١
هي: أنا هضربك زي ما ضربتني.
هي روفيدا فتاه في الثامنة من العمر، ابنة فيروز العراقي من أكبر العائلات ولكن شاء القدر أن تحب السائق الخاص بهم رغم أنه يحمل شهادة عليا ولكن ظروفه المادية كانت ضعيفة ومع ذلك فيروز صممت علي الزواج منه وهربت معه وتزوجته ولكن في ذلك الوقت صدر فرمان من والدها بمنعها من دخول منزل العائلة ثانية وتبرَّى منها بكل الطرق حتى أنها ذهبت إليهم في إحدى المرات لكن لم يسمحوا لها حتى أن تتعدى البوابة الخارجية وطردها الأب شر طرده.
اُنجبت روفيدا بعيونها الرصاصي التي ورثتها من والد أمها وشعرها الأسود الحريري الذي تُصمِّم على قَصه مثل الأطفال بالشارع، تشبه الصبية، فتاه متمردة لحد كبير، لا تسمع كلام أحد وخصوصًا بعد وفاة والدها منذ عامين وهي أصبحت عدوانية أكثر. كثرة الدلع أفسد تلك الطفلة الرائعة وعدم رعاية والدتها لها منذ عدة أشهر اكتشفوا أن فيروز مصابة بمرض بالقلب وحالتها متأخرة وهاهي محجوزة بإحدى المستشفيات الحكومية، ابنة عائلة العراقي لا تستطيع حتى أن تعالج نفسها.
رد الطفل عليها وقد كان يكبرها بسبع سنوات ولكن يحبها.
يُدعى ماجد شاب غريب الأطوار لا يهمه شيء سوى تحقيق هدفه ولكن كانت دائمًا ما تتحداه روفيدا لذلك كانت تجذبه بشدة وأيضًا منذ دخول والدتها إلى المشفى وهي تعيش معهم.
كانت روفيدا تضرب ماجد حين اقتربت منه والدته.
الأم: وهي سميرة، ربة منزل، سيدة عادية حالها كحال كل الناس، طيبة وتحب روفيدا ووالدتها صديقتها الوحيدة تعاملها بكل حنية ورفق: في إيه يا ولاد؟
روفيدا بغضب: الزفت ده بيغيظني.
الأم بعتب: ليه يا ماجد كده؟
ماجد وهو يضحك وينظر لروفيدا وهو يخرج لسانه حتى يغيظها: معملتش حاجة.
روفيدا وهي تحاول ضربه ولكن منعتها سميرة: شايفة، شايفة!
الأم: خلاص، خلاص يلا بينا هنروح المستشفى لمامتك، تعالي أغيرلك الأول.
روفيدا بعناد: لا مش هغير هاجي كده.
سميرة: يا بنتي مينفعش.
روفيدا وهي تمشي أمامها: يلا يا طنط مش هغير.
وبالفعل ذهبت روفيدا إلى المشفى كما هي، عاتبتها والدتها لمنظرها ولكن عنادها لا أحد يقدر عليه.
خرجت روفيدا للعب مع الأطفال بالخارج، فهو وقت الزيارة والمشفى مليئة بالناس والأطفال بذلك الوقت.
فيروز: أنا تعبت خلاص حاسة إني هموت.
سميرة بحزن: اوعي تقولي كده.
فيروز بحزن: عاوزة منك خدمة يا سميرة.
سميره: إنتي تؤمري يا حبيبتي.
فيروز: عاوزاكي تروحي لأهلي وتبلغيهم بكل حاجة وأعطتها ورقة مكتوب بها عنوان منزل عائلتها
كانت قد طلبت من الممرضة أن تكتبه لها حتى تعطيه لسميرة.
سميرة:حاضر يا حبيبتي بكرة هكون عندهم.
..........
في اليوم التالي بمنزل العراقي، كان الجميع يلتف على طاولة الإفطار.
الجدة وهي والدة فيروز فقد مات والدها دون علمها منذ سنوات ومن وقتها وأمها تبحث عنها، فهي ابنتها الوحيدة وخصوصًا أنها لم تنجب بنت سواها وولد آخر يُدعى سامر ولكن مات بعد زواجه بإحدى عشر سنة والآن ابنه في الثانية والعشرين ويُدعى أحمد وهو الآن كبير عائلة العراقي، يُعرف عنه الصرامة والقوة فهو أخذ كل صفات جده، لا يفعل شيء بحياته سوى العمل والاهتمام بعائلته وتعيش معه والدته وأخته على اسم
جدته تالين.
نظرت الجدة إلى أحمد بحزن: مفيش جديد؟
أحمد: بجدية وهو يرتشف القهوة: متقلقيش يا جدتي أنا مش ساكت هوصلها يعني هوصلها.
الجدة: يارب يا ابني، نفسي أشوف بنتي قبل ما أموت.
تالين ببراءة: لا يا تيته أنا عاوزاكي معايا على طول متموتيش زي جدو وبابا.
الجدة بابتسامة: حاضر حبيبتي.
والدة أحمد: إن شاء الله خير.
في تلك اللحظة دخلت إحدى الخادمات تعلن عن وصول ضيفة تطلب مقابلة الجميع.
سمح لها بالدخول، دخلت سميرة بعبائتها السوداء البسيطة، كانت تشعر بالتوتر من شدة ثراء تلك العائلة ويتركون ابنتهم هكذا.
أحمد وهو يقترب منها ويسألها: إنتي مين؟
سميرة: أنا اسمي سميرة وكنت عاوزة أحمد بيه.
أحمد: أنا أحمد العراقي.
سميرة بدهشة: إزاي ده إنت صغير واللي أعرفه إنه كبير! إزاي إنت هتكون أبو فيروز!
حينها اقتربت الجدة بسرعة منها حين سمعت اسم ابنتها
الجدة بلهفة: إنتي تعرفي بنتي؟ هي فين؟
سميرة حكت لهم ما حدث مع فيروز وأنها الآن بإحدى المستشفيات الحكومية بين الحياة والموت.
الجدة وهي تمسك بيد أحمد وتبكي: وديني ليها يا أحمد أرجوك يا ابني جدك حرمني منها ماتحرمنيش أشوفها يا أحمد.
أحمد بحنية وهو يحتضن جدته: حاضر يا جدتي يلا بينا.
وبالفعل ذهب أحمد والجدة إلى المشفى بصحبة سميرة.
أخيرًا وصلوا إلى المشفى وطبعًا لأنه أحمد العراقي فتحت له الزيارة لم يقدر أحد على اعتراض طريقه كان يشعر بالقرف ممّا حوله ماهذا الإهمال، لم يتوقع تلك المناظر نهائيًا أنها تحدُث، القطط تملأ المشفى والدم على الأرض والقاذورات والغريب السراير ليست نظيفة، هل هذا مكان للعلاج أم لجلب المرض أكثر وأكثر!
حين دخلوا بكت فيروز حال رؤيتها والدتها
احتضنتها الأم بقوة وبكوا، لم تترك فيروز أمها لأول مرة منذ سنوات تشعر بالأمان والحنية عليها.
فيروز بتعب: وحشتيني يا أمي.
الأم بدموع: إنتي أكتر يا قلبي.
فيروز وهي تنظر لأحمد: ده أحمد الصغير.
اقترب منها أحمد وقَبَّل جبينها: إزيك يا عمتي؟
العمة: الحمدلله، كأني شايفة بابا.
أحمد: الله يرحمه.
نظرت لهم فيروز بصدمة: بابا مات؟!
الأم بحزن: كلنا هنموت.
سميرة: طيب أستأذن أنا عشان العيال.
فيروز: عاوزة روفيدا يا سميرة.
سميرة: حاضر يا حبيبتي.
بكت فيروز لموت والدها رغم قسوته، منذ الأمس وهي تتألم وتشعر كأنها ستموت، لكن تتمسك بالدنيا بكل قوتها حتى تطمئن على طفلتها.
فيروز وهي تمسك بيد والدتها: ماما عاوزة منك حاجة.
أحمد: هتقولي كل حاجة بس ننقلك من المكان ده الأول.
فيروز برفض: اسمعوني الأول.
الأم: قولي ياحبيبتي.
فيروز: أنا عندي بنت عمرها ثمانية سنوات عاوزاكي تربيها يا ماما زي ما ربتيني وتحافظي عليها، بنتي عنيدة لازم القوة عليها عاوزاها تتعلم كويس وتعيش معاكم ملهاش غيركم.
الأم: ببكاء طبعًا يا حبيبتي وإنتي كمان معانا.
فيروز: بتعب مش باين.
قام أحمد باتصالاته بكبرى المستشفيات وتم نقل فيروز لها بينما انتظر أحمد قدوم تلك الطفلة المشاكسة كما يقولون، كان ينتظر أمام المشفى الحكومي حين وجد سميرة تقترب منهم وهي تمشي إلى جانبها، ما هذا المنظر! شَعَر أحمد بالصدمة كانت تشبه أطفال الشوراع بملابسها المتسخة وشعرها المنكوش، اقتربوا منه.
سميرة: أسفة يا بيه اتأخرت بس على ما جبت روفيدا.
كانت روفيدا تنظر له بطريقة عجيبة،
لاحظ أحمد ذلك.
احمد بهدوء: شكرًا ليكي.
وأخرج مبلغ كبير من المال وأعطاه لها.
أكمل أحمد: شكرًا لكل حاجة أنا نقلت عمتي وهاخد البنت.
روفيدا بعناد: اسمي روفيدا مش بنت وهرجع مع خالتي بعد ما شوف ماما.
سميرة: عيب يا روفا.
أحمد: ولا يهمك طيب اركبي وبعدين هرجعك.
نظرت له روفيدا بفرحة وهي تشير إلى السيارة: هركب دي!
أحمد بضيق من تساؤلات تلك الطفلة: اه.
ركبت روفيدا سريعًا إلى جانبه بعد وداع سميرة، كانت روفيدا تنظر حولها بدهشة غريبة فخمة جدًا وأخيرًا وصلوا إلى المشف.
كان أحمد يمسك بيدها ويشعر بالإحراج من منظرها لكن ليس باليد حيلة.
وصل إلى غرفة عمته، وجد الجدة تبكي بقوة وهي تخرج من الباب حين كان سيطرقه وخلفها الطبيب.
الجدة بألم وبكاء: فيروز ماتت يا أحمد.
صرخت روفيدا بقوة: ماما..
حاولت كثيرًا سحب يدها من يد أحمد ولكن لم يتركها لن يجعلها تشاهد والدتها هكذا وأخيرًا حملها بين يده وهو يحكم السيطرة عليها ونادى على الطبيب بسرعة وطلب منه إعطائها حقنة مهدئة
وأخذها إلى المنزل.
تم كل شي وهي نائمة دفنوا والدتها دون أن تراها خلعوها من أرضها وهي لا تعلم عنهم شيء ولم ترى أحد منهم قبل ذلك.
فتحت أخيرًا روفيدا عيونها وجدت أنها بغرفة جميلة ترتدي بيجامة روز بناتي.
قامت من التخت ومشت بكل هدوء، وجدت المنزل لا يوجد به أي حركة، نزلت السلالم بسرعة دون إصدار أي صوت فهي لا تريد سوى الرجوع إلى منزل سميرة.
نزلت مسرعة وفتحت الباب وخرجت كانت تجري وتجري حتى تصل إلى البوابة الخارجية وجدت الحارس نائمًا فتسحبت بهدوء وخرجت وهي تنظر له ولكن كانت الصدمة صوت الفرامل العالي والسيارة التي كادت أن تصدمها وهي تنظر خلفها وقفت تتنفس بسرعة وهي تغمض عيونها من ضوء السيارة العالي، لم ترى مَنْ السائق ولكن فجأة وجدت نفسها أمام أحمد العراقي.
أحمد بغضب: إيه يا غبية عاوزة تموتي؟
وجدها تحاول الهرب ثانية، جرى ورائها حتى أمسكها بقوة، صفعها بشدة على وجهها، بكت على إثر الصفعة بشدة.
أحمد: عاوزة تموتي بس مش على ايدي وبالطريقة دي كده! إنتي إيه حرام عليكي بس أنا هأدبك من جديد.
روفيدا ببكاء وعناد طفلة: أنا عاوزة طنط سميرة.
أحمد: خلاص انسي كل حاجة، نسي الناس دي خلاص، فاهمة!
أشارت له بالموافقة وهي ترتعش من الخوف، لم يدرك أحمد أن ذلك القلم لن تنساه وسيكون هو الحاجز بينهم.
......................
مرت الأيام والسنون وكل يوم روفيدا تبتعد أكثر وأكثر عن أحمد، كلما اقترب منها هي تبتعد حتى أنها كانت ترفض الجلوس معه على طاولة واحدة سوى في حالات معينة، كان كلما طلبها للحديث لا ترد، تظل صامتة بينما على الجانب الآخر أصبحت تتعامل مع جدتها بكل حب بعد أن عطفت عليها الجدة وأعطتها كل حنانها هي وزوجة خالها كانت أيضًا تالين أخت أحمد صديقتها المقربة وكانوا لا يفعلون شيئًا سوى مع بعض، كانوا يعيشون بغرفة واحدة، يلبسون نفس اللبس، كل شيء متشابه حتى شعرهم، كان من يراهم يظنهم توأم غير متماثل ولكن كل منهم كانت تعشق الأخرى، لم تذهب روفيدا إلى الحارة ثانية ولم ترى أحد من وقت ذهابها مع أحمد وهاهو مر اثنى عشر عام وأصبحت الآن روفيدا بعمر العشرين.
كانت روفيدا بغرفتها هي وتالين، وقفت تالين تنظر إلى نفسها بالمرآة كانت سمينة إلى حد ما رغم جمالها البريء.
تحدثت تالين بحزن: مبقتش عارفة ألبس حاجة، أنا خلاص شكلي بقى وحش، بقيت أتكسف أخرج.
روفيدا وهي تقترب منها بحب وتحتضنها:بصي يا توتو يا حبيبتي إنتي جميلة مش مهم الشكل، إنتي جوهرة وصدقيني اللي بيحب بيحب الروح الحلوة مش الشكل وبعدين إنتي زي القمر وكمان إحنا مش اتفقنا هنروح الجيم سوا ونقلل أكل.
تالين بحزن وهي تبكي: كل مرة كده، كل مرة أقول هخس وأجهز نفسي وكل حاجة لحد يوم واحد ومن تاني يوم بكتر في الأكل وأتخن أكتر وأكتر، أنا مش عارفة أبطل أكل وكمان لما نفسيتي بتتعب باكل أكتر والفترة دي كانت صعبة بسبب الامتحانات وكنت باكل كتير ودي النتيجة بقيت تخينة جدًا.
روفيدا بجدية وتأنيب: ليه الاستسلام ده؟ إنتي ليه ضعيفة كده؟ لازم يكون عندك شخصية وإرادة من جواكي لازم تتغيري مش عشان شكل عشان صحتك إنتي بوزنك ده هتتعبي لازم توقفي أكل وأنا هساعدك ونروح لدكتور كمان.
تالين بأمل: تفتكري هخس!
روفيدا: طبعًا بس خليكي قوية.
تالين: طيب انزلي إنتي على ما أغير وأحصلك.
روفيدا: ماشي بس متتأخريش إنتي عارفة مبحبش أقعد مع أحمد كتير.
تالين بضحك: على الله يسمعك.
روفيدا بعصبية: شكل نهايته على ايدي.
كان أحمد يخرج من غرفة مكتبه حين وجد روفيدا تنزل بكل جمالها الآخاذ، بشعرها الحريري المفرود خلفها وجسدها الممشوق والذي أوضحه فستانها الأزرق، وآه من جمال عيونها نفس عيونه وفمها الوردي الرائع، أصبحت الفتاه المتشردة المشاكسة ملكة جمال.
روفيدا بقرف: صباح الخير.
أحمد وهو يبتسم لها: صباح النور.
روفيدا كانت تهم أن تخرج للحديقة، حين وجدته يقف أمامها وهو يضع يده بجيبه.
أحمد: عاوزك في المكتب.
أشارت له بالموافقة ومشت خلفه حتى المكتب.
أحمد وهو يشير لها أن تجلس: اقعدي.
روفيدا بعناد: لا شكرًا، ممكن تقول عاوز إيه؟
أحمد: عاوز أعرف إيه حكايتك معايا، عاوز أفهم ليه بتعاملي الكل كويس إلا أنا.
روفيدا بغضب: لأن الكل عاملني بحب إلا إنت، دايمًا كنت بتعاقبني، كنت حاسة كأني هم وجالك وضربتني وأنا طفلة.
أحمد بجدية: كنت بعلمك وإنتي كنتي عنيدة، كنت بكلمك متسمعيش، مكنش قدامي غير الشدة.
صفقت له روفيدا بسخرية: برافوا.
أحمد بعصبية: بطلي تعصبيني، أنا بحاول أكون كويس معاكي وإنتي برده اللي في دماغك في دماغك.
روفيدا: وأنا مطلبتش منك حاجة وريح نفسك ومتحملش همي.
حينها اقترب منها أحمد فرجعت إلى الخلف حتى استندت على الحائط، كان يرى نظرات التحدي بعيونها ولكن يشوبها بغضب الخوف الذي يصيبها منه من طفولتها.
رفع أحمد يده ليضعها إلى جانب رأسها ولكن وجدها تحمي وجهها بيده شعر بالألم بصدره حبيبته من عشقها منذ أن كانت بالثامنة، من كبرت أمامه يعرف عنها كل شيء، ما تحبه وما تكرهه، تخاف منه هكذا ولكن هو السبب فيما حدث.
أحمد بهمس جانب أذنها: متخافيش مني أنا عمري ما همد ايدي عليكي، أنا بس كنت عاوز أقولك إن كل حاجة تخصني أنا وبس ومتنسيش إن جدتي اتنازلت ليا عن الوصاية قبل ما تسافر وإنتي في أمانتي لحد ما ترجع.
روفيدا وهي تنزل يدها وتنظر بعيونه التي هي نسخة من عيونها.
روفيدا بعصبية: أنا مش عاوزة منك حاجة.
أحمد وهو يبتعد عنها بحزن ولكن يداريه: براحتك بس لما تحتاجيني أنا موجود.
في تلك اللحظة طرق الباب.
أحمد: ادخل.
دخلت تالين وهي تبتسم لأحمد وهو يبتسم لها.
أحمد: أهلًا، أهلًا بست البنات.
تالين بسخرية: لا لا إنت المفروض تقول أهلًا أهلًا بقلبوظة البنات.
أحمد بابتسامة: أحلى قلبوظة في الدنيا.
روفيدا بتعجل: مش يلا!
تالين: أوك بس قولتي لأحمد؟
أحمد بتساؤل: على إيه؟
تالين: على الرحلة.
روفيدا: لا مقولتش، نسيت.
أحمد: رحلة إيه دي وفين ومع مين؟
تالين: رحلة تبع الجامعة هتكون أسبوع للأقصر وأسوان.
أحمد بعصبية: أه وأنتم بقى فاكرين إني هوافق على بيات برة البيت لمدة أسبوع!
روفيدا بعناد: إحنا كبرنا مش أطفال.
أحمد: أنتم بنات والبنت ميصحش تعمل كده، البنت متباتش برة البيت، البنت متحطش نفسها زي أحمد، البنت تخرج مع أهلها وبس.
روفيدا: إنت على طول كده مش شايف حد صح غيرك!
أحمد بهدوء وهو يجلس على الكرسي: مفيش رحلات وكلامي نهائي، فاهمين؟
لم ترد تالين وخرجت من الغرفة بعد أن استأذنت منه بينما اقتربت منه روفيدا وانحنت على المكتب وهي تنظر له بتحدي: أنا مش هسمع كلامك والرحلة هروحها واللي إنت عاوزه اعمله.
التفتت لتخرج حين سمعته يصرخ باسمها: روفيدا..
التفتت له روفيدا ونظرت له، شعرت بالخوف من صوته العالي، تخشى غضبه ولكن لن تجعله يتحكم بها كالسابق.
روفيدا: نعم.
أحمد وهو يقف ويلتف خلف المكتب وينظر لها بقوة ويتحدث بلهجة لا تقبل النقاش ولا العناد: أقسم برب العزة لو عرفت إنك خالفتي كلامي ساعتها هتندمي.
نظرت له روفيدا بغضب وخرجت.
أحمد: لحد امتى يا روفيدا؟ لحد امتى؟ لكن أنا خلاص فاض بيا ومبقتش قادر أتحمل أكتر من كده، إنتي ليا وبس أنا بحبك يا روفيدا، بحبك، ياااارب نفسي تحبني وتشوفني صح، أنا مش زي ما هي فاكرة، أنا عاشق وبغير والغيرة جزء من الحب وبخاف عليها أكتر من نفسي، لما كانت بتتعب كنت بسهر بالساعات أداويها، لما كانت تزعل كنت بحزن عليها، لو طلبت حاجة في ثواني بلبيها، أنا تعبت من الجفا وهي كبرت، خايف تروح مني، يارب قدرني وأخليها تحبني.
................
هي روفيدا فتاه في الثامنة من العمر، ابنة فيروز العراقي من أكبر العائلات ولكن شاء القدر أن تحب السائق الخاص بهم رغم أنه يحمل شهادة عليا ولكن ظروفه المادية كانت ضعيفة ومع ذلك فيروز صممت علي الزواج منه وهربت معه وتزوجته ولكن في ذلك الوقت صدر فرمان من والدها بمنعها من دخول منزل العائلة ثانية وتبرَّى منها بكل الطرق حتى أنها ذهبت إليهم في إحدى المرات لكن لم يسمحوا لها حتى أن تتعدى البوابة الخارجية وطردها الأب شر طرده.
اُنجبت روفيدا بعيونها الرصاصي التي ورثتها من والد أمها وشعرها الأسود الحريري الذي تُصمِّم على قَصه مثل الأطفال بالشارع، تشبه الصبية، فتاه متمردة لحد كبير، لا تسمع كلام أحد وخصوصًا بعد وفاة والدها منذ عامين وهي أصبحت عدوانية أكثر. كثرة الدلع أفسد تلك الطفلة الرائعة وعدم رعاية والدتها لها منذ عدة أشهر اكتشفوا أن فيروز مصابة بمرض بالقلب وحالتها متأخرة وهاهي محجوزة بإحدى المستشفيات الحكومية، ابنة عائلة العراقي لا تستطيع حتى أن تعالج نفسها.
رد الطفل عليها وقد كان يكبرها بسبع سنوات ولكن يحبها.
يُدعى ماجد شاب غريب الأطوار لا يهمه شيء سوى تحقيق هدفه ولكن كانت دائمًا ما تتحداه روفيدا لذلك كانت تجذبه بشدة وأيضًا منذ دخول والدتها إلى المشفى وهي تعيش معهم.
كانت روفيدا تضرب ماجد حين اقتربت منه والدته.
الأم: وهي سميرة، ربة منزل، سيدة عادية حالها كحال كل الناس، طيبة وتحب روفيدا ووالدتها صديقتها الوحيدة تعاملها بكل حنية ورفق: في إيه يا ولاد؟
روفيدا بغضب: الزفت ده بيغيظني.
الأم بعتب: ليه يا ماجد كده؟
ماجد وهو يضحك وينظر لروفيدا وهو يخرج لسانه حتى يغيظها: معملتش حاجة.
روفيدا وهي تحاول ضربه ولكن منعتها سميرة: شايفة، شايفة!
الأم: خلاص، خلاص يلا بينا هنروح المستشفى لمامتك، تعالي أغيرلك الأول.
روفيدا بعناد: لا مش هغير هاجي كده.
سميرة: يا بنتي مينفعش.
روفيدا وهي تمشي أمامها: يلا يا طنط مش هغير.
وبالفعل ذهبت روفيدا إلى المشفى كما هي، عاتبتها والدتها لمنظرها ولكن عنادها لا أحد يقدر عليه.
خرجت روفيدا للعب مع الأطفال بالخارج، فهو وقت الزيارة والمشفى مليئة بالناس والأطفال بذلك الوقت.
فيروز: أنا تعبت خلاص حاسة إني هموت.
سميرة بحزن: اوعي تقولي كده.
فيروز بحزن: عاوزة منك خدمة يا سميرة.
سميره: إنتي تؤمري يا حبيبتي.
فيروز: عاوزاكي تروحي لأهلي وتبلغيهم بكل حاجة وأعطتها ورقة مكتوب بها عنوان منزل عائلتها
كانت قد طلبت من الممرضة أن تكتبه لها حتى تعطيه لسميرة.
سميرة:حاضر يا حبيبتي بكرة هكون عندهم.
..........
في اليوم التالي بمنزل العراقي، كان الجميع يلتف على طاولة الإفطار.
الجدة وهي والدة فيروز فقد مات والدها دون علمها منذ سنوات ومن وقتها وأمها تبحث عنها، فهي ابنتها الوحيدة وخصوصًا أنها لم تنجب بنت سواها وولد آخر يُدعى سامر ولكن مات بعد زواجه بإحدى عشر سنة والآن ابنه في الثانية والعشرين ويُدعى أحمد وهو الآن كبير عائلة العراقي، يُعرف عنه الصرامة والقوة فهو أخذ كل صفات جده، لا يفعل شيء بحياته سوى العمل والاهتمام بعائلته وتعيش معه والدته وأخته على اسم
جدته تالين.
نظرت الجدة إلى أحمد بحزن: مفيش جديد؟
أحمد: بجدية وهو يرتشف القهوة: متقلقيش يا جدتي أنا مش ساكت هوصلها يعني هوصلها.
الجدة: يارب يا ابني، نفسي أشوف بنتي قبل ما أموت.
تالين ببراءة: لا يا تيته أنا عاوزاكي معايا على طول متموتيش زي جدو وبابا.
الجدة بابتسامة: حاضر حبيبتي.
والدة أحمد: إن شاء الله خير.
في تلك اللحظة دخلت إحدى الخادمات تعلن عن وصول ضيفة تطلب مقابلة الجميع.
سمح لها بالدخول، دخلت سميرة بعبائتها السوداء البسيطة، كانت تشعر بالتوتر من شدة ثراء تلك العائلة ويتركون ابنتهم هكذا.
أحمد وهو يقترب منها ويسألها: إنتي مين؟
سميرة: أنا اسمي سميرة وكنت عاوزة أحمد بيه.
أحمد: أنا أحمد العراقي.
سميرة بدهشة: إزاي ده إنت صغير واللي أعرفه إنه كبير! إزاي إنت هتكون أبو فيروز!
حينها اقتربت الجدة بسرعة منها حين سمعت اسم ابنتها
الجدة بلهفة: إنتي تعرفي بنتي؟ هي فين؟
سميرة حكت لهم ما حدث مع فيروز وأنها الآن بإحدى المستشفيات الحكومية بين الحياة والموت.
الجدة وهي تمسك بيد أحمد وتبكي: وديني ليها يا أحمد أرجوك يا ابني جدك حرمني منها ماتحرمنيش أشوفها يا أحمد.
أحمد بحنية وهو يحتضن جدته: حاضر يا جدتي يلا بينا.
وبالفعل ذهب أحمد والجدة إلى المشفى بصحبة سميرة.
أخيرًا وصلوا إلى المشفى وطبعًا لأنه أحمد العراقي فتحت له الزيارة لم يقدر أحد على اعتراض طريقه كان يشعر بالقرف ممّا حوله ماهذا الإهمال، لم يتوقع تلك المناظر نهائيًا أنها تحدُث، القطط تملأ المشفى والدم على الأرض والقاذورات والغريب السراير ليست نظيفة، هل هذا مكان للعلاج أم لجلب المرض أكثر وأكثر!
حين دخلوا بكت فيروز حال رؤيتها والدتها
احتضنتها الأم بقوة وبكوا، لم تترك فيروز أمها لأول مرة منذ سنوات تشعر بالأمان والحنية عليها.
فيروز بتعب: وحشتيني يا أمي.
الأم بدموع: إنتي أكتر يا قلبي.
فيروز وهي تنظر لأحمد: ده أحمد الصغير.
اقترب منها أحمد وقَبَّل جبينها: إزيك يا عمتي؟
العمة: الحمدلله، كأني شايفة بابا.
أحمد: الله يرحمه.
نظرت لهم فيروز بصدمة: بابا مات؟!
الأم بحزن: كلنا هنموت.
سميرة: طيب أستأذن أنا عشان العيال.
فيروز: عاوزة روفيدا يا سميرة.
سميرة: حاضر يا حبيبتي.
بكت فيروز لموت والدها رغم قسوته، منذ الأمس وهي تتألم وتشعر كأنها ستموت، لكن تتمسك بالدنيا بكل قوتها حتى تطمئن على طفلتها.
فيروز وهي تمسك بيد والدتها: ماما عاوزة منك حاجة.
أحمد: هتقولي كل حاجة بس ننقلك من المكان ده الأول.
فيروز برفض: اسمعوني الأول.
الأم: قولي ياحبيبتي.
فيروز: أنا عندي بنت عمرها ثمانية سنوات عاوزاكي تربيها يا ماما زي ما ربتيني وتحافظي عليها، بنتي عنيدة لازم القوة عليها عاوزاها تتعلم كويس وتعيش معاكم ملهاش غيركم.
الأم: ببكاء طبعًا يا حبيبتي وإنتي كمان معانا.
فيروز: بتعب مش باين.
قام أحمد باتصالاته بكبرى المستشفيات وتم نقل فيروز لها بينما انتظر أحمد قدوم تلك الطفلة المشاكسة كما يقولون، كان ينتظر أمام المشفى الحكومي حين وجد سميرة تقترب منهم وهي تمشي إلى جانبها، ما هذا المنظر! شَعَر أحمد بالصدمة كانت تشبه أطفال الشوراع بملابسها المتسخة وشعرها المنكوش، اقتربوا منه.
سميرة: أسفة يا بيه اتأخرت بس على ما جبت روفيدا.
كانت روفيدا تنظر له بطريقة عجيبة،
لاحظ أحمد ذلك.
احمد بهدوء: شكرًا ليكي.
وأخرج مبلغ كبير من المال وأعطاه لها.
أكمل أحمد: شكرًا لكل حاجة أنا نقلت عمتي وهاخد البنت.
روفيدا بعناد: اسمي روفيدا مش بنت وهرجع مع خالتي بعد ما شوف ماما.
سميرة: عيب يا روفا.
أحمد: ولا يهمك طيب اركبي وبعدين هرجعك.
نظرت له روفيدا بفرحة وهي تشير إلى السيارة: هركب دي!
أحمد بضيق من تساؤلات تلك الطفلة: اه.
ركبت روفيدا سريعًا إلى جانبه بعد وداع سميرة، كانت روفيدا تنظر حولها بدهشة غريبة فخمة جدًا وأخيرًا وصلوا إلى المشف.
كان أحمد يمسك بيدها ويشعر بالإحراج من منظرها لكن ليس باليد حيلة.
وصل إلى غرفة عمته، وجد الجدة تبكي بقوة وهي تخرج من الباب حين كان سيطرقه وخلفها الطبيب.
الجدة بألم وبكاء: فيروز ماتت يا أحمد.
صرخت روفيدا بقوة: ماما..
حاولت كثيرًا سحب يدها من يد أحمد ولكن لم يتركها لن يجعلها تشاهد والدتها هكذا وأخيرًا حملها بين يده وهو يحكم السيطرة عليها ونادى على الطبيب بسرعة وطلب منه إعطائها حقنة مهدئة
وأخذها إلى المنزل.
تم كل شي وهي نائمة دفنوا والدتها دون أن تراها خلعوها من أرضها وهي لا تعلم عنهم شيء ولم ترى أحد منهم قبل ذلك.
فتحت أخيرًا روفيدا عيونها وجدت أنها بغرفة جميلة ترتدي بيجامة روز بناتي.
قامت من التخت ومشت بكل هدوء، وجدت المنزل لا يوجد به أي حركة، نزلت السلالم بسرعة دون إصدار أي صوت فهي لا تريد سوى الرجوع إلى منزل سميرة.
نزلت مسرعة وفتحت الباب وخرجت كانت تجري وتجري حتى تصل إلى البوابة الخارجية وجدت الحارس نائمًا فتسحبت بهدوء وخرجت وهي تنظر له ولكن كانت الصدمة صوت الفرامل العالي والسيارة التي كادت أن تصدمها وهي تنظر خلفها وقفت تتنفس بسرعة وهي تغمض عيونها من ضوء السيارة العالي، لم ترى مَنْ السائق ولكن فجأة وجدت نفسها أمام أحمد العراقي.
أحمد بغضب: إيه يا غبية عاوزة تموتي؟
وجدها تحاول الهرب ثانية، جرى ورائها حتى أمسكها بقوة، صفعها بشدة على وجهها، بكت على إثر الصفعة بشدة.
أحمد: عاوزة تموتي بس مش على ايدي وبالطريقة دي كده! إنتي إيه حرام عليكي بس أنا هأدبك من جديد.
روفيدا ببكاء وعناد طفلة: أنا عاوزة طنط سميرة.
أحمد: خلاص انسي كل حاجة، نسي الناس دي خلاص، فاهمة!
أشارت له بالموافقة وهي ترتعش من الخوف، لم يدرك أحمد أن ذلك القلم لن تنساه وسيكون هو الحاجز بينهم.
......................
مرت الأيام والسنون وكل يوم روفيدا تبتعد أكثر وأكثر عن أحمد، كلما اقترب منها هي تبتعد حتى أنها كانت ترفض الجلوس معه على طاولة واحدة سوى في حالات معينة، كان كلما طلبها للحديث لا ترد، تظل صامتة بينما على الجانب الآخر أصبحت تتعامل مع جدتها بكل حب بعد أن عطفت عليها الجدة وأعطتها كل حنانها هي وزوجة خالها كانت أيضًا تالين أخت أحمد صديقتها المقربة وكانوا لا يفعلون شيئًا سوى مع بعض، كانوا يعيشون بغرفة واحدة، يلبسون نفس اللبس، كل شيء متشابه حتى شعرهم، كان من يراهم يظنهم توأم غير متماثل ولكن كل منهم كانت تعشق الأخرى، لم تذهب روفيدا إلى الحارة ثانية ولم ترى أحد من وقت ذهابها مع أحمد وهاهو مر اثنى عشر عام وأصبحت الآن روفيدا بعمر العشرين.
كانت روفيدا بغرفتها هي وتالين، وقفت تالين تنظر إلى نفسها بالمرآة كانت سمينة إلى حد ما رغم جمالها البريء.
تحدثت تالين بحزن: مبقتش عارفة ألبس حاجة، أنا خلاص شكلي بقى وحش، بقيت أتكسف أخرج.
روفيدا وهي تقترب منها بحب وتحتضنها:بصي يا توتو يا حبيبتي إنتي جميلة مش مهم الشكل، إنتي جوهرة وصدقيني اللي بيحب بيحب الروح الحلوة مش الشكل وبعدين إنتي زي القمر وكمان إحنا مش اتفقنا هنروح الجيم سوا ونقلل أكل.
تالين بحزن وهي تبكي: كل مرة كده، كل مرة أقول هخس وأجهز نفسي وكل حاجة لحد يوم واحد ومن تاني يوم بكتر في الأكل وأتخن أكتر وأكتر، أنا مش عارفة أبطل أكل وكمان لما نفسيتي بتتعب باكل أكتر والفترة دي كانت صعبة بسبب الامتحانات وكنت باكل كتير ودي النتيجة بقيت تخينة جدًا.
روفيدا بجدية وتأنيب: ليه الاستسلام ده؟ إنتي ليه ضعيفة كده؟ لازم يكون عندك شخصية وإرادة من جواكي لازم تتغيري مش عشان شكل عشان صحتك إنتي بوزنك ده هتتعبي لازم توقفي أكل وأنا هساعدك ونروح لدكتور كمان.
تالين بأمل: تفتكري هخس!
روفيدا: طبعًا بس خليكي قوية.
تالين: طيب انزلي إنتي على ما أغير وأحصلك.
روفيدا: ماشي بس متتأخريش إنتي عارفة مبحبش أقعد مع أحمد كتير.
تالين بضحك: على الله يسمعك.
روفيدا بعصبية: شكل نهايته على ايدي.
كان أحمد يخرج من غرفة مكتبه حين وجد روفيدا تنزل بكل جمالها الآخاذ، بشعرها الحريري المفرود خلفها وجسدها الممشوق والذي أوضحه فستانها الأزرق، وآه من جمال عيونها نفس عيونه وفمها الوردي الرائع، أصبحت الفتاه المتشردة المشاكسة ملكة جمال.
روفيدا بقرف: صباح الخير.
أحمد وهو يبتسم لها: صباح النور.
روفيدا كانت تهم أن تخرج للحديقة، حين وجدته يقف أمامها وهو يضع يده بجيبه.
أحمد: عاوزك في المكتب.
أشارت له بالموافقة ومشت خلفه حتى المكتب.
أحمد وهو يشير لها أن تجلس: اقعدي.
روفيدا بعناد: لا شكرًا، ممكن تقول عاوز إيه؟
أحمد: عاوز أعرف إيه حكايتك معايا، عاوز أفهم ليه بتعاملي الكل كويس إلا أنا.
روفيدا بغضب: لأن الكل عاملني بحب إلا إنت، دايمًا كنت بتعاقبني، كنت حاسة كأني هم وجالك وضربتني وأنا طفلة.
أحمد بجدية: كنت بعلمك وإنتي كنتي عنيدة، كنت بكلمك متسمعيش، مكنش قدامي غير الشدة.
صفقت له روفيدا بسخرية: برافوا.
أحمد بعصبية: بطلي تعصبيني، أنا بحاول أكون كويس معاكي وإنتي برده اللي في دماغك في دماغك.
روفيدا: وأنا مطلبتش منك حاجة وريح نفسك ومتحملش همي.
حينها اقترب منها أحمد فرجعت إلى الخلف حتى استندت على الحائط، كان يرى نظرات التحدي بعيونها ولكن يشوبها بغضب الخوف الذي يصيبها منه من طفولتها.
رفع أحمد يده ليضعها إلى جانب رأسها ولكن وجدها تحمي وجهها بيده شعر بالألم بصدره حبيبته من عشقها منذ أن كانت بالثامنة، من كبرت أمامه يعرف عنها كل شيء، ما تحبه وما تكرهه، تخاف منه هكذا ولكن هو السبب فيما حدث.
أحمد بهمس جانب أذنها: متخافيش مني أنا عمري ما همد ايدي عليكي، أنا بس كنت عاوز أقولك إن كل حاجة تخصني أنا وبس ومتنسيش إن جدتي اتنازلت ليا عن الوصاية قبل ما تسافر وإنتي في أمانتي لحد ما ترجع.
روفيدا وهي تنزل يدها وتنظر بعيونه التي هي نسخة من عيونها.
روفيدا بعصبية: أنا مش عاوزة منك حاجة.
أحمد وهو يبتعد عنها بحزن ولكن يداريه: براحتك بس لما تحتاجيني أنا موجود.
في تلك اللحظة طرق الباب.
أحمد: ادخل.
دخلت تالين وهي تبتسم لأحمد وهو يبتسم لها.
أحمد: أهلًا، أهلًا بست البنات.
تالين بسخرية: لا لا إنت المفروض تقول أهلًا أهلًا بقلبوظة البنات.
أحمد بابتسامة: أحلى قلبوظة في الدنيا.
روفيدا بتعجل: مش يلا!
تالين: أوك بس قولتي لأحمد؟
أحمد بتساؤل: على إيه؟
تالين: على الرحلة.
روفيدا: لا مقولتش، نسيت.
أحمد: رحلة إيه دي وفين ومع مين؟
تالين: رحلة تبع الجامعة هتكون أسبوع للأقصر وأسوان.
أحمد بعصبية: أه وأنتم بقى فاكرين إني هوافق على بيات برة البيت لمدة أسبوع!
روفيدا بعناد: إحنا كبرنا مش أطفال.
أحمد: أنتم بنات والبنت ميصحش تعمل كده، البنت متباتش برة البيت، البنت متحطش نفسها زي أحمد، البنت تخرج مع أهلها وبس.
روفيدا: إنت على طول كده مش شايف حد صح غيرك!
أحمد بهدوء وهو يجلس على الكرسي: مفيش رحلات وكلامي نهائي، فاهمين؟
لم ترد تالين وخرجت من الغرفة بعد أن استأذنت منه بينما اقتربت منه روفيدا وانحنت على المكتب وهي تنظر له بتحدي: أنا مش هسمع كلامك والرحلة هروحها واللي إنت عاوزه اعمله.
التفتت لتخرج حين سمعته يصرخ باسمها: روفيدا..
التفتت له روفيدا ونظرت له، شعرت بالخوف من صوته العالي، تخشى غضبه ولكن لن تجعله يتحكم بها كالسابق.
روفيدا: نعم.
أحمد وهو يقف ويلتف خلف المكتب وينظر لها بقوة ويتحدث بلهجة لا تقبل النقاش ولا العناد: أقسم برب العزة لو عرفت إنك خالفتي كلامي ساعتها هتندمي.
نظرت له روفيدا بغضب وخرجت.
أحمد: لحد امتى يا روفيدا؟ لحد امتى؟ لكن أنا خلاص فاض بيا ومبقتش قادر أتحمل أكتر من كده، إنتي ليا وبس أنا بحبك يا روفيدا، بحبك، ياااارب نفسي تحبني وتشوفني صح، أنا مش زي ما هي فاكرة، أنا عاشق وبغير والغيرة جزء من الحب وبخاف عليها أكتر من نفسي، لما كانت بتتعب كنت بسهر بالساعات أداويها، لما كانت تزعل كنت بحزن عليها، لو طلبت حاجة في ثواني بلبيها، أنا تعبت من الجفا وهي كبرت، خايف تروح مني، يارب قدرني وأخليها تحبني.
................