حافية على جسر الأغتصاب الفصل الحادي و العشرون

بعد مرور عدة أشهر ..
وقف زياد امام باب الغرفة التي تقطن بها رنا ينظر إليها من خلف الحاجز الزجاجي بحزن ورغما عنه تكونت الدموع داخل عينيه ..
لا يصدق أن من يراها الان ممددة على سرير المشفى ببطن منتفخ هي رنا اخته الوحيدة ومدللته الصغيرة ..
في نفس الوقت شعر بوالده يقترب منه وهو يهتف بنبرة خافتة :
" هنعمل ايه دلوقتي يا زياد ..؟! ميعاد ولادتها قرب .."
رد زياد بقوة فهو قد فكر كثيرا بما سيفعله طوال الشهور الفائتة .. لقد كان حريصا ألا يعلم احد بحمل رنا ونبه الطبيب على هذا بينما كان هو يبحث عن حاتم الذي هجر البلاد دون عودة ..
" رنا مش حامل يا بابا ، والطفل اللي هيتولد هيتكتب بإسمي .."
تطلع والده إليه بعدم تصديق قبل أن يفهم بأن هذا الحل الوحيد الموجود امامه ...
اكمل زياد بخشونة :
" انا كنت متجوز من كان شهر والطفل اللي هيتولد هو ابني وهيستجل بإسمي وكده محدش هيجيب سيرة رنا بكلمة .."
تنهد الأب وقال :
" انا مش عارف اقولك ايه يابني ... بجد مش عارف .."
قاطعه زياد بجدية :
" متقولش حاجة يا بابا، رنا اختي ، وانا مسؤول عنها .."
ربت الاب على كتفه قبل ان يحتضنه بقوة ...
................................................،.،.........................
كانت زينة تتناول طعام غدائها مع نور التي استقرت معاها في نفس الشقة ..
لقد تحسنت أوضاعها كليا وكذلك علاقتها بعائلتها خاصة بعدما اشتروا شقة في العمارة المقابلة لعمارتها ..
حتى ان والدها طلب منها أن تسكن معهم في نفس الشقة الا انها رفضت هذا فهي قد اعتادت على شقتها هذه وحياتها بها ..
تطلعت نور الى زينة التي تقلب طعامها بشرود لتهتف بحيرة :
" مالك يا زينة ..؟! ساكته ليه..؟!"
نظرت زينة اليها وقالت كاذبة :
" مفيش .."
" بتفكري فإيه يا زينة ..؟! اتكلمي ..؟!"
قالتها نور بإصرار فهي تعلم ان وراء شرود زينة الكثير لترد زينة أخيرا :
" بفكر فزياد .."
قالت نور بخفوت :
" ربنا يعينه ، اللي هو فيه مش سهل .."
" تعرفي اني فكرت اشوفه .."
تعجبت نور مما سمعته فهتفت بعدم تصديق :
" تشوفيه ..؟! ليه ..؟!"
هزت زينة كتفيها وهي تهتف بجدية :
" كنت محتاجة اتكلم معاه وأقف جمبه فالشدة اللي هو فيها .."
ثم أكملت بشرود :
" هو ياما وقف جمبي وساعدني فعز أزماتي .."
" طب روحيله يا زينة .. مستنيه ايه ...؟!"
أجابتها زينة :
" خايفة ومش ضامنة ردة فعله .."
همت نور بالرد الان ان رنين جرس الباب قاطعها فقالت وهي تقوم من على المائدة لفتحه :
" خليكي انتي ، انا هقوم اشوف مين اللي جه .."
فتحت نور الباب لتتفاجئ بشاب طويل وسيم يقف أمامها ينظر إليها بتعجب قبل أن يسألها بحيرة :
" هو مش ده بيت مدام زينة ..؟!"
اومأت نور برأسها وهي تجيبه :
" ايوه وانا صاحبتها .."
" انا ماجد وعاوز اشوفها .."
" اتفضل .."
قالتها نور وهي تفسح المجال له للدخول غير منتبهه الاسم الذي قاله لتنهض زينة من مكانها وتسأله مندهشة من وجوده امامها :
" ماجد ، خير فيه ايه ..؟!"
" ممكن نتكلم شوية ..؟!"
اومأت زينة برأسها لتنسحب نور قائلة :
" عن اذنكم انا هدخل جوه .،"
ثم اتجهت الى غرفة النوم ليجلس ماجد امام زينة ويهتف بقوة :
" انا جيت عشان اطلب ايدك يا زينة .... انا عايز اتجوزك ."
.........................................................................
دلف زياد الى غرفته بعد يوم طويل مرهق قضاه بين العمل والمشفى ..
كان يهم بخلع ملابسه ليأخذ حماما سريعا حينما فتحت والدته الباب وولجت الى الداخل تهتف بلهفة :
" الحق يا زياد ، رنا بتولد.."
ركض زياد مسرعا خارج المنزل تتبعه والدته ووالده ...
وصلول الى هناك لتخبرهم الممرضة ان رنا في غرفة العمليات تلد بالفعل ...
ظل الثلاثة في الخارج ينتظرون انتهاء الولادة بتوتر ...
خرج الطبيب بعد فترة وعلى وجهه ابتسامة شديدة ليهتف بهم :
" مبروك جابت بنت زي القمر وكمان فاقت من الغيبوبة .."
" بجد ..؟!"
قالتها الأم غير مصدقة لما سمعته بينما قال زياد بلهفة :
" ممكن أشوفها .."
اومأ الطبيب برأسه وقال وهو يهتف به :
" احنا حاليا هنحولها للعناية المشددة عشان لسه حالتها مش مستقرة .. تقدر تشوفها كمان ساعة .."
في نفس اللحظة خرجت الممرضة وهي تحمل الطفلة الصغيرة بين يديها لينظر الثلاثة اليها بحيرة وتردد ..
فهذه الطفلة هي ابنة حرام وإن أنكروا ذلك ...
ولكن زياد كان اول من أفاق من حيرته وحمل الطفلة بين يديه ليقترب نحو والدته ويهتف بجدية :
" شوفي حفيدتك يا ماما .."
أدمعت عينا الام وهي تقول بحزن :
" كان نفسي تجي فوضع غير ده .."
عاتبها زياد :
" متقوليش كده يا ماما الطفلة دي ملهاش ذنب ، وفالنهاية دي بنتنا من دمنا ..."
اومأت الأم برأسها وهي تنظر الى الطفلة بحنو بالغ ليهتف زياد بها :
" هنسميها ايه ..؟!"
ردت الأم بسرعة :
" سيسيليا ، رنا كانت بتحب الاسم ده اوي .."
ابتسم زياد بحنو وهو يطبع قبلة على جبين الطفلة ويقول :
" سيسيليا الشريف ... حفيدتك يا ماما .."
.......................................................................
دلف زياد الى غرفة العناية المشددة التي تقطن بها رنا ..
اقترب منها ووقف بجانبها ينظر اليها بحزن ..
فتحت رنا عينيها وقد شعرت بوجوده لتهتف بصوت خافت متحشرج :
" واخيرا شفتك .."
" متتكلميش يا رنا ، الكلام مش كويس عشانك .."
ردت رنا بإبتسامة شاحبة :
" سيبني اتكلم يا زياد ، جايز دي اخر مرة اتكلم فيها .."
زفر زياد نفسا وقال وهو يمسك كف يدها بكف يده :
" متقوليش كده يا رنا .. انتي هتبقي كويسة .."
قاطعته رنا بوهن :
" بنتي يا زياد ، بنتي امانة عندك .. اعتبرها بنتك ومتبخلش عليها فحنيتك .."
كانت رنا تتحدث والدموع تملأ عينيها :
" هي ملهاش ذنب فحاجة ..."
" بنتك هي بنتي ، متقلقيش عليها .."
قالت رنا بصوت مترجي وقد بدأ نبضها يخفت تدريجيا :
" خلي بابا يسامحني .. وماما كمان .. كان نفسي اشوفهم .."
رد زياد بضيق:
" هتشوفيهم يا رنا ، متقلقش .."
" سامحني يا زياد ، سامحني على كل حاجة .."
ثم أكملت بدموع لاذعة ونبرة متقطعة بدأت تخفت تدريجيا :
"انا عملت كل اللي عملته عشان علي اللي مقدرتش اتخطى موته ، سامحني ارجوك .."
حتى اختفت النبرة تماما وتوقفت نبضات قلبها بشكل نهائي ..
يتبع في الفصل الاخير والخاتمة ..
الفصل الاخير والخاتمة ..
" انت بتقول ايه يا ماجد ..؟!"
قالتها زينة بعدم تصديق ليهتف ماجد بجدية :
" انا من ساعة معرفت انك اطلقتي من زياد وانا بفكر فالموضوع ده ، بصي انا عارف اني مستحقكيش ، بس اوعدك اني هسعدك يا زينة وأعوضك عن اي شيء سيء عشتيه بسببي او بسبب غيري .."
كانت زينة تستمع اليه غير مستوعبه ما يتفوه به ..
" بس انا بحب زياد وانت بتحب خطيبتك ..."
رد عليها بهدوء :
" زينة انا وخطيبتي سبنا بعض وده مش معناه اني بعمل كده عشان سابتني ، لا ابدا انا محتاجك بجد ونفسي توافقي ونكمل حياتنا مع بعض .."
زفرت زينة أنفاسها وقالت :
" للاسف صعب يا ماجد ، انا مش هتجوز حد وانا بحب غيره ، ومتقوليش انوا الزمن هينسينا لانوا مفيش حاجة مضمونه .. وانا مرتاحة فحياتي حاليا وحتى اتصالحت مع اهلي ، انا عارفة انوا الي مريت بيه مش سهل وانك لسه بتتعذب بسببي وانا والله لو كنت قادرة اساعدك كنت هعمل .. ماجد انا نفسي اسامحك من قلبي بس مش قادرة ، جايز فيوم قلبي يعفو عنك بس لحد الوقت ده مش هقدر اتجوزك او اقرب منك .."
" ده اخر كلام عندك ..؟!"
سألها بنبرة خافتة لترد عليه بإيماءة من رأسها فينهض هو من مكانه ويقول :
" زي ما تحبي يا زينة ، براحتك اكيد .."
ثم اكمل :
" بس عايز اقولك انك انسانه رقيقة وعملة نادرة فالزمن ده واني مهما عملت مش هقدر أوفيكي حقك .."
ابتسمت زينة بضعف بينما تحرك هو خارج الشقة لتخرج نور من غرفتها بعد سمعت صوت باب الشقة يفتح ويغلق وتتقدم نحوها هاتفه بعدم تصديق :
" هو ده ماجد نفسه اللي ..؟!"
اومأت زينة برأسها لتزفر نور نفسها وتهتف بها :
" كان عايز منك ايه ..؟!"
ردت زينة بشرود :
" كان عايز يتجوزني .."
" والله ..؟!"
قالتها بتعجب من ثقته الشديدة لتهز زينة رأسها قبل ان تجلس على كرسيها بوهن ..
.........................................................................
مرت أيام العزاء ثقيلة للغاية عليه ..
انتهت اخيرا ليجلس في غرفته بشرود ...
لقد رحلت اخته بلا عودة ..
رحلت وتركته وحيدا ..
والدته أيضا اصيبت بالشلل نتيجة جلطة دماغية فهي لم تتحمل موت ابنتها الوحيدة ..
كل شيء حول سيء للغاية ...
أغمض عينيه محاولا ألا يبكي ..
فهو لا يحب أن يبكي ابدا ...
حتى في أسوأ الأوقات ..
نهض من فوق سريره واتجه الى غرفة اخته رنا ليجد طفلتها هناك ممددة على سريرها والخادمة بجانبها تلعب معها ...
نهضت الخادمة ما إن رأته يقترب منهما فاسحة له المجال كي يجلس بجانب لطفلة ..
جلس زياد بجانبها وأخذ يتأملها بحنو بالغ ، كانت جميلة للغاية وصغيرة ..
ماذا سيفعل وكيف سيربيها وحده ..؟!
هذه الطفلة الصغيرة بحاجة لأم ترعاها وتهتم بها ..
مد إبهامه يتلمس خدها الرقيق الناعم قبل أن تنزلق دمعه غادرة من عينه ...
طبع قبلة دافئة على جبين الطفلة قبل ان ينسحب من غرفتها ويعود الى غرفته ..
جلس على سريره وحمل هاتفه ليجد اتصالا من زينة ...
فاجأه اتصالها فهو لو يرها او يتحدث معها منذ يوم طلاقهما ...
اي منذ اكثر من ستة شهور ...
حتى لم بعد يراقبها او يهتم بمعرفة اخبارها منذ وقت حادثة رنا ..
هم بإعادة الموبايل الى مكانه حينما رن هاتفه مرة اخرى بإسمها ..
ضغط على زر الاجابة ليأتيه صوتها الناعم :
" زياد انت كويس .."
وكأن نعومة صوتها ورقتها فجرت براكين الألم داخله لينهار باكيا دون أن يصدر صوتا..
" زياد انت كويس ..؟!"
كانت تسأله بقلق وخوف صادق ليغلق الهاتف في وجهها دون رد وهو مستمر في بكائه ..
..........................................................................
بعد مرور ثلاثة اشهر ..
كان جالسا في حديقة منزله الجديد والذي اشتراه مؤخرا محاولا الابتعاد عن جميع الذكريات التي تؤرقه ...
ففي ذلك المنزل فقد الكثير ولم يعد يتحمل أن يفقد أكثر ...
كان يعمل على حاسوبه بينما الصغيرة سيسيليا تجلس في عربتها أمامه ..
لقد عاهد نفسه أن يهتم بتربيتها جيدا ويجعلها سعيدة مهما كلفه الأمر ..
وهاهو بعد ثلاثة اشهر استقر في حياته معها منحيا الحزن جانبا ...
توقفت الخادمة امامه وهتفت به :
" فيه وحدة عايزة تشوفك يا فندم .."
" مين ...؟!"
سألها زياد بحيرة لتقترب زينة منه وتهتف به :
" انا .."
نهض زياد من مكانه هاتفا بنبرة غير مصدقة وجودها امامه :
" زينة ..!!"
انسحبت الخادمة من أمامهما بينما اقتربت زينة منه تهتف بحب :
" وحشتني ..."
صمت ولم يرد عليها لتكمل بنبرة ضعيفة :
" كده هنا عليك تبعد عني كل ده يا زياد ..."
تأملت وجهه الحزين الشاحب بينما يرد عليها :
" كنتي عايزاني اعمل ايه يا زينة ...؟! "
ردت بنبرة معاتبة :
" تكلمني .."
لم يرد عليها بينما قالت زينة مكملة حديثها :
" زياد انا بحبك وانت عارف كده .."
رد عليها بفتور :
" عمري محسيتها يا زينة ..٠
قالت بحزن :
" عشان انت مش عايز تحسها ..."
صمت ولم يرد لتمسح يده قائلة :
" اديني فرصة يا زياد اثبتلك حبي ..."
تنهد بحرارة ثم قال أخيرا بعد تفكير امتد لأكثر من ثلاث دقائق :
" تمام يا زينة .."
ابتسمت بأمل ثم ما لبثت ان نظرت الى الفتاة لتقترب منها وتنحني نحوها وهي تهتف بحب :
" يا روحي ، اسمها ايه ..؟!"
" سيسيليا .. سيسيليا زياد الشريف .."
ابتلعت زينة صدمتها حينما ذكر اسمه بجانب اسمها وهتفت بمزاح :
" ملقتش اطول من الاسم ده يا زياد ..."
بينما ضحك زياد بخفوت رغما عنه ...
............................................................................
بعد مرور ست سنوات ...
" بابا ماما انتوا فين ..؟! انا طلعت الأولى .. فين الهدية بتاعتي ..؟!"
خرجت زينة من غرفتها وركضت نحوها لتحتضنها بحب وهي تهتف بسعادة بالغة :
" مبروك يا حبيبتي ، مبروك يا سيلي .."
قرصتها سيسيليا من وجنتها وقالت :
" طلعت الاولى زي ما وعدتك .."
" وهديتك هتوصلك فأقرب وقت ..."
ضحكت سيسيليا بسعادة بينما خرج زياد من مكتبه بعدما انهى اتصالا مع احد شركائه ليهتف بجدية :
" ايه الاصوات العالية دي ..؟!"
ليجد زينة تحتضن سيسيليا وهي تضحك بينما تهتف الصغيرة بمرح :
" ده انا يا بابا ، طلعت الاولى .."
اقترب منها واحتضنها بين ذراعيه مقبلا اياها من وجنتيها هاتفا بحب :
" مبروك يا حبيبتي ، الف مبروك .."
ابتسمت الصغيرة بينما اكمل زياد بجدية :
" بما انوا هدية ماما بقت معروفة فاضل هديتي .."
" ايه هي .؟!"
سألته الصغيرة بفضول بينما نظرت اليه زينة بترقب ليكمل زياد بجدية :
" احنا هنطلع رحلة لروما كمان يومين .."
قفزت سيسيليا من مكانها وهي تهتف بفرحة عامة :
" وأخيرا ، يعيش بابا ..."
بينما احتضنها كلا من زياد وزينة بقوة ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي