الفصل 14

وفى اثناء ركضها نحو غرفتها اصطدمت بانس الذى وقف مصدوما من منظرها فقد انساب شعرها الناعم فغطى ظهرها وكتفيها
قالت له بلهجة سريعة وبصوت باكى : ستطردنى شما ولن تقبل ببياتى فى البيت
هى كانت تتكلم بتلقائية دون ان تنتبه ان من تتحدث معه هو انس انها كانت فى عالم اخر
قال لها مهلا انا لا افهم عمن تتحدثين ومن هى تلك التى تجروء على منعك من البيات
هنا تنبهت انها تتحدث معه ومع ذلك لم يشفع لها هذا ولكنها على الرغم من هذا تعاملت بفطرتها وازاحته من طريقها واكملت ركضها وهى تقول : انها شما صاحبة البيت يا ويلتى منها
اكمل هو صعوده السلم ودخل على امه وقص عليها ما حدث فتجهمت ملامحها وقالت : تباً لزوجتك فهى من اخرتها
انس : زوجتى ؟ واخرتها ؟ وشما ؟ اريد ان افهم
حكت له امه ما فعلته زوجته وايضا حكت له حكاية سماح وشما وان ما تفعله شما ليس قسوة عليها بل حبا لها وخوفا عليها ولانها قوية الشخصية فهى لا تقتنع بسهولة ولا تتراجع عن عقابها بسهولة
ترك امه وذهب لغرفة سماح فوجد الباب مفتوحا ووجدها لازالت تتمتم باسم شما وتحاول ان تتصل بها الا ان هاتفها لازال معطلا فقال لها : اعطينى رقمها لاتصل انا بها واكملى انتى تجهيز نفسك
اعطته هاتفها بتلقائية وقالت : ساعدنى ارجوك وتذلل لها لترضى عنى واتصل بها من هاتفك فهاتفى يعاندنى كما لو كان متفق مع زوجتك
انس بتعجب واستنكار : اتذلل لها لترضى عنك ؟ هاتفك متفق مع زوجتى ؟ ثم همس بتعجب وهو قاضب حاجبيه يبدو ان خوفك جعلك تهزين الا انها لم تسمعه فقد غربت من وجهه وذهبت نحو الحمام لتغسل وجهها
اخذ يحاول ان يفهم ما الذى حدث للهاتف لعله يستطيع ان يخرج رقم شما من قائمته الا انه لا فائدة
هنا كانت سماح قد تجهزت فقال لها لازال هاتفك معطل ولم اعرف استخرج رقمها
قالت بحزن : حسنا ساستقل اى عربة وساذهب بسرعة واخذت منه هاتفها وغادرت امام عينيه
ظلت واقفة امام باب الفيلا تستوقف اى عربة بينما اخذ هو يراقبها من شرفة غرفته وهو يسب زوجته ويقول تبا لك زوجة مهملة وليس لديك اى رحمة بالعباد
وجد سماح فلحت فى استيقاف عربة الا انه لاحظ ان سائقها يغازلها فغلى الدم فى عروقه وهبط من على الدرج بسرعة حتى خرج اليها وجذبها من ذراعها قبل ان تركب واشار للسائق بان يرحل وقال لها ساوصلك انا
تعجبت هى لفعلته لكنها لم تعطيه بالاً فكل جل همها ان تصل بسرعة
بينما هو فتح باب سيارته لها فركبت جواره وظل يسير بصمت ويفكر فى نفسه لما غار عليها ولما هو الان مغمورا براحة وفرحة وهى جواره ؟ اخذ يحدث نفسه بينما كانت هى تحاول للمرة الالف ان تتصل بشما
اخيرا وبعد ارشادات منها وصلا لبيت شما
ما ان وصلا حتى فتحت هى باب السيارة وركضت نحو البيت بعدما اكلت الحديقة الخارجية اكلاً بركضاتها واخذت تطرق بابه طرقات متتالية بينما هو ظل واقفا يراقبها دون ان يتحدث حتى وجد فتاة شابة جميلة يبدو عليها الوقار تفتح لها وتقف امامها وهى تسد باب البيت وقد اعتلتها نظرة قاسية معاتبة سماح على التاخير
بالطبع لم تكن الفتاه سوى شما
اخذ انس يتاملها ويتامل ملامحها القاسية فتعجب كيف لفتاه رقيقة كهذه تبدوا قاسية كما هى الان الا انه فى ذات الوقت تعجب لانها فى لحظة تحولت فقد فتحت ذراعيها لسماح وضمتها وكانها امها وقالت لها بصوت مسموع فهى حتى الان لم تنتبه لوجوده : احمد الله انك بخير والله انى لا اقسوا عليكن الا من حبى
هنا لاحظ انها انتبهت له فسكتت وابعدت سماح عن صدرها فهمت سماح ان تستفهم ما الذى جذب انتباها وعلام تنظر فتذكرت انس فركضت نحوه وجذبته نحو شما وعرفتها عليه
شما بابتسامة عذبة الا ان نظراتها كانت عميقة ثاقبه : اهلا بك سيد انس اشكرك على توصيلك لسماح ولكن كان يكفى ان تعينها على ركوب عربة بدلا من ان ترهق نفسك
تنحنح انس وقال : ليس هناك اى تعب المهم ان اطمئن عليها
شما اعادت جملته وهى تضغط على الحروف المهم ان اطمئن عليها امم حسنا سيد انس تشرفنا بك واعتذر فليس بامكانى دعوتك على فنجان من الشاى حيث جميعنا بالداخل سيدات واخى ادم ليس موجود بشقته
تنحنح مرة اخرى واستاذن ورحل
سماح بصوت مسموع سمعه انس وهو موليهما ظهره وقبل ان تدلفا للداخل : انه رجل شهم اظنه مثل ادم وحمزة عندما يغارا عليكى فقد فعل مثلهم وخشى علي من مغازلة السائق
هنا اسرع بخطواته نحو سيارته قبل ان تستوقفه شما فمن نظراتها عرف انها ناضجة وستفهم معنى غيرته اكثر من سماح
شما وهى تبتسم ابتسامة ماكرة لسماح : غار ؟ اممم
.....................
فى صباح اليوم التالى اتى ادم لشما وابلغها موافقته الصريحة على طلب سهيلة
وما ان علمت سهيلة بموافقته الا ورقصت طربا
اما فى المساء واثناء ما كانت شما تروى ياسمينتها اتتها سهيلة لتقف معها
شما لاحظت توتر سهيلة او عدم شعورها بالراحة فتركت رشاش الماء من يدها وقالت : ما بك يا سهيلة
اغرورقت عينا سهيلة وارتمت فى صدر شما
ربت شما على ظهرها وتحركت بها نحو اريكة فى زاوية الحديقة واجلستها بينما جلست هى امامها وكادت شما ان تسالها عن سبب بكاءها الا ان ادم قد وصل لتوه وما ان شاهد سهيلة على هذه الحالة الا وانفطر قلبه وتمنى ان ضمها ولكنه رغم هذا تظاهر بالثبات وسال شما : ما بها
شما : لا اعلم
ثم حاولت ان تغير الاجواء فابتسمت وقالت : ظننت ان تكون انت من اغضبتها فانا اعلم ان العرسان كثيرا ما تتشاحن قرب الزواج حتى وان كان زواجهم غير تقليدى
على الرغم من هذا لم تفلح فى تغيير اى شىء لا ان ترسم الابتسامة على شفاههما
ادم : من فضلك يا شما اتركينا وحدنا لدقائق
قامت شما فجلس ادم مكانه وسال سهيلة : ما الخطب
لم ترد سهيلة وازدادت فى النحيب وقد طأطأت وجهها للارض فما كان من ادم الا ان مد يده تحت ذقنها ورفع راسها لتنظر اليه ثم سالها بخوف وقلق من رد تمنى الا يسمعه : هل ندمتى على طلب الزواج منى ؟ هل انا سىء وانتى تخافين منى ؟ هل تتوقعين منى الندالة وانى لن اطلقك ؟ ....
كاد ان يكمل اسئلته التى كانت توجعه قبلها الا انها اصمتته بان قاطعته بوضع كفها على فمه لتكممه حتى لا يسترسل فى اسئلة هى ابعد ما يكون عن تفكيرها
الا انها لم تشعر بما شعر به ادم فمجرد وضع كفها قد اذابه شوقاً لتقبيلها وضمها الا انه ظل متماسكا
سهيلة : ارجوك يا ادم لا تقل هذا فانا لم يخطر فى بالى اياً من هذه الافكار بل على العكس فانا التى اخجل منك لانى اجبرتك على وبهذه الطريقة
هنا جاء وقته ليقاطعها ويفعل نفس فعلتها ثم قال : انتبهى لما تقولين فانا لم اجبر عليكى ولا انتى لم تجبرين على بل طلبتينى بارادتك واخترتك انا بارادتى واعلمى الرجل ابد ما يجبر لاجل امراة الا اذا كان يرغب بها حقا ويشتهيها كجزء منه ..
سهيلة بتحديق : انت تريدنى ؟
كاد ان يترك نفسه للاسترسال الا انه تنحنح وتنبه فجاه فهو يقول الحقيقة وهذا ما لم يريده على الاطلاق وهنا اجابها قائلاً : اقصد انى لم اجبر عليك الا انى اعلم جيدا انك تتفردين بميزة خاصة وهى انى اعرفك جيدا وعن قرب وهذا لوحده كافى لان اقف الى جوارك دون اى ضغوط من اى احد
هنا ابتسمت ابتسامة عذبة بينما مد هو يده وكفكف دموعها فاقشعر جسده فازاح يده بسرعه عنها
وعاد للجدية وعاد يسالها عن سبب البكاء فاجابته قائلة : ساحكى لك ولا تعقب لانى اعلم انى تافهه
هنا وقبل ان تتحدث قال لها بصدق : لا تحكمى على انطباعى عن حديثك قبل ان ترينه راى العين ولا تصفين كلامك بالتفاهة لانه ببساطة ان كان تافها ما كان همك وابكاك
لقد اعطاها رحابة للحديث معه فابتسمت بعيون دامعه وقالت : كنت اتمنى ان اعيش يوم زواجى كما كنت اتخيله وكما كل انثى تخيله
صمتت للحظة لتستجمع الكلمات وقالت : يا ادم كل انثى تولد وجل احلامها هو الفستان الابيض والزفاف ويدها بيد فارس احلامها
كل انثى تحلم وفى خيالها وقت ان يسلمها ابيها لعريسها
كل انثى تعيش شبابها كله تحلم به وكلما شاهدت فستاناً ابيضاً تخيل نفسها فيه وان لم يسعها الحظ ان ترتديه تظل طيلة عمرها تحلم به حتى وان تزوجت
ظل يسمعها فى صمت ولكن ملامحه كانت مبتسمه وهذا ما جعلها تطمئن وهى تحكى
صمتت فظل صامتا يتاملها للحظات قليلة ثم ابتسم بتسامة عذبة هادئة وسالها : هل هذا هو ما جعلك تبكين ؟
قالت : الم اقل لك انى تافهة
وجد نفسه بلا وعى يحتضن وجهها بكفيه ويقول لها : انا مثلك وكل رجل مثلى فنحن ايضا نحلم متى ولدنا بيوم عرسنا
وان كان ارتدائك للابيض هو رمز اكتمال انوثتك فانا ايضا بدلة عرسى هى رمز نضجى ورجولتى
ابتسمت ابتسامة عذبه زادتها جمالا
حرك هو اصبعيه وكفكف دموعها ثانية وفجاة سحبها من يدها وخرج من الحديقة وسط ذهولها وهى تترجاه وتقول : الى اين يا ادم ارجوك اريد ان افهمالا انه لم يرد لكنه فتح لها باب سيارته واشار لها بالجلوس فجلست وظلت تكرر عليه سؤالها حتى استوقف سيارته امام اكبر بيوت الازياء لفساتين الزفاف فاخذت تحدق فى الفساتين المعروضة وتنظر له غير مصدقة ولم تسعها ساقيها للنزول فجذبها لتهم فترجلت ببطء وفجاة شهقت شهقة فرحة تبعتها تعبيرات التعجب والاعجاب وكذلك كلمات الاستفهام الى لم تنطقها لان ادم فسر لها كل شىء بكلمات بسيطة حانية : لم استطع ان ارى اى رغبة فى عينيك قبل عقلك وقلبك ولا احققها لك
هنا وجدت نفسها تحضنه بتلقائية فقد اشعرها انها ملكة وتستحق كل ما تتمناه
دلفت الى المحل واخذت تقيس الفساتين وكل فستان ترتديه تخرج له ليراه عليها وتدور به حوله فقد اصابتها الفرحة بجنانها بينما كان ادم فى غاية السعادة لانه حقق لها امنيتها
وبعدما ارتدت اكثر من فستان استقرا على واحد واشتراه لها وبعدها ذهبا لمحل لبيع بدل الرجال واخذ بدوره يقيس البدل ولا يوافق على اياً منها الا عندما قالت رايها فى اخر واحدة ارتداها فاشتراها فكانت فى غاية السعادة لانه اختار بدلته على ذوقها هى فقد شعرت وكانها عروس حقيقية وان هذا عرسها الحقيقى
..............
فى لندن وبالاخص فى المطار يخرج رجل قاتم الملامح وقاسيها ينظر بعينين باردتين على الرغم من جمر النار الذى يغلى فى صدره
يقف على بوابة المطار بعدما انتهى الموظفون من ختم جواز سفره ويخرج من جيب سترته علبة سجائر وولاعة ليشعل سيجا رته منفثا عن طريقها ضيقه
بينما كان يقف من خلفه شابان لم يبدوا عليهما انه يعرفانه على الرغم من انهما تلميذيه
كان هذا الرجل يرتدى قناعا خاصا بملامح الشاب المصرى علاء داوود المهندس المعمارى والذى تركزت رسالة الدكتوراه الخاصة به بحفر الاعماق والطرق تحت الارض والمياه
امسك هاتفه واتصل على رقم انجليزى
اهلا بك سيد جوزيف ... نعم لتوى وصلت ... حسنا سآتى اليك فى الموعد ولكن ساذهب اولا لوالدى فى المستشفى لاطمئن عليه ....مع السلامة
اعاد الهاتف الى جيبه ونفث اخر جزء فى السيجارة ثم ارتدى نظارته القاتمة ورفع ياقة المعطف فقد بدات بعض قطرات الماء المثلجة تسقط على كتفيه مما جعله يستقيم اكثر ويشد من عزيمه نفسه حتى لا يشعر بالبرودة بينما كان تلميذاه خلفه يسيران كما لو كانا صديقين حميمين اغراب عن البلدة
وكان التلميذان على العكس من هذا الرجل الذى لم يكن الا يوسف فقد كانا يرتعدان من شدة البرد
ترجل يوسف من احدى سيارات الاجرة ثم وقف وكانه يتنفس بعمق وحزن وهو يخرج من جيبه محفظة نقودة ويعد ما بها وهو ينفخ لقلة حيلته لضيق المادة معه وقد مثل ضيقه ببراعة لانه يعلم انه مراقب
واخيرا دلف الى المستشفى متوجها نحو الحسابات وقد تفاعل المشاجرة بسبب ارتفاع الفاتورة ليسمع الحديث ذاك الرجل الذى يراقبه
وبعدها وقف امام المصعد ثم دلف داخله مسجلا الدور الخامس عنبر الاورام الذى توجد فيه غرفة والده المريض
دخل عليه فكان هناك طريح الفراش رجلاً عجوز انهكه المرض
غادر علاء داوود او يوسف المستشفى متوجها لمقابلة جوزيف
وما كاد ان يركب حت افتعل احد تلميذيه مشاجرة مفتعلة مع الرجل الذى كان متربصا بيوسف بينما تدخل التلميذ الاخر مشعللا التشابك وكانه كان يفضها
وبعدما تحركت العربة التى تقل يوسف واختفت عن الاعين حتى فض التلميذين المشاجرة مانعين الرجل من اكمال المراقبة وتوجها معا لنفس المكان ليختفيا عن اعين الرجل لانه بالطبع سيلحق بيوسف
وصل علاء داوود ووقف على اعتاب الفندق واخذ للحظات يعيد على نفسه الغرض من المهمة
مديره : لقد اتتنا اخبار ان هناك ضابط طيران مصرى يعمل على متن الخطوط الجوية لمصر للطيران ولما تاثرت حركة الملاحة الجوية لمصر على العموم فقد تدهورت الحالة المادية قليلا لضباط طيرانها ولكن هذا الضابط سامح كان قد اعتاد على مستوى رفاهية معين من المعيشة مما جعله لا ينتظر ربما يعتدل الحال فقدم استقالته وذهب لصديقه الحميم جوزيف الذى اقنعه بان يقدم استقالته وسيوفر له هو عمل خاصا بشركته والذى كان يختلف كل الاختلاف عن عمله الحالى كضابط طيران ومع ذلك رفض سامح ولكنه اتفق معهم على العمل بالترويج لفندقهم مقابل جزء من العمولات
وقد فلح جوزيف فى استقطابه حتى نال ثقته بكم المعلومات الصريحة والواضحة والحقيقية التى كان قد ادلى بها حتى انه اصبح عميل مهم لديهم
والغريب ان سامح ظل يجتمع باصدقاءه العاملين بمصر للطيران حتى فى اوقات اجازاته فى مكان الاقامة الخاص بمصر للطيران ويستنبط منهم اى معلومات قد تفيد جوزيف
كان يسال الضباط والمضيفات على كل صغيرة وكبيرة فى رحلاتهم وعن اخبار الحركة السياحية فى البلد وبالطبع ينقلها لجوزيف
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي