسرعة و عيناه الحمراوتان تتابعان تفاصيلها
فدارت ببصرها حوله لتجد أمير واقفا خلف الرجل و قبل ان يسحب الرجل مديته من جيبه الخلفي طوقه أمير من الخلف ليخبرها سريعا
- اتصلي بالبوليس
- خلاص سيبني و انا همشي سيبني
و حاول الرجل فك قيد يده و لكن دون جدى
حضرت الشرطة سريعا من القسم القريب و حرروا محضرا بالواقعة
و حالما حضرا من قسم الشرطة قابلتهم نظرات كامل العصبية فسألها بغضب
- كنتوا فين
ارتبكت دون ارادتها امام عصبيته ليسرد عليه أمير ما حدث، فشكره بكلمات مقتضبة و دخل لغرفته
- شكرا بجد معرفش من غيرك كان ممكن يحصلي ايه
- متقوليش كده يا غرام انتي زي اختي
اللهم بارك على الشهامة، قالها بداخله ساخرا و هو يستمع للحديث الدائر بينهما فمنذ حضر و هي تنصبه كبطل، ليته لم يذهب لذاك الاجتماع و بقى هنا
استجمع اعصابه المنفلتة و خرج لها قائلا
- سناء فرحها كمان يومين و عزمتك، هي متعرفش بيتك بس بعتتلي جواب بإسمك
- طب و انا
سأله امير بمرح ليرد عليه بإقتضاب و نظرة ذات مغزى
- ممكن تسأل هيام
- اكيد انت معزوم لأنك بتشتغل هنا
قالتها غرام لتخفف من حده كامل فقد اسفقت على الرجل ليرد أمير بمرحه المعتاد
- و لو متعزمتش اعزم نفسي
لتبتسم له غرام بينما رمقه كامل بنظرة غامضة و هو يتفتت من الغيظ
و بعد يومان كان ينتظرها اسفل بنايتها واقفا خارج سيارته حتى رأها تخرج كأميرة بفستان متعدد الطبقات ينساب على جسدها بنعومة، و حجاب انيق يغطي شعرها، زينة متقنة تبرز جمال وجهها، و حذاء بكعب عالي زاد طولها بعض الشيء
و ازدادت نبضات قلبها و هي تراه في تلك البذلة السوداء، و للحظ كانت رابطة عنقه لون فستانها
غضت بصرها سريعا و هي تسأل نفسها هل كان وسيما هكذا دائما
وصلت لتقف امامه ببعض الخجل ففتح لها باب المقعد المجاور له لتسأله و هي تتفحص السيارة
- هي لمياء مجتش
- لأ، قالت انها تعبانة و مجتش
اومأت بصمت و هي تتوعدها سرا فما ينقصها هو التواجد معه، بينما شكر هو اخته سرا
اتخذ مقعده امام عجلة القيادة و فتح المذياع ليبدد الصمت بينهما
" وحشتيني، وحشتيني سنين بعدك على عيني
ليالي كنت مش عايش ومستنيكي تحييني "
- بتحبي عمرو دياب
- يعني
و كلماتها مقتضبة حيث انها رومانسية بإفراط و اجواء السيارة تلعب لها على الوتر الحساس
- طب بتحبي مين
- كاظم
- و انا كمان
قالها ناظرا لعينيها بعمق و بدأت موسيقى جديدة في الانسياب لمسامعها
"قولي أحبك كي تزيد وسامتي فبغير حبكٍ لا أكون جميلاً
قولي أحبك كي تصير أصابعي وتصبح جبهتي قنديلاً
الآن قوليها قوليها ولا تترددي "
- و الله ابغي اقولها لكن استحي
قالتها سرا لنفسها و من ثم ابتسمت لتسمع صوت رنين هاتفها فأخفض الموسيقى حتى تحدثت مع والدتها و اغلقت ليلفهما الصمت حتى وصلا لباب القاعة
- عقبالك
قالها و هما يدخلان القاعة لتناظرة بتعجب
- عقبالك انت كمان
عندما تناظرة بتلك النظرة يشعر بالأسر
و قطع نظراتهم صوت أمير
- اخيرا، انا زهقت نن القعدة لوحدي
و كز الاخر على اسنانه بغيظ بينما بادلته هي تحية رقيقة
وصلوا لإحدى الطاولات الجانبية التي كانت تضم هيام و بعض الزملاء و بعد التحية وجه له صديقة تساؤلا بشأنها فرد أمير بسرعة
- دي الدكتورة غرام، بتشتغل معايا في الصيدلية
- اهلا وسهلا
شعرت بالحرج رغما عنها فهي لم تعتد هذا الاختلاط و خاصه انها لا تعرف احد سوى.. كامل
كامل الذي تراه الان ضاحكا على احدى طرائف هيام السمجة، فليضحك، ليس من شأنها
بينما استغل أمير الموقف ليقرب نفسه منها و هو يحدثها بمرح فتبادلت معه الحديث بمرح مشابه تخفي به توترها
جاءت فقرة الرقص الزوجي لتتحدث هيام ببعض الميوعة
- ما تيجي نرقص يا دكتور
شحب وجه غرام من جرأتها لتناظره سريعا، بينما ركز هو انظاره عليها و قبل ان يتحدث قال أمير
- تعالي نرقص يا غرام
لتشتغل عيناه بغضب بينما احمرت وجنتاها بخجل من الموقف ككل فقال لهم بإبتسامة مصطنعه
- عندنا الراجل مبيرقصش غير مع مراته
و نظر لساعته و وجه حديثه إليها
- مش كفاية كده و لا تحبي تقعدي شويه كمان
- لا كفايه
قالتها سريعا ليقفا و هما يودعان الجميع و قبل تحركه قال لهيام
- ترجعي الشغل من بكره كفايه اجازة لحد هنا، و كل واحد يرجع مكانه
و قال جملته الاخيرة بمغزى واضح و عيناه على أمير
باركا للعروسين و سارت امامه بينما طوقها هو من خلفها دون ان يمسها حتى لا يحتك بها احدهم
و في طريق عودتهم كان الصمت يلفهما و بداخل كل منهم الكثير من الاسئلة
و لكنه قاطع افكارها بقوله
- انا شايف ان أمير
- ماله
قالتها ببعض الهجوم و مازالت متأثرة بنظرات هيام إليه، و التي لن تنكر انها كانت مغرية في ذاك الثوب
ارتفع حاجباه بتعجب من هجومها الغير معتاد
- اقصد واخد عليكي
- طب ما هيام واخده عليك
قالتها دون تفكير حتى انها صمتت و جحظت عيناها بصدمة، بينما زينت وجهه افضل الابتسامات، سعادة رجل حصل على افضل انجازاته ليخبرها مباشرةً بقلب سعيد
- بصي بقا انا بحبك و عايز اتجوزك
قالتها اخر المعزيات لها
ربتت غرام على يدها لتستفيق من شرودها الدائم، فقالت للمرأه كلمات غير مفهومة، نظرت حولها لتجد المقاعد خالية، و غرام بجوارها تواسيها بصمت، لتخرج ام غرام من المطبخ و في يدها كأس حليب لتجلس جوارها و هي تربت على ظهرها برفق و تحدثها بنبره حنون
- اشربي يا حبيبتي انتي بقالك يومين مبتاكليش حاجه، ربنا يرحمها
اخذت منها الكأس بصمت و ارتشفت بعضا منه لتغلبها دموعها كالعاده
لتبكي بحرقة
امها اخر ما لها في الدنيا
الان هي يتيمة بحق
رغم مساوئها..تبقى بالنهاية امها
لتغلب غرام دمعتها فتتركهم و تذهب لغرفتها
و تبقى زهرة بجوارها، تحتضنها بصمت حتى هدأت رجفتها لتسحبها من يدها و هي تدخلها لغرفة الضيوف الاضافية التي اصبحت تسكنها
و في اليوم التالي
ذهبت غرام للصيدلية، رأها متشحة بالأسود، عيناها حزينتان و يتحجر بهما الدمع، ألقى تحيتة المقتضبة عليها هي و هيام التي تترصدهم بعينها
و بعد ساعة طلبها، وقفت امام مكتبه ببعض الخجل
- اقعدي يا غرام
قالها بحنان لتجلس امامه و هي تشبك اصابع يديها في بعضهم لتبدأ بالحديث
- انا اسفه عشان غيابي بس..
قاطعها بإشارة من يده
- لمياء قالتلي، البقاء لله، ربنا يرحمها
دمعت عيناها دون ارادتها ليسألها بشفقة
- كنتي بتحبيها
- لأ، بس بنتها صعبانة عليا و كل شويه افكر في ماما و ان ممكن تروح مني بسهولة كده، انا مليش حد غيرها
اعطاها منديلا ورقيا و هو يختلس النظر لهيام التي اخفضت عيناها سريعا عن مراقبتهم ليشيح بوجهه عنها في ضيق بينما يردف للماثلة امامه
- طب اهدي، متعيطيش، ده قضاء و قدر، ربنا مبيحملناش فوق طاقتنا، بلاش تفكير سلبي
اومأت برأسها في طاعة، رأها كطفلة صغيرة تمسح وجنتاها المكتنزتان برقه، انفها محمر بجاذبية تخصها، رفعت عيناها إليه لتتقابل مع عيناه الحنونتان، تنهدت دون ارادتها، ارتبكت حدقتاها و نهضت سريعا لتستأذن و تخرج
و هيام تغلي و تزبد
تلك الفتاة حتما ستضيع منها كامل
لذلك ابتسمت بخبث لتبدأ خطتها
طرقت هيام على باب مكتبه بخفه
و استأذنته في اجازة مفتوحة لانها ستسافر بلدتهم لبعض الوقت، و يمكنها احضار بديل، وافقها بشرط حضور البديل سريعا
و قد كان ففي اليوم التالي وقف امامه البديل ليعرفه بنفسه
- أمير الانصاري
- اهلا بيك يا دكتور أمير، اتفضل
جلس ليشرح له كامل نظام الصيدلية، و على الرغم من هدوء الرجل امامه و لكن نظراته لغرام لم تكن تعجبه، بل انه تعجب انه ذكر و قد كان يتوقعها انثى
خرج امام نظراته ليلقي تحية هادئة على غرام، ردتها ببعض العجب و هي تراه يجلس امام حاسوب هيام ليجيب نظراتها
- هيام اخدت اجازة و انا هنا بديل
اومأت بصمت لتعود لعملها و دون ارادتها انحدرت حدقتاها ناحية الغرفة الزجاجية لتتلاقى اعينهما لتشيح بوجهها سريعا بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة
- ابتسام، محسن بعت النهارده واحد عشان عايز الشقة فاضية في اسرع وقت
قالتها زهرة لتلعن الاخرى محسن بداخلها لتلتفت إليها و هي تجيبها بتحشرج
- حاضر، هحاو...
قاطعتها زهرة بحنان و هي توقفها من جلستها
- روحي انتي هاتي الحاجات الخاصه، لبس مثلا او حاجه خاصه بيكم، و انا كلمت عمك عبدو هيشوفلنا اوضه فاضية ننقل فيها الحاجات
دمعت عيناها تأثرا و احتضنت زهرة بصمت لتربت الاخرى على كتفها مشجعة
حالما دخلت شقتهم السابقة، قابلتها رائحة امها، رغما عنها نظرت لذاك المكان الذي وقعت فيه، هنا زهقت انفاسها، ازمة قلبية، رحلت اثرها سريعا و كأنها لم تطق فكرة حياتها دون رجل حتى و ان كان محسن
دخلت للغرف سريعا، احضرت ما ارادته و شملت المنزل كله بنظرة قبل ان تفتح بابه و تخرج
و حالما فتحت الباب وجدته امامها و كأنه ينتظرها
محسن
نظر لها تلك النظرة التي تمقتها من اعلاها لاسفلها
- انا شايف انك احلويتي زيادة، ما تيجي نرجع الميه لمجاريها يا عروسة
و دون ارادتها ارتفعت يدها لتصفعة
صفعة
و ثانية
و من صدمته صمت حتى استفاق ليكيل لها لكمه قوية تأوهت على اثرها، خرجت زهرة و نزل بعض الجيران، و وابل من السباب انهال على رأسها، حتى انه طعن في شرفها و لكنها لم تهتم، لقد بردت نيران قلبها عندما صفعته
ادخلتها زهرة لشقتها امام ناظريه و امام نظرات الجميع بصقت في وجهه لتغلق خلفها الباب، و نالها بعض السباب
لتسمع نشيج ابتسام الخفيض لتربت على كتفها بأسى
- خلاص يا بوسي، راح لحاله الحمد لله انه نجاكي منه
- كنت عارفه انه كده، بس هي اللي اصرت
لم تضغط عليها زهرة بل ضمتها لاحضانها و ربتت على ظهرها بسكون و تحدثت هي
- كان هو اول عريس يجيلي، امي ما صدقت تخلص من الحمل التقيل بتاعي رغم اني كنت بشتغل و الله بس هي محبتش كده، وافقت بسرعة و مع الوقت محسن اغراها بالفلوس، قالها ما تكتبيلي الشقة بإسمي عشان الفواتير و في الاول و الاخر انا جوز بنتك، كتبتهاله و وقفتني عن الشغل لانه كان بيبعتلنا فلوس كل شهر عشان يغريها اكتر، و اهو ماتت بحسرتها
و انفجرت في البكاء و من ثم اكملت
- مكانتش بتحبني، كانت بتتمنى انها تخلف ولد عشان يقف جمبها
- متقوليش كده، اهدي يا ابتسام
و ربتت على كتفها مره ثانية
و دخلت غرام من الباب على ذاك المشهد الذي استفز الطفلة الغيور بداخلها، ألقت التحية بهدوء و جلست امامهم لتسأل امها
- هو محسن عمل حاجه و لا ايه اصل سمعت الجيران بيتكلموا
- انا اسفه بجد لكل اللي حصل، اسفه، انا هحاول اشو...
قالتها ابتسام و هي تعتدل في جلستها تاركه دفئ زهرة التي قاطعتها بصرامه
- ده بيتك يا ابتسام متقوليش كده، و انتي و غرام اخوات، يلا دخلي الحاجات اللي جبتيها اوضتك
اومأت بطاعه و تحركت بحاجياتها لترمقها غرام بإشفاق و تلاقت عيناها بعين امها التي ناظرتها بعتاب و لسانها يخبرها
- تعالي جمبي
جلست جوارها تفرك يديها ببعضهما مثلما كانت تفعل في طفولتها
- غيرانة
- اه
نطقتها دون مواربه لتناظرها زهرة بضحكة مشرقة فغرام لن تتغير مهما كبرت، و سألتها لتغير مجرى الحديث
- عامله ايه في الشغل
- الحمد لله كويسة
- و كامل
لم يخفى على امها توتر عيناها و ارتباكها الذي اعتراها
- كويس
قالتها بسرعة لتقف و هي تخبرها
- هروح اشوف ابتسام
و هربت
- وحشتني يا يوسف، وحشتني يا حبيبي
قالتها لمياء امام قبره
يوسف حب عمرها، زميل دراستها، و زوجها
اخرجت سلسال رفيع من رقبتها ينتهي بخاتم زواجها منه، عقد قرانهم و بعدها بيومين جاءها خبر رحيلة في احدى الحوادث و تعيش حتى الان على الذكرى
- انا وعدتك اني مش هقلع دبلتك صح، موجودة دايما معايا يا حبيبي، بيقولولي انسي يا لمياء، انساك ازاي و انت لسه عايش جوايا، انا محتاجاك يا حبيبي، سبتني ليه يا يوسف، انا مش قادرة اعيش من غيرك
و بدأت في البكاء حتى اتاها صوت نحنحه جانبية لتنظر بتوجس فتجد احد الشيوخ الذي غض بصره عنها و حدثها
- لمؤاخذه يا بنتي انا سمعت كلامك من غير قصد، بس اللي بتعمليه ده مينفعش، اصبري و احتسبي و ادعيله احسن من اللي بتعمليه في نفسك ده و ارضي باللي ربنا كتبهولك
و مضى الرجل امامها في طريقة
شكرته فهمهم ببعض الكلمات
كفكفت دمعها سريعا و هي تضع بعض الصبار امام قبره و تلقي عليه نظرة اخيرة قبل ذهابها
- ايه الاخبار يا أمير
كان هذا صوت هيام الذي يسأله في الهاتف فنظر امامه ليجد غرام المنشغلة كالعاده و رد بهمس
- مبتبلش ريقي بأي حاجه، ساكتة طول الوقت حتى مش لاقي اي حوار افتحه
- و انا اللي قولت انت اللي هتجيب خلاصه الموضوع و تعلقها
قالتها ببعض السخرية ليرد بتهكم
- متتريقيش يا حلوة ما انتي اللي معرفتيش تجيبي رجل الراجل من الاول
و رأى احد الزبائن قادمين فأغلق معها سريعا دون سماعها ليلتفت له فتركه الرجل ذاهبا لغرام التى انكمشت على نفسها من هيئته
- صباح الخير يا ابله، عايز العلاج ده
و فرك رأسه بعصبية فأخذت منه الورقة لتجده نوعا من أدوية الجدول غير المصرح بتناولها دون استشارة طبيب
- طب ممكن الروشتة بتاعه الدكتور
- نسيتها، ما الدوا اسمه اهو
قالها سريعا و مازال يفرك رأسه بسرعة و عيناه الحمراوتان تتابعان تفاصيلها
فدارت ببصرها حوله لتجد أمير واقفا خلف الرجل و قبل ان يسحب الرجل مديته من جيبه الخلفي طوقه أمير من الخلف ليخبرها سريعا
- اتصلي بالبوليس
- خلاص سيبني و انا همشي سيبني
و حاول الرجل فك قيد يده و لكن دون جدى
حضرت الشرطة سريعا من القسم القريب و حرروا محضرا بالواقعة
و حالما حضرا من قسم الشرطة قابلتهم نظرات كامل العصبية فسألها بغضب
- كنتوا فين
ارتبكت دون ارادتها امام عصبيته ليسرد عليه أمير ما حدث، فشكره بكلمات مقتضبة و دخل لغرفته
- شكرا بجد معرفش من غيرك كان ممكن يحصلي ايه
- متقوليش كده يا غرام انتي زي اختي
اللهم بارك على الشهامة، قالها بداخله ساخرا و هو يستمع للحديث الدائر بينهما فمنذ حضر و هي تنصبه كبطل، ليته لم يذهب لذاك الاجتماع و بقى هنا
استجمع اعصابه المنفلتة و خرج لها قائلا
- سناء فرحها كمان يومين و عزمتك، هي متعرفش بيتك بس بعتتلي جواب بإسمك
- طب و انا
سأله امير بمرح ليرد عليه بإقتضاب و نظرة ذات مغزى
- ممكن تسأل هيام
- اكيد انت معزوم لأنك بتشتغل هنا
قالتها غرام لتخفف من حده كامل فقد اسفقت على الرجل ليرد أمير بمرحه المعتاد
- و لو متعزمتش اعزم نفسي
لتبتسم له غرام بينما رمقه كامل بنظرة غامضة و هو يتفتت من الغيظ
و بعد يومان كان ينتظرها اسفل بنايتها واقفا خارج سيارته حتى رأها تخرج كأميرة بفستان متعدد الطبقات ينساب على جسدها بنعومة، و حجاب انيق يغطي شعرها، زينة متقنة تبرز جمال وجهها، و حذاء بكعب عالي زاد طولها بعض الشيء
و ازدادت نبضات قلبها و هي تراه في تلك البذلة السوداء، و للحظ كانت رابطة عنقه لون فستانها
غضت بصرها سريعا و هي تسأل نفسها هل كان وسيما هكذا دائما
وصلت لتقف امامه ببعض الخجل ففتح لها باب المقعد المجاور له لتسأله و هي تتفحص السيارة
- هي لمياء مجتش
- لأ، قالت انها تعبانة و مجتش
اومأت بصمت و هي تتوعدها سرا فما ينقصها هو التواجد معه، بينما شكر هو اخته سرا
اتخذ مقعده امام عجلة القيادة و فتح المذياع ليبدد الصمت بينهما
" وحشتيني، وحشتيني سنين بعدك على عيني
ليالي كنت مش عايش ومستنيكي تحييني "
- بتحبي عمرو دياب
- يعني
و كلماتها مقتضبة حيث انها رومانسية بإفراط و اجواء السيارة تلعب لها على الوتر الحساس
- طب بتحبي مين
- كاظم
- و انا كمان
قالها ناظرا لعينيها بعمق و بدأت موسيقى جديدة في الانسياب لمسامعها
"قولي أحبك كي تزيد وسامتي فبغير حبكٍ لا أكون جميلاً
قولي أحبك كي تصير أصابعي وتصبح جبهتي قنديلاً
الآن قوليها قوليها ولا تترددي "
- و الله ابغي اقولها لكن استحي
قالتها سرا لنفسها و من ثم ابتسمت لتسمع صوت رنين هاتفها فأخفض الموسيقى حتى تحدثت مع والدتها و اغلقت ليلفهما الصمت حتى وصلا لباب القاعة
- عقبالك
قالها و هما يدخلان القاعة لتناظرة بتعجب
- عقبالك انت كمان
عندما تناظرة بتلك النظرة يشعر بالأسر
و قطع نظراتهم صوت أمير
- اخيرا، انا زهقت نن القعدة لوحدي
و كز الاخر على اسنانه بغيظ بينما بادلته هي تحية رقيقة
وصلوا لإحدى الطاولات الجانبية التي كانت تضم هيام و بعض الزملاء و بعد التحية وجه له صديقة تساؤلا بشأنها فرد أمير بسرعة
- دي الدكتورة غرام، بتشتغل معايا في الصيدلية
- اهلا وسهلا
شعرت بالحرج رغما عنها فهي لم تعتد هذا الاختلاط و خاصه انها لا تعرف احد سوى.. كامل
كامل الذي تراه الان ضاحكا على احدى طرائف هيام السمجة، فليضحك، ليس من شأنها
بينما استغل أمير الموقف ليقرب نفسه منها و هو يحدثها بمرح فتبادلت معه الحديث بمرح مشابه تخفي به توترها
جاءت فقرة الرقص الزوجي لتتحدث هيام ببعض الميوعة
- ما تيجي نرقص يا دكتور
شحب وجه غرام من جرأتها لتناظره سريعا، بينما ركز هو انظاره عليها و قبل ان يتحدث قال أمير
- تعالي نرقص يا غرام
لتشتغل عيناه بغضب بينما احمرت وجنتاها بخجل من الموقف ككل فقال لهم بإبتسامة مصطنعه
- عندنا الراجل مبيرقصش غير مع مراته
و نظر لساعته و وجه حديثه إليها
- مش كفاية كده و لا تحبي تقعدي شويه كمان
- لا كفايه
قالتها سريعا ليقفا و هما يودعان الجميع و قبل تحركه قال لهيام
- ترجعي الشغل من بكره كفايه اجازة لحد هنا، و كل واحد يرجع مكانه
و قال جملته الاخيرة بمغزى واضح و عيناه على أمير
باركا للعروسين و سارت امامه بينما طوقها هو من خلفها دون ان يمسها حتى لا يحتك بها احدهم
و في طريق عودتهم كان الصمت يلفهما و بداخل كل منهم الكثير من الاسئلة
و لكنه قاطع افكارها بقوله
- انا شايف ان أمير
- ماله
قالتها ببعض الهجوم و مازالت متأثرة بنظرات هيام إليه، و التي لن تنكر انها كانت مغرية في ذاك الثوب
ارتفع حاجباه بتعجب من هجومها الغير معتاد
- اقصد واخد عليكي
- طب ما هيام واخده عليك
قالتها دون تفكير حتى انها صمتت و جحظت عيناها بصدمة، بينما زينت وجهه افضل الابتسامات، سعادة رجل حصل على افضل انجازاته ليخبرها مباشرةً بقلب سعيد
- بصي بقا انا بحبك و عايز اتجوزك