الفصل الحادي عشر

"صباح الخير،كيف حالك خالتى؟"
قالت غالية بإبتسامة معتدلة رسمتها بإتقان فلم
تحاول ان تجعلها مبالغ فيها فالحزن الذى يخيم
على أجواء البلدة لم يكن يتناسب معه أن تبتسم.
ببهجة.
"بخير يا إبنتى،نحمد الله"
"لقد أحضرت لك كل المشتريات التي طلبتيها من
والدى،لقد سافر الفجر إلى أخميم (مركز بمحافظة
سوهاج) ولم يعد سوى منذ قليل،ولكننى تأكدت
بنفسي انه أحضر كل شيئ"
"ادخلى يا ابنتى،هيا دعينا نراجع قائمة المشتريات
بالمطبخ"
خطت غالية خلف روحية وعينيها تتأمل ذلك المنزل
بفخامته ورقيه فبالرغم من أنها إعتادت على رؤيته
إلا أنها لم تكف ابداً عن الإنبهار به خاصة مع
التجديدات التي لا يتوقف الدكتور على عن اضافتها
لمنزله...منذ كانت في الثانية عشر وهى تحمل
مشتريات المنزل من البقالة للخالة روحية من محل
بقالة والدها أو الذى كان لوالدها قبل أن يسجله
بأسم زوجته وابنها منذ عام مضى.
"لا أعرف ما فائدة عبوات الحليب والجبن تلك وكأن
البلدة نفذ منها الحليب والجبن!!ولكنها طلبات
الدكتور"
قالت روحية بتبرم كعادتها وهى تفرغ الصندوق
الكبير التي كانت تحمله غالية فوق رأسها.
"الأشياء التي يطلبها الدكتور خالية من الدسم وهى صحية أكثر،ألا ترين خالتى أن الدكتور يبدو أصغر عمراً عن من هم بمثل عمره ببلدتنا؟"أجابت غالية وهى
تطلع حولها بالمطبخ الحديث بإعجاب.
"لا أفهم من كلامك شيئاً،فأنت ذهبت للمدارس مثله واحياناً حينما يشرد ويتحدث لى لا أفهم أى شيئ
ايضاً مما يعنيه ولكنه يعود ليضحك عالياً ويتحدث
معى بلهجتنا"
هزت غالية رأسها بإستهزاء ولوت فمها ساخرة من
المرأة الستينية التي أدارت لها ظهرها لتضع
المشتريات بموضعها بالخزانة ولكن ما أن استدارت
روحية لتنظر لها حتى تبدلت ملامح وجهها على
الفور وعادت لقناع اللطف الذى ترتديه قائلة:"هل
أساعدك بشيئ؟"
"سأحضر الإفطار للدكتور قبل أن يستيقظ فالساعة
قاربت من العاشرة"
"دعينى أساعدك وأعد الإفطار حتى تنتهى من وضع
المشتريات بموضعها"
اقتربت غالية من المبرد الكبير وهى تضيف:"ماذا
يتناول الدكتور على الإفطار؟"
"وحسرتاه!لا يتناول سوى كوب اللبن أو العصير وأى نوع جبن من الموجود بالمبرد مع بيضة واحدة ونصف رغيف من الخبز"قالت روحية بسخط فهى بطبيعتها
البسيطة لا تتفهم ما تعنيه الحمية الغذائية.
"فقط!!"
اتسعت عين غالية بدهشة ثم لوت فمها كعادتها وهى تتذكر أغلب رجال القرية بعمره وبطونهم
المنتفخة أمامهم كإمرأة على وشك الوضع...فتحت
المبرد وبدأت بتحضير الإفطار في دقائق معدود
وحينما انتهت..
"هل تصعدين بالإفطار يا خالتى لغرفته؟"
"توقفى عن مشاهدة المسلسلات التي أفسدت
عقلك،الدكتور يتناول فطوره على المائدة بغرفة
الطعام"
ضاقت عينيها وهى تتطلع نحو المرأة بحقد فتلك
المرأة الخرفة العجوز لو كانت هى محلها
لأستطاعت ان تصل لأن تكون سيدة هذا المنزل خلال أيام.
"سيسعدنى جداً أن أعلمك كيف يتم تقديم الإفطار
بالفراش أيتها الحمقاء،ولكن صبراً"تمتم صوت داخل عقلها.
ولكن لسانها تفوه قائلاً:"حسناً خالتى سأحمل
الصينية لغرفة المائدة"
"شكراً لك يا أبنتى،فيجب أن أبدأ بإعداد صوانى
الطعام التي ستخرج في العزاء،لقد أخبرنى الدكتور
أن الكثير من رفقاء الشهداء الثلاثة بالجيش
سيكونون هنا اليوم لتقديم واجب العزاء ويجب أن
أُعد لهم الطعام"
التفتت غالية حاملة الصينية ثم اتجهت إلى غرفة
الطعام ووضعتها فوق المائدة و غادرت عائدة
للمطبخ ولكن بمنتصف الطريق وقفت تتأمل الدرج
بتردد وعينيها تتلفت ما بين المطبخ والدرج حتى
اتخذت قرارها واتجهت نحو المطبخ لتطل من جانب
الجدار فوجدت حورية منشغلة بإعداد الطعام
فأسرعت نحو غرفة المائدة وأمسكت بكون الحليب
الدافئ المحلى بالعسل واتخذت طريقها نحو الدرج
بينما تحل وشاحها الأسود من حول شعرها الطويل
الأسود ليتراخى فبدا شعرها بخصلاته الناعمة من
اسفله ثم رفعت يدها الخالية وقرصت وجنتيها بقوة حتى تَدب الحمرة بهما...امام باب غرفته رسمت على وجهها إبتسامة لطيفة ثم طرقت الباب ولكنها لم
تستمع إلى صوت فعادت لتطرقه مرة أخرى وبجرأة وهدوء فتحته.
كان هناك يرقد بمنتصف الفراش على جانبه الأيمن وجذعه يميل قليلاً فبدا وكأنه يرقد على بطنه أكثر منه على جانبه...تأملت ظهره الأسمر العارى الذى بدا
صلباً مشدوداً لا تشوبه أية ترهلات فاتسعت
إبتسامتها الماكرة وهى تفكر بأنها ستحتاج لتغيير
الكثير من عاداته الصحية إذا أرادت أن ترثه بسرعة.
"دكتور على..دكتور على"
اصبحت نبرة صوتها لينة بينما تقترب من الفراش
وتهمس بالكاد بأسمه بنعومة ثم امتدت اطراف
اصابعها لتلامس كتفه العارى بإصرار على أن تفعل ذلك دون حياء.
انتفض من نومه على لمستها فتراجعت للخلف قليلا حتى لا يطير كوب اللبن من بين يديها وبدلاً من ان
تتقرب منه يلعنها على غبائها..هز رأسه ليستفيق من نعاسه وبعد ثانية كان ينتفض من فراشه ليقف
بمنتصف الغرفة.
"كيف تجرؤين على الدخول إلى غرفة نومى"
اقتربت منه بدلال وعينين تعمدت أن ترسم بهما كل ما تملكه من إغواء:"أحضرت لك كوب الحليب
المحلى بالعسل"
"وأين روحية؟"
ابتعد عنها واتجه الى احد الأدراج يلتقط تيشيرت
ليرتديه ولكنها اتبعته وهى ترفع أمام عينيه كوب
الحليب:"خشيت أن يبرد وهو ينتظرك بمفرده أن تحنو عليه....أعنى تستيقظ لتشربه فأحضرته لك حتى
غرفتك"
رفع التيشيرت ليمرره عبر رأسه فتركت كوب الحليب
على وحدة الأدراج بسرعة ورفعت يديها تساعده ثم
هبطت يديها لتلامس ذراعيه العارية ببطئ مدروس..
ابتلع لعابه وهو يحدق بالفتاة الجميلة أمامه والتى لا تترك فرصة بدون أن تظهر رغبتها به وانتفضت
نبضات قلبه بصدره بقوة وتدفقت الدماء حارة بأنحاء جسده،فهو رجل لم تلمسه إمرأة منذ أكثر من عشرة سنوات وهى ليست أية إمرأة بل فتاة جميلة تتودد له وترغبه.
هز رأسه ينفض تلك الأفكار السوداء عن عقله وبكل
ما يملك من سلطة على جسده ابتعد عنها نحو باب
الغرفة ليفتحه:"غادرى يا بنت حمدان..ارحلى الآن"
تهادت بخطواتها وهى تلاحظ تأثره بها ثم اقتربت
منه ورفعت يدها لتضعها على صدره لتشعر بنبضات قلبه التي تقرع كالطبول فهمهمت بصوت خفيض
ناعم:"أعرف أننى لست من طبقتك أو مستواك
الإجتماعى ولكننى أحبك،نعم أحبك"
أمسك بيدها ليرفعها من فوق صدره محاولاً أن يُخضع جسده لأوامر عقله وأن يدفعها بعيداً عنه بدون
تشويه لسمعتها أو سمعته فبلدتهم الألسنة بها لا ترحم...
"غالية،انتِ أصغر من ولدى،وما تشعرين به ليس
سوى تقدير واحترام لى،وحتى إن كان غير ذلك فهى مشاعر يجب أن تتخلصى منها"
انحنت برأسها فجأة نحو يده التي تمسك بيدها بحزم وقامت بتقبيل يده بخفة ونعومة فجذب يده بعيداً
وكأن ناراً أحرقته..ودفعها بقوة فتراجع جسدها مُجبراً واستغل الفرصة حينها ليغادر الغرفة هابطاً الدرج
حيث أمان وجود روحية والسائق والمزارعين
بالحديقة،تاركاً لها بالغرفة بمفردها دمائها فائرة
بالغيظ والغضب.
هبط نحو غرفة الطعام عارى القدمين على غير عادته واتجه إلى غرفة المائدة ثم هتف منادياً خادمته
فأسرعت نحوه..
"أين الحليب؟"
سأل بصوت حازم قوى فتلعثمت المرأة:"لقد تأكدت
أن غالية وضعته على الصينية ولكن لا أعرف أين هو..سأحضر غيره على الفور"
التفتت لتغادر ولكنه أوقفها:"روحية!!"
ابتلعت لعابها وهى لا تدرى أين اختفت تلك الفتاة
فهى تدرك طباع الدكتور جيداً فهو يكره وجود أى
قدم غريبة بالمنزل،ولكنها لم تكن لتكذب عليه.
"هل غالية تعمل هنا بالمنزل؟!"
هزت المرأة رأسها نافية بإضطراب ثم تمتمت:"لا"
"إذن لما تُعد لى الإفطار؟"سألها بإستنكار ولم ينتظر
أجابتها وأضاف:"إذا كنتِ تريدين مساعدة بأعمال
المنزل فيمكنك أن تنتقى أي إمرأة من البلدة
لتساعدك،هل تفهمين؟"
عادت لتومئ موافقة وهى لا تعرف ما سر غضبه
الصباحى..
"المشتريات تتسلميها منها امام البوابة الخارجية
للمنزل لا أريدها أن تخطو حتى إلى داخل الحديقة"
أضاف بغضب وجده مُتنفساً للحمم التي اشتعلت
بجسده.
"حسناً يا دكتور"تمتمت المرأة بدهشة واضطراب
فهى لم تراه غاضباً إلى هذا الحد من قبل وتساءلت
بصمت أين تلك الفتاة وما عساها قد فعلت!!
وبتلك اللحظة كانت غالية تمر عبر بهو المنزل بحذر
راكضة نحو الباب قبل أن يلمحها أحد..
**********
جلس بهدوء وإرتياح لم يشعر به منذ مدة طويلة..بل طويلة للغاية ربما منذ أواخر عام ٢٠٠٩ عندما خرج من
بلدته،تحتل عقله فكرة السفر وإيجاد فرصة أفضل
للعمل...هرب حينها من العمل بالزراعة فهو بالفطرة لم يكن مزارعاً،كان يحلم بأن يعمل بشيئ يكون
شغوف به ويحقق له الثراء السريع،وليته لم يفعل..
سنوات طويلة مرت أكثر من ثمانية أعوام شعر
خلالهم أنه اصبح كهلاً يحمل تجارب ومخاطر خاضها لم يكن يحلم بأسوأ كوابيسه أن يمر بها.
"هذا قرارك الأخير مصطفى؟؟"
تحدث صديقه بالإيطالية محاولاً أن يثنيه عن ما
اعتزمه فالعودة للوطن من وجهة نظره كفة خاسرة
بميزان إختياراته.
"نعم،إنه قرارى الأخير وقد اتفقت مع صاحب المصنع عندما يقوم بإحلال وتجديد الماكينات بعد ستة أشهر سأشتري منه الماكينة الكبيرة وأشحنها لبلدتى
وهناك سأبدأ العمل"
"استمع لى مصطفى،وضعك الحالى مختلف فأنت
لديك أوراق رسمية ولديك عمل،شباب كثيرين ببلدك
يحلمون فقط لو يحظون بفرصة المجيئ إلى هنا"
عاود صديقه رشيد محاولته لإقصاؤه عن فكرة العودة لوطنه مضيفاً:"لقد أخبرتنى انك ليس لك ببلدتك
سوى جدتك لوالدك،لمن ستعود إذن؟"
"سأعود من أجلها،وسأعود من أجل نفسي..من أجل
قناعتى أن كل ما جنيته لم يكن يستحق ما خضته من مخاطر ولا يستحق ما ضاع من عمرى"
أجاب بإقتناع تام فما عاشه كان اشبه بفيلم رعب..ما
أن خرج من وطنه ووصل إلى ليبيا حتى قامت الثورة
بليبيا واختفى الرجل الذى اتفق معه على ان يساعده على السفر مقابل مبلغ كبير من المال باع من أجله
الثمانية قراريط التي ورثها عن والده.
"إذا كان من أجلها فيمكنك أن تحضرها،لن يستغرق ورقها أكثر من ستة أشهر"
"رشيد،أعرف أنك لا تريدنى أن أعود لوطنى،وأقدر
مشاعر صداقتك جداً لكن صدقاً لقد اشتقت لكل شيئ حتى لتراب الأرض"
تحدث مصطفى بشرود وذكرى بلدته بكل مساؤها وخيراتها تتراقص أمام عينيه..الناس الفقيرة البسيطة وأحلامهم التي تنافس بساطتهم،الطرق الترابية
وخروج المزارعين للأرض مع الفجر..الشباب الصغيرة
التي تجلس على شاطئ الترعة لتصطاد بصنارة
بسيطة مصنوعة من البوص..رائحة الأرض والزرع
وتوسده لصدر جدته الدافئ.
"مصطفى..ابقى ولا ترحل..ابقى مصطفى ودعنا نجعل زواجنا حقيقياً"
حاولت لورا عندما وجدت وسائل رشيد قد فشلت
بإقناعه.
"زواجنا ماذا!!لا لورا...لا،عندما أتزوج سأتزوج صبية
بجديلة،سمراء خمرية..صبية تقيم مع جدتى بمنزلنا
وتشعر كأنه الجنة..صبية أكون زوجها وطفلها
ووالدها وتكن لى الدنيا بآسرها"
عقد رشيد حاجبيه ثم اتسعت عينيه فجأة بإدراك:"هل تحب مصطفى فتاة ببلدتك؟"
"لا،ولا تندهش فما تسمعه منى هو صوت الحنين
لكل ما بوطنى حتى لفتياته السمراوات"
"كنت اعتقد أن اتفاقنا يمكنه أن يصبح أمراً مختلفاً"
تمتمت لورا بإستياء.
فتعالت ضحكات مصطفى:"أمراً مختلفاً بعد أن
حصلت على المال الذى اتفقنا عليه كاملاً؟!"
"عامين من عمرى...عامين كاملين تحصلين فيهما
لورا على كل يورو أكسبه مقابل الزواج الذى
سيمنحنى الأوراق الرسمية والآن تريدين تحويله إلى
زواج حقيقي؟!دعينا نظل أصدقاء لورا لأننى لدى
توقيعك على الورقة التي تقرين بها أن هذا الزواج
مجرد إتفاق حتى احصل على أوراقى مقابل مبلغ من.
المال،وإذا قدمت هذه الورقة تعرفين أن أقصى شيئ
يمكنه أن يحدث لى أننى سيتم سحب الأوراق منى
وأعود لوطنى وهذا ما سأفعله على أية حال"
أجابها مصطفى وهو يميل برأسه ناظراً لها ببعض
من التحدى فهزت رأسها بينما تدفع شعرها إلى
خلف كتفها ثم تلعثمت قائلة:"من أخبرك أننى
سأنقض إتفاقنا؟"
"أعرف أنك أكثر عقلاً وحكمة من أن تفعلى هذا"
أجابها مصطفى ثم وقف مغادراً الطاولة بعد أن ترك ما يكفى من الأوراق النقدية ليسدد ثمن غداؤه.
مضيفاً:"سأرحل الآن،إننى أشعر بالإرهاق"
غادر المطعم بعد أن شعر بالإختناق وبأنه يريد أن
يكون بمفرده،لا يعرف لما تكالبت عليه ذكريات لكل
أيامه السوداء بتلك اللحظة...الضيق في صدره.
استحكم به مؤخرا والشوق لوطنه وبلدته لم يعد
يجعله يستطيع الإستمتاع بأى شيئ..منذ عامين
ونصف فقط سدد دين لورا كاملاً وأصبح أخيراً عمله
لنفسه ولتحقيق أحلامه التي أكتشف إنه تنازل عنها خلال كل تلك السنوات الماضية...فقبل زواجه الصورى من لورا قضى عاماًونصف أو أكثر يعمل إثنى عشرة ساعة يومياً وبالنهاية كل أمواله ابتزها المحامين مع وعودهم الزائفة بالحصول على أوراق رسمية،وأموال. أخرى تبتزها قوانين تصدر لتسوية أوضاع المقيمين
غير الشرعيين وبالنهاية لا شيئ،فقط عندما تخلص
من هذه الأحمال أخيراً شعر إنه مجهد ومستنزف...
مستنزف من كل من حوله حتى صاحب العمل الذى كان يمنحه راتب نصف ما يمنحه لمن يعمل ومقيد
أسمه بمكاتب العمل المعتمدة لأنه يعمل بدون
أوراق رسمية.
***************
بخطوات رصينة سار عبر الممر المؤدى إلى مكتبه
بالجامعة الخاصة التي يعمل بها رئيس قسم
دراسات علم النفس والتى يمكن أن يُطلق عليها
إحدى جامعات الطبقة المخملية بالمجتمع..دلف
إلى مكتبه فاستقبله سكرتيره الخاص ولحق به
قائلاً:"لقد وصلت دكتورة زينة الشافعى"
اومئ برأسه بصمت ثم أشار لسكرتيره بالإنصراف:
"دقائق ويمكنك أن تخبرها أننى مستعد للقائها"
حينما خرج السكرتير التقط على هاتفه وضغط أحد
الأرقام المختصرة للإتصال السريع:"منذ يومين لم
تتصل بى!!كيف حالك سيف؟وما أخبار دراستك؟"
أجاب الشاب على الطرف الآخر:"الدكتور على القاضى بنفسه،مرحباً والدى"
"مرحباً،لم تجيبنى لما لم تتصل كعادتك منذ يومين؟"
"لا شيئ والدى فقط انشغلت بالإمتحانات واتصلت
بك مرة ووجدت هاتفك خارج النطاق ثم اتصلت على هاتف المنزل بالبلدة وأجابتنى روحية بأنك في
العزاء..البقاء لله والدى"
تنهد على محاولاً أن يتخلص من تلك الغصة التي
تستقر بصدره منذ لحظة دفن جثامين المجندين
الثلاثة ثم أجاب ولده:"البقاء لله وحده يا بنى،اخبرنى عن دراستك؟"
"لا تشغل بالك والدى كل شيئ على ما يرام تماماً،
وسأحصل على لقب دكتور،وسيطلقونه أهل البلدة
علىّ خلال عامين،وسأكون المفضل لديهم ايضاً
لأننى دكتور اكتب وصفات وأدوية وأُشخص
أمراضهم"أجاب سيف ضاحكاً فهو ابداً لم ينسي تساؤل بعض أهل البلدة عن مصدر لقب دكتور الذى حصل عليه والده بينما هو لا يستطيع ان يصف لهم دواء للكحة أو الضغط.
"أتسخر من اهل بلدتك أيها الطبيب!!"أجابه والده.
بإستهجان.
"أقسم أننى لا أفعل،إنها فقط مزحة يا دكتور،هل
ستحضر بالعطلة القادمة أم ستخلف وعدك معى؟"
"منذ متى خلف على القاضى كلمته يا أحمق!"أجاب
ولده بإبتسامة طفيفة.
"لم يحدث ابداً يا دكتور"
"إذن سأكون عندك بأنجلترا بالعطلة القادمة"
"إننى أنتظرك منذ الآن والدى،لقد اشتقت لك كثيراً..
آآه بالمناسبة أخبرنى ماهر أن زواج عمى عبد الرحيم
لم يتم وكان سعيداً للغاية،ألا تفكر أنت ايضاً بالزواج يا دكتور؟!"
"يبدو أنك لديك وقت فراغ كبير في انجلترا يجعل
عقلك ينشغل بخيالات لا تفيد،من الأفضل ان تهتم
بدراستك بدلاً من ذلك"أجاب والده بحزم ثم أضاف
على الفور:"يجب أن أغلق الآن فلدىّ موعد"
حينما أنهى على إتصاله مع ولده طلب من السكرتير
أن يسمح للدكتورة زينة بالدخول..
دلفت إلى مكتبه إمرأة ممشوقة القوام،جميلة،بالكاد يستطيع أن يقيم عمرها بأنها بآواخر الثلاثينات أو
منتصفها على عكس ما يشير إليه ملف أوراقها الذى يؤكد أنها بالأربعين من العمر..تقدمت بخطوات
رشيقة ترتدى بدلة نسائية باللون الأسود وقميصاً
أرجوانى وترفع شعرها لأعلى بكعكة صارمة بدت
أكبر من المعتاد بطريقة ملفتة للنظر عن كل ما رآه
من قبل خلال سنوات عمره....وقف ثم انحنى قليلا
وقدم يده لمصافحتها فامتدت يدها لتصافحه..
"مرحباً بك دكتورة زينة بالقسم،أتمنى أن تكون تجربة عملك معنا جيدة"
"انا ايضاً أتمنى هذا"أجابته بحزم وثقة فهى أصرت
على جعل تعاقدها لعام واحد حتى لا تلتزم بمكان لمدة طويلة بدون أن تكون قد شعرت بالإرتياح به.
"للحقيقة الدكتور الذى ستحلين محله سيكون آخر
يوم له بالقسم اليوم،لذا فمخاضراتك ستبدأ من الغد،
بالطبع نحن نأسف لأننا لم نمنحك عدة أيام لتستقري ولكن الدكتور فاروق يجب أن يسافر"
"لا أرى أى مانع في ذلك على العكس كلما بدأت
العمل بسرعة كلما تأقلمت على أجواء الجامعة"
أجابته بجدية وظهر مستقيم مشدود وملامح بالرغم من. رقتها وجمالها إلا أنها جادة،متزنة.
"إذن،فجدول المحاضرات سيكون بمكتبك قبل نهاية
اليوم"
تبدلا الحديث لمدة قصيرة لم تتجاوز العشرة دقائق
حول منهج التدريس المعتمد بالجامعة للسنوات
الدراسية المختلفة ثم وقفت زينة استعداداً للذهاب
بينما مازال الدكتور على يحدق بها عاقداً حاجبيه
وأخيراً قال عندما قدمت له يدها لتصافحه بنهاية
لقائهما:"هل التقينا من قبل؟"
جذبت يدها بأدب من يده ثم إبتسمت بإعتدال:"ربما،
لكن حتى إن حدث هذا فأنا لا أتذكر"
التفتت مغادرة وهى تعتصر عقلها فهى لديها نفس الشعور بأنها رأته من قبل ولكنها لا تتذكر أين،بالرغم من ذاكرتها التي تمتاز بالدقة.
***********
لا تتوقف الحياه بل تستمر مهما كانت قسوة الفقد ولكن ما هى إلا أيام وينفض الجمع ويرحل غفير
المواسين تاركين القلب منفطراً حزناً وآلماً،عائدين
إلى فكىّ الحياة الطاحنة واللهاث خلف الإحتياجات،
الفارق الوحيد بين الجميع هو تفاوت تلك
الإحتياجات..كذلك كانت هى بعد أن انفض الجمع
ومر أكثر من أربعين يوم وعاد الجميع لطاحونة الحياة وبالكاد تذكروا تلك القابعة بزاوية المنزل على آريكة قديمة خشبية هى فراشها الذى تأوى به ليلاً
وملاذها نهاراً بالرغم أن ذلك الملاذ لم يكن يرحم
جسدها من نظرات رافع النهمة الشهوانية.. دموعها تنهمر بلا توقف وكأنها نهراً فاض، قلبها ينتحب
حسرة على الحبيب والسند وعقلها يعانى القهر
وقلة الحيلة بعد أن ضاعت الأحلام.
"إلى متى سوف تظلين جالسة تنوحين كالبومة؟مر
أكثر من أربعة آحاد وأنتِ قابعة بمكانك بدون ان
تذهبي للسوق،هل تعتقدين أننى سأنفق عليكِ وعلى والدتك،يميناً بطلاق والدتك لو لم تنزلى السوق بعد
غد لأكسر رقبتك"
صرخ رافع وهو يقف أمام آريكتها فرفعت وجهها
تنظر إليه بشرود ودموع تحفر مجراها على وجنتيها
كما تحفر آثارها بروحها المهزومة فأومأت له
بإستسلام فليس لديها طاقة حتى لتحرك شفتيها
وتجيب.
"ألن تتنازلى وتجيبِ علىّ،أم أنكِ تتمادين بقلة تهذيبك تحججاً بالحزن"
أمسك برسغها بقوة ودفعها نحو الجدار من خلفها
فارتطمت به وارتجف جسدها آلماً لكن اياً كان الألم فلم يوازى شيئاً من آلام الروح لذا فقد كتمت آنينها وحشدت ما تستطيع من قوة لتهمس:"حاضر"
"إنها لن تخالف كلمتك يا رافع فمنذ الفجر سأبدأ
بتجهيز وخَبْز ما ستحمله صبا للسوق يوم الأحد،بالله عليك اتركها وشأنها الآن"
تمتمت والدتها وهى تربت على كتفه بمداهنة
محاولة أن تبعده عن إبنتها التي أصبحت تبدو شاحبة باهتة،غابت لمعة عينيها وغابت القوة والعزم التي
ترتسم بملامح وجهها والتى طالما حسدتها عليها وتساءلت من أين لها بها،ولكن الآن فقط أدركت أن
قوة ابنتها وسندها رحل.
"ماذا يا إمرأة هل اصبحتِ انتِ وابنتك جبهة ضدى؟أم تشفقين عليها؟فلتدعى الله ألا يكون خلف بكاءها
هذا عار ما بعده عار،وتكون ابنتك سلمت نفسها لإبن عمها"
التفت إلى زوجته بوجه غاضب ناقم يشتعل بالحقد
والعجز فهذه لم تكن زيجته الأولى لكن بدون فائدة. لم يُنجب ابداً ولداً او حتى فتاة من صلبه،ولم يكن
يستطيع إلقاء العيب على زوجته فهى لديها إبنتان.
"إياك وأن تلوث أسم أحمد بإفتراءتك تلك،فهو أكثر طهراً من أن يعيش بهذه الدنيا لذا تركها وترككم...
وتركنى ورحل"هتفت صبا بكلمات مرتجفة لا تعرف
من أين آتت بالقوة لتتفوه بها ثم شهقت بقوة
وعادت لتنتحب بشهقة.
فالتفت نحوها غاضباً وانهال عليها بقبضة يده
يضربها بكل مكان تصل إليه بينما انحنت وهى تصرخ ورفعت ذراعيها تحتمى بهما لتستقبل ضرباته على
ظهرها فتسللت يده إلى صدرها يقبض على نهدها
وكأنه يمسك بتلابيب جلبابها فرفعت جسدها بسرعة تدفع يده بكل ما آتاها من قوة هزيلة وهى تصرخ
بقهر ورثاء تَلطُم وجنتيها بقوة:
"يا ابو جالبيه والخط جار اخوه يا خسارة زينك يا سيد
الشباب وفى التراب حطوه"
"أمانة عليك يا قبر ..تضم الزين بحنو..أمانة عليك يا قبر عطيتك الزين يسكن في حشاتك ...وجع القلوب يا قبر ما ليه طبيب ولا دواء ..يا مرارى القاسى ..وَيَا الحِزن
اللى خيم فوق راسى"
تغاضت والدتها عما رأته بعينيها من زوجها
وأمسكت بذراعيه دافعة بجسدها بينه وبين ابنتها
فعاود زوج والدتها التحديق بها بغضب ثم عاود
النظر لوالدتها ببعض الإضطراب من فعلته"أترين
إبنتك تنوح وترثى مثل البومة،هل ينقص هذا المنزل فقراً أكثر من الذى نعيش فيه"!!
"بالله عليك يا رافع،اتركها الآن وهى ستنفذ كل ما
تأمر به،فهى مثل إبنتك وطاعتك واجبة عليها وعلىّ"
زفر بقوة منتشياً من كلمات زوجته ولكن جسده كان
يشتعل برغبة اتقدت من ملامسة جسد الفتاة الغض
فهتف بزوجته:"اتبعينى إلى الفراش الآن"
قبضة من نيران اعتصرت معدة صبا فانطلقت نحو
الحمام تفرغ ما بمعدتها بإشمئزاز واستكانت بالحمام المتهالك على الأرض رافضة العودة لأريكتها حتى لا تستمع لأصواتهما وهما يمارسان علاقتهما الزوجية
بعد أن تحرش بها أمام عين والدتها.
بمنزل بالجوار لا يبتعد كثيراً عن تلك الحزينة
المُستباحة كانت فتاة أخرى تقف أمام مرآة بغرفتها ترقص وتتمايل بخصرها بغنج ودلال على نغمات
اغنية شعبية،إنعكاس جمالها بالمرآة جعلها تنتشي بفخر انثوى،فربما ورثت عن والدتها فضيحة هروبها من زوجها وابنتها في ظلمة الليل ولكن هذه الإبنة
ورثت ايضا جمال والدتها بشعرها الأسود كظلمة ليل بدون قمر وعينين ينافسان العقيق الأسود في
بريقهما المثير،جسداً نحيلاً كما ينبغى ذو انحناءات واضحة مثالية تماماً...واصلت رقصها وتمايلها وهى
ترفع شعرها لتعود وتتركه ينسدل كشلال اسود بينما تتساءل مما صُنع هذا الرجل!وكيف أستطاع
مقاومتها!لقد شعرت به فهى ليست حمقاء أو
ساذجة لتغفل عن استجابته للحظات حتى كادت
تعتقد انها انقضت على صيدها لكنه هرب من بين
يديها!!
تمايلت بإنحناء أكثر وفجأة توقفت وقد طرأت على
عقلها الحل لمشكلتها فحلت الوشاح من حول
جلبابها وجلست على فراشها لاهثة تحاول أن
تخطط وتضع الإحتمالات لخطتها حتى إبتسمت
إبتسامة متسعة ثم خرجت من باب غرفتها وهى تضع الوشاح حول راسها ثم تلفتت يمنة ويسري وحينما
لم تجد أحد اتجهت إلى غرفة والدها تسترق السمع ولكن لا أحد ايضاً فأدركت أن زوجة والدها معه بمتجر
البقالة ففتحت باب غرفة والدها واتجهت نحو خزانة زوجته تنبش بها حتى وجدت مُرادها صندوق صغير به خاتمين وعدة اساور وقلادة ذهبية فالتقطت أحد
الخواتم ثم اعادت كل شيئ لموضعه واستدارت تنظر نحو الآريكة الخشبية بمكر ودهاء وإبتسامة ساخرة
بينما تقترب منها ثم انحنت راكعة أمامها ترفع
المرتبة القطنية التي تستقر فوقها وحركت قطعة
خشب غير مستقرة وحينما فعلت اتسعت إبتسامتها
أكثر وامتدت اصابعها لتمسك بالأوراق النقدية
المخفية واستولت على بعضاً منها ثم اعادت كل
شيئ لموضعه.
"حمقاء..غبية..لا تعرف أننى رأيتها بينما تخفى المال من والدى،لم تدرك أن أحد يعرف بمداخرتها"
غادرت المنزل بعد أن اخفت غنيمتها واتجهت نحو
متجر البقالة وحينما وصلت:"والدى الخالة روحية
تريد مسحوق القهوة من تلك النوعية التي يفضلها
دكتور على"
"إننى أحضره خصيصاً من اجل الدكتور ولكن لدىّ
واحد منه،وعندما اذهب بعد غد للسوق سأحضر له
المزيد"
أجابها والدها ثم اعتلى سلم خشبي بجانب الأرفف
العالية واحضر العبوة وسلمها لها.
"سأذهب بها إليها"تمتمت ثم ضاقت عينيها وهى
تتلفت بالمتجر.
"أين زوجتك؟لقد اعتقدت أنها هنا معك!!"
"أليست بالمنزل!!"تساءل حمدان بدهشة.
"وهل إذا كانت بالمنزل كنت سألتك!!فلتسألها أين
تذهب كل يوم بينما اعتقدها معك بالمتجر"
ألقت سمومها بنبرة حادة ساخرة ثم غادرت تاركة
والدها من خلفها مع أفكاره السوداء يتبعها وهى
تخطو حتى اختفت من أمام ناظريه،لم يكن ضعف.
والدها أمام زوجته استثناءً فمن قبل كان ضعيفاً مع
والدتها كما تتذكر ببعض الصور الشاحبة لذكريات
طفولتها وهو ايضاً ضعيفاً أمام تجبرها.
سارت نحو المنزل الكبير الذى يشبه أحد الفيلات
التي تراها بالتلفاز وما أن وصلت إلى البوابة.
الحديدية رفعت عبوة مسحوق القهوة للحارس.
"خالتى روحية طلبته،وتريد مقابلتى"
فتح الحارس البوابة فتقدمت نحو الداخل بخطى
متمهلة فهى متيقنة من عدم وجود الدكتور على..
تتأمل المنزل الكبير بينما يراودها حلماً أن تكون سيدته،بل سيدة البلدة كلها حتى تذيقهم ما اذاقوه لها
من ألسنتهم بينما هى طفلة لا حول لها ولا قوة.
"أسعد الله مساءك خالتى"
هتفت وهى تعبر من باب المطبخ الذى يطل على
حديقة المنزل الخلفية التي تحيط بها اشجار
الفاكهة.
"ما الذى جاء بك؟!الدكتور على حذر من دخولك
المنزل والمشتروات اتسلمها منك من البوابة
الحديدية بالخارج وقد التزمتِ بذلك لشهر كامل"
هتفت المرأة بقلق.
"إننى أعرف أن الدكتور ليس بالبلدة،لهذا حضرت
لأننى افتقدت الثرثرة معكِ خالتى ثم أننى وجدت أن هذه آخر عبوة لدى والدى فأحضرتها،وانظرى ايضاً
لم يكن يمكننى أن احتفظ بهذا البخور أكثر من ذلك بدون أن احضره لكِ"
صاحبت عبارتها بأن امتدت يدها الى جيب جلبابها
واخرجت منه عبوة صغيرة من البخور ثم أضافت:"إننى ابتعته من السوق خاصة لك،اعرف إمرأة بالسوق
ولدها يأتى به من مكة"
امسكت المرأة بعبوة البخور بلهفة وهى تستنشق:
"لقد وعدنى الدكتور على أنه سيجعلنى أسافر للعمرة هذا العام"
رسمت غالية على وجهها إبتسامة مبتهجة:"ان شاء
الله خالتى،فلندعو الله أن يُقدرها لكِ"
"ألا تريدين أية مساعدة؟الدكتور على ليس هنا
ويمكننى مساعدتك بترتيب الدار"
أخبرت المرأة الستينية وهى تتمنى أن تمنحها أى
مهام بالطابق العلوى فهذا يتفق تماماً مع خطتها وسيكون بعدها كل شيئ سهل للغاية.
"غرفة دكتور سيف لم يتم تنظيفها منذ أكثر من
أسبوع واتصل اول أمس يخبرنى أنه سيحضر الأسبوع
القادم بزيارة سريعة إذا كنتِ تصرين على المساعدة"
اتسعت إبتسامة حقيقية على وجه الفتاة..إبتسامة
انتصار:"بالتأكيد خالتى،أى غرفة هى؟"
"ثانى غرفة بالممر،حينما تنتهى من تنظيفها سأحضر لكِ الملاءات النظيفة"
قالت المرأة بإرتياح من التفكير بعمل كانت على
وشك القيام به فمرض حفيدها بالحصبة جعل إبنتها تتأخر عن مساعدتها بأعمال المنزل وآخر ما ترغب به هو إحضار إمرأة لتساعدها فربما حينها يري الدكتور
أنها لم تعد قادرة على العمل.
التفتت غالية وهى تتنهد بإنتصار فقد حصلت على
المال اللازم الذى تريده نرجس وها هى على وشك
الحصول على قطعة من ملابس الدكتور على تحمل
عرقه ورائحته..تقدمت نحو الدرج وهرولت صاعدة نحو الغرفة التي من المفترض أن تنظفها وما ان دخلت
حتى إلتوى فمها ثم زفرت بقوة:"إمرأة كسولة،لا
أعرف لما يُبقى عليها وهى لا تستطيع آداء عملها
كما يجب،ستكونين اول شخص ألقى به خارجاً حينما أكون سيدة هذا المنزل"
اغلقت الباب مرة أخرى فعليها الحصول على
مُبتاغها اولاً والتفتت نحو غرفة الدكتور على وهى
تتذكر تأكيد نرجس على أن تكون قطعة الملابس
حاملة لعرقه..تسللت نحو غرفته مغلقة الباب خلفها بهدوء واتجهت نحو المشجب تبحث عن شيئ
مناسب ثم انحنت تستنشق بأنفها الملابس بالطبع
كانت العباءة تحمل رائحته لكنها أكبر كثيراً من أن
تستطيع الخروج بها وبالتأكيد سيلاحظ اختفائها،فكرت بالهبوط للحمام الكبير حيث يمكن ان تكون هناك ملابس متسخة ولكنها اتجهت للحمام الخاص
بغرفته اولاً فهى لن تستسلم بتلك السهولة لقد
أفصحت لنرجس عن أسمه لأنها لم تكن تعرف طريقة لتحصل بها على اسم والدته وتلك المرأة السبعينية
المخيفة يبدو أنها تعرف اسماء أهل البلدة
وتاريخهم كله.
انحنت على سلة الغسيل التي ما أن رأتها حتى تلألأت نظرات عينيها بالفخر لذكائها والتقطت تيشيرت
داخلى من السلة ثم طوته ووضعته اسفل ملابسها
وحينما التفتت كانت مرآة الحوض خلفها فتطلعت
لإنعكاس وجهها بإعجاب يروق لها ما تراه وحينها
لمحت فوق احد الأرفف عطر رجالى وعطر ما بعد
الحلاقة فأمسكت به تستنشقه بقوة هامسة:
"ثري..بل ثري جدا وفوق هذا أنيق ووسيم،صفقة
رابحة يا غالية حتى لو كان ثمنها ثلاثين عاماً فارق
العمر"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي