أيقنت

رحاب قابيل`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-25ضع على الرف
  • 28.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

في تلك الوجوه قناع أسود لن تدركيه إلا مع زوال ذلك البريق الزائف الذي يحط بكِ
كانت تلك الكلمات تتردد بذهنها وهي تراقب كل ما يحدث من بعيد.
صخب يملأ المكان كالعادة، أحاديث مملة تتجاذبها بعض من سيدات المجتمع حول الموضة والأزياء، ثم هناك أحاديث من نوع آخر يتجاذبها أحد رجال الأعمال وزوجها عما يحدث في سوق البورصة وما هي آخر التطورات بها.
ارتسمت إبتسامة سخرية على جانب ثغرها عندما رددت كلمة زوجها وهي تنظر إليه وتتسائل، كيف وثقت به إلى ذلك الحد؟ كيف؟!
شعرت بالإختناق عندما تصاعدت إلى أنفها رائحة السيجار الكوبي التي تعبق بالمكان، ترسم سحابة صغيرة فوق رأسهم لكن منذ متى وهي هكذا؟
ألم تكن تلك حياتها التي أعتادت عليها منذ نعومة أظافرها!
هي التي فضلت ذلك البريق الزائف الذي يسحرك منذ الوهلة الأولى راغمًا إياك تسير خلفه كالمسحور وعندما تستيقظ منه يكون فات الآوان
تشتاق إليه الآن!
فقط تريد أن تلمحه مرة واحدة حتى لو كانت تلك هي المرة الأخيرة
كم أنت غريب أيها الإنسان تغتر بحياة وتطالب بها حتى الرمق الأخير لك ثم عندما تأتيك تألفها وبلحظة تمقتها وبكل ما أوتيت من قوة تضربها بها بعرض الحائط كأنها لم تكن تعنيك منذ البداية.
من بعيد شاهدت وجه ابنتها المتورد وإبتسامتها المنتشية فرحة بعيد ميلادها وهي تتجول بين صديقاتها تتأبط ذراع شقيقها "يوسف" الذي تأفف قليلًا من تلك الأجواء، يشيهه إلى حد كبير.
علمت على الفور أنها لن تستطيع القيام بما يدمر هذه السعادة كلها، عليها أن تتحكم بنفسها وما ينتابها من مشاعر ليس هذا هو الوقت المناسب للتفكير في الأمر، عليها التروي قليلًا قبل إتخاذ أي قرار.
مامي!
رفعت ذقنها تثبت أكثر إبتسامتها إشراقًا ثم سحبت نفسًا عميقًا وهي تشاهدها تقترب منها: حضرتك هنا وأنا بدور عليكِ!
قالت باسمة: كنت شيفاكي على فكرة
أجابتها مستنكرة: وسيباني ده كله أدور عليكِ
أجابتها بغموض: كنت مستنياكي تشوفيني زي ما أنا شيفاكي
عقدت ما بين حاجبيها: يعني ايه؟
ابتسمت تتحدث وهي تغير دفة الحديث: يعني يلا بقى عشان نطفي الشمع الناس زهقت
قالت مبتسمة وهي تلف على عقبيها تبحث عن شخص ما، ثم قالت بحيرة: هو بابي فين؟
جائتها الإجابة من خلفها: بابي أهو
ألتفت لإتجاه الصوت لتحتضنه وهي تقول في رقة: بابي!
وضع يده بحنية بالغة عليها: كل سنة وأنتِ منورة حياتي يا أمل بابي
قالت بلهجة مستنكرة بعض الشيء وهي تبتعد عنه: بس حضرتك ماكنتش مهتم بأمل حياتك خالص النهاردة
ضحك رؤوف قائلًا: مقدرش يا حبيبتي بس كان في شغل مهم و..
قاطعته بإشارة من يدها تكمل بدلًا عنه: وإنه مهم وكان لازم أخلصه وأنتَ عارفة أن الحفلات دي ببقى فيها شغل بردوا بين رجال الأعمال.. ثم أكملت بضيق: بس دي تبقى حفلة عيد ميلادي
اقترب منها يربت على رأسها بحنان: معلش يا حبيبة بابي
رد عليه صوت ذكوري معترض: بس أمل مالهاش غير أب واحد ومات
نظر الجميع إتجاه الصوت بملامح متعجبة سرعان ما تحولت تلك المعالم بسعادة على وجهها الجميل وهي تركض وتصيح بفرحة طاغية:
زين!
ذهبت "أمل" واحتضنته سريعًا، فرد زين ذراعيه بضحكة حنون: حبيبتي كل سنة وأنتِ طيبة
صاحت أمل وهي تلكمه بذراعه بضيق: لو كنت حبيبتك كنت سألت عليا
ضحك زين قائلًا في حنان: أنتِ عارفة أن وقتي مش ملكي يا إيمي
ردت بإمتعاض: مش عارفة كان ماله لو مسكت شركات جدو وساعدت مامي بدل موضوع ظابط الشرطة ده!
ثم أكملت: اشمعنى يعني ظابط الشرطة ده؟
قال لها وهو يغمز إلى تؤامها وشقيقه الأصغر "يوسف" هامسًا بصوت مسموع: عشان أقبض على على جوز أمك في الوقت المناسب
انفجر يوسف في الضحك، في حين قامت أمل بلكم شقيقها الأكبر قائلة بتبرم: عيب كده يا زين ده بابي...
قاطعها بحزم قبل أن تكمل جملها: ده مش أبوكِ أنتِ ملكيش غير أب واحد بس واسمه يحيى وياريت نقرأله الفاتحة
كان ذلك الحوار يدور بين الأشقاء الثلاثة، أما عنها فكانت تراقبهم بسعادة من بعيد
اقتربت منهم "هدى" تهم بمعانفته لكنه رجع خطوة للوراء محاولًا تفاديها، فصممت على الإقتراب أكث ومعانقته، فتركها دون رد فعل كانت تريد الإقتراب منه، تريد أن تشرح له ما كان يراودها من شعور عند إتخاذ ذلك القرار، كانت مسلةبى الإرادة كالمسحورة تسير خلف الحياة التي أعتادتها منذ نعومة أظافرها، لكنه لم يعتد ولم يحاول لذلك اختارت الخيار الأمثل لهم من وجهة نظرها في ذلك التوقيت غير عابئة بالأضرار بعد إتخا ذلك القرار، وها هي اليوم تدفع عواقب ما جنته يداها، لكن لم يكن هذا الوقت المناسب، لكنها قررت معاتبته: ينفع الغيبة دي كلها يا زين؟
تأفف ناظرًا إليها ببرود: شغل!
قالت بعتاب: وهو شغلك يمنعك تسأل عن والدتك!
رد بسخرية: والدتي!
ثم أكمل بنفس النبرة شاخصًا بنظره خلفها: أتمنى تعرفي معنى للكلمة دي كويس عشان ماتفقدش ماهيتها
كان زوجا يقف وراءها بخطوات ولم يحاول أن يتدخل فدائمًا ما كان يظهر له رفضه، حاول كثيرًا لكن ما رآه منه لم يشجعه على المحاولة مرة أخرى
لكز "يوسف" "زين" يلومه عما يفعله لكنه لم يعطي إهتمامًا كثيرًا فهذه المرأة هي التي فضلت حياتها ببريقها الزائف ذلك على والده.
لكن عليه التروي قليلًا محاولًا تقبلها اليوم، فاليوم هو يوم شقيقته ولا يريد إفساده عليها، لذلك فضل السكوت مبتعدًا عنها يذهب في إتجاه شقيقته التي فضلت الإبتعاد عنهم سامحة لبعض من الخصوصية لهم.
أخذ يد إبنته لا يعتبرها شقيقته فحسب بل طفلته المدللة، يتوسط بها المكان يشير إلى الجميع أن يبدأو في غناء أغنية عيد الميلاد، راقبها وهي تبتسم بسعادة بالغة ثم سرعان ما مالت بجسدها تنفخ في شمع عيد ميلادها بعدما تمنت أمنيتها.
كانت تراقب ابنتها من بعيد تتذكر نفسها وهي بنفس عمرها أو أقل بعام، تتذكر نفس تلك الأجواء.
واقفة أمام مرآتها تنظر لنفسها في رضى ثم خطت خطوات واثقة وهي تفتح باب غرفتها تتسلل منها تنزل سلالم ذلك القصر الفخم في عزة وكبرياء.
ذهبت في إتجاه والدها ترسم إبتسامة جذابة على محياها الذي يشع جاذبية:
يلا يا بابي نطفي الشمع
نظر لها بفخر كأنه يخبر كل من حوله أن تلك الفاتنة هي إبنته وأعظم إنتصارته طوال حياته: يلا يا حبيبة بابي
بعد أن أطفئت شمع ميلادها نظرت له قائلة بعتاب: هديتي لسة ماجتش يا بابي
قال مبتسمًا: هديتك في الحفظ والصون
ردت: وهي فين؟
أجابها ببسمة: أنتِ بتطلبي مني أيه بقالك سنة؟
أجابته بسخط: إني أدرب في شركتنا عشان..
لكنها إبتلعت جملتها وهي تستوعب ما قاله ثم ردت بسعادة: حضرتك وافقت أخيرًا
حضري نفسك لأن أول يوم شغل ليكِ بكرة
ردت بسعادة غامرة: حاضر
وهنا كانت بداية لكل شيء
كان "عبد العزيز الراوي" أحد كبار رجال الأعمال بالشرق الأوسط أجمع، إستطاع في فترة وجيزة أن يحتل السوق ويتربع على عرشه بعد وفاة والده المفاجئ واستلامه للشركات من بعده ليصبح ألمع وأبرز الأسماء بينهم، لكن وبالرغم من تلك الإمبراطويرة الضخمة وقوة شخصيته التي لا يختلف عليها اثنان، إلا إنه لم يستطع قول كلمة "لا" لإبنته الوحيدة التي آتت كشعاع نور تسلل بهدوء إلى داخله يُنير ليله الحالك لتصبح كل شيء بعد تلقيه خبر وفاة زوجته العزيزة.
أصبحت "هدى" كل شيء بالنسبة له حتى انه لم يستطع الزواج مرة أخرى والمخاطرة بدخول زوجة أب حياتها لتخربها؛ لذلك فضل أن يصبح وحيدًا على أن يخاطر بإبنته الوحيدة، لتصبح هي أولًا وعمله ثانيًا
بونجور بابي
ألتفت لها يرسم إبتسامة على ثغره: بونجور يا روح بابي.. ها جاهزة؟
أجابته بحماس: وده سؤال بردوا يا بابي، جاهزة طبعًا
أومأ برأسه، لكنها عقدت ما بين حاجبيها وفي ثوانٍ كانت تمسك بذراعه قائلة: يلا يا بابي هنتأخر
نظر لها متسائلًا: طب مش هتفطري؟
وهو ده وقته.. يلا يا بابي بقى!
قال مجبرًا: يلا بينا
في حي من أحياء القاهرة كان يقبع منزله المكون من طابقين، ذا باب خشبي قديم بزجاج عفا عليه الزمن.
كانت شقته تقبع بالدور الأول التي يسكنها مع والدته وشقيقته الصغرى "مريم" هو رب العائلة والمعيل الوحيد لأسرته الصغيرة بعد وفاة والده.
شقة ذات نمط قديم نوعًا ما، صالة متوسطة.. ثلاث غرف يمكنك دخولها من الصالة ملصق بهم ممر جانبي يقود إلى الحمام والمطبخ يتوسط تلك الصالة سفرة صغيرة للجلوس يعلوها مروحة سقف تصدر صوتًا رخيمًا: يحيى.. يا يحيى، أنت يا بني أصحى بقى هنتأخر
-ايه في ايه!
كانت تلك أول كلماته عندما استيقظ على صوتها المرتفع، قفز من مكانه بفزع تعلم جيدًا أنه لا يحبذ الصوت العالي لذلك كانت تتعمد إيقاظه بتلك الطريقة فقط لتشاهد تعبيرات وجهه المضحكة بالنسبة لها.
نظر إليها بعصبية مفرطة مادًا يده يلتقط إحدى الوسائد التي بجانبه يقذفها قائلًا: في حد يصحي حد بالطريقة دي
تفادت الوسادة بحركة سريعة، وهي تضحك بملئ فاهها تهتف بمشاكسة: أهو أنا بصحيك كل يوم بالطريقة دي وبردوا كل يوم تصحى بنفس تعبيرات وشك دي المفروض تكون أتعودت على كده بقى
قال بجدية تخلوا من أي مرح: طب وليه الأذى ده طيب!
أجابته وهي تغمز بمشاكسة: عشان أشوف التعبيرات اللي على وشك دي.. بتموتني ضحك
غوري يا مريم
انصرفت سريعًا عندما استشفت نبرة الغضب والخطر الذي يحوم حولها تخبره أن الفطار أصبح جاهزًا
قام من فراشه توضأ وصلي كعادتته.. ليجد والدته وشقيقته الصغرى التي تحاول كتم صوت ضحكتها قدر المستطاع أمام مائدة الطعام.
جلس بمكان والده يترأس الطاولة فمنذ وفاته أصرت والدته عليه كثيرًا على جلوسه بمكانها إعترافًا منها أنه أصبح مُعيلها الوحيد بعد وفاة شريك دربها.
عارفة يا مريم إن مابطلتيش سخافتك دي هعمل فيكِ ايه؟
قالت بمشاكسة: ايه؟
هيبقى أخر يوم في عمرك
مش هتقدر
أجابها بجدية: والله!
أجابته: اه والله عارف ليه؟
أجابها بحدة: ليه؟
قالت بخفة ظل: عشان بتحبنيثم أشارت سريعًا بإصبعها: أوعى تنكر تروح النار
تدخلت الأم في الحوار بعد أن تخلت عن صمتها: طبعًا يا حبيبتي بحبك بس بطلي السخافة دي شوية بقى وأعقلي كده
ثم أكملت بتهكم: والله أنا مش عارفة خالد مستحملك على ايه؟
قالت بفخر مصطنع: عشان أنا لا أعوض يا أمي
أجابتها بحزم: أهدي بقى شوية
أجابتها على مضض: حاضر
ابتسم ثم أمسك يد والدته وقبلها مغادرًا لعمله ومن خلفه أم تدعي له بصدق أن يوفقه الله ويحفظه من كل سوء.
كان المقر الرئيسي لشركة "الراوي" يشغل برجًا من الأسمنت والزجاج إرتفاعه أربع وعشرون دورًا يطل على النيل.
وقف أمام الشركة ينظر لأعلى يفكر لما يريده صاحب تلك الإمبراطورية الضخمة
صعد إلى الطابق الواحد والعشرين وسار إلى مكتبه على بغتة، محاولًا أن يهديئ من ضربات قلبه التي تقرع كالطبول في ليلة العرس، سار في خطوات واثقة عكس ما كان يخالجه من شعور ثم وقف أمام مكتب السكرتيرة قائلًا:
أنا كنت..
قاطعته نسرين فور رؤيتها له: باشمهندس يحيى، عبد العزيز بيه في إنتظارك
يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي