الفصل السابع الاربعون
وكان ممن سمعته ايضا وقرأت عنه تلك القصة التى لا اعلم هل هى منقولة من احد ما ام هي حقيقية ولكن توقفت عندها كثيرا ومما خطر ببالي أن هذا الحاجز الذي كان يحيط عالم الخوارق قد تم حرقه عدة مرات على مر التاريخ ليظهر عالمنا للبشر بطريقة غريبة حقا
وقدمت قرأت أغلبها على لسان من قضوها وقاموا برفعها على مواقع التواصل الاجتماعى
من بين كل الحكايات و الخرافات و الأساطير , تطل حكاية الوحش في شيفلدان لتتحدى الحقيقة و تتفوق حتى على الخيال , مخلفة ورائها أكثر من مئة قتيل لتثبت وجودها , و عشرات الوثائق الرسمية و ألاف الصفحات التي سطرها المؤرخون خلال مائتي عام و هم يتجادلون حول حقيقة ما جرى هناك , و لكن يبقى اللغز بدون حل , فلا مجال لإنكار ما حدث و لا سبيل لمعرفة كيف حدث. تعال معي عزيزي القارئ لتتعرف على واحدة من أشهر قصص المستذئبين و أكثرها غرابة.
ترك خلفه اكثر من مئة ضحية تلذذ بألتهام لحومهم
المستذئبون ..
تمثال برونزي تخليدا لذكرى ضحايا وحش تشيفلدان
في احد الأيام الدافئة و المشمسة من شهر حزيران / يونيو 1764 في مقاطعة شيفلدان الفرنسية , كانت إحدى النساء الشابات ترعى مجموعة من الأبقار في مزرعة خالية من الأشجار بالقرب من الغابة , كان كل شيء حولها طبيعيا لكنها شعرت فجأة بأن هناك من يراقبها , و بأسرع من لمح البصر ظهر مخلوق غريب من بين أشجار الغابة , كان المخلوق في حجم بقرة و لكنه كان يشبه ذئبا ضخم الجثة , توجه مباشرة نحو الفتاة غير مكترث بالأبقار و العجول المحيطة بها و بدا ان شيئا لن يرضيه سوى فريسة بشرية , كلاب الحراسة فرت مذعورة عند رؤية الوحش , و أحست الفتاة للحظة بأن الموت قادم لا محالة , إلا انه و لحسن حظها تحركت ثيران المزرعة الهائجة لتدفع عنها هذا الوحش بقرونها و لتطرده عائدا نحو الغابة مرة أخرى , هذه كانت أول مشاهدة للوحش في المقاطعة و ستدرك المرأة الشابة عما قريب كم كانت محظوظة لبقائها على قيد الحياة بعد ان وقفت وجها لوجه مع وحش شيفلدان المرعب (The Beast of Gevaudan ).
الضحية الأولى للوحش كانت طفلة صغيرة وجدت مقتولة و قد مزق الوحش جسدها و انتزع قلبها من مكانه , و سرعان ما بدئت المزيد من الجثث الممزقة تضاف الى قائمة ضحايا الوحش , العجيب انه لم يكن يقنع الا باللحم البشري فرغم تواجد عدد كبير من الحيوانات الأليفة كالغنم و الماعز و العجول حول ضحاياه , الذين يعمل اغلبهم كمزارعين , إلا ان الوحش لم يكن يعير أي اهتمام لهذه الحيوانات و لم يكن يهاجم سوى البشر لذلك شاع اعتقاد قوي بين الناس بأن هذا الوحش هو (loup-garou ) أي مستذئب باللغة الفرنسية , و اقسم الكثيرون على أنهم طعنوا الوحش او أطلقوا النار عليه إلا ان أسلحتهم كما يبدو لم يكن لها أي تأثير عليه.
في 8 تشرين الأول / أكتوبر قام صيادين بإطلاق النار من بنادقهم على الوحش عدة مرات و رأوه و هو يبتعد بخطوات واهنة عرجاء نحو الغابة فظنا إنهما قد أصاباه إصابة قاتلة و انه هرب نحو الغابة ليموت هناك , الا انه لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاد الوحش ليهاجم و يقتل المزيد من الضحايا.
إحدى الجرائد الباريسية (The Gazette ) وصفت الوحش نقلا عن شهود عيان كالاتي :
“انه أضخم بكثير من الذئب العادي , أرجله مزودة بمخالب حادة و لون فروته اقرب الى اللون الأحمر , رأسه ضخم و عضلاته قوية و بارزة , صدره عريض رمادي اللون و هناك خطوط سوداء على ظهره , فمه واسع و عريض و مزود بصف متراص من الأنياب الحادة”.
و مع تزايد هجمات الوحش و خصوصا على الأطفال و النساء فقد عمت موجة من الخوف و الرعب المقاطعة و تقدم سكانها بالتماس الى بلاط الملك لويس الخامس عشر لإنقاذهم من هذه الداهية التي حلت على رؤوسهم , لذلك قام الملك بإرسال قوات من جيشه الى المقاطعة بقيادة الكابتن (نقيب) دومل لقتل الوحش , و لأن السكان اخبروه بأن الوحش كان يفضل دوما مهاجمة النساء , لذلك أمر دومل بعض جنوده بارتداء زي النساء ليكونوا بمثابة الطعم لاصطياد الوحش , و بالفعل تمكن رجال دومل من إصابة الوحش عدة مرات و لكنه كان يهرب دوما الى الغابة , لكن أخيرا توقفت الهجمات لفترة من الزمن و ظن دومل بأنه تمكن من قتل الوحش لذلك عاد مع قواته الى العاصمة لكنه ما ان غادر المقاطعة حتى عاد الوحش ليهاجم السكان و ينشر الخوف بين قراهم مرة أخرى الى درجة ان السكان أصبحوا يختبئون في منازلهم بمجرد ان يسمعوا بأن احدهم قد رأى الوحش قريبا من قراهم و صار الرجال المسلحين بالبنادق يخافون ان يطلقوا النار على الوحش حتى لو كان في مرمى نيرانهم , و اقسم العديد من السكان بأنهم شاهدوا الوحش و هو ينظر اليهم من خلال نوافذ منازلهم.
و قد قامت الحكومة بوضع جائزة مالية كبيرة لكل من يقتل الوحش فتوافد المئات من الصيادين المحترفين الى المقاطعة طمعا بالمال و تم قتل عشرات الذئاب لكن كل ذلك كان بدون أي جدوى فالهجمات استمرت دون توقف و خلال صيف عام 1765 قام الوحش بقتل و التهام العديد من الأطفال في المقاطعة.
اخيرا في حزيران 1767 و بعد ان كاد السكان يهجروا قراهم و حقولهم , قام الماركيز دابسير الذي كان يقطن في الجزء الغربي من المقاطعة بجمع المئات من الصيادين و مقتفي الأثر الذين توزعوا على شكل مجموعات و قاموا بتمشيط المقاطعة شبرا شبرا , لقد كانوا مصممين هذه المرة على وضع حد لمجزرة الوحش في المقاطعة. احد المشاركين في هذه المجموعات كان اسمه “جان جيستل” و قد كان مؤمنا بأن الوحش هو في الحقيقة انسان مستذئب لذلك فقد عبأ بندقيته برصاصات مصنوعة من الفضة الخالصة بسبب الاعتقاد السائد حينها بأنها السلاح الوحيد القادر على قتل المستذئبين و حينما هاجم الوحش مجموعته قام جيستل بإطلاق طلقتين صوب الوحش أصابت إحداهما قلبه فخر صريعا وسط دهشة و ذهول الصيادين الذين اقتربوا منه على مهل و حذر ليتأكدوا من موته , كان اغرب مخلوق وقعت أعينهم عليه و عندما قاموا بفتح بطنه وجدوا في معدته بقايا بشرية لطفلة صغيرة. و هكذا أسدل الستار على واحدة من اغرب الأحداث في تاريخ فرنسا بعد ان خلفت عشرات القتلى و استنزفت خزينة المقاطعة.
بالنسبة لجثة الوحش فتقول الوثائق التاريخية بأنه قد تم نقلها الى القصر الملكي في فرساي ليشاهدها الملك و النبلاء. لكن ماذا حدث للجثة بعد ذلك و اين هي الآن ؟ لا احد يعلم , بعض الوثائق تقول انه جرى دفنها في في قصر الفرساي و أخرى تقول بأن الجثة جرى حرقها و التخلص منها
في الحقيقة ان الاحداث التي جرت في مقاطعة شيفلدان جرى تحليلها و مناقشتها مرارا و قامت حولها العديد من النظريات لكن ايا منها لم تعط جوابا شافيا , هل حقا كان هناك وحش غامض يقتل الناس ام انها مجرد هجمات لذئاب عادية ضخمها الناس كعادتهم و حولوها إلى إشاعات مرعبة ؟ فضحايا الوحش اغلبهم من الأطفال و القليل من النساء و هم من تهاجمهم الذئاب عادة.
ان جميع علماء الحيوان و المختصين بدراسة الذئاب و سلوكها يعلمون جيدا بأنها نادرا ما تهاجم البشر و انها مخلوقات خجولة تحاول دوما عدم الاحتكاك مع الإنسان , لكن هل هذا يعني عدم وقوع حوادث هاجمت الذئاب فيها البشر ؟ كلا بالطبع , هناك العديد من الحوادث و الضحايا للذئاب منذ القدم و حتى زمننا الحاضر , لكن على العموم تبقى هذه الحوادث نادرة جدا قياسا بمناطق الاحتكاك بين الذئاب و البشر و لم يحدث ان قامت الذئاب بمهاجمة و قتل هكذا عدد من الناس في فترة قصيرة كتلك التي حدثت في شيفلدان , أضف الى ذلك شهادة المئات من أهالي المقاطعة حول الوحش و حجمه و صفاته الجسدية حيث شبهوه بحجم بقرة او حصان , فحتى أضخم الذئاب في العالم لا يمكن ان تصل الى هكذا حجم , بل ان أضخم ذئب تم صيده في العصر الحديث هو ذئب تم قتله اثناء الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا و يزن حوالي 86 كيلوغرام , اما معدل وزن الذئب الأوربي فهو 35 – 40 كيلوغرام , إحدى النظريات تقول ان الوحش كان حيوانا هجينا ناتج عن زواج الذئب مع الكلب كتلك التي تعمل غالبا في الجيش و الشرطة (Wolf-dog ) , و هذا ما يفسر لون الوحش الغريب الذي وصفه شهود العيان و كذلك عدم خوفه و خشيته من الإنسان , لكن يبقى هناك سؤال يطرح نفسه , لماذا لم يهاجم سوى البشر ؟ ففي معظم الحالات كانت هناك أغنام و ماعز و طيور داجنة في مسرح الحادثة لكن الوحش لم يكن يعيرها اي اهتمام و لم يهتم سوى بمهاجمة البشر؟
إحدى النظريات المثيرة للاهتمام و التي تدخل ضمن نطاق ما نسميه نظرية المؤامرة تتهم الدولة الفرنسية آنذاك بوقوفها وراء احداث شيفلدان , فالمقاطعة حسب الوثائق التاريخية كانت إحدى المقاطعات المتململة من دكتاتورية الملكية الفرنسية و كانت على حافة الثورة لذلك دبرت الدولة هذه الحوادث لشغل الناس و نشر الخوف بينهم و هو أمر ليس بغريب و لا جديد على الحكومات الدكتاتورية فيا طالما لفقت أجهزة الدولة القصص و الإشاعات لشغل الناس و إلهائهم عن السياسة , أضف الى ذلك إخفاء جثة الوحش و طمس أثارها حيث بدا الأمر كما لو كانوا يخفون آثار جريمتهم , لكن مما يضعف من هذه النظرية هي ان الدولة الفرنسية أرسلت قواتها مرارا للقضاء على الوحش كما انها رصدت جائزة كبيرة لمن يقتله.
نظرية أخرى تقول ان الوحش في الحقيقة هو نوع من الذئاب يقول العلماء انها انقرضت قبل ألاف السنين و تدعى (Dire Wolf ) , الا ان ما يقوض هذه النظرية هو ان هذا النوع من الذئاب يكاد يتساوى في الحجم مع أنواع الذئاب الأخرى المنتشرة في أوربا , إضافة الى صعوبة إثبات وجود أي منها في القرن الثامن عشر بعد ان انقرضت قبل الاف السنين.
و يبقى ما امن به سكان مقاطعة شيفلدان و اعتقدوا به و هو ان الوحش في الحقيقة ما هو الا مستذئب (Werewolf ) بسبب حجمه و شكله الغريب و ولعه باللحم البشري و عدم تأثير الأسلحة العادية فيه و كذلك ظهوره و اختفائه المفاجئ , لكنه إيمان و اعتقاد يرفضه العلم الحديث بشكل كامل.
و ينبغي ان نذكر انه بعد أربعين عاما ظهر في مقاطعة (Vivarais ) الفرنسية مخلوق أخر يشبه وحش شيفلدان و قام بقتل 21 ضحية خلال الفترة بين عامي 1809-1813 , و كذلك حدثت أمور مشابهة في مقاطعة (L’Indre ) بين عامي 1875-1879 , و الغريب ان جميع هذه الحوادث و من ضمنها تلك التي حدثت في شيفلدان تستمر لفترة تقارب الاربعة سنوات يختفي بعدها الوحش فجأة كما ظهر فجأة , كما ان التقارير حول هجمات من مخلوق يشبه الذئب استمرت في فرنسا حتى عام 1954.
ابتسم ستيفان ساخرا. مما تقوله انستازيا
يبدو أن كل ما يدور بعالم البشر عن المستذئبين فقط
نظرت له انستازيا بجدية
لا، فمصاصي الدماء يتم تداول قصصهم على مدار السنوات الماضية كثيرا من بينها الغامض والآخر الذي له أسباب مثل قصة ذلك العجوز
العجوز المقعد ايليس ميلتون لا يوافق هذا الرأي بالتأكيد، فالرجل خاض تجربة مريرة وحقيقية مع امرأة شابة هاجمته بشراسة وعضته في وجهه وذراعه زاعمة بأنها مصاصة دماء.
الحادثة وقعت قبل منتصف الليل بقليل بالقرب من احد المطاعم في سان بطرسبرج فلوريدا، ايليس ميلتون (69 عاما) التقى الشابة جوزفين ريبيكا سميث (22 عاما) على قارعة الطريق قبل وقوع الحادثة بفترة قصيرة، لم يكن لدى العجوز مأوى يلجأ إليه تلك الليلة فتوقف بكرسيه المدولب عند احد محطات البنزين حيث التقى جوزفين التي كانت قد قدمت برفقة احد أقاربها بالسيارة ونزلت لوحدها بالقرب من المحطة. ولأن المطر كان غزيرا تلك الليلة فقد اقترح العجوز على جوزفين الاحتماء بمظلة احد المطاعم على الطرف الآخر من الشارع، ايليس قال بأنه أراد البقاء مع الشابة ريثما يأتي احد أفراد عائلتها ليقلها، لكن النعاس غلبه فنام فوق كرسيه المدولب.
نوم العجوز المسكين لم يدم طويلا، فقد استيقظ مرعوبا ليشاهد جوزفين تقف فوق رأسه وهي تصرخ كالمجنونة زاعمة بأنها مصاصة دماء وبأنها سوف تأكله! ثم هاجمته بشراسة وراحت تعضه في وجهه وذراعه، ايليس أصيب بعدة جروح غائرة واخذ ينزف بغزارة لكنه تمكن بطريقة ما من الإفلات من براثن الشابة المسعورة ليعود إلى المحطة ويتصل بالشرطة طالبا النجدة.
الشرطة عثرت لاحقا على جوزفين بالقرب من المطعم وهي نصف عارية ومغطاة بدماء ايليس، وقد أخبرت الشرطة بأنها لا تتذكر شيئا عن الحادث ولا تعلم بما جرى.
الشرطة نقلت ايليس الى المستشفى حيث تم تقطيب جروحه، أما جوزفين فقد أودعت السجن وحددت كفالتها بمبلغ نصف مليون دولار بانتظار محاكمتها بتهمة الاعتداء على العجوز المقعد.
جادلها ستيفان مرة أخرى
اذا هم بشر مدعين؟
لا، هناك بعض القصص التى اتخذت شكلا اخر لكن للاسف حدثت بوقت يصعب الاستدلال على حقيقته من عدمها لعدم وجود ادوات التوثيق الحالية التى يستخدمها البشر مثل قصة ذلك الموظف الذي كتب قصته ذلك المدون في قرية كيسيلوفا
كيسيلوفا هي قرية فقيرة و صغيرة لا يميزها شيء عن مئات القرى البائسة المحيطة بها ، كان سكانها من المزارعين الصرب البسطاء يعيشون بسلام و هدوء قانعين بفقرهم و بؤسهم الازلي و لكن ذلك كله تبدل في اليوم الذي توفى فيه احد ابنائها و يدعى بيتر بلوكويتز ، ذلك الاسم الذي اصبح مجرد ذكره ينشر الرعب و الذعر على وجوه سامعيه و يجعل دمائهم تتجمد في شرايينهم. اليك عزيزي القاريء القصة الكاملة لواحدة من اقدم و اشهر قصص مصاصي الدماء و لا تنسى دوما بأننا نتكلم عن حقائق بعيدا عن الخرافات و الاساطير ، حقائق قد يعجز العلم احيانا عن ايجاد تفسير منطقي لها.
لم يكن الموظف النمساوي (فرومبلاد) يتخيل حتى في الاحلام ان يستمع لهكذا طلب ، فرغم انه استمع الى الكثير من الترهات و الخرافات منذ ان تم تعيينه في المكتب الحكومي في المقاطعة الصربية الا ان هذا الطلب كان غريبا و مرعبا بكل معنى الكلمة مما جعله يشعر بشيء من القرف و الاشمئزاز و هو يستمع الى مجموعة المزارعين البسطاء الواقفين امام مكتبه ، كانوا مجموعة من الرجال البؤساء و قد زادهم الرعب و الخوف المرتسم على وجوههم تعاسة و بؤسا. اخبروه بأن القصة بدأت في اليوم الذي توفى فيه المزارع بيتر بلوكويتز (Peter Plogojowitz)، حيث بدأت بعدها حوادث الموت الغريبة في القرية ، خلال تسعة ليالي مات تسعة رجال في القرية ، كانوا يجدونهم جثة بلا حراك في فراشهم صباحا و قد تعرضوا للخنق و فقدان الدم اثناء نومهم ، بعض المزارعين اقسموا بأنهم شاهدوا جثة بلوكويتز تتجول في طرقات القرية ليلا و ان زوجته قد اخبرتهم بأنه اتى اليها و طلب منها ان تعطيه حذاءه و انها فرت من القرية بعد هذه الحادثة خوفا و هلعا ، و ان الكثيرين من سكان القرية ايضا فروا الى القرى الاخرى خوفا من ان يتعرضوا للموت على يد بلوكويتز الذي يصرون على انه تحول الى مصاص دماء بعد موته.
لم تنفع كل محاولات فرومبلاد لثني المزارعين عن نبش قبر بلوكويتز او ان ينتظروا موافقة السلطات في بلغراد على ذلك ، لقد توسلوا به بأن يساعدهم بأن يحضر كشاهد لأن المسألة لا تتحمل الانتظار فهم يخشون ان تتأخر وصول موافقة بلغراد و في هذه الاثناء فأن بلوكويتز سيقضي على جميع الاحياء في القرية ، لقد اقسموا له بأن شيئا مماثلا حصل في قرية مجاورة قبل عشرين عام –زمان احتلال الاتراك لصربيا- و ان جميع ساكنيها تعرضوا للقتل على يد مصاص الدماء لأنهم تأخروا في نبش قبره .
و رغم عدم رضاه عما ينوي المزارعون فعله الا انه اشفق عليهم لما هم فيه من رعب و بؤس و قرر الحضور لمشاهدة عملية نبش القبر و رافقه ايضا قس المقاطعة موفدا عن الكنيسة و في يوم ما من عام 1725 وقف الاثنان و هما يشاهدان المزارعين ينبشون قبر بيتر بلوكويتز و يكشفون عن جثته ، الى هنا عزيزي القاريء ربما يكون من الافضل ان اتركك مع ما كتبه الموظف (فرومبلاد) في تقريره الذي رفعه الى مسؤوليه النمساويين في بلغراد (صربيا كانت محتلة انذاك من قبل امبراطورية النمسا) حول ما رأه في ذلك اليوم الكئيب :
“بما ان هناك علائم خاصة على جثث هؤلاء الناس (الذين يسمونهم الناس هنا بالفامباير Vampire) ، منها عدم تحلل الجثة و استمرار الجلد و الشعر و اللحية و الاظافر بالنمو و التجدد ، لذلك قرر السكان بالاجماع نبش قبر بيتر بلوكويتز و فحص جثته للتأكد من وجود بعض العلائم سالفة الذكر عليها ، لذلك اتوا الي و قصوا علي الاحداث التي جرت في قريتهم و طلبوا مني و كذلك من راعي الابرشية بأن نأتي لرؤية عملية نبش القبر ، و رغم اني لم اشجعهم على فعل ذلك و اخبرتهم بأن السلطة الرسمية يجب ان تبلغ و يجب اطاعة رأيها و لكنهم لم يوافقوا على ذلك و اصروا على نبش القبر و قد خفت اني لو منعتهم من ذلك فأنهم سيهجرون بيوتهم و قريتهم و لأنه خلال الفترة التي يستغرقها وصول الموافقة من بلغراد فأن قريتهم ربما – و قد حدث هذا زمن الاتراك كما اخبروني – ستدمرها و تفنيها الارواح و المخلوقات الشريرة.
بما اني لم استطع ثني السكان من نبش القبر سواء بالكلام المعسول او بالتهديد و الوعيد لذلك فقد ذهبت الى قرية كيسيلوفا برفقة راعي الابرشية و رأيت جثة بيتر بلوكويتز ، و قد نبشوها توا و قد لاحظت ، و بكل صدق ، بأني لم اشم و لا حتى القليل من الرائحة الكريهة التي تميز جثث الموتى ، و الجثة كانت سليمة و لم تتحلل بعد ، بأستثناء الانف الذي كان نوعا ما قد تنحى عن مكانه ، لكن الشعر و اللحية و كذلك الاظافر كانت قد طالت و نمت كما ان الجلد القديم كان قد تقشر و خرج منه جلد جديد و كذلك الوجه و الرأس و الاطراف كانت كلها بحالة جيدة كما لو كان الميت لايزال على قيد الحياة ، و لشدة دهشتي فقد شاهدت دماء طازجة تغطي فمه و التي طبقا لأقوال الحضور فأنها دماء ضحاياه الذين مص دمائهم.
بأختصار ، جميع العلائم التي تصاحب جثث مصاصي الدماء كانت ظاهرة على الجثة ، و بعد ان شاهدنا ذلك انا و راعي الابرشية ، فأن السكان اصبحوا اكثر هيجانا و قاموا على وجه السرعة بجلب عصا مدببة استعدادا لدفعها في قلب الميت و التي اثناء اختراقها للقلب فأنه ليس فقط الكثير من الدم الطازج انفجر من فم و اذان الميت و لكن كانت هناك علائم مرعبة اخرى حدثت للجثة – عفيت عن ذكرها احتراما – ، بعد ذلك قام السكان و طبقا لطقوسهم بحرق الجثة”.
هذه كانت شهادة الموظف فرومبلاد و الموثقة في السجلات الحكومية في بلغراد لما رأه في ذلك اليوم و قد ارسل هذا التقرير الى مسؤوليه و طلب بتواضع في نهايته ان يغفروا له ان كان اخطأ في اداء واجبه و لكن يبدو ان احدا لم يهتم او يلتفت اصلا لما كتبه فرومبلاد و بقى التقرير محفوظا لعقود في سجلات الحكومة حتى وقعت عليه ايدي المؤرخين و بغض النظر عن ايماننا بصحة ما ورد في شهادته حول الجثة الا ان هذه الشهادة تبقى اقدم توثيق في اوربا لعملية اتلاف جثث الاشخاص الذين يعتقد بأنهم تحولوا الى مصاصي دماء و التي استوحى منها الكاتب برام ستوكر روايته الشهيرة “دراكولا”
في انجلترا احدى بلدان البشر في القرن التاسع عشر , تحديدا إلى مقاطعة كمبريا , أو كمبيرلاند كما كانت تسمى في ذلك الزمان , وهي منطقة ريفية تقع في شمال انجلترا على الحدود مع اسكتلندا.
نحن الآن في أواخر خريف عام 1871 نقف إزاء منزل ريفي ذو طابق واحد , سقفه منحدر تعلوه مداخن مسودة , وجدرانه مبنية بحجارة ذات لون بني باهت تتخللها العديد من النوافذ الخشبية . منظر المنزل في هذا الوقت من السنة لا يسر الناظرين , ليتك رأيته في الربيع , لكن ليس الآن , فهو يقف وحيدا على قطعة أرض واسعة تغطيها حشائش مصفرة وشجيرات قصيرة متيبسة , هذه الأرض مفتوحة من جميع الجهات , باستثناء طرفها الجنوبي حيث يوجد سياج خشبي عال يحاذيه صف طويل من أشجار السنديان و الزيزفون الضخمة التي جردها الخريف من أوراقها للتو فبدت كغيلان عارية قبيحة , وخلفها مباشرة توجد مقبرة صغيرة ملحقة بكنيسة مهجورة , من الواضح أن أحدا لم يدفن في تلك الجبانة العتيقة منذ زمن بعيد , فشواهد القبور سوداء متآكلة وبعضها مهشم , والكنيسة نفسها لم يتبقى منها سوى أطلال خربة.
فهذا المنزل الذي عرفه الناس بأسم كروجلين غرانج , ليس وحيدا , إذ توجد منازل أخرى في الجوار , لكننا هنا في الريف , وجوار الريف غير جوار المدينة , في الريف تكون المنازل متباعدة وتفصلها أراضي واسعة , ونادرا ما يتغير سكانها , فهي بالعادة متوارثة لعدة أجيال , وهذا الأمر يصدق تماما على المنزل الذي وصفته لكم قبل قليل , فمالكوه , آل فيشر , عاشوا فيه وتوارثوه أبا عن جد لعهود متمادية , لكن أمورهم المادية تحسنت كثيرا في الآونة الأخيرة , فعقدوا العزم على الانتقال لمنزل أكبر , وها هم يلملمون أثاثهم وأغراضهم تاركين منزل الأجداد خاليا إلا من صفير ريح الشتاء الباردة , وبحلول موسم الصيف المقبل سيتم تأجير المنزل لعائلة جديدة تدعى كرانسول , تتألف من شقيقين يدعيان ادوارد ومايكل وشقيقة أسمها إميليا
الأسابيع الأولى لآل كرانسول في منزلهم الجديد مرت بغاية الهدوء والانبساط , فالهواء عليل والمناظر خلابة خصوصا بعد أن ارتدت الطبيعة حلتها الصيفية الخضراء الزاهية . كما أن الجيران ودودن , توطدت علاقتهم سريعا بالأشقاء الثلاثة لأنهم ذوو شخصيات مرحة محببة.
لكن هذه السعادة لم تدم طويلا , فذات ليلة مقمرة من ليالي تموز / يوليو وقع حادث مروع قلب حياة الأشقاء الثلاثة رأسا على عقب وملئ نفوسهم هلعا ورعبا.
في تلك الليلة الليلاء تناول الأشقاء عشائهم باكرا لأن الجو كان حارا فوق المعتاد , وبعدها خرجوا إلى شرفة صغيرة عند مدخل المنزل وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث في الهواء الطلق حتى أدركهم النعاس فتوجه كل منهم إلى حجرته الخاصة , وكان من عادة اميليا أن تقفل باب حجرتها وتغلق نافذتها قبل أن تأوي إلى سريرها , وكما قلنا تلك الليلة كانت حارة جدا , لذا لم تستطع اميليا النوم بسهولة وظلت تتقلب في فراشها لوقت طويل حتى ضاقت ذرعا فقامت متأففة وهي تنوي فتح الشباك علها تحظى بنسمة هواء منعشة . لكن ما أن وقفت إزاء الشباك ومدت يدها لتفتحه حتى وقعت عيناها على نقطتان حمراوتان تتوهجان بين الأشجار البعيدة المحاذية للسور الخشبي الذي يفصل أرض المنزل عن الكنيسة الخربةلوهلة ظنت إميليا أن حيوانا ما يختبأ بين الأشجار , لكن عندما دققت النظر أكثر لاحظت بأن النقطتان ملتصقتان على ما يبدو بجسم داكن غير واضح المعالم , وأنهما تتحركان. أميليا شعرت ببعض الخوف لكنها لم تبارح مكانها , بل ظلت تراقب ويدها على الشباك لم تفتحه بعد , و بدا لها بأن النقطتان تكبران .. وها هما تتركان الظلمة تحت الأشجار وتصبحان وسط الأرض الخضراء المكشوفة , وتحت ضوء القمر رأت اميليا منظرا جعل قلبها يقفز هلعا من مكانه , فتلك النقطتان الحمراوتان كانتا في الواقع عينا شخص يرتدي ملابس قديمة الطراز , ويسير بطريقة غريبة.
أحساس غريب راود اميليا في أن ذلك الغريب يتقصدها هي بالتحديد وقادم نحوها , وبالفعل ما هي إلا برهة حتى كان يقف قرب نافذتها , فبانت ملامحه واضحة , وكان مخيفا , ذو وجه شاحب متجهم جامد القسمات , كأنه بلا حياة.
أميليا تراجعت إلى الوراء , أرادت أن تصرخ طلبا للنجدة لكن صوتها أبى أن يفارق حنجرتها من شدة الرعب الذي أصابها , بل وكأنها أصيبت بالشلل , فحتى أقدامها لم تعد تحملها , فسقطت أرضا وراحت تزحف صوب الباب أملا في أن يدركها أخواها .
في هذه الأثناء كان الشخص المخيف قد فتح النافذة بعد أن كسر الزجاج وأصبح داخل الحجرة بلمح البصر , وعند سماعها صوت تحطم الزجاج استدارت اميليا إلى الوراء , فوجدت ذلك الشخص يقف فوق رأسها , وبسرعة البرق رمى نفسه عليها و أنشب أنيابه في عنقها يمتص دمها ..
وكأن تلك العضة أرسلت تيارا كهربائيا في جسد اميليا فحررتها من حالة الشلل , وانطلقت حنجرتها تصرخ بأعلى صوتها طلبا للنجدة , وكانت تلك الصرخة المدوية كفيلة بجعل أخواها يقفزان من سريريهما ويهرعان نحو حجرتهما , ولما وجدا الباب مقفلا كسراه , ووراءه كانت اميليا ممددة على الأرض تنزف من رقبتها , فهرع مايكل فورا واحتضنها , فيما ركض ادوارد نحو النافذة المفتوحة لأنه لمح شيئا يقفز منها , وحين نظر عبر النافذة إلى الأرض المفتوحة أمامه شاهد شيئا يخطف بين الحشائش بسرعة ثم ما لبث أن رأى شخصا مجهولا يقفز فوق السور الخشبي ويختفي بين الأشجار الضخمة جهة الكنيسة المهجورة.
الأخوان استدعيا الطبيب و أرسلا أيضا في طلب الجيران من أصحاب الأراضي المجاورة , فاجتمع الرجال و النساء في منزل كروجلين غرانج تعلو وجوههم إمارات القلق والفزع , إذ كانوا قد أفنوا عمرهم كله بهذه الديار , ولم يسمعوا قط بحدوث أمر مماثل , أي مهاجمة امرأة في منزلها . وخرج فريق منهم يحمل المشاعل مفتشا حول المنزل لعله يعثر على أثر للمهاجم , لكنهم لم يجدوا شيء فعادوا خالين الوفاض .
الطبيب عالج جرح اميليا وقال بأن حالتها مستقرة ولا تشكو خطبا في جسدها , لكن من الواضح أن الحادث أثر في نفسيتها , وأنها في حالة صدمة , فنصح أخواها أن يأخذاها في سفرة بعيدة ليروحا عنها.
وبسؤالها عن هوية الشخص الذي هاجمها قالت أميليا بأنه بدا مخيفا وغريب الأطوار , وأنها تظن بأنه شخص مجنون فار من مصحة عقلية . إذ كانت هناك فعلا مصحة عقلية في منطقة غير بعيدة.
الشقيقان أتبعا نصيحة الطبيب وأخذوا اميليا في سفرة طويلة إلى سويسرا حيث ظلوا هناك لعدة أشهر ارتاحت خلالها أعصاب اميليا كثيرا ونست ما كان من أمر الحادث المفزع , حتى أنها كانت هي المبادرة لطلب العودة إلى انجلترا , يحدوها الشوق للقاء صديقاتها في كروجلين غرانج . وهكذا عاد الأشقاء إلى الوطن لكنهم كانوا أكثر تأهبا هذه المرة , إذ أشترى ادوارد مسدسا ووضعه قرب سريره تحسبا لأي طارئ.
ومر أسبوع على عودة الأشقاء والأمور على أحسن ما يرام , لكن في أول ليلة من الأسبوع الثاني وبعدما أوى الأشقاء لأسرتهم , سمعت اميليا طرقا خفيفا على نافذتها , ففتحت عيناها لترى نفس ذلك الشخص الغريب الأطوار واقفا عند النافذة يهم بالدخول لحجرتها . لكن حنجرتها لم تخنها هذه المرة , إذ صدحت بالصراخ طلبا للنجدة , فهرع أخواها إليها , وعندما دخلا حجرتها لم يجدا أحد سواها , لكن أميليا المرعوبة أشارت لهما نحو الشباك المفتوح , فركض ادوارد نحوه وشاهد شخصا يركض فوق الأرض المكشوفة هاربا نحو السور الخشبي , فأطلق ادوارد النار من مسدسه وأصابه في قدمه , لكنه استمر بالركض نحو السياج , وبقفزة واحدة عبره ثم توارى في الظلام بين الأشجار.
هذه المرة أصبح الوضع لا يطاق , اميليا في حالة هستيرية , وأيقن الجميع بأن الأمر يتعدى مجرد شخص مجنون هارب من مصحة , فأجتمع الرجال في صباح اليوم التالي برفقة العمدة وخرجوا يفتشون كل شبر بحثا عن ذلك المهاجم القميء , و طبعا بدئوا بحثهم أولا جهة السور الخشبي لأنه ذلك الشخص فر إلى هناك في كلتا المرتين , وسرعان ما قادتهم أقدامهم إلى الكنيسة المهجورة ومقبرتها العتيقة , ولاحظ أحدهم وجود خيط دم رفيع يمر عبر القبور وصولا إلى أحد سراديب الموتى , وكان السرداب مظلما تسد مدخله ببوابة حديدية كبيرة عليها سلسلة وقفل صدئ , فكسروا القفل ثم أشعلوا مصابيحهم ونزلوا عبر دهليز مظلم وبارد إلى حجرة صغيرة تتوزع على جوانبها التوابيت , وقد هالهم ما شاهدوه , فالتوابيت مفتوحة , كأن شخصا ما عبث بمحتوياتها , وعظام الموتى وجماجمهم مبعثرة في أرجاء المكان , إضافة إلى عظام الكثير من الحيوانات . لكن كان هناك تابوت واحد سليم تماما لم تمسسه يد بسوء , فتعجبوا من أمره وقرروا أن يفتحوه , وعندما رفعوا الغطاء ونظروا إلى ما بداخله ارتعدت فرائصهم وتشابكت أيديهم وتراجعوا إلى الوراء مرعوبين , إذ كانت في داخله جثة لرجل تنطبق عليه المواصفات التي ذكرتها اميليا , والمدهش أن الجثة سليمة وكأنها لرجل مات بالأمس مع أن المكتوب على التابوت يشير إلى أن صاحب الجثة مات قبل أكثر من مائة عام ! .. والأكثر غرابة هو أنهم وجدوا جرحا في قدم الرجل الميت , وكان الجرح رطبا ينزف دما , وكان ادوارد قد اخبرهم بأنه أصاب الشخص الغامض الذي هاجم شقيقته برصاصة في قدمه. فوقف الجميع ينظر واحدهم إلى الآخر وقد امتقعت ألوانهم وعقدت الدهشة ألسنتهم لا يدرون ماذا يقولون وكيف للأمر يفسرون.
وكان بينهم شيخ عجوز كثير الأسفار عرك الحياة وعركته , فقال بعد طول سكوت : “أنه مصاص دماء” .
فألتفت الجميع نحوه ورددوا متعجبين : “مصاص دماء! .. وماذا يكون؟”.
قال العجوز : “شخص ميت تحول عن طريق السحر إلى كائن يعتاش على مص الدماء”.
فقالوا متعجبين : “وكيف لميت أن يقوم ويتحرك؟!”.
فأجب العجوز : “لا تعجبوا من ذلك , فهو جسد بلا روح استولى عليه الشيطان ومسخه إلى كائن طفيلي مخيف ليرهب الناس ويزعزع إيمانهم . وأظنه عاش على دماء الحيوانات طويلا , فكما ترون المكان يعج بعظامها , لكنه ضجر ومل من دمائها فقرر أن يجرب شيئا جديدا , دما بشريا , وبالطبع بدأ بأقرب البيوت”.
قالوا : “وماذا نفعل الآن؟”.
فرد العجوز بنبرة متوعدة : ” نحن هنا في عرينه , و والله لو جن علينا الليل هنا وصحا من رقدته فلن يخرج احد منا حيا من هذا المكان , خصوصا بعد أن كشفنا أمره , فسارعوا لنتخلص منه , و لنتغدى به قبل أن يتعشى بنا”.
فقالوا بصوت واحد : “وكيف لنا أن نفعل ذلك؟”.
قال العجوز : “استخرجوا قلبه واحرقوه على حدة , واقطعوا الرأس واحرقوه على حدة , ثم الجسد كاملا أحرقوه على حدة ولا تتركوا منه سوى الرماد”.
فأخرجوا سكاكينهم , وحين أنشبوها في صدر مصاص الدماء تحركت ملامحه وندت عنه آهة مكتومة , لكنه لم يستطع حراكا , ولشدة دهشتهم فقد نزف قلبه الذي استخرجوه دما عبيطا كأنه قلب رجل حي , فتأكدوا من صحة ما قاله الرجل العجوز , وأحرقوا القلب والرأس والجسد كما علمهم أن يفعلوا , وبعدها أعادوا عظام الموتى إلى التوابيت ثم أقفلوا باب السرداب وغادروا المكان على عجل قبل حلول الظلام.
وكانت تلك آخر مرة يسمع فيها سكان تلك المنطقة عن مصاصي الدماء أو يتعرضون لحوادث على يدها . ومرت سنوات طويلة , رحلت أجيال وأتت أجيال أخرى , لكن سكان كمبرلاند لم ينسوا أبدا قصة مصاص الدماء.
كان الفرد يستمع لانستازيا بذهول مما نقصه فبعض تلك الأحداث كان لها مقابلا بعالمهم حيث اختفي بعض الأفراد على مر التاريخ ولكن ظهورهم بعالم البشر امر عجيب ويستحق التحقيق للوصول لحقيقة الأمور
وقدمت قرأت أغلبها على لسان من قضوها وقاموا برفعها على مواقع التواصل الاجتماعى
من بين كل الحكايات و الخرافات و الأساطير , تطل حكاية الوحش في شيفلدان لتتحدى الحقيقة و تتفوق حتى على الخيال , مخلفة ورائها أكثر من مئة قتيل لتثبت وجودها , و عشرات الوثائق الرسمية و ألاف الصفحات التي سطرها المؤرخون خلال مائتي عام و هم يتجادلون حول حقيقة ما جرى هناك , و لكن يبقى اللغز بدون حل , فلا مجال لإنكار ما حدث و لا سبيل لمعرفة كيف حدث. تعال معي عزيزي القارئ لتتعرف على واحدة من أشهر قصص المستذئبين و أكثرها غرابة.
ترك خلفه اكثر من مئة ضحية تلذذ بألتهام لحومهم
المستذئبون ..
تمثال برونزي تخليدا لذكرى ضحايا وحش تشيفلدان
في احد الأيام الدافئة و المشمسة من شهر حزيران / يونيو 1764 في مقاطعة شيفلدان الفرنسية , كانت إحدى النساء الشابات ترعى مجموعة من الأبقار في مزرعة خالية من الأشجار بالقرب من الغابة , كان كل شيء حولها طبيعيا لكنها شعرت فجأة بأن هناك من يراقبها , و بأسرع من لمح البصر ظهر مخلوق غريب من بين أشجار الغابة , كان المخلوق في حجم بقرة و لكنه كان يشبه ذئبا ضخم الجثة , توجه مباشرة نحو الفتاة غير مكترث بالأبقار و العجول المحيطة بها و بدا ان شيئا لن يرضيه سوى فريسة بشرية , كلاب الحراسة فرت مذعورة عند رؤية الوحش , و أحست الفتاة للحظة بأن الموت قادم لا محالة , إلا انه و لحسن حظها تحركت ثيران المزرعة الهائجة لتدفع عنها هذا الوحش بقرونها و لتطرده عائدا نحو الغابة مرة أخرى , هذه كانت أول مشاهدة للوحش في المقاطعة و ستدرك المرأة الشابة عما قريب كم كانت محظوظة لبقائها على قيد الحياة بعد ان وقفت وجها لوجه مع وحش شيفلدان المرعب (The Beast of Gevaudan ).
الضحية الأولى للوحش كانت طفلة صغيرة وجدت مقتولة و قد مزق الوحش جسدها و انتزع قلبها من مكانه , و سرعان ما بدئت المزيد من الجثث الممزقة تضاف الى قائمة ضحايا الوحش , العجيب انه لم يكن يقنع الا باللحم البشري فرغم تواجد عدد كبير من الحيوانات الأليفة كالغنم و الماعز و العجول حول ضحاياه , الذين يعمل اغلبهم كمزارعين , إلا ان الوحش لم يكن يعير أي اهتمام لهذه الحيوانات و لم يكن يهاجم سوى البشر لذلك شاع اعتقاد قوي بين الناس بأن هذا الوحش هو (loup-garou ) أي مستذئب باللغة الفرنسية , و اقسم الكثيرون على أنهم طعنوا الوحش او أطلقوا النار عليه إلا ان أسلحتهم كما يبدو لم يكن لها أي تأثير عليه.
في 8 تشرين الأول / أكتوبر قام صيادين بإطلاق النار من بنادقهم على الوحش عدة مرات و رأوه و هو يبتعد بخطوات واهنة عرجاء نحو الغابة فظنا إنهما قد أصاباه إصابة قاتلة و انه هرب نحو الغابة ليموت هناك , الا انه لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاد الوحش ليهاجم و يقتل المزيد من الضحايا.
إحدى الجرائد الباريسية (The Gazette ) وصفت الوحش نقلا عن شهود عيان كالاتي :
“انه أضخم بكثير من الذئب العادي , أرجله مزودة بمخالب حادة و لون فروته اقرب الى اللون الأحمر , رأسه ضخم و عضلاته قوية و بارزة , صدره عريض رمادي اللون و هناك خطوط سوداء على ظهره , فمه واسع و عريض و مزود بصف متراص من الأنياب الحادة”.
و مع تزايد هجمات الوحش و خصوصا على الأطفال و النساء فقد عمت موجة من الخوف و الرعب المقاطعة و تقدم سكانها بالتماس الى بلاط الملك لويس الخامس عشر لإنقاذهم من هذه الداهية التي حلت على رؤوسهم , لذلك قام الملك بإرسال قوات من جيشه الى المقاطعة بقيادة الكابتن (نقيب) دومل لقتل الوحش , و لأن السكان اخبروه بأن الوحش كان يفضل دوما مهاجمة النساء , لذلك أمر دومل بعض جنوده بارتداء زي النساء ليكونوا بمثابة الطعم لاصطياد الوحش , و بالفعل تمكن رجال دومل من إصابة الوحش عدة مرات و لكنه كان يهرب دوما الى الغابة , لكن أخيرا توقفت الهجمات لفترة من الزمن و ظن دومل بأنه تمكن من قتل الوحش لذلك عاد مع قواته الى العاصمة لكنه ما ان غادر المقاطعة حتى عاد الوحش ليهاجم السكان و ينشر الخوف بين قراهم مرة أخرى الى درجة ان السكان أصبحوا يختبئون في منازلهم بمجرد ان يسمعوا بأن احدهم قد رأى الوحش قريبا من قراهم و صار الرجال المسلحين بالبنادق يخافون ان يطلقوا النار على الوحش حتى لو كان في مرمى نيرانهم , و اقسم العديد من السكان بأنهم شاهدوا الوحش و هو ينظر اليهم من خلال نوافذ منازلهم.
و قد قامت الحكومة بوضع جائزة مالية كبيرة لكل من يقتل الوحش فتوافد المئات من الصيادين المحترفين الى المقاطعة طمعا بالمال و تم قتل عشرات الذئاب لكن كل ذلك كان بدون أي جدوى فالهجمات استمرت دون توقف و خلال صيف عام 1765 قام الوحش بقتل و التهام العديد من الأطفال في المقاطعة.
اخيرا في حزيران 1767 و بعد ان كاد السكان يهجروا قراهم و حقولهم , قام الماركيز دابسير الذي كان يقطن في الجزء الغربي من المقاطعة بجمع المئات من الصيادين و مقتفي الأثر الذين توزعوا على شكل مجموعات و قاموا بتمشيط المقاطعة شبرا شبرا , لقد كانوا مصممين هذه المرة على وضع حد لمجزرة الوحش في المقاطعة. احد المشاركين في هذه المجموعات كان اسمه “جان جيستل” و قد كان مؤمنا بأن الوحش هو في الحقيقة انسان مستذئب لذلك فقد عبأ بندقيته برصاصات مصنوعة من الفضة الخالصة بسبب الاعتقاد السائد حينها بأنها السلاح الوحيد القادر على قتل المستذئبين و حينما هاجم الوحش مجموعته قام جيستل بإطلاق طلقتين صوب الوحش أصابت إحداهما قلبه فخر صريعا وسط دهشة و ذهول الصيادين الذين اقتربوا منه على مهل و حذر ليتأكدوا من موته , كان اغرب مخلوق وقعت أعينهم عليه و عندما قاموا بفتح بطنه وجدوا في معدته بقايا بشرية لطفلة صغيرة. و هكذا أسدل الستار على واحدة من اغرب الأحداث في تاريخ فرنسا بعد ان خلفت عشرات القتلى و استنزفت خزينة المقاطعة.
بالنسبة لجثة الوحش فتقول الوثائق التاريخية بأنه قد تم نقلها الى القصر الملكي في فرساي ليشاهدها الملك و النبلاء. لكن ماذا حدث للجثة بعد ذلك و اين هي الآن ؟ لا احد يعلم , بعض الوثائق تقول انه جرى دفنها في في قصر الفرساي و أخرى تقول بأن الجثة جرى حرقها و التخلص منها
في الحقيقة ان الاحداث التي جرت في مقاطعة شيفلدان جرى تحليلها و مناقشتها مرارا و قامت حولها العديد من النظريات لكن ايا منها لم تعط جوابا شافيا , هل حقا كان هناك وحش غامض يقتل الناس ام انها مجرد هجمات لذئاب عادية ضخمها الناس كعادتهم و حولوها إلى إشاعات مرعبة ؟ فضحايا الوحش اغلبهم من الأطفال و القليل من النساء و هم من تهاجمهم الذئاب عادة.
ان جميع علماء الحيوان و المختصين بدراسة الذئاب و سلوكها يعلمون جيدا بأنها نادرا ما تهاجم البشر و انها مخلوقات خجولة تحاول دوما عدم الاحتكاك مع الإنسان , لكن هل هذا يعني عدم وقوع حوادث هاجمت الذئاب فيها البشر ؟ كلا بالطبع , هناك العديد من الحوادث و الضحايا للذئاب منذ القدم و حتى زمننا الحاضر , لكن على العموم تبقى هذه الحوادث نادرة جدا قياسا بمناطق الاحتكاك بين الذئاب و البشر و لم يحدث ان قامت الذئاب بمهاجمة و قتل هكذا عدد من الناس في فترة قصيرة كتلك التي حدثت في شيفلدان , أضف الى ذلك شهادة المئات من أهالي المقاطعة حول الوحش و حجمه و صفاته الجسدية حيث شبهوه بحجم بقرة او حصان , فحتى أضخم الذئاب في العالم لا يمكن ان تصل الى هكذا حجم , بل ان أضخم ذئب تم صيده في العصر الحديث هو ذئب تم قتله اثناء الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا و يزن حوالي 86 كيلوغرام , اما معدل وزن الذئب الأوربي فهو 35 – 40 كيلوغرام , إحدى النظريات تقول ان الوحش كان حيوانا هجينا ناتج عن زواج الذئب مع الكلب كتلك التي تعمل غالبا في الجيش و الشرطة (Wolf-dog ) , و هذا ما يفسر لون الوحش الغريب الذي وصفه شهود العيان و كذلك عدم خوفه و خشيته من الإنسان , لكن يبقى هناك سؤال يطرح نفسه , لماذا لم يهاجم سوى البشر ؟ ففي معظم الحالات كانت هناك أغنام و ماعز و طيور داجنة في مسرح الحادثة لكن الوحش لم يكن يعيرها اي اهتمام و لم يهتم سوى بمهاجمة البشر؟
إحدى النظريات المثيرة للاهتمام و التي تدخل ضمن نطاق ما نسميه نظرية المؤامرة تتهم الدولة الفرنسية آنذاك بوقوفها وراء احداث شيفلدان , فالمقاطعة حسب الوثائق التاريخية كانت إحدى المقاطعات المتململة من دكتاتورية الملكية الفرنسية و كانت على حافة الثورة لذلك دبرت الدولة هذه الحوادث لشغل الناس و نشر الخوف بينهم و هو أمر ليس بغريب و لا جديد على الحكومات الدكتاتورية فيا طالما لفقت أجهزة الدولة القصص و الإشاعات لشغل الناس و إلهائهم عن السياسة , أضف الى ذلك إخفاء جثة الوحش و طمس أثارها حيث بدا الأمر كما لو كانوا يخفون آثار جريمتهم , لكن مما يضعف من هذه النظرية هي ان الدولة الفرنسية أرسلت قواتها مرارا للقضاء على الوحش كما انها رصدت جائزة كبيرة لمن يقتله.
نظرية أخرى تقول ان الوحش في الحقيقة هو نوع من الذئاب يقول العلماء انها انقرضت قبل ألاف السنين و تدعى (Dire Wolf ) , الا ان ما يقوض هذه النظرية هو ان هذا النوع من الذئاب يكاد يتساوى في الحجم مع أنواع الذئاب الأخرى المنتشرة في أوربا , إضافة الى صعوبة إثبات وجود أي منها في القرن الثامن عشر بعد ان انقرضت قبل الاف السنين.
و يبقى ما امن به سكان مقاطعة شيفلدان و اعتقدوا به و هو ان الوحش في الحقيقة ما هو الا مستذئب (Werewolf ) بسبب حجمه و شكله الغريب و ولعه باللحم البشري و عدم تأثير الأسلحة العادية فيه و كذلك ظهوره و اختفائه المفاجئ , لكنه إيمان و اعتقاد يرفضه العلم الحديث بشكل كامل.
و ينبغي ان نذكر انه بعد أربعين عاما ظهر في مقاطعة (Vivarais ) الفرنسية مخلوق أخر يشبه وحش شيفلدان و قام بقتل 21 ضحية خلال الفترة بين عامي 1809-1813 , و كذلك حدثت أمور مشابهة في مقاطعة (L’Indre ) بين عامي 1875-1879 , و الغريب ان جميع هذه الحوادث و من ضمنها تلك التي حدثت في شيفلدان تستمر لفترة تقارب الاربعة سنوات يختفي بعدها الوحش فجأة كما ظهر فجأة , كما ان التقارير حول هجمات من مخلوق يشبه الذئب استمرت في فرنسا حتى عام 1954.
ابتسم ستيفان ساخرا. مما تقوله انستازيا
يبدو أن كل ما يدور بعالم البشر عن المستذئبين فقط
نظرت له انستازيا بجدية
لا، فمصاصي الدماء يتم تداول قصصهم على مدار السنوات الماضية كثيرا من بينها الغامض والآخر الذي له أسباب مثل قصة ذلك العجوز
العجوز المقعد ايليس ميلتون لا يوافق هذا الرأي بالتأكيد، فالرجل خاض تجربة مريرة وحقيقية مع امرأة شابة هاجمته بشراسة وعضته في وجهه وذراعه زاعمة بأنها مصاصة دماء.
الحادثة وقعت قبل منتصف الليل بقليل بالقرب من احد المطاعم في سان بطرسبرج فلوريدا، ايليس ميلتون (69 عاما) التقى الشابة جوزفين ريبيكا سميث (22 عاما) على قارعة الطريق قبل وقوع الحادثة بفترة قصيرة، لم يكن لدى العجوز مأوى يلجأ إليه تلك الليلة فتوقف بكرسيه المدولب عند احد محطات البنزين حيث التقى جوزفين التي كانت قد قدمت برفقة احد أقاربها بالسيارة ونزلت لوحدها بالقرب من المحطة. ولأن المطر كان غزيرا تلك الليلة فقد اقترح العجوز على جوزفين الاحتماء بمظلة احد المطاعم على الطرف الآخر من الشارع، ايليس قال بأنه أراد البقاء مع الشابة ريثما يأتي احد أفراد عائلتها ليقلها، لكن النعاس غلبه فنام فوق كرسيه المدولب.
نوم العجوز المسكين لم يدم طويلا، فقد استيقظ مرعوبا ليشاهد جوزفين تقف فوق رأسه وهي تصرخ كالمجنونة زاعمة بأنها مصاصة دماء وبأنها سوف تأكله! ثم هاجمته بشراسة وراحت تعضه في وجهه وذراعه، ايليس أصيب بعدة جروح غائرة واخذ ينزف بغزارة لكنه تمكن بطريقة ما من الإفلات من براثن الشابة المسعورة ليعود إلى المحطة ويتصل بالشرطة طالبا النجدة.
الشرطة عثرت لاحقا على جوزفين بالقرب من المطعم وهي نصف عارية ومغطاة بدماء ايليس، وقد أخبرت الشرطة بأنها لا تتذكر شيئا عن الحادث ولا تعلم بما جرى.
الشرطة نقلت ايليس الى المستشفى حيث تم تقطيب جروحه، أما جوزفين فقد أودعت السجن وحددت كفالتها بمبلغ نصف مليون دولار بانتظار محاكمتها بتهمة الاعتداء على العجوز المقعد.
جادلها ستيفان مرة أخرى
اذا هم بشر مدعين؟
لا، هناك بعض القصص التى اتخذت شكلا اخر لكن للاسف حدثت بوقت يصعب الاستدلال على حقيقته من عدمها لعدم وجود ادوات التوثيق الحالية التى يستخدمها البشر مثل قصة ذلك الموظف الذي كتب قصته ذلك المدون في قرية كيسيلوفا
كيسيلوفا هي قرية فقيرة و صغيرة لا يميزها شيء عن مئات القرى البائسة المحيطة بها ، كان سكانها من المزارعين الصرب البسطاء يعيشون بسلام و هدوء قانعين بفقرهم و بؤسهم الازلي و لكن ذلك كله تبدل في اليوم الذي توفى فيه احد ابنائها و يدعى بيتر بلوكويتز ، ذلك الاسم الذي اصبح مجرد ذكره ينشر الرعب و الذعر على وجوه سامعيه و يجعل دمائهم تتجمد في شرايينهم. اليك عزيزي القاريء القصة الكاملة لواحدة من اقدم و اشهر قصص مصاصي الدماء و لا تنسى دوما بأننا نتكلم عن حقائق بعيدا عن الخرافات و الاساطير ، حقائق قد يعجز العلم احيانا عن ايجاد تفسير منطقي لها.
لم يكن الموظف النمساوي (فرومبلاد) يتخيل حتى في الاحلام ان يستمع لهكذا طلب ، فرغم انه استمع الى الكثير من الترهات و الخرافات منذ ان تم تعيينه في المكتب الحكومي في المقاطعة الصربية الا ان هذا الطلب كان غريبا و مرعبا بكل معنى الكلمة مما جعله يشعر بشيء من القرف و الاشمئزاز و هو يستمع الى مجموعة المزارعين البسطاء الواقفين امام مكتبه ، كانوا مجموعة من الرجال البؤساء و قد زادهم الرعب و الخوف المرتسم على وجوههم تعاسة و بؤسا. اخبروه بأن القصة بدأت في اليوم الذي توفى فيه المزارع بيتر بلوكويتز (Peter Plogojowitz)، حيث بدأت بعدها حوادث الموت الغريبة في القرية ، خلال تسعة ليالي مات تسعة رجال في القرية ، كانوا يجدونهم جثة بلا حراك في فراشهم صباحا و قد تعرضوا للخنق و فقدان الدم اثناء نومهم ، بعض المزارعين اقسموا بأنهم شاهدوا جثة بلوكويتز تتجول في طرقات القرية ليلا و ان زوجته قد اخبرتهم بأنه اتى اليها و طلب منها ان تعطيه حذاءه و انها فرت من القرية بعد هذه الحادثة خوفا و هلعا ، و ان الكثيرين من سكان القرية ايضا فروا الى القرى الاخرى خوفا من ان يتعرضوا للموت على يد بلوكويتز الذي يصرون على انه تحول الى مصاص دماء بعد موته.
لم تنفع كل محاولات فرومبلاد لثني المزارعين عن نبش قبر بلوكويتز او ان ينتظروا موافقة السلطات في بلغراد على ذلك ، لقد توسلوا به بأن يساعدهم بأن يحضر كشاهد لأن المسألة لا تتحمل الانتظار فهم يخشون ان تتأخر وصول موافقة بلغراد و في هذه الاثناء فأن بلوكويتز سيقضي على جميع الاحياء في القرية ، لقد اقسموا له بأن شيئا مماثلا حصل في قرية مجاورة قبل عشرين عام –زمان احتلال الاتراك لصربيا- و ان جميع ساكنيها تعرضوا للقتل على يد مصاص الدماء لأنهم تأخروا في نبش قبره .
و رغم عدم رضاه عما ينوي المزارعون فعله الا انه اشفق عليهم لما هم فيه من رعب و بؤس و قرر الحضور لمشاهدة عملية نبش القبر و رافقه ايضا قس المقاطعة موفدا عن الكنيسة و في يوم ما من عام 1725 وقف الاثنان و هما يشاهدان المزارعين ينبشون قبر بيتر بلوكويتز و يكشفون عن جثته ، الى هنا عزيزي القاريء ربما يكون من الافضل ان اتركك مع ما كتبه الموظف (فرومبلاد) في تقريره الذي رفعه الى مسؤوليه النمساويين في بلغراد (صربيا كانت محتلة انذاك من قبل امبراطورية النمسا) حول ما رأه في ذلك اليوم الكئيب :
“بما ان هناك علائم خاصة على جثث هؤلاء الناس (الذين يسمونهم الناس هنا بالفامباير Vampire) ، منها عدم تحلل الجثة و استمرار الجلد و الشعر و اللحية و الاظافر بالنمو و التجدد ، لذلك قرر السكان بالاجماع نبش قبر بيتر بلوكويتز و فحص جثته للتأكد من وجود بعض العلائم سالفة الذكر عليها ، لذلك اتوا الي و قصوا علي الاحداث التي جرت في قريتهم و طلبوا مني و كذلك من راعي الابرشية بأن نأتي لرؤية عملية نبش القبر ، و رغم اني لم اشجعهم على فعل ذلك و اخبرتهم بأن السلطة الرسمية يجب ان تبلغ و يجب اطاعة رأيها و لكنهم لم يوافقوا على ذلك و اصروا على نبش القبر و قد خفت اني لو منعتهم من ذلك فأنهم سيهجرون بيوتهم و قريتهم و لأنه خلال الفترة التي يستغرقها وصول الموافقة من بلغراد فأن قريتهم ربما – و قد حدث هذا زمن الاتراك كما اخبروني – ستدمرها و تفنيها الارواح و المخلوقات الشريرة.
بما اني لم استطع ثني السكان من نبش القبر سواء بالكلام المعسول او بالتهديد و الوعيد لذلك فقد ذهبت الى قرية كيسيلوفا برفقة راعي الابرشية و رأيت جثة بيتر بلوكويتز ، و قد نبشوها توا و قد لاحظت ، و بكل صدق ، بأني لم اشم و لا حتى القليل من الرائحة الكريهة التي تميز جثث الموتى ، و الجثة كانت سليمة و لم تتحلل بعد ، بأستثناء الانف الذي كان نوعا ما قد تنحى عن مكانه ، لكن الشعر و اللحية و كذلك الاظافر كانت قد طالت و نمت كما ان الجلد القديم كان قد تقشر و خرج منه جلد جديد و كذلك الوجه و الرأس و الاطراف كانت كلها بحالة جيدة كما لو كان الميت لايزال على قيد الحياة ، و لشدة دهشتي فقد شاهدت دماء طازجة تغطي فمه و التي طبقا لأقوال الحضور فأنها دماء ضحاياه الذين مص دمائهم.
بأختصار ، جميع العلائم التي تصاحب جثث مصاصي الدماء كانت ظاهرة على الجثة ، و بعد ان شاهدنا ذلك انا و راعي الابرشية ، فأن السكان اصبحوا اكثر هيجانا و قاموا على وجه السرعة بجلب عصا مدببة استعدادا لدفعها في قلب الميت و التي اثناء اختراقها للقلب فأنه ليس فقط الكثير من الدم الطازج انفجر من فم و اذان الميت و لكن كانت هناك علائم مرعبة اخرى حدثت للجثة – عفيت عن ذكرها احتراما – ، بعد ذلك قام السكان و طبقا لطقوسهم بحرق الجثة”.
هذه كانت شهادة الموظف فرومبلاد و الموثقة في السجلات الحكومية في بلغراد لما رأه في ذلك اليوم و قد ارسل هذا التقرير الى مسؤوليه و طلب بتواضع في نهايته ان يغفروا له ان كان اخطأ في اداء واجبه و لكن يبدو ان احدا لم يهتم او يلتفت اصلا لما كتبه فرومبلاد و بقى التقرير محفوظا لعقود في سجلات الحكومة حتى وقعت عليه ايدي المؤرخين و بغض النظر عن ايماننا بصحة ما ورد في شهادته حول الجثة الا ان هذه الشهادة تبقى اقدم توثيق في اوربا لعملية اتلاف جثث الاشخاص الذين يعتقد بأنهم تحولوا الى مصاصي دماء و التي استوحى منها الكاتب برام ستوكر روايته الشهيرة “دراكولا”
في انجلترا احدى بلدان البشر في القرن التاسع عشر , تحديدا إلى مقاطعة كمبريا , أو كمبيرلاند كما كانت تسمى في ذلك الزمان , وهي منطقة ريفية تقع في شمال انجلترا على الحدود مع اسكتلندا.
نحن الآن في أواخر خريف عام 1871 نقف إزاء منزل ريفي ذو طابق واحد , سقفه منحدر تعلوه مداخن مسودة , وجدرانه مبنية بحجارة ذات لون بني باهت تتخللها العديد من النوافذ الخشبية . منظر المنزل في هذا الوقت من السنة لا يسر الناظرين , ليتك رأيته في الربيع , لكن ليس الآن , فهو يقف وحيدا على قطعة أرض واسعة تغطيها حشائش مصفرة وشجيرات قصيرة متيبسة , هذه الأرض مفتوحة من جميع الجهات , باستثناء طرفها الجنوبي حيث يوجد سياج خشبي عال يحاذيه صف طويل من أشجار السنديان و الزيزفون الضخمة التي جردها الخريف من أوراقها للتو فبدت كغيلان عارية قبيحة , وخلفها مباشرة توجد مقبرة صغيرة ملحقة بكنيسة مهجورة , من الواضح أن أحدا لم يدفن في تلك الجبانة العتيقة منذ زمن بعيد , فشواهد القبور سوداء متآكلة وبعضها مهشم , والكنيسة نفسها لم يتبقى منها سوى أطلال خربة.
فهذا المنزل الذي عرفه الناس بأسم كروجلين غرانج , ليس وحيدا , إذ توجد منازل أخرى في الجوار , لكننا هنا في الريف , وجوار الريف غير جوار المدينة , في الريف تكون المنازل متباعدة وتفصلها أراضي واسعة , ونادرا ما يتغير سكانها , فهي بالعادة متوارثة لعدة أجيال , وهذا الأمر يصدق تماما على المنزل الذي وصفته لكم قبل قليل , فمالكوه , آل فيشر , عاشوا فيه وتوارثوه أبا عن جد لعهود متمادية , لكن أمورهم المادية تحسنت كثيرا في الآونة الأخيرة , فعقدوا العزم على الانتقال لمنزل أكبر , وها هم يلملمون أثاثهم وأغراضهم تاركين منزل الأجداد خاليا إلا من صفير ريح الشتاء الباردة , وبحلول موسم الصيف المقبل سيتم تأجير المنزل لعائلة جديدة تدعى كرانسول , تتألف من شقيقين يدعيان ادوارد ومايكل وشقيقة أسمها إميليا
الأسابيع الأولى لآل كرانسول في منزلهم الجديد مرت بغاية الهدوء والانبساط , فالهواء عليل والمناظر خلابة خصوصا بعد أن ارتدت الطبيعة حلتها الصيفية الخضراء الزاهية . كما أن الجيران ودودن , توطدت علاقتهم سريعا بالأشقاء الثلاثة لأنهم ذوو شخصيات مرحة محببة.
لكن هذه السعادة لم تدم طويلا , فذات ليلة مقمرة من ليالي تموز / يوليو وقع حادث مروع قلب حياة الأشقاء الثلاثة رأسا على عقب وملئ نفوسهم هلعا ورعبا.
في تلك الليلة الليلاء تناول الأشقاء عشائهم باكرا لأن الجو كان حارا فوق المعتاد , وبعدها خرجوا إلى شرفة صغيرة عند مدخل المنزل وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث في الهواء الطلق حتى أدركهم النعاس فتوجه كل منهم إلى حجرته الخاصة , وكان من عادة اميليا أن تقفل باب حجرتها وتغلق نافذتها قبل أن تأوي إلى سريرها , وكما قلنا تلك الليلة كانت حارة جدا , لذا لم تستطع اميليا النوم بسهولة وظلت تتقلب في فراشها لوقت طويل حتى ضاقت ذرعا فقامت متأففة وهي تنوي فتح الشباك علها تحظى بنسمة هواء منعشة . لكن ما أن وقفت إزاء الشباك ومدت يدها لتفتحه حتى وقعت عيناها على نقطتان حمراوتان تتوهجان بين الأشجار البعيدة المحاذية للسور الخشبي الذي يفصل أرض المنزل عن الكنيسة الخربةلوهلة ظنت إميليا أن حيوانا ما يختبأ بين الأشجار , لكن عندما دققت النظر أكثر لاحظت بأن النقطتان ملتصقتان على ما يبدو بجسم داكن غير واضح المعالم , وأنهما تتحركان. أميليا شعرت ببعض الخوف لكنها لم تبارح مكانها , بل ظلت تراقب ويدها على الشباك لم تفتحه بعد , و بدا لها بأن النقطتان تكبران .. وها هما تتركان الظلمة تحت الأشجار وتصبحان وسط الأرض الخضراء المكشوفة , وتحت ضوء القمر رأت اميليا منظرا جعل قلبها يقفز هلعا من مكانه , فتلك النقطتان الحمراوتان كانتا في الواقع عينا شخص يرتدي ملابس قديمة الطراز , ويسير بطريقة غريبة.
أحساس غريب راود اميليا في أن ذلك الغريب يتقصدها هي بالتحديد وقادم نحوها , وبالفعل ما هي إلا برهة حتى كان يقف قرب نافذتها , فبانت ملامحه واضحة , وكان مخيفا , ذو وجه شاحب متجهم جامد القسمات , كأنه بلا حياة.
أميليا تراجعت إلى الوراء , أرادت أن تصرخ طلبا للنجدة لكن صوتها أبى أن يفارق حنجرتها من شدة الرعب الذي أصابها , بل وكأنها أصيبت بالشلل , فحتى أقدامها لم تعد تحملها , فسقطت أرضا وراحت تزحف صوب الباب أملا في أن يدركها أخواها .
في هذه الأثناء كان الشخص المخيف قد فتح النافذة بعد أن كسر الزجاج وأصبح داخل الحجرة بلمح البصر , وعند سماعها صوت تحطم الزجاج استدارت اميليا إلى الوراء , فوجدت ذلك الشخص يقف فوق رأسها , وبسرعة البرق رمى نفسه عليها و أنشب أنيابه في عنقها يمتص دمها ..
وكأن تلك العضة أرسلت تيارا كهربائيا في جسد اميليا فحررتها من حالة الشلل , وانطلقت حنجرتها تصرخ بأعلى صوتها طلبا للنجدة , وكانت تلك الصرخة المدوية كفيلة بجعل أخواها يقفزان من سريريهما ويهرعان نحو حجرتهما , ولما وجدا الباب مقفلا كسراه , ووراءه كانت اميليا ممددة على الأرض تنزف من رقبتها , فهرع مايكل فورا واحتضنها , فيما ركض ادوارد نحو النافذة المفتوحة لأنه لمح شيئا يقفز منها , وحين نظر عبر النافذة إلى الأرض المفتوحة أمامه شاهد شيئا يخطف بين الحشائش بسرعة ثم ما لبث أن رأى شخصا مجهولا يقفز فوق السور الخشبي ويختفي بين الأشجار الضخمة جهة الكنيسة المهجورة.
الأخوان استدعيا الطبيب و أرسلا أيضا في طلب الجيران من أصحاب الأراضي المجاورة , فاجتمع الرجال و النساء في منزل كروجلين غرانج تعلو وجوههم إمارات القلق والفزع , إذ كانوا قد أفنوا عمرهم كله بهذه الديار , ولم يسمعوا قط بحدوث أمر مماثل , أي مهاجمة امرأة في منزلها . وخرج فريق منهم يحمل المشاعل مفتشا حول المنزل لعله يعثر على أثر للمهاجم , لكنهم لم يجدوا شيء فعادوا خالين الوفاض .
الطبيب عالج جرح اميليا وقال بأن حالتها مستقرة ولا تشكو خطبا في جسدها , لكن من الواضح أن الحادث أثر في نفسيتها , وأنها في حالة صدمة , فنصح أخواها أن يأخذاها في سفرة بعيدة ليروحا عنها.
وبسؤالها عن هوية الشخص الذي هاجمها قالت أميليا بأنه بدا مخيفا وغريب الأطوار , وأنها تظن بأنه شخص مجنون فار من مصحة عقلية . إذ كانت هناك فعلا مصحة عقلية في منطقة غير بعيدة.
الشقيقان أتبعا نصيحة الطبيب وأخذوا اميليا في سفرة طويلة إلى سويسرا حيث ظلوا هناك لعدة أشهر ارتاحت خلالها أعصاب اميليا كثيرا ونست ما كان من أمر الحادث المفزع , حتى أنها كانت هي المبادرة لطلب العودة إلى انجلترا , يحدوها الشوق للقاء صديقاتها في كروجلين غرانج . وهكذا عاد الأشقاء إلى الوطن لكنهم كانوا أكثر تأهبا هذه المرة , إذ أشترى ادوارد مسدسا ووضعه قرب سريره تحسبا لأي طارئ.
ومر أسبوع على عودة الأشقاء والأمور على أحسن ما يرام , لكن في أول ليلة من الأسبوع الثاني وبعدما أوى الأشقاء لأسرتهم , سمعت اميليا طرقا خفيفا على نافذتها , ففتحت عيناها لترى نفس ذلك الشخص الغريب الأطوار واقفا عند النافذة يهم بالدخول لحجرتها . لكن حنجرتها لم تخنها هذه المرة , إذ صدحت بالصراخ طلبا للنجدة , فهرع أخواها إليها , وعندما دخلا حجرتها لم يجدا أحد سواها , لكن أميليا المرعوبة أشارت لهما نحو الشباك المفتوح , فركض ادوارد نحوه وشاهد شخصا يركض فوق الأرض المكشوفة هاربا نحو السور الخشبي , فأطلق ادوارد النار من مسدسه وأصابه في قدمه , لكنه استمر بالركض نحو السياج , وبقفزة واحدة عبره ثم توارى في الظلام بين الأشجار.
هذه المرة أصبح الوضع لا يطاق , اميليا في حالة هستيرية , وأيقن الجميع بأن الأمر يتعدى مجرد شخص مجنون هارب من مصحة , فأجتمع الرجال في صباح اليوم التالي برفقة العمدة وخرجوا يفتشون كل شبر بحثا عن ذلك المهاجم القميء , و طبعا بدئوا بحثهم أولا جهة السور الخشبي لأنه ذلك الشخص فر إلى هناك في كلتا المرتين , وسرعان ما قادتهم أقدامهم إلى الكنيسة المهجورة ومقبرتها العتيقة , ولاحظ أحدهم وجود خيط دم رفيع يمر عبر القبور وصولا إلى أحد سراديب الموتى , وكان السرداب مظلما تسد مدخله ببوابة حديدية كبيرة عليها سلسلة وقفل صدئ , فكسروا القفل ثم أشعلوا مصابيحهم ونزلوا عبر دهليز مظلم وبارد إلى حجرة صغيرة تتوزع على جوانبها التوابيت , وقد هالهم ما شاهدوه , فالتوابيت مفتوحة , كأن شخصا ما عبث بمحتوياتها , وعظام الموتى وجماجمهم مبعثرة في أرجاء المكان , إضافة إلى عظام الكثير من الحيوانات . لكن كان هناك تابوت واحد سليم تماما لم تمسسه يد بسوء , فتعجبوا من أمره وقرروا أن يفتحوه , وعندما رفعوا الغطاء ونظروا إلى ما بداخله ارتعدت فرائصهم وتشابكت أيديهم وتراجعوا إلى الوراء مرعوبين , إذ كانت في داخله جثة لرجل تنطبق عليه المواصفات التي ذكرتها اميليا , والمدهش أن الجثة سليمة وكأنها لرجل مات بالأمس مع أن المكتوب على التابوت يشير إلى أن صاحب الجثة مات قبل أكثر من مائة عام ! .. والأكثر غرابة هو أنهم وجدوا جرحا في قدم الرجل الميت , وكان الجرح رطبا ينزف دما , وكان ادوارد قد اخبرهم بأنه أصاب الشخص الغامض الذي هاجم شقيقته برصاصة في قدمه. فوقف الجميع ينظر واحدهم إلى الآخر وقد امتقعت ألوانهم وعقدت الدهشة ألسنتهم لا يدرون ماذا يقولون وكيف للأمر يفسرون.
وكان بينهم شيخ عجوز كثير الأسفار عرك الحياة وعركته , فقال بعد طول سكوت : “أنه مصاص دماء” .
فألتفت الجميع نحوه ورددوا متعجبين : “مصاص دماء! .. وماذا يكون؟”.
قال العجوز : “شخص ميت تحول عن طريق السحر إلى كائن يعتاش على مص الدماء”.
فقالوا متعجبين : “وكيف لميت أن يقوم ويتحرك؟!”.
فأجب العجوز : “لا تعجبوا من ذلك , فهو جسد بلا روح استولى عليه الشيطان ومسخه إلى كائن طفيلي مخيف ليرهب الناس ويزعزع إيمانهم . وأظنه عاش على دماء الحيوانات طويلا , فكما ترون المكان يعج بعظامها , لكنه ضجر ومل من دمائها فقرر أن يجرب شيئا جديدا , دما بشريا , وبالطبع بدأ بأقرب البيوت”.
قالوا : “وماذا نفعل الآن؟”.
فرد العجوز بنبرة متوعدة : ” نحن هنا في عرينه , و والله لو جن علينا الليل هنا وصحا من رقدته فلن يخرج احد منا حيا من هذا المكان , خصوصا بعد أن كشفنا أمره , فسارعوا لنتخلص منه , و لنتغدى به قبل أن يتعشى بنا”.
فقالوا بصوت واحد : “وكيف لنا أن نفعل ذلك؟”.
قال العجوز : “استخرجوا قلبه واحرقوه على حدة , واقطعوا الرأس واحرقوه على حدة , ثم الجسد كاملا أحرقوه على حدة ولا تتركوا منه سوى الرماد”.
فأخرجوا سكاكينهم , وحين أنشبوها في صدر مصاص الدماء تحركت ملامحه وندت عنه آهة مكتومة , لكنه لم يستطع حراكا , ولشدة دهشتهم فقد نزف قلبه الذي استخرجوه دما عبيطا كأنه قلب رجل حي , فتأكدوا من صحة ما قاله الرجل العجوز , وأحرقوا القلب والرأس والجسد كما علمهم أن يفعلوا , وبعدها أعادوا عظام الموتى إلى التوابيت ثم أقفلوا باب السرداب وغادروا المكان على عجل قبل حلول الظلام.
وكانت تلك آخر مرة يسمع فيها سكان تلك المنطقة عن مصاصي الدماء أو يتعرضون لحوادث على يدها . ومرت سنوات طويلة , رحلت أجيال وأتت أجيال أخرى , لكن سكان كمبرلاند لم ينسوا أبدا قصة مصاص الدماء.
كان الفرد يستمع لانستازيا بذهول مما نقصه فبعض تلك الأحداث كان لها مقابلا بعالمهم حيث اختفي بعض الأفراد على مر التاريخ ولكن ظهورهم بعالم البشر امر عجيب ويستحق التحقيق للوصول لحقيقة الأمور