( الفصل الثاني )

{الفصل الثاني }

__________________

— دون اي تردد رفع كوب القهوة الدافئ ليلقيه بوجهها ثم تصاعدت ضحكاته التي ملأت الحديقة متزامنا مع صوت زقزقة العصافير و انزل بصره لوجهها و خصلات شعرها الامامية التي لوثت بلون القهوة ثم هدأت ضحكته لينظر اليها و يلاحظ عيناها المشتعلة غضبا منه و قبضة يدها متكورة تضغط علي جوفها باظافرها الحادة كأنها تكتم غيظها الناري منه في باطنها و هذا جيد بالنسبة لحالتها حيث انها لم تهجم عليه مثل باقي الرجال التي رأتهم قبلاً و هذا يعني انه استطاع بدء السيطرة عليها

التقط محرمة ورقية ليبدأ بازالة القهوة من وجنتيها و هو مبتسم عكس ما داخله بالطبع و لكن واجبه كطبيب نفسي ان يكبت لجام غضبه و يتعامل ببرود و هدوء ..دفعته بشدة و نهضت امامه ليقول : ايه يا مها مش هتكملي فطارك انا لسه جعان ....رفع كفه بقطعة خبز مغموسة بالجبن فدفعتها بعدوانيه و ذهبت تركض للداخل

تحدث بصوت جهوري : عززززة يا عززززة

اتت مساعدته التي تقف بعيدا عن مرمي وجوده مع المرضي لتعطيه شيئاً من الخصوصية فاردفت : اتفضل يا دكتور

اشار للاوراق الممزقة و الملقاه ارضا ليأمرها : الورق ده تلميه حتة حتة و تجيبيه في فايل علي مكتبي سااامعة

اومأت له باحترام ليذهب هو لمكتبه غاضبا
****************************

— دلفت الدكتورة ريم بهدوء لتجده يخلع رداء حلته المبتل بالحليب و هو مضيقا بين حاجبيه بانزعاج من رائحته فكبتت ضحكتها من هيئته لا تصدق ان استاذها و اخيها الاكبر طاهر المتعجرف و الجاد يحدث به شئ كهذا اما هو لاحظ بداية ظهور غمزتيها فابتسم لتنفجر هي ضاحكة

التقط حلته البديلة بخزانة مكتبه ليردف : متبقيش تداري ضحكتك تاني ما هو لو تشوفي ان غمزاتك فضحاكي كنتي هتتحرجي من منظرك

كفت عن القهقهة بصعوبة لتهتف بمرح : هو الواحد ميعرفش يخبي عنك حاجة ابداً يا ابيه طاهر

اقتحمها بعيناه الصقريتين كعادته التي يعرف دواخل الاشخاص بها : شكلك عاوزة تسألي في حاجة

لم تتعجب فهو معلمها فقالت : مش شايف ان تعاملك البارد مع مها هيأثر علي حالتها اكتر حضرتك بتكرهها زيادة في الرجالة

لم يجيب عليها ليدخل مرحاض مكتبه ليأتي بعد عشر دقائق مرتدي حلة اخري غير الاولي الملوثة بالحليب و جلس علي مقعد مكتبه ليخبرها : هو هيأثر فعلا بس بالايجاب

استأذنته تجلس فسمح لها ثم اردفت : ازاي بس دي بتكتم غيظها جواها و الاحسن تخرجه

فتح حاسوبه النقال ليحدثها بهدوء : خليكي دكتورة لماحة و ذكية اوعي في مرة توحدي النظرية علي كل مرضاكي لكل قاعدة شواذ

فتحت فمها ببلاهة ليعمق جملته : مها بتكره الرجالة ده شئ كل الاطباء اتفقوا عليه لكن مش معني ده ان احقق رغبتها و إلا هفشل بالاضافة بقي انها صامته تماما رافضة تتكلم علشان تساعد اي دكتور يعرف حالتها و يقدر يحدد العلاج الصح ...تنهد قليلا ليخبرها ...انا لسه مبدأتش في علاج مها انا يدوب بتخطي معاها الحاجز النفسي انها تتقبلني كمعالج ليها و ده لو حصل هتتكلم لان صمتها نفسي مش عضوي

نظرت له بإعجاب لتهمس : امممم يبقي حضرتك محتاجها تبني ثقتها فيك

ضغط علي احد ازرار حاسوبه قائلا : بالظبط كدة

نهضت بتفاخر به : عظمة ..عظمة عظمة يا دوك

ابتسم لها ليهتف : طب يلا علي شغلك علشان هكلم عز

لاحظ عينيها الدامعة حينما ذكر اسم ابن شقيقته يعلم انها تحبه منذ طفولتها لهذا يتعجب حزنها حين يأتي ذكره و دون ان تتحدث ذهبت هائمة علي وجهها

اما هو رفع الملف المليئ بورق الرسم الخاص بمها ليري صور بشعة مليئة بالخطوط المتداخلة و الرسومات المبهمة اخذ يجمع تلك القطع الممزقة ليري عينان رجل و عليهم قضبان حديدية هو يجزم انه رأي تلك العينان لكن لا يستطع تحديدهما جيدا للتشوش الماثل علي الرسمة فوضعها جانبا ليكمل ليجد عيناها هي ..رسمت عيناها ؟!!! لماذا فعلت و الغريب تلك العبرات المنبثقة منها الصغيرة تقاسي من حروب نفسية شديدة تمزقها ارباً دون رأفة ...وضع قلمه الحبري علي مقدمة فمه يفكر و يعتصر عقله من هذا الرجل لانه من المؤكد هو سبب تلك العبرات

...................................

— خرج ذلك الشاب الوسيم ذو النظرات الحادة من المرحاض و هو يلف خصره بمنشفه و اخري يجفف بها خصلاته الناعمة الفحمية ليري تلك التي ترتدي ملابس فاضحة و تدخن سيجار بيد و تلعب بأناملها الرفيعة في خلصة شعرها الاصفر فرمقها بتهكم ثم اتجه ليرتدي ملابسه و عاد لها ليصفف شعره بعناية

تحدث بلغتها الاجنبية و هو يراها بالمرآة تفترسه بنظراتها الجائعة : ماذا تريدين رولا الا يكفيكي أجر الفتاة التي قضيت ليلا معها

نهضت تقف خلفه هامسة : تعلم اني احبك عز الدين لما البعد حبيبي لما تنفرني بينما تقيم لياليك الخاصة مع فتياتي

اعتدل لها يرمقها بتهكم : و هل يصح ان اقترب من مديرتهم بالعمل مقامك اعلي

احتضنته تلك الخمسينية المتصابية بتملك : ارجوك عز الدين فقط مرة واحدة لا...

ازاحها بقسوة : اخرجي من منزلي رولا و الا منعت معونتي لشبكة العاهرات التي تملكينها

شعرت بالقلق من تهديده لتنسحب بسرعة مردفة : حسنا لا تغضب لن ازعجك ..وداعا

ذهبت للخارج ليجلس هو علي فراشه زافرا الهواء من انفه و فمه قائلا : ده اللي ناقص اخد واحدة قد امي ههههه

...بعد قليل سمع صوت هاتفه ليجد رقم غريب لكن مصري فأخبره حدسه انها والدته فابتسم و حدثها : ماما وحشاني

قالت حنان بعتاب : ما هو واضح انت ف بلد بقالك سنين علشان شغلك مفيش مرة تنزل اجازة علشاني و خالك كمان ف شغله بشوفه صدفة

ضحك بقوة لتذمرها ليهتف : طيب والله كنت لسه هكلمك و اقولك ان قررت استقر في مصر خلاص و اتجوز كمان ايه رأيك في المفاجأ ة دي

تهللت اساريرها بفرحة : بجد يا عز بجد يا حبيبي هتيجي مصر هنا طب امتي

قال لها : الشهر اللي جاي بس هظبط امور شغلي ...الا قوليلي ده رقمك الجديد اسجله ؟

اردفت بعفوية : لا يا عز ده رقم ريم بنت طنطك غادة صحبتي اصلها بتزورني دايما و انا تليفوني فاصل شحن

انتفضت ريم علي الجانب الاخر لتنتشل منها الهاتف تغلقه بسرعة لتقول : ليه بس كدة يا طنط

قالت بحرج : يوووه يا حبيبتي نسيت ...بس هو انتي مش عاوزاه يعرف ليه

نهضت لتذهب حتي لاتضطر ان تجيب علي تساؤلات ستؤلمها : انا اتأخرت علي شغلي هجيلك تاني يا قمر

رفعت حنان كفيها : يا رب افرح بيكي انتي كمان زي عز كدة

ارتجف كامل جسدها و تسارعت انفاسها المسكينه لتهمس بتقطع : ه هه هو عز ه هيي هيتجوز ؟

ابتسمت بسعادة : هو كان قايلي من فترة ان فيه واحدة بيحبها في مصر اتعرف عليها لما كانت في مؤتمر هناك في المانيا و النهاردة قالي انه هيجي يستقر و يتجوز. يااااه عالفرحة اللي جوايا يا ريم اخيرا هفرح بابني الوحيد

كانت حنان تتحدث عن احلامها المستقبلية لابنها و الاخري تتمزق و تشعر بالكره تجاه هذا العز يزداد عن قبل لقد حطمها و ذهب بعيدا بعدها ...قطع لها جميع سبل الحياة كأنسانة و ذهب ليبني حب جديد و اسرة لن تسامحه ما حيت

............................

اما عالجانب الاخر تذكر ريم تلك الصغيرة ذو الجسد الانثوي الفاتن رغم صغر سنها وقتها تذكر برائتها و سذاجتها حينما اغدقها بكلام معسول لينالها كصياد ماهر هو لا يحبها لكنه كشاب باول عمره في العشرين كان يود امتلاكها لتكون هي اول انثي في حياته لكنها ليست الاخيرة بالطبع

( عودة للماضي )

- في هذا اليخت الفخم و الذي امتلكه عن والده و في تلك الليلة التي اكملت ريم الرابعة عشر بينما هو شاب في العشرين لا يزال في نهاية مراهقته ..اتي بها بحجة البعد عن الجميع ليحتفل بها هو مفردهم و يقدم لها مفاجأة عيد مولدها بينما هي تشاهد المناظر المبهجة و عيناها متسعة بدهشة من جمال التحضيرات و هي تؤكد انه حبيبها و تبني امالا علي زواجهما و تفكر في ان تنجب اطفال كثيرة كان هو يحرك اليخت ليستقر في منتصف البحر ثم اتي خلفها يضمها بحنان ذئب زائف

قبل عنقها بحب كاذب : بحبك اوي يا ريمتي بعشقك اوي ...ابتعد عنها بخبث ..بس...

لاحظت حزنه في النهاية لتقول بقلق : بس ايه يا عز مالك

احتضنها يوهمها انه يبكي : خايف خايف تسيبيني و تتجوزي غيري خايف لما تكبري تكتشفي انك مبتحبنيش و غلطتي في اختيارك
....ازداد نحيبه الخادع .... متسبينيش وحدي يا ريم

اشفقت بحنانها البريئ عليه لتخبره : مش هسيبك خالص بس متعيطش يا عز انا بحبك

ابتعد قليلا لتلمع نظراته بأنتصار : طيب و ايه الضمان انك هتكوني معايا و ليا طول العمر

نطقت بعدم فهم : مش عارفة اختار اي حاجة

قبض علي وجهها الطفولي و هي ترمقه بأعين وديعة : انتي بتثقي فيا ؟

اومأت عدة مرات بالايجاب ليردف بمكر يتخلل عقله : تعالي معايا

ابتسمت له دون فهم و ذهبت معه للداخل ببراءة و هي لا تعي عواقب فعلتها فهي لازالت طفلة بينما هو استغل مشاعرها الوليدة في مهدها للانغماس في ملذاته الدنيوية السيئة لقد دمرها دون رحمة او شفقة ...هدمها دون ان يرف له جفن
.....بعد وقت ليس بقليل كانت هي تجلس علي الفراش تبكي و تنوح آلما نفسيا اكثر من جسديا علمت بعد ما حدث انها كانت فريسة في عرين ذئب قاسي اخذت تتخيل مستقبلها المدمر و الفاني بسبب خطأ لا تعيه لقد اودت بحاضرها و مستقبلها بين الثري بينما هو يجلس علي الاريكة المجاورة للفراش و هو يدخن بلامبالاة لعبراتها التي خدشت وجنتيها مثله كما فعل بنفسيتتها البريئة

تأفف من صوتها ليهتف : مااا خلاااااص بقا يا ريم انتي مش واثقة فيا ولا ايه

نظرت له بألم : اللي عملناه حرام يا عز

اردف دون اهتمام : و ايه يعني مش انتي هتكوني مراتي بعدين

لم يعجبها استهانته بالفعلة لكن قالت برجاء : بجد هنتجوز ...متسيبنيش يا عز انا ضيعت

نهض ليقترب منها يخفف عنها : و بعدين بقا بلاش نكد قولتلك مش هتكوني غير ليا

....لقد صدق عز في قوله فلم تصبح ريم لرجل غيره بالفعل بعد ان اوصلها لمنزلها و ذهب ...ذهب دون عودة نهائية كان يرتب لرحيله منذ شهر لاستكمال تعليمه بالخارج و العمل ايضاً تركها و هاجر ، تركها تعاني مفردها غارقة في بحر ضياع ليس له حد سنوات تجر اخري و امواج الهدم تتملكها لكن قررت النجاح رغم انف قدرها و اصبحت طبيبة نفسية مثل استاذها و قدوتها طاهر الجابري

( عودة للحاضر )

ابتسم بخبث : يا تري بقيتي ازاي يا ريم و لا اتجوزتي ههههههههه بس اكيد محدش هيرضي بيكي بعد ما بقيتي ملكي للابد ههههههه بس انا مش ببص للمستعمل .....قالها لتتعالي ضحكاته الخبيثة تدوي بين اركان الغرفة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي