الفصل العاشر

مسحت تارا دموعها بظهر كفها عندما لم تجبها عنود على الهاتف، فكرت للحظةٍ انها وصلت البيت ولربما ذهبت للنوم ولم تسمعها لذلك لن تزعجها،



اغمضت عينيها تتذكر ما حدث منذ وصولها للبيت فقد كانت والدتها تنتظرها وهي ترتدي ثيابًا راقيةً مع حجابها الذي يظهر نصف شعرها مبرزًا حلق اذنيها المرصع بالألماس،



امسكت بيدها تجرها نحوها تهمس لها بخفةٍ:
-اذهبي وابدلي ثيابكِ بسرعةٍ تارا فالسيدةُ فرح وابنها المهندس عمر في الداخل.



رفعت تارا حاجبها الايمن بتعجبٍ مما يحدث لتجيبها بضيقٍ هامس:
- امي ارجوكِ لا اريد ابن السيدة فرح، فقد اخبرتكِ انني لا اعرفه.



حدجتها جمان بنظراتها فدبت تارا اقدامها بضيقٍ من تصرفات والدتها، انصرفت نحو الاعلى ولم تمضى تارا الكثير من الوقت حيث ارتدت بذلةً رسميةً بيضاء اللون مكونة من سروال وسترة اسفلها قميصًا من الساتان الحريري، هبطت الدرج بتوتر وخجل تحت انظار المربية سميرة التي تشجعها وتبتسم اليها بحنان

جلست بهدوءٍ بعدما قامت بتحية السيدة فرح، نظرت اليها السيدة فرح بابتسامةٍ رقيقةٍ تخاطبها:
-لقد كبرتي ونضجتِ تارا، كيف حالكِ.



ابتسمت تارا بخجلٍ من اطراء السيدة فرح لتجيبها بهدوء:
-بخير الحمد لله، شكرًا لك.



ظلت السيدة تفرح تتفحص تارا بإعجابٍ حقيقي مما اسعد والدتها جمان، فحمحمت بصوتها ناظرةً الى ابنها عمر :
-ها هي تارا عمر، لقد ازدادت جمالًا هل رأيت.



اومأ عمر برأسه بهدوءٍ وابتسامةٍ صغيرةٍ ارتسمت على شفتيه الرقيقة، نظرت اليه فرح متحدثةً برقةٍ:
-اقترب منها عمر وتحدثا فيما بينكم.



اعتدل عمر بعدما نهضت والدته يقترب من تارا التي بدأت تضغط على طرف سترتها من الاسفل بخجلٍ كبير وقد شعرت بالسخونة تسري في جسدها، ما الذي تفعله والدته، نظرت الى والدتها بهلعٍ والتي ابتعدت مع السيدة فرح عن الصالة متوجهتان نحو الصالة الاخرى المفتوحة امامها،



ابتلعت ريقها بتوترٍ وقد بدأت حبات العرق تظهر على جبينها، كيف امكنهن ان يفعلن هذا بها، استمعت الى صوته الراكز والهادئ:
-كيف حالكِ دكتورة تار؟.



حاولت اخراج صوتها فخرج رقيقًا هامسًا لكن الاخر لم يسمعها:
-بخير، الحمد لله.



اقترب برأسه منها يريد ان يسمع ما تقول، فنظرت اليه بسبب فعلته، كان ابيض البشرة بعيني سوداء كحيلةٍ زادتهم جمالًا نظارته الطبية التي ترتكز على انفه الصغير يعلوهم حاجبان رفيعان، مصففًا شعره الناعم على جهةٍ واحدةٍ بقصةٍ عصريةٍ مواكبة ما هو دارجٌ الان، فمه الصغير الذي يتناسق وجهه المستدير المحدد بشارب ولحية خفيفة، كان متناسق الجسد ويبدو انه يمارس الرياضة كي تجعله محافظًا على بنيته،



ابتلعت ريقها مبعدةً عينيها عن هالته الجذابة ،فانتبه الى نفسه مجليًا بصوته:
-اعتذر لم اسمع صوتكِ.


اخذت تارا نفسًا عميقًا قبل ان تخرج صوتها بمستوى اعلى:
-انني بخير، شكرًا.



ابتسم عمر بهدوءٍ ثم سألها:
-كيف عمل الاسنان معكِ، هل هو متعب؟، ام انكِ تستمتعين به؟.



اجابته تارا وقد بدأت ان تكون على طبيعتها:
-انني احبه كثيرًا واستمتع به.



هز برأسها بخفةٍ ثم فرك انفه بتوترٍ قبل سألها بدون اي مقدمات:
-ما الذي قالته لكِ السيدة جمان؟.



عقدت بين حاجبيها بعد فهمٍ فاكمل شارحًا:
-اقصد عني وعن زيارتنا لكم.




حركت رأسها يمنةً ويسرة وهي تجيبه بعدم استيعاب:
-لم تقل شيئًا، لماذا؟.


زم فمه ويبدو انه حائرٌ في امره، لتسأله باستفسار:
-ما الامر هل هناك خطبٌ ما؟!.



اخذ نفسًا عميقًا قبل ان يتحدث وقد عزم على امره:
-انتِ تعلمين اننا نعرق بعضًا منذ ان كنا صغارًا لكنكِ لا تذكرينني، حتى انا لا اذكركِ كثيرًا،



توقف عن الحديث لثوانٍ قبل ان يكمل عندما رأى علامات عدم الفهم على ملامحها:
-ما اريد قوله انني لم احادث والدتي عنكِ لأنني ببساطةٍ لا اعرفك جيدًا دكتورة تارا، كل ما اذكره ان هناك فتاةٌ جميلةٌ ذات شعرٍ اشقر طليق حر خجولةً لا تحب ان تتسخ ثيابها تأتي مع والدتها الى النادي، لم تكوني تختلطين مع احدٍ لذلك لم اقترب منكِ او اغامر بذلك،



ابتلع ريقه بتوترٍ اكبر ومازالت تارا تستمع اليه بإنصاتٍ تام:
-في الحقيقة انا احب فتاةً اخرى زميلةٌ لي بالعمل ووالدتي لا تريدها بحجة انها ليست من مستوانا الاجتماعي، انا اعتذر عن سوء الفهم هذا الذي وضعناكِ به،



تنهدت تارا براحةٍ تامة وهي تجيبه بتلقائية وعفوية:
-الحمد لله، لا عليك لا تهتم بذلك.



نظر اليها عمر للحظةٍ متسائلًا بتوجس:
- اي انكِ لم تنزعجي؟؟.



نفت برأسها بصدقٍ كبير مما جعله يبتسم اليها بشكرٍ حقيقي وسعادة واخوة:
-شكرًا لكِ حقًا، اعلم انني فظٌ في طريقتي، واقسم انه ليس من شخصكِ فأنتِ فتاةٌ جميلةٌ ورقيقةٍ لكني احبُ فتاةً اخرى سكنت قلبي منذ اربعة اعوام.



شعرت تارا بالخجل يسري في وجهها و توردت وجنتيها بحمرة الخجل مما زادها جمالًا من حديثه، فابتسمت على استحياءٍ وهي تخاطبه:
-اتمنى لكما السعادة حقًا.



ابتسم لها عمر بعذوبةٍ خاصةً ان تارا تخاطبه متجنبة النظر اليه فهذه هي عادتها لا تنظر الى الرجال او تنظر الى شخصٍ يحادثها بسبب خجلها الزائد،



عدل عمر نظارته الطبية ثم خاطبها بهدوء:
-ماذا ستخبرين والدتكِ دكتورة تارا؟.



تنهدت تارا بثقلٍ من هذا حقًا، فنظرت اليه لثوانٍ قبل ان تركز عينيها على حدود نظارته كي لا تنظر اليه:
-لا اعلم لكني سأقول لها انك لا تناسبني.



اطلق عمر ضحكة مجلجلة على عفويتها فخاطبها بعدما هدأ:
-انتِ تعلمين ان والدتي والسيدة جمان تريدان هذا الزواج، وقولكِ هذا لا يؤثر بقرارهم.



عضت شفتها بتفكير فسألته:
-وكيف سنقنعهم؟.




ابتسم بهدوءٍ وهو يجيبها بجدية:
-دعي هذا لي، لكن عليكِ ان تكوني قويةً لما سأقوله.


اعتدل عمر من جلسته ثم خاطب والدته تحت انظار تارا:
-امي دعينا نذهب، يبدو انني لم اعجبها، فهي لم تتحدث معي ولم تنظر الي وكأني جرثومةٌ.




نظرت اليها والدتها بغضبٍ مبطن فحاولت الابتسام في وجه السيدة فرح:
-اعتذر نيابةً عنها، تارا اعتذري عن تصرفك.



ابتلعت ريقها تارا بتوتر وقد صدمت مما يحدث، فنظر الى عمر تستجدي به فنظر اليها بندم واسف فلم يكن متوقعًا ذلك، نظر الى جمان متحدثًا بهدوء:
-لا عليك سيدة جمان ليس هي من عليها ان يعتذر، ثم انني احب فتاةً اخرى و وعدتها بالزواج لكن فعلتكِ انتِ ووالدتي هي من اوصلنا الى ذلك، حتى ان الدكتورة تارا لم تفعل ما قلته



نظر الى تارا التي احمر وجهها بغضب ممزوج بالضعف:
-اعتذر لكِ دكتورة تارا نيابةً عما بدر، والان هيًا امي عن اذنكم.




نظرت فرح الى جمان بقلة حيلةٍ فتنهدت الاخرى بضيق:
-مع السلامة فرح نتحدث بالغد.



نظرت تارا الى والدتها بهدوءٍ بعدما غادرا:
-هل اعجبكِ ما حدث؟ هل هكذا تتخلصين من ابنتكِ؟.


خلعت جمان حجابها بضيقٍ حقيقي وهي تخاطب تارا:
-لو انك لم تتخلي عن خجلك المعقد هذا لما حدث ما حدث، كله بسببكِ.



فتحت تارا عينيها بصدمةْ من حديث والدتها:
-ماذا؟؟ بسبيي انا؟!، الشاب يقول لكِ انه يحب فتاةً اخرى هل ستزوجينني له بالقوة؟؟!.



سارت متجهة نحو درجات السلم الحلزوني وعباراتها متجمعة في عينيها على وشك الانهيار:
-كنت اقول ان ما تفعليه معي بسبب انشغالكِ بالخرج وعدم مكوثكِ بالمنزل، لكن الان اثبتِ شيئًا واحدًا فقط وهو انكِ تسعين خلف الثروة التي لن تأخذي منها شيئًا عند الوفاة.


القت كلماتها ثم هرولت نحو غرفتها تريد ان تشكي الى صديقتها وراحتها، لكن عنود لم تجب على هاتفها.


--

وقفت عنود في منتصف الطريق في الميناء تحاول ان تحسم امرها بالرحيل، لكن تنامى بداخلها هاجسٌ ان الشباب الذين اعترضوا طريقها ربما يعودون من جديد، او الاسوأ انهم يتربصون بها الان منتظرين رحيل مشاري حتى يتمكنوا من مهاجمتها مرةً اخرى،



ودت لو امكنها ان تتشبث بالميكانيكي تخبره أن يأخذها معه حيث هو ذاهب لكن كرامتها أبت ان تعترف باحتياجها اليه،



اقترب منها مشاري في هذه اللحظة وهو يمسك يدها بهدوءٍ ودون انذار مسبق مما جعلها تجفل للحظةٍ فتجاهلها وهو ينظر ليدها التي بدأت بالتلون للونٍ اخر.



اغمضت عينيها بقوةٍ بسبب الالم الذي شعرت به وكادت ان تصرخ لكنها كتمت ذلك لكنه ظهر داخل بندقيتيها التي تبدو مخملية تجذبك للغوص بداخلها، ابعد مشاري عينيه يتجنب الانجذاب الذي يناديه ليخاطبها بعد لحظة صمت:
-هل تؤلمك؟.



سحبت يدها بهدوءٍ فتركها على اثرها، أجابته وهي تحتضن يدها:
-لا انا بخير.




نظر اليها مشاري بعدم تصديقٍ، فيبدو الالم واضحٌ على ملامحها ناهيك ان يدها قد انحبست الدماء بداخلها مما جعلها تتغير للون الاحمر، زفر بضيقٍ لا يستطيع التفكير في تصرفٍ يحسم الامر به، لكنه خاطبها على اية حال عندما اغمضت عينيها بقوة ويبدو انها بدأت تتألم اكثر:
-دعينا نذهب الى اقرب مشفى ونرى حال يدك.



لم تشأ ان تجادله خاصةً انها تشعر بانتفاخ يدها بين كفها، خاطبته كاتمة الالم الذي يزداد عليها كمطرقةٍ تنخر عظامها فتضغط عليها:
-اعرف مركزًا يستطيع مساعدتي.



سارت وهو يتبعها حيث حركة المواصلات الخفيفة فقام بإيقاف سيارة اجرة، نظر اليها فأخبرته عنوان المركز الذي تعمل به بعدما فهمت نظرته.



بعد فترةٍ توقفت السيارة امام المركز فنظر مشاري اليه يقرأ الاسم الخاص به، توجهت عنود للداخل ثم صعدت الطابق الثاني لتجد اميرة تسير في الرواق، نظرت اليها بابتسامةٍ رقيقةٍ كرقتها:
-ألم تنتهي من عملك؟ ظننتكِ رحلتي مع تارا.



عضت عنود شفتها السفلى بألمٍ قبل ان تجيبها:
-لا لقد رحلنا لكن يبدو ان يدي قد التوت.



نظرت اليها اميرة وهي تخاطبها بقلقٍ وعجالة:
-تعالي بسرعةٍ ماذا تنتظرين.



لحقتها عنود ثم دلفت داخل الغرفة التي فتحتها لتحد وليد يجلس خلف مكتبه، خاطبتها اميرة بسرعة:
-تعال وانظر ما بها بسرعةٍ وليد.



جلست عنود على السرير فتقدم منها وليد بهدوءٍ يفحص يدها، كان مشاري يقف امام الباب وهو يرى الاهتمام البالغ بها فتقدم منها يقف بجانبها اثناء فحص ذراعها، امسك وليد بذراعها ثم قام بثنيه مما جعلها تمسك بذراع ماري بدونٌ قصدٍ منها مبتلعةً صرختها بسبب الالم الذي اصابها، كادت ان تبكي جراء الالم لكنه ضغطت اكثر على يد مشاري علها تخفف مما تشعر به.



ابتلع مشتري ريقه بصعوبةٍ جراء فعلتها وقد شعر بضربات قلبه تزاد شيئًا فشيئًا، نظرت اليه اميرة بتعجبٍ والتي قد انتبهت اليه فتحدثت بعدما انتهي وليد من فحص يد عنود:
-هل هو معكِ عنود؟.



فتحت عنود عينيها لتجد مشاري يقف بجانبها ويدها تضغط على يده، ابعدت يدها بسرعةٍ وارتباك:
-اجل.




بعد مدةٍ ابتعد وليد عن عنود بعدما قام بلفها بشاشٍ طبي اقرب للجبيرة كي لا يزاد التمزق الذي اصاب انسجة ذراعها، اعتدلت بهدوءٍ تحت نظرات مشاري،



قام وليد بكتابة بعض الادوية ثم خاطبها بعدما رفع رأسه:
-عليك الثلج ووضعها على ذراعكِ عنود، وها قد كتبت لك مسكنًا للعلاج.




ابتسمت عنود وهي تأخذ الورقة منه ثم شكرته برقةٍ ليتبعها مشاري وهو يضع يديه داخل جيبه، لم تتفوه عنود بأي حرفٍ وكذلك مشاري الذي كان يفكر في امرٍ ما، ويبدو انه توصل الى معلومةٍ جديدة،




اخذت عنود نفسًا عميقًا ثم التفتت اليه بشكرٍ حقيقي فقد ظل معها طوال الوقت وليس من الطبيعي ان تنكر مساعدته فخاطبته برقةٍ حقيقية:
-شكرًا لك مرةً اخرى.




انتبه اليها مشاري ولا يعلم كيف رسم ابتسامةً ساحرةً على شفتيه:
-لا يوجد مشكلة، اذًا هل تعملين هنا ايضًا؟!.


اومأت بهدوءٍ ومازالت تحتفظ بابتسامتها فهز رأسه بتفهمٍ مخاطبًا اياها:
-دعيني اوقف لك سيارةً كي تعودين الى منزلك.



اماءت برأسها فقام بإيقاف سيارة اجرةٍ لها ليتابعها بعدما صعدتها حتى اختفت من امام ناظريه، ليتوجه بعد ذلك الى منزله بعدما اوقف سيارة اجرةٍ اخرى لنفسه



--


دلف مشاري الى المنزل وهو يصفر لحن حبٍ لعبد الحليم حافظ، فرفع عينيه ليجد كلًا من معاذ وياسر ينظرون له بتفحصٍ فابتسم ابتسامةٍ صافيةٌ وهو يقول بترحيبٍ شديد:
-كيف حالكم يا شباب؟.



لم يستطع معاذ فهم التغيير المفاجئ في شخصية مشاري فسأله بهدوء:
-ألست من المفترض ان تكون في الميناء الان تقوم بالمراقبة؟.



هنا تبخرت السحابة الوردية من امام عينيه وعاد الى ارض الواقع يتذكر مهمته التي اتى من اجلها فحمحم بخفةٍ وهو يتجه الى غرفته:
-سأقوم بالاستحمام ونأتي للتحدث قليلًا، حضر لي العشاء يا معاذ.



نظر له معاذ بغيظٍ من وقاحته، ثم جز على اسنانه بقوةٍ حتى انك تكاد تسمع صريرها وهو يقول:
-وهل انا الطاهي الخاص بسيادتك؟ ام كنت زوجتك ولا اعلم؟!.



خرج مشاري من غرفة النوم وهو يمسك بين يديه ملابس بيتيةٍ مريحةٍ ثم قال بخبثٍ شديد:
-حسنًا سأذهب انا بقلي بعض البيض بشرائح اللحم، ويمكن ان اسكب السمن على الطاولة، وربما بعض الاواني المتسخة في الحوض ستفي بالغرض ثم هناك..

اوقفه معاذ بإشارةٍ من يده وقد تحول لون وجهه للأحمر من كظمه لغيظه، خلال لحظات كان قد تخيل ما سيفعله معاذ ان دخل الى المطبخ، فقال بسرعةٍ:
-لا بأس سأقوم أنا بإعداده ولكن يجب ان نجد من يقوم بطهي الطعام لنا على الاقل.



تركه مشاري بينما نظر له ياسر باستعطافٍ وهو يقول بهدوء:
-لم اتناول اي طعام منذ البارحة.



حرك معاذ رأسه بيأسٍ يشعر انه يسكن مع مجموعة من الاطفال وهو والدتهم التي يجب علها مراعاتهم، اتجه بعدها الى المطبخ كي يعد الطعام والذي سيتناولنه متأخرًا بسبب مشاري.



خلال نصف ساعةٍ كان الثلاث رجال قد اجتمعوا على طاولة الطعام التي وضع عليها مختلف انواع الجبن ومربى وعسل وخضار مقطع دوائر مع اكواب الشاي الساخنة والخبز الطازج،



ابتسم مشاري بخفةٍ فمن الواضح ان معاذ يهتم في حياته الشخصية بالتفاصيل كما يهتم بها في حياته العملية كانوا يتحدثون في امور متفرقة دون التحدث عن العمل وكأنهم ارادوا فقط بضعة دقائق راحةٍ بعيدًا عن القتل والسرقة والجرائم التي لا حصر لها.



وما ان انتهوا من الطعام حتى بدأوا في اجتماعٍ عاجل، كان اول من تحدث هو معاذ وقد قام بتكرير سؤاله:
-لم تخبرني حتى الان اين كنت يا مشاري، ولماذا تركت الميناء؟!.



اخبرهم مشاري بما حدث وذهابه الى المركز مع عنود، كان ياسر يبدو مشتتًا قليلًا كما انه لم يفهم من هي هذه العنود فقرر ان يقاطعهم:
-عن من تتحدثون؟.



تذمر مشاري ان ياسر لا يعلم التفاصيل فقرر ان يشاركها معه:
-هذه الفتاة بالنسبة لي المشتبه الأول في القضية، دائمًا الخيوط التي نريد الوصول اليها تكون هي في نهاية طرفها.



نظر له ياسر للحظةٍ قبل ان يقول بعدم تصديق:
-لا اظن ان فتاةً لديها القدرة حتى تصبح زعيمة عصابةٍ.



اجابه مشاري على الفور:
-لا اقول انها رئيسة عصابة ولكن على الاقل شريكة في العمليات او خيط سيوصلنا الى الزعيم.



نظر له معاذ بسخريةٍ وهو يضغط على ازرار حاسوبه المحمول ثم اداره ناحيتهم حتى يقرأوا ما هو مكتوب، ولم يكتفي بهذا بل قاله بصوت عالي:
-الاسم عنود أحمد الجمال من عائلة متوسطة الحال، لديها اخت توأم رغم اختلاف ملامحهم تماما، واخٌ في الثانوية العامة والذي بالمناسبة لديه رفقة سيئة من ضمنها عباس الجن وقد ذهبت يومها حتى تحذره ان اقترب من شقيقها مجددًا،



اكمل حديثه ناظرًا الى مشاري:
-تعمل منذ نعومة اظافرها لكي تساعد والدها العامل البسيط، خريجة كلية سياحة وفنادق وهذا بالمناسبة سبب عملها لدى فهد.



تفاجئ مشاري من كمية المعلومات التي جمعها عن عنود، فقال بهدوءٍ متعجب:
-أليس هذا سببًا اكبر ان نعتقد انها لها يدًا في الامر بسبب ظروفها، ثم كيف استطعت جمع مثل هذه المعلومات؟!.



استطاع معاذ ان يشعر بضيق مشاري ولكنه لم يدرك بعد سببه، مازال يتذكر تحطم مشاري في اخر مهمة وكيف كاد ان يفشلها لولا تدخله هو وفريقه، قرر ان يقوم بتجربةٍ بسيطة فأجابه بهدوء:
-قمت بجمعها من السيد منعم فهو يعرفها جيدًا منذ زمن هي وصديقتها تارا التي جاءت بسيارتها والتي فمت بفحصها بدورك، فلقد عملت لديه في الورشة لمدة عامٍ عندما مرضت والدتها.



ثم رسم ابتسامةً سمجةً بطريقةٍ مستفزةٍ ملحوظة وهو يقول بطريقة حالمة:
-ان عنود فتاةً لطيفةً تتعامل مثل الرجال رغم انها متفجرة الانوثة، لا اظن ان هذه هي نوعية الفتيات التي تعمل مع عصابة.




شعر مشاري بغصةٍ في قلبه، يود لو تمكن من تمزيق وجه معاذ اربًا دون ان يعلم سببًا لذلك فقال بتحديٍ واضح:
-حسنًا لدينا اخر طرفين لإثبات تورطها، اولًا المكتب يجب ان نبحث به على ادلة والطرف الثاني هو المركز الطبي الذي تعمل به.



نهض معاذ من مكانه يحمل نفس النظرة المتحدية وهو يعلنها تحديًا، عندما قال ياسر بهدوء:
-ارجو ان تكونا قد انتهيتم من الشجار بالفعل فهناك مشكلة تحاصرنا.



نظر له الاثنين بتساؤل فقال ياسر بحيرةٍ واضحةٍ وهو يخبرهم بالمخبأ الذي وجده وهو عبارة عن شاطئ مخفي عن الاعين، ضربه مشاري على كتفه بقوةٍ وهو يقول مازحًا:
-ان هذا رائعٌ حقًا، لديك عينان ثاقبتان يا رجل، ان كنت مكانك لم اكن لأراه.



وافقه معاذ الرأي وهو يمتدحه، لكن صوت ياسر جاء خائب الامل عندما قال:
-ولكنه اختفى، عندما عدت الى الوحدة واخبرت اللواء عصام، عدت مرة اخرى وجدت المدخل اختفى بالكامل والإحداثيات قد تغيرت وحتى لم تستطع الطائرة المروحية رصد موقعه او اكتشافه من أعلى.



نظر له معاذ ومشاري بعدم فهم فهذا ليس مغارة علي بابا والاربعين حرامي حتى تختفي بدون اثر، فأكد ياسر مخاوفهم وهو يقول بهدوء:
-اظن انه كان هناك جاسوسًا يعمل لدى التاجر وهو من اخبره انني وجدته.


عم الوجوم وجوه الجميع وساد صمتٌ مهيب فقال مشاري ببساطة:
-حسنًا هذا ليس بخبر سيء، كل ما في الامر انه تم كشفك انت فقط يا ياسر وكشف سر اننا علمنا بمقر مرسى مطروح، ولكن انظر من الجانب المشرق.



ابتسم معاذ وهو يكمل حديث مشاري:
-ان تم اخفاء المكان فهذا يعني امر واحدًا لا غير، اننا نسير على الطريق الصحيح، وكشف مهمتنا سيجعلهم يبحثون عنا وهذا يعني انه ستخرج الافاعي من اوكارها.



هنا ابتهج ياسر فلقد كانوا محقين للغاية فأمسك حقيبته يخرج منها صندوقًا صغيرًا ثم اعطاه لمعاذ وهو يبتسم:
-وهذه هي العينات والصور التي طالبتني بها فلا احد يعلم انني اخذتهم والا دمروها.



هنا قال مشاري بتأكيد:
-ولدي فكرةٌ رائعة كيف نصل الى هذه المنطقة مرةً اخرى دون ان يتم كشفنا ولكن الان لنهتم بالمهمة التي امامنا المركز والمكتب لنقسم انفسنا الان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي