( الفصل الرابع )

**************************

_ بعد تناولها الافطار مع السيدة حنان جلستا سويا في حديقة القصر الواسعة ذو الالوان التي تخطف الابصار و الرائحة الجميلة كانتا تتحدثان عن الامور الحياتية و تضحكان كعادتهن لكن قلب احداهن ينزف بشدة و كره لمن قتل حياتها و عقلها مشتت لا تستطع التركيز ابدا فيما تقوله حنان لم تكن رؤيته بعد تلك الاعوام بالشئ اليسير محال

نهضت السيدة حنان من مقعدها لتردف : انا هقوم اشوف رقية عملت اللي قولتلها عليه في المطبخ ولا لا

ابتسمت لها بود : اتفضلي يا طنط

....بادلتها الاخري الابتسامة و ذهبت باتجاه باب القصر للداخل بينما ريم تفكر هل يصح الان وجودها في ذلك المكان الذي يحمل انفاسه الكريهة نعم تتذكرها جيدا و هو يقتل برائتها و لم تفهم في ذلك الوقت ماذا عليها ان تفعل لكن قطع شرودها كف توضع علي كتفها الايمن لتهب منتفضة واقفة تجده هو يرمقها بتهكم واضعا كفه الاخر في جيب بنطاله

قال بتأمل في هيئتها : ازيك يا ريم ..مكنتش اتوقع انك بقيتي كدة

لم تفهم جملته الاخيرة لتخبره بهدوء ينفي ما بداخل اعماقها : مفيش حاجة بتفضل علي حالها زي مانت شايف يا بشمهندس عز انا كبرت و نجحت ووقفت علي رجلي موقعتش و بقيت دكتور ناجحة اللي زيك مقبلش اسلم عليهم صدفة

دوت ضحكاته في قلب المكان ثم صمت ليهتف : لا حلوة هههه حلوة اوي ريم الجديدة ...اقترب خطوتين ليهمس ...بس مهما ريم تتغير مش هتعرف تداري نفسها عني

دفعته باشمئزاز : ميهمنيش رأيك لكن اعرف ان ريم القديمة الهبلة الضعيفة ماتت

مد كفه لها بسلاسة ليقول : طالما اللي قدامي جديدة يبقي نتعرف من جديد انا عز الدين الشاذلي مهندس معماري ٣٤ سنة

رمقت كفه الممتد بوقاحة لتجيب ببرود : مانا قولتلك ريم الجديدة مش بتحط ايدها و تسلم علي اي حد

ضم قبضته للخلف مبتسما بسخرية : و ماله بكرة نتعرف يا ريري ...ذهب للداخل و هو يوزع ضحكاته الكريهة في الاركان بينما تلك المسكينة هطلت عبراتها بضعف

____________________________

_ وضعها علي الفراش برقة متناهية يستمع الي آناتها الخفيضة بشفقة مفرطة علي حالتها التي وصلت اليها بسبب اهماله لها يشعر انه هو من تسبب بتلك الالام المبرحة التي لاقتها هذه المسكينة ذات الجسد الهزيل و الصغير فهو لاحظ بالفعل ضعفها الظاهر علي اركان جسدها لقد خسرت الكثير من وزنها و ذبلت اعينها الجميلة الواسعة ...رمق ضلوعها اسفل ملابسها و هي ترتفع و تنخفض بوهن شديد مما تعرضت له اليوم و فتحات انفها الصغيرة تفتح و تغلق بصعوبة فمد كفه الضخم يمسح علي وجهها المتعرق كأن حنوه يزيل وجعها الجسدي

نهض مسرعا الي الخارج يحضر المساعدين ليسعفوه في تركيب المحاليل لها ليضع بنفسه ( الكانيولة ) مبررا لها بفعلته عن اسفه الشديد ثم امرهم الخروج واضعا قطن سميك مبلل علي جبهتها و مرر ظهر يده علي انفها و جانبيه ووجنتيها مسحوبة الدماء ليهمس : اول مرة احس بكدة اول مرة احس اني قصرت انا عارف ان انا السبب واجبي كطبيب معالج مكنش لازم اخلطه مع مشاعري الانسانية انا هقف جنبك يا مها لحد ما تخرجي من هنا واعية انسانة تقدر تكمل حياتها

رمشت عدة مرات باعين مغمضة و كأن اعينها تثني عليه لوقوفه جوارها
___________________________

_ صباح اليوم التالي يجلس مع اسرته الصغيرة يتناول طعام افطاره بهدوء ليجد ان عز ابن شقيقته يود الحديث اليه لكنه ينتظر انهاء الطعام فبادر قبله

وضع قطعة الجبن في شوكته ليردف : اممم فيه ايه يا عز

ابتسم عز ثم قهقه بقوة ليقول : انا نفسي بس يا خالي اعرف اخبي عليك حاجة محدش فاهمني غيرك

بلع مضغته ليخبره بمرح : اه خالي و احترامات يبقي فيه موضوع مهم اتكلم

تأففت حنان بنزق : يوووه ما تقوله يا ولاا انك عاوز تخطب و تخلصنا

اشار لوالدته ناظرا الي طاهر : شوفت يا طاهر امي دي دايما بتفتن عليا ...ضربته في كتفه لتقول ....فتانة انا فتانة ؟؟!!!

رفع كفيه باستسلام : احنا نقدر نقول كدة بردو

ترك السكينة ليهتف : ها مين يا سيدي تعيسة الحظ

رفع حاجبه الايسر مردفا : تعيسة !!! علمك بقا يا طاهر دي محظوظة اني هتجوزها و عامتا هي صديقة ليا اتقابلنا في مؤتمر لما كنت مسافر و كلمت والدها و هو موافق فاضل تروح معايا علشان نحدد الخطوبة

ابتسم له بشماتة : وقعت بدري ههههه

ضيقت حنان بين حاجبيها قائلة : جرا ايه يا طاهر انت عايزه يفضل جنبي يعني

نهض بعد مسح فمه بالمحرمة : الله يكرمك يا حنان اهدي هو كان بنت يعني

ضحك عز الدين و طاهر بينما رمقتهم حنان بضيق مصطتنع

_________________________

_ بعد ان ترك المنزل صباحا ذهب الي عمله بالمشفي مجتمعا مع استاذه الدكتور باسم في حديث سيغير مجري حياة مها كثيرا من وجهة نظره لقد عرض عليه عرضا علي تحمل كافة المسئولية في ذلك فأذن له الطبيب باسم بأخذها في نزهة صغيرة خارج هواء المشفي ليحضر لها الفستان الرقيق الذي احضره لها امس لترتديه و حينما خرجت له كانت حورية جميلة و ملائكية به فكان عبارة عن فستان يصل لبعد ركبتيها من خامة الشيفون ذو اللون الابيض اسفله مبطن بطبقة سميكة من القماش و ذو اذرع منتفخة قليلا بشكل جميل و تنتهي بأسورة ضيقة عند المعصم و طلب منها اعطاء الحرية لخصلاتها العسلية المشبعة بلون الشمس لتظهر بريئة لطيفة بوجهها الخالي من اي مستحضرات تجميل

....رفعها من خصرها لتشهق حينما تعلقت قدماها بالهواء لكن هدأت حينما لامست قدماها الارض مرة اخري ثم وقف هو خلفها ليزيل تلك القماشة علي اعينها لتفتح زرقاويتيها بهدوء تشاكسها اشعة الشمس ابتسمت باتساع عندما وجدت نفسها بعرض البحر تشتم عبيره مخلوطا بهواء الربيع في يخت يتحرك بهدوء و اعتدلت له

ادمعت عينيها تشكره علي فعلته بينما تحدث هو : لا عايز اسمعها منك ..عايز اسمع صوتك بينادي عليا زي امبارح

تعلقت عيناها به تحاول اخراج صوتها المرتعش : طط طا طاهررر شش شكرر شكرا ...ثم وضعت كفها الصغير المرتجف اثر الكهرباء علي شفتيها كأنها ترحب بصوتها الذي اشتاقته

ابتسم لها بود و هو يناظر حالة كفها بحزن : صوتك حلو اوي يا ميهو اوعي تحرميني منه اتكلمي يا مها اتكلمي و لو عاوزة تصرخي اعمليها انا كمان هصرخ معاكي

قهقهت بزقزقة كصوت العصافير الصغيرة المتحررة من قبضة سجانها ليقع هو اسير تلك الضحكة دون عناء منها و تحتضنه بحب من خصره لاول مرة ليكون الاندهاش و الصدمة من نصيبه هو لكنه رفعها بين احضانه متناسي حالتها و انه من المفترض ان تكون الخطوات هي من تخطيها بنفسها و عن لحظة تهوره و التفافه بها في الاركان حانت قبلة له علي وجنتها المكسوة بحمرة طاقتها الايجابية لتنسحب تلك الابتسامة منها فورا منتفضة بين ذراعيه تحرك ساقاها بعنف و خوف تحاول دفعه عنها بقوة ليفيق بسرعة و يهبطها علي الارض فتراجعت هي للخلف ببطئ و قلق منه ملتفة حول نفسها بهيستيرية و عدم وعي تصرخ : انا اسفة يا فااارس اسسسفة ااااه مش هعمل كدة لاااااا لااااا فاااارس لااا رغد متززز متزعلييش فااارس لا ...ااااه....شعر بتيبسه في موضعه نسي كل خبراته امام خوفها و انهيارها المسكين لتسرع هي تجاه حافة اليخت لتلقي بنفسها في مياه البحر المالحة

صرخ اخيرا و خرج صوته مناديا : مهاااااا لااااا

القي بنفسه خلفها بسرعة لينقذها سبح كثيرا و لم يجدها فغاص باسفل و غاص شعر بقلبه يهبط بين قدميه حينما وجدها غائصة علي بعد كبير و ذراعيها مرفوعة لاعلي مغمضة الاعين باستسلام واهن فحملها بذراع و اتجه للسباحة بذراعه الاخر لاعلي

* بعد ساعات فتحت عينيها بتعب ظاهر لتجده يجلس علي مقعد خشبي جوار الفراش الذي تجثو عليه يرمقها بأسف لتتذكر ما حدث جيدا ثم وضعت كفيها علي وجهها تبكي بقوة لفعلتها ليتجه اليها يربت علي كتفها بحنو

قالت من بين بكاؤها : اسفة متزعلش اسفة يا طاهر مقصدش غغ غصب عني بجد ااانا

قاطعها و هو يرفع يدها من وجهها قائلا : بتتأسفي علي ايه علي فكرة رد فعلك طبيعي اي بنت هتتعصب لما راجل يقرب منها

ازالت عبراتها : بس انا كنت بزيادة طاهر انا مجنونة صح ااا انا مش هخف صح ؟

كيف يجيبها و كتلة البراءة تلك تستجوبه فابتلع ريقه مردفا : لو مجنونة مكنتيش تتأسفي و تفتكري اللي حصل لو كنتي مجنونة مكنتيش تعرفي الغلط من الصح مها انتي بس نفسيتك مرهقة و انا معاكي لحد ما ترتاحي و تهدي متقلقيش هتقدري ترجعي تاني و تعيشي حياتك احسن من الاول اتفقنا

اجابته بحزن : رجعني المستشفي

سجن وجهها بين كفيه ليقول : لا خلاص مفيش مستشفي تاني انا اخدتلك اذن خروج علي مسئوليتي من الدكتور باسم و هتعيشي في قصري مع اختي حنان لحد ما احس انك بقيتي تمام و هحررك نهائي ياستي

ضحكت بقوة ليتعجب امرها متسائلا : مالك بتضحكي كدة ليه ؟

تحدثت بصعوبة بين ضحكاتها : اصل ..اصل ..اصل دكتور باسم بصراحة اخد من حتة دين قلم احم يعني ممكن تعتذرله بالنيابة عني

صمت قليلا يستوعب حديثها ثم انفجر ضاحكا دون وعي و هو يتخيل استاذه بين براثن مها و لم يلاحظ تلك العاشقة التي سقطت بسهولة في براثنه هو_ تناظر كل ما حولها في ذلك القصر الواسع و الفخم تتذكر ذلك اليوم الذي اتت فيه اليه و كانت قبضة طاهر الحانية تمسك كفها الصغير باحتواء كبير اشعرها بالدفئ خاصة بعد ان رأت السيدة حنان اخته الكبري تلك البشوشة الراقية اللطيفة و التي رحبت بها بكل حب و اهتمام و اعتبرتها اختها الصغري طوال فترة الشهرين الماضيين و هي تضحك و تبتسم بسعادة وسط العائلة المحبة و المثالية كما اطلقت عليهم حتي عز الدين يعاملها باحترام كما طلب منه خاله و تدرجت المعاملة حتي شعر بانها صديقة له و اخته التي عوضه الله بها كما شعرت هي بذلك لا تنكر حينما جاءت الي القصر كانت خائفة منكمشة منفصلة و منعزلة لكن تدريجيا توصلت انهم اشخاص جيدين يستحقون الاحترام و الحب كما انها اصبحت لا تخشي الناس قليلا تستطع التواصل مع الغير و كان ما يحمسها هو امداده لها بالقوة و الثقة الدائمة في جميع الاوقات الآن هي تعيش و لو بشكل مؤقت في قصر ضخم كما تمنت منذ زمن لكن شعور الاحتواء الذي احسته كان افضل و اجمل من الف قصرا تمتلكه فهمت اخيرا ان المال لا يضاهي ابتسامة مرحة من القلب مع اناس تحبهم نعم تعترف عشقته عشقت هذا الاربعيني بشدة تعلم ان بينهم فرق شاسع في السنوات و ال المستوي الاجتماعي و الثقافي لكن رغما عن انفها احبته و ستسعي لاسعاده كما اسعدها و اسعاد كل من يحبهم ......فرحت كثيرا حينما علمت ان اليوم هو خطبة عز الدين و اخذت تجهز مع حنان لهذه المناسبة المهمة و هي تشعر بان شئ دفين يؤلم ريم كلما اتت لزيارة حنان في الايام الماضية بينما تخشي الاقتراب من مساحتها الشخصية حتي تتلاشي الحرج ..اخرجها من شرودها ظهوره و هو يجلس بجانبها

ابتسم لها ليقول : الظاهر كنتي سرحانة جدا

خجلت من ملاحظته الدائمة لها : يعني كنت بفكر في اللي حصلي

ربت علي كفها الناعم ليهمس : مش احنا قولنا الماضي مات و مش هيبقي موجود تاني مها انا عارف انك بقيتي انسانة جديدة

ادمعت عيناها بقلق و تسائلت : حتي بعد ما حكيتلك اللي عملته في فارس وو

قاطعها بشدة : شششش بس مبقاش فيه فارس و لا ناس هتطاردك تاني و لا حد يمد ايده عليكي او يضربك انتي قوية وواثقة في نفسك مش اتفاقنا ...اومأت له بهدوء ليقول ...يبقي متسمعنيش اسم فارس علي لسانك بعدين انا عاوز الغدا النهاردة من ايدك
تنهدت قائلة و هي ترفع خصلة ذهبية هاربة خلف اذنيها بخجل و لم تلمح عيناه اللامعتان مع تلك الحركة التي اذابت قلبه : اصل انا مبعرفش اطبخ يا طاهر

رمقها بنظرة لم تفهمها ليخبرها بهمس : طب ما تروحي المطبخ جوة عند حنان و اهو تتعلميلك حاجة ...صمت قليلا ليهمس بصوت ممتلئ بالمشاعر ...بدل مانتي حلوة كدة

رمقته باعين متسعة لحديثه الاخير متزامن هذا مع انفجار دماء الخجل بوجنتيها ثم نهضت تركض للداخل تتواري عن انظاره لينفجر هو ضاحكا باعجاب لها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي