الفصل الخامس عشر

كانت هاندا تعبث بهاتفها لا تعي لما يحدث حولها حتى رفعت نظرها فجأة وعيناها متسعة بصدمه عندما همست أيلا ببكاء ويدها معلقة بالهواء كما ترى هي أمام عينيها :
 
- بلاااااال 

تعجبت من أنها تهمس بإسم شقيقها رافعة يدها بطريقه عجيبه وكأن هناك من يقف أمامها وضضعت يدها على كتفها تسألها بجدية متعجبه :

- أيلا ما بك؟ تهتفين بإسم بلال وكأنه أمامك

صدمت أيلا مما فعلته فهي فقدت وعيها بما حولها فور رؤيتها لإصابته حتى نست تماماً وجود هاندا بجوارهما، حاولت تمالك نفسها ورسم إبتسامة خفيفه على وجهها قبل أن تلتفت إليها قائله بتعجب مصطنع هي الأخرى :

- بلال! ومن قال بلال، أنا أقول لك هل هذا هلال؟

وعادت تنظر حيث يقف بلال ورفعت يدها تشير إلى علامة محفوره فوق أزرار التحكم بالمصعد، نظرت هاندا إلى ما تشير إليه فتنفست الصعداء وهي تجيبها بهدوء :

- أعتذر فقد ظننت أنك تهمسين بإسم بلال، نعم هذا هلال فتلك العلامة التجارية الشهيرة لرابطة شركات زيان الهلالي رجل أعمال خليجي مشهور في الولايات المتحدة فهو يمتلك اشهر مصانع للمصاعد الكهربائية في الشرق الأوسط وأغلب شركات العمارة والتشييد يفضلون مصاعده لحسن جودتها

اومأت لها بالإيجاب وقد وصل المصعد إلى الدور الأرضي لتشعر بيد بلال تلتف حول خصرها مما أشعل ثائر جسدها بإستجابة وقلبها يقرع بجنون حتى اقسمت بأنه يستطيع سماعه من شدة إلتصاقه بها ألتفتت هاندا تنظر إليها بتعجب من وقوفها وعدم خروجها منه :

- ما بك يا فتاه؟ تتسمربن بمكانك وكأنك اصبحتي تمثالاً لا يتحرك، هيا لنذهب لقد تأخر الوقت

- أخبريها بأنك نسيتي شئ ما بالشقة وعليك العوده لجلبها أريد التحدث معك بشيء مهم لا يمكن تأجيله

همس لها بلال بتوسل حتى لا تذهب ولكنها ورغماً عن قلبها الذليل لعشقه اومأت لهاندا بالإيجاب وتقدمت للأمام عدة خطوات حتى فك حصاره لخصرها وتركها تبتعد ولكن وقبل خروجها من المصعد جلست أرضاً ومالت على قدمها وتظاهرت بأنها تعقد رباط حذائها ولكنها بالأصل كانت تخفي وجهها عن هاندا التي ابتعدت عنهما قليلاً حتى تستطيع أن تهمس له قائله بحده :

- لن أصعد للأعلى ولن أسمع أي شيء مما تريده قوله انتهينا بلال لا داعي لتلك الأفعال ولا داعي للمسي مرة أخرى فأنا لن أسمح لك بذلك فيما بعد ويفضل أن تبتعد عني تماماً فأنا لا أريد رؤية وجهك حتى

جلس بجوارها يضم ظهرها برفق مردفا بألم وحسرة وهو يدفن وجهه بوجهها وشابت نبرة صوته بالبكاء :

- لا استطيع حتى وإن أردت ذلك لن استطيع أنا آسف اخطأت بحقك أعلم ولكن من شدة خوفي عليكي أنتي لا تعلمين شيئاً فهو كان يستمع إلى صوتك بإعجاب ومكر فهذا الماكر يريدك له وأنا لن أسمح له أو لغيره بالمساس بك أو اخذك مني

انتفض قلبها بداخل صدرها بفزع ماذا يعني بحديثه من الذي أعجب بصوتها وكان يريدها هل هو جن من الجان هل لذلك طلب منها الذهاب، تشعر بالحيرة والخوف لا تريد الضعف أمامه ومسامحته بتلك السهولة فمهما كان السبب فإنه جرحها وحطم فؤادها وانتهى الأمر ولكنها أيضاً تريد معرفة سبب تصرفه وحديثه معها بتلك الطريقة رغم معرفته بأنها كانت تحاول مساعدته ليس إلا فكرت أن تعطيه فرصه لشرح الموقف وبعدها يمكنها أن تقرر بجدية ما تريد فعله معه، همست له بعجلة من أمرها عندما لاحظت اقتراب هاندا منها بغضب :

- سأعود مساءاً من العمل يمكننا أن نتحدث حينها إلى اللقاء

نهضت مسرعه تتقدم من هاندا تعتذر منها برفق على تأخيرها متعللة بأنها كانت تعدل من ربطة رباط حذائها الرياضي حتى لا تتعرقل في السير، خرجت من باب البناية تحت أنظار بلال ذو الملامح المتجهمة بغضب لعدم نجاحه في مراضاتها وجعلها تسامحه وتصعد معه للأعلى حتى يشرح لها ما حدث زفر بحنق من نفسه هامساً لها بتوعد وغضب :

- كما تريدين أيلا أتمنى أن تكوني ناضجة بما يكفي حتى تأخذي القرار المناسب فيما يخص علاقتنا حتى لا تجبري شياطيني على الخروج وملاحقتك أينما ذهبتي وحينها ستكرهين اليوم الذي ظهرت به في حياتك

                              ***

بنهاية اليوم بالمطعم كان يقف رافي بجوار ايلا وهي تغسل الأطباق بالمطبخ بعد أخذ الإذن من العم جاك لرؤيتها والحديث معها فمنذ أن حضرت إلى الجامعه بعد عدة أيام غياب وحتى حضورها للعمل بالمطعم  الذي أصبح يعمل فيه هو كذلك وهو يلاحظ أنها ليست أيلا التي عهدها فهو أعتاد على رؤيتها مشعة كضوء القمر في ليلة حالكة الظلمه ابتسامتها تنير وجهها كالشمس التي تشرق لتنير العالم ضحكتها الرنانه التي تطرب أذنيه كخرير الماء في شلالات شديده الجمال، عاشق يعشق جميع تفاصيلها الصغيره قبل الكبيره لا يعلم متى وقع بغرامها ولكنه يعترف أنه مفتون بها ويتمنى لو يصارحها بمشاعره وتبادله بمشاعر تعادل هيامه وعشقه لها ورغم صعوبة الأمر ولكنه يحاول ضاق تنفسه وتألم عندما وجدها اليوم تعمل دون مرحها المعتاد وكأن لا رغبة لها بفعل أي شيء بالحياة فكانت دائمة الشرود والتخبط فعندما يطلب منها أحد الزبائن وجبة ما تأتيه بعصير أو وجبة أخرى غير التي قام بطلبها وكان يراقبها هو بحزن حتى انفرد بها بالمطبخ أخيراً وبعد عدة محاولات منه حتى هدأ وفود الزبائن للمطعم

أردف بهدوء وحزن واضح بصوته وهو يتابعها تغسل الأطباق بشرود ودموع متجمعة بعيناها لا يعلم سببها ولكنها تؤلمه بشده :

- ما بك أيلا؟ أنا لا أعلم إذا كان إحساسي صائب أم لا ولكني أشعر أن هناك ما يحزنك ولكن يمكنك إخباري عما يزعجك وتفضي قلبك لي أنا مستمع جيد وقد أملك حلا لمشكلتك تلك حاولي ولن تندمي اقسم لك

نظرت إليه بدموع وحزن وهزت رأسها بالنفي فلا يوجد أحداً يستطيع فهم وجعها وعلاجه سواه هو من يؤلمها وهو من يعالجها فهو الداء والدواء بالنسبة إليها ثم أنه لا يوجد حلا لمشكلتها أيضاً سوى قربه فلا سعادة تفوق يعادتها بين أحضانه الحنونه ولكنها لن تسامحه على حرمانها منه ومن حنانه، تشدقت بحروفها بلسان عاجز عن وصف ألمها وحزنها الظاهر بوضوح على ملامح وجهها الذي ذبل وبهت لمعانه :

- لا يوجد حلا لمشكلتي صدقني فأنا نفسي لا أعلم أين هي المشكلة بذاتها أشعر بالضياع واليأس ولكن لا أعلم السبب ولكني أعلم شيئاً واحداً فقط وهو أنني أتمنى أن أنام وعند استيقاظي أجده مازال بجواري وأن ما مر وحدث مجرد كابوس بشع وانتهى

اتسعت عينا رافي بصدمه لسماعه نهاية حديثها التي أوضحت له بأنها تملك حبيبا ولكن قلبه الخافق متنفساً عشقها عانده وهمس له بأنه قد يكون فهم الكلام بطريقة خاطئة ففكر في سؤالها مباشرة حتى يقتل الشك بموقده، حمحم بخشونة وأردف يسألها بجديه وهدوء :

- من تقصدين؟ هل لديك حبيب أيلا ؟

- كان، نعم كان لدي حبيب ولكن انفصلنا يوم أمس

فاجأته للمرة الثانيه شعر بأحلامه تتحطم امام عينيه ينظر إليها بحسرة وألم شديد فهو كان يتمنى مصارحتها بما يخفيه بقلبه لها من مشاعر ولكن كيف له أن يفعل الآن وهي تتلوى حزنا وألم على فراق الآخر، يشعر بالغيرة والغضب يأكلان وجدانه يريد الذهاب إليه والفتك به على ما فعله معها واحزنها لتلك الدرجه يريد تهشيم وجهه من شدة الضرب لتسببه في خروج تلك الماسات باهظة الثمن من عينيها لجم لسان قلبه الثائر الذي يريد الصراخ والبوح بعشقه وأنه احق بها من ما يؤلمها ويعذب قلبها بفراقه عنها ممن تتمنى عودته لها رغم جرحه لها ولكن بالأخير هي من تقرر ما الصالح والمناسب لها، ابتسم لها بهدوء وعاود العمل من جديد عندما لاحظ وفود بعض الشباب يشيرون إليه بالإقتراب بينما تابعت أيلا ما تفعله وهي تنظر إلى الساعه فقد وقد عودتها إلى المنزل لتهمس بداخلها بأنها ستنهي ما بديها وتخرج لرؤيته بالمنزل حتى تعلم وتفهم كل شيء فلا يمكنها الإنتظار أكثر من ذلك، لتنتهي من عملها وتقوم بتبديل ثيابها ثم خرجت لتوديع رافي والعم جاك منطلقة في طريقها إلى المنزل وفي نفسها تصر بحزم على أخذ القرار النهائي في تلك العلاقة بينهما

***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي