الأقتباس الثالث

صعدت شهد ومازال حازم وعمر يتشاجران على كل كلمة حتى أوقفتهم ليلى:
أنت مش هتكبر شويه؟ ده كلها سنه وتروح الجامعة، في أيه اعقل.
سكت الأثنين وكاد حازم أن يتكلم ولكنها لم تدعه يكمل:
مش عاوز دوشه اطلعوا عشان هننزل نتمشى على البحر بعد الساعة ثمانية بيقولوا في سهرة حلوى هناك.
نظر الأخوين لبعضهم وصعد يتسابقا من منهم سوف يدخل إلى الحمام أولا، وليلى تهز رأسها في استنكار لتصرفاتهم، التي قد أخرجتها من ذكريات حزينة لا ترغب في العودة إليها، ونادة على عم جابر لكي يأخذ الحقائب وأخبرته أنهم سوف يتناول طعام العشاء بالخارج.
قبل أن تصعد إلى غرفتها سمعت الباب الخارجي يفتح وعندما استدارة وجدة زوجها، لقد وصل وظهرت على وجهه أبتسامة على الرغم من الإرهاق الواضح عليه وهو يتساءل:
أخباركم أيه؟.
اقتربت منه وهي تبتسم في سعادة لعودته:
لسه وصلين من البحر وطلعوا ياخدوا دش، تحب أحضر لك حاجة تاكلها؟.
كان يبدو عليه الإرهاق فقد بحث عن أقرب مقعد له وجلس وهو يفرد قدميه أمامه:
لا مش جعان بس محتاج أفرد ظهري شوية لو هنزل معاكم بالليل.
نظرة له في عطف واقتربت منه وهي تشير إلى الغرفة التي تقع على واجهة الفيلا في الدور الأرضي:
طيب أيه رأيك تدخل تفرد جسمك هنا؟ بدل ما تطلع فوق بعيد عن دوشة العيال.
حرك رقبته يمينا ويسارا وهو يتساءل:
تمام و ناوين تنزل الساعة الكام؟.
قام متجها إلى الغرفة التي كانت تشير إليها وفتح الباب وهي تجيب عليه:
على الساعة ثمانية تحب أجيبلك هدوم تغير؟ لسه قدامنا أكثر من ساعتين.
نظر للساعة في يده فقد كانت الساعة بعد الخامس بعشر دقائق:
لا مافيش داعي أنا هفرد ظهري وبعدين أقوم أخذ دش عشان أفوق وننزل كلنا.
كانت الغرفة عبارة عن مكتبة كبيرة تحتوي على العديد من الأرفف التي بها مجموعات من الكتب المختلفة وبها كذلك خزنة في أسفل تلك الأرفف لم يفكر منذ وصوله إلى المكان في فتحها، كما يوجد بالغرفة طقم جلوس مريح وبه كنبه تصلح للنوم، اغلق من خلفة الباب وقد صعدت ليلى للدور العلوي.
في نهاية اليوم وبعد سهرة طويلة حتى الساعة الثانية من منتصف الليل وصلت الأسرة إلى الشاليه وقد انهكهم التعب وصعد كل فرد إلى غرفته، وما كادت ليلى أن تغفوا حتى أيقظتها صرخ مدوية، جعلته تقوم من النوم وقد زادت دقات قلبها وكذلك زوجها الذي تسأل بصوت يملئه النعاس:
الصوت ده عندنا؟!.
نظرة له هي الأخرى متسائلة ولكن شئ ما داخله دفعها للنزول من السرير في ذلك الوقت، دون أن تنطق بكلمة واحدة وتبعها على الفور زوجها حيث وجدت عمر وحازم يقفان في خارج غرفتهم لذلك سألهم والدهم:
أنتم كمان سمعتوا الصرخة؟!.
مسح عمر النوم من عينيه وهو يقول:
ايوة تقريبا الصوت جاي من الدور اللي تحت.
تبادل الجميع النظرات التي تحمل ما بداخلهم من تساؤلات، حيث أن المكان لا يزال غريب عليهم وتقدمهم رب الأسرة إلى الأسفل حتى وصل إلى أسفل الدرج ووجد أن غرفة المكتبه يأتي منها ضوء فتوجه إليها مباشرة وهناك وجد ما صدمة وجعل النوم يطير من عقله، فقد وجد شهد تجلس على الأرض في ركن منكمشة على نفسة وترتجف وهناك بجوار الطاولة التي بمنتصف الغرفة كانت هناك جثة رجل ملقاة على وجهه وتحيط برأسه بركة من الدماء التي لم تجف بعد، للحظة لم يتحرك كامل من مكانه وقد وقف كل من عمر وحازم ذاهلين حتى تبعتهم ليلى التي كانت متأخر عنهم وهي تتسأل:
يا جماعة شهد مش في غرفتها و…
ولم تكمل باقي كلماته التي توقفت في حلقها مع دخولها من باب الغرف ومشاهدة ذلك المشهد، ووضعت يدها على فمه تمنع صرخة خرجت مكتومة دون صوت، ومرت عليهم دقائق في هذا الوضع الغير طبيعي بالنسبة لهم، حتى سمع جميعا بعض الخبطات على باب الشرفة المواجهة للبحر وانتبه كامل فتحرك لكي يواجه القادم ووقف الجميع على باب الغرفة ينظر لمن كان يقف على الباب حيث كان ذلك الشخص هو جارهم مجدي ففتح له كامل وهو يتظاهر بالنعاس أمام الباب ولم يدعه للدخول وهنا تحدث مجدي بطريقة بدة خبيثة بعض الشئ:
في حاجه حصلت؟ انا سمعت صوت صرخة جاي من عندكم.
أجابه كامل وهو يتثائب ويضع يده على فمه:
أيوة أنا كمان صحيت من النوم على الصوت.
فأسرع مجدي في سؤاله وهو يحاول اختلاس النظر إلى الداخل، ولكن جسم كامل الضخم لم يمنحه الفرصة:
خير في حد حصل له حاجه؟.
نظر له كامل بتعجب من رغبته الملح في معرفة ما يحدث وقال له بصوت حاول أن يكون هادئ:
الولاد كانوا بيتفرجوا على فيلم رعب وأختهم مستحملتش وصرخة.
نظر له مجدي غير مصدقا ما يقوله فأكمل كامل وهو يمسح وجهه في ضيق:
شكرا على اهتمامك يا.. حضرتك اسمك ايه؟.
انتبه مجدي لسؤاله:
أسمي مجدي وانا ساكن في الشاليه إل جنبكم من اليمين، أسف لو ازعجت حضرتك.
أبتسم له كامل وهو يحاول أن يخفي ما بداخله من توتر:
حصل خير.
استدار مجدي لكي ينصرف وكامل يقف مكانه لكي يتأكد من ابتعاده، ودخل بعد ذلك لأسرته التي كانت تقف في الصالة فقد أخرجت ليلى شهد من الغرفة و أجلستها على أحد المقاعد وقامت بأغلاق الغرفة، ولاحظ كامل أن عم جابر يقف على باب المطبخ وهو ينظر لهم في استغراب وعندما التقت عيناه به قال موضحا:
أنا كنت نايم وسمعت صوت جامد في حاجه حصلت؟.
نظر كامل لأسرته التي يظهر على وجه كل منها التوتر الشديد وخاصة شهد التي توقفت عن البكاء وتجلس بجوار ليلى في صمت، وتحدث وهو يجلس على أحد المقاعد:
لا يا عم جابر أنت ممكن تروح تكمل نومك محصلش حاجه مهمة.
أنصرف جابر دون أن يناقش على الرغم من أنه كان يرغب في معرفة ما يحدث، وانتظرت ليلى حتى تأكدت من عدم وجود أي غريب بينهم وقالت وهي تنظر إلى زوجها الذي جلس في أحد الأركان وتبدو عليه علامات التوهان:
كامل هتعمل ايه دلوقتي؟.
تردد قبل أن يتحدث:
مش عارف اتصل بالشرطة؟.
هنا أنكمشت شهد وهي تردد:
لا.. لا.. مش هدخل السجن بلاش يابابا.
وتساقطت دموعها وحاولت ليلى أن تهداء من روعها:
خلاص يا شهد اهدي بس وقولي لنا ايه اللي حصل؟.
زادت رعشة يديها وهي تحاول أن تستجمع قواها:
قتلة عامر قتلته.
عند سماع ذلك الاسم وقف كامل فزعا ودخل إلى الغرفة التي بها الجثة واقترب منها، هنا صرخ حازم به:
لا يا بابا مش تلمسه عشان البصمات.
نظر لولده الذي كان يقف على باب الغرفة وذلك الجسد الممدد على وجهه على الأرض ودخل عمر وفي يده كيس بلاستيك أحضره من المطبخ وأعطاه إلى والده الذي وضع يده به وحرك الجثة لكي يرى وجه عامر الملطخ بالدماء وترك الجثة مرة أخرى، وقد زاد توتره أكثر من الأول فقد كان يظن أنه سارق وليس شخص له صلة به، وخاصة هذا الشخص بالتحديد، أخرجا كامل ولديه من الغرفة وأغلق الباب جيدا ونظر لهم وهو يلقي بالكيس في أحد حاويات القمامة:
كده الموضوع بقى صعب جدا.
ونظر إلى شهد التي جعلت تهز رأسها في استنكار وحاولت أن تقف ولكنها سقطت مغشيا عليها في أحضان زوجة أبيها التي صرخت بها وهي تضرب وجهه بلطف:
شهد فوقي يا شهد.
تدخل كامل وهو يشير إلى التؤام:
تعالو نطلع شهد أوضتها هي لازم تبعد عن هنا.
ساعدتهم ليلى على حملها وهي توجههم:
براح عليها أنا معايا حقنة مهدئ الدكتور كان قايل لي أن ممكن تأخذه عند اللزوم.
أشار لها كامل:
طيب روحي جيبيها وانا هطلعها مع الولاد على أوضتها لحد ما تحضري الحقنة.
صعدو جمعيا إلى الدور العلوي وذهبت ليلى تبحث عن الحقنة ودخل كامل بأبنته التي بدأت تفيق وعادة إلى البكاء مرة أخرى، وضعها على السرير وساعده أخويها في ذلك، حتى جاءت ليلى بالحقنة وقامت بأعطاءه لها، وانتظروا جميعا حتى هادئة وخرجوا ليتركها لكي تنام قليلا، وقف عمر بعد أن أغلقت ليلى الغرفة على شهد وتركه بعض من الإضاءة الخافت في الغرفة وسأل والده:
هنعمل أيه في المصيبة ال تحت؟.
هنا تدخلت ليلى:
أنا مش عارفة إيه ال رجعة ثاني؟ وفي وقت متأخر كده.
نظر لها كامل بغضب وهو يتعجب مما تقول:
رجع تاني؟!.
تذكرة ليلى أنها لم تحكي لزوجها أو لأي شخص عن الموقف الذي حدث في ذلك الوقت مع عامر، لذلك تحدثت بصوت خافت:
وطي صوتك احنا ماصدقنا أنه هدية شوية.
حاول كامل أن يتمالك أعصابه:
اوطي صوتي ده ال هامك وما قلتليش أنه البلوة ده جيه قبل كده هنا.
أمسكة به من يده وأخذته إلى غرفتهم وتبعها عمر وحازم، وهو يحاول أن لا يحتد أكثر من ذلك فالموقف أصبح معقدا بما يكفي، وبعدما دخل الجميع للغرفة أسرعة ليلى لغلق الباب وهي تقول: الأول ما كان في وقت أحكي لك ال حصل العصر بعد ما رجعه من الشاطئ.
وأخذت نفس عميق وثلاثتهم ينظرون إليها في أنتظار ما سوف تقوله، وسردة عليهم كل التفاصيل حتى أنصراف ذلك الشخص وتأكد جابر من ذلك، كان كامل قد جلس على السرير ووضع رأسه بين يديه ، ثم أضافة ليلى:
الأمور كانت هادية وما فيش مشكلة، وكنت أكيد هحكيلك بس ملحقناش.
هنا تحدث حازم وكأنه يحاول أن يفكر معهم بصوت عالي:
المشكلة دلوقتي في المصيب ال تحت والوقت بيعدي والنهار قرب يطلع.
رفع والده راس وهو ينظر له في تسأل:
أنت بتفكر في إيه دلوقتي ؟.
أخذ حازم نفس عميق وهو يحاول أن يرتب أفكاره:
أحنا ممكن نرمي الجثة في البحر وبعدين نمسح أثار الدم وبكده نبعد القضية عننا وعن شهد.
هنا تدخل عمر معترصا على ما يقوله حازم:
وليه ده كل؟ الموضوع دفاع عن النفس، كل الأمور واضح هو حاول يخطف شهد وهي دافعت عن نفسها.
قاطعه حازم:
وأنت شايف أن أختك تقدر تتحمل كل ال هيحصل من تحقيق ونيابة..
هنا تكلم كامل لكي يؤكد رأي حازم:
شهد مش هتستحمل كل ده، بس مجرد تحريك الجثة ده موضوع صعب.
كانت ليلى تنظر لهم في زهول والوضع يأخذ طريق صعب، حيث بدأ ثلاثتهم يخطط لكيفية التخلص من تلك الجثة دون أن يتركوا أي أدلة عليهم، حتى اتفقا على مهمة كل واحد منهم ونزل عمر إلى الطابق الأول مع ليلى التي ذهبت إلى المطبخ لكي تحضر بعض معدت التنظيف لأزالة أثار الدماء من على الأرض، حتى جاءه صوت عمر المشعوف:
يا ماما يا ماما تعالي.
فتركة كل ما كان بيدها وأسرعة إليه، حيث كان يقف على مدخل الغرفة وهو يشير إلى الأرض:
الجثة اختفت!.
نظرة إلى الأرض التي كانت عليها جثة عامر من وقت بسيط، ووجدت أن الجثة لم تعد هناك ولكن الدماء لازالت موجودة على أرضية الغرفة، جاء صوت كامل من خلفها وهو يتساءل:
اختفت أزي يعني.
دخل حازم إلى الغرفة وهو يتفحص المكان ولم يجد أي أثر لتلك الجثة سوى بقعة الدماء المتواجد على الأرض، فاسرعة ليلى إلى المطبخ وأحضرة أدوات التنظيف فأخذها كامل من يدها وبدأ ينظف الدماء من على الأرض وهو يحدثهم:
هو ممكن يكون ما متش؟ والضرب خلته يفقد الوعي شوية ودلوقتى لما فاق هرب.
نظر حازم وعمر من حولهم، يبحثان عن أي أثار تدلهم على ما حدث في الساعة الماضية وجلست ليلى تنظر لهم وهي تفكر:
أنت يأ كامل الوحيد ال قربة من الجثة..
قاطعه عمر ساخرا:
جثة أيه بقى هو في جثث بتمشي لوحدها؟!.
أبتسمة ليلى على سخرية ولدها لأول مرة خلال الساعات السابقة وهي تعقب عليه:
على رأيك المهم أن أحنا خلصنا منه.
جمع كامل الدماء ومسح مكانها بماء ومطهر وسكب الماء في المرحض وتخلص من الأدوات الباقية حيث وضعها في كلور حتى الصباح حتى تتلاش منها أثار الدماء ، وصعد الفتيان إلى غرفتهم بعدما أرتاح من تبعات تلك المشكلة، ودخل كامل إلى الحمام لكي يأخذ دش يزيل به أي أثار للدماء، وخرج لكي يجد ليلى تتمدد على السرير ولم تغفل بعد:
لسه صاحيه لحد دلوقتي؟.
تنهدت ليلى في استرخاء:
بحاول أنام بس كل ما أجي أنام يجي على بالي سؤال مهم.
جلس كامل بجوارها على السرير وقد فرد جسده هو الأخر في استرخاء بعد هذا اليوم الطويل، وهي تكمل حديثها:
تفتكر هو كان جاي ليه؟، ولو كان عاوز يؤذي شهد عرف مكانا من فين؟، وكمان هو ممكن يرجع تاني؟.
ابتسم كامل:
ده مش سؤال واحد ده ثلاث أسئلة.
اكملت ليلى كلامها:
طيب قول لي أنت مش بتسأل نفسك برده نفس الأسئلة؟.
اعتدل كامل في مكانه وهو يشرح لها:
أيوة أنا معاكي بس جزء من الأسئله دي أجابتها مع عامر، وهو أكيد مش هيجاوب عليها كده ببساطة انت شوفتي هو إزاي مستفز.
وافقت ليلى على ما يقوله ولكنها تسألات:
طيب انت ناوي على إيه ؟.
فكر كامل قليلا قبل أن يقول:
بصراحة كنت بفكر أروح للشرطة وأقدم بلاغ، بس لقيت ان انا بفتح حوار على شهد من تحقيق وأسأله وكمان ساعتها نكون متطرين نقول أن هي ضربته.
هزت ليلى رأسها موافقه على كلامه وهي تؤكد على ذلك:
لا بلاش موضوع الشرطة ده.
اعتدل كامل جالسا وقد خطرت له فكرة:
أيه رأيك أجيب حارس شخصي ل شهد؟.
ردة ليلى:
فكره حلو و كمان هتخليها تطمن أكثر.
اكمل كامل كلامه:
خلاص أنا من بكرة أشوف الموضوع ده.
أطفأ كامل الإضاءة التي كانت تنير الغرفة ، حتى يتضح أن ضوء النهار قد ملئ المكان فقد كانت الساعة السادسة صباح، وبعد محاولات من الزوجين لمحاربة الأفكار التي كانت تملئ تفكيرهم غلبهم النوم في نهاية المطاف.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي