الفصل الرابع عشر

عادت لواقعها مجددا على صوت نعمت التى بالفعل لم تتوقف بل أكملت أسئلتها التدريجية حين سألت: و عندك كام سنه بقا .

حاولت تمارا التحدث مع ابتسامه حلوه تجيب: ٢٢.

اغمضت عينيها تتمنى لو تتوقف ، هى حقا لا إجابه حاضرة لديها للسؤال القادم.

لكن ليتنا نستطيع تحقيق كل ما نتمناه ، ف بالفعل إستمرت نعمت فى سرد سيل أسئلتها التى لن تتوقف حتى يتشبع ذلك الفراغ الفضولى لديها و تشعر بالراحة بعد شعور غير مريح ينغص عليها يومها أن لم تصل و تتعرف على أدق أدق التفاصيل التى تريد معرفتها عن الشخص المقابل لها.

فابتسمت أكثر و أكثر تسأل السؤال التالى مردده: و انتى منين بقا يا قمر؟

تكونت على شفتي تمارا ابتسامة قلق و توتر ، تتذكر قرارها أنه من الضروري جداً ألا يعرف اى شخص مهما كان من هو قصتها ، يجب ان تظل متحفظه مترقبه ، قصتها ليست بتلك الروعه كى تقصها على البشر من المارين ذهاباً و إيابا.

إنها فتاه هربت من بيت أهلها و ليست فى بعثه علميه مثلاً.

تعلم تلك النظره التى سينظر لها المجتمع بها وقتها .

لذا حاولت رسم ابتسامه أكثر اتساعا ورددت بإقتضاب: لأ انا مش من هنا.

كانت تسمع دائما انه افضل وسيله للدفاع الهجوم لذا فكرت فى قلب دفة الإجابه لتكون هى المبادر و تسأل .

فتتحدث سريعاً و هى ترى نعمت على وشك طرح السؤال الذي يليه تسأل من أى مكان او أى بلد هى ولما تركت قريتها و أهلها و لما تعمل من الأساس.

قامت بطرح سؤال سريع مردده: وانتى منين؟

طرح السؤال كان له أثر الإلهاء لنعمت التى اندمجت بالحديث ، فهى تحب الثرثره كثيرا و التعامل و التعرف على شخصيات جديده و تعتبر شخصية إجتماعية من الدرجة الأولى.

فأخذت نفس عميق تجيب على سؤال تمارا مردده: أنا ياستى أصلاً من الجيزه ، من بولاق ابو العلا.

بللت شفتيها تشيح بيدها بنداب و عويل مردده: بس هنقول الشقى مكتوب علينا من صغرنا.

نظرت على تمارا تردد: بالك انتى أنا بشتغل من عمر ١٥ سنه .

ذهلت تمارا و انفرجت شفتيها كعلامه على ذلك ، فابتسمت نعمت بألم ثم رددت: اي و الله ، امى اتجوزت بعد موت ابويا بكام شهر ، و جابتلى جوز أم .

لمعت عيناها بالدمع الذى حاولت كبته بكل قوتها لكن صوته كان جلى على صوتها و هى تكمل بحزن و أسى: كفر أيمانى .

أشاحت بوجهها وشردت فى أحداث مؤلمه من زمن فات تردد متذكره كأنه حدث بالأمس: كنت لسه عيله صغيره و مافمش ، بس عمرى ما حبيته و لا ارتحت لوجوده مكان ابويا فى البيت.

ضحكت بألم تهز رأسها ساخره ثم أردفت مكمله: و هو الصراحه ماقصرش ، كان بيعاملنى اسوء معامله ، و يبصلى فى كل لقمه ، كان كل حاجه بمعاد ، الأكل بمعاد و الفرجه على التلفزيون بمعاد ، حتى يا مؤمنه بمعاد .

عاودت النظر لها ثم قالت وقد استحالة نبرة صوتها للشجن المتخضم من مشاعرها و ذكرياتها الحزينه : و لما كنت اروح اشتكى لأمى كانت تقولى ماهو راجل البيت و لازم يمشيه على كيفه .

سحبت نفس عميق تحبس معه دموعها ثم قالت و هى تبحث عن منديل ورقي تجفف به دموعها و تمسح أنفها ثم إكملت من جديد: كنت أقولها ياما ، ياما ده بيعد عليا اللقم.

ضحكت بسخرية وألم تحت أنظار تمارا المصدومه و هى تسمعها تكمل : كانت تقولى ما انتى بردو بتاكلى كتير ، و هو خايف عليكى لا تتخنى ، ابقى خفى شويه فى الأكل.

رفعت رأسها كأنها تناجى السماء ثم أكملت: و ختمت بقا بأنه بقا عايز يخرجنى من العلام ، بيقول مصاريفه كتير و على الفاضي.

التوى ثغرها بابتسامة ساخره مستهزؤه و هى تكمل: أتاريه جايبلى عريس أكبر منه ، عنده ورشة خراطه و هيدفعلوا فيا عشرين الف جنيه.

رفعت رأسها لتمارا تردد: تخيلى !

ارتفعت ضحكاتها تردد بسخربه لاذعه: و النبى أنا ما زعلت من عمايله و لا من أنه عايز يجوزنى لراجل عجوز ، أد ما زعلت انه باعنى رخيص كده ، أصلى شايفه تمنى أكبر من كده.

صمتت تسحب نفس عالى من أنفها تفرك أصابعها ببعض كعلامه على التوتر و تشنج الأعصاب بعدما تدفق على عقلها سيل من الذكريات غير المرغوب بها .

أبتلعت رمقها ثم قالت: بس انا بقا رفضت و صممت على رأيى عارفه قالى إيه؟

كانت تمارا تنظر عليها بأعين حمراء مترقبه ، متعاطفه و مندمجه جدا مع قصتها ، تهز رأسها بإلحاح ز إنصات تام تحسها على أن تكمل ما كانت تقصه و تجيب على سؤالها المطروح.

بالفعل استجابت نعمت لطلب تمارا الغير منطوق و بللت شفتيها تردد بحزن: قالى أنه ومابقاش قادر على مصاريفى و لو أنا مصممه على رأيى و عايزه أرفض العريس ده يبقى خلاص ، أطلع من العلام و أشتغل و أصرف على نفسى.

أشاحت بوجهها بعيد عن تمارا و نظرت أرضاً أسفل قدميها تكمل: و سبت المدرسه فعلاً و خرجت أدور على شغل ، أشغلت كل حاجه و أى حاجة ، بس لاقيته بياخد فلوسى و يصرفها على الهباب الى بيشربه.

صمتت و قد عاود الدمع يترقرق بعيناها تسرد بقية قصتها : أيامها كان فى واحد بيشتغل معايا فى مصنع للمراتب كنت اشتغلت فيه فتره ، و عرض عليا الجواز ، ربك و الحق أنا قولت بسس أخيراً يابت هترتاحى و تتستتى.

اخذت نفس عميق ثم أكملت: ماكنش يعنى الواد اللي هو و لا الى يدخل مزاجى بس أنا قولت يا بت أرضى بنصيبك و قسمتك و أهو ضل راجل ولا ضل حيطه.

رفرفت تمارا بأهدابها تنظر لنعمت متسائله : و بعدين؟!

ضحكت نعمت ضحكه صاخبه عاليه يظهر عليها الألم و الندم الشديد و هى تردد من بين ضحكاتها: وقعت الحيطه عليا.

بهت وجه تمارا تسأل بصدمه: ازاى؟!

أشاحت نعمت بيدها تردد: منت فاكره أنى وههرب ليه من حجيم جوز امى ، طلع انه من ده لده يا قلبى لا تحزن.

شردت عيناها و ذهبت بعيداً حيث سنوات ولت وياليتها لا تعود تردد بنفس الوقت: بعد ما اتحديت امى و المنيل على عينه جوزها و صممت اتجوزوا ، خلانى ساعدته فى كل حاجه و كل جهاز كنت بجيبه للبيت و انا كنت ادوس على نفسى و إقول ماعلش يا بت ، كله يهون نظير انك تتستى و تقعدى فى بيتك و كفايه مرمطه و ذل ولا تبقى تحت رحمة حد و لا حد يبصلك فى اللقمه و لا حد يعمل للحمام مواعيد.

صمتت تغمض عيناها بألم ثم أكملت: أتارينى بخرج من نقره أقع فى ضحضيره.

ضحكت ساخره ثم آردفت: بعد الجواز البيه بقا ياخد منى فلوس و خلانى أصرف على البيت ، ده غير خدمة امه ، انا الى كنت فاتحه البيت و هو مرتبه ما عرفش عنه حاجه...سنه على سنه لاقيت أمه بدأت تسأل عن الخلف و الولاد ، لحد ما جابه العيب منى ،مع أنه كان رافض حتى يحلل و الى على لسانه هو و أمه انه صاخ سليم.

نظرت أرضاً تفرك أصابعها ببعض و هى تكمل: عشت سنتين فى مرار و أنا جايبه كل ما فى جهدى لاجل يرضا و يهدى عليا هو و أمه ، كنت مفكره انه فعلاً عايز يخلف و أن العيب منى ، أتارى البيه عينه على واحده جارته ، مريشه كانت متجوزه واحد كبير و مات و فات لها وراه شئ و شويات ، و كانت عايزه واحد شباب و جته يرجع لها شبابها..

تنهدت بحزن تكمل قص حكايتها الحزينه مردده بهدوء نسبى: فضلوا ورايا لحد ما زهقونى و خلونى اتنازلت عن كل حاجه.. ما هو أصل الهانم الجديدة عايزاه من غير ضره... سبت البيت بشنطة هدومى بس ، قعدت على أول الشارع إلى فيه بيت امى و جوزها أفكر....لو رحت لهم و أنا مطلقه هيعملوا معايا ايه ، وأنا؟! أنا هقدر أعيش العيشه دى من تانى؟!

صمتت ترفع سبابتها تشير على عقلها بتنوير مكمله: فكرت و قولت الله ،مانتى بابت كنتى شغاله و فاتحه بيت لأ و كمان بتصرفى على شحط و امه ، يعنى تقدرى تاخدى بيت ليكى لوحدك و لاحدش يعرف عنك حاجة.

صمتت و هى ترفع انظارها لتمارا التى تستمع لقصتها الحزينه بدموع تنهمر دون قدره منها على التحكم بها و أكملت: أخدت أوضه صغيره على السطوح وقدمت صورة من قسيمة جواز كانت معايا وفهمت الناس انى متجوزه بس جوزى مسافر عشان الغمز و اللمز و كده ...واهى ماشيه.


كانت تمارا مصدومه...صح القول القائل من استمع لبلاء غيره هانت عليه بلاواه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي