الفصل التاسع

بدأت حياتى تأخذ مسارا جديداً بعدما قدمت أولى حفلات فرقتى وأصبحنا لنا جمهورا يشجعنا ويدعمنا على مواقع التواصل الإجتماعي ،كانت حياتى بالفعل فى تلك الفترة ممتلئة بالأحداث ،كنت أعمل فى أغلب الأوقات بالكافيهات بصحبة فرقتى وفى بعض الأحيان نقوم بحفلات خاصة بنا ،وفى أوقاتا أخرى نجلس لكى نعد الأغانى الجديدة
وعلى الجانب الأخر كانت علاقتى بنهى تتطور يوماً بعد يوم ،كانت نهى تحاول أن تقدم لى كل ما لديها من حب ومشاعر ،كنت دائماً أشعر بالذنب تجاهها فأنا اشعر حتى الآن أننى لم أحبها واننى فقط أحببت حبها لى ،كانت نهى لا تنسى شيئاً لا تنسى كلمة قولتها لا تنسى موقف قصصته عليها ،لم تكن ذاكرتها قوية ولكنها كانت فقط تهتم بما أهتم به وتحب ما أحبه ،ليس هذا ضعف فى شخصيتها ولكنى شعرت أنها تفعل ذلك لكى ترى الحب فى عينى فدائماً كنت أقول لها أننى أحبها ولكنها فى بعض الاوقات كانت تقول لى أنها لا تشعر بها وأنها ترى أننى لم أحبها ،لم اريد ان أبتعد عنها ليس لأننى احببتها من الممكن أن أكون تعلقت بها ولكن الأدق أننى تعلقت بأهتمامها وبحبها لى ،فقد وجدت معها كل شئ يريده الرجل ،تهادينى كثيراً ،تهتم بمظهرى ،تهتم بطعامى وحياتى ،تريدنى أن اتطور وأن أحقق نجاحات كثيرة ،كانت نهى مثالا للمرأة التى يريدها كل رجل فى حياته ،ولكنى لم أكن أنا ما تريده الفتيات.

مرت فترة فى حياتى لم يكن بها الجديد فقط أعمل وأطور من نفسى فى مجال الموسيقى ،علاقتى بنهى مستمرة ولكنى بدأت فى التجاوب معها قليلا، أحاول جمع المال لكى أقوم بشراء شقة لى؛ وهذا لأننى أريد العيش وحدى وأن أبتعد عن بيتى ،لم أكن أريد الأبتعاد عن اميرة وامى، فقط كنت أريد الأبتعاد عن ابى، فمازلت أحمل بداخلى بعض الغضاضة تجاه ما فعله معى فى الصغر.

أقترح على مروان صديقى بأننى طالما أريد العيش بمفردى فيمكننى الأن أستأجار شقة والعيش بها وأننى أستمر فى العمل وجمع الأموال وأنا أعيش بها، بدلا من أننى اتحمل ذلك الوضع الذى أنا فيه، كان كلام مروان مقنعا بالنسبة إلى، وبالفعل بدات فى البحث عن شقة صغيرة تنفعل أن أسكن بها، حتى وجدت شقة واتفقت على عقدها لمدة عامين قابل للتجديد، وبدات فى نقل حاجتى إلى تلك الشقة، كان هذا الأمر ليس بهين على أمى التى بكت فى ذلك اليوم الذى قلت لها فيه أننى سأعيش بشقة أخرى بمفردى، ولكنى حاولت قدر الإمكان ان أهدئ من حزنها وأهون عليها، واخبرتها أننى سأتواصل معها دائما وسأتى يومياً لزيارتها والجلوس معها، وأن سكنى بمفردى هو أفضل لى حتى أقدر على التركيز فى عملى.

كانت نهى لا تعلم شيئا عن مشكلاتى مع اهلى، فقط كل ما أخبرتها إياه، هو أننى أود أن أجلس وحدى لكى أعمل بشكلا أفضل، لم أريد ان تعرف عنى شيئاً؛ لهذا السبب خبأت عنها ذلك الأمر.

فى إحدى الليالى وكنت متفرغا فى ذلك اليوم تذكرت أمر يوسف والذى مر شهوراً وأنا لم أوفى بوعدى له بأن أضع قدمه أمام فرصة ليكشف عن موهبته، تضايقت من نفسى أننى قد نسيت أمره، ولكنى سرعان ما فكرت فى أن أحقق له بغيته، أخرجت هاتفى وقمت بالأتصال بإحدى أصدقائى الذين تعرفت عليهم وهو يعمل موسيقار لأحدى الفرقة الموسيقية التى تعمل بمجال المسرح السكندرية، كان يدعى ابراهيم، ظل الهاتف يرن ولكنه لم يجيب، تركت الهاتف قليلا فربما هو منشغل الأن حتى عاود الأتصال بى.

اجبت على مكالمته قائلا:

_ إيه ياعم إبراهيم مش بترد علينا يعنى ولا ايه؟
= لا والله ياحبيبى بس كنت بعمل حاجة كدا،انت اخبارك ايه؟
_ انا الحمدلله بخير، محتاجك فى موضوع كدا
= موضوع ايه؟
_ مفيش، شاب محترم اتعرفت عليه ونفسه يغنى وحد يشوف موهبته

وبدأت فى قص حكاية يوسف على إبراهيم الذي أتبع بقوله:
= لا ياعم يجى وينور كمان، بس أنت إيه رأيك فى صوته؟
_ بس أنا مسمعتوش قبل كدا بس تقدر تختبره أنت وأنا حتى لو حابب أنى أقولك رايى فأنا هقابله النهاردة واقولك ايه الدنيا
= طيب بص أحنا هنعمله إختبار قدرات ونشوف صوته واصل لفين وهو فاهم فى مقامات ولا لأ وبعدها نقرر، اوعدك لو صوته حلو فعلا اعتبره فى فرقتى
_ شكرا ليك بجد يا إبراهيم، أنا فعلا نفسى أشوفه محقق حلمه لمجرد بس اللمعة اللى بشوفها فى عينه لما بيكلمنى فى الموضوع دا
= ياعم انا بحب الناس دى أصلا وبدور عليهم طول الوقت، الناس دى هى اللى بتكمل وبتستمر الشغف اللى جواهم هو اللى بيفضل يحارب لغاية ما يحققوا حلمهم
_ طب قولى اجبهولك امتى؟
= بص أنا عندى بروفة بكرا الساعة ستة، ممكن تجيبه قبلها بساعة اسمعه واختبره قبل ما الناس تيجى عشان ميبقاش محروج
_ خلاص تمام بكرا هتلاقينى عندك فى المسرح الساعة خمسة
= ماشى يا صديقى هستناك

أغلقت المكالمة مع إبراهيم، وبعدها ارتديت ملابسى وتحركت من منزلى متجها إلى المقهى كنت قد مرت فترة طويلة لم أقم بزيارة المقهى وهذا نظراً لأننى قد انتقلت للعيش فى مكاناً أخر بعيدا عنه؛ فلم يعد لدى القدرة على الذهاب إلى هذا المقهى.

وصلت إلى المقهى وجلست وبعدها جاء إلى شابا لكى يعرف ماذا أريد أن أشرب، تفاجأت أن يوسف لم سكن بالمكان فقمت بسؤال ذلك الشاب:

_ آمال يوسف فين؟
= مين يوسف، أنا جديد هنا ومعرفش الأسم دا بصراحة
_ يوسف دا اللى شغال زيك كدا شاب صغير هو مش كبير
= طب ثوانى هسأل عم على واجيلك

دخل تلك الشاب إلى داخل المقهى وقام بسؤال ذلك الرجل الذى يجلس على المكتب بالداخل كنت أراه دائما ولكنى لا أعرفه، بعد قليل عاد لى ذلك الشاب مرة أخرى وهو يقول:
_ أستاذ أيوا يوسف دا اللى كان شغال قبلى، وعم على بيقول أنه ساب الشغل من أسبوع

فجأة وجدت ذلك الرجل الذى يدعى عم على خلف الشاب وهو يقول:

_ هو فى حاجة يابيه، لو يوسف عليه فلوس ولا حاجة قولى؟
= لا خالص هو أنا اللى عايزه بس، متعرفش راح فين؟
_ هو ربنا كرمه بشغلانة كويسى بيقول فى شركة محترمة بمرتب ثابت فربنا يسهله حاله
= طيب معاك رقم تليفونه؟
_ اه معايا ثوانى يابيه اجبهولك

ثم ألتفت ذلك الرجل ونادى على تلك الشاب الذى قد تحرك ليتابع عمله
_ ناولنى يا إسلام تليفونى من على المكتب معلش
جاء بعدها ذلك الشاب بالهاتف وقام العم علي باملائى رقم هاتف يوسف، من ثم شكرته وجلست أكمل قهوتى، واثناء تناولها قمت بالأتصال بيوسف الذى أجاب علي قائلا:

_ الو السلام عليكم
= عليكم السلام، ازيك يا يوسف؟ أنا عمر عادل يا حبيبى
_ أستاذ عمر ازى حضرتك أخبارك ايه؟
= تمام بخير يا حبيبى، لسة رايح القهوة واتفاجأت أنك سيبت الشغل
_ آه الحمدلله ربنا كرمنى بوظيفة فى شركة بمرتب الوظيفتين فبقى عندى مساحة فى يومى و وقت فاضى فيه كمان أقدر أعمل فيه كل اللى أنا عايزه
= طيب أنت بتخلص شغلك أمتى؟
_ أنا لسة مخلص أهو وبركب اتوبيس الشركة، فى حاجة ولا إيه
= لا محتاح أقعد معاك بس، ينفع تقابلنى انهاردة؟.
_ آه طبعا، لو حضرتك معندكش مشكلة نتقابل بعد ساعة أكون وصلت؟
= خلاص ماشى هستناك على القهوة زى منا
_ خلاص وأنا مسافة السكة وأكون عند حضرتك

جلست بمكانى أنتظر وصول يوسف، لم أكن أريد أن اجلس معه بهذا المقهى؛ لكى يتسع له الغناء أمامى وأمام الناس ، فربما هذا المكان سيسبب له حرجا ،ولكننى قررت أن أنتظره وبعدها أتحرك معه إلى أى مكاناً أخر.

انتظرت ما يقرب من الساعة والربع حتى أتى يوسف قمت بتحيته وبعدها سلم على العم علي ومن بالمقهى ومن ثم تحركنا سويا، كان النقهى قريبا إلى حد جيد من شواطئ البحر ويمكننا الجلوس بإحدى الكافيهات التى تتواجد عليه ، بعدما بنيت هذه الأماكن للتنزه والمكوس بها ولكنها شوهت جمال بحر الإسكندرية وروعة شواطئها، كنا فقط فى تلك المدينة الساحرة نكتفى بأن يخرج كل واحد منا ويترجل على كورنيش البحر ،يشتم رائحة اليود ويرى موجات البحر وهى ترتطم، كان الفرد منا ينسى كل ما يمر به فى تلك الأوقات، لكن الأن أصبحت تلك الأماكن محدودة وهذا جعل من الزحام بها، ما لا يصر، فأذا جلست على إحدى الصخور التى تكل على البحر مباشرةً بعيدا عن الكافيهات، تجد حولك العديد من الناس، حتى أنك يمكنك سماع صوتهم والاحاديث التى يتبادلونها، الغريب فى الأمر أن الأشخاص المتواجدين على تلك الصخور أكثر بكثير ممن يرتادون الكافيهات، وبالغرم من ذلك فمازالت الشركات والمؤسسات تقوم ببناء أماكن أخرى.
جلست أنا ويوسف بإحدى الأماكن القريبة من المنطقة، كان يوسف يملؤه الفضول حول امر طلبى لمقابلته، كان يريد أن يسالنى ولكنه كان خجولا امامى، حتى أنه نسى أمر طلبى له بألا يناديني بكلمات مثل "حضرتك؛ أستاذ عمر" نسى ذلك حينما حدثته هاتفياً.

نظرت إلى يوسف الذى كانت عيناه يملؤها الأسئلة والاستفسارات وقلت:

_ طبعاً انا عارف أنى اتاخرت عليك جدا فى اللى هقوله وأنت كمان نسيت الموضوع، أو ممكن تكون يأست كمان
= موضوع إيه يا أستاذ عمر؟
_ يابنى مليون مرة طلبت منك بلاش كلمة أستاذ وحضرتك دول واتعامل أننا أصدقاء
= معلش سامحنى لسانى متعود، موضوع إيه اللى بتتكلم عنه؟
_ موضوع أنك تغنى وتظهر موهبتك!
= لأ خالص والله، بس أنا عارف أنك مضغوط فالشغل وعندك حفلات فمفيش وقت فاضى
_ طيب ياسيدى أنا طلبت اقابلك عشان أولا عايز أسمع صوتك وأنت بتغنى ثانياً بقى عايز أعرفك على حد هياخدك معاه فى فرقته تغنى براحتك.

شعرت بالفرحة تملئ وجه يوسف وبدأت عيناه فى اللمعان مثلما كنت أراها من قبل، حتى أننى رأيت فى عينه أنه سيصبح نجما كبيراً أكبر بكثير مما يظن هو نفسه، كل هذا لاحظته فقط حينما نظرت إلى عينيه.

قال لى يوسف وهو ينظر إلى بتمعن:

= عمر أنت بتتكلم بجد بس ولا بتقول كدا عشان تدينى طاقة أو أنى ميأسش؟
_ لا بجد، وبكرا كمان هاخدك ونروحله الساعة خمسة
= أنا بجد مش عارف أقولك إيه ولا عارف أشكرك أزاى أنا لحد وقت قريب فعلاً كنت شاكك فى أن صوتى محدش يسمعه وأن الموهبة اللى ربنا خلقنى بيها تروح هدر
_ اديك ياعم هيبقى معاك فرصة تجرب وتغنى لحد ما تاخد خبرة وبعدها تقظر تعمل اللى أنت عايزه
= مش عارف أشكرك أزاى والله، بكرا هكون عندك اربعة بالدقيقة وأروح معاك
_ طيب مش ناوى بقى تسمعنى صوتك؟ انا لحد دلوقتى مسمعتكش وأنت بتغنى!

هدئ يوسف قليلا وبدات فى الحديث وكأنه يتناقش معى:
= حابب تسمع إيه طيب
_ أى حاجة بتحبها
= طيب أنا عمتا بحب الأغانى التراثية، اكتشفت مع الوقت أنها بتدى مساحة للصوت يظهر وأنها كمان ألحانها مميزة فيتعلق فى الودن
_ غنى اللى أنت عايزه

بدأ يوسف فى الغناء وكانت الأغنية التى يغنيها هى "أهو دا اللى صار" كان صوت يوسف جميل جدآ لم أكن أتوقع أنه يملك صوتاً كهذا حتى أننى شعرت لوهلة أنه يتدرب على يد متخصصين لكى يظهر صوته بهذا النقاء والحفاظ على النفس بهذه الطريقة.
_ بسم الله مشاء الله عليك، صوتك جميل أوى يا يوسف فعلا
= ربنا يخليك يارب يعنى صوتى عجبك؟
_ عجبنى إيه يابنى، أنا من زمان مسمعتش صوت نقى كدا، دا غير ان صوتك قريب قوى من صوت مدحت صالح
= أمى مرة قالتلى كدا لما كنت بغنى، ودخلت عليا وكانت مفكرة أنى مشغل مدحت صالح ودى اغنية غناها قريب
_ أنت لو كنت سمعتنى صوتك من بدرى كنت غنيت معاك
= ربنا يخليك والله دا شرف ليا بجد شهادتك وكلامك دا
_ طيب ياعم بكرا أعتبر نفسك فى فرقة الموسيقى والغناء، من غير حتى ما يسمعوا صوتك

ظللت أتحدث مع يوسف، وطلبت سماع صوته فى أغنيات كثيرة وكنت أيضا أغنى معه طانت الطاولات من حولنا تنتبه لنا وكان الجميع يشعر بالبهجة حتى أننا عندما نتوقف عن الغناء يطلب الناس منا الأستمرار، وكان هذا له دافع جيد بداخل يوسف الذى أحس لاول مرة بحياته بقيمة صوته وجماله.

فى اليوم التالى ذهبت أنا وهو وقالبنا صديقى إبراهيم، وبعد سماع صوت يوسف، الذى أشاد به وقال إنه مميز عن جميع من معه بالفرقة وأنه سيجعله من أهم المطربين فى حفلته القادمة وسيقدمه إلى الجمهور خير تقديم، حتى أنه لاحظ إعجاب الجاليين بالمكان بصوته، ومنهم من حياه وتغزل فى صوته.

كان هذا الأمر بالمسبة إلى نجاحا حقيقياً فى أننى أعتبر كشفت موهبة للناس من وجهة نظرى كبيرة جداً، وأيضا أمر مساعدتى له، كان بمثابة شعورى أنا بالنجاح، وتمنيت أن أراه فى يوما من الأيام نجما يلمع فى الشاشات وفقك يزكر أسمى بأننى ساعدته، هذا يكفينى ويسعدنى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي