الفصل الرابع عشر أصوات الأموات صاخبة

١٤- أصوات الأموات صاخبة

لم تعلق لمار على ما قالته ليالي، وفضلت أن يكون الرعب والخوف مكبوتا بداخلها حتى حين، ثم ساعدت أختها على النهوض ونصحتها بالنوم باكرا حتى لا تتأخر على العمل وخصوصا في اليوم الأول ولا بد من أن تصل باكرا حتى يكون هنالك انطباع جيد لظهورها الأول في الشركة.

استلقت ليالي على السرير وكانت هادئة وشاردة، ولكنها كانت مرتاحة لأن الأصوات قد هدأت، اتجهت لمار في هذا الوقت إلى المطبخ لتصنع لها بعض من عصير الليمون البارد لتهدئة أعصابها.

وفور أن أنتهت من إعداده عادت إلى ليالي وهي تضع يدها على قلبها خوفا، فكلما تركتها ولو لدقائق معدودة لا بد أن تحدث مصيبة ما، دخلت على أختها فوجدتها تنظر إلى السقف وكأنها تحاول التركيز، لم تكن تركز على السقف ولكنها كانت تحاول أن تستمع إلى شيء ما، أعطتها "لمار" مشروب الليمون فوضعته ليالي جانبا واستمرت في تركيزها على الأصوات.

زفرت لمار من شدة السأم؛ فحالة أختها تتدهور على الرغم من التزامها بالأدوية، ثم قالت متسائلة:
هل أخذتِ الدواء اليوم؟

قالت ليالي وهي لا تزال محدقة في السقف وتحاول التركيز:
حتى وإن افترضنا أن سالي في مخيلتي فقط، ما أسمعه الآن لا علاقة له بها، ما أسمعه الآن يُفترض أن تسمعيه أنتِ أيضا.. أرجوك ركزي.. إنهم هنا.. إنهم أِشباح..
قالت لمار بثقة:

ليالي.. لا يوجد أشباح يا عزيزتي، أنت مُرهقة فحسب، الآن اشربي هذا؛ فأعصابك بحاجة إلى الاسترخاء، وانعمي بنوم هادئ، وإن أردت سأبيت معك في الغرفة حتى تسافري إلى النوم بسلام..

قالت ليالي:

عندما تستمعين إليهم في يوم من الأيام ستعلمين أنني على حق، وفي نفس الوقت لن نستطيع أن نغادر هذه الشقة، لأنهم سيقتلوننا إن فعلنا.

قالت لمار وهي تحاول كظم غيظها:

أرجوكِ يا ليالي، أنتِ تحتاجين إلى قسط كبير من الراحة، وتحتاجين إلى أن تصفي ذهنك حتى تبلين بلاءا حسنا في العمل غدا، هيا اشربي هذا ونامي.. أرجوكِ.

رمقت ليالي أختها بنظرات الضيق، ولم تعلق على ما قالته، ثم أخذت كوب الليمون وشربته دفعة واحدة وبسرعه، ثم قالت لأختها بكل هدوء: هيا أطفأي الأنوار، سأنام وأستعد ليوم الغد.

قالت لمار: قبل أن تنامي لدي استفسار، ألست مهتمة لمعرفة حالة ابنك؟

زفرت ليالي وقالت:
أنا أعرف أن معرفتي بالأمر لن تغير شيئا، أعرف أنه أصبح ممسوسا وإلى الآن ليس بيدينا أي شيء يمكننه فعله لننقذه، فلننم الآن ونستكشف غدا ما بإمكاننا فعله لقتل شبح محمود اللعين وانقاذ أنفسنا وانقاذ ابني..هيا!
لم تستطع لمار اخفاء نظرة الاشمئزاز من على وجهها عندما سمعت كلمات أختها، وظنت أن أقلب أختها يقسو أكثر فأكثر بمرور الأيام، ولكن في نفس الوقت هي مريضة ومضطربة بشكل كبير، ومن الواجب على الجميع أن يعذرونها!

أطفأت عليها الأنوار واتجهت لغرفتها مغيرة رأيها في النوم بجانب أختها، وقررت أن تنام في الغرفة التي وضعت فيها أغراضها، كانت الغرفة واسعة وجميلة وبها بلكون تطل على الشارع، ولكن الشارع كان مخيفا فالمنطقة مهجورة تقريبا.







حل الصباح واستيقظت ليالي باكرا قبل أختها، وأسرعت لتجهيز ملابسها التي سترتديها في أول أيام الدوام وقامت بكيها، كان تغير مزاجها مئة وثمانين درجة غريب ومثير للتعجب لأي شخص يراها..قامت بتحضير افطار فاخر وشهي ووضعته على السفرة ثم اتجهت إلى غرفتها لترتدي الثياب التي قامت بكيها، كانت الثياب عبارة عن معطف خريفي طويل باللون الرمادي، وبلوزة سوداء وبنطال أسود ضيق، وحقيبة بيضاء وحذاء أبيض كعبه قصير.. وقامت بعمل تسريحة بسيطة لشعرها عن طريق استخدام مكواة الشعر، ووضعت ربطة رقيقة باللون الأبيض على شعرها الذهبي الجميل، ثم وضعت مكياجا ليس بسيط وليس صارخ، وكان سيد هذا المكياج هو أحمر الشفاة البراق ذو اللون الأحمر الذي أضفى على وجهها الكثير من الحيوية والمزيد من الجمال.

استيقظت لمار فوجدت أختها تجلس على سفرة الطعام وتستعد للأكل، ولكنها لم تبدأ قبل أن تتأكد من استيقاظها فدعتها بابتسامة قائلة:
هيا يا لمار أفيقي وتعالي لنفطر سويا.

قالت لمار بنظرة باردة:

لا أريد أن آكل؛ لقد رأيت كابوسا.

تبدلت ملامح ليالي السعيدة المتفائلة إلى ملامح خائفة ومتجهمة وقالت:

ما نوع الكابوس؟ تعالي إلى هنا اجلسي معي واحكيه لي.
جلست لمار على الكرسي المقابل لأختها وقالت بهدوء النوم الذي لا زال يصاحبها:

أظن أنك على حق.
قالت لمار بتعجب ممزوج ببعض الراحة ظهر في نبرة صوتها:
حقا؟ على حق فيم يخص ماذا؟

قالت لمار في خيبة أمل:

الأشباح.. أظن أن هنالك خطب ما في هذه الشقة، لا أعرف لماذا يكون كل هذا الظلام من حظنا، ألا يكفي شبح اللعين المدعو محمود؟
قالت "ليالي" في اهتمام بالغ: أرجوكِ تخطي جزء العتاب الذي لا فائدة منه، واحكي لي ما رأيت بالتفصيل.. هيا قبل أن أنزل.

قالت لمار وقد بدا القلق بوضوح في عينها:

رأيت شخص ما في المنام ولكنني لم أر وجهه، فقد كانت الرؤية ظلام، ولكن صوته كان مخيفا ومهددا، قال لي أن أختي على حق، وأن الأصوات التي تنبع من الشقة هي أصوات أشباح فعلا، ثم قال أنها مسألة وقت وسأسمع هذه الأصوات أيضا، وقال لي أن "ليالي" هي من ستُكلف بالمهمة لأن روحها مظلمة، لم أفهم هذا ولا أدري عن أي مهمة يتحدث.

قالت ليالي في خوف وارتياب:

مهمة؟ أنا لا أتذكر انني حلمت بأي شيء أمس، إذا هنالك مغزى من أن هذا المنام أتاكِ أنت فقط، أنا خائفة يا لمار.. خائفة كثيرا، ويجب أن تكوني أنتِ أيضا خائفة حتى نأخذ احتياطاتنا وحِذرنا ونبدأ بالتحرك نحو الحل؛ إنه ليس مجرد كابوس عادي.

قالت لمار بهدوء شارد:

أنا خائفة ومرتعبة بالفعل.

قالت ليالي: إذا كنت خائفة من أن تمكثي وحدك فترة ذهابي إلى العمل يمكنك أن تنزلي وتذهبي إلى أحد الكافيهات القريبة، وكذلك سأعطيك بعض المال لتشتري بعض الأشياء اللازمة لنا.

تضايقت لمار"كثيرا من سرعة تغيير ليالي للموضوع وأحست أنها تستغل وجودها معها، كانت "لمار" بالفعل خائفة من أن تبقى وحدها فوافقت على هذا العرض...انتظرت "ليالي" قليلا حتى بدلت "لمار" ملابسها وأصبحت بشكل مهندم ونزلت الأختان معا.








بينما كانت لمار تتمشى مع ليالي أحست بغرابة غير معتادة على وجه ليالي؛ فقد بدت ليالي وكأنها تخفي شيئا وبدا عليها بوضوح أنها تمثل أنها بخير، لهذا غيرت الموضوع بسرعه وهما تتحدثان بشأن الأشباح، ولكن بدا عليها أنها قلقة بشكل كبير، وهذه طبيعة ليالي... إذا وجدت شيئا آخر يشغلها فهي تنغمس فيه، وكل ما تتظاهر بفعله الآن هو أنها تتطلع إلى أن تركز على عملها الجديد، ولكن في قرارة نفسها كانت تفكر في الظلام الذي ينتظرها، وكانت تفكر في منام أختها، وتتسائل: لماذا أتى المنام إلى أختي بالتحديد؟ ومن هذا الذي تكلم عني وقال أن روحي مظلمة!

أخذت تؤنب ضميرها كثيرا بينها وبين نفسها ولكنها حاولت إخفاء هذا، كانت تفرك يديها ببعضهما من شدة القلق ولاحظت لمار ذلك عليها فقالت:

ليالي هل أنت بخير؟ هل هي سالي أم أصوات أخرى؟ هل أخذت دوائك اليوم؟

قالت لياليصارخة بوجه أختها:

كفاك اتهامات، لا تعامليني وكأنني مجنونة، إنها ليست سالي وليس محمود، إنها الأصوات الجديدة، و ما قلتيه لي للتو يتردد على مسمعي الآن، هنالك شخص ما يخبرني بأن روحي مظلمة، وأنه سيستخدمني مقابل أن أعيش كما يحلو لي، ولا أعرف معنى تلك الكلمات، وآخر تحذير لك يا لمار، إذا كنت تريدين أن تبقى علاقتنا طيبة لا تتكلمي عن الدواء مرة أخرى، أنا آخذه بالفعل بانتظام ولكن لأنه بمثابة مهدئ لا بمثابة الشيء الذي سيعالجني من الجنون، لأنني لست مجنونة.

خفضت لمار رأسها خجلا وهي تعلم في قرارة نفسها أن قوى أختها العقلية في تدهور شديد وملحوظ هذه الأيام ،وكانت نادمة في نفس الوقت لأنها تحملها فوق طاقتها، ثم ربتت على كتفي أختها قائلة:

آسفة يا عزيزتي، الآن سأتجه أنا إلى وجهتي لشراء ما طلبتيه مني، وسأقضي وقتا ممتعا، تعرفين أنني أحب التسوق وحدي، لن أخذلك وسأجلب أشياء رائعة.

ابتسمت ليالي إلى أختها ومضت كل واحدة منهن في طريقها، وكانت قدة اقتربت من مكان الشركة ولكن الأصوات لم تكن تعتقها، وكانت مزعجة جدا، تباطئت خطواتها قليلا وجلست على كرسي استراحة كان قريب منها في ذلك الوقت. وضعت يديها على رأسها وأخذت تحدث نفسها:

أرجوك اهدأ.. هل يمكنك فعل هذا عندما أعود للبيت؟ أرجوك أريد الذهاب إلى العمل وقضاء اليوم بسلام، أنا متعبة... أرجوك اهدأ.

هدأت الأصوات بشكل مفاجئ عندما طلبت "ليالي" ذلك، وكان الوضع مريبا، ثم فالت ليالي في فضول:
هل تسمعني؟ إذا كنت تسمعني قل لي في أذني أنك تسمعني..

انتظرت ليالي عدة ثوان وسمعت صوت مخيف يقول في أّذنها: نعم أسمعك.
أحست ليالي بالفزع ثم قالت:

أرجوك اهدأ حتى أعود للمنزل وسأنفذ أي شيء تطلبه مني، حتى المهمة التي لا أعلم بعد ما هي ولماذا اخترتني لتنفيذها، سأنفذها مقابل أن تتركني أعيش بسلام بدون أصوات.

قال الصوت: الآن تأكدت أن اختياري وقع على الشخص الصحيح، هذا مبشر بالخير!

سألت ليالي:
لماذا أتى الكابوس إلى لمار ولم يأت لي؟

أجاب الصوت بثقة:ستعلمين كل شيء في وقته، لا تكثري الأسئلة، الآن اذهبي إلى عملك ولنا لقاء في الشقة الملعونة.
أيقنت ليالي أن حظها التعس ألقى بها على شقة مسكونة بالفعل، وأن شبح واحد لا يكفيها، ولكن شخصيتها كانت تميل إلى فعل أي شيء في مقابل أن تصل إلى مرادها ومخططاتها وأحلامها، والعيش في سعادة وسلام حتى لو أن هذا سيؤثر على من حولها بشكل سلبي؛ فقد كانت الأنانية أول سمة سيئة في شخصيتها، وأكثرها وضوحا للجميع.





استجمعت قواها ونهضت متجهة إلى الشركة، ووصلت في الموعد المحدد، دخلت إلى مكتبها واستقبلها الجميع بترحاب لطيف، ثم جلست... وتذكرت ابنها أخيرا، فقامت بالاتصال على والدتها لتطمأن عليه قبل أن تشرع في العمل.
ردت عليها أمها بغير ترحاب قائلة:

ماذا تريدين؟ هل تتذكرين الآن أن لك أم؟

اجابت ليالي مدافعة عن نفسها:
لقد كنت متعبة يا أمي ليلة أمس، وأعتقد أن لمار زودتك بكل ما حدث، أرجوك لا تقسو علي.. كيف حال الجميع؟ وكيف حال أدهم؟

قالت نجاة:
سنأخذه إلى الطبيب اليوم، إنه لا زال يجلس وحيدا مرتعبا، الأجواء هنا مشحونة بالغضب والخوف والقلق، وأنت هناك فرحة مسرورة بنجاحك أيتها الأنانية.

- كفاك يا أمي، لن أستطيع تحمل هذه الاتهامات، بالاضافة إلى أنني في الشركة الآن وهذا ليس مكانا للشجار ولا وقتا للنزاع. إذا كان أدهم يمكنه التحدث إلىّ الآن أعطيه الهاتف أود أن أتكلم معه.

قالت نجاة في حسرة:

لن يستطيع التحدث معك ولا مع أحد.. من الآن إلى الساعات القادمة أحملُ هما كبير، وهو كيف سنجبره على الذهاب إلى الطبيب وهو لا يريد أن ينتقل من مكانه ولا يقوى على النظر في وجه أحد، إنه يشعر بذنب كبير ولا يستطيع مسامحة نفسه، مع أننا جميعا أخبرناه أننا نسامحه ولكنه لا يستمع إلينا.

زفرت ليالي في يأس قائلة:
حسنا، عندما تصلون إلى الطبيب أطلعيني بكل جديد، وإذا استطعتي أن توصلي له سلامي افعلي، وقولي له أمك تحبك كثيرا، إلى اللفاء.





فور أن انتهت ليالي من المكالمة .. طرق شخص ما باب مكتبها، لقد كانت إحدى الموظفات بالشركة وأتت لترحب بها، كانت امرأة ثلاثينية طويلة القامة، بيضاء البشرة، ولها شعر أسود قصير، وعيناها بنيتين وواسعتين، كانت جميلة ولكن ملامحها قاسية وابتسامتها تنم عن شخص جدي ومثابر، سلّمت على "ليالي" باسمة وقالت:
أنا ريم فؤاد، مصممة أزياء ومكتبي بجانب مكتبك على اليمين، أهلا بك في الشركة أرجو أن تقضي وقت جيدا وتتحفي الشركة بإبداعاتك، علمتُ أنك مصممة واعدة ولك تصميمات أكثر من رائعة، والان أحب أن أخبرك أن المدير كلفني بإخبارك أن هنالك مشروع سيجمعنا سويا ويجب أن نبدأ بالعمل عليه خلال أيام، وسيبلغك بنفسه أيضا بموعد الاجتماع الذي سيخبرنا فيه بكل شيء. إذا احتجت أي شيء فأنا بالجوار يمكننك أن تنادي عليّ فقط وسآتي على الفور.


ابتسمت ليالي ولكنها كانت مرتابة والشكوك تملأ قلبها، فهي الآن في وضع لا تستطيع أن تميز فيه بين الأشخاص الحقيقيون والأشباح، كانت في وضع حقا لا تُحسد عليه، ولم تجب بكلمة واحدة على كلمات "ريم"، فظنت "ريم" أنها تتكبر عليها أو أنها قليلة الكلام ولا تحب الناس، وكان هذا أول انطباع عنها من أول شخص يرحب بها في الشركة.

تركتها ريم وعادت إلى مكتبها، بينما بدأت ليالي تشغل نفسها بابتكار بعض التصاميم الجديدة على جهازالكمبيوتر الموجود في مكتبها، وكانت تحمل في حقيبتها ورق وأقلام في نفس الوقت لأنها كثيرا ما تستعين بهم في الرسم، بل وتفضلهم على برامج الكمبيوتر المختصة بالتصميم.

مرت ثلاث ساعات وليالي منهمكة في التصاميم والابداعات التي تبتكرها عادة في وقت قصير، فقامت برسم فستانين خلال هذه الثلاث ساعات، واحد منهم على جهاز الكمبيوتر والآخر على الورق وقامت بتلوينهما، كلا الفساتنين كانا للسهرة، وكانا في غاية الفخامة.

لم يكلمها أحد أو يدخل عليها المكتب من بعد ريم خلال ذلك الوقت، مما أثار ارتيابها واحساسها بعدم الاهتمام من الأشخاص الذين يعملون في الشركة، وكانت متخوفة أيضا من ريم من أنها ربما قالت شيء للمدير عنها لأنها لم تقابلها مقابلة ترحيبية كما فعلت ريم، وللوهلة الأولى عندما رأت ريم ظنت أنها ليست طيبة ولن تكون هنالك علاقة جيدة بينهما، ولسوء الحظ هي مضطرة أن تعمل معها على مشروع واحد في الفترة القادمة.

بعد أن انتهت ليالي من رسم الفساتين قامت لتطلب بعض القهوة وأثناء سيرها نحو الباب، فُتح الباب دون إذن، لقد كان مدير الشركة قادم إليها ليرحب بها ويتعرف عليها..
كان المدير يدعى الأستاذ " سليم ماجد" ، وكان طويل القامة وعريض المنكبين ووسيم بدرجة كبيرة، كانت ابتسامته ساحرة ،وكان في الثلاثينيات من عمره، بشرته حنطيه وعيناه لونهما أخضر، وله لحية وشارب خفيفان، وكان له حضور وهيبة رائعين.

ابتسمت له ليالي فور أن رأته ولكنها كانت متضايقة لأنه لم يستأذن قبل دخوله المكتب، وأحس "سليم" بهذا.. مد يده لها ليسلم عليها وقال مبتسما:

مرحبا بك يا ليالي في شركة "أنتِ أنيقة"، أنا مدير الشركة ويسعدني ويشرفني أنك شرفتينا اليوم في مقر العمل، أتمنى لك الكثير من التوفيق والنجاح وآمل أن تكوني مرتاحة في العمل هنا في المستقبل القريب.
قالت مبتسمة في خجل: آمل هذا أيضا.

لم تكن مرتاحة من نظراته لها، وبداية من أنه لم يطرق الباب.. فهذا جعل لديها انطباعا سيئا منذ البداية عنه، ولكنها ستكمل تمثيل بأن كل شيء علىما يرام في سبيل أن يرضى عنها المدير.. في سبيل أن تبلي بلاءا حسنا في الشركة وحتى يحبها الجميع، أو حتى الأغلبية منهم.

بعد مرور حوالي أربعة ساعات من دوام أول يوم اتصلت "نجاة" بليالي فأسرعت للرد على الفور قائلة: أهلا أمي، كيف حال أدهم؟

قالت: لا تغيير، لقد حجزنا عند الطبيب وسوف نأخذه إلى هناك في تمام الساعة الرابعة عصرا.. اتصلت فقط لكي أعلمك بآخر الأخبار.

قالت ليالي في تودد: لم تريدي أن تطمأني علي؟

قالت بقسوة: ليس تماما، أعلم أنك بخير حال طالما أنك تسيرين في طريق مستقبلك الباهر، إلى اللقاء.
أغلقت نجاة الخط بوجه ابنتها، فحزنت بشدة وأحست أنها وحيدة في هذا العالم القاسي، بل وأن أقرب الأشخاص إليها والذين يتواجدون معها بشكل دائم عبارة عن أصوات وأشباح، وليس لها شخص فعلي الآن غير "لمار" والتي لن تستمر في المكوث معها ؛فلديها حياتها ودراستها، ثم أتاها المدير مرة ثانية وقام بطرق الباب
هذه المرة وكأنه أحس بأنه فعل شيء غير لائق.. ابتسم لها وقال: الاجتماع في تمام الساعه الثانية ظهرا أي بعد ساعه، أرجو أن تكوني جاهزة.. وبالمناسبة أعجبني ستايل شعرك وملابسك.. تبدين رقيقة.


أومأت ليالي بالموافقة على موعد الاجتماع وابتسمت له ردًا على مجاملته، ثم خرج المدير وظهرت "سالي" من العدم فجأة، أمامها في مكتب العمل، لتنغص عليها حياتها وتفسد متعتها ونجاحها من جديد..


يتبع....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي