الفصل السادس خواطر غير مرتبة

مشاعر سلبية.. كل ما يملأ البيت الآن هو غضب وكآبة وحزن وسحر ومشاعر سلبية نتجت عن كل هذه الأشياء الخارقة للطبيعة التي قلبت حياتهم رأسا على عقب. مرت ساعة كاملة على آخر كلمة قالها "إيفاندار" بعد إقراره بعودة ذاكرته.. آخر كلمة هي :
اعطيني دفتر وقلم ، أريد أن أصفي ذهني وأدون كل شيء.
كان الفتى قد قال هذه الكلمات وكأنه لايشعر بشيء ، لم يكن هنالك أي تعبيرات على وجهه ، لا حزن لا ألم لا غضب وكأنه قد اكتفى من كل هذا ، تلك اللامبالاة التي ظهرت على وجهه هي بالطبع شكل آخر من أشكال الاكتئاب وخيبة الأمل واليأس القابع في قلبه دائما وأبدا.
استعار "إيف" غرفة "لانا" في هذا الوقت بعد موافقتها ، جلس على المكتب وأخذ يكتب ويكتب ويكتب..وكانت "لانا" حائرة ما بين تفقدها لوالدها وتفقدها لـ "إيف" ، كانت تحاول التحدث إليه ولكنه لا يتجاوب معها ، كان يكتب كل شيء مخافة أن يفقد ذاكرته مرة ثانية..لقد عادت له ذاكرته بعد شهور من فقدانه لها ولكن على كل حال، من الواضح أنها لم تعد كاملة.. ربما المسألة هي مسألة وقت فقط ، وسيتذكر كل شيء ، ويصل إلى نقطة الخلاص من هذا الكابوس ، أو بمعنى أصح.. إيجاد سبيلا للتخلص من هذا الكابوس ، كاشفا في طريقه خباياه وأسراره ، هناك العديد من الاحداث التي لا يزال يعجز عن تفسيرها.. ككونه غير مرئي والكلمات الغريبة التي كتبها بدمائه على الحائط قبل غيابه عن الوعي بعد محاولة انتحاره ، والكثير من الأشياء الأخرى التي كانت تدور في رأسه...
كان يكتب ودموعه تتساقط على الأوراق ، ولكن تعبيرات وجهه كانت صامتة لا تنم عن أي شيء ، وهذه أقسى درجات الأسى والتسليم إلى الأمر الواقع الذي يرفضه عقله وقلبه ، ولكنه مجبور عليه مع بالغ الأسف..

بدأ كتابته بكلمات عن نفسه ، وكأنه يذكر نفسه بنفسه وبالحياة المريرة التي عاشها ، والمخاطر الهائلة التي لا زالت في انتظاره كما هو المتوقع بالنسبه له ، واستنادا أيضا إلى كل ما حدث وكل ما يحدث.. فكتب :

الساعة الآن الثالثة وأربعون دقيقة عصرا ، يوم الجمعة الرابع من شهر يوليو عام 1997 ، اسمي "إيفاندار بلايز" ولدت في العشرين من يوليو عام 1981 ، أي أنني خلال ستة عشر يوما سيكون عمري 16 عاما..ولدت في بلدة "نوفيس".. بلدة صغيرة لا يقطنها الكثير من البشر ، وتقع بالقرب من العاصمة "القاهرة".. أكتب الآن بعض الخواطر الغير مرتبة لأن ذاكرتي مشوشة ؛ فبعض الأشياء أتذكرها بوضوح ، وبعض الأشياء تبدو صورتها مهزوة ، أو غير واضحة المعالم بالنسبة لي ، ولكن أقرب ما أتذكره ، أو آخر ما قيل لي ، أن تلك البلدة هي بلدة عائلتي.. أي أنها تنتمي إلينا وهي أرضنا ، ونحن من أطلقنا عليها هذا الاسم على مر العصور.

أصولي ليست مصرية.. وهذا يفسر اسم عائلتي الغريب ، واسمي أيضا...هذه المعلومة ليست ذات أهمية كبيرة ولكن كل ما أكتبه الآن هو ما يأتي إلى ذاكرتي وأفرغه في تلك الورقات فحسب ، لذا ستكون هذه الخواطر أكثر الخواطر فوضوية على الاطلاق.

أبي كان رجلا قاسيا منذ أن ولدت.. لا أتذكر أكثر من أصوات الخلافات والنزاعات والشجار والضرب والتعنيف والاهانة والذل، بالطبع كل هذه الأفعال كانت واقعة على أمي، وكانوا يقولون أن أمي امرأة ضعيفة الشخصية، ولكنها صبورة وتحملت الكثير من أجلي ، لذلك فهي في عيني أعظم أم على الاطلاق ، وأقوى إنسانة عرفتها في حياتي..

كبرت وترعرعت في ذلك المنزل الكئيب ، وأبي كان يتلذذ بضرب أمي بسبب وبدون سبب.. ثم بطريقة ما كنت أجهلها إلى وقت قريب ، كانت أمي تنسى ما فعله أبي ، وتستنأنف حياتها معه بشكل طبيعي ، وتعطيه حبا وحنانا لا يستحقهما ، كان يضربها ويعذبها وترك آثارا كثيرة على جسدها ، كانت تبكي وتتألم كثيرا ، ثم يعود كل شيء كما كان..

منذ ساعات قليلة..كنت لا أعرف من أنا ، وماذا سأفعل في حياتي ، اخترعت لنفسي اسما وبلدا غير موجودين لأهرب من حياتي البائسة ، ولكن هيهات..حياتي الكئيبة الحزينة وخوضي لهذه المعارك هو أمر محتوم ، ولابد أن أفعل كل ما ستوجهني إليه "كيه" لعلي في النهاية أصل إلى الدرب الصحيح الذي يجعلني أثأر لأمي ، وأجعلها فخورة بي حين ألقاها.. حين أذهب إلى حيث لا أعود، حين تفنى روحي ولا يبقى لي أثر.

الآن أتذكر "كيه" التي لا أعرف من تكون بعد ، ولكنني بحاجة إليها.. نعم أنا بحاجة إلى إنسانة ميتة منذ سنوات طويلة..هي من ستدلني على الطريق الصحيح، وهي من ستجعلني أنتقم لأمي..

لقد أقدمت على الانتحار من قبل مرتين ، مرة قمت بالانتحار فعليا، ومرة أخرى عندما أجبرت نفسي على عدم تذكر أي شيء عني ، وتأليف حياة جديدة لا تمت للواقع بصلة.. نعم هذا يعد انتحارا آخر!

اما عن المرة الأولى فقد فعلتها بعد أن قرأت ورقة من مذكرات أبي ، كتبت فيها العديد من الأشياء المبهمة ، فهمت بعضها ولم أفهم الباقي إلى الآن.

اختصارا لكل هذا.. أبي ليس من البشر ، أبي شيطان بالمعنى الحرفي قولا وفعلا..ولد أبي بقدرات خارقة ، لم يذكرها كلها في تلك الورقة التي وقعت تحت يدي، ولكنه قال أنه يملك أكثر من هذا.. اهم تلك القدرات هي مسح وتعديل ذكريات البشر ، والخلود داخل جسد آخر بعد موت جسده ، بحيث تبقى روحه الشريرة بداخل أي كائن بشري عادي ، ويفضل أن يكون هذا الكائن ذو صحة جيدة وفي سن متوسطة حتى يستطيع العيش بداخله لفترة أطول.

عندما يسكن أبي جسدا آخر ، فهو يستطيع تفعيل قدرة الخلود داخل الأجساد فقط ، لأن كل القدرات الأخرى زالت بعد موته ، منذ ثلاثة أعوام.. وافته المنية ، ولكنه استخدم قدرة الخلود لأول مرة على جسد أمي ، وكأنه لم يكتفي من تعذيبها وهو حي.

تغيرت تصرفات أمي كثيرا خلال تلك الثلاثة أعوام ، أصبحت تصرخ في وجهي لأقل الأسباب ، أصبحت تبكي لأتفه الأسباب.. كانت هذه التأثيرات عليها ، لأن روحها الطيبة لم تحتمل التلاقي مع روح أبي السوداء المظلمة. أما عن تصرفاتها السيئة فكانت تصرفات أبي ، كانت تنهر الناس وتعاملهم بطريقة سيئة ، حتى ان جميع أصدقائها ابتعدوا عنها ، والآن لا يذكرها أي منهم بالخير..

قبل عدة أشهر عندما حاولت الانتحار.. كنت قد قرأت تلك السطور والتي كتبت بيد أبي الموجود في هيئة أمي، كتب تلك السطور ورحل.. أعني رحلت أمي ، وفنى جسدها لأنها لم تتحمل الشر الذي كان يسكنها..هذه هي الورقة الوحيده التي استطعت أن أقرأها من مذكرات أبي ، ولا تزال الكثير من الورقات الأخرى موجودة والتي تحمل الكثير من الخفايا والاسرار و سأعمل جاهدا لكشفها، تلك الورقات أتوقع أنها موجودة في الحقيبة اللعينه، آه وأعني هناك ورقة أخرى واحدة قرأتها "لانا" لنا ، وتلك التي كان يتحدث فيها أبي عني بالسوء ، هذا الذي يدعى "ستيف بلايز" اللعين!

هذا اللعين لم أذكر منه سوى ذكريات سيئة ، لقد كرهني منذ ان ولدت.. ربما ليس لشيء شخصي بل لأنه لا يحب أحد سوى نفسه لم يحب أمي ، ولم يحبني ، ولم يحب أي شخص من عائلته.. عائلته التي عرفت بأنهم متعاونين مع بعضهم البعض في أي شيء ، ولكن الشيء الذي أنا واثق منه تمام الثقة الآن أن تلك العائلة تتعاون على الشر فقط ، ولا يهمهم أي أحد ، ولا يعرفون في قاموسهم اللين والرفق ببقية البشر ، لا أعرف التفاصيل الآن ، لا أعرف لماذا هم أشرار او ما مظاهر ذلك الشر، ولكنني أتذكر ان أمي كانت تمقتهم ، وتقول أنهم لا يحبونها ، لذلك فإن ثقتي نابعة من رأي أمي وإحساسها.

لم أرث عن أبي أي صفات شكلية ، ولا سمات في الشخصية أيضا.. الشيء الوحيد الذي ورثته عنه هو التدوين ، حبي لتدوين أي شيء.. مخافة أن تضيع الذكريات عندما نصبح رمادا وتذرونا الرياح.
كان أبي دائما يدون ذكرياته ، والآن أتذكر أنه بعدما قرأت تلك الورقة من مذكراته.. أنه يمكنني التوصل إلى بعض الاستنتاجات.. أعتقد أن قدرة أبي على مسح وتغيير الذكريات لها علاقة وثيقة بأمي ، وأن أمي كانت تعرف كل شيء عنه وربما عرفت الكثير مما لا أعرفه أنا شخصيا عن عائلته والتي هي عائلتي مع الأسف ، ولكنه كان يمسح ذكرياتها، بالاضافة إلى تلذذه بتعذيبها، فكما قرأت "لانا" من سطوره أنه كان مصابا بجنون العظمة والسادية، ولكنه بالطبع لم يعترف بذلك ، ولن يعترف بذلك أبدا..

تلك المذكرات ، لن يطلع عليها أحد ، ليس لأنها تحتوي على معلومات خطيرة أو ما شابه... ولكن.. لأنني صأفصح عن بعض المشاعر التي لم أبح بها حتى لنفسي إلى الآن ، التي من الأفضل أن تظل في قلبي وبين سطور هذه الورقة فقط.. على الأقل حتى الآن..

أنا متيم بـ "لانا"، منذ اللحظة التي رأيتها فيها وأنا معجب بها وأهيم بجمال عينيها ، أحب ذكائها وطريقة تحليلها للأمور، أحب ابتسامتها وامتعاضها ، يعجبني حنانها وحرصها على مشاعر الغير ، هي شخص لا يوجد منه الكثير في دنيانا القاسية ، بل هي لن يكررها الزمن ،أحببتها وأنا "عامر أمين"، والآن أشعر بنفس المشاعر وأنا "إيفان بلايز" بل إن تلك المشاعر تعظمت وتعززت أكثر الآن! ولكنني أخشى.. أخشى الكثير من الأشياء التي قد تحدث، أخشى أن أورطها معي في مشاكل كبيرة ومغامرات قد تودي بمستقبلها ، أعلم أنني فتى غير عادي ، وحياتي غير عادية.. ولن تكون أبدا حياة عادية ، ستكون مليئة بالمشقات والصعاب والمغامرات وربما القتالات..
لا أريد أن أقحمها في حياة كهذه ، أريد أن أذهب وأختفي من حياتها ، ولكن كيف؟ أنا غير مرئي! لا يراني أحد في العالم سوى "لانا" و"رمزي"، هناك الكثير من الأشياء التي احتاج لتفسيرها ، لكي أصل إلى حل لهذه المشكلة.

أما عن تلك المرأة التي جائتني في الحلم عندما حاولت الانتحار.. فهي تقريبا قالت لي كل شيء ، قصت علي كل شيء.. عني وعن عائلتي وعما يجب علي فعله ، ولكنني إلى الآن لا أتذكر شيئا مما قالت ، لا أدري ربما لم تعد إلى ذاكرتي كاملة ولكن إذا عادت فإنني سأعرف الكثير، وسأقرر الكثير من القرارات التي سيترتب عليها العديد من الأفعال...

لا أتذكر سوى اسمها المستعار"كيـه" وأنها قالت لي أنني سأكون منقذ العالم من تلك العائلة ، التي لا أتذكر إلى الآن ماذا صنعت وما هي مشكلتها مع العالم ، أنا متأكد أنها قصت علي كل شيء وبعد ذلك أصبحت ذاكرتي فارغة وتم ساتبدال اسمي باسم "عامر أمين" وبلدتي بـ " بيني تاس".

كل ما أتذكره الآن هو منذ بداية مولدي وحتى لقائي بتلك المرأة في منام غريب ، والتي لا أتذكر أنني رأيت وجها أصلا ، آخر كلمة تذكرتها أنها قالت لي أن هناك من يحاول قتلي ، ثم تكلمت كثيرا وكثيرا ولا أتذكر أي كلمة من تلك الكلمات ، ولكن الآن وأنا أكتب هذه الكلمات أشعر بان الذي يفوتني الآن ، والذي لا أستطيع تذكره.. أِشعر انه تاريخ قاسي ، وربما أأبى تذكره لأنني أأبى فكرة وجوده، أعيش في قفص النكران ويساعدني عقلي على ذلك ، وأيضا.. هذا يفسر تقمصي دور شخص آخر من تأليفي ورغبتي في عيش حياة أخرى ليست حياتي.

أريد أن أبكي.. أبكي شبابي الذي سيضيع ومستقبلي مظلم الملامح ، أريد أن أشفق على أي شخص سأقحمه معي في تلك الصعاب ، لا أريد هذا.. لا أريد أن يتأذى أحد بسببي ، أرغب في الانتقام لأمي ولكن كيف؟ لا أستطيع أن أصل لهذا وحدي ، الأمر صعب على إنسان جبان ، نعم أنا ذكي وقوي ولكنني جبان..
أعلم أن لدي قوى ولكنني لا أريد تصديق ذلك ، لا أريد استخدامها ، أريد أن أحيا حياة هادئة ، أريد أن أحيا بسلام ولكن الغموض يغطي على كل شيء قادم ، الغموض والظلام والشقاء ، لا سلام في عالمي ، لا سلام في حياة "إيفاندار بلايز"، آه يا الهي.. ليتني لم أستعد ذكرياتي ، ليتني بقيت "عامر" الأبله الغير آبه بأي شيء ، لم ير أحد في حياته سوى "لانا" و"رمزي" ولا يعرف كيف تكون المشاكل اصلا! وأقسى شيء حدث له هو تقييده من قبل فتاة وأبيها.. من قبل الفتاة التي تعجبه.

وبمناسبة الحلم الذي رأيته.. ورأيت فيه شخصا.. هذا الشخص كان أبي ، وكنت مستاءا من رؤيته ، وفجأة تحول وجهه إلى وجه السيد "رمزي" والد "لانا" بشكل غريب، وكان يرمقني بنظرات غاضبة، نفس النظرات التي نظرها إلى "لانا" قبل أن يتهمها باتهامات تسم البدن..

والآن فهمت أن روح أبي مازالت خالدة ، وقد أتت معنا إلى هذا المنزل في جسد السيد "رمزي"! ولكن كيف مضت كل تلك الأشهر دون أن يفعل أي شيء أو نشعر بأي شيء؟ هذا سر من ضمن الأسرار التي أجهلها إلى الآن، علي أن ألقى "كيه" في أقرب وقت؛ فبيدها مفاتيح أبواب كثيرة وحلول مآزق عديدة.. فكيف السبيل إليها ياتُرى؟ هل يمكن أن أراها في مناماتي بشكل عادي؟ أم أنني يجب انام بطريقة ما؟ أم أن للسحر دور في هذا!! وبالحديث عن السحر ، لو كنتُ ساحر كما اظن وكما تعتقد "لانا" فكيف أستخدم سحري؟ لا أريد أن أستخدمه من الأساس ، آه أنا للأسف مجبر على كل شيء.. ليس لدي خيار!

تلك اليد التي أخط بها على هذه السطور.. قد كتبت من قبل كلمات لا أفهمها إلى الآن، كتبتها وحدها دون ارادتي.. كلمات كُتبت بدمائي على حائط غرفتي في منزلنا الذي احترق.. ولكن ما معناها؟ لا أفهم حتى الآن.. على الأرجح هي تعويذة ولكن كيف لي أن أكتبها ولم أكن أعلم أنني ساحر أصلا؟!!ولا أعلم كيف تتم التعاويذ ولا كيف تنطق تلك الهمهمات الغريبة ومع ذلك كتبتها بيدي!
أريد أن أرتب أفكاري وأتناقش مع "لانا"، ولكنني لن ادعها تقرأ مذكراتي ؛ فأنا لا أحب ذلك..
ويجب ان أجد طريقة لألتقي بـ "كـيه"، ربما رغبتي الشديدة في لقياها وحاجتي إليها سوف يقودانني لها بشكل أو بآخر ، ولكن يجب علي السعي.. سأطلب من "لانا" جرعة من المهدئات ، لأسافر إلى نوم عميق..






أنهى "إيف" كتابته على ورقة بيضاء مسطرة ، قد ملأ وجهها وظهرها بكلماته وأطبقها ووضعها داخل جيبه..ثم عاد إلى "لانا" فوجدها جالسه بجانب أبيها، أو جسد أبيها بمعنى أصح..
فتحدث بصوت منخفض قائلا :
أريد أن أتحدث إليك ، هللا أتيت؟

أتت "لانا" إليه وأغلقت الباب من خلفها على أبيها الذي كان لازال نائما.. وجلست مع "إيف" لتستمع إلى قصته، (أو ما يتذكر من قصته) وكلها آذان صاغية...
اتسعت عينا "لانا" في دهشة وقالت :
هذا أغرب من الخيال!! وبالتأكيد أنت بحاجة للقاء "كيـه" ربما يكون لها يد في أي شيء حدث ، أو ربما توصلنا إلى طريقة ننقذ بها أبي من استيلاء أبيك على جسده..
نظر "إيف" إلى "لانا" وهي تعطيه حبات المنوم ، كان القلق والخوف يظهران عليها فقال لها مطمئنا وكأنه كان يقرأ أفكارها :
أعلم أنك تتسائلين ما اذا كانت هذه الجرعة خطرة علي ام لا ، ولكنني لا أظن ذلك ، إنها جرعة كبيرة بالفعل ، ولكنني تأكدت الآن أنني لست انسانا عاديا ، أنا أقوى بكثير من الإنسان الطبيعي ولن تؤثر علي تلك الحبات بشكل خطير.. لا تقلقي!

تناول "إيف" الحبات مستعدا للنوم على سريره.. بقيت "لانا" بجانبه ، وأخذت ورقة وقلم متأثرة بطريقة "إيف"، واستعدت لتدوين أي شيء قد يظهر على وجهه أثناء نومه، وأي شيء غريب قد يطرأ على الجو العام في الغرفة، وأي كلمات قد تخرج من لسانه بغير ارادته وهو نائم..

أطبقت أجفان "إيف" على بعضها البعض ، وكانت "لانا" بجانبه مترقبة..
كانت الرؤية ظلام بالنسبة لـ "إيف" في البداية ، هو الآن يحلم ولكنه لا يرى شيء سوى غمامة سوداء تغطي المكان كله.. أخذ يسير ويسير وهو لا يرى شيئا.. وفجأة سمع صوت مألوف بالنسبة له ، وكان مصدر الصوت يأتي من أمامه ببضع خطوات.. كان صوت امرأة.. آه لابد أنها "كيه"! كانت تنادي عليه :
"إيف" تعال إلى هنا أنا في انتظارك! ثم أحس بيدين تمسكان به.. ثم قالت بنبرة انتصار: ها قد وجدتك! مرحبا من جديد.. أنا "كيــه".

يتبع......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي