الفصل الثاني والأربعون

بالأسفل بغرفة المكتب ..

بينما كان يعمل "ماسيمو" على حاسوبه بتركيز تام انير هاتفه تزامنا مع صوت اهتزازه فوق سطح المكتب - لتفعيله وضعية الصامت - معلنا عن تلقيه رسالة من أحدهم.

وجه نظره له لجزء من الثانية و هو يلتقط بيد و اليد الأخرى يعمل بها على حاسوبه، بعدما انهى ما يفعله قام بفتحه ليجدها رسالة من رقم غير مسجل فتحها على الفور و لكن دون ارتياب نهائيا حول الأمر.

لينتفض و هو جالس عندما رأى فحوى تلك الرسالة و التي لم تكن كلمات مكتوبة بل كانت صورة التقطها "مارتن" له و هو نائم بجانب "استريد" على فراشها و لكن قبل أن يطرأ لفكره أي أمر خاطئ أتى بذهنه ما قرأه بدفتره، ليمعن النظر بتلك الصورة و قد احتدمت تعابيره بغضب خالص.

لم يكن من الصعب عليه ملاحظة أن "استريد" بتلك الصورة كانت أصغر سنا كما أن ملامحها معبرة عن استغراقها في النوم ليست مغمضة العينين فحسب

تطرق لذهنه سريعا ما يخطط له ذلك البغيض و الذي لن يكون سوى رغبة دونية منه في التفرقة بينهما، يريده أن يشك بها و بوجود علاقة تجمعها به و يتشاجر معها و تؤول بينهما الأمور للطلاق الذي لا يحلم به فهذا آخر ما قد يفكر به.

فهو لن يتركها بتاتا تضيع من بين يديه أو يجعلها لقمة سائغة لمثل ذلك الكريه، إن كان هو يمني نفسه أن يجعله يبتعد عنها للحظة أو يراها بصورة بشعة مثل تلك التي يحاول أن يجعله يراها بها فهذا لن يهنأ به أبدا و إن فكر مجرد تفكير أن يتعرض لها مجددا لن يبقى أمامه إلا حلا واحدا و لن يتواني في فعله و هو
أن يلقيه حتفه حينها في الحال

كاد "ماسيمو" يبعث له برسالة يتساءل بها عن من بعث بتلك الرسالة رغم تأكده من المرسل، ليجد أن ذلك الرقم أعاق عليه ذلك و حظر رقمه، أغمض عينيه بغضب ثم أغلق حاسوبه بعد أن شعر أنه لن يستطع التركيز فيما يفعله، فرغم معرفته لمخطط ذلك البغيض ألا ان مجرد رؤية صورة كتلك أشعرته بغليان دمائه

نهض عن مقعده آخذا مجازه نحو غرفته يعلم أنه لن يجافيه النوم تلك الليلة فما رآه كافيا بجعل رأسه تُهشم من كثرة التفكير و تخيُل تلك الصورة التي لا تنفك ترسم أمام مرأى بصره ممذ رآها

دلف الغرفة دون استئذان ليجد "نيا" جالسة رفقة "استريد" و التي يبدو عليها أنها كانت تتحدث إلى "استريد" حول أمر ما و توقفت عند دلوفه، لم يشغل باله بالأمر و توجه نحو غرفة الثياب بهيئته السامقة دون التفوه ببنت شفة مما جعل "استريد" تشعر بالقليل من القلق حياله

نهضت "نيا" عن جلستها و حدقت بالأخرى بنظرات امتنان لانصاتها إليها و عدم إشعارها بالحرج أو جعلها تحس أنها ارتكبت فعلة شنيعة و استقبالها لكلماتها بهدوء بل و التعليق عليها بحكمة و كلماتها اراحتها كثيرا، ثم أردفت بصوت هادئ و ابتسامة صغيرة :

- حسنا إذا، سنكمل كلامنا في وقت لاحق، تصبحان على خير

بادلتها "استريد" ابتسامتها بعدما نهضت هي الأخرى و أردف بود :

- و انت بخير نيا

تابعتها بنظراتها حتى غادرت لتنتبه حينها لخروج "ماسيمو" من غرفة الثيابه بعدما بدل ثيابه و الظاهر عليه الوجوم بدرجة كبيرة، استرابت قليلا من أن يكون استمع لما كانت تقوله "نيا" و لكنها نفضت ذلك التفكير عن رأسها فصوتها لم يكن مرتفع بالإضافة إلى أنها صمتت عند دلوفه

تقدمت "استريد" نحوه بخطوات متهادية و هي تراه يعبث في هاتفه و هو واقف أمام الكومود بجانب الفراش، و تكلمت بصوت ناعم متسائلة :

- ماذا بك ؟

استمر "ماسيمو" فيما يفعله بهاتفه و لم يستدر إليه و هو يعقب على تساؤلها مستفسرا بوجوم :

- ماذا بي !

لم يرِد "ماسيمو" أن تلاحظ تشنج وجهه و احتدام نظراته بذلك الغضب المكتوم بداخله، و لكنها نتيجة لذلك شعرت "استريد" بالخوف من تبدل معاملته معها و اطنبت في التساؤل بصوت يظهر عليها تخوفها بعض الشيء :

- شكلك مزعوج من شيء

رغم ملاحظته للتغير الذي طرأ بصوتها و هذا يعني أنها شعرت بغرابة صوته و لكن رؤية قسمات وجهه المهيبة الآن ستشعرها بوجود خطب ما و هو لا يريدها أن تكتشف الأمر، لذا رد عليها "ماسيمو" بإيجاز موجز حاول أن تخرج نبرته عادية :

- ابدا لست مزعوجا من شيء نهائيا.

استدارت "استريد" بجسدها و هي تشعر بالحزن من ردوده الموجزة و الفاترة بل و عدم نظره إليه و هو يتحدث مما اشعرها أيضا بالحرج و جعلها تظن أنها تفرض نفسها عليه

بينما هو لم يكن بحاجة للتأكد من أنه دفع بداخلها القلق من ردوده الموجزة الواجمة، و هو لا يريد أن يتسبب نهائيا في إجزانها بسبب ذنب لم تكترفه، لذا استدار هو الآخر و أخذ عدة خطوات أخذتها هي نحو شرفة، و قبض برفق على ذراعها و أدارها إليه

ليرى حينها عينيها تتحاشى النظر إليه بل و تعبيراتها أظهرت حزنا سب نفسه بداخله على التسبب به، فهو لم يرِدها أن تلاحظ تبدل هيئته فحسب و لكن يبدو أن ردوده الجافة قليلا احزنتها و اشعرتها بأنه لا يريد التحدث إليها

رفع "ماسيمو" ذقنها إليه و نظر لها مليا لبضع ثوانٍ ثم انحنى عليها ملتقطا شفتيها بقلبة ناعمة، فرقها بانفتسا تثاقلت قليلا و غمغم قائلا بهدوء :

-رأسي تؤلمني قليلا من العمل.

لانت ملامح "استريد" قليلا و اندفعت حمرة نضره لوجهها و قالت و هي تنظر له بصوت خفيض إثرا لتأثرها بتلك القبلة :

- أأجلب لك مسكنا للصداع ؟

هز "ماسيمو" رأسه مومئا لها بالسلب بخفة و ردد بهمس دافئ :

-تعالي لننم الحين و الوجع سيخبو بالتأكيد عندما ارتاح من إرهاق العمل.

هزت "استريد" رأسها بالإيجاب و توجها نحو الفراش، دثرا جسداهما بالغطاء، لتنظر هي له بعدما استويا على الفراش لتجده ناظرا للسقف غير عابئا بها و لم يجذبها لأحضانها كعادته الأيام السابقة، و لم يتودد حتى بقليل كن الكلمات التي لا ينفك يخبرها بها، مما أشعرها بخوف من ذلك التغير الذي حدث بقليل من الوقت، فهو قبل هبوطه لمكتبه لم يكن على تلك الحالة، فما الذي حدث إذا بدل هيئته و جعله واجما شارا هكذا ؟

سحبت هي نفسا لرئتيها و زفرته سريعا و هي تشعر بالقليل من الإختناق اعترى صدرها، استدارت نائمة على جانبها معطية لها ظهرها تخشى أن تخونها عبراتها الآن و هي لا تريد له أن يراه تبكي لكي لا يشعر بالاستياء من بكائها الذي لا تتحكم به

التف "ماسيمو" برأسه لها بعدما لاحظ استدارتها،أغمض عينيه محاولا كبح جماح غضبه الذي اندفع بعروقه، فهو ليس لديه سلطان على تعبيراته و لا النيران التي نشبت بداخله، و لكن أيا كان ما يعتريه لا يريد لها أن تتأثر به

اقترب هو بجسده منها و أحاط خصرها مقربا إياها إليه و أغمض عينيه و هو يشتم مطولا رائحة شعرها المخدر له، ثم قبل رأسها من الخلف و دنا بوجهه من أذنها و أخبرها بتنهيدة حارة و صوت يحمل مشاعر عميقة :

-أنا أحبك

و كأنه بتلك الطريقة الناعمة الرقيقة و الدافئة يطمئنها و بالطبع اشرق وجهها لما قاله و ابتسمت و عينيها تكومت بها الدموع رغما عنها و اغمضت عينيها بقليل من الارتياح، بينما هو ظل فاتح العينين ينظر للفراغ بنظرة متوعدة فهو سيجله يدفع ثمن تلك الثورة بداخله و هيجان دمائه لا محالة

¤¤¤¤¤¤

دلفت "استريد" غرفة المكتب عندما علمت من العاملة بوجود "ماسيمو" بالداخل منذ عودته من العمل، تعجبت عندما وجدته شاردا بنظراته في الفراغ أمامه، لم يشعر حتى بدلوفها و قد أصبحت بجانبه، تبدل حالته تلك لا تريحها، تخشى بداخلها أن يكون سبب ذلك التغير هو سئمه منها فهي احيانا تشعر أنها مصدر ملل للمحيطين بها، لشخصيتها الهادئة و البعيدة كل البعد عن الحماسية التي تسعى للتجديد و التغيير الذي يضفي طابع إيجابي علي من حولها

دنت هي منه أكثر و يظهر على ملامحها التخوف من تلك الهواجس التي استبدت بفكرها مثل العديد غيرها، هتفت باسمه بصوت هادئ :

- ماسيمو

فاق هو من شروده على صوتها الذي تفاجأ من قربه، رفع عينيه ناحية الصوت ليجدها بجانبه مباشرة، حمحم و هو يعتدل بجلسته و أردف مستفهما :

- ماذا يوجد حبيبتي

زمت "استريد" شفتيها بتردد بالغ من التحدث إليه و لكن لن تستطيع تحمل أفكارها السيئة للغاية التي تدور بذهنها حوله، لتتساءل مباشرة دون مقدمات بصوت طابع عليه الحزن :

- ماذا حدث ماسيمو ؟

زوى "ماسيمو" ما بين حاجبيه باستغراب و نهض عن مقعده و وقف قبالتها ثم ردد ما قالته بعدم فهم :

- ماذا حدث حول ماذا !

رمشت "استريد" بأهدابها بتوتر و طرقت برأسها لأسفل فهي لم ترتب مسبقا أي عبارات تبدأ بها الحديث و لا تدري حتى كيف تصوغ له أن حالته متغيرة منذ يومين، بدأت في النطق بعد برهة من الصمت آثارت تعجبه مع ذلك التوتر الذي لا يعلم مصدره متلعثمة :

- أقصد .. اتحدث عن .. لا عليك لا يوجد شيء .

كادت هي تستدير لتغادر بعدما أردفت بالآخير فهي لم تستطع النبس ببنت شفة و هو مسلط نظراته عليها هكذا، بينما حال دون تحركها قبض "ماسيمو" على ساعدها موقفا إياها و هو يقول :

- انتظري إلى أين انتِ ذاهبة ؟

جاوبته "استريد" دون أن تلتفت له بنبرة استطاع أن يستشف منها عدم الصدق :

- هأصعد إلى غرفتي لأذاكر.

تحرك هو خطوتين ليصبح أمامها و تكلم باستفسار يحمل القليل من الاستنكار لما تفوهت به و لكن بنبرة لينة معقبا على ما قالته :

- أهذه ستكون حجتك فيما بعد عندما تودي أن تتهربي من الكلام معي !

تفقدت "استريد" ملامحه لثانية قبل أن تحيد بنظرها عنه و هي ترد عليه بقليل من العبوس :

- انا لا اتهرب، انا فقط أشعر أنه يوجد شيء خاطئ.

على الرغم من معرفة "ماسيمو" أنه سيء المزاج منذ تلك الصورة التي بُعثت له و واجما أغلب الوقت و لكن ما تفوهت به استغربه و لم يتوصل للمعنى الضمني من تلك العبارة، ليغمغم مستفسرا :

- شيء خاطئ حيال ماذا ؟

تفقدته هي لوهلة قبل أن تتساءل بما تضمره بنفسها متجاهلة بشكل وقتي إجابة سؤاله :

- هل أنت ملل مني ؟

رفع "ماسيمو" حاجبيه مقطبا جبينه باستغراب هائل لتساؤلها المباغت و الذي لم يُخيل لها للحظة أن يشعر تجاهها بشيء من ذلك القبيل، فعاطفته ثائرة نحوها طوال الوقت راغبا ببقائه أمام رماديتيه يتفقدهما فحسب، كيف تفكر بشيء كذلك إذا ؟، اتقبس ما قالته مرددا إياه بدهشة قائلا :

- مللت منك !، ما الذي حدث أوحى لك بذلك و جعلك تفكرين بالأمر ؟

تنهدت هي بضيق طفيف و زمت شفتيها لعدة ثوانٍ ثم ردت بكلمات موضحة سبب تساؤلها على دفعة واحدة بنبرة مختنقة قليلا :

- أشعر ان حالك متبدل منذ يومين، تتحدث قليلا، لا تجلس معي، و لا تت...

لم يدعها "ماسيمو" تكمل باقي كلماتها لانحنائه ملتقطا شفتيها بقبلة عميقة محاولا بها إبعاد تلك الهواجس التي تراودها، ابتعد بعدما شعر بدفعة يديها فوق صدرها لاحتياجها للهواء، لهثا هما الاثنين بقوة بانفاس متلاحقة، و بينما كانت هي ناظرة لأسفل تحاول ضبط نفيها كان هو يتابعها بنظرات حالمة لأبعد حد، ثم بدأ بالتحدث مجبرا رماديتيها للنظر له و هو يقول بنبرة متحشرجة إثرا لقبلته و انفاسه التي لم تهدأ بعد :

- أنا مزاجي سيء قليلا، يوجد مشكلة في العمل شاغلة حيز كبير من تفكيري، الامر ليس له علاقة بك و بعمري ما أمل منك، و لا اريدك ان تفكري في مثل تلك الهواجس الخاطئة مرة أخرى

لم يرِد "ماسيمو" لها أن تعرف بأمر الصور الذي يؤرق عليه تفكيره كلما يرتسم بذهنه هيئة ذلك البغيض و هو ملتصق بها بطريقة حميمية تجعل الدماء تغلي بعروقه، لذا اختلق تلك الحجة لكي لا يجعل تلك أفكارها تستبد بعقلها، بينما هي اعتلي وجهها بعض القلق و أردفت بخفوت :

- أنا فقط أخاف أن ..

وضع "ماسيمو" يده على شفتيها مانعا إياها من المتابعة و هو يتأتئ معترضا على تخوفها الدائم بقربه و تحدث بنهي دافئ :

- لا تخافي و أنا معك عزيزتي

دعمه الدائم لها أكثر ما يجعلها تشعر بالراحة العارمة معه، يذكره بدرجة كبيرة بكلمات والدها لها و الذي حقا أضحت تشعر أنه يعوضها إلى حد كبير عن غيابه

تفقدته لعدة ثوانٍ قبل أن تتساءل بشيء من الشك رغم تأكدها من احساسها نحو كل ما يتغدق عليها به من مشاعر تملكت من وجدانها قلبا و قالبا :

- انت تحبني حقا أليس كذلك ؟

احتوى "ماسيمو" وجهها بين يديه بلمسه رقيقة و تساءل بتوجس و هو ينظر بداخل رماديتيها الليتين غامتا خلف حزن لا يدرى إلى متى سيظل عالقة بداخله :

- ألا تشعرين بذلك أم ماذا ؟

وضحت تعابيرها عن تخبط هائل بها و الذي ود للحظة أن يدخلها بقلبه لترى كيف أصبح ملكا لها وحدها دونا عن نساء العالمين، لكي يطمئن قلبها هي، فهو رغم توغله بعالم النساء و عمره الذي يتخطى عمرها بثلاثة عشر عاما لم يتعلق بغيرها مطلقا و لم تستطع أي واحدة أن تجعل قلبه يخفق لها مثلما يخفق الآن بقربها، لقد أتت هي ذات العشرون عاما و قلبت حياته و كيانه رأسا على عقب، كيف لها أن تشك للحظة بوجده و هو الذي لم يكن يوما يتهافت على امرأة يتحرق شوقا الآن لقبلة منها و ابتسامة تجعل ليومه مذاقا آخر

تكلمت هي بعد القليل من الثواني التي لم تتخطَ الدقيقة، و كأنها كانت تجمع شتاتها و الكلمات برأسها و التي خرجت منها العبارات بتسلسل يحمل الأسى المتشبعة به نبرتها :

- أنا احيانا أشعر أن وجودك في حياتي سيكون فترة فقط و ستبعد بعدها، أجل لم يمر علينا الكثير من الوقت معا، و أجل أيضا لو كانت واحدة غيري في موضعي لكانت ظلت متخذة موقف تجنبي من الذي حدث في أول زواجنا، لكن أنا.. لا يوجد أحد في حياتي، لذلك السبب تعلقت بك و سامحتك عن ما بدر منك، و سيكون من الصعب علي كثيرا إذا تركتني و عدت حينها بمفردي مرة أخرى

ألمه قلبه كثيرا لتلك الأحاسيس بالغة الوطأة على روحها التي تساورها و ترهق تفكيرها، و مع رؤيته لعبرة بدأت بالتسلل من عينيها آخذة الطريق إلى وجنتيها حتى قام بسحبها دون تفكير لأحضانه ضامما إياها إليه بقوة، متمنيا أن يحمل عنها تلك الأحزان المتربعة قلبها و التي تجعلها تخشى الوحدة بعدما عثرت على ضالتها التي آنارت لها ظلام حياتها البائسة بكل ما تحمله من عتمة حالمة و المؤسف أن المتسبب بها الأقربون لها

همس "ماسيمو" بجانب أذنها بكلمات خرجت من بين جنبات قلبه محاولا بث الطمأمينة لقلبها و انتشال تلك الأحاسيس التي ليس لها أساس من الصحة و لا وجود لها بداخله :

- آخر ما قد أفكر فيه و آخر ما قد يحدث هو أن أتركك، استريد أنا الذي كنت بمفردي من دونك، فأنتِ من وقت دخلتِ حياتي و كل شيء تبدل للأحسن فيها، حتى أنا نفسي أتغير لأجلك، لأجل أن استحق واحدة مثلك تظل في حياتي، لأجل ألا أرى تلك الدموع في عينيك حبيبتي.

كانت يديه تجوب ظهرها و هو يقربها إليه أكثر و يدفن وجهه بعنقها مستنشقا رائحتها و ملثما إياه عدة قبل، بينما كانت هي موصدة العينين واضعة رأسه فوق كتفه شاعرة بانتشاء بالغ يسري بعروقها و رجفات تسري على طول عمودها الفقري مع تخلل وجدانها مشاعر حسية لم تحتس بها سوى بين يديه الخبيرتين اللذين يعرفان كيف يصلان بها بلمساتهما لعنان السماء

تكلمت "استريد" بنبرة خفيضة متحشرجة متأثرة بفيض المشاعر الذي انطلقت بوجدانها و هي قابضة على قميصه من الخلف بيديها لكي تزيد من ضمة جسدها له :

- الاحساس الذي أشعر به و انا رفقتك بعمري ما شعرت به جوار أحد

همس "ماسيمو" بعاطفة قوية تمكنت منه و هو يفرق عناقهما ليتمكن من رؤية ملامحها و عينيها و هي تخبره بإحساسها معه :

-بماذا تشعرين أستريد ؟

حدقت "استريد" بملامحه التي باتت تعشق النظر لها و دفعت بخجلها عرض الحائط و تمتمت بصوت ناعم باعتراف يتوق لسماعه من بين شفتيها من فترة ليست بوجيزة :

-أشعر بأني أحبك.

تهدجت انفاس "ماسيمو" مع اعترافها و إذعانها بحبه و لم يشعر بنفسه و هو يجذب رأسها إليه مقبلا ثغرها - الذي نطق بتلك الكلمة - بعمق و شغف فقد دفعت بمنتهى التلقائية بداخله رغبة عارمة بأن يحظى بلحظات شغوفة معها نافضا عن ذهنه ذلك الغضب الذي جعله يبتعد عن التنعم بتيار حبهما الجارف الذي يشعره بسعادة و انتشاء عارمين، بينما هي كانت تبادله بنفس شغفه الذي جعله يفقد عقله و يتذوق لذة محببة مذيبة غضبه و هواجسها، مستجيبين بكامل حواسهما لتأثير حبهم .

يُتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي