الجزء الرابع

في اليوم الأول لبدء فاعليات سباق رويال سكوت صدح صوت مقدم فقراته يفتتح أحداثه الأولى بألقاء كلمة الأفتتاحية والترحيب بضيوف الشرف من الأمراء وكبار رجال الأعمال والصناعة من شتى بقاع الأرض، وكذلك رحب بالفرسان المشاركين به مع خيولهم التي نالت شهرة عالمية نظرًا لمهارتهم الفائقة في العدو والتي جعلتهم يحرزون بها المراكز الأولى في السباقات الدولية والمحلية مما أهلهم للمشاركة عن جدارة في واحد من أهم سباقات الخيول في العالم، وبينما يسترسل المذيع في تقديم أسماء المشاركين مع أسماء افراسهم، وهناك بين جموع الجماهير الغفيرة تواجدت جيسي مع والدتها وصديقتها كاثي وجارتهم بالمنزل أيضًا والتي جاءت ترافقهما فقط من أجل الأستمتاع واصطياد احد الرجال الأثرياء لمرافقته من أجل الأنفاق عليها ببذخ كما تعلمت من والدتها، وجلسن يشاهدن اصطفاف الخيول في خط واحد منتظرين أشارة البدء.

نظرت لوالدتها بنزق، تفتعل حركات بشفتيها تنم عن تأففها وضيقها فضمتها لصدرها تربت على ذراعها بحنو

- ما الأمر عزيزتي، ما الذي يزعجك هكذا، هل أنتِ مريضة؟!!.......

هزت رأسها بنفي:

- لستُ مريضة ولكني أشعر بالملل وأنتِ السبب أمي فانا لم أكن أرغب بالمجيئ اليوم لولا أصرارك على ذلك.

ثم اخفضت درجة صوتها وأقتربت منها تسر لها: ويزيد عليه مجيئ كاثرين رغمًا عني.

غمزت لها بعينها اليمنى كي لا تسمع صديقتها ما تقول، ثم مسدت على ذراعها بحنو وهى تضمها وتضع ذقنها أعلى رأسها : حبيبتي اصراري على حضورك جاء نتيجة لحالتك النفسية السيئة التي تمرين بها منذ مدة، فاحببت الترفيه عنك بخروجك اليوم عله يصلح من تحسين مزاجك لأني أعرف جيدًا مدى ولعك وعشقك للخيول وحرصك لحضور سباقاتها دومًا وبالأخص هذا السباق العظيم والكبير.

اغمضت عينها بحزن ومازال وجهها يعانق زاوية عنق والدتها: لقد مللت من كل شيء أمي حتى عملي اصبح القيام به ثقيلًا على قلبي، لا أعلم ما الذي يحدث لي لكن أشياء كثيرة بي قد تغيرت، ولم أعد انا تلك الفتاة المرحة التي لطالما أحبت الحياة وأقبلت عليها بكل طاقتها.

زفرت جوليان بقوة وكأنها تزيح همًا جثم على أنفاسها طويلاً بسبب ما تعانيه فلذت كبدها، ضمتها لها أكثر بحنو بالغ:

- انا اعلم ما تمرين به حبيبتي، هو محض تخبط وتشتت يطيحان بك في ظلمات واعرة لكن عليكِ عدم الأستسلام لذلك والمقاومة حتى تعودي لجيسي القوية التي لا يهزمها او يضعفها عرض مهما كانت قوته، اتعلمين يا قطعة قلبي الغالية لطالما خشيت دوما من أخبارك بالحقيقة خوفًا عليكِ ان تقعي في حالتك التي تمرين بها الأن، لكن لم يكن بيدي حيلة فمن الأمانة أخبارك بالحقيقة مهما كانت قاسية حتى تتخيرين طريقك بالطريقة التي توافق أصولك وعقيدتك الحقيقة.

- ظلت صامتة لبعض الوقت حتى ظنت جولي أنها
نامت على كتفها، لكنها استرسلت تخبرها ما تريده بهدوء وسكينة: اتعلمين ما الذي أريده الأن صدقًا يا أمي؟!!........

- أبتعدت عنها قليلًا تنظر لها بتساؤل: قولي ما تريدين حبيبتي ولن أتوانى عن تلبيته لكي حتى ولو كلفني حياتي فلن ابخل عليكِ بها يا نبض قلبي.

- عادت جيسي تدفن وجهها بجانب عنقها ثانيًا بوهن زافرة مر أنفاسها بحزن: أن أظل داخل حضنك الدافئ هذا وتضميني بذراعيكِ هذان لباقي حياتي.

- شهقت جوليان بسعادة ثم ضمتها بقوة وهى تقبل خصلاتها بينما تشعر بقلبها يكاد يقفز من مرقده متألمًا من أجلها : يا إللهي وكأنك تقرأين أفكاري فهذا كل ما أتمنى أن تظلي دائمًا يا صغيرتي في أحضاني ولا تفارقيني لنهاية عمري، وأهدهدك واربت على ظهرك برفق بيد ويدي الأخرى اداعب خصلات شعرك بحنو حتى تنامين بين ذراعي بكل برأة كما أعتادتي منذ صغرك.

ابتسمت وهى تشعر براحة عندما التقط أنفها رائحة ذلك الترياق الآمن المنبعث من كلماتها الحنونة، وفي خضم صراعها الداخلي الصامت كاد قلبها أن يتوقف بعد سماعها ما تلاه مقدم السباق على مسامعهم الأن

- المتسابق رقم ٦ يزيد همام الهلالي

انتفضت بفزع تنظر لوالدتها تارة وتنظر ناحية ظهر صاحب الرقم والذي يحمل أيضًا لقب عائلة أبيها تارة أخرى غير مصدقة ما سمعته وتسألت بداخلها هل يعقل أن يكون لصاحب هذا الأسم علاقة مباشرة تربطه بوالدها الحقيقي أم أنه مجرد تشابه في أسماء عوائليهما.

- وجاءت جوليان تؤكد على ظنها وهى تربت على يدها تطمئنها: اهدئي حبيبتي ربما يكون هذا تشابه في الأسماء ليس اكثر.

- هزت رأسها بتيه صامت ثم استدارت تنظر ناحيته ثانيا، بينما طفق قلب والدتها يدوي بخوف اكثر منها لسماع ذلك الأسم، دعت ربها كثيرًا ان يعجل من عودة زوجها من عمله لحمل ذلك الموقف العصيب معها فقواها انهارت ولم تعد تتحمل حتى وزنها، وبالرغم من تشجيعها له على مواصلة البحث عن أي مصدر يوصلهما لعائلة أبنتهما الحقيقة الإ أن شعور الخوف تملك منها عند سماعها للقب الهلالي يصدح خشيه من فقدان أبنتها وابتعادها عنها للأبد وقريبًا ويمكن أن يحدث هذا أقرب مما تتخيل.

- ومرة أخرى صدح صوت المذيع عبر مكبرات الصوت يقدمه مع فرسه: ومع الفائز بالمركز الأول في سباق دُبي الدولي الفارس العربي المصري يزيد همام الهلالي مع فرسته الأصيلة ريهانة.

كبر الشك داخلها وبدأت تتيقن أنه يقرب لوالدها فهو مصري الجنسية ويحمل نفس لقبه وهو (همام الهلالي).

في ذلك الوقت عادت كاثي بعدما ذهبت تبتاع حبات فُشار الذرة وهى تحمل علبتين منه أعطت واحدة لجيسي التي أمسكتها بتيه، وجلست بجوارها تتناوله بتلذذ، ثم شهقت بأعجاب وهى تتأمل ذلك الفارس القوى الوسيم الممتطي جواده بكل ثقة وكأنه غازي جاء من بلاده العربية شاهرًا وسامته وجاذبيته في اجوائهم كما يشهر الفرسان سيوفهم، كي يخدرهم ويسلب أرادتهم وعقولهم ويغزو بها قلوب عذراوات أوربا بدون سابق أنذار فهيبته ووقاره قادرتان على فعلها وفي ثوان معدودة.

- وبينما هى تنظر له من جانب وجهه محاولة رؤيته سمعت كاثي تشهق وتقول: يا إلهي انظري جيسي لذلك الشاب الرائع الذي يحمل الرقم ٦، أنظري لسمرته المغرية وعضلاته المفتولة، أكاد اقسم أنه قضى الكثير من الساعات بل قولي الكثير من الأيام والسنوات في أخذ ذلك اللون الذهبي المذهل وفي نحت جسده بهذا القوام الرائع،

ثم أمسكت يدها بقوة: جيسي انا اريد ذلك الشاب الأن ومهما كلفني الأمر فانا لا صبر لي على مقاومة وسامته.

- نظرت لها بحقد ولأ تعلم لما أصابها الضيق من كلامها وتحدثت من بين اسنانها بغضب هادئ: بل قولي ثرائه فهذا ما يهمك في حقيقة الأمر، ثم منذ متى وأنتِ لا تريدين أي رجل تراه عيناكِ حتى وأن كان قبيح فكل ما يهمك هى أمواله، فهذه أصبحت عادتك السيئة المتأصلة بداخلك، فأنتِ تفتنين بكل الجنس الأخر الثري فقط حتى ولو كان طفلاً.

- صدح صوت ضحكتها الصاخبة تزيد من توغل كرهها الذي نما للتو داخل قلب جيسي: أوه عزيزتي لا تقولي ذلك، فهذه ليست عادة سيئة ابدًا بل جميلة جدًا، ولكن ارجوكِ دعك من كل هذا الأن وأنظري لهذا الرجل المتفجر الرجولة وكأنه فارس نبيل من زمن الأساطير، صدقًا أنه مختلف عن كل من رأيناهم سابقًا.

- بكلماتها القليلة أضرمت المزيد من النيران المتأججة والتي لا تعرف سببها بداخلها وودت لو ضربتها على فمها المتغزل بذلك الغريب الذي استحوذ على عقلها بعد معرفتها بهويته والتي من الممكن أن يقربها بها، لكنها بقيت صامته وحولت نظراتها بأتجاهه تمعن النظر فيه فخفق قلبها فجأة بعد رؤيتها وجهه كاملاً وتذكرها إياه فهذا هو الشاب الذي يسكن بجوار منزلهم والساخر منها لطريقة ضربها الخاطئة لهاري وأصدقائه، عقدت جبينها بتفكير عميق في تلك الصدفة التي جمعتها به لدقائق قليلة، وجعلتها تأتي اليوم لمشاهدة السباق لتعلم هويته ومن يكون، وتسألت مع نفسها هل هى حقيقةً صدف من تدابير القدر أم أن لوالديها يد في كل ذلك، وهذه أحداث مدبرة من قبلاهما للتواصل مع عائلتها، نظرت لوالدتها وودت لو سألتها عن حقيقة الأمر لكنها تراجعت في أخر ثانية وفضلت الصمت حتى تتأكد من كونه يقربها أم لا، نحت أفكارها جانبًا وركزت معه حينما أطلقت أشارة البدء، ونجح من أول وهلة في خطف انظارها وكأنها لا ترى غيره، وبقيت تتابعه هو فقط ولا أراديًا بدأ قلبها بالتفاعل نحوه وتمني الفوز له، ولم يخذل هو ذلك النابض بداخلها، بل وكان واثق الخطى يسابق الريح ويجتاز المسافات والأمتار العديدة وكأنها قطع حلوى يتلذذ بتناولها واحدة تلو الأخرى، وكعادته في كل سباق يشارك به كان يزين المقدمة بتواجده فيها ومع اقترابه من خط النهاية ظل قلبها ينتفض بداخلها خوفًا من خسارته، لكنه طمئن قلبها بتخطيه بسهولة وبفارق زمني ليس بقليل عن من يأتي بعده، انتفضت فرحة تصفق بسعادة بالغة وكأنها هى من فازت، نظرت لها والدتها وكاثي بتعجب عندما وجداها سعيدة بخسارة فارسها المفضل مع فرسه الذي تعشقه، امسكت جولي بيدها تجلسها برفق ثانيًا.

- ما الأمر جيسي أراكِ متحمسة وتهللين فرحة ألم تري أن (بياتريك) فارسك المفضل وفرسه (أعصار) قد خسرا الجولة .

ضيقت كاثي عينيها بغيرة بتساؤل: لا خالتي بل قولي انها سعيدة لفوز رقم ٦ فعلى ما يبدو أنه أعجبها إليس كذلك جيسي؟!!!........

- تملكت نفسها بخجل وتلعثمت وهى توضح لهما سبب سعادتها: ل. ل. ل. لا كاثي الأمر ليس هكذا، انا فقط تحمست لأنه حقيقة نجح بشكل مذهل في التواصل مع فرسه وكأنهما صديقان مقربان منذ الأزل يفهمان بعضهما من أقل الحركات فشكلا ثنائي رائع استحقا الفوز عنه وبجدارة.

- ثم أخرجت لسانها تغيظ صديقتها وهى تكاد تنفجر غضبًا منها: وانا لم أعجب به شخصيًا كاثي بل أعجبت بطريقته في ركوب الخيل وفي السباق أيضًا.

- افتعلت كاثي حركات بوجهها تنم عن غيرتها الشديدة وأقتربت منها تحدثها بخفوت: لا تحلمي به فهو لي ومهما كان اعجابك به فحاولي أخماده فقريبا جدًا سيكون ملكًا لي وحدي.

نظرت لها بأشمئزاز وقرف ونهضت من جوارها تستأذن والدتها : أمي سأذهب للمرحاض قليلًا.

ثم استدارت تعطي كاثي علبة الفشار بحدة حتى أن بعض حباته تبعثرت فوق قدميها : كلِ أنتِ هذا واقفلي به فمك حتى لا أضطر لأغلاقه لكِ بالقوة.

وذهبت دون أن تضيف شيء أخر وقبل أن تنبث الأخرى بما يزيد من غضبها، وخطت بخفة نحو اسطبلات الخيل كي تراه فإذا به يقف أمام غرفة فرسته التي تخرج رأسها من جزء الباب العلوي المفتوح كي تتناول من يده مكعبات السكر وتنعم بربته على عنقها بيده الأخرى، وقفت بالقرب منه تتأمله ثم أخرجت الصورة التي تجمع والديها وتبادلت النظرات بينها وبينه تقارنه بأبيها، وضعت يدها على صدرها تهدأ وجيب قلبها الذي على بعد أن وجدت به شبه منه وتيقنت أنه يقربها، وبينما هى شاردة به التقطتها عينيه التي تدور بعفوية تمسح محيط المكان من حوله والذي يعج بالكثير من المشاركين مع خيولهم، نظر لها يتأملها بصمت كما تفعل هى وانحصرت رؤيتيهما لبعضهما فقط وكأن الزمن توقف بهما لا يدركان شيئ أخر، قطعت تواصلهما البصري بعدما دست الصورة في حقيبتها مرة أخرى وأقتربت منه بخجل حتى وقفت أمامه وتشكلت ابتسامة رقيقة على محياها وهى تهنئه.

- مبارك لك ولفرستك الفوز وأتمنى لك النجاح حتى النهاية.

- أمئ لها وهو يوجه نظره لريحانة يمسد عنقها برفق: أشكرك ...........

- أمدت يدها له تصافحه: انا أدعى جاسمين، ويمكنك مناداتي بجيسي، وأنت يزيد همام الهلالي إليس كذلك؟........

- صافحها برفق: نعم هذا هو إسمي جيسي.

- ابتسمت بسعادة لتجاوبه معها: أنت مصري كما سمعت من مقدم السباق منذ قليل؟.........

- هز رأسه يؤكد سؤالها: نعم مصري.

- ضمت كفيها سويًا لصدرها بتمني: سمعت الكثير عن مصر وعن حضارة القدماء المصريين واتمنى زيارتها في يوم ما حتى أرى ما صنعه أجدادي من أثار عظيمة خلدت حضارتهم.

- ضم حاجبيه متعجبًا : أجدادك؟!!!.......

- أمأت برأسها: نعم فانا والدي مصري جاء منذ زمن بعيد للدراسة واقام هنا وتزوج من والدتي وأنجبني.

ثم أكملت بحزن: لكنه مات قبل أن أراه وتركني دون أن أعلم شيئ عن هويتي وبلدي.

هز رأسه بأسف: انا أسف، تقبلي تعازي ومواستي.

أشارت له بيدها أسفة: لا عليك فالأمر حدث قبل تسعة عشر عامًا، ولكن حين سمعت أسمك وجنسيتك شعرت بحنين للموطن الذي أنتمي إليه.

ابتسم لها بحنو: انا سعيد للغاية لأنني بثثت فيكِ هذا الحنين لمصر، عندما تنوين على زيارتها يسعدني أن أكون مضيفك فيها وسأجعل من رحلتك لها ذكريات لا تنسى وتسعدك كلما تذكرتيها.

اتسعت ابتسامتها كثيرًا: اشكرك مستر يزيد.

نفى برأسه: يزيد فقط وأنتِ ياسمين كما ينطق أسمك بمصر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي