الطبيب و العاجزة

إسراء عيد`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-12ضع على الرف
  • 24.2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

( ياض سيب ياض هنفخك ياض سيب)
صرخ شاب طويل ذو جسد رياضي وسيم الملامح يضع نظاره طبية علي عينيه... بتلك الكلمات وهو يقف في منتصف شقتهم المتواضعة... امام أخيه الصغير.. و الذي لم يتجاوز العشرين من عمره...ممسك بقدم حيوان صغير بني اللون ذو فراء " قرد"

صرخ الشاب الصغير بالمقابل وهو يمسك زراعين الحيوان المسكين...

( مش سايب... هي عوزاني انا.. عيب عليك وانت دكتور طول بعرض و بنتخانق علي حتة قردة)


صرخ الشاب الطويل بالمقابل وهو يجذب قدم الحيوان المسكين ناحيته
( بتاعتي يا خويا... قردتي... انا اللي بأكل و بصرف عليها.. سيب بقا )

رفض الشاب الأصغر بعند...
( لاااا مش هسيب... انا اكلتها امبارح بقت بتاعتي خلاص..)

صرخ الآخر بنفاذ صبر...وهو ينظر ل شقيقة بنظرة مرعبة
( يابني متخلنيش اتغابا عليك...)

وهنا قد فاض الكيل بهذا الحيوان المسكين...
فحرر احد زراعية سريعا من الشاب الصغير.. و قام بصفعة بعنف...

توسعت عين الشاب الاكبر وهو ينظر للحيوان بفخر ... ثم سرعان ما إنفجر في الضحك بشدة علي ملامح شقيقة المنصدمة....
نظر له شقيقة بغضب...وهو يضع كفه علي الصفعة

عدل الحيوان في احضانه وهو يقهقه بعنف... وينظر ل شقيقة بشماته.
( لا لا مش قادر... اديتك حتت قلم انما اي ملوكي ...)

إلتفت له الحيوان... و نظر له بعمق بعينيه الكبيرة... ثم قام بصفعه هو الاخر...
ف تجمدت ضحكاته وهو ينظر ل للحيوان بذهول

سرعان ما تعالت ضحكات شقيقة الأصغر بشماته
( شوف شوف ياخي ربنا ما بيرضاش بالظلم أبدا...)


قام الشاب الأكبر بإلقاء الحيوان في الارض بغيظ وهو ينظر له بغضب... مردفا بعصبية وكإنه يحادث انسان

( بتمدي إيدك عليا... عليا انا يا معفنه بعد ما نضفتك و لميتك من الشوارع... و أكلت و دخلتك بيتي و خليت ليكي قيمة... ف الاخر بتمدي ايديك عليا... انا يا خيانه اللي عزفت عن الجواز علشان ما أجبلكيش ضرة تطهقك في عشتك )

أخرجت القردة لسانها له وكأن كلامه لا يعنيها... ثم تحركت بخطوات واثقة مثلما علمها التحرك... و اقتربت من الشاب الأصغر... وهي تنظر له ببسمة

فضحك الشاب بشده وهو يحملها وينظر لأخاه ويحرك حاجبيه بشماته...

ثم امسك القردة واخذ يرقص معها وهو يحملها.... و يثير حنق شقيقه الاكبر.... مردفا بكلمات غير متنساقه بغناء بشع

"جرب نار الغيره تيرا رار... هيولع هيموووووت"

و القردة تصدر صوتا دليلا على تفاعلها مع زياد الشاب الصغير... الذي أخذ يقهقه بشدة

فنظر لهم يوسف الشاب الأكبر بغيظ....
ثم صرخ بغيره

( بقا يا خا ينه تسبيني عشانه... عشان ليله بتيها معاه تنسيني... وانا اللي مقعدك في الشقة من بغصب عن امي و بهربك من وراها ... يا خا ينة..)
.................................

هناك علي سلم العمارة المؤدي لتلك الشقة الذي يصدر منها شجار الشقيقان...

كانت تصعد سيدة في بداية عقدها الخامس... ومعها سيدة اخري تبدو انيقة بعض الشئ رغم عقدها الخامس ايضا....

تحدثت السيدة ببسمة واسعة واثقة..
( نورتينا والله يا ام نسمة العمارة و الحي كله نور...)

ردت السيدة الاخري بإقتباض
( بنورك يا نجاح شكرا.)

ثرثرت السيدة نجاح وهي تقترب من باب شقتها..
( مش عرفه اقولك ان لو الدكتور يوسف ابني طلع من نصيب بنتك نسمة ياسعدها و يا هناها... الدكتور يوسف ادب اي و أخلاق اي... الكل يشهد بيه...)

كادت السيدة نجاح تطرق علي باب الشقة... ف تجمدت وهي تستمع لحديث ابنها الكبير الذي كانت تمدح به

(( بقا يا خاينه تسبيني عشانه... عشان ليله بتيها معاه تنسيني... وانا اللي مقعدك في الشقة من ورا أمي... يا خاينة..) )

ضربت السيدة نجاح علي صدرها بصدمة... ثم نظرت للسيدة والدة نسمة بجانبها الذي ايضا تنظر لباب المغلق بذهول وعدم تصديق

صاحت السيدة نجاح بغضب...وهي تشير علي الباب بغيظ
( ده عيل فاسد و عديم التربية و دكتور علي ما تفرج.. لو بتحبي بنتك بجد ارفضيه و فشكلي الخطوبه اللي ما بدأتش دي)

إلتفت السيدة ونزلت سريعا علي السلم وهي تبتسم بسعادة
( الحمدلله جت من عندك يارب..)


بينما السيدة نجاح إلتفت للباب سريعا و أخذت تطرق عليه بعنف وهي تصيح بعصبية و إنفعال

( إفتح يا سا فل يا عديم التربية بقا دي اخرتها افتح يالا يا دكتور نص كم.. افتح ده انا هفتح رأسك.. مين دي يا سا فل )

فتح الباب سريعا و ظهر الشاب الكبير وهو يعدل نظارته بحرج متمتم بنبره مهذبه وهو ينظر في الخارج
( حمد لله ع السلامه يا أمي.. فين ام نسمة... مش قولتي جاية تتغدا معانا النهرده اااااه)

صفعته والدته علي وجهه بغيظ مقاطعه حديثه...
فنظر لها بعيون واسعه وصدمة لصفعها له

متمتم بذهول وهو مازال يضع يده علي وجنته
( انتي ضربتيني بالقلم...؟؟؟؟)

اومات له ببسمة سمجة... ثم سرعان ما إنحنت...
فنظر لها بغباء...
( اي ده انتي بتوطي كدا ليه عيب ياماما انتي ع السلم)

خلعت نعلها سريعا و ورفعته عاليا.. وكاد تنزل به علي جسد يوسف....
إلا انه فر هاربا للداخل وهو يصيح بإنفعال...
( اي اللي بيحصل ده انا دكتور محترم..)

صرخ بألم حينما وجد نعل والدته يصتدم بظهره بعنف..

انفجر شقيقه الاصغر في الضحك بشدة....

ف نظرت له والدته بحدة.. سرعان ما جحظت عينيها وهي تري القردة...
فنظرت له بذهول و الان فهمت ما كان يتحدث عنها وهي القردة وليست فتاة كما ظنت

... فإبتلعت ريقها بحرج...
متمتمه بخفوت بعدما خربت زواج ولدها
( اي ده هي قردة!! )

اوما لها... وهم يقفوا حولها بعدما هدأت ضحكات زياد...
ف تحدث يوسف بحنق و غيظ..

( اه ربنا علي الظالم و المفتري... المهم فين ام نسمة..)

إبتسمت له بسمة سمجة متوترة...
( احم هو ياعني يا حبيبي... بص كدا البت دي ماتلقش بيك ولا بمقامك ده انت دكتور قد الدنيا يا حبيبي.. وهي حتت مهندسة)

توسعت عين الشابان وهما يستشعرا وجود خطب ما

تحدث يوسف وهو يقترب من والدته بشر
( هاتي يا نبع الحنان من الاخر كدا و قوليلي حصل أي..)

إبتلعت لعابها بتوتر... ثم سرعان ما قررت قلب الطاولة... فصاحت بغضب وهي تنظر للقردة

( مهو انتوا يا كلاب اللي اتكلمتو بإسلوب يشكك الناس فيكم و الست كانت معايا و فكرتها بنت.... ففشكلت الجوازه..)

( فشكلت ال اي يا عنيا...)
كان هذا صراخ يوسف المنصدم.. بردح كالسيدات

صرخ زياد بحدة افزعتهم جميعا
( أخرس يا كلب بتعلي صوتك قدام أمك اااااااه

صرخ حينما صفعة يوسف بغيظ....
( اخرررس)

ثم نظر للقردة بشر... متمتمه بملامح يبدو عليها الاجرام
وهو يوجه حديثه للقردة كإنها ستفهمه...
( وانتي يا خرباة البيوت... الجوازة باظت بسببك.. ده انا هنفضك هنتف ريشك ريشة ريشة ...)

انهي حديثة وهو يخلع حزام بنطالة...

فرمي زياد القردة سريعا وفر هاربا خوفا من الحزام....
وهو يصيح بمرح
( هو انت مربي بطة ياخويا ولا ايه)

ف اقترب يوسف من القردة و التي تبدوا فهمت انه يريد ضربها... فاخذت تهرول في الشقة محدثة خرابا... مما ادي ل صراخ ام يوسف
( يالهوووي الشقة هتتكسر... حاسب يا يوسف.. لاالا كله و إلا النيش ابعد عن النيش...)

ولكن قد فات الاوان... و القردة تتعلق بإحدي الضلف و يوسف خلفها... مما جعله يتعثر فسقط علي النيش مما ادي لسقوط الأطباق....

و القردة تهرول ل مكان اخر و يوسف خلفها يضرب بالحزام في الهواء...

و والدته تصرخ بحسرة

( مكنش يومك يا نجاح... الدكتور اللي حلتي عامل عقله بعقل قردة... اه يا ميلة بختك يا نجاح... ع اخر الزمن بيضرب قردة المعفن اللي كانوا بيتلموا عليه في الحارة يدوه العلقه التمام... جاي يستقوي علي قردة.. اه يا حسرة قلبي علي اطباقي.. ااااه يا جهااازي اللي المنطقة كانت بتحلف بيه زمان )

صرخ يوسف بلهاث وهو يركض خلف القردة...
( بقا بتفضحيني يا أما... بقا دي اخرتها... اقول عليكي اي في الاول والاخر انتي امي..و بعدين جهاز اي ده اللي بقاله قرن ونص ...
تعالي تعالي هنا يا جذمة..)

قفزت القردة علي التلفاز... و خلفها يوسف يحاول الإمساك بها و والدته تصرخ بخوف علي التلفاز و حسرة على الشقة المدمرة
( حاسب حاسب التلفزيون لا التلفزيون جديد .... ااااه)

حدث صوت انفجار وكان هذا صوت انفجار التلفاز بعدما ألقي يوسف كوب الماء الممتلئ علي الشاشة حتي يصيب القردة....

************************
في منطقة راقية... ومن أغني المناطق في البلد لا يسكنها غير الطبقة المخملية فاحشة الثراء....

في احدي القصور....
كانت عائلة الفيشاوي أشهر العائلات بمصر... متميزين بكونها عائلة طبية أبا عن جد.... فكل سكان هذا القصر من الأطباء يملكون أكبر المشافي في البلد و خارجها..

مجتمعين حول تلك الطاولة الممتده و تكفي ل مائة شخص...

كانت افراد العائلة مرتصة حولها... و يترأسها حسن الفيشاوي الذي تجاوز الثمانين من عمره ومع ذلك يحتفظ بهيبته و عظمته الارستقراطية...

علي يمينه يوجد ابنه الكبير مروان و بجانبه زوجتة ميادة
و بجانبها باسم ولدهما الاكبر و بجانبه شقيقته التؤم مريهان...

وعلي يسار حسن الفيشاوي ابنه الاصغر هشام و بجانبه زوجته مشيرة و الكرسي بجانبها خال... حيث انه كان ل إبنتهما ملك ولكن كعادتها منذ ذلك اليوم منذ سنين وهي تلتزم بغرفتها فقط....


كانت الطاولة تحمل كل ما لذ و طاب و افخم الانواع و الأصناف بأشكال تخطف الأنفاس.... و الطعام بكثرة مبالغ بها....

تحدث حسن الفيشاوي بطريقته المتغطرسه المتعجرفه رغم سنين عمره

( وبعدين يا هشام... بنتك ملك هتفضل عاجزة كدا كتير... منظر عليتنا قدام العالم هيبقا عامل ازي.. و احنا مش عرفين نعالج بنتنا و احنا من اكبر المستشفيات في البلد و الشرق الأوسط)

تنحنح هشام بحرج لا يهتم بأمر إبنته كما يهتم بأمر مظهرهم الخارجي مثل والدة حسن الفيشاوي
( هعمل اي ياعني يا دكتور ... كل الدكاترة اجمعو انها اتعرضت لصدمة عصبية حادة شلت جسمها كله.. ومش عارفين يتعاملوا معاها... و كمان خضعت لجرحات كتير برضو مش عرفين السبب.. ولا حتي عارفين سبب الصدمة ايه ...)

انتفض الجميع حينما صاح الدكتور حسن الفيشاوي بنفاذ صبر بصوت قوي رغم اهتزازه بسبب عمره المتقدم

( اتصرفوا.... الصحافة مورهاش غير الموضوع ده... و كل الناس بقت تتكلم... ده مفيش اي مؤتمر او ندوة بكون فيها إلا و الدكاترة يفتحوا الموضوع ده... بقا انا علي أخر الزمن سمعتي تنزل في الارض كدا)

تنحنح باسم إبن مروان..مردفا بخوف من اقتراحة هذا امام جده...
ولكنه تشجع مردفا اخيرا بخفوت
( احم انا عندي اقتراح..)

توجهت له جميع الانظار.. حتي اردف اخيرا
( فية دكتور كويس... متخرج جديد.. و ناس كتير شكرو فيه... فبقترح انه يشوف ملك بنت عمو هشام.. لانه بيتبع طرق مختلفة وغير تقليدية في الطب النفسي )

جلجل صوت الدكتور حسن الفيشاوي بغضب و ضيق... من وجود طبيب من خارج مؤسسته سيباشر حالة حفيدته...
( وده مين ده ابن مين.. و متعلم في انهي دولة و متخرج و واخد شهادت الطب من انهي جامعة في العالم...)

إبتلع باسم ريقه بتوتر.. و هو يستعد لإلقاء القنبلة...
( هو متعلم و متخرج من هنا.. وهو شاب بسيط من حارة فقيرة مصري...)

انتفضو جميعا برعب... حينما قام الدكتور حسن الفيشاوي بقلب الطبق الذي يوجد امامه بجنون... و وهو يهتف بعنفوان....رغم كبر سنه

( انت اتجننننننت.... حاااااارة بقا حفيدة حسن الفيشاوي يعالجها دكتور من حارة شعبية... شكلك اتجنننت يا باسم ياللي هتشيل الإمبراطورية العظيمة في مجال الطب من بعدي... ياللي هتحافط علي اسم الفيشاوي و مستشفيات الفيشاوووووي)


نهض هشام و مروان سريعا يحاولوا جاهدا تهدئة الدكتور حسن...والدهم

...............................

في احد الاجنحة الفخمة في الطابق الثاني من هذا القصر...
كانت تجلس علي كرسيها المتحرك بفستانها الابيض الهفهاف.. تنظر من الشرفه المطلة علي الحديقة الخضراء المليئة بالزهور ذات الألوان الخلابه...

تنظر لها بصمت... كحالها منذ سنوات وهي علي هذا الحال...لا تتحرك أو تتكلم... شاردة دائما كإنها في عالم منفصل عن الواقع....

لا تتأثر او تستجيب لأي شئ بجانبها... حاول الاطباء جاهدا معرفة علتها ولكن باتت جميع محاولتهم بالفشل........
فماذا يتنظر هذا الملاك
..........

كانت دمعة يتيمة تسيل علي وجنتها الناعمة الهشة بصمت و نظراتها ذائغة...
و الكثير من الذكريات تمر ك شريط سينمائي أمام عينيها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي