26 الفصل السادس والعشرون

بدلت مريم ملابسها ونزلت لتقابل جمال الذي ما أن رآها حتى وقف مبديًا إعجابه وبينما هما مغادران لمحت فهد يجلس مع زينه، فقالت:
- جمال ثواني كده تعال عاوزه أقول حاجه لسي أسد أفندي.
وأسرعت الخطى ليجدها تتجه صوب المائدة التي يجلس عليها فهد فلحق بها لتقول مريم بلا أي مقدمات:
- مبروك والله يا فهد، فرحنالك، بس مش كنت تقول من بدري إنك عاوز تتجوز بس المشكله في البنات، كنا قلنالك يا سيدي روح اتجوز من بدري ليه تستنى لما نبقى نتعود دول بناتنا وإحنا لا يمكن نسيبهم لحد.
نظر لها فهد بتعجب وقال:
- مينو ذا اللي يبي يتزوج؟
- إنت، مش إنت هتتجوز السكره دي؟
- مين جال ذا الهرج؟
- هي.
نظر لزينه وقال بحدة:
- إنتِ جلتي كدا يا زوينو؟
تلجلجت وقالت:
- يمكن فهموني بالغلط.
فقالت مريم:
- ازاي بس يا قمر؟ إنتِ قلتي إن فهد ابن عمك وإنتِ على اسمه ولما قلتلك ما اتجوزكيش من زمان ليه قلتي إنك كنتي صغيره وقلتي بالصراحه إنك ما تقدريش تتحملي مسؤلية البنات وإن لو ليلى مش هتربيهم هتجيبي مربيه لو كانت ليلى هتتجوز وإن كده فهد يرضى بالمربيه.
نظر فهد لزينه غاضبًا وقال:
- زوينو مو جلنا إني لا يمكن اتجوز وأجيب مرت أبو لبناتي يا زوينو، مو نهينا هادا الكلام، ليش تجولين كذا حج ليلى؟
- مو معجول يا فهد ها المصريات ياخدوك مننا أحنا أولى بيك، لا تكون مفكر إني مو داريه إن المصريه عاشجاك، بس أنا أولى بيك منها.
نظر لها مصدومًا وقال:
- زوينو كملى وكل واطلعي غرفتك وجسم بالله لو هاالموضوع كلمتيني بيه مرة ثانيه لأقطع كل شغلي معاكِ.
- بس يا فهد.
وصل غضبه مداه وقال:
- بسك يا زينه بس كافي.
لتنهض غاضبه وتغادرهم.
ثم استدار ليواجه مريم بضيق:
- هي ليلى تبي تتزوج؟
ابتسمت وقالت:
- تفتكر؟
- أرجوكِ مريم صارحيني، أكو حدا بجلب ليلى؟
- البنات.
فتح يديه وقربهما من رقبة مريم والغضب يأكله، ثم أغلق كفيه وزفر زفرة طويلة وقال بهدوء:
- لآخر مره يا مريم بدي أسألك أكو حدا شاغل جلب ليلى غير البنات؟
- أكدب يعني ما أقدرش أكدب آه وربنا فيه حد شاغل قلبها.
زم شفتيه بغضب واضح وقال:
- يبجى آخد البنات عشان أخلى ليها الطريج وتكون بحريتها.
نظرت له وضيقت عينيها وهزت رأسها وقالت:
- الصبر يا واهب الصبر، ليلى لا يمكن تقدر تبعد عن البنات، إفهم، البنات بقوا روحها.
- وأنا ما أجدر أخلي بناتي مع رجال غريب.
زفرت بقوة وقالت وهي تنظر لجمال:
- جمال إنت فهمت اللي أنا أقصده صح؟
ابتسم جمال وقال:
- كلنا فاهمين يا مريم بس مش عارف فهد ماله مش واخد باله وإلا مش مستوعب وإلا إيه؟
فقال فهد:
- شنو اللي إنت فاهمه يا جمال فهمني.
قالت مريم بضيق:
- جمال أنا مسنياك قدام الفندق لغايه ما تفهم سي أسد.
وأولتهما ظهرها مغادرة، ليقول فهد:
- منو سي أسد؟
ضحك جمال وقال:
- إنت.
ثم وضع يده على كتف فهد وقال:
- بذمتك إنت مش عارف مين اللي شاغل قلب ليلى؟
- والله ما أدري أنا دايم معها، ولو مو معها البنات دايمًا معها، وهم دايمًا يسولفون معي ما جابوا أي خبر إن ليلى تركتهم، فمن وين جابت وجت تعرف أي حدا؟
- الله ينور عليك يا أبو المفهوميه.
- وش تجصد؟
- يا فهد بربع جنيه تركيز لو سمحت، مين الرجاله اللي في حياة ليلى؟
- أنا و خالها ولوي وبس، ما شفت أي حدا معها.
- يبقى بالعقل كده مين ساكن قلبها هو وبناته؟
اتسعت عينا فهد وقال:
- يا الله إنت تجصد إن ليلى..
- إيوه وإلا اقولك لا قولي إنت فهمت إيه الأول، أصلك مش مركز فجايز تكون ما فهمتش أصلًا.
- ليلى تحبني.
- الحمد لله أديك فهمت إتصرف بقى، عشان أنا هاخطب مريم على فكره فنبقى سوا، سلام يا أسد.
وتركه وغادر والسعادة تسكن فهد، فلقد وقع في غرام ليلى منذ اللحظة الأولى حين احتواها بين ذراعيه لينقذها من السقوط حين التقت عيناه بعينيها، ولكنه خشي أن لا تكون المشاعر متبادلة، كان يظن أن رقتها معه وحنانها هو من أجل الصغيرات فقط، كان يخشي أن يفاتحها فتكون لا تحبه وتبتعد عن الصغيرات بسببه لكن الآن بعد ما علم فلن يتردد ثانية واحده.
هاتف فرانسوا وصعد له كان فرانسوا قد أوشك على النوم وقال له:
- خيرًا فهد ما الذي أتى بك الآن؟
- أبي أطلب يد ليلى.
ضحك فرانسوا وقال:
- أنت أيضًا.
غضب فهد وقال:
- مين طلب يدها غيري؟
ضحك فرانسوا:
- لا لا أقصد غيرك، فجمال أيضًا طلب مني أن يتزوج مريم.
- ها وش جلت؟ وافج أنا ما أجدر أعيش بلاها والبنات كمان ما يجدرون يبعدون عنها.
- ساقول لك ما قلته لجمال، إسال صاحبة الشان وما توافق عليه صغيرتاي فأنا موافق عليه.
ليقبل فهد رأسه ويغادر.
هرع فهد لغرفة ليلى فهي بجوار غرفة خالها وطرق الباب، فتحت له جورجينا الباب، ليقول بسرعة:
- أبى ليلى وين هي؟
نظرت له جورجينا في غرابه ونادت:
- ليلى فهد هون ويبيك.
جاءها الرد من الداخل:
- حاضر جايه.
اقتربت ليلى من الباب والحزن يسكن ملامحها وما أن راته حتى قالت بضيق:
- خير يا فهد اتفقت إنت وبنت عمك على ميعاد الفرح وجاي تبلغني، على العموم ألف مبروك مقدمًا، بس إياك يجي في بالك إني هاسيب البنات للست اللي هتتجوزها دي، ولو إيه بالذي والله يا فهد لو هتوصل إني أشتكيك للملك شخصيًا هاعملها ومش هاسيب البنات.
نظر لها بوله نظرة أول مره تراها صادرة منه نظرة أربكتها جدًا، لتحاول السيطرة على مشاعرها المضطربة وتقول بحدة:
- إنت بتبص لي كده لي؟
- أريد أتزوجك.
- ها.
- جلت أريد أتزوجك توافجين؟
- وبنت عمك.
- والله عمري ما فكرت في زوينو غير إنها بنت عمي الصغيره وبس، آني ما أبي غيرك، ووالله مو مشان البنات بس إنتِ سكنتي جلبي يا ليلى.
ابتسامة عريضة سكنت وجهها لتزيل كل آثار الحزن، لتهز رأسها وتقول:
- موافقه كلم خالو.
قال بلهفة:
- كلمته وجال اللي ليلى توافج عليه هو ما راح يعترض.
تدخلت جورجينا لتقول:
- ألف مبروك أخيرًا.
ابتسم فهد وقال:
- لما مريم تيجي تتفقون سوا ونحدد يوم الملكه.
نظرت له في غير فهم فقال:
- كتب الكتاب يا ليلى، جمال راح يطلب يد مريم الليله.
احتضنت الفتاتين بعضهما في سرور ودخلتا للداخل ليغادر فهد مسرورًا ويهاتف والدته، ليعلمها بما حدث، وسرت كثيرًا فوالده فهد مصرية كذلك وعلى مدى الفترة الماضية رأت الحب والحنان الذي تكنه ليلى لحفيداتها، ورأت مدى تعلق الصغيرات بها.
بينما هاتف فرانسوا جورجينا ليتفق معها أنه سيتزوجها، لتعم السعادة على الجميع.
بينما مريم تسير بجوار جمال على الكورنيش فقال لها:
- إيه رأيك ناخد مركب شويه.
- يالا بينا.
استقلا مركب نيلي و بينما هما يتسامران توقف مركبهما فقالت:
- إيه المركب وقف ليه؟
قال جمال:
- فيه مركبين سادين الطريق بصي.
وجدت مركبان بينمهما ما يشبه قماش لا تدري ما هذا والمركبان يسيران مبتعدين وقطعة القماش تفرد ما بينهما وهي تنظر في دهشة لجمال لتجد أن قطعة القماش مكتوب عليها
( تتجوزيني يا مريم)
ابتسامة عريضة سكنت وجهها، وغمرتها السعادة لتقول:
- أتجوزك يا جمال.
قال مبتسمًا:
- إجابه دي وإلا سؤال؟
وكزته في كتفه لتقول:
- إجابه يا جيمي.
لتطلق من على متن المركبين ألعاب ناريه رائعة.
عادت مريم للغرفة والسعادة تغمرها لتزف للفتاتين نبأ طلب جمال يدها وموافقتها، وتزفان لها نبأ طلب يد فهد الزواج من ليلى وكذلك فرانسوا من جورجينا.
اتفقت الفتيات على إقامة حفل الزفاف في الفندق الذي يقمن به، وأبلغت كل منهما زوجها المستقبلي، وفي اليوم التالي اجتمع الجميع والفتيات الصغيرات اللوات كن في غاية السرور لأن ليلى ستظل معهم دائمًا.
*****
بعد أن نالت روح وورد شهادتهما بدأتا في النزول برفقة كمال ومنير للعمل، وفي أحد الأيام بينما روح منهمكة في مراجعة بعض الملفات؛ دخل منير مكتبها بهدوء ليجدها تقف توليه ظهرها وتمسك أحد الملفات بيدها تطالعه بتركيز ليقول بهدوء:
- الحلو بيعمل إيه؟
فزعت ورد والتفت له فجأة وقبل أن تنطق اعتراضًا على مزاحه السخيف أحست بدوار شديد لينهار جسدها ويحملها منير بين يديه وهو يقول:
- باه يا روح مش للدرجة دي.
لم يجد منها ردًا ووجد جسدها ثقيلًا بين يديه.
ليفزع وهو ينادي عليها:
- روح، روح.
ثم حملها وهرع بها نحو المستشفى المقابل للشركة، ولحق به كمال وورد فور أن أنبأتهما السكرتيرة بما حدث، ليدخلا الغرفة ويجدا منير يقبل يد روح وهو يقول:
- خلعتي جلبي من مكانه يا أم الواد.
ضحكت روح وهي تنظر لكمال وتقول:
- شفت ولدك يا بوي من أولها آهه عاوز واد.
نظر لهما كمال في غير استيعاب، ليقول منير:
- كلاتها ثمان شهور وهتبجى جد يا كمول.
لتنطلق زغرودة من حنجرة ورد مصحوبة بدموعها وهي تقبل أختها وتبارك لها، بينما نظر لها كمال بحنو وحزن حاول أن يخفيه لكنها لمحته في عينيه.
خرج الجميع للمنزل ليبشروا ونيسه التي ملأت البيت بالزغاريد، بينما صعد كمال وورد غرفتهما لتقول ورد:
- زعلان إياك يا كمال إنك هتبجى جد.
ابتسم وقال:
- ليه هيكبرني أكتر ما آني خلاص يا ورد ما عادش جاي جد اللي راح.
القت بنفسها بين ذراعيه و هي تقول:
- بعيد الشر عنيك، يجعل يومي جبل يومك جادر كريم.
احتضنها بقوة:
- لا يا جلب كمال، غنت لساته العمر جدامك آني العمر وراي.
وضعت يدها على شفتيه والدموع تترقرق بعينيهاك
- سايجه عليك النبي بلاه الحديت اللي يوجع الجلب ده.
- عارف إنك نفسك تبجي أم.
ضحكت وهي تحضنه بشده:
- طب ما إنت وليدي ما عاوزاش عيال غيرك.
ابتسم وقال:
- ربنا يعوضك بعدي بالراجل اللي يستاهلك.
ابتعدت عن حضنه غاضبة وهي تقول:
- جسمًا بالله يا كمال لو جلتها تاني لأزعل زعل واعر منيك، راجل إيه ده اللي يدخل حياتي بعديك؟
- يا ورد لساتك صغار وماحدش عارف بكره مخبي إيه.
انفجرت في البكاء ليقترب منها ويضمها بين ذراعيه ويقول:
- طب بسك عاد ما تبكيش مش هافتح السيره دي تاني.
****
جهز كمال أوراقه للذهاب للحج برفقة ونيسة وورد ويوسف ولم تذهب روح لقرب ولادتها هي وريهام وبقى منير معهما.
وفي الحج بعد أن أنهى كمال وونيسة المناسك أحس كمال بألم في صدره وتمدد في ساحة المسجد النبوي يرتاح، كانت ورد جالسة تريح قدميها وتنتظر يوسف ووالدتها فلقد شعرت ونيسه أن ضغطها غير مستقر وقرر يوسف أن يأخذها هو للطبيبة وأن تنتظره ورد بجوار كمال النائم لكي لا يتيها منه وسط الزحام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي