الجزء الثالث
- مالك يا ولدي قاعد شايل الهم وراكز بيدك وراسك على عكازك أكده ليه وكأن مات ليك عزيز لا قدر الله، دا النهار شقشق وأنت قاعد مدريانش بحاجة واصل.
نطق الشيخ همام بكلماته المتعجبة من حال أبنه الذي يجلس شاردًا هكذا منذ اكثر من ساعة وبالتحديد بعد أن صلى الفجر سويًا.
رفع قاسم رأسه ينظر لوالده الذي جاء عن يمينه ينقر الأرض بعصاه الأبنوسية العتيقة، ثم وقف سريعًا يفسح له المجال لكي يجلس على ذالك المقعد الكبير والذي يشبه مقاعد الملوك لدى المصريين القدماء، أخذ بيده وإجلسه عليه وأنحنى يقبل رأسه بتأدب وطاعة ثم جلس عن يمينه يشكو إليه ما يقلق راحته ويسلب عيناه النوم.
- والله يا بوي ما عارف أقولك أيه؟!!........
- هز الشيخ همام رأسه بتفهم: قول يا ولدي أحكي لأبوك اللي محيرك وشاغل بالك أكده، في مشكلة ومحتار في حكمها ولا يكون ولاد عواد رجعوا يرازوا تاني في أهلنا وعشيرتنا بعد ما عملت أمعاهم الهدنة، ولا حد أتمرد على حكمك ورفضه إياك.
أشار له بيده نافيًا ظنونه: لا يا بوي متخافش أني الحمدلله ماسك الناحية كليتها بقبضة من حديد وزي ما عودتني منامش ولا يغمض ليا جفن وفيه مظلوم غير ما أردله مظلمته ولا ظالم غير ما أرده عن ظلمه كيف ما ربنا عز وجل ورسوله صل الله عليه وسلم أمرونا في محكم التنزيل، والحمدلله الحال ماشي أهنه كيف ما بدك وأكتر كمان.
- ابتسم الشيخ براحة: الحمدلله يا ولدي الذي بنعمته تتم الصالحات، طيب قولي في أيه مكدرك أكده.
نظر قاسم أرضًا بشرود: يزيد يا بوي حاله معجبنيش، شوفت كيف أتهرب منينا في موضوع الجواز وكل عروسة أمه توريهاله يطلع فيها القطط الفاطسة لحد ما فل على مصر ونفذ اللي في دماغه.
ربت والده على فخذه بحنو: متخافش على يزيد يا ولدي يزيد صعيدي هلالي شرب من مية البلدي وكل من خيرها واستحالة يرضا بغيرها بديل.
وقف قاسم بحزن يغلف الشجن صوته: طب ما الغالي الله يرحمه كان صعيدي وهلالي وكل وشرب من خير بلدنا ومع ذلك فرقنا يا بوي من غير راجعة وأني خايف لزمن يعاود من تاني ويحصل اللي حوصل من تاني.
زفر الشيخ همام بقوة: اااااه يا قاسم يا ولدي فكرتني بالغالي وبوجع قلبي ليه، دا أني ما صدقت أنسى ولو هبابة.
أنحنى قاسم على يد والده يقبلها بخجل: حقك علي يا بوي أني مقصدش أقوم عليك المواجع، هو بس الكلام اللي جاب بعضيه واني مخدتش بالي.
- أمأ الشيخ همام متفهمًا: خلاص يا قاسم يا ولدي متشيلش نفسك هم فوق همها، بس أني عايزك تطمن
يزيد ولدك غير عمه عثمان يزيد معندهش استعداد يغير توبه بالعكس دا بيفتخر بيه وبيقدره، على عكس عثمان اللي كان حابب وعنده استعداد يطلع بره توبه يعني بالعربي زي المثل اللي بيقول لن أرتدي جلباب أبي، وكان باين ده من الأول وأني بكبر راسي وعنادي بدل ما أخده بالسياسة وأحببه في توبه وأصله عاندت أمعاه وحبسته أهنه وأفضلت أضغط عليه لغاية ما خليته فل من تحت يدي وضاع وضيع فرحة قلبي بيه، تعرف يا ولدي أني اتواصلت مع القنصل المصري في أنجلترا وطلبت منه يكلم عثمان ويطلب منه ينزل أجازة أشوفه فيها ويبقى يعاود كيف ما يحب، لكن أخوك من خوفه مني أني أكون بخطط أكده عشان أحرمه من حلمه كيف ما عملت في الأول وحبسته أهنه في الدوار رفض وقال له كلام عمري ما هنساه قاله قول لبوي أني هعاود بس وأني محقق حلمي كله هعاود وأني رافع راسي وأثبت لمصر كلها وأبوي أولهم أن عثمان الهلالي مسافرش يتصرمح ولا يتمسخر لاه هو سافر عشان يرفع راسه وراس بلده وراس أبوه لفوق قوي وان شاءالله هخلي الناس كلها تشاور عليا وتقول ده الدكتور عثمان الهلالي فخر مصر.
أبتعد قاسم قليلاً عن والده ثم أحنى رأسه بحزن: الله يرحمه كان طموحه كبير بس ملحقش يحقق منيه حاجة، مات بدري وخد قلوبنا معاه.
وضع الشيخ همام رأسه على يده فوق عصاه بشرود: بس لو كان خلف وساب لينا ذكرى منيه كان ريح قلبي، كنت أعملت مع ولده اللي ملحقتش أعمله معاه.
زفره بقوة مخرجًا لهيب أنفاسه، ثم رفع رأسه لقاسم: المهم سيبك من الكلام في اللي فات معدلوش لازمة عاد، وقولي من غير لف ولا دوران، اللي شاغل بالك موضوع سفر يزيد بريحانة للسباق في أنجلترا صوح.
- أمأ له بقلق: أيوه يا بوي بصراحة أكتر أني بقيت بتشائم منيها البلد الشوم دي وخايف تحلى في عين ولدي وتغويه كيف النداهة وتجرجره في طريق أخرته ندامة.
- اشار له لكي يقترب منه: تعالى يا ولدي اقعد جنبي واسمع مني.
- لبى قاسم رغبة والده وجلس بجواره: أديني قعدت يا بوي، بس قولي بالله عليك وطمن قلبي كيف أنت مطمن على يزيد أكده وأنت بتخاف عليه أكتر مني.
- قهقه الشيخ همام بجذل ثم رفع حاجبه الأيمن بمكر: لأني أني اللي مربي يزيد على يدي مش أنت وعشان أكده معتعرفهشه زيي، مش فاكر لما الغالي مات كان ولدك عنديه في حدود تسع أو عشر سنين، أني وقتها أتعبت ورقدت فترة أهنه لغاية ما شديت حيلي من تاني، في الفترة دي أني قربت فيها من أولادك التلاتة قوي وبالأخص يزيد وزرعت فيهم حب بلدهم وناسهم وخليتهم يفتخروا أنهم من البلدي ولو عايزين ينجحوا ويحققوا ذاتهم مش هيكون غير أهنه وسط أهليهم، أمال ليه أني وافقت أن يزيد يدرس طب بيطري لما لقيت حبه للخيل فاق الحدود ولقيته عايز يعرف عنيهم كل كبيرة وصغيرة ولما طلب مني أني وافقت من غير ما أعارضه، واهوه أديك شايف بقاله شهره عالمية وبيطلب بالأسم كمان، وكمان لما اقترح يعمل مجموعة الهلالي وافقت بشروط والحق يتقال هو نفذها كليتها والحمدلله النهاردة بقت من أكبر مجموعات الأعمال في مصر والشرق الأوسط وهو كمان بقى من أشهر رجال الأعمال، دا غير ما عين تلت تربع شباب بلدنا والبلاد المجاورة فيها وكان السبب في فتح بيوت كتير، تفتكر أنت بعد ده كله هيسيب نجاحه أهنه عشان يروح يخبط في بلد ميعرفش فيها حاجة واصل طب بالعقل أكده ليه وهو حقق في بلده ووسط أهله وناسه كل اللي حلم بيه وكان نفسه فيه.
- أمأ متفهمًا: ماشي يا بوي انا معترضتش ومعاك في كل كلمة قولتها بس كان نفسي أجوزه زي أخواته واحده من توبه هلالية زيه عشان كل ما يفكر يفل من أصله تفكره هى بيه وتشده ليه من تاني.
- ضحك الشيخ ساخرًا: أنت عارف أنك أكده عايز تعمل زي الأب اللي عنده ولد مشاغب وشقي وكل شوي يفل منيه فقام مقيده بجنزير كبير وقوي وربطه في كرسي عشان خايف عليه وعايزه يفضل تحت عينه وسابه ونسيه ويوم ما أفتكره وراح يحرره كان الولد ماتت روحه ومات معاها حبه للحياة، وكره نفسه وكرهه أبوه اللي قيد حريته وحرمه من أنه يختار مصيره بيده وساعتها مش هيقدر أن أبوه عمل أكده عشان خايف عليه بالعكس دا هيكون متأكد أنه عمل أكده لأنه بيكرهه، وهيفضل يلومه عمره كله على فشله وحظه العاثر، فهمتني يا ولدي وفهمت انا غرضي أيه؟!.........
- نظر له مستفهمًا: قصدك أسيبه يختار بنفسه اللي رايد يتجوزها.
- ربت بيده فوق الأخرى الممسكة بالعصى: مش بس في الجواز في كل حاجة ويوم ما تلاقيه أختار غلط أنصحه بالحسنى ووجه للصح بس من غير ما تفرض عليه رأيك بالقوة، وصدقني حتى لو مسمعش كلامك مرة وغلط هيتعلم من غلطه تاني مرة ويحط كلامك حلقة في ودانه ويبقى ليه منهج يتعلم منه الصح من الغلط.
- أبتسم قاسم براحة: أه يا بوي لو كل الناس زيك كانت الدنيا عمرت من زمان، ربنا يريح قلبك زي ما ريحت قلبي وطمنتني على ولدي.
- ربت الشيخ همام على فخذه بحنو: اطمن وريح قلبك وقوم يا ولدي ريح ليك ساعتين قبل ما طاحونة الدنيا تاخدك تحت راحاها، أصل دنيتنا مفيهاش راحة، هنفضل نلف ونلف وكل ما نطلع من لفة ندخل في لفة تانية لغاية ما في الأخر هندخل في لفة بيضا ونتاوى تحت التراب وكل واحد وعمله.
........................................................................
منذ أن ألغت موعدهما الغرامي والغيظ والغضب يتأكلانه منها، فبعد أن حلم بها كثيرًا وبتذوق حلاوتها وأعد العدة للظفر بها لتكون أول عذراء ينالها، جاءت بكل صفاقة وهدمت أحلامه بمعول خبثها، ضمر الكثير من الشر بداخله ناحيتها، وخط خطة شريرة للنيل منها ثم ألقائها في أقرب مكب للنفايات كي يخبرها أن لا قيمة لها عنده سوى ما ناله منها، اتفق مع اثنان أصدقاء له على شاكلته وانتظروها في طريق عودتها من عملها فهى تعمل في كافية بالقرب من منزلها مؤقتًا لحين بدأ الدراسة، وأختبؤوا خلف بعض الشجيرات يتوارن عنها، ثم ما أن أقتربت منهم فاجاؤها بالظهور أمامها معترضين طريقها، وقفت حين رأتهم أمامها وربعت يديها أمام صدرها بسخرية.
- نظرت لهاري بأشمئزاز: ماذا تريد هاري ولما تقفون هكذا؟!!.........
هز رأسه ساخرًا منها: أتذكر أن لدينا موعد مؤجل وأريد منك حالاً أن تأتي معي لكي نتمم ما أتفقنا عليه مسبقًا.
زفرت بضيق: اتعلم شيئ هاري لقد أكتشفت أنك غبيًا كبير لأنك للأن لم تعي وتفهم ما أخبرتك به مسبقًا، انا لم أؤجل موعدنا بل ألغيته هل تفهم ما يعنيه ذلك، هو أن تحل عني وتتركني وشأني.
هز رأسه معترضًا على ما تقوله: هذا بالنسبة لكي، أما بالنسبة لي موعدنا مازال قائم ولابد من أنهائه افهمتي أنتِ ما أقول يا حلوتي.
- أنزلت يدها بجانبها وخطت ناحية منزلها بنزق: أذن أجبرني على القدوم معك أن استطعت ذلك.
- ومشت بثقة إلى أن أمسك يدها يمنع تقدمها: حسنًا فأنتِ من أراد ذلك، هيا معي والإ سأضربك وكذلك سيفعل جيف وكيم.
- أمسكت بيده التي أمسكت يدها ولفتها سريعًا خلف ظهر وقربته منها وهي تضغط عليها بقوة جعلته يصرخ من شدة ألمها، ثم دفعته أمامها وارتطم وجهه وجسده بالأرض محدثًا بعض الجروح به، ثم أبتعدت تثني قدم وتفرد أخرى وكذلك ذراعيها بحركات كنغو فو وهى تطلق صرخات قتالية مصاحبه لتلك الحركات، اقترب منها جيف يحرك ذراعاه أمام وجهه بحركات ملاكمة سريعة مع تأرجحه للأمام والخلف، يريد لكمها، ابتسمت بسخرية وهى توازي حركاته ثم تضربه في أنفه ووجهه عدة ضربات انفجرت دمائه منهما على أثرها، هوى هو الأخر أرضًا يرحب بغيبوبة قصيرة المدى يخبئ خلفها خذيه، فاجأها كيم ورفع قدمه يريد ركلها فكانت اسرع منه وأمسكت بها تسحله منها على أرضية الطريق، ثم لفتها بقوة حتى سمعت صوت ترطقة تخرج منها، وتركته يجاور صديقاه مفرشهما يعض الأرض من فرط ألمه، لم تكتفي جيسي بذلك بل وثقت ما فعلته بهم من خلال عدة صورة ألتقطتهم على هاتفها، ثم أشارت لكاميرا المراقبة المعلقة على أحد أعمدة الأنارة وهددتهم بها.
- أنظروا لهذه الكاميرا جيدًا بل الكثير منها يملؤن الطريق، سأجعل أبي يشكو عليكم في مخفر الشرطة وتسجيل هذه الكاميرات يدينكم ويضمن سجنكم لعدة سنوات.
نظرا هاري وكيم حيث أشارت ليصيب الذعر قلبيهما فهى معها كل الحق كيف غفلوا عن تواجد كاميرات المراقبة بطوال الطريق، لو علم آبائهم بتلك المصيبة التي فعلوها لزجوا بهم بأنفسهم إلى السجن بعد أن فشلوا في تقويمهم، رفع هاري يديه يضمهما أمام وجهه بذل يرجو صفحها: أرجوكِ جيسي اصفحي عنا ولن نعيد تكرارها نعدكِ بذلك.
نظرت لهم بتفكير ليسارع كيم بتألم يستسمحها هو الآخر: نعم جيسي اقسم برأس أبي أني لن أعيدها ولن ارافق ذلك الأحمق مجددًا، فقط اصفحي عنا ولن تريني لأخر يوم بعمري.
هزت رأسها بشماتة: حسنًا فقط ساعد حتى عشرة لو لم تذهبوا قبل نهاية العد سأشكو عليكم أتفقنا.
أمأى برضا واسرعا يسحبان جيف من قدماه خلفهما على طول الطريق وعرجا بعيدًا عنها في ثواني، قهقت عليهم بشدة وهى تضرب يدًا بيد ثم رفعت ياقة سترتها بغرور ومشت بتفاخر تضع يديها بجيب بنطالها، لفت نظرها ذلك الشاب الذي وقف أمام أحد المنازل يراقبها بصمت واضعًا يديه بجيب بنطالها هو الآخر، ونظراته تلتهمها وكأنه لأول مرة يرى أمرأة، لم تعيره أهتمامًا ونظرت له بنزق وهمت من أمامه بصمت لتسمعه يصفق ويقول لها.
- جيد يا فتاة اقوية أنتِ لهذا الحد؟!......
- رجعت تقف أمامه بثقة : نعم قوية للحد الذي يجعلني أضربك أنت أيضًا.
أمأ لها بوجهه مدعيًا اللامبالاة : لا تثقي بذلك كثيرًا، فهؤلاء ليسوا أكثر من أطفال لا يجيدون شيئًا سوا الكلام، أنصحكِ تدربي جيدًا فنصف حركاتك خاطئة وخرجت مضحكة وكأنك بهلوانًا يتراقص لأداء فقرته، ولو أن أحد هؤلاء الفتية يجيد حركة واحدة لصفعكِ صفعة واحدة طرحتكِ أرضًا.
اغتاظت من استهزائه بها ورفعت يدها تلكمه بوجهه، تلقى قبضتها في يده ثم لفها بقوة خلفها ليصبح ظهرها له متحكمًا بكل حركاتها، ثم تحدث بالقرب من أذنها: أرأيتِ هكذا تكون وليس كما فعلتي منذ قليل، لذا نصحتك بالتدريب أكثر لأن جرأة قلبك أعجبتني وكأنكِ ولدتِ من نسل أسود.
ثم تركها ودخل لمنزله وكلماته تتغلل بداخلها تفتح مئات الأبواب التي أغلقتها بمحض أرادتها على رغبة تنهش بها لمعرفة أصلها وهويتها الحقيقة، وراحت كلماته تتردد بداخل حنايا عقلها كثيرًا (وكأنكِ ولدتِ من نسل أسود) أذن لنبحث في ذلك النسل ونرى من أكون، هكذا حدثت نفسها.
نطق الشيخ همام بكلماته المتعجبة من حال أبنه الذي يجلس شاردًا هكذا منذ اكثر من ساعة وبالتحديد بعد أن صلى الفجر سويًا.
رفع قاسم رأسه ينظر لوالده الذي جاء عن يمينه ينقر الأرض بعصاه الأبنوسية العتيقة، ثم وقف سريعًا يفسح له المجال لكي يجلس على ذالك المقعد الكبير والذي يشبه مقاعد الملوك لدى المصريين القدماء، أخذ بيده وإجلسه عليه وأنحنى يقبل رأسه بتأدب وطاعة ثم جلس عن يمينه يشكو إليه ما يقلق راحته ويسلب عيناه النوم.
- والله يا بوي ما عارف أقولك أيه؟!!........
- هز الشيخ همام رأسه بتفهم: قول يا ولدي أحكي لأبوك اللي محيرك وشاغل بالك أكده، في مشكلة ومحتار في حكمها ولا يكون ولاد عواد رجعوا يرازوا تاني في أهلنا وعشيرتنا بعد ما عملت أمعاهم الهدنة، ولا حد أتمرد على حكمك ورفضه إياك.
أشار له بيده نافيًا ظنونه: لا يا بوي متخافش أني الحمدلله ماسك الناحية كليتها بقبضة من حديد وزي ما عودتني منامش ولا يغمض ليا جفن وفيه مظلوم غير ما أردله مظلمته ولا ظالم غير ما أرده عن ظلمه كيف ما ربنا عز وجل ورسوله صل الله عليه وسلم أمرونا في محكم التنزيل، والحمدلله الحال ماشي أهنه كيف ما بدك وأكتر كمان.
- ابتسم الشيخ براحة: الحمدلله يا ولدي الذي بنعمته تتم الصالحات، طيب قولي في أيه مكدرك أكده.
نظر قاسم أرضًا بشرود: يزيد يا بوي حاله معجبنيش، شوفت كيف أتهرب منينا في موضوع الجواز وكل عروسة أمه توريهاله يطلع فيها القطط الفاطسة لحد ما فل على مصر ونفذ اللي في دماغه.
ربت والده على فخذه بحنو: متخافش على يزيد يا ولدي يزيد صعيدي هلالي شرب من مية البلدي وكل من خيرها واستحالة يرضا بغيرها بديل.
وقف قاسم بحزن يغلف الشجن صوته: طب ما الغالي الله يرحمه كان صعيدي وهلالي وكل وشرب من خير بلدنا ومع ذلك فرقنا يا بوي من غير راجعة وأني خايف لزمن يعاود من تاني ويحصل اللي حوصل من تاني.
زفر الشيخ همام بقوة: اااااه يا قاسم يا ولدي فكرتني بالغالي وبوجع قلبي ليه، دا أني ما صدقت أنسى ولو هبابة.
أنحنى قاسم على يد والده يقبلها بخجل: حقك علي يا بوي أني مقصدش أقوم عليك المواجع، هو بس الكلام اللي جاب بعضيه واني مخدتش بالي.
- أمأ الشيخ همام متفهمًا: خلاص يا قاسم يا ولدي متشيلش نفسك هم فوق همها، بس أني عايزك تطمن
يزيد ولدك غير عمه عثمان يزيد معندهش استعداد يغير توبه بالعكس دا بيفتخر بيه وبيقدره، على عكس عثمان اللي كان حابب وعنده استعداد يطلع بره توبه يعني بالعربي زي المثل اللي بيقول لن أرتدي جلباب أبي، وكان باين ده من الأول وأني بكبر راسي وعنادي بدل ما أخده بالسياسة وأحببه في توبه وأصله عاندت أمعاه وحبسته أهنه وأفضلت أضغط عليه لغاية ما خليته فل من تحت يدي وضاع وضيع فرحة قلبي بيه، تعرف يا ولدي أني اتواصلت مع القنصل المصري في أنجلترا وطلبت منه يكلم عثمان ويطلب منه ينزل أجازة أشوفه فيها ويبقى يعاود كيف ما يحب، لكن أخوك من خوفه مني أني أكون بخطط أكده عشان أحرمه من حلمه كيف ما عملت في الأول وحبسته أهنه في الدوار رفض وقال له كلام عمري ما هنساه قاله قول لبوي أني هعاود بس وأني محقق حلمي كله هعاود وأني رافع راسي وأثبت لمصر كلها وأبوي أولهم أن عثمان الهلالي مسافرش يتصرمح ولا يتمسخر لاه هو سافر عشان يرفع راسه وراس بلده وراس أبوه لفوق قوي وان شاءالله هخلي الناس كلها تشاور عليا وتقول ده الدكتور عثمان الهلالي فخر مصر.
أبتعد قاسم قليلاً عن والده ثم أحنى رأسه بحزن: الله يرحمه كان طموحه كبير بس ملحقش يحقق منيه حاجة، مات بدري وخد قلوبنا معاه.
وضع الشيخ همام رأسه على يده فوق عصاه بشرود: بس لو كان خلف وساب لينا ذكرى منيه كان ريح قلبي، كنت أعملت مع ولده اللي ملحقتش أعمله معاه.
زفره بقوة مخرجًا لهيب أنفاسه، ثم رفع رأسه لقاسم: المهم سيبك من الكلام في اللي فات معدلوش لازمة عاد، وقولي من غير لف ولا دوران، اللي شاغل بالك موضوع سفر يزيد بريحانة للسباق في أنجلترا صوح.
- أمأ له بقلق: أيوه يا بوي بصراحة أكتر أني بقيت بتشائم منيها البلد الشوم دي وخايف تحلى في عين ولدي وتغويه كيف النداهة وتجرجره في طريق أخرته ندامة.
- اشار له لكي يقترب منه: تعالى يا ولدي اقعد جنبي واسمع مني.
- لبى قاسم رغبة والده وجلس بجواره: أديني قعدت يا بوي، بس قولي بالله عليك وطمن قلبي كيف أنت مطمن على يزيد أكده وأنت بتخاف عليه أكتر مني.
- قهقه الشيخ همام بجذل ثم رفع حاجبه الأيمن بمكر: لأني أني اللي مربي يزيد على يدي مش أنت وعشان أكده معتعرفهشه زيي، مش فاكر لما الغالي مات كان ولدك عنديه في حدود تسع أو عشر سنين، أني وقتها أتعبت ورقدت فترة أهنه لغاية ما شديت حيلي من تاني، في الفترة دي أني قربت فيها من أولادك التلاتة قوي وبالأخص يزيد وزرعت فيهم حب بلدهم وناسهم وخليتهم يفتخروا أنهم من البلدي ولو عايزين ينجحوا ويحققوا ذاتهم مش هيكون غير أهنه وسط أهليهم، أمال ليه أني وافقت أن يزيد يدرس طب بيطري لما لقيت حبه للخيل فاق الحدود ولقيته عايز يعرف عنيهم كل كبيرة وصغيرة ولما طلب مني أني وافقت من غير ما أعارضه، واهوه أديك شايف بقاله شهره عالمية وبيطلب بالأسم كمان، وكمان لما اقترح يعمل مجموعة الهلالي وافقت بشروط والحق يتقال هو نفذها كليتها والحمدلله النهاردة بقت من أكبر مجموعات الأعمال في مصر والشرق الأوسط وهو كمان بقى من أشهر رجال الأعمال، دا غير ما عين تلت تربع شباب بلدنا والبلاد المجاورة فيها وكان السبب في فتح بيوت كتير، تفتكر أنت بعد ده كله هيسيب نجاحه أهنه عشان يروح يخبط في بلد ميعرفش فيها حاجة واصل طب بالعقل أكده ليه وهو حقق في بلده ووسط أهله وناسه كل اللي حلم بيه وكان نفسه فيه.
- أمأ متفهمًا: ماشي يا بوي انا معترضتش ومعاك في كل كلمة قولتها بس كان نفسي أجوزه زي أخواته واحده من توبه هلالية زيه عشان كل ما يفكر يفل من أصله تفكره هى بيه وتشده ليه من تاني.
- ضحك الشيخ ساخرًا: أنت عارف أنك أكده عايز تعمل زي الأب اللي عنده ولد مشاغب وشقي وكل شوي يفل منيه فقام مقيده بجنزير كبير وقوي وربطه في كرسي عشان خايف عليه وعايزه يفضل تحت عينه وسابه ونسيه ويوم ما أفتكره وراح يحرره كان الولد ماتت روحه ومات معاها حبه للحياة، وكره نفسه وكرهه أبوه اللي قيد حريته وحرمه من أنه يختار مصيره بيده وساعتها مش هيقدر أن أبوه عمل أكده عشان خايف عليه بالعكس دا هيكون متأكد أنه عمل أكده لأنه بيكرهه، وهيفضل يلومه عمره كله على فشله وحظه العاثر، فهمتني يا ولدي وفهمت انا غرضي أيه؟!.........
- نظر له مستفهمًا: قصدك أسيبه يختار بنفسه اللي رايد يتجوزها.
- ربت بيده فوق الأخرى الممسكة بالعصى: مش بس في الجواز في كل حاجة ويوم ما تلاقيه أختار غلط أنصحه بالحسنى ووجه للصح بس من غير ما تفرض عليه رأيك بالقوة، وصدقني حتى لو مسمعش كلامك مرة وغلط هيتعلم من غلطه تاني مرة ويحط كلامك حلقة في ودانه ويبقى ليه منهج يتعلم منه الصح من الغلط.
- أبتسم قاسم براحة: أه يا بوي لو كل الناس زيك كانت الدنيا عمرت من زمان، ربنا يريح قلبك زي ما ريحت قلبي وطمنتني على ولدي.
- ربت الشيخ همام على فخذه بحنو: اطمن وريح قلبك وقوم يا ولدي ريح ليك ساعتين قبل ما طاحونة الدنيا تاخدك تحت راحاها، أصل دنيتنا مفيهاش راحة، هنفضل نلف ونلف وكل ما نطلع من لفة ندخل في لفة تانية لغاية ما في الأخر هندخل في لفة بيضا ونتاوى تحت التراب وكل واحد وعمله.
........................................................................
منذ أن ألغت موعدهما الغرامي والغيظ والغضب يتأكلانه منها، فبعد أن حلم بها كثيرًا وبتذوق حلاوتها وأعد العدة للظفر بها لتكون أول عذراء ينالها، جاءت بكل صفاقة وهدمت أحلامه بمعول خبثها، ضمر الكثير من الشر بداخله ناحيتها، وخط خطة شريرة للنيل منها ثم ألقائها في أقرب مكب للنفايات كي يخبرها أن لا قيمة لها عنده سوى ما ناله منها، اتفق مع اثنان أصدقاء له على شاكلته وانتظروها في طريق عودتها من عملها فهى تعمل في كافية بالقرب من منزلها مؤقتًا لحين بدأ الدراسة، وأختبؤوا خلف بعض الشجيرات يتوارن عنها، ثم ما أن أقتربت منهم فاجاؤها بالظهور أمامها معترضين طريقها، وقفت حين رأتهم أمامها وربعت يديها أمام صدرها بسخرية.
- نظرت لهاري بأشمئزاز: ماذا تريد هاري ولما تقفون هكذا؟!!.........
هز رأسه ساخرًا منها: أتذكر أن لدينا موعد مؤجل وأريد منك حالاً أن تأتي معي لكي نتمم ما أتفقنا عليه مسبقًا.
زفرت بضيق: اتعلم شيئ هاري لقد أكتشفت أنك غبيًا كبير لأنك للأن لم تعي وتفهم ما أخبرتك به مسبقًا، انا لم أؤجل موعدنا بل ألغيته هل تفهم ما يعنيه ذلك، هو أن تحل عني وتتركني وشأني.
هز رأسه معترضًا على ما تقوله: هذا بالنسبة لكي، أما بالنسبة لي موعدنا مازال قائم ولابد من أنهائه افهمتي أنتِ ما أقول يا حلوتي.
- أنزلت يدها بجانبها وخطت ناحية منزلها بنزق: أذن أجبرني على القدوم معك أن استطعت ذلك.
- ومشت بثقة إلى أن أمسك يدها يمنع تقدمها: حسنًا فأنتِ من أراد ذلك، هيا معي والإ سأضربك وكذلك سيفعل جيف وكيم.
- أمسكت بيده التي أمسكت يدها ولفتها سريعًا خلف ظهر وقربته منها وهي تضغط عليها بقوة جعلته يصرخ من شدة ألمها، ثم دفعته أمامها وارتطم وجهه وجسده بالأرض محدثًا بعض الجروح به، ثم أبتعدت تثني قدم وتفرد أخرى وكذلك ذراعيها بحركات كنغو فو وهى تطلق صرخات قتالية مصاحبه لتلك الحركات، اقترب منها جيف يحرك ذراعاه أمام وجهه بحركات ملاكمة سريعة مع تأرجحه للأمام والخلف، يريد لكمها، ابتسمت بسخرية وهى توازي حركاته ثم تضربه في أنفه ووجهه عدة ضربات انفجرت دمائه منهما على أثرها، هوى هو الأخر أرضًا يرحب بغيبوبة قصيرة المدى يخبئ خلفها خذيه، فاجأها كيم ورفع قدمه يريد ركلها فكانت اسرع منه وأمسكت بها تسحله منها على أرضية الطريق، ثم لفتها بقوة حتى سمعت صوت ترطقة تخرج منها، وتركته يجاور صديقاه مفرشهما يعض الأرض من فرط ألمه، لم تكتفي جيسي بذلك بل وثقت ما فعلته بهم من خلال عدة صورة ألتقطتهم على هاتفها، ثم أشارت لكاميرا المراقبة المعلقة على أحد أعمدة الأنارة وهددتهم بها.
- أنظروا لهذه الكاميرا جيدًا بل الكثير منها يملؤن الطريق، سأجعل أبي يشكو عليكم في مخفر الشرطة وتسجيل هذه الكاميرات يدينكم ويضمن سجنكم لعدة سنوات.
نظرا هاري وكيم حيث أشارت ليصيب الذعر قلبيهما فهى معها كل الحق كيف غفلوا عن تواجد كاميرات المراقبة بطوال الطريق، لو علم آبائهم بتلك المصيبة التي فعلوها لزجوا بهم بأنفسهم إلى السجن بعد أن فشلوا في تقويمهم، رفع هاري يديه يضمهما أمام وجهه بذل يرجو صفحها: أرجوكِ جيسي اصفحي عنا ولن نعيد تكرارها نعدكِ بذلك.
نظرت لهم بتفكير ليسارع كيم بتألم يستسمحها هو الآخر: نعم جيسي اقسم برأس أبي أني لن أعيدها ولن ارافق ذلك الأحمق مجددًا، فقط اصفحي عنا ولن تريني لأخر يوم بعمري.
هزت رأسها بشماتة: حسنًا فقط ساعد حتى عشرة لو لم تذهبوا قبل نهاية العد سأشكو عليكم أتفقنا.
أمأى برضا واسرعا يسحبان جيف من قدماه خلفهما على طول الطريق وعرجا بعيدًا عنها في ثواني، قهقت عليهم بشدة وهى تضرب يدًا بيد ثم رفعت ياقة سترتها بغرور ومشت بتفاخر تضع يديها بجيب بنطالها، لفت نظرها ذلك الشاب الذي وقف أمام أحد المنازل يراقبها بصمت واضعًا يديه بجيب بنطالها هو الآخر، ونظراته تلتهمها وكأنه لأول مرة يرى أمرأة، لم تعيره أهتمامًا ونظرت له بنزق وهمت من أمامه بصمت لتسمعه يصفق ويقول لها.
- جيد يا فتاة اقوية أنتِ لهذا الحد؟!......
- رجعت تقف أمامه بثقة : نعم قوية للحد الذي يجعلني أضربك أنت أيضًا.
أمأ لها بوجهه مدعيًا اللامبالاة : لا تثقي بذلك كثيرًا، فهؤلاء ليسوا أكثر من أطفال لا يجيدون شيئًا سوا الكلام، أنصحكِ تدربي جيدًا فنصف حركاتك خاطئة وخرجت مضحكة وكأنك بهلوانًا يتراقص لأداء فقرته، ولو أن أحد هؤلاء الفتية يجيد حركة واحدة لصفعكِ صفعة واحدة طرحتكِ أرضًا.
اغتاظت من استهزائه بها ورفعت يدها تلكمه بوجهه، تلقى قبضتها في يده ثم لفها بقوة خلفها ليصبح ظهرها له متحكمًا بكل حركاتها، ثم تحدث بالقرب من أذنها: أرأيتِ هكذا تكون وليس كما فعلتي منذ قليل، لذا نصحتك بالتدريب أكثر لأن جرأة قلبك أعجبتني وكأنكِ ولدتِ من نسل أسود.
ثم تركها ودخل لمنزله وكلماته تتغلل بداخلها تفتح مئات الأبواب التي أغلقتها بمحض أرادتها على رغبة تنهش بها لمعرفة أصلها وهويتها الحقيقة، وراحت كلماته تتردد بداخل حنايا عقلها كثيرًا (وكأنكِ ولدتِ من نسل أسود) أذن لنبحث في ذلك النسل ونرى من أكون، هكذا حدثت نفسها.