الفصل الرابع
أشرقت شمس يوم جديد لتعلن عن لقاء كتبه الله لقلوب أُرهقت بفعل الحياة ، فكان لها أن تلوذ بالراحة و السعادة حتى لو كانت مغلفة بالأشواك .
كان يوم عطلتها لكنها كعادتها تستيقظ باكراً تقيم فروضها و تنهى وردها اليومى فما كان يصبرها على حياتها سوى تقربها للرحمن ..
أنهت أعمال المنزل و الجميع نيام بغرفهم ينعمون بالدفء و الراحة ، أما هى فلم تعلم طعم الراحة يوما ، و لكنها ترضى
" و كيف للشيطان أن يجد مدخلا لشخص يرضى بقضاء الله بقلب مبتسم "
دخلت غرفتها مجددا لتستعد للنزول الى السوق لجلب طلبات المنزل كما طلبت منها زوجة أخيها بالأمس .. إرتدت بنطال واسع و عليه "سويت شيرت " واسع أيضا و لفت حجابها و أخذت المال التى تركته لها سحر و خرجت من المنزل .
بعد ساعتين من الزمن كانت ليلـة تتأفف من ثقل الأحمال و الأشياء التى تحملها ، و لم يتبقى معها أى أموال حتى تستقل مواصلة ، فتلك المدعوة سحر لم تعطى لها ما يزيد عن اسعار السلع التى طلبتها ..
و بينما هى تتابع طريقها و هى تزيح بعض الأكياس لتريح يدها التى تؤلمها من كثرة و ثقل ما تحمل حتى إصطدمت به فإنفرط كل شئ كحال قلبها الذى مزقه آلام اليتم ...
*******
يسير بالطرقات و عقله حائر فيما أخبره به أخيه ليلة أمس ، اشعل سيجارته حتى ينفث فيها غضبه ، و هو يفكر
كيف كانت ستدفع أخته الثمن ؟
و هل ما فعله ذلك الوغد يتعلق بها ؟
هل أصابها مكروه ؟
صداع ضرب برأسه حتى قرر ان يضع حد لتوقعاته ، أخرج هاتفه و أجرى إتصال على يونس لأنه يعلم جيدا أن يحيي لن يبوح بشئ ..
:- حازم السيوفى عمل ايه فى نوارة يا يونس ؟
تفاجأ الآخر بما قال ، كيف علم بما حدث و أن ما حدث يخص أخته ؟
حاول يونس مراوغته
:- و اللى زى دة ممكن يعمل لنوارة ايه ؟
مارس بدر بروده حتى يصل الى مبتغاه
:- متردش على سؤالى بسؤال يا يونس .. جيب من الآخر و قولى الحيوان دة عمل ايه فى أختى ؟
إشتعل غضب يونس مجددا و هو يتذكر ما حدث و لكنه لن يخبره بشئ كما وعد يحيي
:- و لا يقدر يمس منها شعرة .. دة أنا أمحيه من على وش الأرض ..
إبتسم بدر بمكر فهو يعلم بعشق يونس لأخته لكنه دوما ما يرفض يونس الإعتراف
:- وهو إنت بردو مش طلبت المعلومات عنه علشان تمحيه من على وش الأرض ؟ !
رد الآخر بإقتضاب رغم الغضب الكامن بصدره
:- لا دة فى شغل بينا و عايز أعرف أنا بتعامل مع مين ؟ و لا مش من حقى ؟
ضحك بدر عاليا و هو يأخذ نفس من تلك السيجارة بين شفتيه
:- مش سهل إنت بردو يا يونس ، تربية يحيي بصحيح ..
تنهد بدر بقوة و أردف
:- ماشى هعديها بمزاجى ، و أنا هتصل أطمن على نوارة بنفس..
قطع حديثه عندما شعر بمن تصطدم به .. فتوقف لوهلة كى يعتذر لها فهو كان منهمك بالحديث بالهاتف و لم يراها و لكن أتاه صوتها الغاضب
:- مش تفتح يا بنى آدم إنت !
نظر لها بتعجب فهى قصيرة القامة .. حجمها صغير و لكنها جميلة ..
رد عليها ببرود
:- مش أنا لوحدى اللى لازم أفتح على فكرة ..
و أكمل طريقه حتى زفرت بغضب و هى تنظر للأشياء التى إنفرطت على الطريق بتأفف و غمغمت
:- شخص قليل الزوق ، هو أنا كنت ناقصة ياربى ، أعمل إيه دلوقتى ؟
وقف على بعد ليس بكثير عنها و هو يتابعها بعينيه .. لا يعلم لما توقف و ود مساعدتها ، ربما لأنها فتاة و هو من تسبب لها بهذا و شهامته تمنعه أن يتركها هكذا
أغلق الهاتف مع يونس و عاد إليها عندما وجدها تنحنى لتجلب ما سقط منها و تضعه بالأكياس مرة أخرى فأخذ منها الكيس و اخذ يلملم بدلا منها .. تعجبت مما فعله و لكنها إبتسمت من داخلها فقليل الآن من يهتم بأمر النساء .. أخذت تتأمله قليلا ملامحه الحادة ، بشرته الخمرية ، شعره الأسود الكثيف اللامع .. هيئته المنظمة ، جذاب بطريقة مهلكة .. أدارت وجهها سريعا عندما وجدته إنتهى فإستقام و هو يمد لها الأكياس و يقول
:- أنا كنت هعتذر على فكرة بس إنتى اللى طولتى لسانك ..
رفعت حاجبيها بصدمة و هتفت
:- أنا لسانى طويل !
أومأ لها و هو يبرر موقفه
:- أيوة لإن إحنا الإتنين غلطانين .. بس إنتى بقى عايزة تدبسينى و خلاص ..
:- أدبسك ! إنت بتقول إيه يا بنى ؟
لم يرد عليها و لكنه نظر للأكياس بيديها و قال
:- إنتى شايلة كل دة إزاى ؟
رفعت عينيها اليه بغضب
:- خمسة الله أكبر .. إنت بتقر عليا ، ما علشان كدة كل حاجة وقعت فى الأرض ..
ضحك بدر عاليا و هو يتحرك من أمامها و لكنه إستدار ثانية و أخبرها بصوت منخفض
:- لما حاجة تقع منك بعد كدة متوطيش فى الشارع علشان تجيبيها ..
ثم ذهب من أمامها و تركها تتأمل مكانه بصمت ...
عادت الى منزلها أخيرا لترمى بكل ما جاءت به على المنضدة الموجودة بجانب الباب .. حتى قابلتها زوجة أخيها و هتفت بها
:- كل دة تأخير .. هنعمل الغدا إمتى على كدة ؟
كانت قد فقدت طاقتها على التحمل فصاحت بغضب
:- بصى بقى أنا مش هنزل السوق تانى .. إنتى طالبة حاجات كتير اوى و أنا ضهرى إتقطم و أنا شيلاها ، لا و كمان عطيانى الفلوس على الأد .. معييش حتى أركب مواصلات .. بعد كدة ابقى إنزلى إنتى السوق ..
تعجبت سحر منها فهى دوما لا تعترض على شئ و لكن صياحها هذا أثار غضب الأخرى
:- لا يا حبيبتى أنا مش الخدامة بتاعتك علشان أنزل السوق .. و بعدين إنتى إزاى تعلى صوتك عليا ..
هتفت ليلـة و هى تخلع حجابها
:- انا كمان مش خدامة هنا .. انا بعمل كل حاجة فى البيت .. بروح شغلى و ارجع أروق و أنضف و أطبخ و عمرى ما أتكلمت .. بس واضح إنى فعلا كنت غلطانة علشان لما كنت بعمل بنفس راضية فكرتينى ضعيفة و مغلوبة على أمرى .. لكن لأ يا طنط بعد كدة اللى مش هقدر عليه مش هعمله و مش هاجى على نفسى علشان حد ..
نظرت لها سحر بإستنكار و أردفت
:- بقى دى أخرتها .. دة أنا ربيتك وسط عيالى لما أمك سابتك و مشيت و راحت إتجوزت واحد تانى .. و مقعداكى فى بيتى و ...
قاطعتها ليلـة غاضبة
:- لا معلش إنتى مش مقعدانى فى بيتك .. دة بيت أبويا و ليا فيه أكتر منك كمان .. و لو على تربيتى وسط عيالك فمحدش صرف عليا مليم من جيبه .. فلوس أبويا و ورثى منه كلها تحت إيديكوا دة غير المصنع و الأراضى يعنى لو إتحاسبنا على أكلى و شربى و مصاريفى فى البيت دة هيبقى ليا كتير اوى ..
القت ما بصدرها ثم دخلت الى غرفتها و أغلقتها بقوة خلفها .. و تركت سحر متفاجأة مما حدث و من طريقتها معها و لكنها أقسمت أنها لن تمررها لها على خير
**********
قررت أنها لن تقوم بأى عمل اليوم يكفى ما قامت به عوضا عن شقاءها لجلب متطلبات البيت .. فمكست بغرفتها طيلة اليوم و لم يؤنسها سوى كتاب الله و كلماته ، فاجأها ذلك الصوت الصغير التى تعشقه عن ظهر قلب .. فأغلقت المصحف و صدقت على كلام المولى و أشارت له أن يقترب و على وجهها إبتسامة حانية ..
لكنه صدمها عندما قال بطريقته الطفولية
:- أنا زعلان منك يا ليلـة ..
تابعته الأخرى بتعجب و سألته
:- زعلان منى ليه يا چو ؟
و لكنها سرعان ما تذكرت أنها لم تجلب له الحلوى الذى يفضلها فأردفت
:- إنت زعلان علشان مجبتلكش الحاجات الحلوة اللى بتحبها مش كدة ؟
نفى الصغير برأسه و رد و هو يقف بجانبها
:- لا أنا زعلان منك علشان إنتى كنتى بتزعقى لماما و قولتلها حاجات تضايقها ..
إبتسامة حزينة رسمت على ثغرها و قالت بشرود
:- معلش يا يوسف .. ما أنا مش هفضل أجى على نفسى علشانكم ، و بصراحة أنا جبت أخرى
تفاجأت ليلـة بغضب الصغير الذى صاح
:- ماشى يا ليلـة أنا بقى مخاصمك لحد ما تصالحى ماما و مش حاخد اى حاجة هتجبيهاللى ..
و خرج من غرفتها .. تعجبت لأمر الصغير ، هل لهذا الحد تغافلت عن حقها حتى إنها عندما طالبت به صار ذنبها عظيم .. لم تفعل شئ سوى أنها وضعت حد لإهانتها و إستنزافها بتلك الطريقة ..
لم تفق من شرودها فيما القاه يوسف حتى وجدت حنين تدخل اليها بتردد .. فعلمت أن سحر وراء ما يفعلاه ..
:- ليه عملتى كدة يا ليلـة
رفعت أنظارها اليها بنفاذ صبر و قالت
:- عملت ايه يا حنين ؟
كادت ان تجيبها و لكنها قاطعتها بقوة و هى تنهض من فراشها و تقف أمامها
:- زعلانين علشان قولت لأ .. كفاية !
كفاية مرمطة فيا و إستنزاف فى طاقتى ، كفاية حياتى اللى إتبهدلت على إيدين الست والدتك ؟! كان المفروض أفضل ساكتة مش كدة ؟
تلعثمت حنين قليلا
:- أ أنا عارفة إن إنتى شايلة كل حاجة .. بس محدش غصبك على دة ، و بردو دة ميدلكيش الحق إنك تزعقيلها بالشكل دة !
إبتسمت ليلـة بسخرية و أردفت
:- و بما إنى معترضتش فكان لازم تقدر دة ، بس إزاى ! لا طبعا حطوا عليا كمان و أنا هشيل و مش هشتكى ما أنا الحيطة المايلة بتاعتكوا ...
رغم أنها تعلم أن ما قالته هو الصدق و أنها تتحمل ما يفوق طاقتها و لكنها عاندت فهى بالنهاية تعدت على أمها
:- متخلنيش أكرهك يا ليلـة .. لأنى مش هسمحلك تهينى أمى بالشكل دة و أسكت ..
و خرجت من الغرفة هى الأخرى و أغلقت الباب بغضب خلفها ..
تلقت ليلـة الصدمة و لم يستوعبها عقلها بل أبى أن يفكر و يحلل ما حدث فإتجهت الى فراشها فى صمت و خلدت الى النوم ...
****************
كان يمشى مسرعاً ممسكاً بشمسيته يحتمى بها من الأمطار التى تهطل بغزارة .. من بين السكون المرعب المتحد مع ظلام الليل الدامس صرخة شقت هذا الصمت .. ليلتفت حوله محاولا الوصول الى مصدر الصوت ، فلمح سيارة سوداء على مقربة منه .. فإتجه اليها بحذر فوجد شابا يتضح عليه الثراء يختطف فتاة و يضع منديل على فمها ثم سحبها داخل السيارة .. لم يستطع أن يبقى دون أن ينقذها ، فإقترب منه و هجم عليه يضربه بقوة حتى سقط أرضا .
أسرع الى السيارة فوجدها فاقدة لوعيها ، جذبها برفق و حملها بين ذراعيه و هو يهرول بها بين الطرقات لا يعلم الى أين يذهب بها .. و لكن إنتهى به الأمر الى شقته .. وضعها على الفراش برفق و خرج مرة أخرى و طرق على الباب المقابل له ، فتحت له إمرأة فى الستون من عمرها ، فإبتسمت بعدما علمت هويته
:- إزيك يا يحيي يا بنى إيه اللى مبهدلك مياة كدة ؟
رفع يده يمسد بها على شعره الأسود الداكن لينفض الماء من عليه و هو يسرد لها سريعا ما حدث و قال أخيرا
:- مكنش ينفع أسيبها و بردو مينفعش أكون معاها لوحدى ، فلو سمحتى تيجى تشوفيها ..
أومأت له بموافقة حتى إستمع الى صوت صراخها فهرول اليها و تبعته هى ...
أفاق من شروده و هو يطالع صورتها التى لا تفارقه .. تطلع أمامه بغضب و هو يقول
:- جه الوقت اللى لازم تدفعوا فيه الثمن يا ولاد السيوفى ..
كان يوم عطلتها لكنها كعادتها تستيقظ باكراً تقيم فروضها و تنهى وردها اليومى فما كان يصبرها على حياتها سوى تقربها للرحمن ..
أنهت أعمال المنزل و الجميع نيام بغرفهم ينعمون بالدفء و الراحة ، أما هى فلم تعلم طعم الراحة يوما ، و لكنها ترضى
" و كيف للشيطان أن يجد مدخلا لشخص يرضى بقضاء الله بقلب مبتسم "
دخلت غرفتها مجددا لتستعد للنزول الى السوق لجلب طلبات المنزل كما طلبت منها زوجة أخيها بالأمس .. إرتدت بنطال واسع و عليه "سويت شيرت " واسع أيضا و لفت حجابها و أخذت المال التى تركته لها سحر و خرجت من المنزل .
بعد ساعتين من الزمن كانت ليلـة تتأفف من ثقل الأحمال و الأشياء التى تحملها ، و لم يتبقى معها أى أموال حتى تستقل مواصلة ، فتلك المدعوة سحر لم تعطى لها ما يزيد عن اسعار السلع التى طلبتها ..
و بينما هى تتابع طريقها و هى تزيح بعض الأكياس لتريح يدها التى تؤلمها من كثرة و ثقل ما تحمل حتى إصطدمت به فإنفرط كل شئ كحال قلبها الذى مزقه آلام اليتم ...
*******
يسير بالطرقات و عقله حائر فيما أخبره به أخيه ليلة أمس ، اشعل سيجارته حتى ينفث فيها غضبه ، و هو يفكر
كيف كانت ستدفع أخته الثمن ؟
و هل ما فعله ذلك الوغد يتعلق بها ؟
هل أصابها مكروه ؟
صداع ضرب برأسه حتى قرر ان يضع حد لتوقعاته ، أخرج هاتفه و أجرى إتصال على يونس لأنه يعلم جيدا أن يحيي لن يبوح بشئ ..
:- حازم السيوفى عمل ايه فى نوارة يا يونس ؟
تفاجأ الآخر بما قال ، كيف علم بما حدث و أن ما حدث يخص أخته ؟
حاول يونس مراوغته
:- و اللى زى دة ممكن يعمل لنوارة ايه ؟
مارس بدر بروده حتى يصل الى مبتغاه
:- متردش على سؤالى بسؤال يا يونس .. جيب من الآخر و قولى الحيوان دة عمل ايه فى أختى ؟
إشتعل غضب يونس مجددا و هو يتذكر ما حدث و لكنه لن يخبره بشئ كما وعد يحيي
:- و لا يقدر يمس منها شعرة .. دة أنا أمحيه من على وش الأرض ..
إبتسم بدر بمكر فهو يعلم بعشق يونس لأخته لكنه دوما ما يرفض يونس الإعتراف
:- وهو إنت بردو مش طلبت المعلومات عنه علشان تمحيه من على وش الأرض ؟ !
رد الآخر بإقتضاب رغم الغضب الكامن بصدره
:- لا دة فى شغل بينا و عايز أعرف أنا بتعامل مع مين ؟ و لا مش من حقى ؟
ضحك بدر عاليا و هو يأخذ نفس من تلك السيجارة بين شفتيه
:- مش سهل إنت بردو يا يونس ، تربية يحيي بصحيح ..
تنهد بدر بقوة و أردف
:- ماشى هعديها بمزاجى ، و أنا هتصل أطمن على نوارة بنفس..
قطع حديثه عندما شعر بمن تصطدم به .. فتوقف لوهلة كى يعتذر لها فهو كان منهمك بالحديث بالهاتف و لم يراها و لكن أتاه صوتها الغاضب
:- مش تفتح يا بنى آدم إنت !
نظر لها بتعجب فهى قصيرة القامة .. حجمها صغير و لكنها جميلة ..
رد عليها ببرود
:- مش أنا لوحدى اللى لازم أفتح على فكرة ..
و أكمل طريقه حتى زفرت بغضب و هى تنظر للأشياء التى إنفرطت على الطريق بتأفف و غمغمت
:- شخص قليل الزوق ، هو أنا كنت ناقصة ياربى ، أعمل إيه دلوقتى ؟
وقف على بعد ليس بكثير عنها و هو يتابعها بعينيه .. لا يعلم لما توقف و ود مساعدتها ، ربما لأنها فتاة و هو من تسبب لها بهذا و شهامته تمنعه أن يتركها هكذا
أغلق الهاتف مع يونس و عاد إليها عندما وجدها تنحنى لتجلب ما سقط منها و تضعه بالأكياس مرة أخرى فأخذ منها الكيس و اخذ يلملم بدلا منها .. تعجبت مما فعله و لكنها إبتسمت من داخلها فقليل الآن من يهتم بأمر النساء .. أخذت تتأمله قليلا ملامحه الحادة ، بشرته الخمرية ، شعره الأسود الكثيف اللامع .. هيئته المنظمة ، جذاب بطريقة مهلكة .. أدارت وجهها سريعا عندما وجدته إنتهى فإستقام و هو يمد لها الأكياس و يقول
:- أنا كنت هعتذر على فكرة بس إنتى اللى طولتى لسانك ..
رفعت حاجبيها بصدمة و هتفت
:- أنا لسانى طويل !
أومأ لها و هو يبرر موقفه
:- أيوة لإن إحنا الإتنين غلطانين .. بس إنتى بقى عايزة تدبسينى و خلاص ..
:- أدبسك ! إنت بتقول إيه يا بنى ؟
لم يرد عليها و لكنه نظر للأكياس بيديها و قال
:- إنتى شايلة كل دة إزاى ؟
رفعت عينيها اليه بغضب
:- خمسة الله أكبر .. إنت بتقر عليا ، ما علشان كدة كل حاجة وقعت فى الأرض ..
ضحك بدر عاليا و هو يتحرك من أمامها و لكنه إستدار ثانية و أخبرها بصوت منخفض
:- لما حاجة تقع منك بعد كدة متوطيش فى الشارع علشان تجيبيها ..
ثم ذهب من أمامها و تركها تتأمل مكانه بصمت ...
عادت الى منزلها أخيرا لترمى بكل ما جاءت به على المنضدة الموجودة بجانب الباب .. حتى قابلتها زوجة أخيها و هتفت بها
:- كل دة تأخير .. هنعمل الغدا إمتى على كدة ؟
كانت قد فقدت طاقتها على التحمل فصاحت بغضب
:- بصى بقى أنا مش هنزل السوق تانى .. إنتى طالبة حاجات كتير اوى و أنا ضهرى إتقطم و أنا شيلاها ، لا و كمان عطيانى الفلوس على الأد .. معييش حتى أركب مواصلات .. بعد كدة ابقى إنزلى إنتى السوق ..
تعجبت سحر منها فهى دوما لا تعترض على شئ و لكن صياحها هذا أثار غضب الأخرى
:- لا يا حبيبتى أنا مش الخدامة بتاعتك علشان أنزل السوق .. و بعدين إنتى إزاى تعلى صوتك عليا ..
هتفت ليلـة و هى تخلع حجابها
:- انا كمان مش خدامة هنا .. انا بعمل كل حاجة فى البيت .. بروح شغلى و ارجع أروق و أنضف و أطبخ و عمرى ما أتكلمت .. بس واضح إنى فعلا كنت غلطانة علشان لما كنت بعمل بنفس راضية فكرتينى ضعيفة و مغلوبة على أمرى .. لكن لأ يا طنط بعد كدة اللى مش هقدر عليه مش هعمله و مش هاجى على نفسى علشان حد ..
نظرت لها سحر بإستنكار و أردفت
:- بقى دى أخرتها .. دة أنا ربيتك وسط عيالى لما أمك سابتك و مشيت و راحت إتجوزت واحد تانى .. و مقعداكى فى بيتى و ...
قاطعتها ليلـة غاضبة
:- لا معلش إنتى مش مقعدانى فى بيتك .. دة بيت أبويا و ليا فيه أكتر منك كمان .. و لو على تربيتى وسط عيالك فمحدش صرف عليا مليم من جيبه .. فلوس أبويا و ورثى منه كلها تحت إيديكوا دة غير المصنع و الأراضى يعنى لو إتحاسبنا على أكلى و شربى و مصاريفى فى البيت دة هيبقى ليا كتير اوى ..
القت ما بصدرها ثم دخلت الى غرفتها و أغلقتها بقوة خلفها .. و تركت سحر متفاجأة مما حدث و من طريقتها معها و لكنها أقسمت أنها لن تمررها لها على خير
**********
قررت أنها لن تقوم بأى عمل اليوم يكفى ما قامت به عوضا عن شقاءها لجلب متطلبات البيت .. فمكست بغرفتها طيلة اليوم و لم يؤنسها سوى كتاب الله و كلماته ، فاجأها ذلك الصوت الصغير التى تعشقه عن ظهر قلب .. فأغلقت المصحف و صدقت على كلام المولى و أشارت له أن يقترب و على وجهها إبتسامة حانية ..
لكنه صدمها عندما قال بطريقته الطفولية
:- أنا زعلان منك يا ليلـة ..
تابعته الأخرى بتعجب و سألته
:- زعلان منى ليه يا چو ؟
و لكنها سرعان ما تذكرت أنها لم تجلب له الحلوى الذى يفضلها فأردفت
:- إنت زعلان علشان مجبتلكش الحاجات الحلوة اللى بتحبها مش كدة ؟
نفى الصغير برأسه و رد و هو يقف بجانبها
:- لا أنا زعلان منك علشان إنتى كنتى بتزعقى لماما و قولتلها حاجات تضايقها ..
إبتسامة حزينة رسمت على ثغرها و قالت بشرود
:- معلش يا يوسف .. ما أنا مش هفضل أجى على نفسى علشانكم ، و بصراحة أنا جبت أخرى
تفاجأت ليلـة بغضب الصغير الذى صاح
:- ماشى يا ليلـة أنا بقى مخاصمك لحد ما تصالحى ماما و مش حاخد اى حاجة هتجبيهاللى ..
و خرج من غرفتها .. تعجبت لأمر الصغير ، هل لهذا الحد تغافلت عن حقها حتى إنها عندما طالبت به صار ذنبها عظيم .. لم تفعل شئ سوى أنها وضعت حد لإهانتها و إستنزافها بتلك الطريقة ..
لم تفق من شرودها فيما القاه يوسف حتى وجدت حنين تدخل اليها بتردد .. فعلمت أن سحر وراء ما يفعلاه ..
:- ليه عملتى كدة يا ليلـة
رفعت أنظارها اليها بنفاذ صبر و قالت
:- عملت ايه يا حنين ؟
كادت ان تجيبها و لكنها قاطعتها بقوة و هى تنهض من فراشها و تقف أمامها
:- زعلانين علشان قولت لأ .. كفاية !
كفاية مرمطة فيا و إستنزاف فى طاقتى ، كفاية حياتى اللى إتبهدلت على إيدين الست والدتك ؟! كان المفروض أفضل ساكتة مش كدة ؟
تلعثمت حنين قليلا
:- أ أنا عارفة إن إنتى شايلة كل حاجة .. بس محدش غصبك على دة ، و بردو دة ميدلكيش الحق إنك تزعقيلها بالشكل دة !
إبتسمت ليلـة بسخرية و أردفت
:- و بما إنى معترضتش فكان لازم تقدر دة ، بس إزاى ! لا طبعا حطوا عليا كمان و أنا هشيل و مش هشتكى ما أنا الحيطة المايلة بتاعتكوا ...
رغم أنها تعلم أن ما قالته هو الصدق و أنها تتحمل ما يفوق طاقتها و لكنها عاندت فهى بالنهاية تعدت على أمها
:- متخلنيش أكرهك يا ليلـة .. لأنى مش هسمحلك تهينى أمى بالشكل دة و أسكت ..
و خرجت من الغرفة هى الأخرى و أغلقت الباب بغضب خلفها ..
تلقت ليلـة الصدمة و لم يستوعبها عقلها بل أبى أن يفكر و يحلل ما حدث فإتجهت الى فراشها فى صمت و خلدت الى النوم ...
****************
كان يمشى مسرعاً ممسكاً بشمسيته يحتمى بها من الأمطار التى تهطل بغزارة .. من بين السكون المرعب المتحد مع ظلام الليل الدامس صرخة شقت هذا الصمت .. ليلتفت حوله محاولا الوصول الى مصدر الصوت ، فلمح سيارة سوداء على مقربة منه .. فإتجه اليها بحذر فوجد شابا يتضح عليه الثراء يختطف فتاة و يضع منديل على فمها ثم سحبها داخل السيارة .. لم يستطع أن يبقى دون أن ينقذها ، فإقترب منه و هجم عليه يضربه بقوة حتى سقط أرضا .
أسرع الى السيارة فوجدها فاقدة لوعيها ، جذبها برفق و حملها بين ذراعيه و هو يهرول بها بين الطرقات لا يعلم الى أين يذهب بها .. و لكن إنتهى به الأمر الى شقته .. وضعها على الفراش برفق و خرج مرة أخرى و طرق على الباب المقابل له ، فتحت له إمرأة فى الستون من عمرها ، فإبتسمت بعدما علمت هويته
:- إزيك يا يحيي يا بنى إيه اللى مبهدلك مياة كدة ؟
رفع يده يمسد بها على شعره الأسود الداكن لينفض الماء من عليه و هو يسرد لها سريعا ما حدث و قال أخيرا
:- مكنش ينفع أسيبها و بردو مينفعش أكون معاها لوحدى ، فلو سمحتى تيجى تشوفيها ..
أومأت له بموافقة حتى إستمع الى صوت صراخها فهرول اليها و تبعته هى ...
أفاق من شروده و هو يطالع صورتها التى لا تفارقه .. تطلع أمامه بغضب و هو يقول
:- جه الوقت اللى لازم تدفعوا فيه الثمن يا ولاد السيوفى ..