الفصل الرابع عشر

مرت عدة أيام و "فيحاء" سعيدة بعملها فى المزرعة .. وتحت اشراف دكتور "حسن" كان مريحاً فى التعامل ولم تحدث مشاكل بينهما .. كانت مبهورة بعلمه وبمهارته فتتعلم
منه كل يوم شيئاً جديداً .. أيضاً دكتور " "حسن" أعجب كثيراً بذكائها وحماسها ونشاطها وسرعتها فى التعلم .. فكان يعتبرها تلميذته النجيبه ويتنبأ لها بمستقبل
باهر فى عملها .. شعر الأسى عليها عندما علم منها بقصتها والسبب الذى دفعها هى وأهلها للمجئ الى المزرعة .. طمئنها وبث الأمل فيها بأن فرج الله قريب .. عليها
فقط أن تتحلى بالصبر وسيخرجها الله من محنتها..
فى ذات يوم قدم الى المزرعة رجل فى العقد السادس من عمره .. أتى بسيارته الفارهه وبدلته الأنيقة استقبله "عزمي" بعدما نزل من سيارته أمام بيت المزرعة :
- أهلا بيك يا أستاذ "شاكر"
سلم عليه الرجل قائلا :
- أهلا بيك انت يا بشمهندس . أنا متشكر انك هتديني شوية من وقتك
- لا أبدا ازاى حضرتك تقول كده .. اتفضل
أدخل "عزمي" الرجل الى بيت المزرعة .. كان الرجل هو عميل من عملاء "عزمي" الذين يشترون ما تنتجه المزرعة من ألبان .. رحب "عزمي" بالرجل وقدمت لهم الخادمة أقداح
الشاى الساخن .. تحدث الرجل قائلا :
- بصرحة أنا كنت عايز منك خدمة يا بشمهندس واتمنى انك متخذلنيش
أسرع "عزمي" قائلا :
- طبعا يا أستاذ "شاكر" اتفضل
- أنا ابنى الصغير فى آخر سنة له فى كلية الطب البيطرى .. وانت عارف ان أى شغل بيتطلب خبره .. الولد معندوش أى فكره عن أى شئ .. انت عارف ان فى مصر للأسف بندرس
فى الجامعه حاجة والشغل العملى بيكون حاجه تانية خالص .. فأنا كنت حابب بما انه فى آخر سنة انه ييجي يتدرب عندك هنا فى المزرعة .. أنا عارف ان عندك دكاترة ممتازين
جدا وانك مش بتشغل عندك الا ناس كفائتها عاليه .. أنا بس عايزه يكون تحت ايديهم .. وكمان ده هيفيده فى امتحاناته السنة دى لان عندهم جزء كبير عملى .. وهو زى
ما قولت ميح خالص
أسرع "عزمي" قائلا :
- طبعا يا أستاذ "شاكر" .. يشرفنا وجوده فى المزرعة وهنا عندنا دكاترة ممتازين وان شاء الله يستفاد منهم
- متشكر جدا يا بشمهندس وهو ده كان العشم
انتهت المقابلة وانصرف "شاكر" ... حان معاد استراحة الغداء عندما تركت "فيحاء" ما بيدها لتذهب لتتناول طعامها .. لمحت عند البوابة فلاحه بسيطة كبيرة فى السن
تتحدث مع الرجل الواقف على البوابة والرجل يحاول اخراجها وهى تأبي أن تخرج .. لفت المشهد نظر "فيحاء" خاصة وأن الرجل كان يتعامل مع السيدة الكبيرة بغلظة وخشونة
.. اقتربت من البوابة فسمعت تلك السيدة تقول :
- أبوس ايدك يا ابنى دخلنى .. أنا زى أمك
رد عليها الرجل وهو يدفعه لتخرج خارج المزرعة :
- لا أمى ولا أبويا .. ممنوع يامه محدش بيدخل هنا غير اللى بيشتغلوا بس
- يا ابنى ما انا كنت بشتغل هنا .. أبوس ايدك دخلنى
- يا ست امشى بقي الله يسهلك
تقدمت "فيحاء" منهما قائله :
- خير فى ايه ؟
قالت السيدة بسرعة وكأنها تستنجد بـ "فيحاء" :
- الهى يكرمك يا بنتى خليه يدخلنى .. أنا ورايا عيال اعمل ايه بس يا ربي
وجهت "فيحاء" كلامها الى الرجل قائله :
- حضرتك مش عايز تدخلها ليه
- عشان ممنوع حد يدخل الا اذا كان بيشتغل فى المزرعة ودى مبتشتغلش فيها
انفجرت السيدة باكية وقالت :
- طيب أعمل ايه بس يا ربي ..
رق قلب "فيحاء" لحال تلك السيدة وأخذتها وخرجت من البوابة لتتحدث معها .. ربتت بكفها على كتف السيدة قائله :
- خير يا حجه مالك فى ايه
قالت السيدة وهى مازالت تبكى :
- أنا يا بنتى كنت بشتغل هنا .. بس عندى عيل تعب وكنت عده جمبه فى المستشفى .. بعيد عنك وعن السمعيين جاله التهاب جامد فى الرئه وكان يا حبت عيني بيتوجع أوى
.. دخلت بيه المستشفى وغبت فترة .. رجعت لقيتهم حسبي الله ونعم الوكيل فيهم طردونى من الشغل عشان غبت فترة طويله
- طيب وليه مشرحتلهمش ظروفك
- هما يا بنتى مدينى فرصة أشرح حاجه .. أنا ورايا كوم لحم أعمل ايه فيهم بس يا ربي
وانفجرت مرة أخرى فى البكاء .. وأمسكت يد "فيحاء" قائله :
- انشاله ينجيكى ويكفيكي شر المرض ساعديني أدخل أتكلم مع رئيس العمال يمكن يرضى يرجعنى تانى
كاد قلب "فيحاء" أن ينفطر لحال تلك السيدة المسكينة وقررت أن تساعدها .. فقالت لها :
- طيب أنا هساعدك يا حجه وهشرحلهم ظروفك .. تعالى بكرة فى نفس المعاد وأنا أقولك عملت ايه
حاولت السيدة تقبيل يدها فسحبتها "فيحاء" بسرعة .. قالت لها :
- ربنا يباركلك يا بنتى ويكفيكي شر طريقك .. أنا كل يوم باجى هنا .. هاجى بكرة ويارب أسمع خبر حلو
ابتسمت لها "فيحاء" فى حنو وربتت على كتفها قائله :
- ادعى ربنا وان شاء الله يرجعوكى الشغل تانى
تركتها "فيحاء" ودخلت وهى متأثره بشدة .. كيف يطردون سيدة مثلها وهى فى أمس الحاجة للمال .. توجهت الى المبنى الإدارى حيث مكتب "عزمي" .. طرقته طرقات خفيفة
..سمعت صوت من الداخل :
- اتفضل
دخلت .. رفع "عزمي" رأسه ليجدها أمامه .. هز رأسه لتتقدم .. تركت الباب مفتوحاً كما المرة الماضية ودخلت وقفت أمام المكتب قائله :
- صباح الخير يا بشمهندس
رد "عزمي" :
- صباح النور
نظر "عزمي" الى الباب المفتوح .. ثم نظر اليها قائلا :
- هو مينفعش الباب يتقفل .. لازم اللى رايح واللى جاى يتفرج علينا
ارتبكت "فيحاء" نظرت الى الباب ثم اليه .. كان يرقب ردود أفعالها .. قالت بتوتر :
- آسفه مش هينفع أقفله
همت بالإنصراف ثم قالت :
- خلاص مفيش مشكلة شكراً
أوقفها "عزمي" قائلاً :
- استنى
الفتت اليه فنظر اليها قائلاً :
- انتى على طول متسرعة كدة
صمتت ولم تجب .. أشار برأسه الى الكرسي أمام المكتب قائلا بصرامة :
- اعدى
تقدمت "فيحاء" وجلست .. نظر اليها .. كانت تحاول استجماع قواها وترتيب أفكرها .. صمتت لحظات ثم التفتت اليه تنظر اليه قائله :
- فى واحدة كانت بتشتغل هنا فى الحلب .. هى ست كبيرة فى السن .. وشكلها على أد حالها .. كانت واقفة على البوابة الراجل مش راضى يدخلها .. اتكلمت معاها .. طردوها
من الشغل عشان كانت بتغيب كتير.. بس هى معذوره ابنها كان تعبان فى المستشفى وهى كنت أعده جمبه
كان "عزمي" يراقبها وهى تتحدث وعلى وجهها ملامح التأثر لحال تلك السيدة .. بلعت ريقها ثم استطردت قائله :
- هى غلبانه أوى .. وملهاش شغل تانى تصرف منه على ولادها .. يعني لو ينفع .. يعني .. حضرتك ..
قاطعها قائلا :
- بتتوسطيلها عندى يعني ؟
بللت شفيها بلسانها وقد شعرت أن حلقها جاف من التوتر .. قالت :
- لو ينفع حضرتك ترجعها الشغل تانى يبقى خدت فيها ثواب .. لأن فعلا شكلها محتاجة للشغل أوى
صمت "عزمي" لحظات ثم نظر اليها قائلا :
- لو فعلا مشوها للسبب ده يعني بسبب غيابها .. فأنا هقول لرئيس العمال يرجعها تانى
لم تصدق "فيحاء" ما سمعت .. شعرت بفرحة عارمة أن استطاعت مساعدة تلك السيدة الفقيرة .. نظرت الى "عزمي" وهتفت والابتسامه تعلو شفتيها :
- بجد ؟ .. يعني هترجعوها الشغل ؟
راقب "عزمي" ابتسامتها والفرحة التى تعلو وجهها من أجل سيدة لا تعرفها ولم تلتقى بها من قبل .. ساد الصمت .. لاحظت "فيحاء" تفرسه فيها .. فشعرت بحمرة الخجل
وهى تتصاعد الى وجنتيها فخفضت بصرها .. قال بعد برهه :
- أيوة .. لو كان زى ما قالت هو ده السبب اللى طردوها عشانه .. يعني متكنش عملت حاجه غلط سرقت مثلا أو سببت تلفيات
شكرته "فيحاء" قائلا :
- شكراُ لحضرتك .. وهى عامة بتيجي تقف كل يوم أدام البوابة .. وهى هتيجي بكرة عشان تعرف اذا كانت هترجع الشغل ولا لأ
هز "عزمي" رأسه .. فنهضت "فيحاء" ونظرت اليه قائله :
- متشكره مرة تانية
ثم خرجت وأغلقت الباب وراءها .. ظل "عزمي" ينظر الى الباب المغلق و هو يفكر فى رقة قلب تلك الفتاة .. التى شعرت بالفرح الذى أنار وجهها من أجل تلك السيدة الفقيرة
.. كم هى رقيقه .. تحب الخير للآخرين .. كان مستغرقاً فى تفكيره عندما طرق "أيمن" الباب ودخل قائلاً ببشاشة :
- ازيك يا "عزمي"
ابتسم له "عزمي" قائلا :
- تمام الحمد لله
جلس "أيمن" على المقعد التى كانت تجلس فيه "فيحاء" منذ قليل .. تفرس فى صديقه الشارد الذهن قائلا :
- ايه مالك فى ايه
ابتسم "عزمي" قائلا :
- لا أبداً مفيش حاجه
قال "أيمن" لصديقه وهو يشير الى ذراعه اليسرى الموضوعه على المكتب :
- أخبار دراعك ايه دلوقتى
رفع "عزمي" ذراعه ونظر اليه قائلا :
- الحمد لله أحسن كتير .. من ساعة ما فكيت الجبس وأنا مواظب على العلاج الطبيعي وحاسس بتحسن .. المشكلة بس انى كل فترة بحس فيها بتنميل شديد ومبكنش قادر احركها
قال "أيمن" بقلق :
- ما قولتش للدكتور اللى متابع معاك الكلام ده ليه ؟
تنهد "عزمي" قائلا :
- قولتله وقالى طبيعي .. ده نتيجه لضعف الأعصاب فى دراعى بعد الحادثة .. وان العلاج الطبيعي هيقوى الأعصاب وهترجع ايدي تانى زى الأول
حث "أيمن" صديقه قائلا :
- يبقي ركز فى موضوع العلاج ده ومتهملوش يا "زوما"
ابتسم له "عزمي" فى صمت .. ثم استأذن "أيمن" فى الإنصراف الى عمله


دخلت "فيحاء" غرفتها لتجد "لميا" جالسه على فراشها .. هبت واقفه بمجرد أن رأتها وقالت :
- أخيرا شرفتى سيادتك
قالت "فيحاء " وهى تغير ملابسها :
- معلش يا "لميا" النهاردة كان يوم متعب جدا واتأخرنا شوية
قالت "لميا" بتبرم :
- على طول انتى مشغولة وبابا كمان مشغول فى الشغل الجديد اللى شافهوله البشمهندس "عزمي" .. وأنا أعده لوحدى طول النهار
نظرت الهيا "فيحاء" قائله :
- ما انتى بتذاكرى يا "لومي" عشان خلاص الترم قرب يخلص
قالت بزهق :
- اتخنقت خلاص .. طول النهار مذاكره مذاكره .. بجد اتخنقت نفسي نطلع أنا وانتى نتفسح شوية .. نشوف ناس نعد أعده حلوة
ابتسمت لها "فيحاء" قائله :
- خلاص اتفقنا .. بعد بكرة الجمعة ان شاء الله .. تعالى نطلع نتفسح فى أى مكان ونغير جو
هتفت "لميا" بفرحه :
- بجد يا "فيفي" ؟ ... هيييييييييه
قالت "فيحاء" بفرحة :
- ايه رأيك كمان أكلم "سماح" واهى تغير جو معانا هى كمان
ابتسمت "لميا" قائله :
- طبعا فكرة حلوة جدا كلميها دلوقتى عشان تعمل حسابها
هاتفت "فيحاء" صديقتها واقترحت عليها الخروج معاً يوم الجمعة .. فقالت لها "سماح" :
- موافقة طبعا .. أنا كمان مخنوقة جدا .. ولسه كنت بقول لـ "أيمن" كدة .. خلاص هستأذنه وأرد عليكي يا "فوفا"
- خلاص وأنا منتظرة اتصالك ان شاء الله
بعدما عاد "أيمن" من العمل التف الإثنان حول طاولة الطاعم وأخبرته "سماح"برغبتها فى التنزه مع "فيحاء" و "لميا" قائله :
- بصراحة نفسي أخرج يا "أيمن" أنا على طول محبوسه فى البيت
مسح "أيمن" بكفه على شعرها قائلا :
- معلش يا حبيبتى .. عارف انى بسيبك لوحدك كتير
أخذت يده الموضوعه على شعرها وقبلتها قائله :
- ربنا يعينك يا حبيبى أنا عارفه انت بتتعب أد ايه .. عارف نفسي نخرج سوا بس انت بتكون مشغول حتى يوم الجمعة
ابتسم لها "أيمن" قائلا :
- أنا أفضى نفسي عشانك يا حبيبتى
هتفت بسعادة قائله :
- بجد يا "أيمن" ؟ .. يعني هنخرج سوا يوم الجمعة ؟
قلبها قائلا :
- طالما حبيبتى عايزه تخرج تتفسح .. يبقى لازم نفسحها
ما لبثت أن تلاشت ابتسامة "سماح" قائله :
- طب و"فيحاء" .. يا ربي .. خايفه تزعل منى
فكر "أيمن" قليلا ثم قال :
- طيب أنا عندى اقتراح حلو
نظرت اليه "سماح" بلهفه قائله :
- ايه هو ؟
- ايه رأيك نطلع أنا وانتى و "فيحاء" و "لميا" وعم "عادل" ونقضى يوم فى راس البر
- بجد يا "أيمن" ؟
- أيوة بجد هيكون يوم حلو وتغيير جو .. وكمان الفترة دى البلد بتكون فاضية يعني هنكون على راحتنا .. وانتى تغيري جو وكمان تتفسحى مع صحبتك
قامت "سماح" معانقه اياه قائله :
- انت أحسن زوج فى الدنيا دى كلها
أمسك رأسها بين كفيه وقبلها قائلا :
- وانتى أروع زوجة فى الدنيا دى كلها

*************
- صباح الخير يا دكتورة "فيحاء"
كانت "فيحاء" تستعد لبدء عملها .. عندما دخل دكتور "حسن" وألقى عليها تلك العبارة .. التفتت اليه قائله :
- صباح الخير يا دكتور "حسن"
سألها دكتور "حسن" وهو يستعد بإرتداء البالطو :
- ايه أخبار حالة الـ mastitis بتاعة امبارح
- كله تمام يا دكتور .. اديتلها جرعة الـ antibiotic بعد ما حضرتك مشيت .. وان شاء الله همر عليها دلوقتى
توجهت الى باب المكتب لتهم بالخروج عندما استوقفها قائلاً :
- دكتورة "فيحاء"
التفتت اليه قائله :
- أيوة يا دكتور
- فى طالب هييجى يتدرب عندنا هنا .. هو ابن لعميل مهم من عملاء المزرعة .. البشمهندس "عزمي" وصاني عليه .. هو طالب فى البكالوريوس
كانت "ياسمين" تستمع اليه فى اهتمام .. فأكمل قائلا :
- انتى اللى هتتولى تدريبه
قالت بدهشة :
- أنا يا دكتور
- ايوة انتى
قالت بإستغراب :
- بس يا دكتور أنا نفسي لسه بتدرب
- وعشان كدة عايزك تدربيه .. شوفى يا دكتورة .. أحسن طريقة لتثبيت المعلومة لا بكتابتها ولا بحفظها .. بممارستها .. كون ان يبقى فى طالب عندك وانتى بتشرحيله
كل المعلومات اللى عارفاها عن الحالة اللي أدامك ده يثبت المعلومة أكتر .. ومش بس كده ده بيديكى ثقه فى نفسك كمان
ابتسمت قائله :
- فعلا يا دكتور .. أيام الكلية مكنتش بعرف أحفظ أسماء الـ Nerve والـ Muscles إلا وأنا بشرحها لصحابي
ابتسم لها قائلا :
- وعشان كده عايزك انتى اللى تدربيه
ابتسمت له قائله :
- متشكرة على الثقه دى يا دكتور .. بعد اذنك
- اتفضلى
كانت "فيحاء" تقوم بعملها عندما أتاها اتصال من "سماح" .. أخبرتها صديقتها بفكرة "أيمن" .. رحبت "فيحاء" بالفكرة لأنها لم تكن لتحب ترك والدها فى المزرعة
بمفرده .. اتفقا على السفر بعد صلاة الفجر يوم الجمعة ان شاء الله .. فى فترة الغداء أتت "شيماء" لتجلس مع "فيحاء" على الطاولة .. استقبلتها "فيحاء" بالإبتسامه
.. قالت "شيماء" :
- ازيك يا "فيفي" أخبارك ايه
- تمام يا "شيماء" الحمد لله
- فينك بقالك كام يوم مش بشوفك فى فترة الغدا
- أهاا الشغل كتير أوى اليومين دول فباكل أى حاجه وأنا بشتغل
- هتقوليلى .. دكتور "حسن" مبيرحمش نفسه أبداً ولا بيرحم اللى معاه
دافعت "فيحاء" عنه قائله :
- ده لأنه عنده ضمير فى الشغل .. وفعلا بستفاد منه جداً
انتهت الفتاتان التهام طعامهما وتوجهتا الى الخارج .. عندها قالت "شيماء" لـ "فيحاء" :
- وأنا أقول مجتش تتغدى ليه مش عوايدها أتاريها واقفه مع الدون جوان
نظرت "فيحاء" الى حيث تشير "شيماء" .. لتجد " مها" واقفه تتحدث الى "عزمي" .. وعلى وجهها ابتسامه كبيرة وتنظر فى عينيه بجرأة .. حانت من "عزمي" التفاته اتجاه
"فيحاء " فتظاهرت "فيحاء" بالنظر الى شئ آخر .. ثم التفتت الى "شيماء" قائله :
- هروح أكمل شغلى
انصرفت الى عملها وهى تتساءل فى نفسها عن طبيعة العلاقة بين "عزمي" و "مها"

استوقف "عزمي" أثناء انصرافه أحد العمال قائلا :
- يا باشمهندس "عزمي" خلاص لقينا غفير كويس وابن حلال وساكن فى البلد دى
- سألتوا عنه كويس
- أيوة واد غلبان مقطوع من شجره وبيجرى على أكل عيشه
- طيب تمام خليه ييجي بكرة لرئيس العمال عشان يبدأ شغل من بكرة ان شاء الله
تنحنح الرجل قليلا وبدا عليه التردد فسأله "عزمي" :
- خير فى حاجه ؟
- يعني يا بشمهندس "عزمي" متاخذنيش فى الكلام يعني .. بس يعني هو فين "عويس" والجماعه بتوعه ؟
قال "عزمي" ببرود :
- مشى
- أيوة يعني مشى فجأة كدة ومن يوم وليلة .. ده حتى هدومه وهدوم جماعته لسه فى الأوضة .. ومقالش لجنس مخلوق انه هيسيب الشغل
قال "عزمي" بنفاذ صبر :
- ده شئ ميخصنيش .. يلا على شغلك

******
فى صباح يوم الجمعة وبعد صلاة الفجر استعدت "فيحاء" و "لميا" ووالدهما .. اتصلت "سماح" ليخبرها أنها تنتظرهم مع "أيمن" أمام بوابة المزرعة .. كانت "فيحاء"
فرحه للغاية وأعدت الكثير من السندوتشات والعصير .. و"لميا" أيضاً كانت متلهفة على تلك النزهه .. سبقهما والدهما .. وحملت الفتاتان حقيبة الطعام وأسرعا الخطى
.. عندها قالت "لميا" فجأة :
- ايه ده هو المز جاى هو كمان ولا ايه
نظرت "فيحاء" الى حيث تنظر أختها لتجد "عزمي" وقد أوقف سيارته خلف سيارة "أيمن" .. خفق قلبها بشدة وقالت لـ "لميا" :
- أكيد لأ .. ايه اللى هيجيبه معانا
- لأ أنا حاسه انه جاى معانا
عندما وصلت الفتاتان نزلت "سماح" لترحب بهما .. وبعد تبادل عبارات المجاملة .. انطلقت سيارة "أيمن" و "سماح" تجلس بجواره .. أما "فيحاء" و "لميا" ووالدهما
يجلسون فى الخلف .. بعد فترة حانت من "لميا" التفاته للخلف ثم مالت على أذن "ياسمين" قائله :
- مش قولتلك المز جاى معانا
نظرت اليها "فيحاء" فأشارت "لميا" الى الخلف .. التفتت "فيحاء" لتنظر عبر الزجاج الخلفى للسيارة فتلاقت نظراتها مع نظرات "عزمي" فأسرعت بإعادة رأسها الى الأمام
.. وقلبها يخفق بشدة .. وهى تتساءل لماذا لم تخبرها "سماح" بمرافقة "عزمي" لهم .. وصلوا جميعاً الى الشط .. التهى الرجال الثلاثة معاً فى المزاح والضحك ولعب
الدومينو .. أما الفتيات الثلاثة فأخذن يتمشين على الشاطى ويستعدن ذكريات الطفوله والجامعة .. كانت "فيحاء" فرحه للغاية .. وتشعر بأنها خفيفه كالريشه .. كانت
تنظر الى البحر وتملى نظرها بجمال سحره وروعته .. فى الغداء تناول الجميع السندوتشات التى أعدتها "فيحاء" و "سماح" .. كانت "سماح" مندمجة فى الحديث مع "لميا"
فتركتهما "فيحاء" وتمشت على الشاطئ بلا هدف .. رآها "عزمي" وهى تنحنى لتلتقط شئ من الأرض ثم تتحسسه بيدها وتنحنى لتلتقط شيئاً آخر .. فى نهاية اليوم كان الجميع
فرحاً وسعيداً واندمج "عادل" مع الشابين جدا وأحبا صحبته أخذ يقص عليهم ذكرياته الى يختزنها فى زوايا عقله .. كانوا يستمعون له والابتسامه تعلو شفتيهما
.. وصلت "فيحاء" و "لميا" الى سيارة "أيمن" ووقفوا بجوارها .. أقبل "عزمي" ووقف على مقربه منهما فى انتظار الباقيين .. التفت "عزمي" الى "فيحاء" فوجدها تمسك
شئ بيدها وتعبث به .. فنظر الى ما تحمله قائلا :
- ايه اللى فى ايدك ده ؟
رفعت "فيحاء" رأسها تنظر اليه وقد أدهشها سؤاله .. ظلت صامته للحظات ثم قالت :
- أحجار صغيرة
ابتسم ابتسامه جذابه قائلاً :
- ايوة أنا عارف .. بس بتعملى بيهم ايه
احتارت "فيحاء" فيما تقول .. ساد الصمت برهه ثم قالت :
- بحب أجمعهم من على الشط
اتسعت ابتسامة "عزمي" ولمعت عيناه قائلا :
- أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة
تصاعدت حمرة الخجل على وجنتيها بسبب نظرته العميقة التى تربكها وابتسامته التى تخطف القلوب .. أكمل بنفس الابتسامه :
- أنا كمان بحب أجمع الصخور الصغيرة من على الشط .. بس مش أى صخور .. بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس
لم تبادله "فيحاء" الإبتسامة.. بل تجاهلت تماما كلامه والنظر اليه .. حضر الجميع وركبوا وانطلقوا فى طريق العودة
توجهت "لميا" الى فراشها .. عندما كانت "فيحاء" تقوم بطي ملابسها لتضعها فى الدولاب .. نظرت اليها "لميا" وقالت بخبث وهى تعبث بشعرها :
- (أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة)
التفتت اليها "فيحاء" مستفهمة .. قالت لها :
- ايه ؟ بتقولى ايه ؟
قالت لها "لميا" :
- مفيش هو حد كلمك
أكملت "لميا" بنفس الخبث :
- (بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس )
نظرت اليها "فيحاء" قائله :
- بتكلمى نفسك .. برافو
قالت "فيحاء" ذلك وأطفأت النور وتوجهت الى فراشها و تدثرت .. حاولت التفكير فى أحداث اليوم لكن التعب كان قد بلغ منها مابلغه فغطت فى سبات نوم عميق

فى اليوم التالى أنهت "فيحاء" عملها وتوجهت الى شجرتها .. كانت تحب الإختلاء والجلوس فى هذه البقعة التى تفصلها عن العالم .. شردت قليلا في رحلة يوم أمس ..
وفى كلمات "عزمي" وجدت الإبتسامه تتسلل ببطء الى شفتيها .. ثم عادت لتتذكر الكلام الذى سمعته من "شيماء" عنه .. وعلاقته بـ "مها" وغير "مها" .. تنهدت وحولت صرف
تفكيرها عنه .. سمعت صوت هاتفها .. وجدت رقماً غريباً ردت قائله :
- السلام عليكم
أتاها صوت يقول فى قسوة :
- والله لو روحتى لآخر بلاد المسلمين لهوصلك يا "فيحاء" وساعتها مش هعتقك أبداً
قفز قلب "فيحاء" من مكانه .. وشعرت بالرعب لمجرد سماعها لصوت "مصطفى" أغلقت هاتفها تماما .. ووقفت تتلفت حولها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. كانت تخاف منه خوفاً
شديداً .. خشت أن يعرف طريقها ويحاول خطفها مرة أخرى أو يفعل بها ما هو أسوأ .. مشت مسرعة عائدة الى غرفتها .. كانت لا ترى أمامها .. تشعر بتوتر بالغ .. ارتطمت
فى طريقها بـ "عزمي" الذى كان متوجها الى بيت المزرعة .. وقفت تنظر اليه وهى لا تراه .. كانت علامات الرعب باديه على وجهها .. نظر اليها "عزمي" قائلاً بلهفه :
- ايه مالك فى ايه ؟
شعرت بأن الكلمات تهرب منها انحدرت دمعة حائرة من عينيها .. وأخذت تتعالى أصوات قلبها وتزداد سرعة تنفسها .. هتف "عزمي" بلوعه :
- "فيحاء" مالك ايه اللى حصل
نظر الى الطريق الذى أتت منه لعله يتبين سبب فزعها .. استجمعت قواها وقالت بصوت مرتجف وهى تمد يدها بهاتفها قائله :
- "مصطفى"
نظر اليها قائلا :
- "مصطفى" مين .. مين "مصطفى" ؟
- رددت قائله :
- "مصطفى" كلمنى
خمن "عزمي" بأنها تقصد زوجها .. لم تقوى أعصابها على التحمل كانت خائفة بشدة وترتجف أحاطت نفسها بذراعيها وقالت وعينيها تدوران فى المكان بخوف :
- أنا خايفة أوى
نظر اليها "عزمي" وطمأنها قائلا :
- متخفيش محدش يقدر يأذيكي طول ما انتى هنا
نظرت اليه قائله وهى تبكى :
- قالى هعرف طريقك ومش هعتقك
شعر "عزمي" بالغضب لذلك المنعدم الرجوله الذى يهدد امرأة ويرعبها بهذا الشكل .. كانت الدموع تتساقط من عينيها فى صمت .. شعر بالألم يغزو قلبه مد يده وأمسك ذراعها
أراد أن يطمئنها ويوقف ارتجافه جسدها .. انتفضت "فيحاء" للمسته وأبعدت نفسها عنه .. وقفت تنظر اليه بدهشة ممزوجة بالغضب .. أدرك "عزمي" أنه أغضبها .. فأسرع
يشرح قائلا :
- أنا مقصدتش حاجه ... كنت بس عايز .......
لم تدعه يكمل كلامه وانصرفت عائده الى غرفتها .. شعر "عزمي" بالضيق لأنه أغضبها .. صعدت "فيحاء" الى غرفتها وهى تفكر غاضبة كيف يجرؤ على لمسها بهذا الشكل ..
أيظنها فتاة سهله كفتياته اللاتى يعرفهن .. واللاتى يتهافتن عليه محاولات جذبه واستمالته .. أيظنها واحدة منهن .. شعرت بالحنق والضيق من كليهما .. "عزمي " و
"مصطفى"

*************

فى اليوم التالى كانت واقفة تتفحص احدى الأبقار عندما وجدت شاب تراه لأول مرة .. كان شابا يافعاً يبدو وكأنه ضل طريقه .. خمنت "فيحاء" بأن هذا هو تلميذها الذى
تحدث دكتور "حسن" عنه .. اقترب منها الشباب وابتسم قائلا :
- السلام عليكم
ردت "فيحاء" :
- وعليكم السلام .. أهلا بحضرتك أنا دكتورة "فيحاء"
قال الشاب :
- أهلا بيكي أنا "هانى"
ثم استطرد قائلا :
- أنا "هانى شاكر"
قال ذلك ثم انفجر ضاحكاً .. نظرت "فيحاء" اليه بدهشة ثم لم تتمالك نفسها فضحكت ضحكة خافته حاولت كتمها .. لم تضحك للفكاهه فى اسمه .. بل ضحكت لطريقة ضحك الشاب
فقد أرجع رأسه الى الوراء وضحك ضحكه صاخبه بطريقة أضحكتها .. كان "عزمي" يسير مع أحد العمال يعطيه بعض التعليمات .. عندما لفت انتباهه صوت الضحك الصاخب فالتفت
ليجد "فيحاء" تقف مع "هانى" ابن العميل الذى أتى اليه منذ أيام .. رآى ابتسامتها وضحكتها التى تحاول كبحها .. شعر بالحنق فصرف العامل وسار نحوهما ... فى هذه
الأثناء قالت "فيحاء" لـ "هانى" :
- ادخل اتعرف على المكان على ما أرجع
تركته وانصرفت لتجد "عزمي" يعترض طريقها .. نظر "عزمي" الى الفتى الذى يسير للداخل ثم أعاد نظره الى "فيحاء" قائلا ببرود :
- مش نشوف شغلنا أحسن
نظرت "فيحاء" اليه بحيره قائله :
- مش فاهمة قصد حضرتك ايه
غير "عزمي" الموضوع قائلا :
- الست اللى كلمتيني عنها .. أحب أبشرك انها رجعت الشغل النهاردة
سعدت "فيحاء " كثيراً لهذا الخبر فقد كانت بالفعل تشفق على تلك السيدة وأولادها .. رددت قائله :
- الحمد لله
رفعت نظرها لتجد نظرات "عزمي" المصوبة تجاهها .. فقالت بسرعة :
- بعد اذن حضرتك
ثم تركته وانصرفت .





*
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي