٢
يتسارع الركاب كل نحو مقصده ، وتتجه فرح نحو المشغل وكلها شوق لعملها وأمل في بدء فترة جديدة لتعوض كل ما فاتها.
هاهو المشغل ،تشتاق لكل ما فيه، ماكينة الخياطة..الخيوط..الأدوات..الأقمشة.. والفساتين..
تدخل لتجد في مقعدها فتاة أخرى،فتاة غيرها،تجلس في مكانها وتستخدم أدواتها بل وتشرب القهوة بنفس كوبها!
يا ترى من هذه؟ متى وكيف أتت؟!ومن هي التي يمكن أن تحل محل الخياطة فرح؟!
-مرحباً
-مرحباً ،كيف أستطيع خدمتكِ؟
-أنا ..أنا..أنا ..
-من أنتِ؟
-أنا التي أعمل هنا
-تقصدين التي كنت تعملين هنا
-ولكن، من أنتِ؟
-أنا الخياطة الجديدة
-ولكن كيف؟المديرة لم تخبرني بهذا ،أنا فقط كنت في إجازة..كيف حدث هذا؟
-هذا لا يخصني،اسأليها هي،لدي عمل كثير ،أرجو ألا تعطلينني.
تحاول فرح أن تستوعب ما يحدث ..تتصل على المديرة التي تخبرها ببساطة أن هذه الفتاة حلت مكانها، لأن فترة مرضها طالت والعمل لا ينتظر .
تغلق الخط ساخطة على حظها العاثر ،وتلوم نفسها أنها لم تنتبه أن فترة الشهر طويلة جداً بالنسبة للمديرة المتسلطة، وأنه كان من الخطأ مكوثها في المنزل؛ كان عليها مباشرة عملها حتى ولو كانت تتألم، فهو أهون من ألم رؤية أسرتها تحتاج كل شئ وليس بيدها ما تمنحه لهم.
تغادر المشغل ساهمة تفكر في مصيرها المجهول،ولا تكف عن البكاء ولوم نفسها ،تسمع صوتاً ..لا تعير له انتباهاً،يناديها الصوت مجدااً ..
إنه العامل ،ترى ماذا يريد؟
-فرح ..فرح..انتظري
_نعم ،ماذا هناك؟
-أنا أعلم أنكِ مظلومة،هذه الفتاة سيئة،وهي التي خططت لكل هذا
-كيف؟أنت تعلم أشياء كثيرة إذاً،أخبرني
-س..سأخبرك ولكن بشرط
-تفضل
-ألا تقولي لأحد أنني من أخبركِ بهذا
-حسناً،لك الأمان
-هذه الفتاة هي من دبرت لكل ذلك،سمعتها تتحدث مع المديرة ،وتخبرها أن شاباً جاء يسأل عن الخياطة فرح باهتمام، وأن شكله غريب ، ومظهره مريب جداً، وهي تظن أنه ربما يكون لصاً محترفاً ، فهو يشبه المجرمين كثيراً.
-كل ذلك بدر منها؟ولكن لماذا؟! أنا لم أفعل لها شيئاً
-هي تريد أن تصبح مكانك يا آنسة،هذا واضح
-صحيح أن وسيم قال أنه سأل عني وأخذ رقم هاتفي من المشغل، لكني لم أفكر للحظة أن الفتاة الجديدة يمكن أن تكون هي من أعطاه رقمي، ولم أفكر في شئ أصلاً ،كان كل همي أن أثنيه عن زيارتي
-هل زاركِ يا آنسة؟
-ها؟ دعك دعك.. دعك من هذا الآن وعد إلى المشغل قبل أن تلاحظ عدم وجودك، أنا سأتصرف،شكراً لك
-حسناً، لا تقلقي، أنا متأكد أنك ستعودين قريباً، الزبائن يسألون عنك كثيراً يا آنسة؛ أراهم دوماً يخرجون متذمرين وغير راضين عن عمل الفتاة الجديدة، وقد قل عدد زوار المحل يا آنسة هذا الشهر كثيراً ، وأنت تعلمين أن المديرة لا تحب إهمال العمل ، ولكن لا أدري لماذا لم تنتبه لشئ حتى الآن!
-أنا فعلاً قلقة بشأن ذلك،أخبرني بكل ما يحصل لأعلم ما تخطط له هذه الفتاة بالضبط
-اتفقنا
يراقب العامل الفتاة بحذر شديد دون أن تنتبه له ويتنصت لمكالماتها مع المديرة ؛ فهو يشعر أن هناك شئ غير طبيعي، وأنها تخطط لأمر ما ضد فرح..
يقدم لها القهوة في صمت، ثم يتظاهر أنه منهمك في التنظيف وترتيب بعض حاجيات المحل .
يقضي يومه ينفذ أوامر الخياطة الجديدة ، والتي كانت طباعها على عكس الآنسة فرح ؛ فهي تتذمر وتصرخ طوال الوقت ولا يعجبها شئ على الإطلاق !
ينتهي يومه بإغلاق باب المحل وقد أحس بالإنهاك الشديد وتمنى عودة الأيام القديمة ؛ فبالرغم من كمية العمل الكبيرة وقتها، إلا أنه كان يعمل بجد وحيوية ،ويقوم بأداء كل المهام التي تطلبها فرح بكل الحب! حتى المشاوير خارج المشغل
_وكانت هذه الخدمة لفرح فقط _ لدرجة أن المديرة انزعجت من ذلك وقالت له يوماً أنه يتحجج بكثرة العمل عندما تطلب منه مشوارا خارج المشغل ، مما اضطرها لأداء الكثير من المهام بمفردها ..قبل أن تتوظف فرح ، ويصبح ما كان صعبا بالأمس سهلا لها هي فقط، وما هو بعيد عن غيرها، بين يديها وطوع أمرها.لكن لا ينسيه الإنهاك أن يتصل بفرح ويخبرها عن ما دار وما سمعه،فهو بالطبع يحلو له التخلص من هذه الشريرة الصغيرة
لترد فرح عى المكالمة بلهفة:
-مرحبا
-مرحبا ،كيف حالك يا آنسة
-أنا بخير،ها..هات ما عندك
-سمعتها تكلمها عنك
-من يكلم من؟
-أعذريني يا آنسة فأنا مرهق
-لقد أقلقتني، قل ماذا حدث؟
-سأقول لك يا آنسة ،دقيقة..دقيقة لآخذ نفسا
-هل أنت بخير؟
-نعم بخير يا آنسة
-أنا أسمعك، قل ما عندك
-الفتاة الشريرة قالت للمديرة أنكِ حضرتِ هنا لتأخذي مكانها بالعنوة، وأن المحل كان مليئا بالزبائن ،ولكنكِ عطلتِ سير عملها وهي لم تحب أن ترد عليكِ أو تعاملكِ بشكل غير لائق!
-أنا فعلت كل هذا؟ ياللعجب!
-للآسف هذا ما سمعته يا آنسة
-حسنا، سأتصرف حيال ذلك ،أترك لي هذا الأمر
-ماذا ستفعلين؟
-سأفعل ما تستحقه هي وأمثالها
-ولكن ..لكن بدون ذكر اسمي يا آنسة
-لا تخف ، لقد وعدتك، وأنا أعني الكلمة
-شكرا لك ،أتمنى أن تعودي قريبا
-بل الشكر لك أنت،ستفرح قريبا ،ثق بفرح
-أتمنى أن ينتهي هذا الكابوس يا آنسة
-قريبا جدا
- أثق بك نعم أنا أثق بك جدا..مع السلامة
-مع السلامة
لا تتردد فرح أن تتصل بوسيم ،فهو شاب خلوق وشهم وبالتأكيد لن يتأخر عن مساعدتها ، على الأقل تعتذر بهذا عن إرجاع النقود وتطيب خاطره.
تخبره بالقصة كاملة و بماحدث من الفتاة وأنها تود أن ترجع لعملهافي أسرع وقت من أجل إخوتها، يغضب جدا حينمايعلم بنواياهاالسيئة تجاه فرح ويوبخهالأنهالم تخبره منذالبدايةوأن العامل المسكين يمكن أن يفقد وظيفته بخطأ بسيط،ثم يعدهاأن يحل هذه المشكلة ويطمئنها بأنالحلهاعلى يديه وليس عليهاإلاأن تثق بها.
توافقه فرح وتقترح عليه البدء في التنفيذ من الغد ،فبداية الأسبوع هي الأفضل!
في الصباح الباكر يبدأ وسيم بتنفيذ الخطة، وهي أن يراقب وصول سيارة المديرة من أمام عمله،راجيا ألاتوكل إليه أي مهمة خارج المكتبة قبل وصولها.
انتصف النهار والمديرةلم تأت بعد، فينهمك في ترتيباالكتب التي وصلت حديثا وفرزها،تمر عليه الساعات قلقة ورتيبة، وهو كله أمل بتنفيذ مهمة فرح هذا اليوم وبدءالجزء الأول من الخطة؛ فهدفه مساعدتها والوقوف بجانبها خاصةبعدأن وضعت كل آمالها بين يديه.
واخيرا تصل سيارة المديرة فيقفز وسيم فرحا !
ينده عليه المدير ليأمره بتوصيل بعض الكتب في مهمة سريعة وضرورية،كيف لاوهي تخص أحد أصدقاءه المقربين جدا ، وهم أيضا من زبائن المحل الدائمين.
يتأفف وسيم من هذه المهمة ويتمنى أن تنشق الأرض وتبتلع المدير وأوامره!
يتحجج بكميةالكتب الكبيرة التي تحتاج للترتيب والفرز،ويقترح على المدير تأجيل المهمة للغد؛فهو كثيرا ما يأخذ معه طلبيات الصباح إلى المنزل، ويقوم بتوزيعها باكرا.. أوتأخيرها لنهاية اليوم،فالمكان ليس ببعيدعلى أية حال
يزداد غضب المدير لسماع حجج وسام الواهية، فيصر على توصيل هذه الطلبية بذات، ويؤكد عليه أن لايفكر ثانية في التواني عن الطلبات المهمة وتأجيلها ولولساعة، وإلاسيفصل عن عمله بلا رحمة!
يسر وسيم كل الردود في نفسه ويتذكر أن وعده لفرحمقرون ببقاءه في المكتبة.
يرمق سيارة المديرة بحسرة وأسى،قبل أن ينطلق بدراجته النارية، وهويفكر طوال الطريق في فرح ووعده لهاوكيف أنها وثقت به ،وهي بالتأكيد ترجو منه أن يعافيها بالأخبار الجيدة ، والنتائج المفرحة
فرح لا تحتاج هذا العمل لنفسها، أو لتثبت شيئا، فرح تحتاج المال لأجل عائلتها ، كل هؤلاء الأفراد يعتمدون عليها ، كانوا يرجون تماثلها للشفاء بفارغ الصبر حتى تساعدهم ،فرح تعيل أسرة ،فرح مثابرة ومكافحة، ولا يجب أن يخذلها، نعم سيساعدها مهما كلفه الأمر
سيثبت لها أنها يمكن أن تعتمد عليه ، سيريها الجانب الأجمل في شخصية وسيم ، وسيسعى لذلك بكل ما أوتي من جهد!
يقف أمام منزل كبير و جميل بعد أن يتأكد أنه العنوان المطلوب
يترجل عن دراجته وهو يطلب رقم الهاتف المدون أسفل الكرت المرفق مع مغلف الكتب
في هذه الأثناء يتأمل روعة الحديقة الخارجية للمنزل ودقة تنسيق أزهارها وبهاء ألوانها؛فوسيم مولع بأصناف الجمال ويتذوقه، كيف لاوهو الذي يقضي كثيرا من وقت فراغه في رسم كل ماتجودبه مخيلته بل ويتخذمنهاوسيلةلكسب العيش كلماسنحت له الفرصة!
يقاطع تأمله صوت رقيق؛ يرفع رأسه ليرى أمامه سيدة جميلة تبدو في الأربعين من عمرها، تستلم الطلب بلطف ، وتسأل عن الحساب لتعلم أنه مدفوع من قبل المدير ، فتنهال بعبارات الشكر والامتنان ، فهو يفعل ذلك في كل مرة يكون فيها موجودا بنفسه في المكتبة ،وكثيرا ماأحرجها بكرمه.
تستسمح وسيم في جزء من وقته؛ لتسأله إذا كان يعرف خياطة ماهرة وأمينة ، تفصل الأقمشة بدقة وجمال الفساتين التي تراها معلقة على واجهة المشغل المقابل للمكتبة ، والتي كثيرا ما لفتت نظرها وانتباهها؛ فهي لديها مشغل كبير وترغب في من يساعدهافي إدارته؛ فهي منشغلة طوال الوقت ببيتها وأولادها
يتهلل وجه وسيم فرحا، ويخبرها أن طلبها عنده؛فهو يعرف خياطة بهذه المواصفات ، وهو متأكد أنها ستناإعجابها ورضاها، وينخرط وسيم في سرد إمكانيات فرح ومهاراتها ، وأنهاهي الشخص المطلوب بدقة، وليس غيرهايصلح لهذه المهمة!
تسعدالسيدة بهذه الإطراءات وتطلب من وسيم أن يطلع فرح أولا، لتستطيع السيدة التواصل معها في حال موافقتها .
يقود وسيم الدراجةالنارية هذه المرة بسعادة غامرة، وينطلق إلى المكتبة بفرحة كبيرة، وكأن الطريق غير الطريق، والناس غير الناس، فإن قبلت فرح بهذه المهمة ستحل جميع مشاكلها ، ولن تحتاج للخطة ولا للمشغل القديم كله.
وهوفي الطريق اتصل بفرح وبشرها، وأخبرها أن هذه السيدة محترمةجدا، وأنهاودت أن تستأذنها أولا،ثم تأخذ رقمهالاحقا- في حال موافقتها-للا تفاق على تفاصيل العمل.
في صباح اليوم التالي، تتوجه فرح لعمل المعاينة من أجل وظيفتها الجديدة..تصل إلى العنوان الذي أرسلته لها السيدة ، لتجد نفسها أمام مبنى ضخم لايقل جمالا عن المنزل الذي وصفه لها وسيم، ولحسن الحظ أنه أقرب من عملها القديم، الأمرالذي أحزن وسيم قليلا؛ ففرح لن تعود بالقرب منه ، ولكنه سعيد لأجلهاعلى أية حال.
تعجبالمديرة بلباقة فرح وتهذيبها منذ الوهلة الأولى، وتسلمها العمل في نفس اليوم، على أن تخضع للمراقبة الدقيقة في الأسبوع الأول
تعمل فرح بجد كبير وتحاول أن تثبت لنفسها أنها
قادرة على التأقلم على كل الأوضاع، وأن الحياة تضعنا في محطات جديدة كل مرة ؛حتى نتعلم من التجارب ، ونصقل بها .. ونقاسي مرارتها حتى نتذوق حلاوة العبور ولذة الانتصار.
شهران وفرح تتألق في عملها يوما بعد يوم، وتنال إعجاب المديرة أكثر وأكثر
هاهو المشغل ،تشتاق لكل ما فيه، ماكينة الخياطة..الخيوط..الأدوات..الأقمشة.. والفساتين..
تدخل لتجد في مقعدها فتاة أخرى،فتاة غيرها،تجلس في مكانها وتستخدم أدواتها بل وتشرب القهوة بنفس كوبها!
يا ترى من هذه؟ متى وكيف أتت؟!ومن هي التي يمكن أن تحل محل الخياطة فرح؟!
-مرحباً
-مرحباً ،كيف أستطيع خدمتكِ؟
-أنا ..أنا..أنا ..
-من أنتِ؟
-أنا التي أعمل هنا
-تقصدين التي كنت تعملين هنا
-ولكن، من أنتِ؟
-أنا الخياطة الجديدة
-ولكن كيف؟المديرة لم تخبرني بهذا ،أنا فقط كنت في إجازة..كيف حدث هذا؟
-هذا لا يخصني،اسأليها هي،لدي عمل كثير ،أرجو ألا تعطلينني.
تحاول فرح أن تستوعب ما يحدث ..تتصل على المديرة التي تخبرها ببساطة أن هذه الفتاة حلت مكانها، لأن فترة مرضها طالت والعمل لا ينتظر .
تغلق الخط ساخطة على حظها العاثر ،وتلوم نفسها أنها لم تنتبه أن فترة الشهر طويلة جداً بالنسبة للمديرة المتسلطة، وأنه كان من الخطأ مكوثها في المنزل؛ كان عليها مباشرة عملها حتى ولو كانت تتألم، فهو أهون من ألم رؤية أسرتها تحتاج كل شئ وليس بيدها ما تمنحه لهم.
تغادر المشغل ساهمة تفكر في مصيرها المجهول،ولا تكف عن البكاء ولوم نفسها ،تسمع صوتاً ..لا تعير له انتباهاً،يناديها الصوت مجدااً ..
إنه العامل ،ترى ماذا يريد؟
-فرح ..فرح..انتظري
_نعم ،ماذا هناك؟
-أنا أعلم أنكِ مظلومة،هذه الفتاة سيئة،وهي التي خططت لكل هذا
-كيف؟أنت تعلم أشياء كثيرة إذاً،أخبرني
-س..سأخبرك ولكن بشرط
-تفضل
-ألا تقولي لأحد أنني من أخبركِ بهذا
-حسناً،لك الأمان
-هذه الفتاة هي من دبرت لكل ذلك،سمعتها تتحدث مع المديرة ،وتخبرها أن شاباً جاء يسأل عن الخياطة فرح باهتمام، وأن شكله غريب ، ومظهره مريب جداً، وهي تظن أنه ربما يكون لصاً محترفاً ، فهو يشبه المجرمين كثيراً.
-كل ذلك بدر منها؟ولكن لماذا؟! أنا لم أفعل لها شيئاً
-هي تريد أن تصبح مكانك يا آنسة،هذا واضح
-صحيح أن وسيم قال أنه سأل عني وأخذ رقم هاتفي من المشغل، لكني لم أفكر للحظة أن الفتاة الجديدة يمكن أن تكون هي من أعطاه رقمي، ولم أفكر في شئ أصلاً ،كان كل همي أن أثنيه عن زيارتي
-هل زاركِ يا آنسة؟
-ها؟ دعك دعك.. دعك من هذا الآن وعد إلى المشغل قبل أن تلاحظ عدم وجودك، أنا سأتصرف،شكراً لك
-حسناً، لا تقلقي، أنا متأكد أنك ستعودين قريباً، الزبائن يسألون عنك كثيراً يا آنسة؛ أراهم دوماً يخرجون متذمرين وغير راضين عن عمل الفتاة الجديدة، وقد قل عدد زوار المحل يا آنسة هذا الشهر كثيراً ، وأنت تعلمين أن المديرة لا تحب إهمال العمل ، ولكن لا أدري لماذا لم تنتبه لشئ حتى الآن!
-أنا فعلاً قلقة بشأن ذلك،أخبرني بكل ما يحصل لأعلم ما تخطط له هذه الفتاة بالضبط
-اتفقنا
يراقب العامل الفتاة بحذر شديد دون أن تنتبه له ويتنصت لمكالماتها مع المديرة ؛ فهو يشعر أن هناك شئ غير طبيعي، وأنها تخطط لأمر ما ضد فرح..
يقدم لها القهوة في صمت، ثم يتظاهر أنه منهمك في التنظيف وترتيب بعض حاجيات المحل .
يقضي يومه ينفذ أوامر الخياطة الجديدة ، والتي كانت طباعها على عكس الآنسة فرح ؛ فهي تتذمر وتصرخ طوال الوقت ولا يعجبها شئ على الإطلاق !
ينتهي يومه بإغلاق باب المحل وقد أحس بالإنهاك الشديد وتمنى عودة الأيام القديمة ؛ فبالرغم من كمية العمل الكبيرة وقتها، إلا أنه كان يعمل بجد وحيوية ،ويقوم بأداء كل المهام التي تطلبها فرح بكل الحب! حتى المشاوير خارج المشغل
_وكانت هذه الخدمة لفرح فقط _ لدرجة أن المديرة انزعجت من ذلك وقالت له يوماً أنه يتحجج بكثرة العمل عندما تطلب منه مشوارا خارج المشغل ، مما اضطرها لأداء الكثير من المهام بمفردها ..قبل أن تتوظف فرح ، ويصبح ما كان صعبا بالأمس سهلا لها هي فقط، وما هو بعيد عن غيرها، بين يديها وطوع أمرها.لكن لا ينسيه الإنهاك أن يتصل بفرح ويخبرها عن ما دار وما سمعه،فهو بالطبع يحلو له التخلص من هذه الشريرة الصغيرة
لترد فرح عى المكالمة بلهفة:
-مرحبا
-مرحبا ،كيف حالك يا آنسة
-أنا بخير،ها..هات ما عندك
-سمعتها تكلمها عنك
-من يكلم من؟
-أعذريني يا آنسة فأنا مرهق
-لقد أقلقتني، قل ماذا حدث؟
-سأقول لك يا آنسة ،دقيقة..دقيقة لآخذ نفسا
-هل أنت بخير؟
-نعم بخير يا آنسة
-أنا أسمعك، قل ما عندك
-الفتاة الشريرة قالت للمديرة أنكِ حضرتِ هنا لتأخذي مكانها بالعنوة، وأن المحل كان مليئا بالزبائن ،ولكنكِ عطلتِ سير عملها وهي لم تحب أن ترد عليكِ أو تعاملكِ بشكل غير لائق!
-أنا فعلت كل هذا؟ ياللعجب!
-للآسف هذا ما سمعته يا آنسة
-حسنا، سأتصرف حيال ذلك ،أترك لي هذا الأمر
-ماذا ستفعلين؟
-سأفعل ما تستحقه هي وأمثالها
-ولكن ..لكن بدون ذكر اسمي يا آنسة
-لا تخف ، لقد وعدتك، وأنا أعني الكلمة
-شكرا لك ،أتمنى أن تعودي قريبا
-بل الشكر لك أنت،ستفرح قريبا ،ثق بفرح
-أتمنى أن ينتهي هذا الكابوس يا آنسة
-قريبا جدا
- أثق بك نعم أنا أثق بك جدا..مع السلامة
-مع السلامة
لا تتردد فرح أن تتصل بوسيم ،فهو شاب خلوق وشهم وبالتأكيد لن يتأخر عن مساعدتها ، على الأقل تعتذر بهذا عن إرجاع النقود وتطيب خاطره.
تخبره بالقصة كاملة و بماحدث من الفتاة وأنها تود أن ترجع لعملهافي أسرع وقت من أجل إخوتها، يغضب جدا حينمايعلم بنواياهاالسيئة تجاه فرح ويوبخهالأنهالم تخبره منذالبدايةوأن العامل المسكين يمكن أن يفقد وظيفته بخطأ بسيط،ثم يعدهاأن يحل هذه المشكلة ويطمئنها بأنالحلهاعلى يديه وليس عليهاإلاأن تثق بها.
توافقه فرح وتقترح عليه البدء في التنفيذ من الغد ،فبداية الأسبوع هي الأفضل!
في الصباح الباكر يبدأ وسيم بتنفيذ الخطة، وهي أن يراقب وصول سيارة المديرة من أمام عمله،راجيا ألاتوكل إليه أي مهمة خارج المكتبة قبل وصولها.
انتصف النهار والمديرةلم تأت بعد، فينهمك في ترتيباالكتب التي وصلت حديثا وفرزها،تمر عليه الساعات قلقة ورتيبة، وهو كله أمل بتنفيذ مهمة فرح هذا اليوم وبدءالجزء الأول من الخطة؛ فهدفه مساعدتها والوقوف بجانبها خاصةبعدأن وضعت كل آمالها بين يديه.
واخيرا تصل سيارة المديرة فيقفز وسيم فرحا !
ينده عليه المدير ليأمره بتوصيل بعض الكتب في مهمة سريعة وضرورية،كيف لاوهي تخص أحد أصدقاءه المقربين جدا ، وهم أيضا من زبائن المحل الدائمين.
يتأفف وسيم من هذه المهمة ويتمنى أن تنشق الأرض وتبتلع المدير وأوامره!
يتحجج بكميةالكتب الكبيرة التي تحتاج للترتيب والفرز،ويقترح على المدير تأجيل المهمة للغد؛فهو كثيرا ما يأخذ معه طلبيات الصباح إلى المنزل، ويقوم بتوزيعها باكرا.. أوتأخيرها لنهاية اليوم،فالمكان ليس ببعيدعلى أية حال
يزداد غضب المدير لسماع حجج وسام الواهية، فيصر على توصيل هذه الطلبية بذات، ويؤكد عليه أن لايفكر ثانية في التواني عن الطلبات المهمة وتأجيلها ولولساعة، وإلاسيفصل عن عمله بلا رحمة!
يسر وسيم كل الردود في نفسه ويتذكر أن وعده لفرحمقرون ببقاءه في المكتبة.
يرمق سيارة المديرة بحسرة وأسى،قبل أن ينطلق بدراجته النارية، وهويفكر طوال الطريق في فرح ووعده لهاوكيف أنها وثقت به ،وهي بالتأكيد ترجو منه أن يعافيها بالأخبار الجيدة ، والنتائج المفرحة
فرح لا تحتاج هذا العمل لنفسها، أو لتثبت شيئا، فرح تحتاج المال لأجل عائلتها ، كل هؤلاء الأفراد يعتمدون عليها ، كانوا يرجون تماثلها للشفاء بفارغ الصبر حتى تساعدهم ،فرح تعيل أسرة ،فرح مثابرة ومكافحة، ولا يجب أن يخذلها، نعم سيساعدها مهما كلفه الأمر
سيثبت لها أنها يمكن أن تعتمد عليه ، سيريها الجانب الأجمل في شخصية وسيم ، وسيسعى لذلك بكل ما أوتي من جهد!
يقف أمام منزل كبير و جميل بعد أن يتأكد أنه العنوان المطلوب
يترجل عن دراجته وهو يطلب رقم الهاتف المدون أسفل الكرت المرفق مع مغلف الكتب
في هذه الأثناء يتأمل روعة الحديقة الخارجية للمنزل ودقة تنسيق أزهارها وبهاء ألوانها؛فوسيم مولع بأصناف الجمال ويتذوقه، كيف لاوهو الذي يقضي كثيرا من وقت فراغه في رسم كل ماتجودبه مخيلته بل ويتخذمنهاوسيلةلكسب العيش كلماسنحت له الفرصة!
يقاطع تأمله صوت رقيق؛ يرفع رأسه ليرى أمامه سيدة جميلة تبدو في الأربعين من عمرها، تستلم الطلب بلطف ، وتسأل عن الحساب لتعلم أنه مدفوع من قبل المدير ، فتنهال بعبارات الشكر والامتنان ، فهو يفعل ذلك في كل مرة يكون فيها موجودا بنفسه في المكتبة ،وكثيرا ماأحرجها بكرمه.
تستسمح وسيم في جزء من وقته؛ لتسأله إذا كان يعرف خياطة ماهرة وأمينة ، تفصل الأقمشة بدقة وجمال الفساتين التي تراها معلقة على واجهة المشغل المقابل للمكتبة ، والتي كثيرا ما لفتت نظرها وانتباهها؛ فهي لديها مشغل كبير وترغب في من يساعدهافي إدارته؛ فهي منشغلة طوال الوقت ببيتها وأولادها
يتهلل وجه وسيم فرحا، ويخبرها أن طلبها عنده؛فهو يعرف خياطة بهذه المواصفات ، وهو متأكد أنها ستناإعجابها ورضاها، وينخرط وسيم في سرد إمكانيات فرح ومهاراتها ، وأنهاهي الشخص المطلوب بدقة، وليس غيرهايصلح لهذه المهمة!
تسعدالسيدة بهذه الإطراءات وتطلب من وسيم أن يطلع فرح أولا، لتستطيع السيدة التواصل معها في حال موافقتها .
يقود وسيم الدراجةالنارية هذه المرة بسعادة غامرة، وينطلق إلى المكتبة بفرحة كبيرة، وكأن الطريق غير الطريق، والناس غير الناس، فإن قبلت فرح بهذه المهمة ستحل جميع مشاكلها ، ولن تحتاج للخطة ولا للمشغل القديم كله.
وهوفي الطريق اتصل بفرح وبشرها، وأخبرها أن هذه السيدة محترمةجدا، وأنهاودت أن تستأذنها أولا،ثم تأخذ رقمهالاحقا- في حال موافقتها-للا تفاق على تفاصيل العمل.
في صباح اليوم التالي، تتوجه فرح لعمل المعاينة من أجل وظيفتها الجديدة..تصل إلى العنوان الذي أرسلته لها السيدة ، لتجد نفسها أمام مبنى ضخم لايقل جمالا عن المنزل الذي وصفه لها وسيم، ولحسن الحظ أنه أقرب من عملها القديم، الأمرالذي أحزن وسيم قليلا؛ ففرح لن تعود بالقرب منه ، ولكنه سعيد لأجلهاعلى أية حال.
تعجبالمديرة بلباقة فرح وتهذيبها منذ الوهلة الأولى، وتسلمها العمل في نفس اليوم، على أن تخضع للمراقبة الدقيقة في الأسبوع الأول
تعمل فرح بجد كبير وتحاول أن تثبت لنفسها أنها
قادرة على التأقلم على كل الأوضاع، وأن الحياة تضعنا في محطات جديدة كل مرة ؛حتى نتعلم من التجارب ، ونصقل بها .. ونقاسي مرارتها حتى نتذوق حلاوة العبور ولذة الانتصار.
شهران وفرح تتألق في عملها يوما بعد يوم، وتنال إعجاب المديرة أكثر وأكثر