الفصل السابع عشر

هبت نسمات الصباح لتداعب وجه "فيحاء" الجالسه على جذع شجرتها .. أصبح هذا المكان الصغير هو عالمها الخاص .. الذى تشعر فيه بالراحه والسكينه .. كانت تستيقظ
باكر وتأتى اليه قبل الذهاب الى عملها .. كأن بينهما موعداً أبدياً لا ينقطع .. جلست فى ذلك اليوم تفكر .. تُرى كيف ستنتهى قضيتها .. وهل ستنتهى بالفعل من
الجلسة الأولى التى من المقرر أن تكون بعد ثلاثة أيام ؟ .. أم ستضطر الى الإنتظار جلسات أخرى .. كانت لا تستطيع تحمل الإنتظار فترة أطول من ذلك لتتخلص من ذلك
المدعو زوجها وتلقى بذكرياته فى بئر عميق وتردم فوقه التراب .. لتمحيه من ذاكرتها تماماً وكأنه لم يكن ..ثم عادت لتفكر تُرى ماذا يفعل "مصطفى" الآن .. أمازال
يبحث عنها .. أمازال يتوعد لها بالإنتقام .. أمازال يرغب فى أذيتها وعودتها اليه .. كانت سابحه وسط كل تلك الأفكار عندما قفزت صورته فجأة الى رأسها .. صورة "عزمي"
.. تذكرته عندما ساعدها فى ولادة المهره .. ابتسمت لتلك الذكري .. لم تكن تتوقع أنها ستراه يوماً فى هذا الوضع .. بدا طيباً حنوناً يرغب فى مساعدتها ولا يتذمر
أو يتأفف .. بدا لها شخص متواضع للغاية جعلها للحظات تنسى من هو .. وماذا يملك .. انه مجرد شخصاً بسيطاً مثلها .. شعرت أن ذكرى هذا اليوم محفورة فى ذاكرتها
ولن تنساه أبداً .. تذكرت وقت العودة عندما أصر على السير بسيارته خلفها .. مازالت فى حيره من أمرها .. لماذا فعل ذلك .. أمن المعقول ان كل ما يفعله لأجلها
فقط لأنها صديقه زوجة صديقه .. أم بسبب تلك الحادثه .. حدثها قلبها بأن هناك سبباً آخر .. سبباً يلقى صداه فى قلبها .. أمعقول أنه ..... توقفت عن الاسترسال
فى أفكارها عند تلك النقطة .. كانت تحاول بقدر الإمكان تجاهل مشاعرها وما تحمله داخل صدرها .. هى لم تخرج بعد من تجربة كادت أن تدمرها .. لا تريد ترك نفسها
لتنساق خلف تجربة أخرى غير واضحة المعالم .. لن يتأذى فيها الا قلبها .. وقلبها لم يعد يحتمل الألم .. نهضت لتتوجه الى عملها .. وعندما اقتربت من المبنى ..
تسمرت فى مكانها .. كان واقفاً هناك .. يضع يديه فى جيب بنطاله ويعبث بشئ على الأرض بطرف حذائه .. شعرت بالحنق على تلك النبضات التى تتسارع كلما رأته .. نظرت
أمامها وسارت بهدوء وكأنها لا تراه .. رفع رأسه فرآها .. ابتسم لها .. لم تبادله الابتسام .. عندما اقتربت منه أوقفها قائلاً :
- صباح الخير
قالت بصوت خافت :
- صباح النور
همت بأن تواصل طريقها لكنه أوقفها بإشارة من يده قائلاً :
- استنى لو سمحتى عايز أسألك عن حاجة
قالت وهى تتوجس منه خيفه :
- اتفضل
بدا مترددا قليلا .. ثم قال :
- معاد قضيتك اتحدد أنا عرفت من "أيمن" .. الجلسه بعد 3 أيام ..
شعرت بالدهشة لإهتمامه بمعرفة معاد الجلسة .. أم أن "أيمن" هو الذى تطوع وأخبره .. أكمل قائلاً :
- انتى هتروحى مع والدك أكيد مش كدة؟
أومأت برأسها قائله :
- أيوة .. "لميا" هتفضل هنا
نظر " عزمي" اليها قائلاً :
- أنا حابب آجى معاكوا
نظرت اليه بدهشة قائله :
- ليه ؟
ابتسم بحنان قائلاً :
- عشان مش هطيق أستحمل أعد هنا .. وعشان كمان ما تتبهدلوش فى المواصلات لوحدكوا
قالت له بجديه :
- مفيش داعى يا بشمهندس .. أنا ووالدى هنروح لوحدنا
تأملها قائلا :
- مش عايزانى آجى معاكى ؟
قالت ببرود :
- لأ .. زى ما قولت لحضرتك مفيش داعى .. وكمان أنا مش عايزه وجودك يسببلى مشاكل
صمت قليلا ثم قال بضيق :
- طيب .. زى ما تحبي ..
قال ذلك ثم تركها وانصرف .. ودخلت هى وبدأت فى أداء عملها .. وعقلها مشغول بسر اهتمامه بها

*****

" تسلم ايدك يا "لميا" .. سرعة واتقان "
قال "كريم" هذه العبارة وهو يتأمل الورق الذى قدمته اليه .. ابتسمت لإطراءه قائله :
- شكراً
نظر اليها قائلاً :
- اخيرا ابتسمنا
اختفت ابتسامتها وعادت ملامحها الى الجديه مرة أخرى .. فنظر اليها قائلا بمرح :
- طفتيها ليه ماكانت منوره
استأذنته قائله :
- حضرتك تطلب حاجة تاني
أرجع ظهره واستند به على مقعده ونظر اليها قائلاً :
- أنا عرفت ان أختك دكتورة بيطرية وبتشتغل هنا فى المزرعة
أومأت "ريهام" برأسها قاله :
- أيوة .. ووالدى كمان
نظر "كريم" اليها بدهشة قائلاً :
- والدك كمان بيشتغل هنا فى المزرعة
- أيوة .. مسؤول عن مخزن العلف
اندهش "كريم" .. لكنه لم يزيد فى الأسئله .. وقبل أن تنصرف قال لها :
- ممكن يا آنسه "لميا" تطلبى من الفراش يعملى قهوة
ثم نظر اليها مستعطفاً اياها قائلاً :
- بصراحة مكسل أقوم .. خليكي جدعه واطلبيهالى
هزت رأسها وخرجت من مكتبه وعيناه تتابعانها

*******
جلست "سماح" بجوار زوجها الذى يطوقها بذراعه واضعه رأسها على صدره يشاهدان أحد البرامج فى التلفاز .. انتهى البرنامج فالتفتت اليه "سماح" قائله :
- "أيمن" عايزة أسألك عن حاجه
نظر اليها "أيمن" قائلاً :
- قولى يا حبيبتى
اعتدلت فى جلستها ونظرت اليه قائله :
- ايه أخبار "عزمي" صحبك .. مفيش جديد ؟
نظر اليها بإستغراب قائلاً :
- جديد من حيث ايه ؟
- يعني .. انت كنت قولتلى انه خاطب
- أيوة وقولتلك انه فسخ
قالت "سماح" بإهتمام :
- يعني مبيفكرش يرجعلها
قال "أيمن" بثقه :
- مستحيل يرجعلها .. أصلا ربنا نجاه منها
صمتت "سماح" قليلا تفكر فى كلامه ثم قالت :
- ومبيفكرش يخطب قريب ؟
تفرس "أيمن" فيها قائلاً بإبتسامه خبيثه :
- انتى عايزه تعرفى ايه بالظبط ؟
أمسكت الريموت وانشغلت بالتقليب فى القنوات قائله :
- هكون عايزه أعرف ايه يعني
التفت اليها "أيمن" ونظر اليها قائلاً :
- طيب أنا عايز أسألك عن حاجه
نظرت اليه فقال لها :
- هى "فيحاء" لسه حاسه بحاجه ناحية زوجها
نظرت اليه بدهشة قائله :
- حاسه بحاجه يعني ايه ؟
حثها قائلا :
- يعني لسه بتحبه ؟ والقضية اللى رفعتها كانت عشان كرامتها بس
هتفت "سماح" قائله:
- "أيمن" .. "فيحاء" مكنتش بتحب "مصطفى" أصلاً ..حتى من قبل ما يضربها ويخونها
قال فى دهشه :
- ازاى يعني
- زى ما بقولك مكنتش بتحبه ولا حتى كانت بترتحله .. باباها هو اللى جوزهولها وهى مكنتش عايزه تتجوز
عقد ما بين حاجبيه وسألها مستفهماً :
- وليه باباها عمل كده ؟
تنهدت فى حسره قائله :
- عشان مامتها ماتت فجأة .. والبنتين ملهمش حد .. مقطوعين من شجرة.. "مصطفى" كان عايز يتجوز بسرعة .. ووالدها وافق .. عشان يطمن عليها لو حصله حاجه
فكر "أيمن" قليلا ثم قال :
- منطق غريب .. يعني أجوز بنتى لواحد هى مش مرتحاله .. عشان أطمن عليها أما أموت
- هو تفكيره وصله لكده .. هو بيحبها جدا هى و "لميا" وأنا واثقه ان ده من خوفه عليها .. زى الدبه اللى قتلت صاحبها من كتر حبها فيه
صمت "أيمن" قليلا يفكر فيما قالته "سماح" .. ثم قال :
- ربنا يخلصها منه .. وتكسب القضية
قالت "سماح" بحماس :
- أنا واثقه انها ان شاء الله هتكسبها وهتطلق منه .. مفيش قاضى عنده ضمير ممكن يرفض انه يطلقها من واحد حقير زى ده .. ده كان عايز يغتصبها
هتف "أيمن" بدهشة :
- انتى بتتكملى بجد .. ازاى يعني ؟
قالت وهى تشعر بالإحتقار تجاه "مصطفى" :
- واحد لا عنده دين ولا أخلاق ... كان عايز ياخد حقه غصب عنها .. وبعد ما ضربها كمان .. لولا ان واحد من الجيران خلصها منه
ثم استطردت قائله :
- أصلاً أنا نسيت أقولك .. هى أصلاً لسه ........
قاطعها جرس هاتف "أيمن" .. رد "أيمن" قائلاً بمرح :
- ياريتنى كنت جبت سيرة جنية فضه
أتاه صوت "عزمي" ضاحكاً :
- وأنا أقول عمال أشرق من الصبح ليه .. أتاريك عمال تقطع فى فروتى
- بالخير يا باشا
- بقولك ايه انت وراك حاجة يوم الأربع
قال "أيمن" بدهشة :
- يوم الأربع .. عادى يعني ورايا الشغل العادى بتاع كل يوم .. ليه فى حاجه
بدا "عزمي" مترددا قليلا .. ثم قال بجديه :
- "أيمن" عايزك تروح مع "فيحاء" ووالدها المحكمة
ابتسم "أيمن" ونظر الى "سماح" التى كانت تتابع ردود "أيمن" بإهتمام :
- اشمعنى يعني ؟
- هى رافضه انى أروح معاهم .. بس لو انت عرضت على والدها أعتقد مش هيرفض
- أيوة يعني انت هتستفاد ايه من كده ؟
قال "عزمي" بنفاذ صبر :
- عشان أبقى متابع معاك أول بأول يا "أيمن"
ابتسم "أيمن" بخبث قائلاً :
- هو الموضوع يهمك أوى كده ؟
ساد الصمت لفتره .. ثم أتاه صوت "عزمي" قائلاً :
- أيوة .. يهمني
اتسعت ابتسامة "أيمن" قائلاً :
- خلاص مفيش مشكلة .. حتى آخد "سماح" بالمرة أهى تبقى جمبها
رفعت "سماح" حاجبيها بدهشة .. أنهى "أيمن" مكالمته فقالت له بلهفة :
- قالك ايه "عزمي" .. وهتاخدنى فين ؟
قال "أيمن" وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- "عزمي" طلب منى انى أوصل "فيحاء" ووالدها المحكمة
بدت الابتسامه على وجه "سماح" قائله بخبث :
- وايه سر اهتمامه ده
قال "أيمن" بخبث مماثل :
- الله أعلم .. يمكن شفقه
تلاشت ابتسامة "سماح" وقالت فى حنق :
- ليه بقي ان شاء الله .. هى "فيحاء" ناقصة ايد ولا ناقصة رجل .. عشان يحس نحيتها بالشفقه
ضحك " أيمن" قائلاً :
- طيب قومى حضريلنا العشا .. وسيبى الأكل يستوى على نار هادية
وغمز بعينه قائلاً :
- فهمانى طبعاً
ابتسمت ونهضت لتحضر طعام العشاء.

دخل "كريم" شرفة بيت المزرعة ليجد "عزمي" واقف فى الظلام شارداً .. اقترب منه ووضع أمامه على سور الشرفة أحد الأكواب الساخنة التى يحملها والتى تتصاعد منها الأبخرة
.. نظر "عزمي" الى صديقه ثم أخذ الكوب بين يديه .. تناول "كريم" رشفه من كوبه .. ثم نظر الى "عزمي" قائلاً :
- شكلها ايه ؟
نظر اليه "عزمي" بدهشة قائلاً :
- هى مين دى ؟
قال "كريم" بخبث :
- اللى واكله عقلك
ابتسم "عزمي" وأخذ يتأمل ما أمامه مرة أخرى .. وقف "كريم" بجواره مستنداً على السور ومال على صديقه قائلاً :
- أهم حاجه انك متتسرعش .. عشان متقعش تانى فى واحدة متستاهلش
التفت "عزمي" اليه وقال بسرعة :
- لأ دى مش زى أى حد
صفق "كريم" بيديه وهتف بمرح :
- يا سلام عليك يا واد يا "كريم" .. لعييييييييييب .. تخرج المعلومة من بق الأسد
ضحك "عزمي" فأكمل "كريم" بمرح :
- قول يا حبيبى قول .. عايزك تطلع كل اللى جواك .. عايزك تقول كل اللى عندك
ضحك "عزمي" قائلاً :
-بس يابني الله يهديك
- يلا .. خلص
صمت "عزمي" وأخذ نفساً عميقاً .. وبعد برهه بدأ الحديث قائلاً :
- مستألنيش اشمعنى هى .. لانى مش عارف تحديدا .. بنت عمرى ما قبلت زيها ..
ابتسم "كريم" ونظر الى صديقه قائلاً :
- ايه أكتر حاجه عجباك فيها
ابتسم "عزمي" وهو يستحضر صورة "فيحاء" فى خياله قائلاً :
- طيبتها .. حنيتها .. رقتها .. خجلها .. ضعفها .. قوتها .. أدبها .. أخلاقها .. طباعها .. حتى ملامحها .. كل حاجه فيها بتجذبنى .. فضلت تتسلل لقلبي بهدوء وببطء
لحد ما اتمكنت منه ..
نظر الى "كريم" قائلاً :
- عارف يا "كريم" .. أنا كنت بحب "ليلي" .. بس الاحساس اللى أنا حاسه دلوقتى .. مختلف تماماً
سأله "كريم" قائلاً :
- ازاى مختلف ؟
شرد "عزمي" قليلا ثم قال :
- لما حبيت "ليلي" حبيت فيها البنت الدلوعه الجميله المرحه .. بس كده .. كانت بتعجبنى .. من بره بس .. حبيت اللى أنا شايفه منها بس .. لكن "فيحاء" ..
صمت قليلا ثم ابتسم قائلاً :
- احساسى نحيتها حاجه تانية خالص .. عارف يا "كريم" لما بشوفها بحس انى خايف عليها أوى .. بحس انى ملهوف عليها أوى .. بحس انى شايف قلبها .. وحاسه .. وسامع دقاته
..
التف الى صديقه قائلاً :
- تصور يا "كريم" عمرها مسمحت لزوجها انه يلمس ايدها لما كانت مخطوباله
هتف "كريم" ينظر الى صديقه قائلاً :
- نعم يا اخويا ... هى متجوزة ؟
قال "عزمي" بأسى :
- أيوة
صاح "كريم" قائلاً :
- "عزمي" انت اتهبلت فى عقلك .. معجب بواحدة متجوزة
هتف "عزمي" بنفاذ صبر :
- اصبر يا بنى آدم وانت تفهم
ثم استطرد قائلاً :
- هى رافعة قضية خلع على زوجها .. لأنه خانها وضربها .. هى أصلا متجوزتش الا شهر واحد بس
سأله "كريم" بإستغراب :
- وانت شوفتها فين ولا عرفتها منين ؟
- ما هى أخت سكيرتيرتك
هتف "كريم" قائلاً :
- نعم
صمت قليلا ثم قال :
- لأ واحدة واحدة كدة .. وترسيني على الدور من أوله
شرح له "عزمي" كل ما يعرفه عن "فيحاء" وأهلها .. وهروبهم من "مصطفى" والعمل فى مزرعته .. ثم استطرد قائلاً :
- كمان يومين هيكون النطق بالحكم
قال "كريم" بجديه :
- "عزمي" متعلقش نفسك عشان متقعش على جدور رقبتك .. افرض القاضى محكملهاش بالطلاق ورجعت تانى لجوزها
صاح "عزمي" غاضباً :
- هو أنا كنت بحكيلك كل ده عشان تيجي تحبطنى يا "كريم" .. أنا مش ناقصك .. كفايه النار اللى قايده جوايا بسبب جوازها .. أنا عمرى ما كنت أتخيل انى ممكن أفكر
فى واحدة كانت متجوزة قبل كده .. انت عارف انى غيور جدا .. بموت من الغيرة .. وعلى دى بالذات أنا واثق انى غيرتى عليها هتبقى أضعاف ما كنت بغير على "ليلي"
.. فلو سمحت أنا مش ناقص تحرقلى دمى بكلامك
ثم تركه "عزمي " ودلف الى الداخل.

فى استراحت الغداء كانت "شيماء" تتناول غدائها بمفردها .. فجأة أتت "مها" وأزاحت احدى الكراسي على طاولتها بعنف وجلست ووضعت طعامها أمامها .. نظرت اليها "شيماء"
قائله :
- مالك جايه بزعابيبك كده ليه
نظرت اليها "مها" هاتفه بغضب :
- شوفتى اللى حصل .. الهانم اخت البرنسيسة اشتغلت سكرتيره عند الباشا
نظرت لها "شيماء" بعدم فهم قائله :
- ايه ؟ .. أقطع دراعى ان كنت فهمت
قالت "مها" بغل :
- "لميا" .. أخت الدكتورة "فيحاء" .. اشتغلت سكرتيرة عند البشمهندس "كريم"
قالت "شيماء" :
- عادى وفيها ايه يعني
نظرت اليها "مها" بحنق قائله :
- هى تشتغل تحت ايد دكتور "حسن" ومش بس كدة يبقى لها طالب كمان وعايشه فى دور الأستاذة أم علم غزير ... وأبوها .. يمسكوه مخازن العلف ودى شغلانه مبيجبوش فيها
الا حد واثقين فيه .. وأختها بقت سكرتيرة للباشمهندس "كريم" وهى اصلا لسه حتى عيله متخرجتش .. كل ده وتقوليلى عادى .. لأ طبعا مش عادى
سألتها "شيماء" بإهتمام :
- أمال تفتكرى ايه الحكايه يعنى ؟
قالت "مها" بحزم :
- مش عارفه .. بس هعرف

***********

كانت "لميا" مغادره المكتب الى غرفتها بعد انتهاء عملها عندما وجدت "هانى" يستوقفها قائلاً بإبتسامه :
- ازيك يا آنسه "لميا"
نظرت اليه قائله :
- أفندم ؟
استطرد قائلاً :
- أنا "هانى" .. أختك بتساعدنى فى شرح الحالات اللي موجودة فى المزرعة
نظرت اليه قائله :
- يعني أنا أعمل ايه يعني ؟
تنحنح قائلاً :
- أنا بس كنت عايز أعرف . انتى فى سنة كام .. ولا خلصتى كلية .. أصل شكلك صغير
صاحت "لميا" قائله :
- ايه ده احنا هنتصاحب ولا ايه
ثم تركته وانصرفت .. كان "كريم" الذى خرج من المكتب بعدها يتابع المشهد من بعيد فإقترب من "هانى" ووضع يده على كتفه قائلاً :
- انت مين يا ابنى انت ؟
التفت اليه "هانى" قائلاً :
- أنا هانى شاكر
قال "كريم" ببرود :
- وأنا فيروز .. أيوة يعني انت مين يعني .. بتبيع ايه هنا فى المزرعة ؟
قال "هانى" وقد شعر الإهانه :
- ايه ببيع دى .. أنا طالب
قال له "كريم" بسخريه :
- طب يلا على فصلك
ثم تركه وانصرف

فى الصباح توجهت "مها" الى مكان عمل "عادل" فى مخزن العلف .. اقتربت منه قائله :
- صباح الخير يا عم "عادل "
التفت اليها "عادل" قائلاً :
- صباح الخير يا بنتى
قالت "مها" :
- كنت عايزة أسأل هو العلف الجديد اللى طلبه البشمهندس "أيمن"وصل ولا لسه ؟
قال "عادل" بحيره :
- معنديش فكرة يا بنتى ان فى علف جديد هيدخل المخزن محدش جبلى سيره
قالت بخبث :
- خلاص مش مشكلة يا عم "عادل" يمكن أنا اللى فهمت غلطت
ثم تظاهرت بأنها تهم بالإنصراف والتفتت اليه مرة أخرى قائله :
- صحيح يا عم "عادل" ازى الدكتورة "فيحاء" هتيجي الشغل النهاردة ؟
قال "عادل" :
- الحمد لله يا بنتى كويسة .. وهى مبتغيبش أبدا ونزلت معايا الصبح يعني تلاقيها دلوقتى فى مكتبها أو بتتابع حالة من الحالات
قالت "مها" بخبث :
- أنا سألتك عليها لانى شيفاها حالها مش عاجبنى اليومين دول
نظر اليها "عادل" قائلاً :
- انتى صحبتها
أسرعت قائله :
- أيوة طبعا صحبتها ..ربنا يعلم أنا بحب "فيحاء" أد ايه بعتبرها زى أختى .. أه والله يا عم "عادل" عشان كده عايزه أطمن عليها
قال "عادل" بأسى :
- يمكن بس هى متوترة شوية عشان قضيتها
تساءلت "مها" بلهفة :
- قضية ايه ؟
تنهد تنهيده عميقة ثم قال بصوت حزين :
- قضية طلاقها يا بنتى
ظهرت علامات الدهشة على وجهها .. لكنها تمالكت نفسها قائله بلهفه :
- أيوة أكيد الموضوع قالقها أوى
قال "عادل" :
- خلاص هانت كلها يومين وتخلص من المدعوء جوزها
سألته "مها" قائله :
- هو انتوا قرايب البشمهندس "عزمي"
أسرع "عادل" قائلاً :
- لا يا بنتى قرايبه ايه .. احنا فين وهو فين .. تقدرى تقولى معرفة من بعيد .. وهو الله يباركله جبنا هنا المزرعة عشان اللى ميتسماش "مصطفى" جوز "فيحاء" كان
عايز يرجعها بيته غصب عنها
رفعت حاجبها وقالت بلوءم :
- وطبعا البشمهندس "عزمي" جبها هنا عشان يخبيها منه
قال "عادل" :
- أيوة الله يباركله حمانا فى مزرعته وشغلنا فيها كمان
صمتت "مها" قليلا وهى شارده ثم التفتت اليه قائله :
- شكرا يا عم "عادل" .. شكراً أوى
ثم غادرت وتوجهت الى الاسطبلات حيث تعمل "شيماء" جذبتها من ذراعها وأخرجتها من المكان ووقفت فى مواجهتها .. قالت "شيماء" :
- ايه يا بنتى فى ايه انتى سحبه بقرة وراكى
قالت "مها" بتشفى :
- شوفتى مش قولتلك ان البت دى وراها سر هى وأهلها
سألتها "ِشيماء" قائله :
- بت مين ؟
- الدكتورة "فيحاء"
ثم استطردت "مها" قائله وعلامات الحقد على وجهها :
- طلعت يختى متجوزه .. وهربانه من جوزها .. و"عزمي" أبو قلب رهيف مخبيها هى وأهلها هنا فى المزرعة عشان جوزها ميوصلهاش
ظهرت علامات الدهشة على وجه "شيماء" وهتفت قائله :
- مش ممكن !
أكدت "مها" قائله :
- أنا عمرى قولتلك حاجه وطلعت غلط
صمتت "شيماء" قليلاً ثم قالت :
- يعني ايه مش فاهمة .. البشمهندس "عزمي" ماله ومالها هى وجوزها
قالت "مها" بإبتسامه ساخرة :
- طبعا عايز حته من التورته .. أمال هيهربها من جوزها ليه ويجيبها هنا ويسكنها فى أوضة جنب بيته
- بس يا "مها" البنت باين عليها محترمة
- انتى بتغرك الأشكال دى .. شوية سهوكه وبصتين فى الأرض ونحنحه ودمعتين .. يعملوا من الفسيخ شربات وتبقى البت اللى محصلتش
قالت "شيماء" غير مصدقه :
- معقول .. "فيحاء"
- أمال ليه مهتم بيها أوى كده .. ومشغلها هى وأهلها كمان .. خاصة انى عرفت انها لا قريبته ولا حاجه
- يمكن بيعمل خير من غير ما يكون فى نيته حاجه وحشة
- انتى هبله يا بنتى .. هو فى حد فى الزمن ده بيعمل خير كدة من الباب للطاق
نبهت "مها" على "شيماء" قائله :
- أوعى تجبيلها سيرة اننا عرفنا حاجه
- ليه هتعملى ايه ؟
ابتسمت بخبث قائله :
- هعملها مفاجأة محصلتش

********

فى يوم المحكمة فجراً .. ظلت "فيحاء" ساهره تصلى وتتضرع لربها أن يخلصها من زوجها .. وأن يسخر القاضى لصالحها .. انتهت من قراءه الأذكار وظلت تقرأ فى مصحفها
حتى الشروق .. نهضت وارتدت ملابسها .. كانت فى حالة غريبة وكأنها لا تشعر بما حولها .. سمعت طرقات على باب الغرفة فنهضت "لميا" وفتحت الباب .. دخل والدهما
قائلاً :
- ايه يا "فيحاء" خلصتى ؟
قالت فى وجوم :
- أيوة يا بابا أنا جاهزة
عانقتها "لميا" عناقاً طويلاً ثم نظرت اليها قائله :
- متخفيش ربنا معاكى ان شاء الله
خرجت "فيحاء" بصحبة والدها .. قال "عادل" :
- البشمهندس "أيمن" كلمنى امبارح وقالى هيوصلنا بعربيته
التفتت اليه "فيحاء" بدهشة قائله :
- وليه تعب نفسه
صمتت قليلا ثم قالت بضيق :
- ياربي .. أكيد "سماح" اللى قالتله
قال والدها شارحاً :
- هو كتر خيره انه عايز يساعدنا يا بنتى
قالت بحنق :
- بس يا بابا احنا ممكن نروح لوحدنا .. ليه نتعبه فى سفر رايح جاى
اقتربا من بوابة المزرعة .. ولدهشتها وجدت "أيمن" واقفاً بجوار سيارته وبصحبته ... "عزمي" ... خفق قلبها لرؤيته .. نظر اليها بحنان جارف وكأنه يبث الطمأنينه
فيها .. أشاحت بوجهها عنه .. التفت "أيمن" اليهما قائلا ً:
- اتفضلوا
تذكر والدها أنه نسى احضار بطاقته فعاد لإحضارها .. قالت "فيحاء" لـ "أيمن" بحرج :
- مفيش داعى يا بشمهندس "أيمن" احنا ممكن نروح لوحدنا العربيات على الطريق بتعدى كتير من أدام المزرعة .. أنا عارفه ان "سماح" هى اللى قالت لحضرتك .. بس صدقنى
مفيش داعى تتعب نفسك
نظر "أيمن" الى "عزمي" ثم الى "فيحاء" قائلاً :
- مش "سماح" اللى طلبت منى انى أكون معاكوا النهاردة
نظرت الى "عزمي" الذى كان يتطلع اليها والإبتسامه على محياه .. أشاحت بوجهها عنه مرة أخرى .. وأسرعت بالجلوس داخل السيارة .. نظر اليها "عزمي" وهى داخل السيارة
ود لو اقترب منها وأمسك بيديها بين يديه وبث الطمأنينه فيها .. شعر بالألم لأنه لا يستطيع التخفيف عنها .. ولا أن يكون بقربها .. ركب ثلاثتهم وانطلقوا فى طريقهم
..نظر "أيمن" فى المرآة الى "فيحاء" الجالسه فى المقعد الخلفى قائلاً :
- "سماح" كانت جايه معايا .. بس تعبت فجأه الصبح
قالت "فيحاء" بقلق :
- خير ملها ؟
- مفيش تعب بسيط
أخرجت "فيحاء" هاتفها لتتصل بصديقها فنبهها "أيمن" قائلاً :
- مفيش شبكة على الطريق هنا .. هتلاقيها ضعيفه جداً
كانوا قد وصلوا الاسكندريه واقتربوا من مكان المحكمة حينما رن هاتف "أيمن" .. سمعت "فيحاء" "أيمن" يقول :
-أيوة يا "عزمي" .. أيوة لسه واصلين حالا .. لا قدمنا بتاع 10 دقايق كدة ونكون فى المحكمة .. لسه أصلا الجلسه عليها نص ساعه .. طيب حاضر .. حاضر .. حاضر .. خلاص
متقلقش حاضر
أغلق "أيمن" الهاتف .. ورأته "فيحاء" عبر المرأة مبتسماً.. وصلوا الى المحكمة واستقبلهم المحامى على الباب .. دخلوا جميعاً ووصلوا الى المكتب الذى سيعقد فيه
جلستها الأولى .. والتى تدعو الله أن تكون الأخيرة .. وأن يُحكم بطلاقها ..
لم تجد أثراَ لـ "مصطفى" .. فقط محاميه كان موجود .. تساءلت لماذا لم يحضر .. أم أنه سيأتى بعد قليل .. ظلت تقرأ ما تحفظ من القرآن فى سرها .. وقفوا جميعاً
فى انتظار بدء الجلسه .

كان "عزمي" يشعر بتوتر شديد .. أخذ يرزع شرفة المنزل مجيئاً وذهاباً .. استيقظ "كريم" من نومه وارتدى ملابسه للذهاب الى عمله .. وأثناء انصرافه لمح "عزمي" داخل
الشرفة فتوجه اليه قائلاً :
- ايه يا "عزمي" انت مش رايح المكتب ولا ايه ؟
نظر اليه "عزمي" دون أن يرد عليه .. وقف أمام سور الشرفة يمسكه بقبضتيه بقوة وكأنه يريد تحطيمه .. اقترب منه "كريم" وربت على كتفه قائلاً :
- ايه يا "عزمي" فى ايه
قال "عزمي" دون أن ينظر اليه :
- معاد الجلسة دلوقتى يا "كريم"
- متقلقش .. "أيمن" معاهم مش كده؟
أومأ "عزمي" برأسه دون أن يتحدث .. نظر اليه "كريم" وابتسم فى حنو قائلاً :
- هى تهمك للدرجة دى يا "عزمي" ؟
التفت اليه "عزمي" بسرعة وصمت قليلا ثم قال :
- تهمني ؟ .. لو القاضى محكملهاش بالطلاق يا "كريم" أنا ممكن أدورعلى جوزها ده وأقتله
ثم قال بحزم :
- مستحيل أسمحله ياخدها يا "كريم"
ثم استطرد قائلاً :
- خاصة انها مش عايزاه
طمأنه صديقه قائلاً :
- ان شاء الله هيتحكملها بالطلاق .. مستحيل يعني قاضى يسيبها مع واحد زى ده غصب عنها .. متقلقش
نظر اليه "عزمي" قائلاً بصوت مرتجف :
- بحبـــهــــا يا كريم .. وعايزهـــا ..
ثم تنهد بقوة قائلاً :
- كون انها كانت متجوزة قبل كده دى حاجه وجعانى .. بس اللى هيوجعنى أكتر ..هو انى أتحرم منها .. متتصورش هى أد ايه مأثره فيا يا "كريم" .. شايفها جوهرة غالية
أوى .. ممنوع لأى حد مهما كان انه يقرب منها .. حسسها غالية أوى وعالية أوى .. وهموت وأوصلها .. لما بشوفها يا "كريم" بحس انى بتخطف .. وقلبي مابقاش ملكى خلاص
..
نظر "عزمي" الى "كريم" وقال بتصميم :
- بمجرد ما شهور العدة تخلص .. هطلبها من أبوها
ابتسم له "كريم" وربت على كتفه قائلاً :
- ان شاء الله

حانت اللحظة التى انتظرتها "فيحاء" طويلاً .. نظرت الى والدها قائله :
- بابا أنا خايفة أوى
طمأنها والدها قائلاً :
- متخفيش يا حبيبتى .. أنا واثق انك هتطلعى وتبشريني ان القاضى حكم لصالحك
مازال لا أثر لـ "مصطفى" .. كانت سعيدة لعدم اضطرارها لرؤيته .. لكنها بعدما وقفت أمام القاضى وتحدث محاميه .. علمت سر اختفائه .. أراد بذلك المماطله حتى يتم
تأجيل النطق بالحكم لجلسه أخرى.. لكن محاميها الأستاذ "شوقى" كان بارعاً للغاية واستطاع اقناع القاضى بأن اختفائه متعمد للمماطله .. وقرر القاضى اصدار الحكم
فى نفس الجلسه

خرجت "فيحاء" من قاعة المحكمة واستقبلها والدها قائلاً بلهفة :
- طمنيني يا بنتى
اقترب "أيمن" منهما .. ألقت نفسها فى أحضان والدها والدموع تسيل من عينيها كالشلال قائله :
- الحمدلله يا بابا .. خلصت منه
ابعدت رأسها ونظرت الى والدها وهتفت بسعادة :
- القاضى طلقنى منه
تبلل وجه "عادل" بالدموع وتعالت شهقاته بالبكاء وعانقها مرة أخرى مردداً :
- الحمدلله .. اللهم لك الحمد والشكر .. لو مكنش القاضى طلقك كنت هفضل شايل ذنبك طول عمرى .. الحمدلله
شعر "أيمن" بسعادة غامرة .. وأخرج هاتفه ليتصل بـ "عزمي" .. لكنه وجد "عزمي" وقد سبقه بالإتصال .. رد عليه قائلا :
- تدفع كام وأقولك الحكم ؟
صاح "عزمي" بغضب :
- "أيمن" مش وقتك .. حكملها بإيه ؟
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- طلقها منه
أغمض "عزمي" عينيه للحظة وكأنه يريد أن يستشعر هذا الخبر عبر كل كيانه .. صمت وهو يشعر بتقطع أنفاسه .. ثم تمتم فى خفوت :
- الحمدلله
أغلق "عزمي" الهاتف وهو يشعر بسعادة بالغة .. ود لو كانت أمامه الآن .. ليرى السعادة المرسومة على وجهها .. وعينيها التى تشع بهجه وفرحه .. والابتسامه على ثغرها
.. ود لو اعترف لها بحبــه الآن .. وفى هذه اللحظة .. ود لو يخبرها .. بأنها ليست وحدها .. هو معها .. بقلبه .. وبكل كيانه .. لكنه يعلم بأنه مضطر لأن ينتظر..
تقدم "أيمن" مع المحامى و "عادل" للخروج من المحكمة وكانت "فيحاء" تسير خلفهم تبحث عن هاتفها فى حقيبتها .. حينما وجدت فجأة يدا تمسكها من ذراعها بقوة
التفتت الى الخلف لتجد نفسها وجهاً لوجه مع .. "مصطفى" .. شلتها الصدمة عن الحركة .. والتفكير .. وجدته ينظر اليها بشراسة ويقول بقسوة وهو يضغط على ذراعها بقوة
:
- القاضى طلقك منى؟ .. بس ورحمة أمى اللى ماتت بحسرتها عليا ما أنا عاتقك
اتسعت عيناها خوفاً والتفتت بسرعة لتنادى على والدها :
- بابا .. بابا
تركها "مصطفى" بسرعة واختفى وسط الحشود.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي