الفصل الثامن

جلس خلف مكتبه يراقبها عبر شاشة اللابتوب وهي تتنقل بالمنزل مع مهندسة الديكور التي بدأت العمل بتجديد المنزل وما ان انتهت حتى اتجهت نحو المطبخ لتلقى بأوامرها علي النساء قبل أن يغادروا لمنازلهن..استمر بمراقبتها أثناء عمله عبر تطبيق علي الهاتف او عبر اللابتوب حتى صعدت لغرفته ما،منذ عدة ايام وهو يراقبها ولكنها لم تستخدم شريحة الإتصالات،لما تخفيها؟ومع من أرادت أن تتحدث بدون علمه؟
حدق بصورتها امامه وهي تتحرك بالغرفة لتجلس علي الآريكة الجانبية بينما تمسك بهاتفها وتتفقده غافلة عن ذلك الذى يراقبها بعينين صقرية وهى تستبدل حسابها الأساسي وتفتح الحساب الوهمي مستخدمة وضع كلمة السر فلقد تعلمت حديثاً من إحدى زميلتها السابقات بالمدرسة المزيد عن هذا العالم الإفتراضي..بدأت بكتابة رسالة:
(انت لا شيئ..رجل ضعيف يمكن لأى إمرأة أن تتلاعب به..إننى اشفق على زوجتك الآن رغم إنني اكرهها وإن كان لديها بعض العقل لن تعود لك..انت ضعيف ساذج واحمق صدقت كلمة حب كاذبة من إمرأة لم تراها..انسقت خلف شهواتك ومجرد كلمة كاذبة أرضت غرورك نسيت زوجتك وولدك..انا لم اخسر اي شيئ وانت خسرت كل شيئ.. غبي ضعيف،عقلك بين ساقيك كأغلب الرجال)
إبتسمت وهى تضغط إرسال ثم أغلقت حسابها ذلك وأعادت استرجاع حسابها الأصلي علي الفيس بوك،وحينما انتهت ألقت هاتفها علي الآريكة واتجهت نحو الحمام الداخلي لغرفة النوم بعد أن وقفت أمام خزانتها لدقائق طويلة تختار بين اقمصة النوم بعناية تنتقى الأفضل والأكثر اغواء من وجهة نظرها بينما رشوان بالأسفل يراقبها بحيرة من أمره ولكنه أراد وضع حد لتلك الشكوك والظنون التي تؤرق عقله..كما توقع تماماً حينما غادرت الحمام اتجهت نحو الهاتف أمام عينيه واتصلت به فهاتفه دق علي الفور..
"ألم تنتهي من عملك بعد؟اشتقت لك طوال اليوم لم آراك والليلة الماضية عدت بعد أن استغرقت بالنوم"
حدثته وعقلها يفكر بما تريده حقاً.. كان رجلاً قوياً له هيبة خاصة به،فبالرغم من انه يعاملها بحنان واهتمام إلا أنه دائماً يقظ العقل،لم تستطع للحظة أن تشعر أنها ملكته بل هو من يملكها ولكنه مع ذلك يعاملها كملكة طلباتها أوامر تطاع منه قبل الجميع.
"هل اشتقت لي غاليتي؟"تمتم بنبرة هادئة منخفضة بها عمق وبحة دائماً ما تمنحه سلطة حتى علي من يحدثه عبر الهاتف.. تلك النبرة ذاتها هى ما تتسلل إليها وتجعل جسدها يرتجف لا تعرف إن كان يرتجف رهبة أم خوف!
"لست بحاجة بأجابة فرشوان البنا دائماً لديه الأجابات،ألم تخبرني بهذا؟"
"نعم،لست بحاجة لأجابة،سأصعد خلال دقائق"
أغلق الهاتف ثم تمتم هادماً صمت الغرفة من حوله:"رشوان البنا لديه كل الأجوبة يا غالية الاسم والوصف إلا هذا السؤال يريد أجابته واضحة منك"
أغلق اللابتوب وغادر مكتبه صاعداً نحو غرفته وما أن امسك بمقبض الباب وفتحه حتى وجدها تلقى بجسدها بين ذراعيه كانت هناك لهفة بلقاؤه.. لهفة شعر بها فجعلت قلبه ينبض نبضة خائنة لا تغادر صدره إلا في حضور تلك الصغيرة،نبضة أستطاع أن يجعلها كامنة خاملة طوال حياته والآن خانته وأصبحت تقفز بصدره ما أن يراها.
إلتفت ذراعيه حول خصرها معانقاً إياها حتى أصبحت قدميها لا تلامس الأرض:"ماذا ستفعلين إن سافرت؟كل هذا الإشتياق من أجل ليلة؟"
تراجعت لتنظر نحوه:"وهل تستطيع أن تسافر بدوني؟ألن تفتقدني؟"
ستفتقدينه حقاً يا غالية؟لا..فقط اريد السفر،ورؤية أماكن لم احلم برؤيتها أبداً..فقط لا اريد البقاء هنا بينما هو بعيداً يعتاد على فراقي.
تشددت ذراعيه من حولها:"لا لن أسافر بدونك..بقدر ما أستطيع"
هكذا هو دائماً بلحظة يجعلها تعتقد أنها ملكته وبالتالية يذكرها إنها لن تنال منه إلا ما يسمح هو به!لكن سؤال ظل يتردد بعقلها منذ عادت معه من السفر ماذا تريدين غالية؟ المال؟ الأرض؟
اخفض جسدها لتعود قدميها للأرض ثم رفع يديه لتحيط بوجنتيها محدقاً بعينيها:"عينيكِ تخبرني بأشياء كثيرة غاليتي..إن أردت اي شيئ لا عليك سوى أن تخبريني..لا تخفي شيئ عني مهما كان،حتى لو أردت العثور على والدتك سأجدها لك إن كانت لازالت علي قيد الحياه"
تجعد جبينها بحيرة:"لما تقل ذلك؟انا لا اريد ان اعرف حتى إن كانت ماتت ام علي قيد الحياه..لا اريد"
اخفض رأسه نحوها حتى تلاقت شفاههما فقبّلها بعنفوانه المعتاد لكن تلك المرة شعرت انه يسحقها بقبلته..ويده تندس بين خصلات شعرها تضغط رأسها أقرب حتى يتحكم بقبلاته بينما يده الأخرى تجوب جسدها حتى شعرت بضعف ساقيها أمام اجتياحه فتمسكت بكلتا يديها بجلبابه وباللحظة التالية كان يحملها ويضعها بمنتصف الفراش ثم وقف يتأمل شعرها المشعث بفعل يده وقميص نومها الذى انزلق من كتفيها بينما ينزع ملابسه قبل أن يعتلي الفراش بجانبها مشرفاً على جسدها بجذعه وانحدرت رأسه ليجوب جسدها بقبلاته ويديه وهى تهمس بأسمه لاهثة بلا توقف:"رشوان..رشوان"
ارتجف جسدها مراراً ولم يستطع عقلها ان يجد الوقت ولا الصفاء ليفكر في اجتياحه الساحق لها بتلك اللحظة:"تحبين ذلك غاليتي..تحبين دلال رشوان لكِ..تحبين عنفوانه وقوته..تحبين ما يمنحه لك رشوان..وانا احب ما تمنحيه لي"
"وأحبك"اعترف بصمت لنفسه وهو يستمع للهاث أنفاسها وآنينها المختلط بأسمه.
رقد بالفراش محدقاً بسقف الغرفة بعد أن هدأت أنفاسه ولكن تلك النبضة الخائنة لم تهدأ ظلت تستوطن صدره فإلتفت ينظر نحو مالكة نبضته التي خلدت لنوم هادئ،قبل أن يتنهد بعمق ثم غادر الفراش بهدوء واتجه نحو الطاولة الجانبية للفراش ثم نزع الدرج السفلي ومد يده فوجد شريحة الإتصالات بموضعها فعاد لخزانته واحضر هاتف منها ووضع الشريحة به ولكنه لم يجد اية أرقام مسجلة عليها فزم شفتيه حائراً، واتصل علي رقم هاتفه حتى يحصل علي رقم الشريحة وبعد أن انتهى اعاد كل شيئ لموضعه بعد أن مسح رقم هاتفه من قائمة الاتصالات،ثم عاد للفراش بعد أن أرسل رقم شريحة الإتصالات لأحد رجاله ومعها رسالة:
(اريد ان اعرف بأسرع وقت اسم صاحب هذا الرقم،وقائمة بالإتصالات التي أجراها،وارقام الهواتف التي اتصل بها او استقبل اتصال عليها)
حينما انتهى وضع هاتفه علي الطاولة الجانبية للفراش وبتلك اللحظة شعر بيدها تستند على صدره فاستدار نحوها يجذب جسدها أقرب إليه يحتويها بين ذراعيه مهمهماً بصمت:"ليتك تخبرينني بما تخفينه عني قبل أن اعرفه،لما تخفين عني شريحة اتصالات؟ما الذى تفعلينه بها؟"
****************
"سلمى،دكتورة زينة علي الهاتف" هتفت رنيم فاعتدلت سلمى بالفراش وامسكت بالهاتف الذى تقدمه لها صديقتها التي غادرت الغرفة علي الفور لتمنحها الخصوصية التي قد تحتاج لها.
"كيف حالك يا دكتورة؟"تمتمت سلمى بنبرة منخفضة ورنين حزن وشجن أصبح يلازم صوتها بعد أن كانت نبرتها تمتلئ بالمرح والبهجة.
"انا بخير سلمى،كيف حالك انتِ؟لقد غرقت بالحزن لوقت كافي ألا ترين ذلك؟"
"لست علي ما يرام يا دكتورة،احاول ان اكون بخير ولكننى أشعر بأنني بدون روح،بدون ماضي وبدون مستقبل..احاول أن انسى فأجد أننى يجب أن افقد الذاكرة لأنسى"
"ومن قال أنكِ يجب أن تنسى سلمى؟لكن يجب أن تسألي نفسك وتجيبي بصدق،هل تحبين خالد بالقدر الذى يجعلك تغفرين له؟هل تحبيه بالقدر الذى يجعلك تتحملين عاقبة العودة إليه..الشكوك والظنون؟القلق والخوف؟ستعاقبين نفسك وتعاقبيه هو أيضاً بكل مرة ترينه يمسك بهاتفه،ستتساءلين بكل مرة يعود بها للمنزل هل خيانته تحولت لأرض الواقع؟"
اخترقت كلمات زينة عقلها المتعب،المرهق الذى اضناه الأرق والتفكير ولكن عقلها تحالف مع قلبها وكانت أجابته نعم،تعرف إنها ستعاقب نفسها وتعاقبه ولكن هذا أهون كثيراً من الإبتعاد عنه،إنها تفقد روحها،تختنق في ابتعادها عنه..استسلمت كل محاولات عقلها في التمرد على قلبها،استسلم لأنه أدرك أنها هالكة بدون خالد،هالكة بدون رفيق طفولتها وحبيب صباها،ضائعة بدون حبيب عمرها وزوجها.
"هل الأمر يحتاج لكل هذا التفكير لتجيبي سلمى؟"سألت زينة بينما أشار لها علي بعد أن أنتهى من إرتداء عباءته وغادر الغرفة ليتفقد الأرض والعمل بها..
"لا يا دكتورة،إنني فكرت به بكل لحظة منذ غادرت المنزل ولكن بكل مرة لا اصل سوى لأجابة واحدة،نعم احبه لهذا الحد وأكثر ولكنه طعنني،أوجعني،آدمى قلبي"
كانت زينة تعرف أن هذه ستكون أجابة سلمى،تعلم أنها لو وقفت أمام خالد الآن ستلقى بنفسها بين ذراعيه وتبكي..تشكو منه إليه،أدركت من خلال السنوات الماضية التي عرفت بها سلمى أنها روحاً منصهرة في عشق زوجها والشيئ الوحيد الذى يُعد في صالحها أنه أيضاً يعشقها من كل ما تخبرها به مليكة فهو أيضاً بحالة انهيار.
"حسناً،يجب أن تقرري سلمى ماذا تريدين؟ولكن وانتِ تقررين يجب أن تعرفي أننا بجانبك دائماً"
انهمرت دموع سلمى وشهقت بقوة وهى تهتف:"لا أعرف..لا أعرف ما الذى يجب أن أفعله..كل ما اعرفه أنني اموت كل يوم وانا بعيدة عنه،أنا اعشقه يا دكتورة،اعشقه"
تنهد زينة وصمتت قليلاً تفكر"ستعودين لزوجك سلمى،لكنه يحتاج لإعادة تقويم،زوجك فعل ما فعله لأنه شعر أنك أمر مسلم به،حبك سيغفر له أي شيئ وكل شيئ..زوجك اعتاد على عطاءك حتى أصبح فرضاً واجباً..كل هذا يجب أن يتغير، إذا كنت تريدين العودة لخالد يجب أن يشعر بأنه فقدك"
"وكيف يشعر أنه فقدني؟"همهمت سلمى بدهشة مشوبة بالحيرة.
"مليكة أخبرته أنك تصرين علي الطلاق،وأنك لن تعودى حتى يطلقك كما اخبرتها، لكنها لم تخبرك أنه يبحث عنك بكل مكان كالمجنون،كانت تعرف انك تعانين بما يكفي"
بالرغم من هذا فهي كانت تعرف هذا فذلات لسان مليكة كثيرة لا تتوقف عن نقل اخباره لها وهى لا تلومها على ذلك فهى تدرك جيداً ان صديقتها أرادت أن تضع الصورة كاملة أمام عينيها،وتعرف أيضاً انه رفض ان يطلقها حتى بعد تهديد مليكة له بأنها ربما تذهب للسفارة لتقوم بإعادتها لمصر ولكنه رفض،وأصر على أن تقف أمامه وتخبره بنفسها أنها تريد الطلاق.
"مليكة أخبرتني بذلك،لكنني لا أستطيع..انه يعرف إنني لا أستطيع"هتفت سلمى من بين دموعها.
"يجب أن تعودى سلمى وتقفي أمامه تضعين عينيك بعينيه وتخبرينه أنك لن تتنازلي عن الطلاق"
مجرد تخيل الأمر جعل معدتها تنقبض وغصة تستوطن حلقها لتخنق أنفاسها،أرادت أن تشهق لتتخلص منها،كيف تفعل هذا؟كيف ستنظر بعينيه وتخبره بهذا؟ستضعف..ستتراجع..ستضربه بكل ما حولها بالغرفة ثم بالنهاية ستتتوسد صدره وتبكي.
"لن أستطيع..اقسم أنني لن أستطيع"
"سلمى،الأمر اشبه بعملية جراحية نحتاج لبتر ورم خبيث يهدد حياتك مع زوجك،ذلك الورم الخبيث هو انانيته وثقته انك له،حتى تلك اللحظة خالد يعتقد أنها فترة مؤقتة ستغضبين وبالنهاية ستعودين، حتى لو كان بحالة انهيار من ابتعادك عنه ولكنه يدرك بباطنه انك عائدة لا ريب في هذا"
لأنها تعرفه وتحفظه كخطوط راحة يدها،كانت تعرف أن حديث زينة حقيقي،خالد يتحداها أن تقف أمامه بل لن يتوقف عند ذلك سيتوسلها حينما تواجهه،سيختطفها بين ذراعيه ويبثها شوقه واحتياجه..شردت قليلاً في المرة الوحيدة التي خاصمته بها لشهر كامل كان بالسنة الأولى من دراسته الجامعية وأخبرتها مليكة انه يتحدث بالهاتف المنزلي مع فتاة بعينها لفترات طويلة خاصة بعد أن يخلد والده ووالدته للنوم وحينها تهورت وذهبت لكليته عدة مرات متتالية وبكل مرة خلال الخمسة مرات التي رأته فيهما كان يغادر مع نفس الفتاة...اغمضت عينيها وتنهدت بعمق وبيأس من أحكام قلبها فهى تجنبته لشهر كامل..تجنبت التواجد معه بمفردها وأخبرته عن طريق مليكة أن كل ما بينهما انتهى وليبحث عن سعادته مع الفتاة الأخرى ولكن كل هذا تلاشي ما أن رأته..ما أن انحنى باكياً متوسلاً وقام بتقبيل يدها حينها انهمرت دموعها ولم تدرك كيف ومتى وصلت بين ذراعيه،وكيف ومتى غفرت له.
"سأخذل نفسي وسأخذلك يا دكتورة،إنني اعرف هذا وهو يعرف هذا،لذلك يتمسك بذلك الشرط"
"ستكون صفعة مؤلمة،أول صفعة بطريق تقويمه..ضربة لغروره وثقته بنفسه..ضربة لكبرياءه الذى يراهن على ضعفك أمامه..إنه اول الطريق سلمى وإن اجتزت الخطوة الأولى ستكونين قادرة علي تقويم زوجك واستعادته"
كانت زينة تعرف ان سلمى تحتاج لعدة مرات ترى فيهم خالد من بعيد..تراه وهو حزين وتراه وهو يعلن حبه لها مراراً..تشاهده وهو بحالة الإنكسار التي استحوذ عليه،يجب أن تراه وتعتاد ذلك قبل أن تقف أمامه..
"ليتني أستطيع..ليتني أقوى على ذلك،لكننى اخشي من ضعفى..اخشي من قلبي"
"الأهم أن توافقي سلمى،وحينها سنخطط للأمر ونجعلك تواجهينه بدون أن يراك عدة مرات قبل أن تقفي أمامه"
رفعت سلمى يدها تجفف الدموع التي تترقرق بعينيها قبل أن تقول بإصرار:"موافقة يا دكتورة"
فإذا كان هذا ااطريق الوحيد حتى تعود له فعليها ان تجتازه،يجب أن تكون قوية من أجل قلبها ومن أجله هو أيضاً.. زفرت زينة بإرتياح فإستعداد سلمى كان البداية وما سيليه سيكون جهد مشترك بينهن..
"بالبداية ستواجهين خالد عن طريق سماعه وهو يتحدث عنكِ مع مليكة او مع زوجها لذا اجعلي هاتفك بجانبك دائما وانتظري اتصال من مليكة..يجب أن تجتازى ذلك بسرعة سلمى حتى تقفى أمامه انك بحاجة للعودة لمنزلك كلانا يعرف ذلك فابتعادك عن مهد يضعفك"
اغمضت عينيها ووضعت يدها على فمها تخنق آهة وجع واشتياق لولدها وخالتها التي وقعت مريضة بسبب اهماله ونسيانه لدوائها،لقد دللته وتحملت عنه الكثير لذا أصبح كطفل أناني مدلل..اعترافها بخطأها أيضاً بداية الطريق لتتجنب هي أيضاً اخطائها.
انهت زينة اتصالها مع سلمى حينما دق هاتفها عدة مرات متتالية فجف فمها وتزايدت نبضات قلبها،من كان يتخيل أن يكون الخوف والقلق هو رد فعلها حينما تري اسم شقيقتها علي شاشة الهاتف؟
حاولت أن ترطب فمها وهى تضغط علي الشاشة لتجيب اتصال شقيقتها بيد مرتجفة:"مرحبا س.."
"سأصبح خالة..سأصبح أجمل خالة بالعالم"هتفت سمر من بين ضحكاتها ودموعها بينما مازن يحدق بوالدته بدهشة فهو لم يراها بتلك الحالة من قبل أبداً لا يعرف هل هي سعيدة ولذا تضحك ام حزينة ولهذا تصرخ وتبكي وتضرب عجلة القيادة أمامها منذ أن هبطت من المختبر.
صمتت وهى تستمع لصراخ شقيقتها،السعادة ألجمتها وكأنها أصيبت بالبكم..
"زينة..زينة،هل تسمعينني..انتِ حامل"
طفرت الدموع من عينيها ووضعت يدها على فمها حتى لا تصرخ بجنون مثل شقيقتها..
"هل أنت متأكدة سلمى؟" تمتمت بعدم تصديق
"اقسم لك،لقد تسلمت نتيجة تحليل الدم للتو والذى يؤكد انك حامل،انا اريد صبي فزوجك صعيدي سيسعده الصبي،ماذا تريدين أنتِ؟"تحدثت سمر ببعض الهدوء حينما بدأت تعتاد الفكرة.
"أنا حامل سمر؟انا حامل حقاً؟"غمغمت وهى تضع يدها علي بطنها برفق لقد كانت تآمل..مجرد آمل طفيف ولكن يقينها كان يتجه نحو أن الأمر لا يتعدى اضطرابات هرمونية،والآن لا تستطيع أن تصدق.
"زينة توقفي عن الدهشة،سأتصل بطبيبتى واحدد لك موعد معها من أجل متابعة الحمل وحينما تعودين سنذهب لها مباشرة،هيا سأغلق الآن حتى تخبري زوجك"
انتهت سمر اتصالها بينما اتسعت إبتسامة زينة وتركت العنان لدموعها،لم تكن طامعة في أكثر من عشق ذلك الرجل ولكن الله منحهما المزيد من فضله..رفعت يدها تجفف دموعها وامسكت بهاتفها واتصلت بزوجها:"لما تأخرت حبيبي؟"
"لقد انتهيت للتو من تفقد الأرض،إنني بطريق العودة للمنزل"أجابها علي وكاد يسألها عن اتصال سمر الذي ينتظره ولكنه تراجع.
"حسناً حبيبي بإنتظارك"
اتجهت إلي الحمام لتغسل وجهها من أثر البكاء ومشطت شعرها بعد أن حلت عقدته التي كانت تجمعه لأعلي بكعكة كبيرة وحينما عادت كان علي يفتح باب الغرفة فتقدمت نحوه ببطئ ووضعت رأسها فوق صدره تريد أن تستمع لنبضات قلبه حينما تخبره.. ارتفعت إحدى يديه لتمسد خصلات شعرها الطويلة بينما رغماً عنه عادت ذاكرته لسنوات من عمره حينما تمنى ان يشعر بأن له منزل يعود فيجد ولو إبتسامة مجاملة،استقبال فاتر علي طاولة الغداء او العشاء كان هو كل أمنياته فأغمض عينيه واستند بوجنته اعلي رأسها بينما ذراعه الأخرى تمسد ظهرها صعوداً وهبوطاً بحنان.
"علي.."
"ضي العين ورفيقة العشق،اشتقت لك يا زينة القلب"تمتم بينما يُقبل اعلي رأسها.
"أنا حامل"
صمت،توقفت الكلمات بحلقه وتساءل للحظة هل شوقه هيئ له أنها تخبره بأن طفله يسكن احشائها؟
"ما تسمعه صحيح تماماً يا دكتور، أنا حامل" اضافت حينما استمعت لهدير قلبه القوى أسفل اذنها.
امسك كتفيها بكلتا يديه ودفعها برفق لينظر بوجهها فإبتسمت له حينما التقت عينيهما واومأت برأسها بالإيجاب أمام نظرات عينيه المتساءلة ونبرة صوته المرتجفة وهو يردد:"حامل؟"
أغمض عينيه وتراجع للخلف ثم اتخذ إتجاه القِبْلَة وخر ساجداً يتمتم بكل آيات الحمد بينما دمعتين هربتا من عينيه لترطبا لحيته.. رفعت يدها لتضعها علي صدرها محاولة تهدئة نبضات قلبها وهى تترقب منتظرة زوجها حتى ينتهى من سجوده..استقام متأملاً وجهها للحظة قبل أن تلتف ذراعيه حول خصرها ويرفعها ليدور بها بالغرفة وهو يضحك وعينيه تدمع بآن واجد فهتفت:"علي..توقف أشعر بالدوار"
اتجه للفراش وهو يحملها ثم جلس واضعاً إياها فوق ردفيه ورفع يديه لتحيط بوجنتيها:"زلزل العشق جبالاً لكن عشقك أنتِ كان مرساي وملاذي..يا زينة العمر وجزاء الصبر،يا شمس من عشق أحيت قلبي"
أسندت جبينها علي جبينه وهمست:"اعشقك علي.."
تسللت يده برهبة ليضعها فوق بطنها:"كدت اموت شوقاً وانا ابتهل لله ان تكون قطعة منى استقرت بأحشائك..بعضاً منى ينمو بداخلك..ثمرة عشقي لكِ يا ضي العين"
إلتفت ذراعيها حول عنقه تعانقه بقوة بينما همس بصدق:"حينما علمت بحمل والدة سيف كنت سعيد لأنه ربما يكون الطفل دافعاً لها للحياة،وبهجة تبدد حزنها،لكنها غرقت بالآسى والتعاسة أكثر.."
ارتفعت إحدى يديها تداعب شعره وتمسده بحنان بينما يدها الأخرى استقرت فوق يده التي يضعها فوق بطنها..أرادت أن تحثه علي الحديث وتخبره أنها هنا معه،تستمع له ولكنها اكتفت بلمسات يدها..
"عدت يوماً من القاهرة وسمعتها تصرخ ففتحت باب غرفتها بسرعة فوجدتها تضرب بطنها بكلتا يديها ووالدتي تصرخ وتبكي بجوارها فحملتها للفراش وانا استمع لها تنعيه وتنوح للحظات وبعدها بدأت تهذي بكرهها لي ولعمها ولوالدها ولنا جميعاً ولم تهدأ حتى حضر الطبيب وحقنها بمهدئ وظلت طوال فترة الحمل تحت الملاحظة"
"وجاء سيف ليكن خير ولد وسند،يعشقك كما لم يعشق صبي اباه..بعينيه ترى نظرة فخر بك وحب لك،وهبك الله فيه الولد والصديق ورفيق عمر"همست بأذنه وهى تواصل تمسيد شعره.
تراجع للخلف لينظر بعقيق عينيها متأملاً إنعكاس بريق العشق بهما مهمهماً:"نعم،هو الولد والسند والصديق ولكن رفيقة الدرب والعمر هي أنتِ يا ضي العين"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي