الفصل الثاني

وتغيرت اقداري
للكاتبة هدى محمود

تجتمع العائلة مع العم وابنائه على مائدة الطعام
واثناء تناولهم الغداء تتكلم الاء اخت فارس
— كيف حالك يا قدرية يا ابنة عمي ؟
يسمع فارس الاسم ثم ينظر اليها ليعرف ان هذه البنت هى العروس
— فتجيب بخير والحمدلله ياالاء يا ابنة عمي،،كيف حالك انتي منذ فترة طويلة وانا لم اراكي ؟
تخبر الاء ابنة عمها عن سبب عدم رؤيتها الفترة السابقة.
— اعتذر عن عدم استطاعتي رؤيتك وذلك بسبب دراستي بالجامعة ووجودى الدائم بالمدينة الجامعية
تتعجب قدرية من ذلك.
— ماذا تعني المدينة الجامعية هذه؟
تبتسم الاء وتوضح لها
_ حبيبة قلبى المدينة الجامعية هذه مكان ينزل به الفتيات المغتربات يعني اللى منزلهم يكون بعيدا عن الجامعه ويناموا بها ويقضوا فيها معظم اوقاتهم.
تنظر قدرية الى الاء بتعجب
— يادي العيبة ...تقصدين انكي تقومي بالنوم بعيدا عن بيت والدك؟
تضحك الاء وهي تنظر لفارس الذي يشاركها الضحك
— نعم مثلما تقولين فهو مكان آمن .
تحاول الاء ان تجعل قدرية تتكلم عن نفسها.
— وانتي يا قدرية كيف تقضين يومك ؟
— والله يا ابنة عمي انا حزينة فقد تعرضت لسرقة ام
تندهش الاء والحاجة امال بينما ينظر فارس اليها باهتمام.
— اتعلمين يا زوجة عمي لقد طلبت امي ان اذهب وأحضر لها بعض الفاكهة وظللت اجمع الفاكهة حتى ملئت الوعاء  وتركته تحت الشجرة وذهبت لاغسل يد ، وعندما عدت وجدت لصا قد سرقه بوعائه .
تعرف الام ما حدث ومن اين احضر فارس الفاكهة .
فتبتسم قائلة
— انني اعرف ذلك اللص جيدا .
فينظر اليها فارس ويقوم برفع حاجبيه حتى لا تخبرهم والده انه هو ذلك اللص.
فتسرع قدرية بالتحدث الى زوجة عمها
— من هو يا زوجة عمي هذا اللص الحقير اخبريني من يكون وانا اخلع حذائي واقوم بضربه على وجهه.
فيمسك فارس بوجهه .. وتبتسم والدته.
وبعد الانتهاء من تناول الغداء ياتي الشيخ فؤاد ويرحب باخيه  ويقوموا بشرب الشاي معا وتاخذ الحاجة امال سلفتها وتجلس لتتحدث معها وتطلب من ابنتها الاء ان تجمع بين قدرية وفارس حتى يتعرفوا اكثر.
وبالفعل الاء تقف تتحدث مع اخيها ،فترى قدرية جالسة مع زوجة اخيها سارة فتنادي عليها و يتعجب فارس من ذلك ،وعندما تاتي تخبرها الاء
— لم نجلس مع بعض منذ فترة كبيرة ، وعندما نجتمع تتركينا وتجلسي مع زوجة اخيكي
ابتسمت قدرية
— اعتذر منكم على خطا غير مقصود، فظننت انكم تريدون الاختلاء ببعض ،فانتم لديكم اشياء كثيرة مشتركة كالتعليم وافكاركم متشابهة قما الذي يجعلكم تحبون وجودي معكم .
تربت الاء على كتف قدرية
— انتي ابنة عمنا ...وقريبا ستصبحين زوجة اخي طبقا للعرف السائد بالقبيلة .
يغضب فارس ويشعر بانها طريقة لتوريطه ، بينما تشعر قدرية بالخجل يستأذن فارس ويصعد لغرفته
ويقوم فى هذه اللحظة الشيخ فؤاد بطلب يد قدرية لفارس. ويقوم الاخوين بقراءة الفاتحة وتتفرجىء والدة فارس بما حدث فهى تحاول التقريب بينهم اولا لا فرضها عليه ....وتقوم والدتها وزوجة اخيها بالزغاريد ليسمع فارس هذه الزغاريد وينادي على هنادي ويسالها
— ماهذه الزغاريد التي اسمعها ؟
تقوم هنادي بالزغاريد امامه
— الف مبروك يا فارس بيه لقد قرأ الكبير فاتحتك على الست قدرية .
يمسك فارس رأسه ويخرج حقيبته ويضع بها ملابسه
فقد قرر السفر الي القاهرة .

يغادر العم وعائلته منزل الشيخ فؤاد وهم سعداء
بينما فارس يستعد لمغادرة بيت والده وهو حزين .

ينزل فارس وبيده حقيبته ويقف امام والدته فيضع حقيبتة على الأرض.
— امي سامحينى  لم اعد اتحمل هذه الطريقة فالتعامل ،انا الطبيب فارس فؤاد البارودي  ولا اقبل
بهذه الطريقة المهينة .
تمسك امه بيده
— بني لا تعقد الامور .
— امي انتم من عقدتم الامور وليس انا .
وابلغي والدي اعتذاري لن استطيع الزواج بقدرية .
يخرج الشيخ فؤاد البارودي من غرفته
— الى اين تذهب يا فارس؟
— الى مكان لا يفرض فيه على شىء لا اريده .
شعر الشيخ فؤاد بالغضب
— هل تريد ان تعصي تقاليدنا وعرفنا وتصغر والدك وتكسر كرامته وكبريائه بين القبيلة .
— والدي منذ اللحظات الأولى لوصولي الى هنا وانا ارفض الزواج بهذه البنت ..اريد ان اتزوج من فتاة اعرفها وتعرفني متقاربين  في الفكر والثقافة تفهمني  من دون ان اتكلم .
— فارس اذا خرجت من البيت فلن تعود له ثانيا وانت لست ولدي ولا اعرفك وسأتبرىء منك ليوم الدين،  ولن يكن لك الحق موتي  في اي شىء.
فارس يحمل حقيبته وهو في طريقه الى الباب تصيح والدته
— فارس انتظر ارجوك لا ترحل لن استطيع الحياة بدونك وتسقط على الأرض فاقدة لوعيها.
يسرع فارس بحمل والدته وبالكشف عليها يتضح انها تعاني من ارتفاع ضغط الدم.
يعطي فارس الدواء لوالدته ويجلس بجوارها حتى يتم انخفاض ضغط الدم الى المستوي المطلوب.

وعندها تعود والدته الى وعيها .وتطلب منه عدم كسر كلمة والده والتقليل من شأنه امام القبيلة .
يشعر فارس انه برفضه الزواج من ابنة عمه سيخسر كل شئ... سيخسر والده ووالدته واحترام القبيلة له،  فيقرر الموافقة على الزواج من ابنة عمه.
— سأوافق على الزواج بها ولكن ساجعلها تندم على ذلك وتطلب الطلاق... ساعاملها كالخادمة وساعيش حياتي كما اريد.
اعلن فارس موافقته لامه على الزواج بأبنة عمه.
—ساوافق يا امي لاجلك انتي ولكن لا تطلبي مني ان احب هذه البنت.
ترحب الحاجة امال بموافقة ابنها على الزواج من ابنة عمه.
— اعرف ان الحب سيأتى بدون ان يجبرك احد عليه يا ولدي.
تتعالى الزغاريد ومظاهر الفرح بين جميع افراد العائلة.. الجميع سعيد وبيت الشيخ فؤاد لا يكاد يخلو من هؤلاء الذي جائوا اليه بالهدايا مهنئين زواج ابنه. الوحيد.

وجاءت ليلة العرس فقد كان عرسا يليق بكبير البارودية،  السعادة ترفرف على الجميع اما فارس فكان يشعر بانه اتعسانسان على وجه الأرض ويتمنى لو ان العروس التي بجانبه تتبدل باخرى يحبها ويجدها مناسبة له فى كل شىء،  فقد كان دائماً ما يقول لأصدقائه انه سيتزوج بامرأة مثقفة على قدر عالى من الجمال تحب القراءة وخاصة في مجال الطب حتى يحدث تقارب فكري بينهم امرا كاملة تجد فيها كل ما تتمناه في شريكة حياتك.
وكان دائماً ما يخبروه وان لم تجد ماتريد فيخبرهم
— فلن اتزوج اذن وما تلذي يجبرني ان اتزوج بامراة كأي امرأة.
يجلس فارس ويتذكر ما كان يقوله لاصدقائه عن صفات شريكة حياته و التي لن يقبل باقل من هذه الصفات،  فينظر بجانبه ليجد قدرية تنظر اليه مبتسمة.
تلاحظ والدته الحزن الطاهر على ولدها فلم تراه يبتسم ابتسامة واحدة من ليلة امس.
—سامحني يا ولدي فتلك عادات وعرف قبيلتنا ولن نسمح لاحد من ابنائنا بتغيره  وستعرف غدا ان ابنة عمك هى انسب زوجة لك.
ينتهي العرس ويصعد العروسين الى غرفتهم
فتجلس قدرية بفستانها الابيض على السرير
ويجلس فارس على الطاولة التي بها الطعام الخاص بهم ويقوم بتناول الطعام  فتنظر اليه قدرية بتعجب
— ما هذا الرجل.. هل لم يرى طعاما في حياته... كأنه لم بأكل منذ ايام... قريبا سينتهي من طعامه وسيأتي ليتحدث معي كم احبك يا ابن عمي فمنذ ان كنا صغارا وانا احبك واحب الثرى الذي تسير عليه بقدمك،  ولكنك لم تكن تشعر بي مطلقا،  اما الان فقد اصبحت زوجي وحبيبي.
انهى فارس طعامه ودخل الى المرحاض لغسل يده ثم يخرج من الغرفة ليذهب الى غرفة والدته ليجلس معها.،  تتعجب والدته عندما تراه.
— ما الذي جاء بك الآن يا ولدي؟
ابتسم فارس وقام بسحب المقعد ووضعه امام والدته وجلس عليه
— جئت لاجلس معكي كعادتي معك.
ابتسمت الام واخذت ولدها فى احضانها قائلة:
— ولكن يا ولدي هذا با يصح،  المفروض ان تكون مع عروسك الآن، لا ان تتركها بملابس العرس وتنزل لتجلس معى،  فانت لا تعرف لو عرف احد بذلك فسيظن بك ظنا سىء يا ولدي..
يتعجب فارس من. الدته التي تعرف انه لا يحب ابنة عمه ولا يريدها.
—امي انت تعرفي جيدا انني لم اكن لاتزوج بهذه القدرية الا من اجلك فلا تطلبي مني لكثر من ذلك.
تربت الام على راس ابنها.
— لن اطلب منك اكثر من ذلك ولن اضغط عليك ياحبيبي كل مااطلبه ان تعود الى حجرتك حتى لا يراك احد.
وقف فارس واتجه الى باب الغرفة ثم نظر الي امه وشرد،  قلاحظت امه شروده.
—قارس ماذا بك يابني؟؟
خرج فارس من حالة الشرود التي كان بها
—كنت اتسأل كيف استطاعت امرأة مثلك قاهرية مثققة خريجة كلية الحقوق بامتياز مع مرتية الشرف ان تعيش وسط مجتمع جاهل
بل وتتكلم مثلهم وتعيش كأنها واحدة منهم،  وگأنك لم تتعلمي وتدخلى جامعة؟؟؟؟!
ضحكت الام ثم نهضت من مكانها واتجهت صوب ولدها الذي كان يقف على باب الحجرة.
— ايقنت يا ولدي ان العلم ليس بالمدارس والجامعات فقط فهنا تعلمت اكثر مما تعلمته بالمدارس اكتسبت فنون التعامل بين الناس حتى صرت كبيرتهم رغم انني الثامنة و الاربعون من عمري... شعرت هنا باهميتي وانا اجلس فى مجالس الصلح بين الناس واستخدمت علمي في كيفية ادارة الامور،  وما تعلمته من معاشرتي  لابناء قبيلتي جعلني استطيع ان افهم الناس واعرف كيف يفكرون الناس عنا يا فارس ناس لديهم خبرة فالحياة ليست عند غيرهم من الاطباء والمهندسين وغيرهم،  لن تعرف ما اقصده الان ولكن ستفهم في، يوم من الايام ما اقوله لك الان.
ابتسم فارس وقبل يد والدته وغادر حجرتها الي حجرته.
—اسال الله ياولدي ان يرزقك الرضا بما قسمه لك وان ينير بصيرتك وان يسدد خطاك
يدخل والده الشيخ فؤاد البارودي الى غرفته
ويسأل زوجته.
—ماذا كان يفعل فارس هنا في هذا الوقت.
ابتسمت الحاجة امال
— يا زوجي الحبيب ما اشبه اليوم بالبارحة
يتعجب الشيخ فؤاد
— ماذا تقصيد بذلك يا ام فارس؟
— اقصد انه سيأخذ وقته حتي يحدث اندماجا بينهم، كل ما تريده حدث دع فارس يأخذ وقته لغيره.
فيفهم ماذا كانت تقصده زوجته بقولها ما اشبه اليوم بالبارحة فهي تذكره بنفسه وانه قد اخذ وقته حتي يحب زوجته فيجب عليه ان يعطي لابنه ايضا هذه الفرصة

دخل فارس الى غرفته قدرية مازالت بملابس العرس
— لماذا لم تغيري ملابسك ام انك تنتظريني لاقوم بتغيرها بنفسي؟
تشعر قدرية بالاهانة لتقوم علي الفور بالدخول الي المرحاض وتغير ملابس الزفاف  وترتدي قميص نوم احمر، فينظر اليها ضاحكا.
— هل تم الحكم عليكى بالاعدام فترتدي الاحمر.
نظرت اليه قدرية وهمست لنفسها
—لماذا يتصرف فارس هكذا... لم اعرف يوما انه بهذه الاخلاق.
وتقوم بتغير ملابسها مرة اخرى لترتدي بيجامة بيضاء وتستعد لتنام بجانبه فيأبى
—لن تنتمي هنا.. بل على الارص.
صدمت قدرية عند سماعها هذه الكلمات من ابن عمها وزوجها فهى في، بيت والدها لم تنم يوما على الارض... ولكنها تفرد غطاء على الارض وتنام ودموعها تتياقط على، خديها
وتتسائل لماذا يتصرف معها فارس هكذا.
وفي الصباح تستيقظ قدرية وتذهب لتعد الفطور لزوجها فتراها الحاجة امال وتسألها
—ماذا تفعلي يا ابنتي؟
فتخبرها قدرية
— اقوم باعداد الفطور لفارس
تتعجب الحاجة امال
—حبيبتي انتي عروستنا ويأتي الطعام اليكي.
وتربت علي كتفيها
— اعلم يا بنيتي ان الليلة الماضية كانت صعبة وحزينة عليكي..
فتبكي قدرية فتقوم والدة فارس بمسح دموعها.
—كل ما اريده منكي الصبر.. اعرف ابني فرأسه صلب كرأس امه ولكن يا بنيتي كوني انتي النار التي تصهر صلابة رأسه وتلينها.
اعرف اين نمتي بالامس،  لا تخبري احد واصبري وسياتي يوما وتقصين لي كيف يحبم فارس ويقدرك اعدك بذلك .  والان اذهبي الي غرفتك وارتدي اجمل الثياب وضعي بعض مساحيق التجميل لتكوني اجمل عروسة، وتظاهري بالسعادة التي ستصبح يوما من نصيبك.

تاتي والدة العروس وزوجة اخيها سارة لتبارك للعروس في صبحيتها
سألت الام ابنتها
— كيف حالك يابنيتي؟
ابتسمت قدرية واجابتها
— في احسن حال يا امي ففارس  انسان محترم جدا وعطوف وطيب القلب
سمع فارس ما اخبرت به قدرية والدتها عنه من صفات لم ترها فيه.
فرق قلبه قليلا.
وبعد ان رحل الضيوف اخبر فارس والدته بالرغبة في السفر غدا الى القاهرة لقيامه بمزاولة عمله كطبيب اسنان فتعجبت والدته من ذلك.
— كيف يا ولدي تسافر وانت لو يمر عليك ثلاثة ايام.؟
لن تسافر الابعد اليوم الثالث يوم الصلحة
تعجب فارس من كلمات

— و ماهو يوم الصلحة هذا؟
ضحكت الام وقالت:
— انت لم تعرف عادات قبيلتنا حنى الان،  ففي اليوم الثالث والد العريس يقوم بعمل مائدة كبيرة لاهل العريس واهل العروسة
يجلس الاثنان معا وسمي بيوم الصلحة لانه اليوم الذي يتقابل فيه  العائلتين من بعد يوم العرس.

تردد فارس في اخبار والدته بشئ ثم قرر ان يخبرها.
— امي اود اخبارك بشئ
—ما الامر يا ولدي.؟
— كنت اود اخبارك انني لن اصطحب قدرية معي الى القاهرة.
تغصب الام وتعرف ما وراء طلب ابنها، قهو يشعر بالخرج من زواجه بقدرية ولا يريد ان يواجه بها المجتمع
— وما السبب وراء ذلك؟
تعرق فارس وبدأ بمسح عرقه
— ساذهب بمفردي حتى، استقر في عملى ثم سأتي واصطحبها معي.
تتعجب الام من تلك المبررات الغير مقنعة
— اي عمل الذي ستستقر به يا ولدي الم يشتري لك والدك العيادة التي ستعمل بها. فارس احبك ان تكون صريح معي انت تشعر بالحرج من زواجك بقدرية اليس كذالك؟
نظر اليها فارس متعجبا من ذكاء امه.
—نعم يا امي ولكن كيف عرفتي هذا؟!
تواصل الام حديثها
— انت يا ولدي لم تفعل شىء خطأ انت تزوجت على، سنة الله ورسوله بابنة عمك.  وهي بنت جميلة وستعتني بك وتحفظ سرك وبيتك..
— امي حاولى فهمي ارجوكي فاصدقائي جميعهم من الاطباء وزوجاتهم على قد،  عالي من التعليم والثقافة فستشعر قدرية انها  في وسط غريب عنها بل ستكون اضحوكة.

تغضب الام لشعورها ان فارس يستعر من زوجته.
— عندما تكون زوجتك اضحوكة بين اصدقائك فاعلم انك انت الاضحوكة  وانهم يضحكون عليك انت لا عليها كرامة قدرية من كرامتك ياولدي فاحفظ كرامتها تحفظ كرامتك الى هنا وتنتهي احداث. الفصل الثاني
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي