21

الفصل الواحد و العشرون

عاد امير الى منزلهم الخاص بهم بعد ان افلت ذلك اللص من يده ، فإن امير لم يستطع ان يمسك ذلك الدخيل الى الشركة و الذي كان قد اعتبره مجرد لص . . .

جلس أمير على الاريكة المقابلة لسريره في غرفته الخاصة به ، و بدأ يفكر بذلك الشخص الذي قام بالتسلل الى الشركة ، بدأ يفكر و يفكر . . .

و فجأة خطر في باله سؤال جعله يُصاب بالدهشة ، " لماذا كان ذلك الشخص في مكتب انجيلا " ، " لماذا لم يدخل او يتسلل لأي مكان آخر سوى مكتب انجيلا " ، تلك الاسئلة بدأت تتشكل على شكل الغاز بداخل عقله ، كان يفكر بتلك الأسئلة ، لماذا فقط مكتب انجيلا ، ما المثير في مكتبها ، و ما هو الشيء الغريب ، و هل يعقل انه هناك سر ما دفين ؟ ، كانت الأسئلة تختلط و تزداد في عقل امير لدرجة ان رأسه بدأ يؤلمه من كثرة التفكير و الارهاق بالتفكير ، نعم فلقد كان أمير يشعر بألم الصداع و كل ذلك بسبب التفكير الزائد ، ثم قرر و أخيراً ان يذهب الى المطبخ و يعد بعض من الاعشاب التي تسكن و تهدئ من ألم الصداع ليقوم بغليها و شربها . . .

نعود الى ميرا التي عادت الى الطاولة التي كانت تجلس بها سابقاً برفقة انجيلا ، جلست ميرا بينما كانت خائفة من ان يقول ديفيد اي شيء او ان يذكر اسمها ، فهي لا يمكنها الظهور عبر الكاميرات ، فالجميع يظن انها قد ماتت و ان رأوها سوف يقومون باكتشاف هدفها و بالتالي سوف تفشل كل خططها من اجل انتقامها . . .

اما ديفيد فلقد كان يعرف سبب تهرب ميرا منه و لذلك اراد الذهاب اليها من اجل ان يطمئنها ، فهو لا يريد أذيّتها برغم عدم معرفة سبب اختبائها . . .

و ما هي الا دقائق حتى تم استدعاء ديفيد الى المسرح برفقة فريق التصوير كاملاً من اجل ان يبدأوا بأخذ لقطات تصويرية كاملة لحفل العشاء . . .

توجه امير حيث كانت عينان ميرا تراقبه ، مما زاد خوفها و قلقها ، لكنها سرعان ما علمت بأنه قد اتى فعلاً من اجل التصوير ، صعد منظم الحفل و المسؤول في آنٍ واحد و بدأ يعرف المدعوّين من الحاضرين و الحاضرات على فريق التصوير كاملاً ، حيث ابتدأ يعرّف بديفيد اولاً ، كان يمدح به و يعرف عن والد ديفيد و الذي لم يستطع الحضور بسبب اعماله و أشغاله في شركته الخاصة به ، اما ميرا فبدأت تراجع تفكيرها ، ربما قد فهمت ديفيد بشكل خاطئ ، او ربما كان هناك مجرد سوء فهم ، لكن هذا لا ينفي بأنه قد حاول ان يكذب عليها و يخادعها بتذاكي . . .

نعود الى امير الذي انتهى من اعداد و غلي الأعشاب من اجل ان يهدئ و يسكن قليلاً من الم الصداع في رأسه ، ثم اخذ كوب الاعشاب و ذهب متّجهاً الى غرفته و التي موقعها يكون في الطابق العلوي في القصر الخاص بهم ، ثم دخل امير الى غرفته و فتح باب شرفته و جلس خارج الغرفة الخاصة به ، كان يتمعن بسواد و ظلمة الليل و النجوم البراقة التي كانت تتلئلئ و تنير تلك الظلمة برفقة القمر المضيء . . .

كان يشرب الاعشاب الساخنة بهدوء و يعود الى التفكير من جديد بشأن ما حدث في الشركة ، و في نفس الآن كان يتمحور تفكيره و تركيزه حول مكتب انجيلا و لذلك قرر ان يعود حالاً الى الشركة من اجل ان يقوم بالبحث في مكتب انجيلا ، ففي النهاية هو مدير لهذه الشركة و من حقه ان يعلم بما يدور من حوله . . .

نعود الى حيث ميرا و انجيلا و ديفيد فأثناء تناول آنجيلا لطعام العشاء وردها اتصال من رقم مجهول ، لاحظت نيرا ذلك و لكنها لم تحرك ساكن فهذا امر طبيعي ، ثم استأذنت انجيلا و ذهبت من اجل ان تقوم بالرد على ذلك الاتصال و مُهاتفته . . .

و ما هي الا دقائق حتى انتهت من المكالمة و عادت الى حيث مكان جلوسها بقرب ميرا ، و في نفس تلك الاثناء ، كان ديفيد يقوم في التقاط بعض الصور الخاصة للمدعوين من الحاضرين و الحاضرات . . .

انتهى الجميع من تناول طعام عشائهم ، و بدأ قسم الامسية الشعرية ، حيث توجه مجموعة من أشهر الشعراء المتواجدين في فرنسا و أطرافها ، و بدأوا بإلقاء شعر جماعي ، اما ديفيد فكان يقوم بتصوير أداء الشعراء اثناء القائهم للشعر . . .

و بعد ان انتهى الشعراء جميعهم من  القاء الشعر الجماعي الخاص بهم عادوا الى مكانهم ، ثم قام مقدم الحفل بالقاء كلمة شكر للشعراء من المشاهير ،
ثم قام مقدم الحفل بدعوة المتحدثة الرسمية باسم الكاتبة ميارا ، و لذلك لبّت الدعوة انجيلا و صعدت الى المسرح بعد ان نظرت اليها ميرا نظرة تشجيعية ، و بعد ان صعدت على المسرح أخذت بمكبر الصوت و بدأت في القاء كلمتها ، و بعد ان انتهت من القاء كلمتها صفق الجميع لها بحرارة ، فلقد القت كلمة من تدريب ميرا و أمير و كانت كفئ لهذه المهمة ، و بعدها اقبل الوفد من الصحافة و الاعلام  و بدأ بتوجيه الأسئلة الى انجيلا المتحدثة الرسمية باسم ميرا ، و قد كانت انجيلا تعطيهم الاجابات بكل سلاسة و رقي . . .

و بعد ان انتهت الصحافة و الاعلام من توجيه الاسئلة الى انجيلا قام الجميع بالتصفيق بحرارة لها ، ثم عادت الى مكانها حيث ميرا . . .

نعود الى امير الذي وصل الى الشركة الخاصة بهم ، و بعد ان وصل قام بالتوجه حالاً الى مكتب انجيلا و بدأ بالبحث في خزانتها و في كل مكان من انحاء مكتب انجيلا الخاص بها . . .

و بعد مرور خمسة عشر دقيقة على التمام و بعد بحثٍ دام كثيراً ، لم يجد امير اي شيء مشبوه ، فلقد بحث في كل مكان من انحاء المكتب ، و بحث امير بين الملفات لعلّه يجد اي شيء مشبوه الا انه لم يتوصل الى اي شيء يثير الشك او الشبهة . . .

ثمش جلست على كرسي انجيلا في مكتبها المعتاد ، ثم وضع رأسه من اجل ان يغفو قليلاً فلقد تعب امير من كثرة البحث و قد عاد الم رأسه مجدداً و لذلك فضّل ان يأخذ قسط من الراحة ، و فجأة تذكر شيء ما ، بدأ يتذكر ذلك الصندوق الذي رآه في مكتب انجيلا ، بدأ يبحث و يبحث عن ذلك الصندوق فلقد نسي مكانه و لم يتذكر المكان الذي قد وضع ذلك الصندوق به . . .

و بعد مرور القليل من الدقائق  وجد الصندوق الصغير ، امسك امير بالصندوق بيديه و هذه المرة لم يتردد في محاولة فتح الصندوق ، مدّ يده الاخرى و بدأ يقرّبها من الصندوق من اجل ان يقوم بفتح الصندوق ، و المفاجئة الكبرى هو أن الصندوق لم يُفتح ، ظن أمير أنه يحتاج الى عدة محاولات ، ثم اعاد المحاولة ، و ظلّ امير يكرر في محاولاته ، لكن دون أي جدوى الى ان وصل الى معرفة ان الصندوق له مفتاح ، لكن لم يجد اي شيء من هذا القبيل ، ظنّ ان هناك لغز ما لذلك الصندوق ،  و لذلك بدأ ينظر  الى الصندوق بتدقيق و تمعن اكثر فأكثر  ، نظر الى خارج الصندوق من اسفل الصندوق و من أعلاه أيضاً لكن دون اي نتيجة ، و فجأة وقعت عيناه على حواف الصندوق فلقد رأى شيء ما قد لمع عندما سلّط ضوء مصباح هاتفه عليه و قام بتحديد نظره ، ثم وجد على حوافه أجزاء من مفتاح صغير ، بدأ يأخذ من كل حافة جزء صغير و بعد ان اجتمعت لديه أربعة أجزاء حاول تركيب المفتاح ، و بدأ في تركيب تلك القطع و الاجزاء الصغيرة ، و بعد ان قام بتركيب جميع القطع و الاجزاء الصغيرة ظهر له بأن هناك قطعة واحدة مفقودة ، و عاد ليبحث من جديد عن القطعة الوحيدة المفقودة ، و عاد من جديد ينوجه في نظره الى تلك الحواف ، و لقد كان يسلط ضوء مصباح هاتفه المحمول ، لكنه لم يلحظ أي شيء من خلال نظره ، و لذلك بدأ يلمس حواف الصندوق من اجل ان يشعر ان كان هناك قطعة زائد لم يلحظها من خلال نظره ، و فعلاً وجد تلك القطعة المفقودة و أكمل تشكيل ذلك المفتاح . . .

نعود الى ميرا و انجيلا و اللتان كانتا تجلسان مع بعضهما البعض ، بينما كان الجميع يقوم بالرقص مع الثنائي الخاص بهم ، و قد كان ديفيد ينظر الى ميرا من بعيد و ينتظر فرصة واحدة من اجل ان يوضح لها ، كان يريد أن يطمئنها بأنه لن يتكلم عنها ابداً و لن يذكر اسمها امام اي شخص كان ، حتى امام صديقه المقرب ماتيو ، و لذلك قرر و أخيراً التوجه اليها ، اقترب منها و دعاها من أجل الرقص ، و لقد كان جميع الجالسين من الحاضرين و الحاضرات ينظرون اليها و لذلك قبلت رُغماً عنها . . .

أخذ ديفيد بيد ميرا و أخذها الى الساحة و بدأا يرقصان مع بعضهما البعض بخطوات بطيئة ، كان ديفيد ينظر اليها اما ميرا فلقد كانت تنظر الى الفراغ دون ان تنطق بأي حرف او كلمة ، و هنا بدأ ديفيد في الحديث قائلاً لها و هو يخاطبها ، بينما كانت تستمع دون ان تنظر الى وجهه . . .

ديفيد : كنتُ اريد فقط ان أُطمئنك فأنا من المستحيل ان أُفشي أي سر لأي أحد

ميرا : و عن اي سر تتحدث

ديفيد : انكِ انتِ هي الكاتبة ميارا

ميرا : قلتُ لك سابقاً ، و أعدتُ لك قولي مراراً و تكراراً ، " لا ا ا ا ا تذكر اسمي هنا ا ا ا ا "

ديفيد : حسناً لن أذكر اسمك امام اي أحد هنا و لا أمامك حتى

ميرا : احسنت


نظر ديفيد لها ثم قال لها : و الآن انتهت الرقصة فلستُ مغرماً بالرقص معك

ميرا : و لا انا ايضاً . . .

ثم ابتعدا عن بعضهما البعض و عاد كل احد منهما الى مكانه دون ان ينطقا او ان يتلفظا بأي حرف . . .


و فجأة صوت صراخ ما ، صراخ رجل من بعيد ، سمعه جميع من كان من الحاضرين و الحاضرات ، ثم ذهب جميع من كان الى الوجهة التي يُبعث منها صوت ذلك الرجل ، لقد خاف الجميع فلقد كان صوته غريب جداً و قوي جداً ، و كأنها صرخة فاجعة من الألم ، و لقد خاف الجميع بسبب صمت ذلك الرجل و اخافاء صوته حالاً و لذلك توجه الجميع من الحاضرين و الحاضرات الى الوجهة التي يُبعث منها صوت ذلك الرجل ، و ذلك من اجل معرفة ماذا هناك ، فإن كان هناك خطر ما على أحد فهذا دليل على وجود خطر على جميع المدعوّين من الحاضرين و الحاضرات . . .


نعود الى امير و الذي بعد أن شكل المفتاح حاول وضع المفتاح لكنه لم يجد أي مكان خاص بوضع المفتاح ، بدأ يفكر و يفكر كيف سيكون مجرد مفتاح و هو مجرد مجسم مسطح و قد قام في تشكيله من اجزاء و قطع صغيرة و رقيقة أيضاً ، فلم تكن صلبة ابداً تلك القطع . . .

عاد امير ينظر الى السطح العلوي من الصندوق و يلتمسه بباطن كفيه الا انه لم يجد اي اشارة قابلة لفتح الصندوق ، ثم عاد و نظر الى الجهة السفلية من الصندوق و عاد يلتمسها بباطن كفيه ، و هناك قد لاحظ بحفرة ما و هو يلتمس جهة الصندوق السفلية ، ثم عاد و أمير و قام بتسليط ضوء مصباح هاتفه المحمول على تلك الحفرة التي لاحظها اثناء لمسه لها بباطن كفيه ، و عندما سلّط الضوء على تلك الحفرة التي لاحظها ، وجد ان تلك الحفرة قد اخذت شكل مفتاح صغير جداً ، ثم قام حالاً بإدخال المفتاح الصغير الذي شكله من خلال تلك الأجزاء و القطع الصغيرة و وضعه داخل الحفرة ليأخذ مكانه الأصلي و يطابق تلك الحفرة التي على شكله بشكل تام . . .

و بعدها تم فك قفل الصندوق تدريجياً و فُتِح الصندوق ، عاد أمير في تسليط ضوء مصباح هاتفه على ما بداخل الصندوق و هنا كانت المفاجئة . . .

لقد كان العقد الذي اخذه امير الى ميرا و شمس عندما كانوا في السوق القديم في دمشق معاً ، لم يصدق امير ما تراه عيناه ، و لذلك فكّر بأنه و ربما قد يكون عقد ميرا ، فعندما تم اطلاق النار على شمس كان ذلك العقد في عنقها فهي دائماً ما كانت تضعه و لم تقم بإزالته يوماً ، كانت ترتديه منذ ان اهداها اياه امير . . .

اتصل امير بميرا حالاً ، و بدأ أمير ينتظر الرد من ميرا ، لكن ميرا لم تتمكن من الاجابة مما اثار قلق امير و خوفه ، و لذلك اعاد العقد الى الصندوق و وضعه في جيب معطفه ، و عاد ليبحث بين الملفات ، عاد يبحث من جديد ، ثم توجه نحو الادراج الموجودة أسفل طاولة مكتب انجيلا و مجدداً لم يجد أي شيء ، قرر العودة الى المننزل الخاص بهم و البحث في غرفة انجيلا . . .


كان أمير مشوش الافكار ، و لم يكن يستطيع التفكير بأي شيء ، و بدأ يتذكر شمس ، بدأ يتذكر ضحكاتها . . كلماتها . . عناقها . . حبها . . عطفها . .

لقد كان يتذكر كل تفاصيل شمس ، محبوبته شمس ، لم يكن يستطيع الوصول لأي تفسير منطقي ، لم يكن قادر على التفكير ، كان هناك شعور ما غريب يتأرجح في داخله ، لم يكن يريد الوصول الى أي خيبة جديدة . .

يتبع . .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي