الفصل العشرون

عوده لعند نعمت التى مازالت تقص حكايتها الحزينه على مسامع تمارا التى تملكها الفضول تستمع لها منصته بإصغاء شديد، تتفاجأ كل دقيقه و اخرى بحقيقة جديده معها... قصة نعمت و لا الأفلام ، تستحق فعلاً لكى تؤخذ قصه و يتم سردها فى رواية طويله.
وضعت يدها أسفل ذقنها تنظر لنعمت منتبهه لكل ما تقوله ترى نعمت قد تنهدت ثم قالت: شوفى ياستى .. أنا بعد ما اتخطبت للى ما يتسمى على عينه و يجحمه مطرح ما هو قاعد هو و أمه لاقيته فى مره بيكلمنى و بيقولى أنى لازم اسيب شغلى فى مصنع المراتب ده ، و أنه جايبلى شغل فى مصنع تانى عشان يبقى قريب من البيت الى هنتجوز فيه ..الى هو بيت امه طبعاً..و لما اعترضت لاقيته بيقولى المصنع بعيد و نص مرتبك هيضيع على المواصلات و كده مش هتبقى جايبه همها ... لما أصريت اكتر و اتمسكت برأى و كانت لسه الجلاله وخدانى بقا فقولت وإنت مالك انت بمرتبى ، انصدمت بيه بيخيرنى بين الشغل و بين فسخ الخطوبه.

صمتت تزامناً مع شهقة تمارا المصدومه ثم قالت بعدها سريعاً : طب و كنتى مستنيه إيه تانى ، ما ربنا بعتلك إشارة أهو عشان ماتكمليش فى الجوازه دى كملتى ليه بقا؟

ضحكت نعمت ساخره ثم قالت من بين ضحكاتها: و الله ضحكتينى.

زادت ضحكاتها العاليه ثم تتحدث من بينهم لتمارا قائله: و صراحه أنا مافيش حاجه تقدر تضحكنى غير خيبتى.

فضحكت تمارا هى الأخرى تمسح وجهها بكف يدها بتعب .
لتتوقف نعمت عن الضحك و تبدأ في استكمال حديثها بحزن وألم مردده: إشارة إيه بس و ما أكملش إيه ... ده انا برج من نفوخى كان هيشت منى أول ما قال كده.

أدمعت عيناها بحزن شديد و هى تكمل : انتى مش متخيله أصلا ... ده انا كنت بحلم يوميا أنى خلاص هسيب جحيم امى و جوزها ، كان كل ما يضايقونى و لا يسحبوا منى فلوس زى ما يكونوا بيحلبوا بقره كنت اصبر نفسى بأنى خلاص كلها شويه و اسيب لهم الجمل بما حمل و اتجوز... ف طبعا كانت صدمه كبيره ليا لما لاقيته بيخيرنى و طبعا طبعا اخترت انى اسيب الشغل ..ما اهو أنا أصلا كنت من هبلى و عبطى مفكره ان الشغل ده مرحله مؤقته فى أول الجواز لحد بس ما لو عليه ديون من بتاعت الجواز نسدها و نبقى مرتاحين و أسيب انا بقا الشغل و يستتنى و يقعدنى فى البيت زى ما كان واعدنى و بيقولى و الله لا أخليكى ملكه و أنا عشان عبيطه صدقت أوى.

صمتت ثوانى و هى ترى العامل يحمل أطباق الكشرى التى طلبوها يجلبها لهم و يقم بوضعها على الطاوله المستطيله التى يجلسون عليها إلى أن انتهى فانصرف.

لتنظر تمارا ناحيه نعمت و قالت بفضول: ها و بعدين..كملى.

هزت نعمت رأسها مردده: لا بعدين إيه... أنا دلوقتي جعانه ..و الكشرى سخن و بينادينى.

مدت يدها تلتقط الملعقه تغرف من طبق الكشىرى و تضعها فى فهما لتغمض عيناها و تهمهم بتلذذ مردده: هممممم...لعلمك احلى طبق كشرى تاكليه هنا .

رغم الجوع الذى يفتك بمعدة تمارا و قد زاد معدله خصوصاً بعدما وصل لأنفها تلك الرائحة الشهيه التى تفوح من طبق الكشىرى المميز هذا.

إلا أن الفضول مازال له الغلبة يسيطر عليها ، تريد معرفة باقى قصة نعمت.

فرددت مستنكره باستياء: أكل إيه دلوقتي بس...كملى عايزه اعرف إيه الى حصل بعد كده.

أتسعت أعين نعمت تعنف تمارا بمزاح مردده : بنننت..انتى بتعلى صوتك عليا ... طب راعى حتى فرق السن و أنى اكبر منك بحبه حلوين.

زمت تمارا شفتيها بغيظ فضحكت نعمت و هى تستمر فى التهام الكشرى مردده: نخلص بس أكل الكشرى و بعدها أخدك أعزمك على شوبين عصير قصب من المحل الى جنبنا و بعدها احكيلك.. أنا طول ما انا جعانه ما بقدرش و لا أعرف أتكلم.

صمتت لصوانى و هى تبتسم لتمارا و تغمر لها ب أحدى عيناها بينما تردد: اشبع بس و بعدها نقول أحلى كلام.

و سريعاً ما انغمست غرقا فى طبق الكشىرى الذى يعد بمثابة الاكله المفضله لديها .
و بطريقتها هذه فتحت شهية تمارا على الطعام خصوصا بعدما نظرت أمامها للصحن العميق  المصنوع من الاستانلس ، سرى رمقها تبلل شفتيها بجوع و نهم و هى ترى أمامها صحن الكشرى غارق فى الصلصه الحمراء من الطماطم المطبوخه و فوقه شرائح من البصل المقلى يظهر انه مقرمش جدا ، يتناسر من فوق الصحن حبات من الحمص الشهى ، كل ذلك و زيادة عليه منظر بخار الماء الساخن الذى يتصاعد من على الطبق يوحى كم أنه ساخن و لذيذ تزامناً مع صوت همهمات نعمت التى يظهر عليها بوضوح كم هى متلذذه بما تأكله .

فنست تمارا كل همومها و ما يشغل بالها و تجنبت فضولها عن قصة نعمت الآن قليلا ريثما فقط تنتهى على خير من تناول ذلك الطبق الشهى .


بعدما انتهت نعمت من الصحن الخاص بها و كذلك تمارا التى احمر وجهها من كمية الشطه التى وضعتها على الصحن.

وقفت نعمت تخرج بعض الأموال فئة العشر جنيهات من محفظه صغيره كانت تحملها بيدها و تضع بها كل اوراقها و الهاتف المحمول الخاص بها.

تنظر على تمارا و هى تضحك عالياً تردد ساخره: ما قولت لك..قولت لك بلاش كل كمية الشطه دى انتى الى عملتى لى فيها بات مان...اتفضلى .

أشارت بسبابتها على وجهها تردد بأستنكار : بصى شوفى وشك بقى زى حبة الطماطم أزاى.

وضعت تمارا كفيها على وجنتيها تشعر فعلا و كأن هناك حراره تخرج منهما ف رفعت عيناها لنعمت و سألت بترقب : وشى أحمر أوى؟
هزت نعمت رأسها إيجابا تردد بأسف : اه .. بس ماعلش عادى..شويه و هيهدى.

مدت يها بعشريه كأنها تعرف تمارا منذ زمن ، فشبكت ذراعها بذراع تمارا تجهلها تتحرك لتساير خطواتها التى اتجهت بها لخارج المحل.

تحت أنظار شخص ما يجلس خلف مكتب من الخشب بجواره أرجيله يقبض بيده على مبسمها و هو يتتبع بعيناه الثاقبه المستديرة خطوات نعمت التى يسير بجوارها فتاه بشرتها أصفى من اللبن الحليب و وجنتيها حمراء .. متوسطة الطول و الحجم لكن هذا لا ينفى ابدا روعة و جمال جسدها الممتلئ فى اماكن صحيحه و وجب فيها الزياده و الامتلاء ... تبدو أنها فى مقتبل العمر.

فظل يتتبعها بنظراته التى لولا الملامه لإتهمتها بشراهه.

فصدح صوته ينادى عالياً على أحد الأشخاص العاملين معه مرددا: يا دقدق... واد يا دقدق.

من وسط الطاولات و الزبائن فى المطعم ظهر شاب بجسد نحيف و وجه اسمر ، أنه نفس العامل الذى جلب لهن اطباق الكشرى .

ف تقدم مهرولا ناحية رب عمله يردد: نعم..أمر يا معلم عطوه.

ظلت انظار عطوه تسير مع تمارا لا تبارح جسدها ينظر لها بتدقيق و تمحيص لكل سم بها و لكنه مازال يسحب الأنفاس من مبسم أرجيلته و يتحدث لدقدق مرددا : مين البت الى ماشيه ومع نعمت دى يا ولا؟

رفع دقدق كتفيه عاليا و ردد بجهل تام: مش عارف يا معلم .. بس هما كانوا هنا من شويه و لسه ماشيين و أنا الى نزلت لهم الطلب بتاعهم.

أشاح عطوه برأسه عن الطريق الذى كانت تسير فيه نعمت رفقة تلك الفتاه خصوصا بعدما اختفت كل منهما داخل محل العصائر الموازى لمحله .

ف رفع رأسه ينظر لدقدق مرددا باستنكار : ايوه يا بقف ما أنا عارف انهم كانوا هنا و لسه مخلصين أكل و ماشيين أمال أنا شوفتها فين يعنى.

أشار له بيده مرددا و كأنه يحدث حمار : يا بنى أدم أنا بسألك تعرف عنها أيه؟

اخذ دقدق يهز رأسه سلبا و هو يردد : اه فهمتك يا معلمى بس عدم الا مؤاخذه كان بودى اقولك اى حاجه عنها بس انا كمان أول مره أشوفها.

ظل ينظر بترقب على عطوة الذى زم شفتيه بضيق بعدما تجهم وجهه و عاود لسحب الانفاس من ارجيلته و يقول لدقدق بضيق: اهو انت كده تملى.. عمرك ما جبتلى معلومه عن حد.

رفرف دقدق باهدابه ثم حاول فعل أى شىء يتجنب به مزاج رب عمله الحاد فقال مقترحا: طب إيه رأيك يا معلمى...ما تسأل عنها البت نعمت .. و اهى شغاله يوماتى فى معرض الحاج شداد الى قدام محلنا على طول... إيه رأيك؟

نظر له عطوه و قد انتبه لاقتراحه كأنه قال شئ جديد و مبتكر ف ردد: اي والله عندك حق..براوه عليك يا واد يا دقدق.

نظر للزبائن المنتظره من خلفه و ردد أمرا إياه بصلف و عجرفه : روح بقا شوف الى وراك .

رفع صوته عليه أكثر ينهره : أجرى يا ولا انت هتقف معايا تسايرنى و لا ايه ...روح يالا على شغلك.

هرب دقدق من امامه سريعاً و هو يتمتم بالكثير من الكلمات النابيه ، لولا حاجته للعمل لما تحمله هو ولسانه السليط مطلقاً .



بالخارج وقفت نعمت تدفع ثمن كوبين من عصير القصب لها و لتمارا.

بينما جلست تمارا على أحد المقاعد المستديره و المصنوعة من الاستانلس أيضاً ، تقلب فى وشوش الماره تشرد فى المكان من حولها.

تتنهد بعدما زفرت نفس عميق خرج محمل بشحنات مختلفه من عقلها.

عقلها الذى ذهب يمينا و يسارا يفكر و يسرح ، فيما كانت بالأمس و أين هى الأن.

شبح ابتسامه حلوه نمت على ملامحها و هى تتذكر أنها بالأمس القريب كانت فتاه مشرده تسير فى الشوراع و الطرقات دون وجهه محدده لا تجد و لا تعرف لأى مكان تتجه.

ضاقت المرار و الذل من رواد الشوارع كل يرغب بنهش لحمها.

نامت ليلتها تفترش الارض تغمض عين و تفتح الأخرى كما الذئاب بالضبط.

و حالها الآن و هى قد أكلت وشربت بل و نامت قريرة العين تغمض عيناها بسلام بعدما وجدت من
مد لها يده يعطيها مكان يأويها و عمل تؤمن به أيامها القادمة.

و هى الأن بعد الهم و الغم والخوف من القادم أرسل الله لها فتاه لطيفه أنست وحشتها و هونت عليها الوقت بدلا من الجلوس وحيده تفكر بمصيرها المظلم.

تأكل و تشرب بل ها هى تجلس الان بعد صحن الكشرى اللذيذ تنظر التحليه بكوب من عصير القصب .

أجفلت و هى تنتبه على صوت نعمت التى تتقدم منها و هى تحمل زوجى من الكؤوس الكبيره الممتلئه بالعصير كأنها تحمل كأس العالم مثلا.

صحيح الرضا بالاشياء البسيطة هو سر السعاده فى الحياه .

وقفت نعمت لجوارها تعطيها الكأس الخاص بها و هى تردد: احلى شوب عصير لاحلى تمارا فى الدنيا

مدت تمارا يدها مبتسمه تتناوله منها مردده: تسلم ايدك.

جلست نعمت ترتشق بضع قطرات من العصير وهى تهمهم متلذذه لتتبعها تمارا ثم تهمهم بتلذذ هى الأخرى و بعدها تلتفت لنعمت مردده: يالا بقا كملى حكايتك.

نظرت لها نعمت تجعد ما بين حاجبيها تحاول التذكر و تسأل تمارا: إحنا كنا وقفنا لحد فين؟

جاوبت تمارا سريعاً: لحد ما طلقيك قالك أنك لازم تسيبى الشغل و هددك يا تعملى كده يا هيسيبك .

تنهدت نعمت بحزن تتذكر قصتها المأسويه وشردت عيناها بعيدا حيث التمع بهما الدمع و هى تتذكر ما صار معها و تجاهد على ألا تبكى بينما تقص على مسامع تمارا المتبهه بفضول مردده: بعد توهه و تفكير طويل لاقيت أنى ما فيش قدامى أى حل غير أنى أسمع الكلام و وافقت ومن غير لا سلام و لا كلام سبت الشغل..و هو كان جابلى شغل فى مصنع تانى جنب بيت امه.. كان مشغل ..و أنا وافقت..هو قالى أنا هخلص لك بقية حسابك من المصنع القديم و ركزى انتى فى شغلك الجديد عشان تثبتى رجلك فيه .

صمتت تزم شفتيها بحزن و أسى ثم تحدثت مكمله: عنها بقا و الباقى انتى عارفاه.

أغمضت عيناها تنظر بشرود و حزن للكوب الذى بيدها ثم قالت : بس الى يحزن بجد هى صاحبتى

ضحكت بحزن تردد ساخره: او الى كنت فاكراها صاحبتى .

أشاحت بوجهها عن كأس العصير تنظر ناحية تمارا ثم قالت: من بعد ما مشيت نن من المصنع و هى لا حس و لا خبر..بطلت حتى تكلمنى.

أدارت وجهها تنظر على الماره بالطريق و أكلمت حديثها تقول : وعريس الهنا حتى ما عمليش فرح زى أى بنت ، ده حتى فستان الفرح الى كل بنت بتعيش تحلم بيه استخسروا فيا و قالى مافيش فلوس للكلام الفاضى ده...انتى متخيله.. و أنا رضيت..رضيت عشان عايزه اهرب من جحيم جوز امى و من العيشه الذل فى ذل دى.

أغمضت عيناها بأسى تطبق جفناها معا ثم ابتلعت رمقها تبلل شفتيها و رددت تكمل سرد قصتها: راحت ايام و جت أيام كنت أنا شوفت فيها المر من جوزى و أمه و ف يوم كنت رايحه ازور امى لما سمعت أنها تعبانه ..تخيلى لما وصلت المنطقة لاقيت ايه؟

نظرت لها تمارا بترقب تسأل: إيه؟

ضحكت نعمت ضحكه صاخبه يملؤها الألم و الغدر تقول: لاقيت الزينه ماليه الحاره من أولها لاخرها على الصفين .

رفعت حاجبها الايسر تردد يتعجب : و لما سألت فرح مين ده يا ولاد.

ضحكت بقوه تخبر تمارا التى تنتظر الاجابه بفضول و ترقب رهيب ف أكملت و ضحكتها تعلو و تعلو يكسو وجهها الألم رغم كونها تضحك: ههههههههه.. قالولى ده فرح سناء.

جعدت تمارا مابين حاجبيها مستغربه الإسم تتسائل فأخذت نعمت تهز رأسها إيجابا مردده : اممم.. سناء صاحبتى... حبيبتي و الى كانت بتنصحنى تملى و تضغط عليا عشان اوافق على الخطوبه و على الجواز و انى بلاش افرط فى خطيبى و لو هو عايزنى اسيب الشغل يبقى اسيبه عشانه.

تنهدت بحزن تأخذ نفس عميق ثم قالت مكمله: فى الاول اتاخدت و اتصدمت ، و بعدها قولت ما اروح أتكلم معاها اشوف فى إيه و ليه اختفت كل الفتره دى يمكن عندها عذر و لا حصل معاها ظروف.

نظرت لتمارا تقول بصدمه: تخيلى إن أنا أصلا جبت اللوم على نفسى و قولت يا بت ما أنتى أصلا بطلتى تسألى عليها أنتى كمان من بعد ما سبتى الشعل و انشغلتى فى الجواز عنها ... فروحت قولت ابارك لها و كمان اعاتبها أشوف ليه عملت كده و ليه قطعت معايا مره واحده كده.

اطبقت جفناها بأسى وألم شديد ثم قالت: لحد يومنا هذا مش قادره انسى شكلها لما شافتنى... كأنها شافت عفريت... ولا كأننا كنا صحاب سنين الروح ب الروح و كمان جيران و سرنا كله مع بعض... و لا مقابلتها ليا...كانت بارددده.. بارده بردو السنين كأنها بتقولى ماتجيش هنا تانى .. و لما سألتها ليه قطعت معايا و بطلت تسأل عنى فضلت تجيب كلمه من الشرق و كلمه من الغرب و تلف و تدور و تقول حجج و اعذار مالهاش لازمه كأنها بتقولى اهو كده و اخبطى دماغك فى الحيطه.. و مع كده بلعت كل كلامها و قولت فوتى يا بت و بلاش نكد عليها فى يوم زى ده.. أخدتها بهزار و قولت اعاتبها و أنا بقولها بقا كده يا واطيه تتخطبى و تتجوزى مت من غير ما تقولى و لا حتى تعزمينى .

صمتت تنظر لتمارا و الخزى يملأ قسمات وجهها تقول : قالت ان كل حاجه جت كده بسرعه و انه خطيبها هو الى محرج عليها لا تكلمنى و لا ليها اى علاقه بيا تانى و ده كان السبب الى خلاها تبعد الفتره الى فاتت ...طلعت من عندها و أنا من الصدمه مش شايفه قدامى..كنت عامله زى الى واخد شومه على دماغه و من الخبطه مش شايف حاجه..ليه كده و أنا عملت ايه... دى كانت بتكلمنى و هى ناقص عليها تتطردنى من بيتها و تقولى امشى إطلعى برا لا يعرف و يتضايق.

كانت كذلك تمارا تستمع لها و هى مستغربه بشده ، تجعد ما بين حاجبيها تنظر لها بأستنكار و ترقب ، تنتظر إستكمال الحديث ربما وجدت ما يفسر ذلك الموقف العجيب .

و بالفعل بدأت نعمت تتحدث مستطرده تقول بعد تنهيده عميقه حزينه: راحت أيام و جت أيام و أنا كانت الدنيا عماله تفرمنى معاها اكتر و اكتر و تقولى فين يوجعك بس و الله كنت راضيه و شاكره ربنا ، دايما كنت بقول يا بت انتى حالك أحسن من غيرك ... و فى يوم من الايام كنت رايحه الشغل الى كنت شغاله فيه قبل كده .

قاطعتها تمارا تسأل باستغراب : ليه؟

تنهدت نعمت بحزن و قالت: البيه كان بطل يروح شغله و عمال يقول انهم هما الى بيمشوا العمال و أنه مظلوم و ما عملش حاجه ... ربك و الحق أنا ماكنتش مصدقه و قولت لأ أنا هروح أسأل بنفسى... و هناك بقا قابلت العمال الى قالوا انه اصلا بقاله مده بييجى يوم و يغيب عشره لحد ما اتطرد... خرجت من هناك و الدم بيغلى فى نفوخى..البلط عديم الاحساس كان بيستهبل.. و استحل قرشى و قال يسيبنى انا اصرف و اشيله هو و أمه ... بس و أنا خارجه قابلت راجل جته كده و حلو .. باين عليه ابن عز.. الغريب انى لاقيته بينادى عليا و طلع عارف أسمى ... تتخيلى كده طلع مين؟!

سألت تمارا بفضول و فم مفتوح : مين؟!

ضحكت نعمت ضحكه صاخبه يملؤها الالم تقول: صاحب المصنع.. تخيلى؟

جعدت تمارا مابين حاجبيها تسأل: و انتى ازاى كنتى شغاله عنده و مش عارفه شكله؟!

ضحكت نعمت ساخره تردد: و أنا إيش جابنى انا للناس دى ... و لا أنا ايه علاقتى بيه .. هو ما كنش بييجى اصلا كل تعاملنا مع ريس العمال و هو راجل عنده اشغال تانيه كتير غير المصنع ده ...هو أساسا كان بييجى كل فتره و فتره او لو فى مشكله مستنياه غير كده لأ.

رمشت تمارا بأهدابها تسأل : و لما هو كده.. إذا كان هو شخص واحد و عرفك ..امال انتى أنتى الى فى زيك ميات شغالين فى المصنع اشمعنى عرفك انتى من وسطهم.

تنهدت نعمت بحزن شديد ثم قالت: طلع واخد باله منى من يوم ما اشتغلت عنده.. و كان عينه عليا و سأل عنى و عرف ان سناء صاحبتى ف بعتلها عشان تتكلم معايا ...

شهقت تمارا تضع يدها على فمها تكممه و عيناها متسعه بصدمه تربط ببساطة الخيوط ببعض و تردد باندهاش متسائله : لأ ما تقوليش...


اخذت نعمت تهز رأسها إيجابا و هى تردد بابتسامة عريضة ساخره : ايوه بالظبط... الهانم راحت قالته عليا ما فى الخمر و أنى على علاقه بحد تانى و بحبه و ناويين نتجوز .. و أنا ساعتها ما كنتش اتخطبت لطليقى أصلا ف ساعتها هى بقا فضلت تزود جرعة الزن و عملت إلى يخطر على بالك و الى ما يخطرش عشان اقتنع بيه و اديلوا فرصه... لأ مش كده و بس.. ده هى الى دفعت فلوس للمنيل على عينه عشان تخليه يجبرني اسيب الشغل و تضمن انى أخفى من قدام عريس الهنا نهائى... و بعد ما تم كل الى هى عايزاه قطعت علاقتها بيا و بعدت خالص و فضلت تقرب منه و تتمحلس له لحد ما خلته خطبها و بعدها اتجوزها... وقتها انا اتصدمت و ما عرفش ليه قولت له انى ما اعرفش كل ده و ما كنتش اتخطبت.

صمتت تنظر لتمارا و قالت : أنا مش وحشه بس الغدر الى حسيت بيه ساعتها و انى كام ممكن اكون دلوقتي متجوزه جوازه احسن و مرتاحه و انها اخدت نصيب كان جايلى من البدايه و ان نيتها كانت وحشه و كانت بتنصحنى للغلط عشان مصلحتها خلتنى ابقى عايزه انتقم خصوصاً كمان أن البيه الى أنا متجوزاه كان مطفحنى الأندله... ف قولت له انه اتضحك عليه و أن الست مراته الى هو اتجوزها هى الى قالت كده و أنا ساعتها ما كنتش متجوزه و لا حاجة و أنها وهى الى فضلت تقنعنى اوافق على العريس الى متقدم و انه باختصار اتلعب بيه... و بعدها سبته و مشيت ...و هو من الصدمه كان بيلف حوالين نفسه و مش مصدق.

كل ذلك و تمارا تستمع لها منصته بإصغاء و ذهول لكنها سألت: طب و هو عمل ايه بعد كده؟

تنهدت نعمت تخرج نفس مثقل كان يعبق على صدرها ثم قالت: ما عرفش و الى حصل معايا بعدها لخمنى انى أعرف.. أنا بعدها دخلت فى دوامة الدكاتره و التحاليل و البيه الى عايز يطلقنى و يتجوز ، الحياه مش سهله كده عشان اقعد ابص ورايا و اعرف غيرى وصل لايه... أنا بين يوم و ليلة لاقيت نفسى مطلقه و مش عارفه اروح فين و لا اجى منين ، لا و كمان بقيت مرميه فى الشارع ماليش متوى ، كان كل همى وقتها الاقى لى مكان جديد اعيش فيه و شغل بدل القديم والى الله يجحمه ما راح هناك و عملى مشكله كبيره خلى صحاب الشغل طردونى و قالوا إحنا مش عايزين مشاكل هنا.

صمتت تنظر للكوب الذى بيدها ثم قالت: بعدها جيت اخدت اوضه فوق السطوح هنا و فضلت ادور على شغل لحد ما جيت معرض الحاج شداد لما لاقيتهم معلقين ورقه على ازاز المحل انهم محتاجين بنات للشغل... و ربنا كرم و طلع راجل محترم و جدع.. هو صحيح ابنه صالح شديد و طبعه صعب بس بردو الواحد يقول الى ليه و الى عليه .. هو شاب محترم.

لاحظت تمارا تكرار أسم ذلك المدعو صالح و أنه شخص حاد الطباع لكنها لم تهتم له الآن و تجنبت السؤال عنه و اهتمت بحديث نعمت التى أخذت تتحدث مكمله : أنتى عارفه أنا فى وسط كل البلاوى دى ما كنش مزعلني غير أنى بحارب وسط كل الحرب الى فى الدنيا دى لوحدى ...بطولى.. لا أخ و لا أخت و لا أم و لا أب.. يا شيخه ده حتى صاحبتى...صاحبة عمرى الوحيدة باعتنى عشان تاخد عريس كان جايلى أنا و اخدته.

نظرت لتمارا بأعين لامعه حمراء يتلألأ بهما الدمع تردد : عشان كده من أول ما شوفتك و حسبت أنك بنت حلال و ارتحت لك و أنا مسكت فيكى بأيدى و سنانى زى الى لاقى لقيه و عايزه نبقى صحاب ... انا عارفه انك من بدرى عماله تسمعى لى بس بردو من جواكى بتقولى ده ايه البت الى من أول مره شافتنى فيها راحت حاكيه لى قصة حياتها ... بس انا زى ما قولت لك ... أنا ما صدقت و عايزه يبقى عندى صاحبه اشكيلها همى و تشكيلى همها...مش عايزه أبقى فى الدنيا دى لوحدى... عايزه حد يونسنى.

ابتسمت لها تمارا تردد: و أنا ربنا يعلم ارتحت لك و يشرفنى اننا نبقى اخوات.. و لعلمك انا كمان صعب أخد على حد بسرعه أو اثق فيه و أروح و أجى معاه بس أنتى انا ارتحت لك.

وقفت نعمت تأخذ منها كوب العصير تضعه امام الشباب الذى يقف خلف المكتب الخشبى و تجذب يد تمارا بعدها لتسير معها مغادره ترى الليل قد بدأ يبزغ و يكسو الظلام الحاره فقالت بلوم خفيف : أممم.. عشان كده ما رضتيش تحكي لى اى حاجه عنك و كنتى بتقطمى كده فى الكلام.

ارتبكت تمارا من حديث نعمت المفاجئ و حاولت التحدث بتلبك مردده : اصل... اصل..

قاطعتها نعمت تقول بتفهم و هى تبتسم : لا أصل و لا فصل.. انا عذراكى.. و هو ده الطبيعى أصلا....لازم تاخدى حذرك دايما و تحطى عينك فى وسط رأسك و مش أى حد تديله سرك و لا تأتمنيه...اسألينى انا... أنا مش زعلانه منك .. أنا الى مش طبيعيه عشان حكيت لك كده خبط لازق من غير لا إحم و لا دستور ..بس زى ما قولت لك..انا كنت بتلهف عشان يبقى ليا صاحبه اتونس بيها و تهون عليا ايامى.

نظرت لتمارا فوجدتها تبتسم لها بترحاب ، تغضنت زوايا فمها بابتسامه متوتره تسأل بترقب : هتبقى صاحبتى؟

اخذت تمارا تهز رأسها إيجابا بأعين مدمعه ، فسألت نعمت مجددا بأمل و ترقب: و مش هتسبينى فى يوم من الايام؟

هزت تمارا رأسها بقوه إيجابا مره اخرى فتقدمت منها نعمت تحتضنها بقوه و هى تبكى كأنها كانت متلهفه لصديقه بل شقيقه تؤازرها حياتها و مشاكلها اليوميه الصعبه .

ابتعدت كل منهما عن الأخرى ، و مدت نعمت يدها تمسح دموع عيناها و أخذت نفس عميق تنظر على الماره حولها فى الشارع من الاتجاهين و قالت لتمارا بمزاح : يالا يا بت ... يالا يا بت انتى يا رغايه أمشى روحى بيتك بدل ما انتى عماله ترغى من الصبح كده.

ضحكت تمارا مستنكره تردد و هى تشير على نفسها: ده انا بردو؟ههههههه.

ضحكت نعمت هى الأخرى و قالت : ايوه.. ورغايه رغى السنين.. قوليلى انتى ساكنه فين؟

توترت تمارا قليلا لكنها حسمت امرها سريعاً و قالت لها بوضوح : بصراحة أنا الحاج شداد عطانى الشقه الى هو عاملها مخزن لحد ما الاقى لى مكان كويس اعيش فيه .

جعدت نعمت ما بين حاجبيها تسأل باتسغراب :ده بجد؟ غريبه... بس ليه؟

تنهدت تمارا تقول بحزن كبير : دى حكايه طويله و كبيره أوى أوى أوى... أطول و أصعب حتى من حكايتك.. هقولك بعدين اكيد.

نظرت لها نعمت تقول باستهجان: باين يا اختى من عنيكى إن حكايتك حكايه .. بس يالا روحى انتى على البيت عشان الوقت اتاخر و بكره لينا كلام تانى.

همت كى تتحرك مغادره لكنها توقفت تقول بعزم لتمارا : ولا أقولك أنا هاجى معاكى اوصلك قبل ما أروح.

ابتسمت لها تمارا بإتساع و هى تشعر ناحيتها شعور الاخت الكبيره الحاميه.

كانت تسير مع نعمت تجاه الشقه التى اعارها لها الحاج شداد.

فتمر من أمام محل الذهب المملوك لعلاء... الذى لاحظ طيفها تمر من امام محله فهب من خلف مكتبه و خرج سريعا ليرى و يتأكد إن كانت هى أم لا ينوى.

ابتسم بإتساع و انشراح صدر حينها تأكد انها هى يقسم ألا يتركها هذه المره إلا بعدما يتتبعها و يعرف من هى و يحاول التحدث لها.

فخطى بقدمه ينوى الذهاب خلفها لكن صوت صالح اوقفه و هو يقول: بتجرى كده و رايح فين؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي