الفصل الثالث

فتحت عينيها ببطئ وهي تستقبل أشعة الضوء المُركزة على وجهها فسمعت أحد يقول لها - نور هل أنتِ بخير؟ لم تُميز هذا الصوت جيدًا، ربما لأنها كانت ترى كل شيء بصورة غير واضحة فتمتمت بصوتٍ خافت - أين أخي؟ مَنْ أنتم؟

فقالت الطبيبة - يبدو أنها ليست بخير. فقال بنفاذ صبر - أنتِ هنا لتجعليها بخير، لا لتحدقي بي.

فابتعدت عنه وجلست أمام نور قائلة - هل تتذكرين أخر شيء حدث لكِ؟ فأجابت - لم يكن أدهم بخير، لقد فقدنا أبي وأمي.

فقال يوسف - لقد مَرَّ عام على هذا يا نور، أخيكِ بخير. فقالت الطبيبة له - حسنًا لا يوجد غير تفسير واحد لهذا الأمر.

فقال - أرجوكِ لا تخبريني بهذا، ربما أَثَرَ اندفاعها بقوة على رأسها وستتذكر. فنفت قائلة - يبدو أنها فقدت جزء من ذاكرتها، ومِنْ حديثكما أظن أنها فقدت عام أو أكثر.

فقاطعت نور هذا الحديث الذي لا تفهم منه شيء - مَنْ أنتم؟ كان يريد أن يحطم كل شيء حقًا فقال بغضب - افعلي شيء، لا يمكن لهذا أن يحدث.

فقالت - ليس بيدي شيء لأفعله، يجب علينا أن نقوم ببعض الفحوصات لنرى كم تأذت ذاكرتها. وذهبت وتركته معها فوجدته يحدق بها ببعض الغضب فقالت - أنا لا أفهم شيء.

فقال - لقد فقدتَ ذاكرتكِ عام كامل. فضحكت بسخرية وقالت - سحقًا لك، هل تهزأ بي الآن؟

لا يوسف لا يمكن أن تفعل بها شيء الآن، هي لا تعلم عنك شيء، يمكنك وصفها بالبلهاء؟ نعم عليك فعل ذلك.

حَدَثَ نفسه قبل أن يقول - أنا الوكيل يوسف رشيد لنبدأ من هنا. فقالت بضيق - وكيل؟ تمزح.

فقال بنفاذ صبر - النقطة الثانية، أنا لا أمزح يا عزيزتي لذلك إن وجدت منكِ أي تصرف طائش لن أُبالي بفقدانكِ لذاكرتك وسأضعك داخل زنزانة.

فقالت - حسنًا لقد فهمت هذه النقطة، النقطة الأكثر أهمية أنا ماذا أفعل معك؟ بالتأكيد لا نتواعد فأنتَ لستُ من نوعي. نظر لها بصدمة، أنها لم تفقد جزء من ذاكرتها فحسب لا لقد أصبحت حمقاء فقال - لا يهمني إن كُنت من نوعك أم لا. ثم قَصَّ عليها ما حدث وتفاصيل قضيتها

فقالت - حسنًا أنا أصدقك فأنا فتاة بذلك الجنون، أين أبي وأمي الآن هل حقًا رحلوا بهذه البساطة؟ فقال عندما لاحظ أنها ستبكي - أظن أنكِ بكيتِ بما يكفي عليهما، إن كان البكاء سيجعل الأشخاص تعود لكان كل شخص الآن سعيد مع عائلته أو أصدقائه أو أحبائه، لا جدوى من البكاء. وكأنها لم تستمع لحرف مما قاله وبكت، بكت كثيرًا في تلك الليلة وهو لم يتركها وحيدة؛ لأنه يعرف ألم الفقدان جيدًا

بينما كان أخيها يزور قبرهما ويضع لهما بعض الزهور لأن كانت تلك الليلة، هي ليلة وفاتهما.

تعجب من تأخير أخته أنها لن تفوت تلك الليلة إلا بالبكاء معه فذلك هو أول عام يمَرَّ عليهما بدون وجودهما حتى وَرده اتصال ففَتح ليجد من يقول - انظر أعلم أنك قلق على أختك ولكنها بخير لقد تعرضت لحادث ولديها فقدان في الذاكرة وهي الآن تحت الرعاية في منزلي ولا يجب أن أخبرك بالعنوان لأنها في خطر. فقال - هل تمزح معي؟

فقال - أنها تُعاني من فقدان والديكما الآن، فيبدو أنها لا تتذكر هذا العام فقط، اهتم بنفسك حتى تعود. ثم أغلق مباشرة

فنظر إليها ليجدها نائمة بعمق، فتح تلك الرسالة التي وجدها في سيارتها " تورطتِ مع من لا يرحم، لم يتعلم شيء في حياته سوى القسوة، أنتِ في مشكلة ستكلفكِ حياتك بأكملها. "

شعرت بألم كبير في رأسها وكأن هناك من يضغط على رأسها بقوة، فاستيقظت بفزع لتجد تلك الهالة الغريبة أمامها فقالت وهي تضع يدها علي قلبها - لن أموت سوى على يدكَ. فقال - يبدو أنكِ لستِ بخير.

فأومأت قائلة - رأسي يؤلمني بشدة. فقدم إليها بعض المُسكنات التي ستعمل على تخفيف ألم رأسها فقال - أنتِ الآن في منزل قديمٍ لي وستأتي طبيبة مرتين في اليوم لتطمئن عليكِ. استدارت بوجهها لتكتشف أنها ليست بالمشفي، أنها في منزله

فصرخت به - كيف أنا في منزلك، هل اختطفتني؟ نظر لها باستخفاف، هل يمكنهُ أن يضحك بقوة على سذاجتها؟ أم لا يُبالي بتلميحاتها الغير مباشرة؟

فقال - يمكنني توضيح شيءٍ لك، أنا حقًا لا أُطيق وجودك هنا ولكن أنا مجبر على تحملكِ. فقالت بنَّبرة واهنة - لست مجبر، يُمكنني تحمل مسئوليتي.

ضربت ذاكرتها ذكرى باللون الأسود، هل يوجد ذكرى باللون الأسود أم هذا مُجرد وَهْم؟ لا تعلم ولكنها رأت شيءٍ ضبابيًا اقتحم رُؤيتها لفترة لا بأس بها.

فاقت على صوت يوسف - نور هل أنتِ هنا؟ نظرت له وهي تشعر بأنها تائهه، أنه ليس مجرد شعور فقط، أنها الحقيقة التي تخشى الأعتراف بها

فقالت - لا يمكنني المكوث معك. فقال - يوجد خدم في المنزل كما أنه يوجد حراس بالخارج، نحن لسنا بمفردنا.

فقالت - لا يجب أن تكون هنا. فقال - يجب أن تكوني تحت حمايتي أنا في المقدمة، أنا مجبر للمكوث هنا يا نور أرجوكِ تفهمي هذا.



نظر لها بغضب، لماذا تلك الفتاة تمتلك هذا الكَمْ من العناد؟ لماذا لا تتوقف عن وضع رأسها برأسه وتُعاند أكثر؟ إن حدث لها شيء فبالتأكيد ستكون على يده هو وكان بالتحديد يقصد كلمة " هو " فلا يستطيع أحد أن يقف أمامها.

ربما كان يخدع نفسه بمرور الأيام، لا أحد يستطيع الوقوف لها لأنها كانت دائمًا تتحلى بالكبرياء والقوة، لم تسمح لأحد بكسر كبريائها ومن يفعل ينال إذًا كان هذا قانونها الذي يسير على الجميع ويؤسفه قول هذا حتى هو لم يُعافى من قوانينها.

لفتت انتباهه للمرة الأولى عندما قامت بكسر يد رئيس المافيا الخاص بهم، هذا الشيء جعلها تدفع الكثير ولكن في النهاية كان معها كل الحق، فلقد سخر منها ذلك الرجل الوضيع.

سمع صوتها بلكنتها الإنجليزية التي اعتادها - بماذا شردتَ؟ أنا هنا أتحدث. فأجابها بالإنجليزية - أظن أن الأمر لا يحتاج إلى المناقشة يا بيلا.

فقالت - لن تصدر أوامرك وتذهب، تلك الفتاة لن تمسها بسوء بعد الآن. فقال بسخرية - لماذا تتحدثين وكأنني سأُنفذ ما تقوليه؟ من أنتِ من الأساس لتتحكمي في قراراتي ؟

نظرت له مطولًا، حدق هو في عينيها التي تُحطيها الليل، ظلام الليل اجتمع بهما وتلك اللمعة كانت أشبه بلمعان القمر سمع صوتها الهادئ - أنا التي جعلتك تقتل رئيس هذا العالم حتى لا يقتلني، و أنتَ لا تقتل لأجل امرأة يا فارس. وتركته مع حديثها، ليتضح له الأمر الذي مَلَّ من إنكاره

إنكار الحقيقة كانت من صفاته المميزة الذي حقًا يمتن لوجودها، رغم أنه شيء ليس جيد ولكنه يُنكر الحقيقة للآخرين وليس لذاته فهي تعلم بكل شيء، علمت منذ زمن أن إنكار الحقيقة لا يُساعد على نفيها من الوجود، تلك الحقيقة ستلازمك في كل مكان لتُذكرك بأنها موجودة ولا توجد فائدة من إنكارها، ولكن لا بأس إن أنكرت للآخرين شيء أنتَ متيقن من أن تلك هي الحقيقة، لا بأس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي