الفصل الثاني والثلاثون

نظر اليها "عمر" نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :
- احنا لازم نتطلق يا "فيحاء"
صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة وألــم .

**********
( فلاش باك قبل يومين )

دخل فراشه ونام على طرفه وأعطاها ظهره وتدثر بالغطاء .. وقفت مكانها طويلاً .. دون ان تتحرك .. لم يتحدث .. بل أرهف سمعه لمعرفة ما تفعل .. دون ان يحاول الالتفات
اليها .. ببطء وتردد ..وبعد فترة طويلة .. ازاحت الغطاء عن طرف الفراش وهى تنظر اليه بخوف وتوتر .. ثم نامت على طرفه الآخر ومعظم جسمها الى الخارج .. وتدثرت
وحاولت أن تهدئ من تنفسها السريع وضربات قلبها المضطربه .. ابتسم "عزمي" ولم يحاول التحرك من مكانه .. قرب كفه من أنفه ليشم عطرها الذى علق بيده .. أغمض عينيه
وهو يسرح بخياله فى زوجته النائمة بجواره.
أخيراً هدء اضطراب "فيحاء" واستسلمت للنوم العميق .. استيقظت من نومها وفتحت عيناها لتفاجأ بـ "عزمي" النائم بجوارها سانداً رأسه بيده ابتسم قائلاً :
- صباح الخير يا حبيبى
ابتسمت بخجل قائله :
- صباح النور
نظر فى عينيها قائلاً :
- انتى على طول بتنامى هاديه كده ؟ .. لا بتتقلبي ولا بتتحركى من مكانك
حاولت الجلوس فتركها تجلس ثم قالت :
- ايوة انا مابتقلبش كتير
جلس بجوارها قائلاً :
- نمتى كويس ؟
أومأت برأسها .. فقال :
- أنا من بعد ما صلينا الفجر منمتش تانى فضلت صاحى جمبك .. اعملى حسابك مش هسمحلك تنامى بعيد عنى أبداً .. النهاردة هننقل هدومك وحاجتك هنا فى الأوضة بتاعتنا
ابتسمت له .. نهض الاثنان وذهبت الى غرفتها .. تقابل الاثنان على طاولة الطعام .. جاءه اتصال من "كريمه" قائله :
- اعمل حسابك اننا منتظرينكوا النهاردة .. "علاء" جه من السفر .. وعمتك زعلانه منك جداً عشان مستقبلتوش
قال "عزمي" بنفاذ صبر :
- هى عمتو مش عارفه ان أنا عريس ولا ايه
قالت "كريمه" بهدوء :
- ما هنا بيتكوا برده يا "عزمي" وانتوا ليكوا فى الفيلا جناح خاص بيكوا يعني أكنكوا عايشين لوحدكوا برده .. ومتنساش انك اتجوزت من غير ما هى تكون موجودة .. معلش
يا حبيبى تعالى بس طيب خاطرها بكلمتين ولو عايزين تسافروا تانى سافروا ..بس بعد الحفلة اللى هنعملهالكوا ان شاء الله
- امتى الحفلة دى
- بعد 10 أيام بالظبط ان شاء الله
- ماشى خلاص هتكلم مع "فيحاء" وان شاء الله هكلمك أأكد عليكي يا ماما
أنهى "عزمي" مكالمته والتفت الى "فيحاء" قائلاً :
- ماما عيزانا ننزل اسكندرية عشان عمتو وكمان ابن عمتو جه من السفر .. ده غير الحفلة اللى قولتلك انها عايزه تعملهالنا .. ايه رأيك ؟
قالت "فيحاء" :
- مفيش مشكلة .. نسافر النهاردة لو تحب
ابتسم قائلاً :
- حابب كمان أوريكى المكان اللى هنعيش فيه .. وبعدين ممكن بعد الحفلة نسافر أى مكان انتى تختاريه .. قولتى ايه
ابتسمت قائله :
- تمام .. اتفقنا
أنهيا طعامهما وأخذها "عمر" الى المنصورة .. لشراء ملابس جديدة وبعض الأغراض لها .. رغم اعتراضها لكنه أصر توقف بسيارته أمام احد المولات قائلاً :
- مش عايزك تعملى فرق بينى وبينك دلوقتى انتى مراتى وملزمة منى .. بلاش الحساسية الزايدة دى يا "فيحاء" لو سمحتى
قالت بحرج :
- مش حساسية ولا حاجه بس أنا عندى لبس كتير
- وايه المشكلة .. وبعدين انتى عروسة .. ولازم تلبسي جديد
قالت بحرج وضيق :
- المفروض انا اللى أشترى لنفسي .. وبعدين أنا عندى هدوم كتير بتاعة جهازى سيباها فى اسكندرية لما نروح هناك ....
ققاطعها "عمر" بغضب مكبوت :
- الهدوم دى تولعى فيها ترميها تتبرعى بيها .. لكن مش عايزك تلبسيها أبداً
نظرت اليه وقد فهمت سبب غضبه .. غيرته .. فقالت :
- خلاص مفيش مشكلة هتبرع بيهم
قال وقد هدأ قليلا :
- طيب يلا عشان نخلص بسرعة ونرجع نجهز الشنط عشان منسافرش متأخر

******
ركبت "فيحاء" فى السيارة وانتظرت "عزمي" الذى يحضر الشنط من البيت .. التفتت فوجدته وقد أحضر شيئاً يبدو كفستان طويل مغلف .. ركب بجوارها فقالت له :
- ايه اللى انتى حطيته فى الشنطة دة ؟
ابتسم وقال :
- فستان فرحك
قالت بدهشة :
- بس يا "عزمي" الفستان مكشوف خالص مستحيل ألبسه أدام حد ولا حتى هعرف ألبسه قدام ستات
نظر فى عينيها واقترب منها قائلاً :
- مش هتلبسيه قدام حد .. هتلبسيه ليا أنا
ابتسم كل منهما للآخر وانطلق فى طريقه الى الاسكندرية .. ذكرته "فيحاء" قائله :
- متنساش تقول دعاء السفر
صمت "عزمي" قليلا ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى حفظاه
- أيوة
- طيب قوليه وأنا هقوله وراكى
وصلا الى الاسكندرية بعد ثلاث ساعات .. عبر "عزمي" بسيارته بوابة الفيلا .. شعرت "فيحاء" بالإنبهار .. نعم كانت تعلم مدى ثراء زوجها وأهله .. لكن الأمر فاق تصورها
.. شعرت بالإضطراب والرهبة .. ألقت نظرة على زوجها الذى يقود بهدوء لا يدرى شيئاً عما يدور بداخلها .. نزلت من السيارة لتلقى نظرة على الفيلا من الخارج وعلى
الحديقة المحيطة بها .. قطبت جبينها وهى تشعر بمشاعر كثيرة مختلطه .. أمسك "عزمي" بيدها وتفرس فيها قائلاً :
- فى حاجة ضايقتك
قالت بسرعة :
- لا أبداُ
- امال مكشرة ليه
حاولت الابتسام :
- لأ مش مكشرة ولا حاجه .. يمكن بس تعبت شوية من السفر
قال بحنان :
- متقلقيش هنسلم عليهم ونطلع أوضتنا ترتاحى شويه
دخلا الفيلا .. فإزداد انبهارها واضطرابها .. كانت رائعة التصميم .. شعرت بضآلتها وسط كل هذا الترف .. وهذا الشعور ضايقها للغاية .. حاولت ازالة تعبير الضيق
من وجهها .. استقبلتهما "كريمه" بالترحاب قائله :
- حمدالله على السلامة نورتوا اسكندرية كلها
عانقتها "فيحاء" .. كم تحب هذه المرأة الطيبة .. كانت تشعر معها بالراحة وكأنها تعرفها منذ زمن .. قالت "فيحاء" :
- الله يسلمك يا ماما .. أخبار حضرتك ايه
- بخير يا حبيبتى الحمد لله .. يلا يا "عزمي" خد مراتك تغيروا هدومكوا وترتاحوا شوية على ما باباك وعمتك ييجوا ونجهز السفرة
صعدت "فيحاء" مع "عزمي" وهى تنظر الى كل ما حولها برهبة .. أمسك "عزمي" بيدها فإطمئنت قليلاً .. التفت اليها قائلاً بحنان :
- الجناح بتاعنا ده محدش هيدخله غيرنا يعني تقدرى تعتبريه مملكتك الصغيرة .. مملكتى أنا وانتى وبس
أدخلها "عزمي" وتركها تتفحص ما حولها بعينيها ثم سألها قائلاً:
- ها عجبك
أومأت برأسها قائله :
- طبعا عجبنى
خطرت فى بالها سؤال فقالت :
- انت جهزت كل دة امتى
صمت قليلاً وبدا متردداً ثم قال :
- أنا كنت مجهز كل حاجه من زمان .. يعنى ....
صمت .. ففهمت .. جهزه من أجل خطيبته الأولى .. شعرت ببعض الضيق ..لاحظ "عزمي" ذلك فقال بسرعة :
- لو تحبي نغير كل العفش وكل الديكور معنديش مشكلة .. أحنا جوازنا جه بسرعة وملحقتش آجى هنا وأغيرلك كل حاجه
قالت له بصوت خافت :
- انت اللى اخترت الديكور والعفش ولا اخترتوه سوا ؟
قال بسرعة :
- لأ أنا اللى اخترته .. حتى هى مشافتوش
شعرت بالارتياح فإبتسمت له قائله :
- خلاص طالما ذوقك مفيش مشكلة
- متأكدة
- أيوة متأكدة
أخذت "فيحاء" دشاً وارتدت ملابسها .. واستعدت مع "عزمي" للنزول للأسفل .. نزلا ليجدا مدام "ثريا" قد وصلت بصحبة ابنها "علاء" و ابنتها "ايناس" .. كان الترحيب
بها بارداً جافاً .. وهى أيضاً لم تظهر الحماس فى السلام عليهم .. لكنها فوجئت بإيناس تندفع اتجاه "عزمي" قائلاً :
- "عزمي" حبيبى وحشتنى أوى
أشاحت "فيحاء" بوجهها وهى ترى تلك المرأة مقبلة الى أحضان زوجها .. لكنها دهشت عندما سمعت "عزمي" يقول :
- ميصحش كده يا "ايناس"
التفتت "فيحاء" لتجده ممسكاً بذراعيها يبعدها عنه
وقفت "ايناس" قائله بغيظ :
- ما طول عمرنا بنسلم على بعض كده
قال بحزم :
- مابقاش ينفع
ألقت "ايناس" نظرة حقد على "فيحاء" فتجاهلتها "فيحاء" تماما
جلس الجميع الى طاولة الطعام .. ضايقها جلوس "علاء" فى مواجهتها .. وذلك بسبب تفرسه فيها .. وشعرت بالحرج من أن تطلب من "عزمي" تغيير مكان جلوسها .. فالجميع
يراقب حركاتها وسكناتها .. لم تستطع تناول شئ أمام نظرات هذا الرجل المتفحصة فيها.. لم تشترك معهم فى الحديث لكنها كانت تجيب اذا ما وجه اليها "الالفي" أو "كريمه"
سؤالاً .. قال "علاء" فجأة :
- انت مكلتيش حاجه من ساعة ما أعدتى .. عماله بس تلعبى بالمعلقة فى طبقك
شعرت بالضيق من كلماته التى تشى بمراقبته لها كما كانت تشعر .. شعر "عزمي" كذلك بالضيق .. أكمل "علاء" موجهاً كلامه اليها :
- على فكرة احنا زمايل مهنة واحدة .. أنا كمان دكتور بيطرى .. بس مليش فى شغل المزارع زيك
لم تتكلم .. ولم تنظر اليه .. قالت "ايناس" بخبث وحقد وهى ترمقها بنظرات غير مريحه :
- شتان ما بينك وبين "ليلي" يا "فيحاء" .. انتى مشوفتيش "ليلي" قبل كده صح ؟ .. كانت مزه وزى القمر
نظر اليها "عزمي" بصرامة .. شعرت "فيحاء" بالتوتر والضيق .. قال "عزمي" بحزم :
- ايه لزمة الكلام ده يا "ايناس" ؟
قالت ببرود :
- عادى يا "عزمي"
قال بغضب :
- لأ مش عادى .. السيرة دى مش عايزها تتفتح تانى
شعرت "فيحاء" بمزيج من الغضب والحرج .. وما زاد الطين بله .. أن "علاء" نظر اليها بجرأة وقال :
- هو "عزمي" اختياره المره دى مختلف .. بس بصراحه دخلتى مزاجى
هنا هب "عزمي" واقفاً وأزاح الكرسي بعنف .. كان "علاء" لا يترك فرصة إلا ويستفز فيها "عزمي" .. بسبب شعوره تجاهه بالغيره منذ الصغر .. وكان قد فعل بالمثل مع "ليلي"
التى أعجبها اطراءه .. أما "فيحاء" فرد فعلها كان مختلفاً .. ظهر على وجهها علامات الغضب والضيق .. التفت "عزمي" الى "علاء" قائلاً :
- لما تبقى تعرف تتكلم بإحترام مع مراتى هبقى أعد معاك على سفرة واحدة
وأمسك "فيحاء" من يدها وجذبها وصعدا الى غرفتهما .. قال "علاء" بغرور :
- ماله ده حد جه جمبه
قال "الالفي" بغضب :
- انت مش شايف ان اللى انت عملته ده ميصحش يا "علاء" .. يعني ايه تقولها دخلتى مزاجى .. وانت عارف ابن خالك غيور أد ايه
قال "علاء" بحنق :
- هو اللى معقد زيادة عن اللزوم .. أنا قولت كلمة عادية ومكنش قصدى بيها حاجه
نهضت "كريمة" وذهبت الي المطبخ لتطلب من الخدم ارسال الطعام الى "عزمي" و "فيحاء" بالأعلى .. نظرت "فيحاء" الى "عزمي" الغاضب .. اقتربت منه وحاولت امتصاص غضبه قائله
:
- متضايقش نفسك يا "عزمي"
نظر اليها وجذبها من يدها وأجلسها بجواره على الأريكة وقبل جبينها قائلاً :
- انا اللى آسف انى عرضتك لكلامه ده .. وانتى أعدتك قدامه على السفرة .. معلش غلطة ومش هتتكرر
اقتربت أكثر من زوجها وابتسمت وقالت :
- عارف .. أنا بحب غيرتك دى أوى
التفت اليها وقد اختفت علامات الغضب من وجهه لتحل محلها نظرات حب وشغف فى عينيه وقال :
- يعني غيرتى دى مش بتضايقك ولا بتخنقك
قالت مؤكدة :
- بالعكس .. أنا أحب ان جوزى يبقى غيور عليا كدة
أوشك على تقبيلها عندما سمع طرقات على الباب .. وجد الخادمة وقد أحضرت الطعام .. التفت الى "فيحاء" قائلاً :
- حماتك مهنش عليها ننام جعانيين
قالت بمرح :
- ماما "كريمه" دى مفيش زيها
سألها بإهتمام :
- يعني حبيتيها
قالت بحماس :
- جداً .. بجد حبيتها أوى .. بحس انها طيبة أوى وحنينه .. بحس فيها كتير من ماما الله يرحمها
- الله يرحمها .. يعني مش مضايقه اننا هنعيش معاها هنا
قالت "فيحاء" بثقه :
- لأ طبعا .. انت بتعمل كده عشان تبر أهلك ودى حاجه تفرحنى جدا .. وكمان أنا وماما "كريمه" متفاهمين مع بعض جدا وان شاء الله مش هتحصل بينا أى مشاكل .. وأكيد
ست زيها أنا هتعلم منها كتير
نظر اليها بتقدير واعجاب وقبل جبينها .. تناولا طعامهما ودخلت الحمام لتجهز نفسها للنوم .. احتارت فيما ترتدى .. وفى النهاية اختارت بيجاما وردية اللون .. خرجت
لتتبعها نظرات "عزمي" النائم على فراشه .. حاولت تجنب نظراته واقتربت من الفراش ووقفت أمامه متوترة .. فضحك "عزمي" قائلاً بخبث :
- هناك كنتى بتنامى جمبى بمزاجك .. أما هنا فهتنامى جمبي اجبارى
أزاحت "فيحاء" الغطاء ونامت على الطرف كالعادة و أعطته ظهرها .. اقترب منها وقبل وجنتها وهمس فى أذنها :
- ده آخر يوم هسيبك فيه .. سمعانى .. اعملى حسابك على كده
نظرت اليه وأمأت رأسها فى خجل .. فقبلها مرة أخرى على جبينها قائلاً :
- تصبحى على خير يا حبيبتى
- وانت من أهل الخير
ظنت بأنه سينام على الطرف الآخر .. لكنها كانت مخطئة .. نام بجوارها لاففاً ذراعيه حولها على رغم من خجلها لهذا الوضع إلا أنها كانت سعيدة للغاية .. فهاهى نائمــة
فى حضن حبيبهــا .. زوجهــا .. كانت تستمع الى أنفاسه المنتظمة والابتسامه على ثغرها .. لم تنم من فورها .. بل بقت مستيقظة لفترة مستمتعه بقربها منه .. وبحضنة
الدافئ .. حتى غلبها النعاس
استيقظت على آذان الفجر .. والتفتت الى "عزمي" توقظه بهدوء :
- "عزمي" اصحى .. الفجر أذن
قال وهو يغالب النعاس :
- سبيني النهاردة يا "فيحاء" مش هقدر أقوم
التفتت اليه وأزاحت الغطاء وقالت بعند :
- لأ مش هسيبك .. قوم يلا بلاش كسل
فتح عينيه بصعوبة قائلاً :
- هصليه لما أصحى
قالت بحزم :
- لما تصحى هيبقى اسمه صبح مش فجر
قام متكاسلاً ثم نظر اليها وقال :
- ده انتى لحوحه
قامت وقالت مبتسمه :
- يلا الصلاة
توضأ الاثنان وصليا معاً .. أنهى "عزمي" صلاته وعاد الى فراشه .. أما "فيحاء" فأحضرت مصحفها وجلست على سجادة الصلاة تقرأ وردها .. نداها "عزمي" :
- "فيحاء"
قطعت القراءة قائله :
- أيوة يا "عزمي"
- بتعملى ايه
- بقرا فى المصحف
- طيب تعالى اقرى هنا
قامت ودخلت الى الفراش وجلست تقرأ فى مصحفها .. ظل "عزمي" ينظر اليها وهى تقرأ بشفتيها .. قاطعها قائلاً :
- انتى متعودة تقرى كل يوم ؟
التفتت قائله :
- أيوة بقرأ وردى .. بحدد كل يوم جزء وبقراه قبل ما أنام أو بعد ما أصلى الفجر
عادت لتكمل القراءه .. ظل ينظر اليها .. قاطعها مرة أخرى قائلاً :
- ممكن تقرى بصوت عالى
نظرت اليه واستغربت طلبه .. لكنها فعلت وقرأت بصوت شجى للغاية .. بل تكن قرائتها عذبه فقط بل كانت مجودة أيضاً .. فأضافت القراءة الصحيحة للحروف الى صوتها المزيد
من العذوبه .. اقترب "عزمي" منها وأسند رأسه الى ذراعها ونظر معها الى المصحف وهو يستمع اليها حتى انتهت .. نظر اليها قائلاً :
- انتى بتقرى قران حلو أوى .. وصوتك كمان حلو أوى
ابتسمت لاطراؤه .. فسألها بإهتمام :
- انتى ازاى بتقرى كده .. يعني الحروف بتطلع منك بطريقة جميلة
- أيوة أنا كنت بروح المسجد من وأنا صغيرة واتعلمت التجويد وعشان كده بعرف أقرا فى المصحف صح
نظر اليها فى اعجاب قائلاً :
- سهل ولا صعب ؟ يعني اقصد سهل انك تشرحيه لحد ولا لازم حد متخصص يشرحه
قالت بحماس :
- أكيد الأفضل ان حد متخصص يشرحه .. بس أنا عارفه كل الأحكام ودرستها
صمتت تراقب وجهه ثم قالت :
- تحب أشرحهالك
ابتسم وقال :
- تقدرى تخليني أقرا زيك
قالت بحماس :
- ايوة طبعا اقدر .. ايه رايك كل يوم اشرحلك حاجة ونطبقها سوا
قال بحماس مماثل :
- اتفقنا
تبادلا الابتسام .. تركت مصحفها .. وقال هامساً :
- أنا سايبك النهاردة بالعافية على فكرة
رفعت رأسها لتنظر اليه .. فقال :
- بكرة عايز أشوفك بالفستان الأبيض .. اتفقنا
قالت هامسه :
- اتفقنا

***************

فى الصباح استيقظت "فيحاء" متأخره على غير عادتها .. لم تجد "عزمي" بجوارها .. نهضت وأخذت دشاً وارتدت ملابسها وحجابها ونزلت كانت تبدو الفيلا فارغة .. وقفت
فى منتصف الردهة الواسعة بالأسفل وهى تنظر الى ما حولها برهبه .. مازلت لا تستطيع استيعاب أن هذا المكان هو منزلها وبيتها .. شعرت بالتوتر والاضطراب .. حتى
أنها لا تتذكر مكان غرفة الطعام أو غرفة المعيشة .. كانت تبدو كالضائعة .. أتاها صوت "كريمه" من خلفها قائلاً:
- أنا كمان أول مرة آجى فيها الفيلا دى كنت حسه زيك كده
التفتت "فيحاء" لتبتسم لها .. فأكملت "كريمه" :
- تعالى معايا المطبخ لو ده مش هيضايقك .. أنا كمان لسه مفطرتش تعالى نفطر سوا وأقولك بعض أسرارى المطبخيه
ابتسمت "فيحاء" وتبعتها .. كانت تبدو كإمرأة بسيطة .. تعاملت فى المطبخ و كأنها تدخله آلاف المرات .. لم تكن تراها كإمرأة من طبقة ارستقراطية .. كما قالت من
قبل تشعر بأنها أقرب الى والدتها .. لاحظت "كريمه" نظراتها فقالت لها :
- على فكرة فى حاجه متعرفيهاش عنى .. والحاجه دى هى اللى مخليه "ثريا" مبتحبنيش .. يعني عشان لو لاحظتى أى خلاف بينا تكونى فاهمة السبب .. وأنا من جهتى بحاول
على أد ما أقدر محتكش بيها او أعمل حاجه تضايقها
جلست بجوارها على الطاولة وقالت :
- أنا زيك يا "فيحاء" من أسرة بسيطة .. مش مولوده وفى بقى معلقة دهب يعني
شعرت "فيحاء" بالدهشة من هذا التصريح فأكملت "كريمه" :
- بس انا كانت ظروفى أصعب منك شوية .. أنا كنت عايشة فى القرية اللى فيها المزرعة .. ومكنش ليا غير أب مات وسبنى فى الدنيا دى لوحدى .. اشتغلت فى بيت المزرعة
...
صمت قليلاً ثم قالت :
- كنت بشتغل خدامه
اتسعت عينا "فيحاء" من الدهشة .. فلم تتخيل أن تلك المرأة الجميلة والأنيقة التى تجلس بجوارها كانت خادمة فى بيت المزرعة .. اكملت "كريمه" :
- كنت بشتغل عند جد "عزمي" وجدته .. ومن هنا اتعرفت على "الفي" جوزى .. ماتعرفيش ايه اللى حصل .. بس هو النصيب انه اختارنى دون عن أى بنت تانية .. حبينا بعض جداً
.. واتجوزنا .. ومش هقولك على المشاكل اللى واجهتنا فى الأول من معاملة أهله السيئة .. بس بعد ولادة "عزمي" كل شئ اتغير وحمايا اللى هو جد "عزمي" حبه جداً ورضى
أخيرا عنه وعنى وعن ابنه .. وكمان حماتى قلبها رق
صمتت قليلاً ثم اكملت :
- مفيش الا "ثريا" هى اللى مكنتش متقبله جوازى من أخوها .. وعشان كدة كانت بتحارب جوازك من "عزمي" .. انتى صحيح وضعك أحسن منى بكتير .. بس هى دايماً بتحب المظاهر
.. وعشان كدة مش قادرة تفهم انك زوجة ممتازة لـ "عزمي" .. وانه اختار صح
سعدت "فيحاء" للغاية لهذا الإطراء الذى سمعته من أم زوجها .. أكملت "كريمه" :
- أنا عارفه انك حسه دلوقتى انك غريبه بس متقلقيش بكرة تتعودى على عيشتنا وتحسى انه بيتك
ابتسمت "فيحاء" وقالت بتأثر :
- بجد حضرتك طيبة أوى .. حاسه انك فهمانى وحاسه بيا .. وده من أول يوم اتكلمنا فيه مع بعض لما حضرتك جتيلى المكتب .. من يومها وأنا حسيت بكده
قالت "كريمه" مبتسمه :
- وأنا كمان من اليوم ده وأنا حبيتك أوى .. معرفش يمكن عشان شوفت نفسي فيكي
صمت برهه ثم قالت بتردد :
- بصراحة الحاجة الوحيدة اللى كانت مضايقانى هى موضوع جوازك الأولانى .. يعني أى أم تتمنى ان ابنها يتجوز بنوته مسبقلهاش الجواز .. بس تمسك "عزمي" بيكي و اعجابي
بشخصيتك .. خلونى اتغاضى عن الأمر ده
صمتت "فيحاء" .. بدا عليها التفكير .. فقالت "كريمه" :
- اوعى يكون كلامى ضايقك .. أنا بس حسيت اننا قربنا من بعض فحبيت أفتحلك قلبي ونتكلم بصراحة
نظرت "فيحاء" اليها قائله بشئ من الخجل :
- لأ مضايقتش وأنا حبه ان أنا وحضرتك العلاقة بينا تكون كويسة كدة .. وأنا حاسه فعلاً ان حضرتك طيبة وحنينة ومعوضانى عن ماما الله يرحمها .. بس فى حاجه بس أحب
أقولهالك عشان أطمنك شوية
- خير يا حبيبتى
قالت بتوتر :
- يعني بخصوص جوازى الأولانى .. يعني .. أنا متجوزتش .. يعني هو ملمسنيش
نظرت اليها "كريمة" بدهشة ثم قالت :
- ازاى .. "عزمي" قال انكوا اتجوزتوا شهر تقريباً
- أيوة .. هو أعد معايا خمس أيام بس وبعدين سافر .. وأنا كنت ... يعني.. المعاد مكنش مناسب ليا
اتسعت ابتسامة "كريمة" ووقفت تأخذها فى حضنها وقالت بحماس :
- حبيبتى .. متتصوريش أنا فرحت ازاى بكلامك ده .. وفرحت أكتر عشان "عزمي"
ابتسمت "ياسمين" للسعادة البادية على وجه "كريمه" وحمدت الله أن وفق بينها وبين أم زوجها .. جلست المرأتان مرة أخرى وتناولا الفطار معاً وهما منسجمتان فى الحديث
.. حتى قالت "فيحاء" :
- ممكن أسأل حضرتك سؤال يا ماما
-اسألى يا حبيبتى
- هو الحرق اللى فى ايد "عزمي" ده قديم ولا جديد
قالت "كريمه" وهى شارده :
- لأ جديد من يوم ما سافر المزرعة آخر مرة .. سألته عليه بس كان رده غريب أوى
قالت "فيحاء" بإهتمام :
- رد قال ايه ؟
ردت "كريمه" بإستغراب :
- رد وقالى انه عقاب من ربنا
لاح الحزن على وجه "فيحاء" فأكملت "كريمه" :
- معرفش كان يقصد ايه .. وساعتها انشغلنا بالأحداث اللى حصلت فى المزرعة ومسألتوش تانى
نظرت "كريمه" الى "فيحاء" التى شردت وقالت بإهتمام :
- ليه فى حاجه ؟
قالت "فيحاء" بسرعة :
- لا أبداً أنا بسأل بس .. فضول مش أكتر
تنهدت "فيحاء" وهى تحاول طرد الأفكار السوداء من رأسها .

****************************
كانت "فيحاء" تتمشى فى الحديقة أثناء انشغال "عزمي" فى الحديث مع والده فى المكتب عندما اقترب منها "علاء" .. فغضبت لرؤيته همت بمغادرة المكان لكنه أوقفها قائلاً
:
- ايه رايحه فين .. خليكي نتكلم شوية
قالت دون أن تنظر اليه :
- عن اذنك
همت بأن تنصرف فإعترض طريقها مرة أخرى قائلاً :
- شكلك خايفه من "عزمي" .. معلش هو ابن خالى كده معقد وبيعقدها على الناس اللى حواليه
شعرت "فيحاء" بالغضب لتحدثه بهذه الطريقة عن "عزمي" فقالت له :
- لأ جوزى مش معقد ولو سمحت عديني
أفسح لها الطريق وقال بلهجة ساخرة :
- اتفضلى
مشت فى طريقها بسرعة فالتقت بـ "عزمي" الذى أقبل اتجاهها وقفت أمامه .. ألقى نظرة على "علاء" الذى يغادر .. ثم عليها وقال :
- فى حاجه يا "فيحاء"
قالت بتوتر :
- لأ مفيش حاجه
ألقى على "علاء" نظرة أخرى ثم قال :
- حد ضايقك
نظرت لها قائله :
- لأ محدش ضايقني يا "عزمي" .. متقلقش
تنهد "عزمي" وقال بضيق :
- "فيحاء" .. لو "علاء" حاول يكلمك مترديش عليه .. هو كدة طول عمره يشوف ايه اللى بيضايقني ويعمله .. وهو عارف انى بغير عليكي وعشان كده بيتعمد يستظرف ويستخف
دمه
ابتسمت ونظرت له بحب قائله :
- متقلقش مش هديله فرصة يتكلم معايا
كانت تشعر بالسعادة كلما لمست غيرة "عزمي" عليها .. اقترب ونظر اليها بشغف هامساً :
- متبصليش كده وإلا أنا مش مسؤل عن اللى هيحصل
اتسعت ابتسامتها فاقترب أكثر وقال :
- مشتاق أوى أشوفك بالفستان الأبيض .. أكيد هتطلعى فيه زى القمر
لمعت عيناها فعانقتها عيناه قائلاً :
- هتلبسيه امتى
قالت بخجل وهى تتحاشا النظر اليه :
- النهارده بالليل
- ماشى .. هحاول أصبر الكام ساعه دول
جاءت "كريمه" فابتعدت "فيحاء" عن "عزمي" قليلاً .. وجهت حديثها اليهما قائله :
- يلا بينا عشان نعد مع بعض ونتكلم فى تفاصيل الحفلة

بعد الغداء صعدت "فيحاء" الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت دولابها ونظرت الى فستان الفرح بسعادة .. ذلك الفستان الذى تنوى ارتدائه تلك الليلة .. ارتدت ملابسها
وحجابها كم تمنت رحيل "علاء" لتسطيع الجلوس معهم بدون حجاب .. أثناء اتمامها على ملابسها وجدت "عزمي" يدخل الغرفة فالتفتت اليه قائله بمرح :
- جيت أغير هدومى ونازلة لماما "كريمه" فى المطبخ قالتلى هتعلمنى طريقه أكله انت بتحبها
بدا "عزمي" واجماً .. فاختفت ابتسامتها واقتربت منها قائله :
- فى حاجه يا "عزمي"
قطب جبينه قائلاً :
- انتى سألتى ماما عن الحرق اللى فى ايدي ؟
خفق قلبها وقالت بصوت خافت :
- أيوة
- ليه ؟ .. ليه مصرة تسألى عن سبب الحرق
بلعت ريقها وقالت :
- هى ماما قالتلك ايه
- قالتلى الحرق اللى فى ايدك من ايه .. قولتلها اشمعنى ايه اللى فكرك بيه دلوقتى .. قالتلى "فيحاء" سألتنى عنه النهارده
كانت "فيحاء" تهرب من تلك المواجهه .. بل لا تريدها على الإطلاق .. لم تكن تريد لزوجها أن يعلم بما عرفته عنه .. حتى يظل متأكداً من أن صورته لم تتغير فى عينيها
.. لكن ها هى المواجهه حانت ولا مفر .. كانت تلك الذكرى تؤلمها .. ولا تعرف كيف تتخير كلماتها .. سألها "عزمي" :
- انتى ليه مهتمة بموضوع الحرق يا "فيحاء"
أخذت نفس "عميق" وتحاشت النظر الى عينيه ووجه وقالت :
- أنا عرفت كل حاجه عن البيت المحروق وعن علاقتك بصفية مرات الغفير
ساد الصمت طويلاً بينهما .. كانت تتحاشى النظر الى وجهه .. لكن الصمت طال .. فرفعت نظرها اليه لترتطم بتعبيرات وجهه المتجمده .. سألها بصوت رخيم :
- عرفتي ايه بالظبط ؟
شعرت بغصة فى حلقها وبنار فى قلبها .. قطبت جبينها وقالت بصوت لا يكاد يسمع :
- عرفت انك كنت على علاقه بيها وجوزها عرف وحرق البيت وانت وهى جواه .. وان الراجل اللى انقذكوا اديته فلوس عشان يتستر عليكوا ..
نظرت اليه مرة أخرى .. مازال وجهه خالى من أى تعبير .. سألها بهدوء :
- عرفتى منين كل ده
- الراجل جالى قبل كتبت الكتاب بيوم وقالى الكلام ده .. وأنا اتاكدت ان اسمك واسمها موجود فى ملفات المستشفى فى يوم الحادثة
قال ببرود :
- عشان كده قولتيلى يوم كتب الكتاب انك مش عايزانى
أومأت برأسها ايجاباً .. ساد الصمت مرة أخرى .. رفعت رأسها تنظر اليه قائله بصوت مرتجف :
- أنا سامحتك يا "عزمي" .. وبحاول أنسى اللى انت عملته .. لانى حاسه انك اتغيرت .. وانك بقيت انسان كويس .. أنا سامحتك
صمت .. لم يتحدث .. لم يتحرك .. اقتربت منه لتلمس ذراعه قائله :
-"عزمي"
ولدهشتها نفض ذراعه ليبعده عن يدها .. وأخيراً ظهرت تغيرت تعبيرات وجهه المتجمدة .. ولكن لدهشتها تحولت الى غضب هادر .. لم ترى عينيه تشعان بهذا الغضب من قبل
.. قال بصوت هادر :
- يعني طول الوقت ده وانتى عايشه معايا وفاكرة انى واحد سافل
نظرت الى غضبه بدهشة وحيرة .. فأكمل بغضب :
- عايشة معايا فى بيت واحد وانتى فاكرة انى كنت على علاقة بواحدة متجوزة .. ومش كده وبس .. جوزها بيشتغل عندى .. وكمان دفعت رشوى عشان أتستر على علاقتى بيها
اقترب منها وامسك بذراعها بقوة حتى ألمتها قائلاً :
- مش كده يا "فيحاء" .. هى دى الصورة اللى انتى راسماها ليا .. ان أنا واحد منحط وحقير بالشكل ده .. هه ردى
كانت قبضة يده تؤلمها بشدة قالت بألم :
- "عزمي" دراعى
انتبه لقبضته فترك ذراعها .. فركت ذراعها بيدها وهى تنظر اليه نظرة حيرة ودهشة .. كانت مازالت نظراته غاضبة نارية .. صاحت قائله :
- انا عارفه كويس اللى حصل يا "عزمي" وأنا اتاكدت بنفسى من سجلات المستشفى .. ومن كلامك انت شخصياً .. من اجاباتك على كل اللى بيسألك عن الحرق ده .. وانا قولتلك
انى سامحتك .. فمفيش داعى تكدب عليا وتفهمنى انك برئ
بدا وكأن غضبه تضاعف وازداد احمرار وجهه غضباً قال بصرامة وحزم :
- اللى حصل كالتالى عايزة تصدقى صدقى مش عايزة انتى حره .. الست دى فعلا كان بتخون جوزها بس مش معايا .. مع مهندس كان شغال فى المزرعة قبل "أيمن" .. واستمرت
علاقتهم حتى بعد ما مشى من المزرعة وكانوا بيتقابلوا فى البيت القديم
هتفت بغضب :
- البيت اللى هو ملكك
- أيوة ملكى .. وهو معنى انه ملكى يبقي أنا اللى كنت معاها فيه
رفعت حاجبيها وقالت بصرامة :
- ايه اللى يخلى واحد زيك يشترى بيت قديم زى ده .. بيت مهجور .. ومبهدل .. ومفيش فيه اى حاجه تصلح ان الواحد يعيش فيه .. ايه اللى يخليك تشتريه
قال بصرامة وببرود :
- عشان أمى
نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :
- ده بيت أمى القديم اللى كانت عايشة فيه مع أهلها .. لما اهلها ماتوا باعت البيت وجت عاشت فى بيت المزرعة واشتغلت فيه .. كان البيت ده بيمثل ليها ذكريات جميلة
مع اهلها وكان نفسها تحتفظ بيه بس مكانش صحابه الجداد راضيين يبيعوه لحد من 6 شهور جالى صاحب البيت وباعهولى واشتريته عشانها
نظرت اليه "فيحاء" بأعين متحجرة وشلت الصدمة لسانها
أكمل بقسوة وبصوت هادر :
- مش انا اللى كنت معاها فى البيت يا مدام .. انا كنت راجع من عند "أيمن" من المنصورة وشوفت النار قايده فى البيت .. وقفت العربية على الطريق وجريت نحية البيت
لقيتها جوه ومش عارفه تخرج .. بعد ما الراجل اللى كان معاها سبها وهرب .. دخلت أحاول اخرجها بس كانت ايدي متجبسه وقتها معرفتش أشيلها وهى كانت خايفة تخرج فى
النار لان النار كانت محاوطه البيت كله .. لحد ما الراجل اللى جالك .. شفنا وجه يساعدنا .. وهى لما عرفت ان الراجل شاف جوزها انهارت وعرفت انه عرف بخيانتها
وانه هو اللى حرق البيت .. اول ما سمعتها بتقول كده قدام الراجل طلعت فلوس واديتهاله عشان يتستر عليها هيا مش عليا انا
شعرت وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان .. أكمل بنفس القسوة :
- ولما روحنا المستشفى حكتلى على كل حاجة وعن علاقتها بالبشمهندس "محمد" .. خرجت من المستشفى فى نفس اليوم وروحت لـ "محمد" بيته .. واتخانقت معاه .. واترجانى
انى اتستر عليه عشان مراته وولاده لان مراته لو عرفت والخبر وصلها أكيد هتطلق منه.. وعيط قدامي وأقسملى انها غلطة ومش هتتكرر وان هى اللى أغوته وخلانى أقسمله
انى متكلمش فى الموضوع مع حد .. وعشان كده مجبتش سيره لحد
تجمعت الدموع فى عينيها وهى تشعر بدوار بسبب صدمتها مما تسمع .. فأكمل بغضب مكتوم :
- بعد ما صفية طلعت من المستشفى خافت ترجع لاهلها عشان جوزها ميعرفش انها لسه عايشه ويرجع يقتلها .. اديتلها فلوس وقولتلها تسافر اى بلد تانية تعيش فيها
قالت بصوت مرتجف مضطرب مبحوح وبأعين حائرة :
- ليه قولتلى انى لو عرفت سبب الحرق هبعد عنك وليه قولت لمامتك انه عقاب ربنا
زفر بقوة ثم قال بغضب :
- لانى كنت عارف انها مش مظبوطه .. وكانت تصرفاتها مش عجبانى ومع ذلك سكت وسبتها .. لو كنت من الاول مشتها هى وجوزها مكنتش قدرت توصل ل "محمد" ومكنتش علاقتها
بيه استمرت لحد دلوقتى .. ومكنش حصل ده كله
ألجمها بكلامه .. لم تستطع أن تتحدث .. نظرت اليه واقتربت منه .. لكنه ابتعد عنها ورجع الى الخلف وفى عينيه نظرة قاسية وقال :
- من أول يوم جواز قولتلك لازم نبقى صرحا مع بعض .. واللي مضايق من التانى فى حاجه يقولها
نظرت الى الأرض وقطبت جبينها وقد شعرت بحجم ذنبها .. فأكمل قائلاً :
- لكن انتى عمرك ما كنتى صريحه معايا .. وعمرك ما وثقتى فيا .. وعمرك ما عرفتيني صح
ثم قال :
- وعمرك ما حبتيني
نظرت اليه فى ألم .... نظر اليها "عزمي" نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :
- احنا لازم نتطلق يا "فيحاء"
صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع مرة أخرى فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة
وألــم .
تجمدت فى مكانها وأخذت الدموع تتساقط من عينيها .. بدت نظراته وقد لانت للحظة .. لكنه عاد ونظر بصرامه وقال :
- هنستنى لحد ما الحفلة تخلص ونرجع المزرعة وبعدين ننفصل
قال ذلك وتركها وحدها فى الغرفة تكاد قدماها تحملانها بصعوبة من هول الصدمة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي