الفصل الثامن والعشرون

نظرت إليه فطرق بابي.



الأنتقام الأخير.



ربما ذلك الوجع سيكبر مع الوقت، لكني سأحارب من اليوم للتخلص من تلك المشاعر التي تأخذني دومًا إليك، سأمنع قلبي من حبك، تدري شيء أنت لست مني رغم أنك تجري بدمي ولكني سأحارب نفسي من نَفسِ.


فعندما تركت أسير كنت على مقربة من منزل والدي، فدخلته ومع بداية خطواتي لغرفة والدتي تذكرت ذكرياتي بوالدتي ووالدي فأكملت بطريقي لغرفتي فسمعت صوتهم ورأيتهم يتحركون بالمنزل فخرجت من المنزل وأنا أنظر خلفي بخوف وبالكاد ألتقط أنفاسي، فركبت سيارتي ووجدت البلورة متواجدة بجانبي.


فتحركت بالسيارة إلى أن وصلت للكوبري فأوقفت السيارة ورميت البلورة والريموت بقوة من أعلى الجسر ونظرت ووجدت طفل صغير أخذها وطار حاولت بأن ألحق به لكني ما استطعت فسلمت أمري لله وعاودت الركوب للسيارة والدموع بعيني كلما تذكرت حديث أسير لي.


فدلفت للمشفى لعند أحمد والدموع ما زالت على وجهي فعندما رأيني بهذه الحالة جن وحاول معرفة السبب فقلت له: عادل هرب من السجن وما وقع على أوراق الطلاق.


فأخذني بحضنه وقال: لا تحزني فهو ما سيأذيكي بعد اليوم، أنا بجانبك وما سأتركك وعد عليّ وسأوفيه لكي.

فاطمة: ما قلقة لكني حزينة قلبي يعصرني بالداخل، أريد الخلاص من هذا الوجع المسيطر عليّ، من فضلك عالجني فأنا تعبت كثيرًا يا أحمد.

وما استطعت تمالك نفسي وبوحت بالذي بداخلي وقلت بغضب: فأنا اشتقت للشخص الذي أحببته ما هذا الشخص الذي أكرهه.


وأخيرًا وبعد طول انتظار مني قررت البوح، فأنا بقيتُ صامدة لمدة كبيرة في بعادك عني، وحاولت تقمص دوري بمهارة ب أخفاء مشاعري عنك وعن الجميع، ولكن قلبي تعب من البعاد والنفاق بأني سعيدة بدونك، ويريد أخبارك بأنه أشتاق لوجودك بجانبه ولو ثانية لكي أسترجع روحي لي وينبض قلبي مجددًا.

فرفع رأسي للأعلى ونظر أحمد لعيني وقال: أنا أسف لأني كنت مهووس بك وبسببي بعدتي عنه.


فاطمة: أنت لست سبب بعدي عنه فهو للأسف لا يحبني، ونسيى كل شيء حدث معنا على الجزيرة.
أحمد: فاطمة أنظري عليّ أنا رجل مثله، وأعرف كيف يحب الرجل وأنا متأكد مئة بالمئة بأنه يحبك.

فقلت بانفعال وملامح حزينة: أرجوك لا تتكلم عنه أمامي، أنا أريد أن أنسى، فنحن سنبدأ حياتنا معا وأنا كما كنت أحبك بالسابق سأرجع أحبك مرة أخرى هذا سهل عليّ، لكن ساعدني.

فابتسمت وقال: لا تكذبين على حالك، أنظري لنفسك وأنتي ستعرفين من تحبين، الحب ليس كالمنبه تعيره مثلما أردتي.

فقلت بنظرة بريئة: لكنك...

وقاطعني وقال: فاطمة أريد النوم، هل يمكنك تركي الآن لأني سأنام؟

فاطمة: هل تضايقت من حديثي؟

فبدل كلامه والابتسامة مرسومة على وجهه وقال: لا فأنا أحبك يا مجنونتي وسأظل أحبك ولا أستطيع الانزعاج منكي أبدا، ويمكنك البقاء معي إلى أن أنام لو كان هذا سيريحك.

فمسحت دموعي وأنا ابتسم له وقلت: بالتأكيد سأكون معك من اليوم وكل يوم.

فطرق الباب ودخل الطبيب والممرضة وقال وهو يبتسم: كيف صحتك يا وحش.

أحمد: بخير يا دكتور.

فاطمة: هل هناك شيء؟

الطبيب: جئت لكي أفحص أحمد على السريع وأطمئن على وضعه الصحي، أتسمحين لي يا فاطمة.

فاطمة: بكل تأكيد أفعل عملك أيها الطبيب، أحمد سأنتظرك في الخارج إلى أن ينتهي الطبيب.


فنظر عليّ بخوف وقال: لا تخرجي رجاءًا فقط أبقي وأمسكي يدي.

فحرك رأسه الطبيب بالموافقة وقال: يمكنك البقاء يافاطمة بجانبه.

فاقتربت منه وأمسكت يده وفحصه الطبيب بملامح مريبة وابتسم وقال: عال العال ف صحتك جيدة يا وحش .

ففرحت وقلت: الحمد لله.

فقال الطبيب بصوت منخفض: أحمد هل تسمح لي بأن أخطف فاطمة منك لدقائق؟

أحمد: هل هناك شيء يخص حالتي؟ من فضلك قله أمامي.

الطبيب: أنا أريدها بموضوع شخصي سبق وأخبرتها عنه

فغمزني الطبيب فقلت: أجل يا أحمد فهو سألني عن شيء يخص الخال صابر، انتظرني دقيقة.

فسبقته للخارج وأغلق الباب جيدًا وتركتنا الممرضة وقال: وضعه الصحي ليس بخير، فجسده بعدما أستجاب للعلاج رفضه مرة أخرى، ماذا حدث في الأربعة والعشرون ساعة الماضية ؟ بآخر فحص كان أفضل من الآن
فأغلقت عيني و عبث وجهي وظهر عليه الحزن من الذي سمعته فقلت: أنا أسفة فقد ارتكبت خطا ولكني أوعدك بأني لن أعيد الذي حدث مرة أخرى.

الطبيب: فاطمة فلكونه يحبك فأنتي الورقة الرابحة لنا، فهو ما لديه والدان يعتنون به، فقط لديه أنتي فأهتمي به من فضلك، رجاءًا إلى أن يتحسن وأبعديه عن إي توتر أو حزن.

فقلت بحزن: وعد سأفعل كل ما هو بوسعي.

الطبيب: حسنا سأعتمد عليكي، فأنا ذاهب الآن لأني لدي مرضى يحتاجونني، أراكي بوقت لاحق.

فدخلت للغرفة وأنا أضحك وقلت: أحمد فأنا اشتقت لك، أخبرني ماذا فعلت بغيابي؟

فقال باستغراب: هل لحقتي تشتاقي لي؟

فقلت بحماس: أجل فأنا أشتاقك بكل وقت.

مرت الساعات وأنا جالسة أمامه على الكرسي نسترجع ذكرياتنا وأخبره بالذي حدث لي على الجزيرة ونضحك بأستمتاع، كنت أتكلم بلا توقف إلى أن غفي أمامي وهو ممسك يدي، فأمسكتها بقوة وقبلتها ووضعت يدي على رأسه وقلت: فأنا سأعوضك عن تلك السنوات التي تركتك بها.

فسمعت صوت الباب يفتح دون أن يطرق فتركت يده وقمت من على الكرسي وقلت: من هنا..

ما أكملت كلمتي ورأيت أسيا بالزاوية فنظرت لأحمد ووجدته غارق بالنوم فأخذتها وخرجنا للخارج خوفًا من أن يراها أحمد لأنه يعرف بأنها صديقة أسير فوجدتها تبكي وارتمت بحضني وقالت: أسير.

فشعرت بالقلق وكنت سأسألها عليه بلهفة فتراجعت وقلت بكل برود: ما به.

فعاودت البكاء دون توقف وما فهمت منها شيء فتحركت من أمام غرفة أحمد وأخذتها للأسفل واشتريت لها علبة من المياه وأعطيتها لها، فعندما وصلنا للأسفل كانت هدأت قليلًا فقلت وأنا أضع يدي عليها: أسيا أخبريني ماذا حدث؟ لمَ كل هذه الدموع فأنتي حامل وستتأثر صحة الطفل بحزنك.

فشربت رشفة من المياه وقالت: أنقذي أسير من فضلك.

فأربكتني وقلت بخوف عليه : ما به أسير فقد كان معي في الصباح.

أسيا: عادل أنتحر، فقد أطلق الرصاصة بنصف رأسه، وأسير كان هناك ورأه.

فقلت بتفاجيء: ماذا ولمَ لم يخبرني محمد بالذي حدث، سأتصل به بالحال.

فقامت وأخذت الهاتف مني وأكملت: عادل الأخ الأكبر لأسير.

فصرخت وأنا أقول: ماذا؟ كيف تقولين بأنهم أخوات؟

فوضعت يدي على أذني وقلت: أنا لا أصدق بالتأكيد كلامك، فأنتي فهمتي شيئا خاطئ، أو أنا قد سمعتك بشكل خاطئ.

أسيا: هذه الحقيقة يافاطمة ف عادل أبن عم خالد ولكنه لم يعترف به فكبر على الكره والحقد عليهم.


فجأة سمعنا ضجة بالمشفى والدكاترة والممرضات يركضوا للأعلى فقلقت على أحمد فتركت أسيا وذهبت لغرفة أحمد فما وجدته، فرأيت الطبيب المباشر على حالة أحمد بملامح مذهولة ولا تستوعب الزحام والذي حدث، فهو يقلق على المرضى، فوصلت للغرفة التي متجمعون بها الجميع.


فوجدت والدي بداخل الغرفة نائم على الفراش ولا يتحرك، وأحمد على الأرض وفاقد الوعي، فتعرفت على والدي وأثبت بأن والدي ما زال على قيد الحياة، وأخذوا أحمد ونقلوه على غرفته ودلفت معهم فأعطوه علاجه وتركته عندما نام، وذهبت للطبيب وسألته عن المريض الذي كان بالغرفة، وقال: هل تعرفين هذا الشخص؟

فاطمة: أجل فهوا والدي لكن كيف جاء لهنا ومتى.
الطبيب: منذ ثلاث سنوات فقد عثروا عليه بحادث سير ولم يتعرف عليه أحد لأنه ما كان يوجد معه أوراق شخصية.

فاطمة: لماذا لم تقوموا بوضع إعلانات للتعرف عليه؟

الطبيب: نحن بالفعل أنزلنا أعلانا بالجريدة وكذا شخص جاء وما وجده الشخص الذي نبحث عنه ليستلمه.

فاطمة: ما حالته لما هو لا يتحرك.

الطبيب: بغيبوبة مؤقتة منذ ذلك اليوم وننتظره بأن يفيق.

فاطمة: ما نسبة افاقته.

الطبيب: حالته غير مستقرة ولا أستطيع افادتك أكثر، يمكنك بأن تأخذيه لمستشفى خارج البلاد هناك علاج متاح لنفس حالته.

فاطمة: حسنا ساعدني بالإجراءات وأنا من الغد سأسافره.

الطبيب: هل ستسافرين معه؟

فاطمة: بكل تأكيد.

الطبيب: وأحمد فهو يحتاجك أكثر منه، حالته سيئة للغاية، أما والدك فحالته مستقرة منذ سنوات.

فاطمة: ومن سيسافر مع والدي.

الطبيب: لا تقلقي سأخبر صديقي بأن يتولى أمره هناك.

فاطمة: حسنا سأبقى بجانب أحمد وأنت أيها الطبيب كلم صديقك و أفعل ذلك من أجلي رجاءًا.


الطبيب: والدك صديقي العزيز.

فاطمة: شكرًا لمساعدتك لي.

الطبيب: هذا واجبي.

بعد مرور يومين من اكتشافي بأمر والدي وبأنه ما زال على قيد الحياة، شعرت بأن روحي بدأت بالحياة، فما فرحت كثيرًا لأني سمعت ب خبر موت أحمد فكان الخبر كالصاعقة على قلبي للآن ما صدقت بأنه مات وتركني.


فحقا كان خبر موته كالصدمة ما تخيلت بيوم بأنه سيتركني ويرحل، فنحن تواعدنا على العيش سويا، استغربت نفسي لأني ما بكيت عليه فكنت أصرخ من داخلي حزنًا عليه فقط ومن الخارج هادئة ولا أفعل شيء، حتى جنازته ما كنت أنوي الحضور، ولكن محمد ضغط عليّ بالحضور.


فشعوري بالذنب واعتقادي بأني سبب موته كان يلاحقني كل دقيقة، للأسف كنت أعرف بأني المتسبب بموته، فسمعت أصوات كثيرة بداخلي تخبرني بأن أقتل نفسي ولكن أتراجع عندما أتذكر بأن والدي هو الآن يحتاجني بجانبه ليس له أحد غيري بعدما اكتشفنا بتورط عمتي مع عادل تم ألقاء القبض عليها والحكم عليها بالسجن مدى الحياة.


فوقفت أمام صورة أحمد وشكرته لأنه أسدى لي خدمة كبيرة يستحيل ردها له من بعد اليوم، وهي اكتشافه بأمر والدي قبل أن يموت ويترك الحياة، فقد ترك لي والدي كهدية قبل رحيله، ما يكفيه الذي فعله لي طوال حياته ففعلا هو ملاك، فتبين من تحقيق الشرطة بأن والدي تم اختطافه من ثلاث سنوات على يد رجال عادل عندما رفض مساعدته في أعماله الغير مشروعة، ومنها مشروع تحت أسم( الرصاصة البلاستيكية) ومن ثم دبر له حادث سير ومن يومها بالمشفى وداخل غيبوبة.


واستطاعوا بأن يستجوبوا عمتي وأخبرتهم بأن عادل طلب من صديقه عدنان مساعدته بتمثيل دور والدي وصمم له قناع مماثل لوجه والدي وأعطاه إياه ودربه على أن يتصرف وكأنه والدي، ولحسن الحظ بأن الشرطة استطاعت كشف الأمر وتبرئة والدي وأثبات بأنه حي، وأدركت الآن بالإجابة التي كنت أنتظر سماعها بأن والدي بريء من كل شيء.



فكان الفترة الماضية يلحق ببالي هذا السؤال مرارا ، لماذا تغير والدي علينا فجأة و كان يفعل معنا هذه التصرفات؟ فأدركت الآن بأنه ليس والدي وأنه شخص مزور، ف الحمد لله ذلك الشخص الذي يدعى بعدنان قد نال عقابه وتم شنقه بسبب قتله لوالدتي.



فتركتنا الشرطة ورحلت، فأنا ودعت والدي وذهبت مع محمد لدفن أحمد، فدفنا أحمد بجنازة صغيرة، فعندما غطوا بالتراب بدأت أشهر بفراقه وببعده عني، وكم أنا اشتقت إليه، فبدأت الدموع تتساقط واحدة تلو الأخرى وصرخت كثيرًا وأنا أعتذر له، فمشى الجميع وبقيت أنا ومحمد لمدة ثلاث ساعات فوق قبره أبكي وأستسمحه.


فجاء لمحمد أتصال عن بيع الشركة، فأخبرني بأنه سيذهب هو بمفرده لكني صممت على ذهابي، لأننا كنا عارضين المكان للبيع فذهبنا سويا وقرر عدم تركي ومن ثم ذهبت لشركة عادل وتطلعت على الأوراق التي بشركته وقررت القرار الصحيح بما سأفعله بأمواله.




فرجعت لأسير شركته ومنزله الذي أخذه منه عادل بالاحتيال، لكني لم اقابل أسير فقط أرسلت الأوراق مع محمد، وبعت منزل عادل وتبرعت بجميع أمواله للمؤسسات الخيرية وللفقراء، وأخذت والدي وغادرت خارج البلاد لكي أعالجه، ف أستمر علاج والدي أكثر من ستة أشهر، واليوم حالته استقرت وخرج من الغيبوبة بعد معاناة كبيرة، لكنه ما زال لا يتكلم.



بعد مرور 6أشهر من سفري لعلاج والدي.



ففرحت عندما تكلم معي بعد غياب سنوات، صحيح كلماته غير مفهومة ولكن صحته بدأت تتحسن وهذا الأهم إلى أن يشفى بالكامل، فطلب مني عن طريق الأشارة بأن أحجز تذاكر للعودة وبالفعل لبيت أمره ورجعت به لمصر بأول طائرة.


فعندما عُدنا أدخلته نفس المشفى القديم الذي كان يعمل بهي أسير، فدورت على أسير بكل مكان بالمشفى وما وجدته، فتذكرت أسيا ودلفت لغرفتها وما وجدتها هي الأخرى هناك فسألت عليها وأخبرتني الممرضة بأنها رزقت بطفل وبإجازة هي الآن، وعندما سألتها عن أسير، فأشارة لي بحزن برأسها وتركتني وذهبت، فقلقت عليه وبالصدفة وجدت عبد الجواد أمامي فسألته على أسير، ف أخبرني عبد الجواد بأنه بإجازة منذ ذلك اليوم الذي انتحر به عادل، فذهبت لغرفة والدي ونظرت عليه وتركت والدي نائم بالغرفة وخرجت لفعل شيء مهم.



فأول شيء فعلته عندما عودت لبلدي زورت والدتي وأحمد لأني اشتقت لهم ولوجودهم معي، ومن ثم سأذهب لكي أجد أسير، فصحيح الوجع مستمر لكني أتقبل حياتي بابتسامة والدي وبعودته للحياة بصحة جيدة، وبينما أنا ذاهبة بعدما انتهيت من الحديث معهم وفي طريقي للخروج للطرقات الأساسية، لمحت أسير جالس أمام قبر والده ووالدته يبكي والدموع تملئ وجهه، فعندها لمحني هو الآخر فوقف وتحرك نحوى بالأقدام فجريت عليه وعانقته أخيرا وأنا أشعر بالانتصار فقال لي وهو سعيد: فاطمة هل حقا أنتي هنا؟


فقلت وأنا وأضحك: ششش لا تتكلم كثيرًا أجل أنا هنا وبداخل حضنك أيضا.


فعانقته بقوة وقلت: لا تتكلم رجاءًا.


فابتعدت عن حضنه ورمقته نظرة حب وقلت: حبييي ف أنا اشتقت لك.


فضحك أخيرًا وقال: وأنا اشتقت لكي كثيرًا.



فابتسمت بشفتي وقلت: قول لي شيء جديد لم أسمعه منك من قبل.


فأمسك يدي وقبلها ومن ثم صرخ بصوت عالي وقال: فاطمة أنا أحبك، أجل أحبك كثيرًا أحبببببببك.


فعانقته وأنا أقول: وأنا أحبك.


فاحكم قبضه يده على ظهري واراح رأسه على كتفي وقال: أخيرًا قولتيها لي.


فقلت وأنا مرسومة الابتسامة على شفتي: أحببتك، ثم تعلقت بك، ثم عشقتك، ثم أصبحت قطعة من جسدي، وشيئاً من روحي لا أستطيع الابتعاد عنه، فلا شيء يعادل قربك بجانبي، كل الأشياء التي اود أن تستمر هي أنت.


لم أحبّك لحاجتي للحب، ولم أحبّك لتسد فراغات أيامي، لم أحبّك لأنني وحيدة وأريد ظلًا أُظلّ به.. بل أحببتك لأنك أنت، لأنك المكان الآمن، لأن الخوف معك يتلاشى كأنه لم يكن، أحببتك بسجيتك وبعيوبك وندوبك حتى في اللحظات التي لم تُحبّ نفسك بها أحببتك كثيرًا ورغبت بك كثيرًا دون توقف.


لو أنك تدري كم أشتاق إليك في هذا اليوم، اشتقت لصوتك ولدفء قلبك الحنون، فأنت علمتني كيف يكون الاحتواء الحقيقي بين يديك، أحببت وجودك بجانبي دومًا لا تنسى ذلك، ﻭﻟﻴﺸﻬﺪ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺃﻧﻲ ﺃﺣﺒﻚ ﻭ ﺃﻛﺮﻩ ﻏﻴﺎﺑﻚ ﻭ ﺃﻏﺎﺭ ﻣﻦ ﻛﻞ شخص يجول بجانبك وأنا بعيد عنك، أحبِك وكأنك الحقيقة الوحيدة فِي هذا العَالم، ‏أحبك دائماً وكأنني من أجل حُبك خُلقت.



فجلس على ركبته وعرض عليّ الزواج وقبلت، فحملني ودار بي وهو يضحك فأنزلني من بين يده وقبل جبهتي وقلت له: أنا أسفة أعرف بأني أحزنتك كثيرًا وبخصوص كذبتي بموضوع أحمد وعن حبي له وزواجي منه، ف لأنه كان متعب وأردت بأن...

فوضع يده على فمي وقال: لا تكملي فأنا أعرف كل شيء سبق وأخبرتني أسيا عندما مات أحمد بالتضحية التي فعلتيها له.

فاطمة: ما كانت تضحية فهو شخص غالي على قلبي كثيرًا.

أسير: بالتأكيد هو بمكان جميل الآن.


فأغمضنا عيوننا وبدأنا نقرأ لهم الفاتحة، فسمعنا أصوات غريبة و ضجة بالمكان وبلحظة حاصرونا ثلاث سيارات، وبأقل من ثانية وجدنا رجال مسلحين يرفعون السلاح بوجهنا، فاقتربوا منا شخصان ووقفوا وراءنا، لمحت شخص بطرف عيني أعطى لأسير حقنة بظهره، وعندما تكلمت معهم، فأمسكني شخص من رجال عادل وقيد يدي وضع منديل به مادة منومة على فمي وغبت عن الوعي عندما استنشقته وما رأيت شيء بعدها إلا عندما أستيقظت.


فاستيقظت وفتحت عيني وأنا أنظر يمين ويسار فوجدت نفسي بغير راحتي و محاصرة بصندوق من جميع الأتجاهات، حاولت كسر الزجاج الشفاف ما عرفت، حتى عندما أصرخ ما أسمع صوتي يخرج للخارج، فصرخت كثيرًا ولكن كان بلا جدوى.


فأخذت عيني تجول بالمكان فوجدت ساعة بالون الأحمر تتبدل من خلال اللف بالثانية، ولاحظت بأنها لها علاقة بالصندوق الذي أنا بداخله، فبدأت أفهم خطورة الوضع الذي أنا به، فسمعت صوت صفير وتم فتح الصندوق من الأعلى فنظرت ودخلت المياه بداخل عيني، وبدأ سكب المياه بالصندوق تدريجي من خلال ثقب صغير بالصندوق وأنا بداخله هم يُريدوني بأن أموت غارقة بالمياه بداخل الصندوق، بالتأكيد هم أرادُ حرق قلب أسير عليّ، لأنهم يعرفون بأنه من المستحيل خرق الصندوق بأي شيء، هو فقط يتم فتحه بالمفتاح الخاص به، وبالتأكيد ما سيعطونه له، فأنا حقًا اتمنى بأن يقتلوني ويتركوه، وأتمنى أيضًا عندما يتركوه ينساني ويعيش بسعادة.


فبدأت أصرخ وأصرخ إلى أن جاء فايز مساعد عادل ويده اليمنة، فقلت له وأنا غير مستوعبة بأنه هو من فعل ذلك: لماذا تفعل بي هذا الشيء؟

فايز: فقد قتل معلمي ولهذا تستحقين الموت أنتي وذلك المعتوه.

فاطمة: لكن ما ذنبي أنا وهو.


صمت ونظر لمسدسه وشعرت بأنه سيخرجني فقلت: اسمعني أنتوا بطريق غير صحيح .


فانزل مسدسه وتحرك للخارج فصرخت عليه وقلت: نهايتكم ستكون مثله، لأنكم تفعلون مثلما كان يفعل عادل، فايز أخرجني وأنا أوعدك بأني ما سأقدم أي شكاوي عليك، لكن أخرجني من هنا فأنا أريد العيش مع أسير وأتزوج منه وأنجب منه الأولاد.

فايز: لا يهمني السجن ولا حياتك مع ذلك المعتوه، ستموتين اليوم وأنتهى الأمر، وحبيبك سيلحق بكي.


تركني وغادر وأنا أخبط يدي على الصندوق وتؤلمني مع كل مرة أضرب بها الصندوق، فصراخي معه ما فاده بشيء، فتذكرت اليوم الأول لي بالغابة وصراخي على أسير فضحكت وأنا أمسك السلسلة التي أهداني أياها وأنا أردد: أحبك، أحبك، أحبك.


فدخل أسير وهو يصرخ وينادي باسمي فلمحني من زاوية الباب لأنها كانت مصنوعة من زجاج شفاف غير قابل للكسر، فهم يعرفون كيف ينتقمون منا بشكل صحيح ويؤلمون قلوبنا.


فأقترب من البوابة وحاول فتح الباب الضخم بشيء صلب وجده أمامه ، فتمكن من فتحه وعندما بدأ من الاقتراب نحوي وجدني بداخل الصندوق بالكاد كنت أسمعه، فحاول كسر الصندوق ولكنه ما أستطاع فنظر للساعة ووجدها بدأت تتناقص عن الدقيقة، والمياه أقتربت من ملئ الصندوق بالكامل، فرفعتني المياه لأعلى الصندوق وأنا أفقد الوعي ولا أستطيع السيطرة على نفسي، فعرفت بأني بدأت أغرق وسأموت اليوم مثلما أخبرني فايز، فحاولت أنظر لأسير وأشبع عيني منه.



اُغلقت الفتحة التي بالأعلى وأمتلئ الصندوق بالكامل والعداد قرب على الصفير فقد أقترب من العشر ثواني الأخيرة، وأسير يحاول كسر بالصندوق بقطعة من الصلب ولا يستطيع، فيجلس على الأرض ويضع يده فوق رأسه ويسقط سقوط الهزيمة وأنا أُخرج آخر أنفاسي.


ففتح والدي عيناه وصرخ باسمي عاليًا وقال: فاطمة.



فجأة تضاعف حجم أسير وأصبح مثلما كان في العصر القديم الوحش الوسيم فابتسم ابتسامة صفراء وأمسك الصندوق الزجاجي بين يده وكسر القفل الحديدي بقدمه، وحملني بين يده وأنا أغلق عيني وأراه للمرة الأخيرة وخرجنا من المستودع.


وفي زاوية أخرى طفل صغير كان يلعب بمفرده، وتسقط منه البلورة المتحكم بأسير في النهر ويصرخ على والدته لكي تُعيدها له.



لم أكن أعرف بأني أحبه إلا حينما وجدتني ولمرات عدة أركض إليه عندما أحاول الهرب من الجميع، حتى نفسي، ثم أستريح تحت ظلال قلبه، مثلما يسرع المرء بخطاه في ظهيرة حارة ليستريح تحت ظل شجرة، مثل هذا الملاذ، مثل هذه الكفاية، فأخشى من أن أسير وأنت قَلِق، وأخشى عليّ من أن القى الطمأنينة ولا نتقاسمها معًا، من أن انام براحةٍ وأنت متعب ولا تستطيع يدي الوصول إليك، أخشى عليك كثيرًا من كل شيء لا يصيبنا معًا ف كان الوقوع في حب شخص حنون.. أشبه بنجاة.


فأخبرني ذات يوم بأنه كان يتمنى بأن يناديني بطفلتي عندما يفرح لكنه ما فعل، وكم تمنى بأن يناديني أمي عندما يعتليه الضيق، ولكن ليس للأماني وجود بهذه الحياة.

فهذهِ آخر رسائلي إليك، ولم أكُن أتوقع أن أجلسَ يوماً لأكتبَ لك رسالة أخيرة، لقد أردتك للعمر كله ولكِنها الحياةُ ياقمري ، قاتلت بشرف حتى تكون لي، ولكن الشرفاء أيضاً يخسرون معارِكهم !

أتركك اليوم وأمضي كجيش مهزوم لم يعد لديه من يقاتل من أجله.

الرصاصة البلاستيكية.

النهاية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي