الفصل الثالث عشر بداية اللعنة

ظلت "لانا" ماكثة في غرفتها لوقت طويل ، خوفا أن تواجهها خالتها مرة أخرى ؛ فهي لم تعد تطيق وجودها معها.. من المفترض أن "لانا" تمر بظروف صعبة.. ويجب على أي شخص يعرفها أن يعذرها وألا يقف بوجهها كحكما أو كناقدا لأن قلبها الرقيق لن يحتمل كل هذه التحكمات والضغوط في وقت كهذا..


مرت ساعة وكانت "لانا" في غرفتها يكاد عقلها يحترق من التفكير فهي تريد أن تتواصل مع "إيف" ، تمنت لو أنها غير مرئية مثله ، فلو أنها كذلك لأصبحت تتنقل بكل حرية ولم تهتم بخالتها ، فهي تجيد التسلل وخطواتها هادئة بطبعها ، ولن تثير أي ضجة ، ولن ينتج عن خطوات اقدامها اي صوت..

لم تكن تعلم بعد أن "إيف" وقع مغشيا عليه منذ وقت يقدر بالمدة التي مكثتها في غرفتها تقريبا ، بعد ساعة وربع تقريبا أتت خالتها إلى غرفتها وطرقت الباب ، لتخبرها بأن الغذاء جاهز.. وقالت لها أن بإمكانها أن تأخذ حصتها وتأكلها في غرفتها كما تشاء اذا كانت لا تريد الجلوس معها ، وعلى كل حال هي لن تمانع وستتركها تفعل ما تشاء..

ذهبت "لانا" إلى المطبخ لتأخذ حصتها من الطعام ، وملأت طبقين.. أي كمية طعام تكفي لشخصين.. ثم أتت خالتها ورأتها تأخذ الطبقين الى الغرفة التي بها "إيف" فأوقفتها متسائلة :

هل ستأكلين الكمية التي بالطبقين؟ ظننت أنك لا تأكلين الكثير.. ثم لماذا لن تأكلي في غرفتك!! هل أنت متجهة إلى هذه الغرفة؟(قالتها وهي تشير إلى غرفة "إيف" وهي تعلم أنهم لا يفتحونها ولا يمكث فيها أحد)

نظرت إليها "لانا" نظرة غضب وحاولت أن تكظم الغيظ في نفسها ثم قالت :

لو سمحتِ ياخالتي ، اتركيني وشأني..ثم دخلت غرفة "إيف" فوجدته ملقي على الأرض.. ففزعت وأسرعت بوضع الاطباق على المنضدة وقامت بغلق الباب بالمفتاح ، حاولت أن تفيقه دون أن تتكلم فأمسكت بملابسه وأخذت تهز فيه حتى يستيقظ..


استيقظ "إيفاندار" أخيرا وقبل أن ينطق بكلمة واحدة وضعت يدها على فمه وكلمته بلغة الاشارة ففهم أن خالتها ربما تكون بالقرب ، أو ربما أنها في الطرقة المقابلة للغرفة.. صمت "إيف" وقام وجلس على السرير ، قامت "لانا" وجلست بجانبه ولم يتحدث أي منهما.. ثم بعد بضع دقائق سمعت صوت أنفاس خالتها يقترب من الباب وقالت بصوت عال :
لانا! سأذهب لشراء بعض الأغراض، اعتني بنفسك لن أتأخر..
هنا احتلت البهجة عينيّ "لانا" ونظرت إلى "إيف" وابتسمت في فرح ثم قالت مخاطبة خالتها :
حسنا يا خالتي ، لا تقلقي علي ، حفظك الله ورعاك!

كانت هذه أول مرة تترك فيها خالتها البيت منذ أن أتت وبالتالي سوف يتسنى للثنائي الرقيق أن يتحدثا لأول مرة منذ أيام!

بعد عدة دقائق وبعد أن تأكدت "لانا" أن خالتها ذهبت ولا صوت لها في المنزل ، ارتمت بين أحضان "إيف" وقالت وهي تربت على ظهره في حنان :
اشتقت إليك كثيرا ، اشتقت إلى صوتك.. ماذا حدث؟ أخبرني لماذا سقطت أرضا؟

قال لها "إيف" وهو ينظر إلي عينيها مبتسما :
اتركي لي الفرصة أولا لكي أقول أنني اشتقت إليك أكثر ، اشتقت لصوتك الجميل ، وابتسامتك المتألقة.. اما عني فلا داعي للقلق ، لقد كانت تلعب معي "كيه" داخل إحدى الرؤى السحرية ، فسقطت مغشيا عليّ لأقابلها..

- وماذا حدث؟ ماذا قالت لك! هل كان هنالك شيء ما في غاية الأهمية يجعلها تفعل هذا بك!!

(قالتها لانا وعلامات الغضب والاستياء تظهر على وجهها)

ابتسم "إيف" ضاحكا وفرح باهتمامها به ثم قال :

نعم لقد كان الأمر في بالغ الأهمية ، أولا هي ليس لها دخل في إسقاطي أرضا.. فأنا لم أسقط بطريقة عادية.. حدث لي دوار غريب ، وأحسست وكأن الأرض تهتز من تحتي.. وعندما نمت ، رأيت كيه وأخبرتني أن قواي قد تفعلت جميعها بنجاح ، ويرجع هذا إلى رغبتي في تفعيلها وارادتي القوية ، فتفعلت اليوم بهذه الطريقة.. طلبت من كيه أن تعرفني ماهي قواي لكي أستخدمها بشكل صحيح.. رفضت أن تعطيني من وقتها ، وقالت أنها مشغولة الآن ، ولكنني بقيت نائما ولم أرى سوى ظلام بعدما ذهبت، والآن قمت انتِ بايقاظي..شكرا لك!

- تفعلت قواك! هذا رائع لقد قطعنا مسافة كبيرة لايجاد السبيل لتحريرك من هذا الكابوس!!

قال "إيف" مبتسما :
نعم هذا صحيح، آمل ان أخوض مغامرات مشوقة معك..ولكن يجب أن أتلقى التعليمات من كيه أولا..

أجابت "لانا" في استياء :
لماذا دائما "كيه" غامضة هكذا! ، لماذا تأبى أن تعطيك كل المعلومات دفعة واحدة؟ أكره تلك الطريقة!

- بكل صراحة لا أدري ، ولا أستطيع أن أجد مبررا أيضا لعدم كشفها لوجهها وهي كبيرة ، فقد رأيتها بالفعل وهي صغيرة ، وعرفت الكثير من الأشياء عنها ، وعرفت أنها جدتي الأكبر ، وأنها من "بلايز" مثلي! لا أدري ماذا تنتظر لكي تريني وجهها!

ثم صمت "إيف" لثوان وعاد يتمعن عيون "لانا" الجميلة قائلا :
أعرف أن الصعاب تطبع ملامح الشقاء والحزن على صاحبها ، ولكنني للمرة الأولى أرى إنسانة تصبح أجمل وأرق كلما صعبت عليها دروب الحياة وكلما ضاقت بها الأحوال.. أنت تصبحين أجمل كل يوم يا "لانا".

ابتسمت لانا واحمرت وجنتاها خجلا ، ثم خاضت في حديث آخر قائلة وهي مبتسمة :
ربما ليس لدي وقت طويل اليوم لأقضيه معك ؛ فخالتي لن تتأخر ،وأنا لدي خلفية عن سرعة انجازها للمهام لذا.. إذا قالت أنها لن تتأخر فهي لن تتأخر.. هيا بنا نأكل قبل أن تبرد المعكرونة.. ثم قامت وجلبت الأطباق وجلسا يأكلان ، وكل منهما يتفحص وجه الآخر في هيام..

وبعد أن أكمل كل منهما طبقه كاملا على غير عادتهما.. سمعا صوت الباب ، فعلمت أن خالتها حضرت.. زفرت "لانا" في ضيق وقالت بصوت خافت :
سعدت بصحبتك يا "إيف".. الآن سأذهب لأجلس مع خالتي حتى لا ترتاب كما فعلت منذ قليل..

وعلى الرغم من ان صوت "لانا" كان منخفض جدا ، سمعتها خالتها وأقبلت نحو الغرفة التي هي فيها قائلة :
إلى من تتحدثين يا "لانا"؟

ارتبكت "لانا" بشدة ونظرت إلى "إيف" واقتربت منه هامسة في اذنه :
أرجوك لا تتحرك وأخفض صوت أنفاسك ، يجب أن أفتح الباب الآن..

كان "إيف" يقف بجانب لانا في ذلك الوقت ، ففتحت لانا الباب وهي تقول :
لا أتحدث إلى أحد ياخالتي.. أسقطت خالتها ما كانت تحمل من أغراض من صدمتها ، وكانت تنظر إلى "إيف" في نفس الوقت ، نظرت "لانا" إليها وقالت :

ما خطبك يا خالة؟

قالت خالتها في اندهاش :
من هذا الشخص؟ أهذا الذي كنت تتحدثين إليه؟ ولهذا أخذت حصة طعام اضافية! كنت أشعر أن هناك أمر مريب بالفعل! وتجلسان مع بعضكما البعض في غرفة نوم! ألم يربيك أحد أيتها الحقيرة!!

قالت خالتها تلك الكلمات وهي تصرخ بوجهها وقد استشاطت غضبا..

لم تجد "لانا" كلاما تقوله ، ولم تكن أصلا تعرف كيف لخالتها أن ترى "إيف" ، ألم يكن غير كمرئي! كيف تراه الآن؟
كان "إيف" مصدوما كصدمة لانا بالضبط..

نظرت خالتها إلى "إيف" نظرة استحقار وقالت :
وأنت أيها الحقير ماذا تفعل! أترضى ذلك لأمك أو أختك أو خالتك؟ ألا يوجد في قاموسك معنى لكلمة تربية ، وكيف دخلت إلى هنا ها؟

حاول "إيف" الدفاع عن نفسه وبدأ بالتحدث :

اممم حسنا.. لا أعرف من أين أبدأ ولكن القصة يطول شرحها ، والوضع ليس أبدا كما تخيلتِ ، أنا لا أفعل أي شيء مكروه هنا في هذا المنزل ، وأما عن تواجدي مع لانا في نفس الغرفة فالأمر ليس كما تظنين.. صديقني.. انا هنا منذ أشهر.. وانتظري قبل أن تحكمي ، انا كنت غير مرئي.. كانت "لانا" وأبوها -رحمه الله- يرياني ، هما فقط من يستطيعان رؤيتي.. لا أعرف كيف أشرح هذا.. في الحقيقة..

ثم قاطعته "رفيف" ووجهت كلامها إلى "لانا" قائلة :

ماذا يقول هذا المجنون؟!

حينها لم تستطع "لانا" الرد ؛ فلم يكن لديها أي أقوال بإمكانها أن تنقذها من الموقف التي وُضعت فيه.. إنه مأزق حقيقي بالفعل!

قالت "لانا" موجهة كلامها إلى "إيف" :
جرب أن تستخدم قوة مسح الذكريات ، أو تعديل الذكريات.. جرب أي شيء الآن بما أن قواك قد تفعلت.. هيا!

نظرت "رفيف" إلى لانا في ذهول قائلة :
لقد جننت أنت أيضا! لابد أن أعرضك على طبيب نفسي.. أنت لست على طبيعتك!

اقترب "إيف" في حذر من "رفيف" ونظر إلى عينيها.. تراجعت خطواتها إلى الخلف خوفا منه وكادت تصرخ ولكن "إيف" أغمض عينيه وقال :

اهدأي.. اهدأي يا رفيف انظري إلى ، وانصتي لما أقوله جيدا..



صمتت "رفيف" وكأنها قد سُحرت ، ونظرت إلى إيف طاعة لأوامره..

كان "إيف" يرتجل ولا يعرف إذا كان الأمر سينجح أم لا ، ولكن على كل حال كان خضوع "رفيف" له مبشرا بالخير..
اقترب من أذنيها وأخذ يهمس قائلا :
عليك أن تنسي أنك رأيتني ، لم يكن هنالك أحد مع "لانا" في المنزل غيرك ولم أكن معها بالغرفة ، واذا رأيتني بعد ذلك فلن تتذكرينني وستتجاهليني كأنك لم تري شيئا! "لانا" فتاة صالحة ومهذبة وليست مجنونة.. لا وجود لشخص اسمه "إيف" في حياتها وهي لا تسكن مع أحد في المنزل.. هي تسكن وحيدة بعد وفاة والدها..


أخذت "رفيف" تردد كلماته كالمسحورة قائلة :
أنت لم تكن مع لانا بالمنزل ، لا وجود لشخص اسمه ايف في حياتها ، واذا رأيتك سأتجاهلك وكأنني لم أر شيئا.. لانا فتاة صالحة ومهذبة..

كانت "لانا" تنظر إلى هذا المشهد وأرادت ان تضحك بصوت عال من منظر "رفيف" وهي تردد كلمات "إيف" ، لم تتمالك نفسها وضحكت بصوت عال ، نظرت إليها خالتها في غضب قائلة :
علام تضحكين؟ هيا تعالي معي إلى المطبخ لنغسل الصحون!

وبعدها لم تنظر إلى "إيف" وكأنه غير موجود بالفعل.. لازال "إيف" و"لانا" يشكان في قدرته لأنهما غير واثقان بها، هل أثرت القوة بها فعلا ام أنها تمثل أنها تأثرت بها! لا يعلمان حقيقة الأمر بعد..!

استوقفها "إيف" قبل الاتجاه إلى المطبخ قائلا :

يجب عليك أن تعودي إلى منزلك الآن ، عودي إلى أولادك.. أنت تعرفين في قرارة نفسك أنهم بحاجتك أكثر من لانا.. يمكنك الاتصال بلانا بين الحين والاخر ، هي تعتمد على نفسها اعتمادا تاما ولن تكون بحاجتك.. يمكنك زيارتها بعد ثلاثة أشهر من الآن أو أكثر..


لم تنطق "رفيف" بكلمة واحدة وذهبت لتبديل ملابسها واستعدت للرحيل ، ودّعت "لانا" وكانت لا تزال وكأنها لا ترى الفتى.. اطمئن "إيف" لأن قواه بدأت تعمل بالفعل.. أو على الأقل تمنى ذلك..

رحلت الخالة من المنزل تاركة الثنائي الرقيق وحديهما..وبعد أن رحلت قالت "لانا" بصوت عال يمتلأ باحساس النصر ممزوجا بالضحكات :

آآآه أخيرا.. حمدا لك يارب..

ثم علت صوت ضحكتها أكثر وشاركها "إيف" بالضحك..

عرضت لانا على "إيف" ان تصنع له بعض القهوة لكي يجلسا معا ويفكرا في الخطوات التالية الواجب عليهم فعلها..
بعد أن أعدت "لانا" القهوة جلس الاثنان وبادرت "لانا" بالكلام قائلة :
علينا أن نعرف ماذا سنفعل في الفترة القادمة، ماهي الخطوة التالية؟

- في الحقيقة كنت سأقول لك أنه لا حاجة للقهوة ، على الأقل أنا لا أحتاجها الآن ، أعتقد أنني لا بد أن آخذ منوما لكي أسافر مرة أخرى إلى عالم "كيه"، لأنها سوف تطلعني على ما يجب اتباعه للانتقال للخطوة التالية..
سأنتظرك ، اشربي قهوتك وأنا سأذهب لأحضر المنوم ، آسف لن تنفعني القهوة الآن ، علينا ألا نضيع وقتنا..


وافقت لانا على اقتراحه وجلست تشرب القهوة في صمت ، كان "إيف" قد أحضر حبات المنوم من غرفة "لانا" وجلس يناظرها دون ملل حتى انتهت من قهوتها..

نظرت إليه وقالت :
هيا.. هل أنت جاهز؟ آمل أن تكون "كيه" جاهزة هي الأخرى
قالتها عاقدة حاجبيها في ضيق..

قال إيف :
نعم أنا مستعد..


ذهب الاثنان إلى غرفة "ايف" ، واستعد إيف فنام على ظهره على سريره ، بعد أن قام بأخذ حبات المنوم ، وبعد دقائق من أخذ تلك الجرعة الكبيرة ، سافر إلى نوم عميق...

وكالعادة كانت "لانا" مستعدة مثله ، فجهزت الدفتر الذي تدون فيه ما ينطق به "إيف" أثناء نومه ، وجهزت بعض المناديل الورقية في حال استخدم "إيف" بعض التعويذات ونزف كنتيجة لذلك..





والآن وجد "إيف" نفسه داخل قصر ، ذلك القصر الرائع الأشبه بقصور أفلام الكرتون.. الآن هو يزوره للمرة الثانية ، لا يعرف بعد ما إذا كانت هذه ذكرى وهو مسافر عبر الزمن أم أنه هناك بالفعل عبر العالم الافتراضي..

بالتأكيد سيعرف كل شيء اذا التقى بـ "كيه"..
"كيه"! أين هي؟ كالعادة.. السؤال الأول الذي يسأله لنفسه عندما يذهب في رحلة عبر رؤية سحرية.. أخذ يتلفت يمينا ويسارا وهنا وهناك حتى يجدها فلم يجد أحدا ، ثم أكمل طريقه سيرا إلى الأمام.. في حديقة القصر الشاسعة..

وبينما هو يمشي سمع صوتا.. صوت إمرأة ، لقد كانت تبكي بحرقة!

سار "إيف" في اتجاه مصدر الصوت إلى أن وجدها.. كانت تلك المرأة هي "كيه" ولكنها كانت صغيرة. فعلم حينئذ أن هذه ذكرى منذ زمن بعيد ، وأنه لابد أن يكون لها مغزى ، فمن المؤكد أن "كيه" الكبيرة هي من جلبته إلى هنا.. ولكن أين هي؟ لم تظهر بعد.. أكمل الفتى طريقه على كل حال نحو "كاثرين بلايز" واقترب منها؛ فهو يعلم أنه غير مرئي ولا صوت له في هذا النوع من الأحلام أو بالمعنى الأصح هذا النوع من السفر..

أخذ يسترق السمع فقد بدأت المرأة الباكية تتحدث إلى نفسها قائلة في أسى :
لقد سئمت هذه الكوابيس ، لا أعلم لماذا لا أستطيع أن أنعم بنومة هادئة كسائر البشر ، لا بد أن هذا القصر اللعين هو السبب! ياليتني لم أطلب العيش فيه ، ياليتني عشت عيشة هادئة في بيت بعيد هاديء بعيد عن هنا حتى لو كان أصغر في المساحة ، ولكن أكبر في الدفء والسكينة والهدوء وراحة البال ، ياليتني لم أطمع في امتلاك هذا القصر..



أنا حزينة وتعيسة في هذا القصر الشاسع ، تيقنت بالفعل أن السعادة ليست بامتلاك القصور والأموال ، فأنا أفتقر إلى الكثير من الأشياء ، أفتقر إلى الاحساس بالأمومة الذي تمنيته طوال حياتي ، أريد أن أنجب طفل أو طفلة من الرجل الذي أحببته ، هذه هي أقصى أمنياتي، هذه الأمنية أهم عندي من المال والسلطة والقصور والسفر وكل شيء!

وبينما هي تبكي، ظهرت هالة زرقاء حولها فتوقفت عن البكاء ونظرت حولها مذهولة مما رأت ، وقامت من جلستها وانتفضت في ذعر! وقالت :

ما هذا! ما الذي يحدث؟

كان "إيف" ينظر بذهول، رجع عدة خطوات للوراء قليلا على الرغم من أنه يعي بأن كل هذا في زمن آخر ولا يمكن أن يؤثر فيه ، ولكن ردة فعله كانت تلقائية ، وفجأة أحس بشخص ما يقف إلى جانبه ، نظر فوجد ان "كيه" قد حضرت وكانت تشاهد معه ما يحدث، كانت لاتزال مشوشة ، فلم يعيرها "إيف" اهتماما ونظر إليها نظرة ازدراء.. أمسكت بيده وقالت غاضبة :
قلت لك أكثر من مرة ألا تتعدى حدودك في التعامل معي، هذه النظرة لا تناسبني..

سحب "إيف" يده من يدها وقال دون أن ينظر إليها :

اصمتي أيها المشوشة لا أريد أن يفوتني شيئا...

عقبت "كيه" على كلماته قائلة وكأنها تستعطفه :

أتدري؟ أعلم أنك مستاء لأنني أحجب وجهي عنك ، أنا أفعل ذلك لسبب ستعلمه فيما بعد ، ولكنني لا أستطيع أن أبوح به الآن ، وتذكر أنك عندما تعرف السبب ، ستتيقن بمدى إيلامك لي بقولك أيتها المشوشة ، ومدى تماديك في استياءك مني دون مبرر ، نعم ليس لديك مبرر للضيق من عدم ظهور وجهي لك ، لا حاجة لك بوجهي طالما أزودك بالمعلومات التي تهمك...

لان "إيف" قليلا متأثرا بكلمات "كيه" ثم نظر إلى وجهها المشوش قائلا :
حسنا.. ولكن سيكون لي تصرف آخر إذا لم أقتنع بسبب تشوشك عندما تبوحين به ، وتذكري.. لا أحد غيري سينقذ العالم ، لذا يجب عليك أنت أيضا أن تحسني التصرف معي وتحذري من أي كلمات تجرحني وأنت تتحدثين إلى، طالما أحترمك يجب أن تحترميني..


لم ترد عليه "كيه" وزفرت في ضيق من كلماته.. صمتت قليلا ثم قالت :
كان يجب عليك أن تكون ذكيا بشكل كاف لمعرفة أن تفعيل قواك سيجعلك مرئي مرة أخرى..

عقد "إيف" حاجبيه ممتعضا ثم قال :

ألهذا السبب أصبحت مرئي! هذا لا يحتاج ذكاءا بل يحتاج معلومات كان يجب عليك أن تزوديني بها! الخطأ خطأك
أجابت بنظرة حادة :

قلت لك احذر وأنت تتعامل معي!! أريد أن أخبرك بمعلومة أخرى الآن ، لأن ذكائك لن يوصلك إليها.. هذا المنوم الذي أخذته قبل قليل بجرعة كبيرة لا فائدة منه بعد تفعيل قواك ، لقد نمتَ لأنني أردت آتي بك في رؤية ، والمنوم البشري لن يؤثر فيك بعد الآن. لأنك لم تعد بشريا عاديا..

ضاقت عيناه في استغراب ، ثم صمت ولم يرد!


ثم استكمل الاثنان مشاهدتهما للحدث الذي يحصل ، كانت الهالة الزرقاء لا تزال تدور حول "كاثرين بلايز"، وكانت شديدة الخوف..ولم تستطع طلب النجدة ، فقد كان صوتها منخفض جدا بالنسبة لصوت وسرعة الشيء الازرق الذي يتحرك من حولها ، استمرت على هذه الحال قرابة العشر دقائق تقريبا..وكانت كالمقيدة ، لا تستطيع الهروب من بين تلك الهالة الزرقاء العجيبة!


وفجأة! تكورت تلك الهالة الزرقاء أمام "كاثرين" وأخذت تبهت شيئا فشيئا ، ثم تحولت إلى هيئة بشر ، تحولت إلى إنسانه ماثلة أمامها ظهرت من العدم!

ذُهلت كاثرين لما رأت.. كانت المرأة التي ظهرت للتو تبدو ثلاثينية ، وترتدي فستانا ذو طراز قديم ، وكان لونه أصفر وكان قصيرا ، ملامح المرأة كانت قاسية ولكنها كانت جميلة ، نظراتها تنم عن امرأة حازمة وذات قرارات لا رجعة فيها! كان شعرها بني طويل ويظهر لونه البني بوضوح أكثر مع ضوء الشمس الساطع ، بشرتها خمرية ولها عينان خضراوتان بلون فاتح جذاب..

لم تبتسم لكاثرين ونظرت إليها متفحصة..رأت دموعها، فأشارت إلى عينيها قائلة في سخرية :
المرأة الجميلة ذو العيون الجذابة لا تبكي وترهق عينيها الفاتنتين ، هيا انهضي ولا تفعلي بنفسك هكذا ، انهضي وانصتي إليّ!

كان إيف وكيه يشاهدان مايحدث ظن إيف في نفسه أنه مشهدا غريبا ، ليس فقط لأنها ظهرت من العدم ، بل لأنه وبشكل مضحك.. هناك شخص ما يلقي الأوامر على "كاثرين"، في مشهد غريب لم يتوقع أن يراه في حياته!

قالت المرأة :
اسمعي يا كاثرين ، هذا القصر كثرت عنه الأقاويل والاساطير، كانوا يقولون أن هناك أرواح شريرة تتردد على القصر..وتخيف كل من يقترب منه ، وأحيانا تؤذيه ومن ثم لا يصبح لديه ذكريات.. أحب أن أخبرك أن هذا صحيح ، ولكننا تُبنا.. ولم نعد نفعل هذا مرة ثانية ، ولعلك لاحظت ذلك من إقامتك هنا ، فلم يفعل أي أحد منا شيء بكم ، وتركناكما تنعمان بحياة هادئة في القصر الجميل..

قامت كاثرين وهي مذهولة ، وهربت الحروف عن فمها ولم تعرف بماذا تنطق ، ثم أمعنت النظر في المرأة وأخيرا استجمعت صوتها قائلة :

عفوا.. أرجوك اشرحي لي ما يحدث ، كيف ظهرتِ فجأة، ولماذا تتحدثين بصيغة الجمع؟!

من أنتم؟ ولماذا كنتم تفعلون أفعالا شريرة، وماذا تكونون؟ هل أنتم بشر عاديين؟






أخذت المرأة تمرر أصابعها في شعرها في تفاخر ولم تجب على الفور، ثم تنفست الصعداء وتجاهلت تساؤلات كاثرين قائلة وهي تنظر حولها :
اشتقت كثيرا لكوني إنسانة ، آخر يوم في حياتي كان يوما رائعا ولكنه انتهى بمأساة ، انتهى بموتي.. أحببت هذا المكان كثيرا ولكنني فارقته بسرعة!

قالت كاثرين وقد عقدت حاجبيها في ضيق لعدم فهمها :
أرجوك أطلعيني على معنى ما تقولين! ما الذي يحدث! وانت لست إنسانة؟ أعني الآن؟ يعني أنت كنت إنسانه وأصبحت شبح أليس كذلك؟ ما الذي حدث؟ وكيف يمكن أن أساعدك..!

-لا أحتاج مساعدة ياعزيزتي ، أنت من تحتاجينا وأنا هنا لمساعدتك..
تكلمتُ بصيغة الجمع "نحن" لأنني لست هنا وحدي ، صحيح أنني اول من رأيت ولكن عددنا خمسة.. نحن الكيانات الخمسة..

-كيانات؟ (قالتها كاثرين في دهشة)

قالت المرأة :
انصتي عزيزتي ، سوف أخبرك بالقصة ولا تقاطعيني ، استمعي إلى النهاية ولا تناقشيني في شيء إلا عندما أنتهي من القصة كلها ، لأن حياتك على وشك أن تتغير تغيرا جذريا.. لا تتسائلي عن أي شيء الآن.. استمعي فقط.. اتفقنا؟

-اتفقنا




مر على زواجك عامين وستة أشهر.. منذ ثلاثة أشهر توفى والدك.. آمل أن تكوني صبورة وتتحملين فراقه ، وأرجو له الرحمة والسلام.. منذ فترة بدأت تأتيك كوابيس في منامك ، فتقومين فزعة وتتركين سرير الزوجية نافرة منه وتفرين إلى مكان تجلسين فيه وحدك.. لا تتعجبي أنا أعرف كل ما يحدث هنا!

أنا والكيانات أتينا لك بهذه الكوابيس ، لا تصيحي وتستاءي وتغضبي ، علاوة على أنه ليس من مصلحتك فعل ذلك ، وينبغي عليك التأدب وأنت تتحدثين إلى ، فأنتِ عندما تعلمين مرادي ، أقصد.. مرادنا.. سوف تكونين ممتنة كثيرا لنا ، ولن تعودي غاضبة من تلك الكوابيس ، كانت تلك الكوابيس ضرورية لكي تفهمي ما أنا على وشك أن أحكيه لكِ..

آه نسيت أن أعرفك بنفسي.. أنا "كاتيا روبرت"..

منذ مئة سنة،.. كنت إنسانة بشرية مثلك تماما ، ولكنني مت.. بل بالأحرى قُتلت هنا ، على هذه البقعة التي أقف عليها الآن ، على يد مجرم سفاح ، ولم أقتل وحدي.. صديقاتي قتلوا معي ، على يد نفس السفاح.. وفي في نفس المكان.. في نفس الحديقة ، لم يكن هنالك قصر حينها.. كانت فقط أرض واسعة فارغة وحولها هذه الحديقة الشاسعة التي تملكينها اليوم مع القصر.. أنا وصديقاتي اعتدنا أن نتردد على هذا القصر ، وأخفنا الكثير من الناس ، واستخدمنا ما تبقى من قوانا على الكثير منهم.. وأهمها مسح وتعديل الذكريات. تلك القوة كانت لدينا نحن الخمسة! حيث جعلناهم يتذكروا فقط أن هنالك أرواح تتردد على القصر ، كما أننا رسّخنا في أذهانهم أن كل هذه أساطير ولا أساس لها من الصحة. مع أنها صحيحة مئة بالمئة ولكننا زيفنا ذكرياتهم.. كما قلت لك لقد تبنا عن ذلك.

تلك الكوابيس التي رأيتها.. كان لها مغزى..

رأيت في منامك أنك تلدين ، ثم أتت امرأة أخذت منك ابنتك فور ولادتها ، وكنت تتألمين وتصرخين بشدة ، تكرر هذا المنام كثيرا أليس كذلك؟

المرأة التي تأخذ ابنتك منك في كل مرة هي "ريتا سميث" إنها إحدى صديقاتي اللاتي متن على يد ذاك السفاح المجنون ، وكانت فكرة الكوابيس فكرتها.. لأنها هي من تتميز عنا بهذه القوة.. اختلاق الأحلام أو الكوابيس أو أيا يكن ، وخلق محادثات وقصص بداخلها ، أوالتحدث إلى الأشخاص عبر الاحلام ، دون وجودها..

قبل أن أقل لك لماذا اقترحت "ريتا" فكرة الكوابيس ، وماذا نريد منكِ ، سأعرفك على البقية ، ستظهر عدة هالات زرقاء في الهواء الآن ، أرجو أن تكوني اعتدت على شكلها..

بدأت تلك المرأة المدعوة "كاتيا" تهمهم بهمهمات غريبة ، وهي مغمضة العينين وبدأت عملية الاستدعاء ، انتشر الضباب في المكان ، فقد كان الهواء الأزرق هذه المرة قويا للغاية ، فهو لأربعة أخريات ليس لوحداة فقط..

وأخيرا ظهرت أربعة نساء أخريات..أولهن كانت تقف خلف "كاتيا".. فأشارت كاتيا عليها قائلة :
هذه هي "ريتا سميث".. وما فعلتُ للتو كان تعويذة.. ولكنني لا أستطيع أن أمارس السحر بشكل عام لأنني ميتة ، وما فعلت كان فقط لكي أظهرهن.. ولا تتعدى قوة سحري هذا..( قالتها وهي متأثرة)

كان لريتا ملامح جذابة وتبدو أيضا ثلاثينية العمر ، كانت بشرتها بيضاء وعيناها بنيتين ، وشعرها قصير أسود.. ولها ابتسامة ثابتة على وجهها ، لا يعرف من ينظر إليها ما اذا كانت تبتسم له لتبهجه أو أن أنها تبتسم له سخرية منه!

كانت ترتدي فستانا اسودا قصيرا مكشوفا ، ولا يستر الكثير من جسدها..ومن خلف ريتا كانت تقف "مولي إيدوارد" ، سيدة تبدو في الاربعينيات من عمرها ، لها جسم ممتلئ قليلا ، كانت مرتدية فستانا رماديا طويل ، وقبعة بنفس اللون.. لها بشرة شاحبة بعض الشيء وعينان زرقاوتان في غاية الجمال.. ووجهها ممتلئ وباسم..

من خلف مولي ، كانت تقف "آنيا كريس".. كانت أصغرهم، حيث يبدو عليها أنها لم تتخطى العشرين عاما. كانت جميلة وممشوقة القوام ، شعرها بني وعيناها خضراوتين.. لها ابتسامة ساحرة تخطف القلوب.. وجهها صغير وبراءة الاطفال تغزو وجهها وعينيها.. ارتدت فستانا أحمرا قصيرا وربطة شعر عريضة بعرض رأسها تقريبا.. بنفس لون الفستان.


وخلفهن جميعا كانت تقف "روز مارتن" .. بدت أنها أكبرهن سنا.. يبدو أنها في العقد الخامس من العمر.. كانت جميلة على كل حال ، كانت بهذا العمر ولكن روحها الجميلة جعلتها أصغر بكثير والابتسامة الطيبة لا تفارق وجهها صنعت منها فردا يحب المرء صحبته.. كانت ترتدي فستانا طويل لونه بني وشعرها لونه أسود وكان ينسدل على كتفيها ويغطي جزء من وجهها.. كانت لها بشرة بيضاء وعينان لونهما أخضر فاتح..

كانت "كاتيا" تقدمهن لـ "كاثرين" في الوقت الذي كانت أفكار كاثرين مذهولة بشكل لا يوصف ، كانت لا تعرف ما اذا كان هذا حقيقية أم حلم! وفور أن رأت "ريتا" ظنت أن هذا يمكنه أن يكون حلم من الأحلام التي تأتيها، هي تذكرتها الآن ؛ فريتا دائما ما تأخذ منها ابنتها (التي لم تلدها بعد) في المنام وتحرمها منها.. كانت خائفة جدا ومرتبكة ، ولم تستطع أن تنطق بحرف واحد.. فجأة ومن العدم ظهرت أمامها خمس نساء لم يكن لهن وجود ، وفوق كل هذا.. هؤلاء النساء ليسوا على قيد الحياة.. إنهن أشباح!





كانت "كاثرين" خائفة جدا من "ريتا" عندما رأتها ، فهي التي تأتي وتأخذ منها ابنتها قهرا في كوابيسها.. هي ليس لديها ابنة ولكنها تشعر وأنها على وشك ان يُسلب منها شيء ما غال عليها.. كان "هنري" في ذلك الوقت ذاهبا ليتمشى مع نفسه وينعزل قليلا هاربا من الطاقة السلبية التي تملأ القصر ، وتمنت كاثرين لو أنه يتأخر قليلا حتى ينتهي كل هذا الهراء ، وتختفي كل تلك الكيانات!

وقفت الخمس نساء جميعا أمامها ناظرين إليها وإلى حالتها التي يرثى إليها ، ثم قررت كبيرتهم أن تتكلم وهي "روز". . فبادرت بالحديث قائلة :
مرحبا يا "كاثرين بلايز"، قبل أن نطلب منك أي شيء أو ندلي عليك ببعض الأوامر ، يجب أن تعرفي قصتنا أولا ، منذ بداية الأحداث المهمة في حياتنا ، إلى آخر يوم فيها ، نعم لقد متنا جميهعا في نفس اليوم ، قُتلنا على يد سفاح مجنون كان يجوب المدينة في ذلك الوقت.. ودفنت معنا العديد من القدرات الخارفة التي بإمكانها فعل الكثير من أجل البشرية اذا استخدمت بشكل صحيح في الخير!

نحن الخمسة من مناطق متفرقة ، ولم نكن نعرف بعضنا البعض.. وكانت صدفة سحرية غريبة هي السبب في معرفتنا ببعضنا واتحادنا سويا..
بالمناسبة.. الملابس التي نرتديها الآن والهيئة التي نحن عليها.. هي آخر ملابس وآخر هيئة اتخذناها قبل موتنا، بمعنى أننا متنا على هذا الشكل.. أعلم.. معلومة ليست مهمة ولكن ركزي فيما سأقول..

أنا اسمي "روز" وعندما كنت في سن صغيرة.. عندما كنت في العاشرة من عمري تقريبا ، بدأت حياتي تأخذ اتجاها غريبا ، علمت حينها انني لن أحيا حياة عادية كبشر عاديين.. حيث ظهرت لي قدرات تختلف عن غيري من البشر، لم يكن أي من عائلتي لديه قدرات مثلي..

في يوم عيد ميلادي العاشركنت سهرانة في ذلك اليوم مع أمي وجدتي.. ثم غفوت في وقت الفجرية ، فأتاني منام..رأيت أنني أنفخ في زهرة فتتحول إلى دواء ، ورأيت أنني أقول كلمات لا أفهمها فأجعل من المكان الفوضوي مكان مرتب ، ورأيت أن حولي الكثير من الفقراء يتوددون إلي ويطلبون مني طعاما ، فأشير بيدي وألوح بها وأقول همهمات غريبة فيظهر أمامهم ما يكفي من الطعام لإشباع بطونهم..

قمت من نومي مذهولة ، ولكنني كنت أتذكر بعض الكلمات التي قلتها في منامي أمام الزهرة التي رأيتها ، وتذكرت نوعها.. لقد كانت من نوع التيولب ، وكنت أزرع في حديقتنا الصغيرة هذا النوع من الزهور ، فجلبت بعض أزهار التيولب وقررت أن أجرب ما رأيته في منامي ، كنت صغيرة وأصدق في خيالاتي الواسعة كثيرا.. بدأت أقول الكلمات التي سمعت نفسي أقولها في المنام.. وأنا أقرب فمي من الأزهار.. وأتفوه بكلمات غريبة لا أفهم معناها ولكنني فقط أتذكرها.. وفجأة سالت الأزهار كما لو ان كلماتي أذابتها! وتكون سائل غريب ثم تجمّع وأخذ شكل دائرة على المنضدة التي كنت أضعهم عليه ، فأسرعت وجلبت قنينة وأملت المنضدة حتى أسكب السائل فيها.. لا أدري ما الذي دفعني إلى الرغبة في تجربة الدواء على شخص ما ، في تلك الفترة كانت أمي مريضة بنزلة شعبية حادة ، وكانت حالتها متدهورة.. أعلم أن الأدوية كان بإمكانها شفاء أمي ولكنني لا أعرف لماذا شعرت بأن هذا الدواء قد يساعدها.. أو هذا الشيء الذي صنتعه للتو!

عندما استيقطت أمي أسرعت إليها ، قبلت رأسها.. لم أعرف كيف أبدأ الموضوع معها فهي لا تأخذ أي شيء ولا تؤمن بالوصفات المحضرة بالمنزل ، هي فقط منتظمة بأخذ الدواء الذي وصفه الطبيب إلى أن تتعافى.. نظرت إلى عينيها وقلت وكأنني آمرها :
اسمحي لي يا امي ان أعطيك دواءا بإمكانه شفاؤك.. لا أعرف من أين أتتني هذه الثقة في تلك اللحظة ، وحينها لم اكن أعرف ما الكيفية التي أطاعتني بها على الفور، مع أن أمي لا تتقبل أي شيء بهذه السرعه ، كانت كالمسحورة عندما أمعنت النظر في عيني وأنا أقول لها أن الدواء سيفيدها.. أخذته مني وشربت القنينة كلها دون أن تسأل حتى من أين أتيت به!

بعد أن أكملت أمي شرب السائل الغريب ، أخذت نفسا عميقا ثم بدأت تتكلم وتقول :
يا إلهي ، لقد تحسن حلقي ، لقد عاد صوتي! ياللغرابة! لقد شفيت تماما! من أين أتيت بهذا الشيء!


لم أجب أمي لأنني لم أعلم كيف أفسر لها ما حدث ، احتضنتها بحب وهمست في أذنيها قائلة :
حمدا لله على سلامتك يا أمي..وذهبت إلى غرفتي ورأسي يدور بها مئة سؤال! أردت النوم ثانية لأن أحلامي صارت غريبة ، وأردت استكشاف ما سيحدث بها..حاولت النوم ولكنني فشلت من كثرة التفكير ، فكنت مضطرة إلى أن أنتظر الليل..

ومنذ ذلك اليوم.. تيقنت أنني ساحرة..وأن هذه هبة تميزت بها عن غيري ، ولي الخيار في استخدامها في الخير أو في الشر ، عرفت فيما بعد أن لي قدرة تعديل ومسح الذكريات ، وسحر الدماغ وهذا نوع آخر من السحر ويمكننا أن نسميه الإذهان! أي أنني عندما أمرت أمي بأخذ الدواء استجابت على الفور ونفذت ذلك.



علمت أمي وجدتي بالأمر وفضّلوا ألا يعرف أحد غيرهما ، وكانتا يستخدمانني دائما ويستفيدان مني في العديد من الأشياء دون أن أؤذي أحدا بالطبع..

جدتي قالت ان عائلتنا يحدث بها هذا النوع من القدرات كل مئة سنة ، وتقول أن هذه أسطورة كانت تقصها عليها والدتها ككقصة خيالية ولكنهم الآن اكتشفوا أن الأمر حقيقي ، وأنني ساحرة ، واختارتني الطفرة من بين كل عائلتي بعد مئة عام.. بالطبع لأقوم بمهمة ما ، أو مهام عديدة خيّرة.


وعلمت فيما بعد أيضا أن دمائي لها قدرة على تخفيف الالام وعلاج الكثير من الامراض وهذه القوة تميزت بها عن صديقاتي الاربعة!
أما عن صديقاتي الأربعة ، اكتسبوا قدرات من العدم ، لم يرثوها عن أحد ولكن علموا فيما بعد أن عائلاتهم أيضا فيها هذا النوع من الطفرات التي تحدث كل مئة عام..وأظن أن هذه الطفرات ترتبط ارتباطا وثيقا بالصفات الشخصية ، فمثلا أنا معروف عني أنني حادة الذكاء منذ صغري.. لعل الطفرة أصابتني حتى أستطيع أن أستخدم ذكائي في توظيف تلك القوى..

استخدمت هذه القوى في الخير كثيرا ، إلى أن أتت الصدفة التي جمعتني بصديقاتي الخمسة ، ولكن لن أقصها أنا عليكِ ، عليك أن تعرفيها من صديقتي التي جمّعتنا.. "ريتا سميث"!




يتبع......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي