الفصل الثاني عشر

أفقت من تلك الغيبوبة لأجد نفسى ملقيا بإحدى المستشفيات، لم يستغرق الأمر كثيراً حتى تذكرت كل شئ، نعم انا ثد فقدت أمى فقد ما كنت أخشى عليها، فقد من لديها مفاتيح الدنيا والآخرة، فقد أكثر من يحبنى على وجه الأرض، بكيت كثيراً، ولكن هل للبكاء فائدة؟ هل سيجعل امى تعود لى مرة أخرى؟

كانت أختى ومروان متواجدين معى بالغرفة ولكنهم كانوا مستلقيين على الأريكة فرما نعسوا من كثرة الجلوس، وحينما سمعوا صوتى تحرك الأثنين باتجاهى، كنت أبكى لأسباب كثيرة، ماتت أمى ولم يسعنى الزمن، أن أودعها، أو ألقى عليها نظرة أخيرة، ظلت أختى ومروان يحاولان تهدئتى، ولكن هيهات فمن يهدئ وهو ينتظر خروجه من السجن لكى يرى امه، ويدخل بين زراعيها ويبكى مما فعلته به الأيام، ولكن قد فات الأوان فلا يوجد حضنا تبكى به، ولا قلبا يحس بما بداخلك، رحلت من كانت تشعر بى دون وجودى.
دخل علينا الدكتور وكنت قد أفقت ولكنه علم بأمر وفاة والدتى وقال لهم أن تلتحاليل تأكد سلامتى وإذا اردوا أن نخرج الأن فلا مانع لديهم.
خرجنا وتحرك بنا مروان إلى منزل امى، كان الغريب فى الأمر أننى حتى الأن لم أرى ابى ولا أعرف أين هو!
وبعدما وصلنا إلى البيت دخلت لكى أنظر إلى غرفتها، واتفحص كل شئ بها أتذكر حينما كنت طفلا، وأقوم بالأفعال الطائشية وكانت هى تحمينى من أبى وفى أحيانا كثيرة كانت تكذب عليه لحمايتى، كنت أتذكر فى ذلك الوقت كل كلمة وكل شئ قد حدث، وكل تفصيلة جمعتنى بها.

جلست على سرير أمى وسألت أميرة:

_ دا حصل امتى يا أميرة؟
= بعد ما اتقبض عليك بشهرين.

كنت فى صدمة مما قالته أميرة فلم أكن أظن أن الأمر قد فات عليه كل هذه المدة كنت اظن أنه حدث فى تلك الأيام الأخيرة قلت فى استغراب شديد:

_ يعنى أنا بقالى أربع شهور مخبيين عليا!
= مكناش حبين تعرف وأنت جوا كفاية اللى كنت فيه والبهدلة اللى شوفتها، قولنا لما تخرج وتبقى وسطنا، ودا كان رأي مروان ومريم وهبة صحابك كمان.
_ وايه اللى حصل، ماتت أزاى يا اميرة؟
= بعد مانت اتقبض عليك وعرفنا الخبر، مستحملتش الصدمة، وقعت من طولها زى ما حصلك بالظبط امبارح، روحنا بيها على المستشفى بس التحاليل والأشعة أثبتت أن عضلات القلب يقت ضعيفة جداً ومش مستحملة، وأنها متعؤضة فى أى وقت لأزمة قلبية، فضلت فى المستشفى شوية لغاية ما حصل بقى اللى بوظ الدنيا أكتر
_ إيه هو؟
= بابا مكنش بيجي المستشفى كتير كان بيكتفى بأنه يكلمنى فالتليفون وخلاص، لغاية ما فيوم جه للمستشفى واتكلم معايا أنا والدكتور.

عودة مقابلة الدكتور لأبى.

كانت تقف أميرة على باب الغرفة التى بها أمى بعدما خرجت من العناية المركزة وكانت الحالة بدأت فى الإستقرار ، جاء أبى ليسألنى وهو يملؤه الغضب:

_ هو فى إيه هى المستشفى دى إيه مفيهاش حد بيفهم؟
= ليه بس بتقول كدا يابابا!
_ أمك هنا بقالها اسبوعين، ومفيش جديد ولا حالتها بتتحسن ولا نيلة، كل بس الموضوع أننا عمالين نصرف فلوس، لغاية مخلاص جيوبنا فضت.
= طب هنعمل ايه بس مفيش فى ايدنا حاجة، ادعيلها تقوم بالسلامة.
_ ادعيلى أنتى وهى عشان اجبلكم فلوس أصرف عليكم أنا مبقاش حيلتى مليم خلاص.

كانت أميرة ترتدى اسورة من الذهب بيدها، كنت قد قمت باهدائها إياها فى عيد ميلاها، خلعتها من يدها واعطتها لأبى وقالت:

= خد دى بيعها، وهتجيب فلوس ابعتها عشان نشوف باقى المصاريف والعلاج اللى طلبه الدكتور.
_ هو فين الدكتور دا اللى مشوفتش وشه من ساعة ما جيت؟
= ثوانى هشوفه.

كانت أميرة تتحرك وهى تشعر بالغضاضة وتريد أن تقول له، أذهب ولن تعود وأنا من سأعول أمى، كان أبى ليس لديه مشاكل معنا بالحياة ولكن حينما يتعلق الأمر بالمال يجن جنونه، وينطق بكلمات، لا أظن أنه يدرك ما يقول.

جاءت أميرة بعدما طلبت من الممرضة إبلاغ الدكتور، حتى جاء ووقف ليتحدث مع أبى، وما أن انتهيا من حديثهم تحرك أبى، وعادت اميرة مرة أخرى إلى غرفة أمى تجدها مستيقظة جلست بجوارها ، من ثم أمسكت بيدها نحاول أن تخفف عنها ما هى به.
ولكن قبل أن تنطق أميرة قالت امى:

_ أميرة متخليهوش يجي تانى، وعايزكى تروحى البيت هتلاقى فى اوضة اخوكى فى دولابه علبة هدايا، افتحيها فيها كيس فيه ٠١ آلاف جنيه، هاتيهم وادفعى فلوس المستشفى وخلى باقيتهم معاكى، وقوليله ماما بتقولك عمر كان عنده حق لما سابلك البيت زمان.

وجدت أميرة أن أمى فى حالة زعر مما حدث فحاولت أن تخفف عنها ما هى به وتنفذ ما تطلبه منها لكى تريحها فقالت:

= حاضر ياماما هحمل كل اللى أنتى عيزاه، بس ممكن بقى تهدى شوية ومتتعبيش نفسك واعصابك، الدكتور قال مينفعش تتعرضى أى نوع من الزعل أو الضغط.
_ متقلقيش أنا بخير ياحبيبتى، المهم يلا روحى اعملى اللى قولتلك عليه.
= طب شوية طيب أطمن عليكى وأروح
_ لا روحى دلوقتى، يلا بسرعة ومتنسيش تقوليله اللى قولتهولك.
= حاضر ياماما هقوله، عايزة حاجة طيب من البيت اجبها معايا؟
_ لا ياحبيبتى عايزة سلامتك.

خرجت أميرة من المستشفى، وتحركت إلى البيت، دخلت إلى غرفتى، فوجدت تلك الصندوق، فتحته وأخذت منه الأموال وكانت تتحرك، فوجدت باب الشقة يفتح كان أبي، الذى سألها عن سبب مجيئها وتركها المستشفى فأخبرته أنها جاءت لكى تأخذ بعض الأشياء وستعود سريعا، من ثم تحركت ونزلت من البيت، وعت مرة أخرى للمستشفى.

كانت اميرة تقص على كل ذلك حتى استوقفتها سألا:
_ يعنى انتى مقولتيش الكلام اللى ماما قالتهولك؟
= مقولتش حاجة، بصراحة مقدرتش اقول الكلام دا، فسكت ونزلت وقولت ماما كدا كدا هتهدى.
_ طب وبعدين إيه اللى حصل؟
= رجعت المستشفى، بس كان أمر الله نفذ خلاص، محستش بنفسى بقى صريخ وعياط، لغاية ما وقعت من طولى، ولما فوقت لقيتنى فى البيت وصحابك معايا أول حاجة عملتها أنى قولتله الكلام، حتى قبل ما ندفن ماما، ومن بعدها متكلمش معايا حضر الدفنة واختفى، ومفيش غير فى الأربعين بتاعها بس جه سلم عليا، ومشى تانى.
_ طب وليه خبيتى عليا كل دا يا أميرة، ليه محدش يقولى؟
= مكنتش عايزة اشيلك حمول فوق حملك، كفاية اللى انت فيه.
_ يعنى أمى ماتت بسبب حسرتها عليا!
= لا متقولش كدا، أمى ماتت تعبانة، وتعبها دا نتيجة صبرها وسكوتها سنين، بس للاسف لما فكرت تتكلم كان خلاص فات الأوان.
_ ربنا يرحمها ويغفرلها يارب.

بعدها ضممت أميرة إلى احضانى وطبطبت عليها، كنت الهى نفسى والهى تفكيرى حتى قالت لى أميرة:

= أنت لازم تنام وترتاح شوية، قوم غير هدومك ونام يلا، عقبال ما تيتحمى هكون نضفت اوضتك، هى كدا كدا تعتبر نضيفة لأن ماما كانت بتنام فيها من يوم ما مشيت.
_ أنا هدخل أقعد فى الأوضة شوية، وبعدها أبقى استحمى.
= طب أصبر انضفها.
_ متقلقيش لو فى حاجة هعملها أنا متتعبيش نفسك وارتاحى.

نظرت أميرة فى عينى وكأنها تريد أن تعرف من الذى يطلب فينا الراحة أنا أم هى.

دخلت إلى اوضتى ووضعت رأسى على المخدة، اتحسس كل جزء فى السرير أضع انفى على الوسادة، أحاول أن اتنشق رائحة امى فيه، أعرف أنه قد مر خمسة أشهر على وفاتها، ولكنى مازالت متيقن أن رائحتها مازلت موجودة، هذا بالفعل ما طنت استنشقه، وكأنها أرادت أن تترك لى شيئاً منها، حتى تودعنى به، بعدما عزجت عن ذلك.

كنت أعرف أننى لم اكن السبب فى موتها، وأنه قضاء الله، ولكن ماذا إذا لم أدخل إلى السجن، كان على الأقل سأكون واقفاً على مراسم الغسل والدفن، ولكنى الأن لم أفعل ذلك ولم أراها، كرهت نفسى فى ذلك الوقت وكرهت الغناء، وكرهت صوتى.
هذا الجهور الواضح فى صخبا مزعج، هذا الذى يزعج الأخرين، ويضر بحياتى وبمن أحبهم، لم أنال من وراءه سوى كلمات الخب المزيفة، فأما عن الصادقون والذين احبونى من قلوبهم، هم من ظلوا معى حينما كانوا لا يعلمون بأمره، فى تلك الوقت أخذت قرار بأن لا اغنى بعد ذلك وإلا أستخدم صوتى هذا مرة أخرى، يكفى ما سبب لى من متاعب.



فقدت الشغف باتجاه كل شئ فقد شغفى تجاه ما أحب، بعدما رحلت من أحب، فقد أشياء كثيرة، آخرها أننى فقد الثقة فى الفتيات، كيف لفتاة أن تخدعنى كل تلك المدة وأنا أخشى أن اصارحها بحقيقة مشاعرى تجاهها، وقررت كتمان الأمر والأستمرار معها، لمحرد فقط أنها تحبنى، ولكنى فى النعاية اكتشفت أنها أحبت ما كنت عليه، أحبت تلك الشاب الذى يقف ويمسك بيده آلة الجيتار، يقوم بعزف بعض الألحان ويقوم بالغناء عليها، لم يكن الآمر هين على فمن خداع اصدقائى، وتهرب فرقتى وتلفيق التهم لى، لكى يخرجون سالمين، لخداع تلم الفتاة لى وتواجدها معى فى وقت المصلحة فقط، إلى أن ينتهى الأمر فى النهاية بوفاة أمى، أمى التى كنت أحس بالذنب باتجاهها فى كل شئ.
كان ضميرى يؤنبنى على كل لحظة ابتعدت فيها عنها، عن اختيارى بأن أعيش بمفردى واتركها تواجه ابى وحده، عن تلك الموقف الذى وضعت أختى به أمامه، ولم يكن لها ذنبا بأن توضع فى مثل هذا الموقف، كيف لفتاة فى عمر العشرين أن تمر بمثل هذه المواقف، هى الأن فى بداية حياتها، ولكن حياتها تقوفت بسبب ما مرت به.
كنت أود أن أنهى حياتى فى تلك اللحظات من كثرة التفكير، ولكنى أخشى كثيراً على أميرة، أخشى على مستقبل تلك الفتاة، التى أصبح لا يوجد لديها من يرعاها ومن يكن لها سندا وعون سواى، فلولاها ما كنت استمريت على قيد الحياة.

خرجت من غرفتى بعدما طالت حلستى بها لمدة تزيد عن الثلاث ساعات، لأجد أختى نائمة على سريرها، وبجوارها الألوان الخاصة بها وبعض أدوات الرسم، وهناك شيئا كانت ترسمه ولم تكمله، أمسكت بتلك اللوحة التى ترسمها ونظرت بها، كانت فى الأغلب لأمى، نعم إنها ملامحها، التى تربيت عليها منذ الصغر، لابد من أن أميرة استغلت موهبتها فى أن تفعل ذلك لتبقى ذكرى لأمى بيننا.

بدأت أنظر بغرفة أميرة، كانت الغرفة ممتلئة ببعض الأشياء التى لا أعرفها، ولكنى قدرت على التخمين، فاغلبها يخص الرسم والنحت، لابد وأن أميرة تريد أن ينتهى هذا العام وهى حاصلة على ما تريد، وان تقدخل كلية الفنون الجميلة، كانت هناك بالغرفة لوحات كثيرة ملقية أرضا وبعضها معلق، بدأت النظر فيها حتى وجدت منهم لوحة، لم أكن اعرف، كيف قامت بها أميرة، فتلك اللوحة تبدو لى وأنها أخذت من صورة، ولكنى لم أقم بالتصوير بمثلها معها من قبل، كانت اللوحة لى أنا وهى، كنت ناظرا إلى الإمام بينما تنظر أميرة إلى وهى تقبلنى من خذى، ظللت أنظر إلى اللوحة حتى أدمعت عنيا مرة أخرى، تلك العين التى لم يكتب لها الراحة فى الأونة الأخيرة لابد وأنها ستجف لطيلة حياتى عن الدموع من كثرة ما بكيت فى تلك الشهور.
نظرت إلى أميرة التى كانت نائمة ولا تشعر بوجودى بالغرفة، وقررت أن أتركها نايمة واذهب أنا أيضا إلى النوم، فلابد من أن هناك بعض الناس من الممكن أن يقوموا بزيارتى فى الغد لواجب العزاء، أو للأطمئنان على بعد خروجى، عدت مرة أخرى إلى غرفتى التى أصبحت فارغة فقط يتواجد بها دولابى وأيضا سريرى وسجادة تغطى الأرض، ذهبت إلى السرير مرة أخرى وظللت عليه حتى ذهبت عيناى فى النوم.


فى صباح اليوم التالى أستيقظت على صوت أميرة التى كانت تنتظرنى لكى نتناول الأفطار معا،سألتها عن الوقت:

_ هى الساعة كام دلوقتى؟
= الساعة بقت واحدة مردتش اصحيك قولت اسيبك بس حرام أنت ماكلتش بقالك كتير ولازم تأكل.
_ حاضر هقوم.
قمت من سريرى ومن ثم ذهبت إلى الحمام، وغسلت وجهى وفمى وبعدما خرجت كانت أميرة قد وضعت الفطور على الطاولة، جلسنا نفطر سويا سألتها عن تلك اللوحات التى رأيتها بالأمس:
_ انتى رسمك حلو أوى يا أميرة

نظرت إلى أميرة وكان على وجهها إبتسامة طفيفة؛ نظرا لما تحمله بداخلها من حزن، ثم أجابت قائلة:

= عجبوك؟
_ جدا بالذات الصورة اللى رسمتيهالى أنا وأنتى كنت قاعد أفكر فى أننا اتصورنا صورة زى دى ولا لأ، من كتر ما هى واضحة.
= لأ انا رسماها من خيالى.
_ دى رسمتيها امتى؟
= أول صورة رسمتها بعد ما خلصت الكورس، كنت عايزة تبقى صورتك أنت، حبيت أنى أقولك شكرا على وقوفك جنبى وعلى كل اللى عملته معايا بيها، بس ملحقتش بقى اديهالك وبعدها حصل أنك دخلت فى المشكلة دى، واتليهنا.
_ آمال الصور الكتير دى رسمتيها امتى؟
= بعد وفاة ماما، مكنش فى حاجة بعملها، طول اليوم قاعدة بين الحيطان مش عايزة أشوف حد ولا أقابل حد، كنت بقعد أطلع غلى وتعبى وحزنى فيهم. ساعات بقعد أرسم طول اليوم لمجرد أنه يخلص واتعب وانام، لغاية بقى ما عرفت من مروان وأميرة أن الجلسة الجاية هى اللى هتاخد فيها براءة والمحامى أكد عليهم دا، مكنتش عايزة اجيلك لأنى مكنتش قادرة استحمل، أقرب اتنين ليا مش موجودين، بس وأنا قاعدة كدا لقيت حاجة بتقولى قومى البسى ولثيت نفسى جيالك المحكمة.
_ آمال مين اللى أتكفل بفلوس المحامى؟
= مروان اللى أتكفل بكل حاجة، بعد مشكلتى مع بابا، هو أتكفل كمان بمصاريف الدفن وكل دا، واتكفل بمصاريف المحامى، وكان عايز يدينى فلوس ليا، بس أنا مردتش وكان معايا الفلوس اللى اخدتها من دولابك قبل وفاتها بصرف منها.
_ يعنى مروان هو اللى كان شايل حياتى وحياتك وأنا فالسجن؟
= آه، بصراحة هو ومريم وهبة عمرهم ما سابونى بالذات هبة كانت كل يوم بتيجى تطمن عليا، وتشوفنى لو محتاجى حاجة وتقعد شوية وتمشى، حتى الايام اللى مكنتش بتقدر تجيلى فيها، كانت بتتصل بيا تطمن عليا.
_ أنتى عارفة أنها مجتش تزورنى ولا مرة؟
= لا معرفش، من طريقة كلامها كنت حاسة أنها بتزورك علطول لأنها عارفة كل حاجة!
_ كانت بتعرف من مروان ومريم، هبة كانت محروجة أشوفها بعد اللى حصل.
= إيه اللى حصل؟ مش فاهمة حاجة!

بدأت أن أقص على أميرة ما حدث مع نهى وقصة علاقتنا وما فعلته بعدما دخلت السجن.
كانت تحاول أميرة أن تخفف عنى وطأة الموقف:

= الحمدلله، تعرف ان اللى حصل دا بالرام من أنها حاجة وحشة، بس كانت كويسى جدآ ليك.
_ أزاى بس وانا حياتى اتبهدلت؟
= بالعكس، أنت حياتك اترتبت، عرفت مين صحابك، عرفت مين بيحبك وبيخاف عليك، عرفت مين اللى كان موجود جنبك عشان مصلحة. أنت بالظبط كأنك جبت كيلو دقيق وحطيته فى مصفى وبدأت تصفيه لغاية ما نطفته.

أعجبنى تعبير أميرة عن الأحداث بتلك الكناية، وأعجبنى أيضا طريقة التفكير التى تتعامل بها مع الأمر:

_ عندك حق فى كل كلمة بتقولها.

تكرت فى ذلك الوقت أننا فى شهر أبريل وقد أقتربت امتحانات نهاية العالم وكانت هذه السنة هى السنة الدراسية الأخيرة لأميرة بالثانوية، وهى التى ستحدد مصيرها، أميرة تريد أن تدخل كلية الفنون الجميلة، ويجب أن أجعلها تركز فى الشهور القادمة لكى تحصل على المجموع الذى يجعلها تدخل للكلية، فقمت بسؤالها حول ذلك الأمر:

_ قوليلى بتزاكرى ولا ايه؟
= بصراحة ياعمر، مبقتش عارفة أركز فى حاجة خالص، كل ما بحاول ازاكر بلاقى نفسى قفلت الكتب وكل حاجة ومش مركزة فى حاجة خالص، وبهرب من كل دا بالرسم.
_ لا مينفعش الكلام دا، أنتى عندك حلم ولازم تحققيه، لازم تركزى فى مزاكرتك ولو محتاجة دروس قوليلى، لازم الشهرين اللى فاضلين على الامتحانات دول تركزى كويس جداً فيهم عشان تدخلى الكلية اللى أنتى حباها.
= مبقتش فارقة والله أعمل اللى بحبه ولا لأ.
_ من النهاردة مش هتعملى غير اللى بتحبيه وبس، وأنا معاكى وجنبك لغاية ما تحققى كل اللى نفسك فيه.
= ربنا يخليك ليا يارب.
_ انا هقوم أخد شاور عشان محتاج أروح الشقة التانية أجيب شوية حاجات وأجى وبالمرة أسحب فلوس عشان مروان.
= ماشى ياحبيبى قوم.
_ لو محتاجى حاجة من تحت قوليلى اجبها وأنا جى؟
= حاضر هشوف عقيال ما تطلع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي