الفصل الثالث والثلاثون

سكينة روح
وبُعد عمن يؤذونها بكلمات تخرج من أفواههم وكأنها طلقات رصاص
سمعت حديثهم ....
رأت نظرات أعينهم المشمئزة والمستنكرة
في البداية لم تعرف ما الأمر خاصة أن زينب صديقتها الوحيدة بينهم أصبحت تعاملها معاملة سيئة وانضمت لحزبهم
إلا عندما سمعت كلماتهم التي مزقتها وأوجعت قلبها
_ يا بنتى دى عشيقته أنا شفتهم بعنيا في مكتبه
وصاحت أخرى بابتسامة خبيثة ماكرة وكأنها عثرت على كنز ثمين
_ الجديد بقى عندى أنا
والتفت حولها الفتيات لتكمل :
_أنا بعنيا دى شوفتها وهى خارجة من أوضة نومه وهو خرج وراها على طول وكان بيظبط هدومه
شهقات مستنكرة وأخرى تريد المزيد ..
تجاهلت وابتعدت هي وحدها مكتفية عن الجميع حاولت التناسى والتجاهل لكل ما سمعته وأذى روحها ومزق نياط قلبها
أرادت الوحدة مع أصدقائها ونالتها
الورقة والقلم ...
ترسم ..... تمرر خطوطها بسلاسة ونعومة
تعود وترسم لوحتها
تراه في كل لوحة ..
تراه في خطوطها ....
تراه في كل شيء وأى شيء
حاولت تناسيه وما الأمر إلا محض عبث !
_ رسمك حلو قوى على فكرة
نظرت لمن اقتحم خلوتها بغيظ و تجاهلته وعادت تكمل عملها ولدهشتها اقترب أكثر حتى جلس أمامها:
_ مش معقول مش فكرانى
وبنظرة غاضبة نحوه :
_ إسطوانة قديمة شوف غيرها وغور من وشى أحسنلك
ابتسم بإعجاب :
_ أنا مالك زهران .....وأنتِ
قامت من مكانها غاضبة تمسك بتلابيه :
_ أنا اللى هخلى الست الوالدة تترحم عليك .....أنت مش بتفهم ليه مش قولت غور من قدامى
أمسك بيدها ينزلها بهدوء :
_ يا بنتى افهمى أنا مالك اللى خدتِ منه الكورة ع البحر النهارده الصبح
تركته زاجرة :
_ وبعدين .....جاى تتسلى حضرتك أنا مش رجعتلك الكورة في حاجة تانية
ابتسم بثقة:
_ يا ستى بنتعرف .....هو حرام يعنى
عادت تنظر له بشراسة :
_ بص يا ابنى أنا خلقى ضيق وعفاريت الدنيا بتنطط في وشى الأحسن تروح تشرب اللبن وتنام بدرى يا أمور
رد بهدوء :
_ ما تهدى على نفسك يا وحش مش كده يعنى ده إحنا بس بنتعرف و.....
وقبل أن يكمل تعارفه كانت لكمة قوية تضرب فكه ليتراجع متفاجئاً وصوت غاضب ينفجر في وجهه :
_ تتعرف على مين يا روح أمك
وصراع اشتد وصرختها وهى تمسك بالرجل الذي اشتبك معه وبعض الشباب تدخلوا ليكونوا حائلاً بينهما ويوسف يسرع نحوهم :
_ في إيه يا شباب مش كده
صاح مالك بغضب :
_ أنت مش عارف أنا مين وابن مين ......ده أنا هنسفك
وغضب يتأجج وأدهم يسرع نحوه متجاهلاً بكائها وصياحها باسمه ويعود ليضرب وجهه من جديد
_ غور من هنا يابن ***
ويبدو أن مالك ليس بالهين ولا الذى يتقبل الإهانة ويصمت فاندفع نحو أدهم يضرب وجهه :
_ لأ واضح إن الست الوالدة نسيت تربيك
واشتباك من جديد وتدخل بعض الرجال من جديد حتى انتهت المشادة وأمسك بيدها مبتعداً
أوقفته بخوف عندما رأت بقعة دم بجوار شفتيه :
_ أدهم استنى بس وشك متعور
نظر إليها بغضب يصرخ:
_ أنتِ إزاى تسمحى لكلب زى ده يكلمك وتفضلى ساكتة .....إزاى متقلعيش اللى في رجلك وتنزلى بيه على دماغه
أمسكت بيده تجلسه ليهدأ وجلست بجواره تخرج منديلاً تمسح به آثار الدماء
_ يا أدهم أنا اتفاجئت بيه قدامى ولو أنت كنت اتأخرت شويه كنت هتشوف أنا هعمل إيه
زعق بغيظ:
_ وحياة أمه ما هسيبه
_ خلاص بقى ده أنت شوهت وشه
_ ولو كانوا سابونى كنت قتلته كمان مش شوهت وشه بس
******
كيس ثلج وصيحة ألم
_ أنت غبى يا ابنى إيه اللى أنت عملته ده؟
وضع كيس الثلج أسفل عينه متألماً :
_ وأنا أعرف منين إنها مراته يا يوسف كنت بشم على ضهر إيدى
زجره بغضب :
_ يعنى ومن كل البنات مفيش غير تولين اللى تعاكسها
ابتسم بهدوء :
_ يا ابنى أنا مش بعاكس ولا حاجة ....أنا من ساعة ما شوفتها وأنا اتشديت لها ولمّا جت وخدت منى الكورة قولت أهى فرصة نتعرف ونفتح كلام وفجأة ضربت البت المغنية دى اللى اسمها عهد وشوفت اللى عملته معاها .....الصراحة حطتها في دماغى وقولت لازم اتعرف عليها ......بس حظى الزفت تطلع متجوزة
ضربه يوسف في كتفه :
_ نشنت يا فالح ومش من أي حد.......دى متجوزة أدهم الجبالى شخصياً يعنى يا حبيبي الست والدتك شكلها كانت داعية عليك قبل ما تموت
نظر إليه بجدية :
_ بس اللى أعرفه إن أدهم ده متجوز بنت وزير سابق .....وأنا أعرفها كويس بشوفها دايماً في حفلات وغيره
ابتعد عنه يوسف يقف أمامه ويستند على كرسى خلفه :
_ تولين مراته التانية
اتسعت عيناه بدهشة :
_ التانية .....اللى أعرفه إنه بيحب مراته بنت الوزير دي جداً .....حتى سها أختى كانت بتحسدهم على الحب ده وبتتمنى تلاقى راجل زى أدهم ده ......بس تصدق لمّا اشوف وشها هقولها تعالى شوفى البلطجى اللى كان عاجبك
ضحك يوسف مقهقهاً :
_ وعاوزه يعملك إيه وأنت بتعاكس مراته ......ياخدك بالحضن مثلاً
ابتسم قائلاً:
_ بس تصدق ......البنت دى خسارة فيه
وشرد بعينيه بعيداً :
_ خسارة فعلا إننا اتقابلنا بعد فوات الأوان
******
ولقاء بالصديقة والسند والذى وضعته في موضع الأب الراحل أسرعت نحوهم تناديه بفرحة :
_ عمو محسن وحشتنى جداً
ربت على وجنتها بحنو :
_ عاملة إيه يا تولين .....أنتِ كويسة !
أجابته بنظرة حائرة تخرج كلماتها بحشرجة :
_ الحمدلله.....أنا كويسة
وتركته والتفتت لريم وصفية أمها وانشغل محسن مع يوسف الذى أحضرهم من المطار للفندق
_ دلوقتي اتفضلوا علي أوضكم عشان نجهز لحفلة بالليل
اعترض محسن :
_ يا ابنى وإيه لازمته المشوار والتعب ده كله
ابتسم يوسف وعيناه تحاوط من تتهرب من نظرته المسيطرة :
_ عاهدت نفسى قبل كده إنى أفرحها وأفرحكم زى ما أنتوا دايماً كنتوا سبب في سعادتى
صاحت تولين مشاكسة:
_ ما تجوز الولاد بقى يا محسن وخلينا نخلص منهم
وضحكات تبادلوها ويوسف يكمل :
_ بالله عليك جوزنى بقى قبل ما اتجوز على روحى
الليلة بإذن الله هنعلن الخطوبة وإن شاء الله أول ما أجهز الشقة نتجوز على طول .....كل المطلوب منكم دلوقتي تستريحوا لحد ميعاد بالليل
أمسكت تولين بذراع ريم :
_ طيب بعد إذنكم أنا محتاجة ريم شويه
*****
_ وبعدين يعنى لحد إمتى هتفضلى تايهة في النص كده مش عارفه راسك من رجليكِ لحد إمتى يا تولين .....؟!!
أغمضت عينيها واستسلم جسدها للسكينة
_ أنا معترفة إن اللى حصل كان غصب عني يا ريم
معترفة إنى حبيته وغصب عنى اتعلقت بيه ودلوقتي مبقاش في إيدى حاجة اعملها
صاحت ريم :
_ لأ في و أول حاجة إنكم تعلنوا جوازكم قدام الناس كلها ولا عاجبك الكلام اللى بيتقال وأنتِ سمعتيه بودنك لسه فاضل إيه عشان تفضلوا مخبيين كأنكم عاملين عملة ولا ماشى معاكِ في الحرام
فتحت عينيها ونظرت إليها تراها محقة ....ترى أنه آن الأوان لتصبح زوجته أمام كل من سولت له نفسه التعدى على سمعتها وشرفها
*****
يخت فاخر
وأضواء تتلألأ
وعلى أنغام عمر خيرت ينتظرها .....
ينتظر سنوات انقضت بعيداً عنها
والآن أن أوان لقاء وعهد أبدى يجمعهما سوياً
ثقته كانت كبيرة برضاء محسن عن فكرته أن يقيم حفل خطبة صغير في الغردقة
وساعدته تولين في فكرة اليخت حتى أنها اختارت كل شيء من الإضاءة للزينة لكل شيء
والآن يقف على أحر من الجمر في انتظارها وأدهم ينظر إليه من بعيد يرى لهفة وعشق هو أول المدركين له
يعايشه ويتعايش معه
عشق سلبه حرية الاختيار
واستسلم هو له بكيانه وروحه ونبضات قلبه
انتبه على صعودها درجات السلم ويوسف يسرع لاستقبالها وخلفها مالكة القلب والروح
قمره يتوهج بنوره في عتمة ليل حالك
عيناه لا تفارقها
وإن كانت تنظر لصديقتها بفرحة وسعادة وإن كانت تتمنى ......فقط تتمنى أن تعيش فرحتها وسعادتها مع من تحب......
نظرت نحوه وابتسم واقترب .....
مد يده نحوها فسلمت له كفها يجذبها نحوه
جميلة .....دافئة كشمس ظهرت فجأة في نهار شتاء جليدي .....أذابت ثلوجه
وتنعم هو بدفئها وحده
اقترب أكثر وبجوار أذنها همس :
_ بحبك
وارتعش جسدها وأحست به يترنح فلحق بها يبتسم بمكر :
_ والله العظيم بحبك قوى
نظرت إليه بأعين عاشقة ......تاهت في بحر غرامه
_ وأنا كمان
اتسعت ابتسامته واقترب أكثر يحيط خصرها :
_ أنتِ كمان إيه يا عمرى
نظرت حولها بقلق ونظرات زملائها تكاد تفتك بها لتهمس:
_ أدهم .....أنت شايف نظراتهم أبعد شويه
نظر نحوهم فأبعدوا أعينهم فعاد إليها :
_ سيبك منهم دلوقتي يعرفوا كل حاجة......بس أرضى عليّ بقى يا محيرانى
ارتجفت عيناها وتلجلجت :
_ أعمل إيه؟
همس في أذنها بصوت جعلها تذوب عشقاً :
_ كملى.....قولى
تمسكت بكفه أكثر :
_ وبعدين يا أدهم !
ابتسم بهدوء:
_ بعدين دى بتاعتى يا روح قلب أدهم
_ أدهم عاوزاك لو سمحت
وصوت اخترق خلوتهما نظرا نحو عهد التي تقف أمامهما عيناها تقدح الشرر تريد نهش تولين التي كزت على أسنانها بغيظ تهمس:
_أنا ناوية ارتكب جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد
ضحك مقهقهاً:
_ مفيش حد يستاهل تضيعى نفسك عشانه يا حبيبتي.....دقايق وأخلص منها وارجعلك
تركها وابتعد مع عهد التي أرادت التحدث معه بعيداً عن كل شيء
_ خير يا عهد .....فى إيه ؟
فركت كفيها بتوتر وعيناها تدوران بضياع :
_ أدهم في حاجة لازم تعرفها ودلوقتي
ابتسم بهدوء:
_ حاجة إيه ؟
ابتلعت ريقها وأكملت :
_ ناصر البلتاجي!
وبنبرة باردة قاتلة سألها :
_ ماله ؟
ازداد توترها وحركة كفيها :
_ أدهم ......أنا هقولك على كل حاجة وافهمنى لو سمحت
ابتسم بهدوء:
_ كلى آذان صاغية قولى اللى عندك
******
الكل منشغل في عالم آخر بعيد عنها وهى لديها رغبة مسيطرة أن تنظر للبحر من أعلى ارتقت درجات السلم الذى يصل لسطح اليخت
نظرت حولها وأكملت صعودها ولا تعلم أن هناك من يترصدها وينتظر فقط أن تصبح وحدها
وصلت للطابق الأعلى ووقفت تنظر للبحر وأمواجه
زرقته الحالكة .....وسماء تحتضن قمر ونجوم
هواء يلفح وجهها بقوة وهى مستمتعة اقتربت أكثر من الحافة خائفة مرتجفة خاصة أن اليخت في عرض البحر
تراجعت بخوف وصوت جاء من خلفها فجأة :
_ شكلك بتخافى من الميه
التفت بهلع لمصدر الصوت وجدت مالك يقف خلفها مبتسماً :
_ أسف لو خضيتك
صاحت غاضبة:
_ أنت جاى هنا ليه .....أدهم لو شافك هتبقى مشكلة !
ابتسم بهدوء:
_ صدقينى أنا مفيش بينى وبينه أي عداوة ....وأنا مكنتش أعرف إنك متجوزة
_ ودلوقتي عرفت تحب تنزل على رجليك ولا على نقالة
ابتسم وهو يلتفت لصاحب الصوت :
_ أنا جاى اعتذر يا باشمهندس
واقتراب أدهم خطر يحلق ومالك يعاند ويكابر
وكف أدهم المضمومة تضرب كتفه بغلظة :
_ أنا مش بحب أقول كلامى مرتين لو شوفتك قربت منها مش هيحصل طيب
وابتسامة باردة واثقة :
_ أسف مرة تانية ......وعلى العموم مسيرنا هنتقابل من تانى
تركهما وغادر ليلتفت إليها بغضب:
_ البنى آدم ده كان عاوز منك إيه ؟
_ أنت سمعته وهو بيعتذر وإنه مكنش يعرف إنى متجوزة
رفع إصبعه في وجهها محذراً :
_ لو شوفته بيكلمك تانى هفرمه
اتسعت عيناها بهلع :
_ في إيه يا أدهم مش كده .....ده مجرد سوء تفاهم
_ أدهم عاوزك لو سمحت
وصوت زياد قاطع حديثهما ليلحق به ويتركها على مضض
*****
حالة سكون وموسيقى تنساب مع أمواج البحر الناعمة ولقاء ثلاثى بين أدهم وزياد وعهد وتولين تراقبهم من أعلى دون تدخل ويبدو أن الأمر خطير حتى يجتمعوا بتلك الطريقة
عادت لجلستها وحدها وفردت جسدها على أرضية سطح اليخت تغمض عينيها مطمئنة هادئة
وفجأة .....
صراخ .....ذعر
وأصوات تتعالى بهلع
حريقة......اليخت بيتحرق
قامت مسرعة مذعورة جسدها يرتجف من كلمات اخترقت عزلتها
أسرعت نحو السلم فواجهتها نيران تأكل كل شيء وتمنعها الهبوط
صرخت .....بكت
فقد انتهى أمرها
******
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي