الفصل الرابع

هناك لحظات يتوجب علينا بها قول كلمة لا وعدم الخضوع لقرارات أحد ولا سيما لو كانت تلك القرارات تمس حياتنا فما بالك بالقرارات التي تشكل حياتنا وترسم مستقبلنا ، أن تنتفض ضد من يتحكم بك ذاك افضل من أن تخضع.
أصطحبت إلهام سمر معها إلي السوق لشراء بعض الملابس لها , كانت ملابس برخص المال فلقد ذهبت إلي أردئ الأسواق لتوفر تكلفة الشراء , لم يكن الأمر بيد سمي فإلهام هي من أختارت وأشترت ولم يكن وجود سمر سوي شرفي فقط ....
خضعت سمر لقرار والدها بالزواج من المعلم صفوت ولم تلقي أحلام بالنا للأمر فهي تري ا، تلك فرصة أختها للإبتعاد عن سيد العرف وزوجته إلهام بل كانت ستحسد أختها علي تلك الززيجة وتمنت ان يأتيها رجلا كالمعلم صفوت .
مرت الأيام وأتي يوم الخميس أخذ سيد العرف إبنتيه معا وإلهام كي يتم كتابة العقد عند المحامي , حضر المعلم صفوت برفقة رجلين أخرين كشهود علي العقد , قام المحامي بكتابة بنود عقد الزواج ذاك وبصم سيد العرف عليه وأيضا ختم المعلم صفوت بختمه عليه , كان الأمر أشبه بحلم لسمر كانت كالجثة الهامدة لا هي فرحة ولا هي حزينة تقف صامتة بينما زينت البسمة وجه إلهام ووجه سيد العرف , كانت أحلام تراقب المشهد من بعيد تنظر للوجوه تشعر بأن هناك شئ خاطئ رغم صغر سنها تدرك أن ذاك ليس الوضع الطبيعي لفتاة تتزوج فهي تري اختها الباهتة تقف حزينة أختها التي لم تكمل السادسة عشر تقف في عباءة سمراء لا تمت ولا تشبه فساتين الزفاف التي حلمت بأن تراها بها لقد رأت الكثيرون يتزوجون ولطالما حلمت رأت السعادة علي وجوهم ولكنها لا تري لا الفستان الأبيض ولا تلك السعادة , تنظر للمعلم صفوت يقف بجانب أختها فتدرك أن هذا الزواج أكبر خطأ حدث في حياة أختها المسكينة , صدمة فكرية أصابتها لم تكن هي لتتوقع أن يؤثر زواج أختها بها هكذا تدرك بأن هذا ليس الوضع الصحيح .
احتفظ المعلم صفوت بالعقود معه ولم يأبه سيد العرف بذلك فلقد كان منشغلا في التأكد من مبلغ العشرة آلاف جنيه التي أعطاه المعلم صفوت إياه ، كانت سمر ترتجف لما اقترب منها المعلم صفوت وامسكها من يدها كي تمشي معه كمن يجر بهيمة خلفه، نظرت أحلام لسمر نظرة حزن واعتذار منها فهي لا تقوي علي فعل شيء ، اخذها المعلم صفوت ومضي في حين عادت أحلام مع سيد العرف والهام إلي المنزل ، ظلت طيلة الليل مستيقظة تفكر يا تري ماذا حل بأختها الوحيدة ، بدت الغرفة في تلك الليلة مخيفة وقبيحة ولقد كانت كذلك من قبل ولكن تلك هي الليلة الأولي التي تلاحظ بها أحلام الغرفة هكذا فلطالما طمأنتها اختها سمر وكان وجود أختها يزين الغرفة وما أن غادرت حتي تنبهت أن أختها هي من كانت تجمل قبح حياتها.....بكت بحرقة ولم تبكي هكذا من قبل حتي عندما ماتت أمهما لم تبكي هكذا فسمر خففت عليها وكانت أما لها رغم صغر سنهما ...
سيد العرف في غرفته غارق في النوم وبجانبه زوجته إلهام واضعين المال تحت وسادتهم ، غير مهتمين بأي شيء آخر سواه
كانت سمر قد وصلت لمنزل المعلم صفوت ولقد استقبلتهم كوثر زوجة المعلم صفوت الأولي وأم اولاده الأربعة
كوثر إمرأة في اواخر الثلاثينات ولكنها كانت ذات طول متناسق مع وزنها ، تهتم بنفسها ومظهرها وكانت ذات جمال ومال فهي من دعمت المعلم صفوت في بداية حياتهم منذ أكثر من خمسة عشر عاماً أي أن عمر زواجهم يقترب من عمر العروسة الجديدة سمر ، وقفت كوثر عند المدخل الأمامي للعمارة التي كانت ملكا للمعلم صفوت ترتدي عباءة ملونة ذات مبلغ وقدره تظهر الذهب الذي ملئ ساعديها اليمين واليسار
كوثر وقد اطلقت الزغاريد وهذا تصرف غريب من إمرأة قد تزوج زوجها عليها للتو : ألف مبروك يا معلم ، ثم نظرت لسمر شرذا ، هي دي العروسة ، يا زين ما اخترت ثم إحتضنتها وقبلتها يمينا ويسارا ، نورتي يا حبيبتي
لم تدري سمر بما تنطق فلم تكن تأمن لكوثر تلك التي اعتادت المنطقة بأكملها علي حدة لسانها وتسلطها علي الجميع
كوثر : إيه يا معلم هي عروستك خرسة ولا إيه
المعلم صفوت: لا بس تلاقيها مكسوفة ، جهزتي اللي قلتك عليه
كوثر : كله جاهز زي ما أمرت هو أنا أقدر اكسرلك كلمة ثم نظرت لسمر: هو إيه يا حبيبتي اللي أنتي لبساه ده ، هو أنتي رايحة جنازة دا فرحك حتي ولا الجوازة مش علي هواكي
المعلم صفوت: مش مهم ، يلا يا عروسة كفاية تأخير
جرها المعلم صفوت خلفه ليصعدا إلي شقة في الدور الثاني وتلك ستكون شقته هو وسمر بينما كوثر واولادها يقيمون بالطابق الأول أما بقية العمارة مأجرة لسكان آخرين
شهد ابنة المعلم صفوت الكبري: إيه ي أما هتسيبي دي تاخد ابونا مننا
كوثر : لا عاش ولا كان استني بس عليا ابوكي أصله فرحان بالجوازة دي جاية علي مزاجه خليه يفرح بيها يومين وبعدين ابقا أعرفها قيمتها
فتح المعلم صفوت باب الشقة باسما لسمر , كانت إبتسامته مخيفة بالنسبة لها ولكن لا تقوي علي قول شئ , وجدت صينية من الطعام موضوعة علي طاولة في منتصف غرفة الصالون , تلك أول مرة بحياتها تري مثل تلك الأنواع المتعددة كانت بطنها تقرقر من الجوع كانت كطفلة تنظر بعشق له , بينما المعلم صفوت كانت أنظاره تتفحصها من الأعلي إلي الأسفل ..
المعلم صفوت : نورتي بيتك يا عروسة ؟؟
عاد الخوف من جديد يدب بصدرها ويزعزع كيانها لما سمعت صوته الخشن لعلها كانت قد نسته للحظات لما رأت هذا الطعام الشهي أمامها : البيت بأهلها يا معلم قالتها بحرج وهي تبتعد عنه ببطئ بينما هو يتقدم عليها ..
المعلم صفوت : إيه رأيك ناكل لقمتين مع بعض
سمر : أنا مش جعانة , أنا بس عاوزة انام قولي أي أوضة بتاعتي وأنا هنام فيها ؟
قهقها المعلم صفوت عاليا : أوضتك ؟ هو أنتي مش عارفة أنك من النهاردة مراتي؟
سمر بتردد : لا عارفة بس أصل أنا تعبانة وعاوزة أرتاح , تصبح علي خير .
أسرعت من أمامه وكانت ستتوجه إلي أي غرفة تقابلها ولكن المعلم صفوت جذبها بحدة إليه ودخلا سوية إلي غرفتهم , ما اسوأ أن تجبر علي شئ وما بالك أن لا تحكم علي اي شئ حتي جسدك الذي من المفترض أنه ملكك أنت , ينتهك جسدك وتنتهك طفولتك وتحرق روحك وكل هذا من أجل ماذا , من أجل نزوة شتوية حلت برجل في الأربعين فعصفت رياحها بطفلة لم تكمل السادسة عشر .
حل الصباح وكانت أحلام الشقية تجلس علي الأرض باهتة صامتة تجتاحها الأفكار عن حال أختها وروحها , أشتاقت لها ولم تكن تعلم أنها تحبها هكذا , حقا الفراق يوضح المكانة بالقلوب .
ما أن أشرقت الشمس حتي توجهت إلي أبيها سيد العرف وأخذت تدق علي باب غرفته في عنف حتي أستيقظ من نومه مفزوعا هو وإلهام .
سيد العرف : فيه إيه ؟
أحلام : يلا عشان نروح عند سمر الشمس طلعت .
سيد العرف : بقا مصحياني من الفجر عشان كدة , أمشي نامي ولا بالحق عندك شغل روحي علي شغلك مافيش سمر من تاني أنا مصدقت خلصت منها جاية تفكريني بيها , هي دلوقتي في عصمة راجل عقبال أما تحصيلها أنتي كمان وأبقي أرتحت منكم , إياك تقربي من الأوضة دي تاني , يلا أمشي
نهرها سيد العرف بشدة فما كان من تلك الصغيرة إلا أن أرتدت عباءتها وخرجت متوجهة لمنزل المعلم صفوت , لم يكن أحدا يجول في المنطقة سوي من كان عائدا من صلاة الفجر , أسفل العمارة وقفت مترددة أتصعد أم تذهب تخشي أن تسبب المشاكل لأختها ولكنها أشتاقت إليها وأفتقدتها , ظلت تنظر للعمارة كلها لا تعلم بأي طابق تبقي أختها وما أن حكمت عقلها حتي رحلت في طريقها لتذهب إلي العمل معللة ومشجعة نفسها بأنها ستذهب من أجل أن تعطي أختها بعض المال إذا إحتاجت لشئ .
اليوم مر بأكمله عادت أحلام مسرعة للمنزل علي عكس عادتها فلطالما ذهبت مع سمر هنا وهناك كي يضيعا الوقت قبل عودتهم إلي المنزل وكل هذا كي تعلم أخبار اختها ولما دخلت وجدت أبيها يجلس مع زوجته إلهام التي تضع العديد من الشنط البلاستيكية أمامها
أحلام : هل ذهبتما إلي سمر ؟؟ كيف أخبارها ؟ هل هي بخير ؟
إلهام بتأفف : أهدي شوية قولي لينا حتي سلام الأول وبعدها أتكلمي .
سيد العرف وهو يسحب سيجارة أخري كي يدخنها : فيه إيه يا بت يا أحلام , أختك في بيت جوزها وبعدين أنا مش قلقتك الصبح متجبيش سيرتها تاني
أحلام بلهفة : بس هي عاملة أيه ؟؟
إلهام : وأحنا إيه اللي هيعرفنا , إحنا يدوب نزلنا إشترينا كام جلابية علي كام قميص وبنطلون لأبوكي ولسه جايين .
أحلام بصوت مرتفع : لا تعبتوا الصراحة , ثم خرجت مسرعة من المنزل رغم بقاء إلهام وسيد العرف يناديان عليها ولكنها مضت مسرعة متوجهة لمنزل المعلم صفوت .
وجدت البوابة مفتوحة فطرقت علي باب الشقة الأولي ففتحت لها شهد إبنة المعلم صفوت وكانا يعرفان بعضهما ولكن ليس معرفة خير أبدا .
شهد ما أن رأتها : إيه اللي جابك هنا ؟؟
أحلام : فين سمر ؟
شهد : شايفني مخبياها مثلا بتسأليني عليها
أحلام : لا بس أبوكي أتجوزها إمبارح ولا أنتي معندكيش علم.
شهد : هتلاقيها عندك في الشقة اللي فوق , طبعا أول مرة تدخلي بيت زي ده , أمشي فيه براحتك لحسن تتوهي فيه
أحلام بغرور : متقلقيش عليا البيوت دي أتعملت لينا من الأساس , أختي دخلتها الأول ومن بعدها أنا بس أوعدك هيكون أكبر وأحسن ألف مرة , أنا بس خايفة عليكي هتخرجي من هنا علي جحر أو خرابة أصل ميلقش عليكي غير كده .
أغلقت شهد الباب في وجه أحلام لتي لم تكن مهتمة كثيرا بما حدث فصعدت مسرعة لتري أختها وما أن دقت الباب حتي فتحت لها أختها سمر وكانت في حالة صدمت أحلام
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي