38

38


خلعت حذائي و رفعت عيني أرى من كان يقف لأستقبالنا ، رأيت شابا طويلا القامة ، ذو لحية سوداء ، شعره مرتب دون مبالغة ، وقعت عيني في عينه ، حدق بي لبضع ثوان ، ثم انزل رأسه و هو يقول لي كما قال للجميع : اهلا و سهلا تفضلي . .

. . .لم يرى وجهي لأنني كما اخبرتكم كنت اضع نقابا ، دخلت حيث اشار لي ، كانت امي و الخالة كوثر تجلسان مع بعض و مازالت السلام بينهم و السؤال عن الجميع و الحال ، اقتربت من الخالة كوثر و سلمت عليها ، كانت سعيدة جدا ، واضح ان هناك ما يسرها لهذهزالدرجة لكن لم تبوح بشئ ، جلست الى جانب امي ، بعد ان رفعت غطاء و جهي ، التقط انفاسي ، و سمعنا صوت الرجال من الغرفة المجاورة ، نحن بطبيعتنا ، حتى جلساتنا العائلية تكون منفصلة الرجال عن النساء ، و الامر معتاد و متداول بيننا ، الا ان العم مالك طلب من ابي ان يكون اجتماعنا عائلي بشكل كامل ، قال ابي : لم افهم ما قصدك بهذا ؟ !

. .اجابه العم مالك : ان نجتمع عائلتي و عائلتك حول مائدة واحدة لا داعي لرسم حدود بيننا . . .

استغرب ابي من طلبه و قال : اظن ان هكذا سيكون مريحا اكثر ، لا داعي لجمعتنا مع الاطفال و غيره . .

. . اصر العم مالك على طلبه ، و اضطر ابي للموافقة خجلا منه ، جاء اخي الصغير يخبرنا وبأن نذهب الى الغرفة الثانية ، فكانت تلك الغرفة اكبر من التي نجلس فيه ، و بالفعل قمنا الى هناك ، القينا التحية على العم مالك ، و كانت معنا الخالة كوثر و سلمت على ابي ، و جلسنا جميعا ، يتبادلون اطراف ، الحديث ، اما انا كنت اجلس الى جانب امي بدون ان اشارك بأي شي ، لم اعتد على مثل هذه الاجتماعات و مثل هذه المشاركات . .

بعد ها نهضت الخالة كوثر الى المطبخ ، و طلبت مني ان . . اتى لمساعدتها في ترتيب المائدة ، نظرت الى امي فأومت برأسها بالموافقة ، لحقت بالخالة كوثر ، ارى ما تريد و اساعدها في اعمالها . .

. . في المطبخ كانت الخالة كوثر قد جهزت عدد من اصناف الطعام و كلها ذات رائحة لذيذة ، كانت قد حضرت الارز مع اللحم ، بالاضافة الى الخضراوات المشوية ، و البطاطا المقلية ، ايضا كانت متواجدة بالاضافة الى السلطة ، و بعض انواع المقبلات الاخرى . .

طلبت من مسح صحون التقديم ، قبل ان تضع فيهم الطعام ، امسكت تلك القطعة القماشية ، التي اعطتني اياها ، و بدءت امسح واحد تلو الاخر ، و هي تضع اللمسات الاخيرة على تلك الطبخات ، انتهيت مما طلبته مني ، ثم قالت لي : هل بدءت بترتيب السفرة و وضع الصحون ؟
قلت لها : بتأكيد سأفعل يا خالة . .

و هممت لإنجاز ما طلبته مرة اخرى ، و بالفعل رتبت الصحون على طاولة بشكل متناسق و مرتب ، و اما هي كانت تسكب الطعام ايضا ، و وضعناه على المائدة ، انتهينا اخيرا من كل التجهيزات ، ذهبت الخالة كوثر و دعت الجميع للحضور الى المائدة ، اما انا كنت قد فرعت من غسل يدي و عدت لارى اين سأجلس ؟ !


جلس الجميع و ترك لي مكان ، جلست فيه ، لم اكن مرتاحة ابدا ، لوجودي في مثل هذا الغذاء ، لم ارفع رأسي ابدا ، ابقيت نظري داخل الصحن ، كنت اصغي دون كلام ابدا . .

. . اكلت و شبعت ، نهضت من مكاني و تشكرت الخالة كوثر على طعامها ، و ساعدنا ها في جمع الصحون و تنظيفها مرة اخرى ، و هي كانت طلبت مني ان احضر الشاي لانشغالها بالاطباق . .

حضرته كما تعلمت من امي ، بعد ان سألتها عن كمية السكر التي يحبونها ، و بعد ان انتهينا من كل شي في المطبخ ، ذهبنا انا و اني و الخالة كوثر الى الغرفة و وضعت الشاي ، و قام زيد بسكبها في الاكواب ، من ثم قدمه للجميع و وضع كأسا امامي ، و قال كلمة واحدة : تفضلي . .


كنت احدث نفسي : متى سننتهي من هذه الزيارة ، اشعر بها عبئ على قلبي ، لست مرتاحة ابدا ، اود الذهاب الان ، كنت متحمسة لقضاء وقت جيد ، الا ان لحال ليس كذلك ، اااف اااف اااف . .

. لم اكن ارى احد ضجر من تلك الجلسة المملة سوى انا ، سأل ابي : هل حدث من قبل استهداف للمباني في هذه المنطقة ؟

العم مالك : للاسف نعم ، عدونا لا يأبه ان كان المستهدفون مدنيون او عسكريون ، كل رغبته ان يقتل اكبر عدد من الناس بدون تهم . .

ابي : سمعت في الصباح صوت طائرة تحوم في الاجواء ، لم تفارق السماء لاكثر من ساعتين ، على ما يبدو انها طائرة استطلاع . .

. سأل زيد : و هل تعرف يا عم انواع الطائرات و الاسلحة ؟ !

. .ابي : نعم يا بني ، اعرف الكثير منها و اسماءها ، انا قمت بخدمة العلم و كانت قاسية ، و مدتها تجاوزت الثلاث سنوات ، لذا لدي علم جيد بها . .

اما حديث امي و الخالة كوثر كان حول الطهي ، و اللباس الدارج هذه الفترة بين الفتيات ، و كانت الخالة كوثر تسأل امي : منذ متى و ابنتك منذ متى تضع النقاب ؟

. . قالت لها امي : ما يقارب السنة .

سالت الخالة كوثر سؤال اخر : هل اجبرت على هذا ؟ ام كان برغبة منها ؟

انا اسمع حديثهما و احدق بعيدا عنهما ، دون ان اتكلم ، بل تظهر علي بعض الابتسامات التي كنت احاول ان اخفيها بقدر ما استطيع . .

. . امي : لا ابدا لم نجبرها على شي ، بل هي كانت مندفعة و متحمسة لرتداءه ، و ذهبت ايضا لتحفظ القران ، بعد ان أدركنا بعد وجود مدارس مناسبة للفتيات في تلك البلاد التي كنا نعيش فيها . .

و بعد حديثا طويل ، انهكت اعصابي من الجلوس على تلك الحالة ، قال ابي : لقد كانت جلسة جميلة ، سعدنا جدا بوجودنا معكم هذا اليوم ، و من المؤكد ان هذه الزيارة ستتكرر كثيرا بينانا . .

اخذت نفسا عميقا عند ما ادركت ان ابي قد نوى النهوض اخيرا و انهاء تلك الزيارة التي ندمت على التواجد فيها . .

. . قال ابي : نستأذن منكم ، علينا الذهاب الان . .

العم مالك : ابقوا و هل ينتظرك عمل ؟ دعنا نقضي وقتا اكثر مع بعضنا . .

. نهض ابي من مكانه و هو يقول : شكرا لكم على حسن ضيافتكم اسمتعنا جدا ، لكن علينا الذهاب ، في الغد يوجد مدارس للاولاد و يجب ان يناموا باكرا . .

. نهضنا جميعا و كنت سعيدة جدا ، مضى الوقت ثقيلا على قلبي ، لم اجد احد بعمري لاستمتع ابدا . .

. . و دعنا عائلة العم مالك و نزلنا ، كان قد حل المساء ، الجو جميل جدا ، نسمات خفيفة ، باردة ، عائدين الى المنزل ، و كنت اكرر ما فعلتها في طريق و انا قادمة ، ثم رأيت عربة مثلجات ، طلبت من ابي ان يشتري لنا منها ، وافق ابي على ما اردت ، و قفنا جميعا حول العربة ، كل منا يختار النكهة التي يريدها ، احب الشوكلاته مع الحليب ، اخذ كل منا ما اراد و انطلقنا نكمل طريقنا ، حتى وصلنا الى حديقة كبيرة فيها بعض الاشجار ، سألنا ابي : هل تودون الدخول لقضاء بعض الوقت ؟ !

. . و من منا سيرفض عرضا كهذا ، دخلنا و جلسنا على مقاعد الحديقة رغم انها كانت صدءة بعض الشي ، الا انها لم تكن مشكلة ، اخوتي انطلقوا نحو الارجوحة ، و كنت انا ادفع كل منهم ، يقول حيدر : اعلى اعلى . .


. . امي تراقبنا هي و ابي و كان القلق و اضح عليها ، سالت ابي : في اي ساعة ستظهر نتائج التحاليل لتسنيم ؟

انا قلقة جدا ، لا استطيع تخيلي شي قد يحدث لها . .

امسك ابي يدها و هو يشد عليها و قال : لا عليك ، لا تقلقي ادعي لها بأن تكون نتائج التحاليل سليمة و خالية من امراض ، قد اخبرني الطبيب بأن اذهب غدا في تمام العاشرة صباحا ، تكون النتائج قد ظهرت . .

لا تتوقعي السوء فيأتي ، الخير كله بيدي الله وحده ، لذا اطمئني يا عزيزتي . . .

. . هزت امي رأسها موافقة على ما قاله ابي و هي تردد : الحمد لله على كل حال يرضي الله ، هل تستطيع تسنيم الذهاب الى مدرستها ! ؟ ام علينا ان ننتظر ما يقول الطبيب في حالتها ؟ . .

أجابها ولدي و هو يخفف عنها : نعم يمكنها الذهاب ، لا داعي للمبالغة ، بهذا الامر كل شي سيمضي و يتحسن حالها . . .


بعد وقت قصير ، غابت الشمس تماما ، ناظى ابي علينا يقول : هيا يا اولاد ، سنعود الى المنزل ، اسرعوا الشمس سبقتنا الى بيتها . .
تسابق اخوتي متجهين نحو ابي ، كل منهم يتحدى الاخر و انطلقنا جميعا ، الى البيت ، كان يوما مليئ بالاحداث التي كسر روتين حياتنا ، الممل في هذه الفترة . . .


يتبع في الفصل القادم . . . .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي