ليت الحب يكفى

هديرمصطفى`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-17ضع على الرف
  • 21.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

كان يجلس خلف مكتبه سانداً رأسه للخلف يستعيد الذكريات منذ عشرين عاماً  ،وهو لم يتعدَّ العاشرة من عمره حيث يرتدي الزي المدرس ي خارجاً من منزله ماراً بمنزل الجيران، يقف للحظاتٍ ينتظر خروجها لتطل عليه تلك الجميلة صاحبة العيون الزرقاء، أو كما يلقبها نيلية الأعين  ذات السبع سنوات مبتسمة له، ليقول بعتاب:
"أين أنت  لارين؟ لقد مللت وأنا أنتظرك".
أجابته وهي رافعة إحدى حاجبيها، قائلة:
"وما الجديد في الأمر يا آسر!! فهذا ما تفعله دائماً  أن تنتظرني كل يوم لتوصلني إلى المدر سة. " ثم تصنعت الحزن قائلة :
"هل غيرت رأيك؟؟ وقررت أن تنسى وعدك لي، وألا تنتظرني ثانيةً !!
ابتسم لها بهدوء ،قائلً  بعفوية:  
"حبيبتي لارين ،كيف أنسى وعدي لك، وأنا على أتم استعداد أن أنتظرك طوال العمر ليس فقط بضعةَ دقائ قٍ ، والآن أخبريني أين كن ت ليلة البار حة فقد أتيتك لنتشارك معاً الحلوى المحببة لديك، فقد صنعتها أمي ولكني لم أجدك".
أجابته لارين متأففة من نسيانه المتكرر :
"كم مرة عليَّ أن أخبرك أننا نذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد".
ضرب كفه بجبينه متذكراً الأمر، ليقول:
"آسف يا حلوتي، ولكن دائماً ما تذهب أختي وأمي إلى المسجد يوم الجمعة، فأنس ى أنَّ في ديانتكم تذهبون أيام الأحد ." لارين :
"لا عليكَ، الآن أخبرني، أين نصيبي من الحلوى؟"
نزع آسر الحقي بة عن ظهره ،ليفتحها ويخرج منها الحلوى، فتلمع أعين لارين سعادةً بها، لتطبع قبله على خده بتلقائية قائلةً :
"والآن هيا إلى المدرسة ."
نظر لها متفحصاً، ليلقي نظره على رابطة عنقها، قائلًا :
"أيعقل هذا يا لارين، ألا زل  ت حتى الآن لم تتعلمي كيف تعقدين رابطة عنقك!!
ابتسمت له متسائلة:  
"ولمَ أتعلمها إذْ كنت أنتَ هنا لتعقدها لي".  
اقترب منها وهو يعيد هندمة الرابطة، وكأن كل ما يخص لارين هو جزء من مسؤوليته، فيقول:
"حسنآ يا نيلية العينين ،لقد اعتدت الأمر، خربي ما تريدين وأنا هنا  لأصلحه عنك. "
 وأخيرًا  عاد من شروده على صوت رنين هاتفه يعلن وصول رسالةٍ تحمل اسم نيلية العينين، ابتسم وهو يفتحها متلهفاً لمعرفة محتواها ليقرأها بعينيه مبتسما:  
"مارأيك أن نختطفَ من الزمن بضعة َ دقائق نقضيها سوياً ، أنا وأنتَ وعشاء فاخر وربما نتبادل معاً أطراف الحديث يارفيقي."  لم يتردد للحظة، وهو يكتب لها:
"فلنفعل ذلك ياجميلتي، فأنا أحتاج كثيرًا لذلك اللقاء".
وما هي سوى ثوانٍ، ليأتيه الرد قائلة: "سأنتظرك إذاً ."
نهض عن مكتبه، وهو يهندم ثيابه غالقاً زر بذلته بسعادة، قائلًا :
"وأخيراً  سنلتقي" .
خرج من الغرفة متوجهاً إلى الغرفة التي بجواره، ليطرق بابها وما هي ثواني ليفتح الباب دون أن ينتظر إجابة، ليجد تلك الفتاة
تقف أمام لوح الرسم الخاص بها تعبث بفرشاة الألوان خاصتها ،ليندفع إلى الغرفة ويسألها مستفسراً :
"ماذا تفعلين يا جميلتي" .
ابتسمت وهي تتناول ورقة وقلم؛ لتكتب:
"أحاول رسم لوحة لأحدهم ." تساءل آسر بفضول:
"من تقصدين يا رحيل ." أعادت رحيل الكتابة مرة أخرى : "لا أعلم ولكن ربما تتضح لي الرؤية حين أنتهي من الرسمة وأتحقق منه ،ولكني أشعر أني أعرفه ،سنرى مع الأيام" .
انحنى آسر ليقبل جبينها قائلًا:  
"حسناً يا جميلتي ،سوف أذهب الآن" .
لتشير رحيل متسائلة :
"إلى أين؟"
 آسر:  
"سأذهب إلى حلمي" .
كتبت رحيل له:
"لن تتوب أبداً."  
تكلم آسر بحب وهيام قائلًا :
"وكيف للقلب أن يتوب يا جميلتي، ألا تعلمين أنه في عشقها يذوب".
ثم تركها وخرج من المنزل؛ مستقلًا سيارته ليطول الطريق أو ربما الاشتياق هو ما يصور له ذلك ، اما في مكان آخر وفي ذلك القصر الكبير المظلم الذي لا تنبض به الحياة يبدو وكأنه مهجو ر.
كانت تجلس على كرسي هزاز بيدها فنجان القهوه الذي تتلذذ بطعم مرارته ،كانت مغمضة عينيها وتتأرجح بهدوء ذهاباً وإياباً، لتفتح عينيها على صوت دخول سيارة إلى القصر ،تجاهلت الأمر وبعد مرور دقائق دلف إليها رجل أربعيني العمر  وأيضاً تجاهلته، نظر لها وقال راضي :
"هل خرجت من المنزل اليوم؟ "
شيرين:
"منذ متى  وأنتَ تعطيني فرصة للخروج"!!!
راضي:
"ألاحظ عليك اليوم بعض التغيرات ."
شيرين:
"بمعنى؟؟"
 راضي :
"هدوءك وصمتك المفاجيء، حتى أنك لم تحضري لي العشاء كعادتك".
نهضت شيرين قائلة:  
"دقائق ويكون العشاء جاهز ."
راضي :
"لا داعي له ،جئت لأبدل ثيابي وأخرج ثانية، لدي موعد عمل على العشاء ".
شيرين:  
"هل ستتأخر؟؟"  
راضي:  
"كالعادة لما تسألين" .
شيرين:  
"اتصل مؤمن ،أخبر الخادمة بقدومه اليوم" .
نظر لها مستعجباً، وقال راضي:
"إذاً لا داعي لذلك الموعد، ألم يخبركم بموعد حضوره ." شيرين:  
"أظنه على وصول."
راضي :
"حسناً  ،سأتوجه إلى المطار، أتريدين شئ!!"  
لم تجب شيرين عليه، ولكنه أخذ سيارته وخرج متوجهاً  إلى المطار.
أما آسر العاشق أخيراً  وصل إلى وجهته، ومن ثم ترجل من سيارته، ويسير بخطوات ثابتة حتى وصل إلى الباب مدَّ يده ليدقه، ولكن رجع عن ما ينوي، ليرفع يده إلى رأسه مساوياً خصلات شعره مهندمآ ثيابه، ليدق جرس المنزل وما هي سوى لحظات حتى انفتح الباب ،لتطل منه نيلية العينين بإطللتها الجذابة بفستانها الأزرق الطويل مع مكياج هاديء يبرز تفاصيل وجهها الجذابة وشعرها الأسود المموج الذي يغطي معظم ظهرها ،والأجمل من كل هذا ابتسامتها التي تأسر كل من يراها، لتقول لارين بحب:
"آسر" .
فأجابها آسر نافياً  بهيام:
"لست آسر إنما أنا المأسور، تائه بين خصلات شعرك الليلية، غريقاً  في بحر عيناك النيلية".
قاطعته لارين قائلةً :
"ها قد بدأت في المغازلة، ألا تلحظ أننا بتنا أكبر من ذلك، فأنتَ  قد قاربت على الأربعين، أما أنا"...
قاطعها آسر، وهو يدلف إلى داخل المنزل؛ مقبلً جبينها:
"مازلت طفلتي وحلوتي ووطني ومأمني وسكني وسكينتي ." ليتفاجأ بجو هاديء تماماً، والظلام يعم المكان فليس هناك ضوء سوى إضاءة الشموع التي تضفي لمسة رومانسية مع صوت الموسيقى الهادئة،  نظر لها متسائلا:
"ما كل هذا؟ "
أمسكت بيده تجره إلى طاولة الطعام التي حضرتها بكل ما لذَّ وطاب، ليجلس وعلامات الدهشة تعتلي ملامح وجهه ،لتجيب لارين تساؤله:  
"ألم أخبرك أننا سنسرق هذا اللقاء من الزمن ،إذاً فلنتمم جريمتنا كما يجب".
آسر:
"أشعر بعدم الاطمئنان، فكلماتك تبث القلق والخوف إلى قلبي ،من يراك الآن لا يصدق أنك لارين ذاتها التي دائماً  تستغل كل فرصةٍ  كي تطالبني بالهجر" .
لارين:  
"فلنترك كل ش يء ا لآن ونستمتع بلحظاتنا، وهيا لنأكل فقد أعددت لك اليوم كل أكلتك المفضلة" .
ثم بدأت في تناول الطعام ،ليبدأ هو الآخر مستمتعاً فكيف لا فقد كان في أمس الحاجة إلى ذلك اللقاء المفعم بالحب.
أما هنا بينما كانت تقف أمام لوح الرسم خاصتها تتأفف رحيل في مللٍا، محدثةً نفسها:
"تُرى من أنتَ ،ولمَ تظهر دائماً  في أحلامي، ولمَ تفاصيلك دائماً مشوشة، أيعقل أن تكون جزء من الواقع ،لا أظن انك موجود فقط في أحلامي، وإن كنت حلمي لمَ لا تأتيني إلا وأنتَ ملثم، لما لا أرى منك سوى عينيك ،من أنتَ  أخبرني؟؟" 
في غرفة كاحلة الظلام حيث كان نائماً على فراشه يهلوس بكلماتٍ غير مفهومة، يتصبب عرقاً كمن يهرول في طريق طويل بل نهاية، لا يعرف من أين جاء وإلى أين يذهب، يستيقظ صارخاً  ليفيق من نومه هارباً من كابوسه، ليمد يديه إلى المنضدة المرفقة بالفراش ليضيء المصباح ، ويأخذ كوب الماء ليرتشف كل ما فيه، فيلاحظ أن هاتفه مضيء فينظر إليه لاعناً  المتصل ويتجاهله تماما.ً
وما هي لحظات حتى جاءته رسالة،  ليفتحها قارئاً محتواها :
"هل تظن أنك هارب بتجاهلك مكالماتي!! بربك يا رجل من باستطاعته أن يهرب من الهلاك؟؟ لا عليك أنا في انتظار خبر
إتمام العملية وإلا أنتَ  تعلم جيداً، ما هي عواقب معصيتي؟؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي