الفصل الحادى عشر

كانت أيامى فى السجن التى أنتظر فيها الجلسة أهون على من الخروج ومواجهة تلك العالم الذى بالخارج العالم المليئ بالزيف، تلك البشر الذين خلقوا ليكونوا انقياء ولكننا لا نريد النقاء ونبحث دائما على أقذر الأشياء واكثرهم وحشة ونلقى بانفسنا بها.
ظللت أنتظر ميعاد الجلسة لكى أخرج، نعم أريد الخروج ليس لمقابلة الناس والعالم، ولكن فقط أخرج لأمى ولأختى، أخرج للذين يعاملونى حسن المعاملة، أخرج لكى التقى بمروان ومريم وهبة، ثلاثة من اصدقائى لم يتصنعوا شيئا وكان فقط بظهرى بدون مقابل، فقط لأنهم أصدقائى، هل من معنى للوفاء والصداقة أصدق من ذلك، بالطبع لا، حتى وأن بحثت فلن تجد شخصاً يقف معك وهو لا يعلم إلى أى منقلب ستنقلب إليه وأين سينتهى بك المطاف.
جاء يوم حضورى إلى المحكمة تحكرت مع قوة أمنية إلى المحكمة، واجلسونى بمكان لايوجد به سوى المجرمون والنصابون، كان الحنيع ينظر إلى باستغراب، من هذا الشخص ولماذا أتى إلى هنأ، فبالرغم من وجودى بالسجن إلا أننى كنت متحتفظا بهيئتى وشكلى ولا ألتفت لأحد ولا حتى للحديث.
وحينما أتى ميعاد الحلسة ادخلونى إلى قاعة تلمحكمة لأقف خلف سورا حديديا، كنت أنظر كعادة الجلسة السابقة. وانظر إلى الجالسين بالقاعة لربما أجد من هيأ لى عقلى أنهم سيحضرون، نظرت بين الحضور حتى وجدت مروان كان واقفا يتحدث إلى المحامى قبل دخول القاضى وبجواره مريم وهبة، ظللت أبحث عن الأخرين حتى لم أرى أحدا، وفى نهاية المطاف قررت النداء على مروان لكى أطلع على آخر المستجدات وتحرك مروان باتجاهى هو ومن معه فقلت له:

_ إيه الأخبار يامروان طمنى؟
= متقلقش المحامى واثق من أنه هيجبلك براءة، بس هو بيوصلك رسالة.
_ رسالة إيه؟
= إحتمال القاضى يسألك فى الموضوع ويتناقش معاك حول الأسباب اللى خلتك تنتج الاغانى دى.
_ متقلقش أنا مستنى السؤال دا من زمان.
= عمر أوعى تخبط فى حد خليك تطلع على خير.
_ متقلقش ياصاحبى هتعدى على خير.

نظرت بعدها إلى هبة وقلت:

_ شكرا ليكى يا هبة على وجودك

ردت علي هبة وهى تخشى الحديث معى:
= لازم أكون جنب صاحبى واخويا.
أبتسمت لها قبل أن يقوم العسكرى بسحبى، ويقوم مقدم الجلسة باسكات الحضور.

سكت الجميع وبعدها أعلن عن دخول القضاة وقف الجنيع تحية وتقديراً لهم وبعدها جلسوا جميعاً وبدأت المرافعة كانت هناك قضية قبلى، وما أن انتهوا منها حتى بدأت مرافعتى، فى تلك اللحظة كان هناك أحدا يدخل من باب قاعة المحكمة نظرت باتجاه الباب فإذا بأميرة أختى تدخل وتنظر إلى من خلف النظارة التى ترتديها من ثم وضعت يدها على فمها وجلست، كنت أعرف أنها فى حالة إنهيار تام مما حدث لى لابد وأنها الان تشعر بأن السند والأخ الأكبر لها غير موجود وحياته أيضا مهددة بالضياع.
بدأ المحامى فى المرافعة، ومحاولة إثبات أدلة براءتى وأننى لم اقصد إهانة أحد القيادات بالدولة ولكنى فقط اطالب بتوحيد الصفوف، ظل المحامى يجمل كلماته لكى تتراءى على مسامع القاضى حتى انتهى من حديثه فنادى بعدها مقدم المحكمة على أسمى ووقفت فوجه لى القاضى سؤاله:

_ قولى ياعمر ليه قررت تعمل الأغنيات دى؟
= تسمحلى يا سيادة القاضى أتكلم على راحتى، ولا دا كمان هيجبلى حكم مشدد؟
_ أتكلم براحتك ولكن فى حدود الأدب بدون الإساءة لأى طرف؟
= حاضر يا فندم، فى البداية أنا بس حابب أسأل سؤال! هو ليه أصلا في حاجة إسمها فن؟ مش عشان دا شئ جمالى بيعجب الناس وبيدخل لقلوبهم بسرعة! طيب إيه المشكلة فى أننا نستخدم الفن دا فى تغيير المجتمع للأفضل بأننا زى ما بنأثر فيهم باصواتنا نأثر فيهم براينا الايجابى.
_ أيوا ياعمر، أنا متفق معاك فى دا، ولكن أنت هاجمت أطراف بعينها!
= أنا مهاجمتش حد يا فندم أنا كل اللى عملته، أنى قلت للناس ابعدوا عن الطوائف، ابعدوا عن الأحزاب، حضرتك أنا بطالب بأننا نكون كلنا مصريين هل دا شئ غلط؟ هل أنى أطالب بأن ميكنش فى تفرقة بداخل البلد دا غلط! ليه لازم نعيش مسلم ومسيحى؟ ليه لازم نعيش فلان تبع الحزب دا وفلان تبع الحزب دا، ليه كل واحد فينا لازم يكون ليه حزب تبعه! مش المفروض كلنا بنعمل تحت راية واحدة وهى راية الوطن! هل بقى لو حصل حاجة للوطن دا هنقول حزب كذا هو اللى حماه! بدل ما نقول إن الشعب اللى حماه، سيدى القاضى كل قضيتى كانت فى أنى كنت عايز استغل موهبتى اللى ربنى وهبنى بيها فى أنى أوجه الناس للخير، فلم يعجب قولى بعض الناس ممن يريدون تفكك الوطن وانقسامه، لذلك حدث كل هذا اللغط، ولذلك أنا متواجداً أمام حضراتكم الأن، ولكنى فى النهاية بطلب رجاءا من سيادتكم، إذا أردتم محاسبة أحدا حاسبوا من يقولون إنهم يريدون نهضة الوطن وهم يعملون تحت شعار طائفة، ليس تخت شعار الدولة نفسها، وشكرا لكم على سعة صدركم فى سماعى.

عدت بعدها إلى جلستى، كانت عيناى تدمع وأنا أتحدث ولم أشعر بذلك حتى أننى وجدت أيضا أن من بالقاعة هناك من ادمعت أعينهم ويمسكون بالمناديل لكى يجففونها، نظرت إلى مروان فوجدته ينظر إلى ويبتسم هو وهبة، وبعدها عاودت النظر إلى أختى، فوحدتها تضع يدها على ركبتها ومسندة برأسها على يدها، لابد وأنها تشعر بى وبما قلته للتو.
قام القاضى لكى يتداول مع هيئة القضاه فى تلك الأمر حول ملف القضية. تحرك باتجاههى مروان فقلت له وأنا أنظر إلى اميرة:
_ أميرة قاعدة ورا عايز أسلم عليها.
نظر مروان إلى أميرة من ثم طلب من الضابط المتواحد على ذلك السور بأن أتحرك إلى جانب السور هناك منطقة بمكننى أن أسلم منها على أختى، تحرك مروان ولم تكن اختى منتبهة له، من ثم حدثها وجاء بها إلى كنت أتحرك ببطئ باتجاه تلك المنطقة وما أن وصلت امامى، حتى نظرت إليها كنت أود أن أرى وجهها كاملا، فمددت يدى وامسكت بتلك النظارة التى تضعها على أعينها، وخلعتها عنها، لأجد عيناها محمرتان، نظرت أميرة فى وجهى، وفى ثوان كانت منهارة فى البكاء، وهى تضع رأسها على صدرى وتبكى كثيراً، كان صوتها يقطع قلبى، كما أنه وثل لكل من بالقاعة، ضممتها اكثر إلى صدرى، وبدأت فى أن أحاول تهدئتها ولكننى لم أكن أنا أقوى على تهدئة نفسى فكيف أفعل معها ذلك، ظلت أميرة بين احضانى وهى تبكى كثيرا، حتى دخل مقدم المحكمة وأعلن عن دخول القاضى، تحركت أميرة وامسكت بها هبة ومريم وذهبوا لكى يجلسون وهى تجلس بينهم ليحاولون أن يقوموا بتخفيف ذلك الحمل عليها.

جلس القاضى على المنصة ثم بدأت فى الحديث:

_ بعد سماع المتهم والمرافعة والأطلاع على كافة الأغانى التى قام بتسجيلها فى الاونة الأخيرة، قررت هيئة المحكمة ببراءة عمر عادل من كل التهم المنسوبة إليه ،واخلاء سبيله وطلب من اعتذار رسمى له.

كان القاضى حينما نطق براءتى بدأت الأثوات تعلو بالقاعة والجميع يفرح بتلك الخبر، ولكنهم جميعا صمتوا بعدما أمسكت بمطرقته ودق على المنصة، ثم نظر إلى وقال:
_ أنا عايز اوقلك حاجة يا عمر لأنك من دور أبنى، شكرا لوجودك فى الحياة، شكرا لانى قابلت شاب زيك معندوش ميول غير لبلده بس وأتمنى رسالتك دى توصل للعالم كله مش لشعبنا بس، أنت مثال حى للأنسان السوى.
قام بعدها القاضى وخرج، وتحركت أنا أيضا مع رجال الأمن، انتقلت بصحبة القوات حتى عاودت إلى السجن وما مر على ساعتين حتى وجدتهم يطلبون منى أن أخذ حاجتى وبالفعل قد كنت لممت كل شئ ووضعته بالحقيبة التى معى، خرجت لمكتب الضابط وبعدها اخبرنى اننى سأتحرك على القسم الأن، وأنه أخذ هذا القرار بعدما علم تلم الأمر الذى حدث بالمحكمة.

تحركت إلى القسم وكانت هناك توصية من مدير السجن، بأن يقومون بكل الإجراءات سريعة وأن أخرج اليوم، كانت الساعة قاربت على الثامنة مساءا، طلبت من إحدى الضباط بعدما قام بإبلاغى أننى ساخرج فى تمام الثانية عشر بعد منتصف الليل، فطلبت منه هاتفه لكى أخبر مروان، وبالفعل اخبرته وحضر لى وكان فى انتظارى حتى جاء وقت طابور العرض، وبعدها قاموا باخراجى منه وأخذت شنطتى وخرجت من باب القسم كان مروان ينتظرنى بالخارج، وحينما رأنى جاء راكضا وارتمى بحضنى وكأننى لم أراه بالصباح ولكنى أعرف ذلك الحضن فأنا أشعر بما يشعر به، أشعر أننى حرا لا يتوجب على أحد زيارتى وكذلك هو يشعر بأن صديقه الأن معه وبجواره، تحركت انا ومروان باتجاه سيارته وركبنا السيارة، فبدأ مروان بالقيادة وكان يتحرك باتجاه منزلى، ولكنى لم أكن أريد ذلك كنت أريد أن أذهب إلى بيت امى لكى اطمئن عليها وعلى أميرة فقد رأيت أميرة فقط اليوم، ولم يسعنى الوقت حتى اسألها عن أمى، والان أنا حرا طليقاً وأريد أن يكون أول ما اقعله هو الذهاب إليها.

_ مروان أتحرك على بيت أمى عايز اروحلهم الأول.
نظر لى أمير وصمت قليلا ولم يجيب فكررت كلامى مرة أخرى.
_ مروان سمعتنى؟

نظر إلى مروان فاعدت كلامى:
_ بقولك أتحرك على بيت أمى عشان عايز اطمن عليهم.
= طب مخليها الصبح ممكن دلوقتى يكونوا ناموا.
_ لا أنا عايز اعملهم مفاجأة وكمان امى وحشتنى أوى.
= طيب خلاص، هوديك.

تحرك مروان باتجاه البيت وكنا طوال الطريق اسأله عن اصدقائى وعن ما كان يحدث وأنا بالداخل ومن تعاطف مع امرى ومن كان يسوء الكلام عنى، ظللت اسأله ولكن كان مروان يجاوبنى وأنا أشعر أن هناك أمرا ما بداخله يخفيه عنى، ربما يخفى عنى حقيقة بعض الأشخاص الذين اسأو الحديث حول ما مررت به.

وصلنا إلى بيت أمى نزلت من السيارة وأخذت حقيبتى وسلمت على مروان وودعته قائلا:
_ تسلم ياصاحبى، روح بقى أنت عشان متتأخرش وبكرا نتقابل.
= أنت مش هتروح بيتك؟
_ لا عايز ابات معاهم النهاردة.
= طيب ماشى.
ودعت مروان وتحركت ودخلت من باب العمارة ولكن كان مروان مازال واقفاً ولم يتحرك، لابد وأنه يفعل شيئاً ما، صعدت الدرج ووقفت أمام باب الشقة قبل أن اطرق الباب ماذا لو أبى تحدث معى وكان يعرف الأمر الذى حدث معى، ماذا لو طردنى من المنزل، وبعد تفكير دام لدقائق قررت أن أسلم على أمى وأختى وإذا حدث شيئاً أتحرك من المنزل ولا أنظر إليه.
طرقت الباب والجرس معا، وانتظرت بعض الوقت، حتى أتى صوتاً من خلف الباب كان هذا هو صوت أميرة وهى تقول:
_ مين؟

ضحكت وأنا اجاوبها:
= افتحى يا كلبة أنتى مين اللى هيجي يسرقكم ويستأذن!

فتحت أميرة الباب سريعاً وما أن رأتنى ارتمت فى احضانى سريعاً، كانت عيناها متورمتان جدا ولا أعرف سبب ذلك، دخلت معها إلى الشقة كانت الأنوار مطفأة، تحركت أميرة إلى غرفتها وأنا خلفها، حتى سألتها:
_ هو مفيش حد صاحى؟

لم تنظر إلي أميرة ولكنها اجابتنى وهى تجلس على سريرها:

= مفيش حد هنا غيرى.
_ آمال هما فين؟

لم أكمل كلامى وكانت عينان أميرة تدمع مرة أخرى، كنت أقترب منها لأهون عليها بكائها المتكرر، وما أن أقتربت منها حتى رأيت ثورة أمى بجوارها على السرير، ولكن لم يكن هذا بالمهم، كانت الصورة موضوع عليها شريطاً أسود، فى زاوية بالأعلى، ماهذا هل هذا الشريط يعنى الحداد؟ التزمت الصمت قليلا وأنا لا أفهم ماذا حدث ولماذا يةضع هذا الشريط على صورة أمى.
لم أتحمل الوضع كثيراً فقمت بتكرار سؤالى على أميرة ولكن هذه المرة كان يكاد صوتى أن يخرج:

_ ماما فين يا أميرة؟

لم تجاوبنى أميرة وبكت كثيراً، اكثر بكثير مما كانت عليه، ففهمت الامر حينها، ولكنى وجدت جرس الباب يعلن عن وقوف أحدا خلفه فتحركت لكى أرى من خلف الباب، فتحت الباب كان مروان هو من يقف، لم يرد على ولكنى شعرت من ملامح وجهه انه كان يعلم الأمر ويخفيه عنى، حتى قلت له.
_ انت كنت عارف؟

رد على مروان وهو فى حالة خجل وحزن:

= الباقية فى حياتك ياعمر.

لم أشعر بنفسى إلا وأنا اسقط أرضا وأسمع صوت صرخات أميرة ونداء مروان فى أذنى يتكرر، ولكنى لا أراهم فقط أسمع صوتهم بداخل أذنى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي