الجزء الثاني

زفر بضيق فالأعمال تراكمت عليه كثيرًا طوال فترة زيارته الأخيرة لبلدته فقد طالت كثيرًا بعدما أصر عليه جده ووالده بالمكوث لحضور زفاف شقيقاه ورفضا ذهابه للقاهرة لمتابعة أعماله والعودة مرة أخرى على الزفاف مباشرةً، يعلم جيدًا أنها ليست الإ خطة قد حاكوها جميعًا ضده من أجل أرغامه على الزواج، فعرض العرائس الذي قدمته له والدته جعله يتيقن من ذلك، لكنه استخدم ذكائه وخرج من ذلك الفخ كما تخرج الشعرة من العجين، لأنه لم يجد فيما عرضته عليه والدته من ترغمه على أهدائها قلبه، وبرغم ما سمعه من تأنيب لم يرضخ لرغبتهم فهو على يقين أن هناك من تستحق أن يحتفظ بقلبه بكرًا لأجلها، نفض تلك الأفكار المزعجة وجلس بغرفة مكتبه يراجع أولاً أوراق البريد الإلكتروني المرسلة له في فترة أجازته، فلفت أنتباهه رسالة إلكترونية وهى عبارة عن دعوة مرسله له من أدارة سباق رويال اسكوت الدولي بصحبة فرستة ريحانة والمقام في العاصمة البريطانية لندن، حك ذقنه بتفكير فهى ليست أول مرة يشارك في سباقات دولية لكنها أول مرة يدعى للمشاركة في هذا السباق والذي يعد من أكبر وأضخم السباقات في العالم والمعروف بأسم السباق الملكي لتنافس الأمراء والملوك وكذلك أصحاب الطبقة المخملية على حضوره، رفع سماعة هاتفه يطلب من سكرتيرته الحضور.

- طرقت الباب ثم دخلت: صباح الخير يا مستر يزيد.

- رفع عينيه عن الدعوة ونظر لها يسألها: الدعوة لحضور سباق رويال اسكوت دي جت أمتى؟!..........

- ضيقت عينيها بتفكير: جت تقريبًا من اسبوع أثناء ما كنت حضرتك في البلد.

- هز رأسه بتفكير: سألتيهم عن سبب الدعوة وليه بعتوها دلوقتي بالذات؟!........

- ابتسمت بزهو: طبعًا يا فندم سألتهم عن سبب الدعوة ردوا عليا وقالوا أنهم متابعين مشاركات حضرتك وريحانة من زمان في أي سباق وأن حضرتك بقالك أكتر من عشر سباقات بتكسب المركز الأول، وكمان لما كسبتوا السباق الأخير في دبي دا زاد من شهرتكم العالمية وأنهم يشرفهم أن حضرتك تشارك معاهم السنة دي.

أطرق رأسه بتفكير لثواني ثم سألها: هو المفروض لو هنحضره هيقام بعد شهر، ومدته خمس أيام، يا ترى فيه صفقات مهمة عندي في الوقت ده لو حضرته هتتلغي أو تتأثر بيه.

نظرت بجدول أعماله التي تنظمه على التابلت الخاص بالعمل: والله يا فندم هو زي ما يكون الظروف بتخدم حضرتك وبتساعدك أنك تحضره لأن الصفقة الوحيدة اللي ممكن متمش لو روحته هى صفقة شركة توب بارك ودي اصلا في إنجلترا وبدل ما هما يجوا يمضوا العقود هنا حضرتك ممكن تمضيها هناك.

نقر بقلمه عدة مرات على الأوراق أمامه بتفكير : خلاص جهزي كل حاجة لسفري انا وريحانة وابعتي إيميل لشركة توب بارك أن العقود هتتمضي عندهم وحددي الميعاد بعد السباق، وكمان قبل ما أنسى بلغي أستاذ حسين مصطفى المحامي والمستشار القانوني للمجموعة واستاذ أبراهيم رياض المسؤل عن ريحانة في أي سفرية عشان يجهزوا ورقهم للسفر معايا تمام.

- انتهت من تدوين ما أملاه عليها ثم نظرت له : تمام يا فندم، ودلوقتي حابه أدى حضرتك خلفية عن جدول مواعيد النهاردة، أولاً عندك أجتماع مجلس أدارة كمان ساعة، وبعد كدا أجتماع مع مندوب شركة الألبان الساعة ٢ وأجتماع مع مندوب مصنع اللحوم الساعة ٣ ونص وأجتماع مع مندوب شركة الغلال الساعة ه، وكمان في عشاء عمل بالليل الساعة تسعة مع الوفد الماليزي صاحب شركة H. M عشان صفقة ملابس المحجبات.

- نظر لها بضيق: أنتِ محددة المواعيد دي كلها في يوم واحد أزاي، أنتِ ناسية أن في مواقع لازم اخرج امر عليها.

- خرجت نبرتها مهزوزة بعض الشيئ : انا أسفة يا فندم بس انا محددتش دا كله في يوم طبعًا في مواعيد منهم معادها أوردي النهاردة وفي مواعيد اتأجلت من فترة سفرك للبلد، وملقتش مواعيد ليهم فاضية غير النهاردة غصب عني لأن باقي الأيام زحمة جدًا.

- زفر بضيق فهى ليست مذنبة فكل الذنب يقع على عاتقه هو: خلاص خلاص روحي دلوقتي وقبل كل أجتماع فكريني.

- أمأت بخنوع: حاضر يا فندم بعد أذن حضرتك.

خرجت وتركته كمن يدور في حلقه مفرغة لا الحلقة تنتهي ولا هو يتوقف عن الدوران حتى تنهك قواه.

........................................................................
- أوثمان همام همدان الهلالي و سارة ألكسندر أبراهام
نطقت اسميهما بعدما وضعت صورتهما معًا نصب أعينها وطفقت تتأمل في تقاسيم وجهيهما وتقارن بينهما لتعلم ممن أخذت ملامحها، وجدتها مزيج منهما فوالدها بشرته برونزية ولون عيناه زرقاء ووالدتها بشرتها بيضاء شقراء ولون عينها أخضر.

حدثت نفسها بعدما تواصلت لنتيجة محسومة فهى ورثت من والدتها بياض بشرتها ولون شعرها الذهبي الممزوج بالبني وورثت من أبيها لون عينيه وملامح وجهه، ابتسمت بحنو فدمائهما التي تسري في أوردتها جعلتها تحن لهما وودت لو رأتهما حقيقة أمامها، أخرجت حاسبها الشخصي من جارور مكتبها ورفعت شاشته، أغمضت عينيها وتنفست بعمق ثم نقرت فوق أزراره بأسم والدتها تريد أن تستعلم عن كل شيئ يخصها هى ووالدها، لم يكن هناك الكثير فكل ما كتب عنها أنها كانت تعمل معيدة في كلية الطب بكامبريدج تخصصت في جراحة التجميل ومن المعلومات التي استاقتها عن والدها يبدو أنه الدكتور الجامعي الذي أحب تلميذته وتزوج بها فهو كان مدرسها بكلية الطب بكامبريدج، ولكن المعلومات عنه كانت زاخرة لدرجة جعلتها تعيد قرأتها لأكثر من مرة وهى تشعر بالفخر لكونها خرجت من صلبه، فهو يعد من أشهر جراحي التجميل في بريطانيا في الفترة التي عاش بها هنا وقد نال تكريمات عدة لنجاحه الفائق في عدد من عمليات زراعة وترقيع الأنسجة والتي أجمع معظم أساتذة الطب على حالتها الميؤس منها نظرًا لشدة تضرر وتهتك أنسجتها، كما توصل بمساعدة صديق له بريطاني يعمل طبيب صيدلي لأكتشاف عقار طبي يتكون من عدة مواد عشبية يتم خلطها معًا ثم طحنها ووضعها بجهاز بخار ساخن لوقت محدد ثم استخلاص عصارتها واضافتها لكريم طبي بنسب مقدرة، وبعد تجربته على عدد من المرضى المتطوعين الذين لديهم تشوهات ناتجة عن حروق أو حوادث أو جروح عمليات، وبالفعل بعد تجربته أثبت فاعليته بنسبة ٩٥٪ في تجميل أثار هذه التشوهات دون الحاجة لأجراء جراحات تجميلية مكلفة، ولكن لسوء حظه توفى بعد تسجيل برأة أختراع العقار مباشرةً وقبل أن يتم الأحتفال به وتكريمه عالمياً، وبقى هذا الدواء علامة فارقة في عالم التجميل يحمل الفخر لصناعه لشفائه نسبة كبيرة من مستخدميه، ابتسمت بفخر وهى تتخيله لابد من أنه سيكون أب جيد لها لو كتب له الحياة، بحثت اكثر عنه لتجده يحمل الجنسية البريطانية لكنه ينحدر من أصول مصرية فقد نشأ وترعرع في بلدة تدعى القرنة تابعة لمحافظة الأقصر بصعيد مصر يمتد نسبه لعائلة كبيرة بها تدعى الهلالي لها من النسب والجاه ما يجعل أبنائها يفتخرون كونهم ينتمون إليها، أغلقت شاشة الحاسوب في راحة ثم تمددت بفراشها وهى تمسك بيدها الصورة التي تجمع ابويها نظرت فيها مطولا ثم قبلتها وضمتها لصدرها وغفت بعدها مباشرةً، دخلت جوليان بعد فترة لتطمئن عليها وعندما وجدتها نائمة اقتربت منها تدثرها جيدًا كي لا تبرد، وعندما رفعت يدها لتنزلها تحت الغطاء وقعت الصورة منها أرضًا فأنحنت تلتقطها وتنظر فيها، هزت رأسها بتفهم فمهما حاولت جيسي أظهار عدم مبلاتها أمامهما بشأن والديها الحقيقيان حتى لا تجرح مشاعريهما الإ أن فضولها سيدفعها لمعرفة المزيد عن هوية والديها الحقيقيان حتى تعلم من يكونا لأن من هويتهما ستعلم كل شيئ عن هويتها المفقودة، خرجت لزوجها تخبره عن ضرورة أشباع رغبة صغيرتهما في معرفة كل شيئ يخص عائلتها الحقيقة، فأن كانت أبنتهما تتجلد أمامهما وتدعي الثبات حتى لا تجرح مشاعرهما وهى تبحث عن أصولها الحقيقة فوجب عليهما تقديم يد العون كي يثبتا لها أنها مهما حدث ستظل أبنتهما وسيظلان والدها حتى وأن أختارت الذهاب لعائلتها الحقيقة فذلك لن يؤثر على علاقتهما بها بل سيدعمها في كل قرارتها مهما كانت قاسية عليهما.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي