الفصل 40

كادت تسقط من بين يديه على الارض مما جعله يشد اكثر عليها ويطمئنها قالاً : يا ابنة العم لم اطلب مجيئك لارى كسرتك ولم اطلب منك العودة لابدلك بغيرك فما فيكى يفوق كل البشر فكنتى لى الكفاية من كل البشر وما اختارتك لانك تنجبين فكلاهما عندى سواء فالمهم انتى
فكل ما همنى هو ان نلتقى ويغادرنا الغياب
ما همنى ان نلتقى بعيون ملؤها الحنان وان نشعر بدفء لمساتنا كما لو لم نكن افترقنا لاعوام فلا تجعلى من راهنوا علينا يقرعون رد كؤوس فراقنا يوما فالصباح لم يكن صباح الا لانه لا يحمل لنا الا الصلح والامان واجعليهم ينظرون الينا نظرة حقد فكم كانوا يحضرون ليل الارق لنا فكان عمرهم عذاب وكانت ايامنا هناء
اجعليهم يرون اننا لازلنا نلتقى وبحنانى اغمرك وكلماتك تذيب وجدانى
كان يحاوطها ويضمها وهى تضم بكلتا يديها مذكراتها وكانها فيها الحياة والضياع سيكون نصيبها ان تخلت عنها
كانت ترتعد الا ان كلماته هدات من روعها قليلا وبعثت فيها امل جديد لحياة غير كاملة فلا فيها حب ولا فيها امان ولا فيها حبيب انما هى فقط حياة تعاش لاجل الوجود
نظرت الى الفراش وكانها تخبره انها تريد الاسترخاء
حملها ووضعها فوق فراشها ولما شعر ان الفراش بدا يهتز من قوة ارتجافها فقام من جوارها وذهب لغرفته واتى لها بحبوب مهداة واعطاها لها وناولها الماء فتناولته بدون اى مقاومة منها او رفض
مرت تلك الساعات ثقيلة جدا حتى ارتخى جسدها بفعل المهدىء ورغم ذلك ظلت يديها قابضة على مذكراتها وصورها
غضت فى نوم عميق دون ان تنتبه لوجود هشام الى جوارها
ظل هشام جالسا جوارها يمسح على راسها وهو حزين على حالها واخذ يفك ازرار قميصه فقد شعر باختناق مما حدث حتى غط بدوره فى ثبات عميق
...................

دقت الساعة الحادية عشر مساء وكان يوسف لتوه قد انهى حمامه الدافىء استعدادا لتجديد نشاطه وعودته لعمله
دخلت عليه فريدة اخته وقالت : ما رايك فى حالة يونس ومن تقدم صحته ؟
يوسف وهو يصفف شعره : الحب يفعل المعجزات
فريدة بمكر وهى تنظر له بجانب عينها : كنت لا اقتنع بتلك الحقيقة الا انى صدقتها عندما وجدتك اليوم تقبل مها فوقتها تاكد ان الرجل الجليدى مهما كانت صلابة جلده ينصهر بسهولة امام اغراء اى انثى
كلمتها ازعجته ونظر لها بضيق عينين وكاد ان يبرر موقفه الا انه شعر انه لا جدوى لفتش سره امام اخته ففضل كتم غيظه واخرج عصبيته فى تصفيف شعره بقوه
هنا دخلت مها وما ان رات فريده حتى خلعت روبها لتحرج فريدة وتخرج وبالفعل فقد نالت ما ارادته وما ان خرجت فريدة حتى تحركت بسرعة نحوه وحضنته وقالت : لن اتركك ترحل اليوم حتى تشفى ظماى منك
يوسف بصدمة من جراتها : ماذا تقولين وكيف جرؤتى على الافصاح هكذا عن رغبتك فاين تمنع الانثى وتمنعك انتى على الاخص ايتها الارملة العاشقة ؟
اخذت تقبله برفق وتلتصق به حتى نجحت فى اغواءه برضاه لانه شعر بحاجته لهذا ليس عشقا وانما رغبة مكتومة وشهوة
رغم ان مها لم تفهم هذا بل اعتقدت انها نجحت فى ان تجعله يحبها
ما هى الا لحظات شعرت فيها مها انها بين يدى رجل بمعنى الكلمة
...............
كانت نهى تجلس فى غرفتها تبكى بحرقة والكيد قد تملك منها وكل الافكار الشيطانية قد تجمعت فى صدرها
فقد تعصبت على السيدة قسمت كالعادة ولكنها فى هذه المرة تمادت فى تكبرها واستفزازها مما وصل بها فى النهاية الى اهانتها فما كان من السيدة قسمت الا انها قد خرجت عن شعورها وعايرتها وصدمتها برغبة انس فى تطليقها لانها لم تعد تصلح له بالاضافة الى كذبها وادعائها بحملها ولما لم تجد معايرتها قد اتت بثمارها فجرت فى وجهها بالمفاجاة القاسمة وهو تفضيل ابنها عليها بالخادمة وانها رغم انها خادمة الا انها الوحيدة التى استطاعت ان تسلبه رشده وان تجعله يعدل عن فكرة بعده عن البيت بل ان قراره بنقله من وظيفته انما جاء حبا فيها ليبقى بجوارها
..................
سماح وهى مصدومة وخائفة : كيف حدث هذا ربما اتت الى هنا واخبرت شما يا ويلى يا ويلى لقد ضاع كل ما كنت احلم ان يمر بسلام
انس بعصبية : انتى زوجتى وساتى اخذك اليوم للعيش معى فى بيتى فى العلن ومن الغد فى الصباح الباكر ساذهب الى والديك واعترف لهما
سماح بترجى : ارجوك اتركنى ليومان ارتب حالى حتى نتجنب الفضائح
انس بصدمة : فضائح ؟ هل زواجك منى فضيحة ؟ افعلى ما شئتى ولن ترينى مرة اخرى الا بعدما تعلمين قدرى جيدا فيبدو ان حبى لكى جعلك تنتقصين من قدرى
اخذت تترجاه ولكن دون فائدة لانه لم يسمعها من الاساس فقد اغلق الهاتف فى وجهها
.........................
كانت الساعة الحادية عشر مساءً وكانت شما على نفس وضعها وهشام لازال جالساً الى جوارها ولازال كذلك غافياً وفجاة فتح باب الغرفة واذا بفتاه من فتايات الليل التى اعتاد هشام ان يسمح لها بالقيام معه ربما لليلة او لليلتين بحسب ما يمل منها ويتركها وان عاوده شوقه اليها مرة اخرى اتصل بها
كانت الفتاه قد اتت بحسب موعدها معه كالمعتاد ولكن هيامه بشما انساه اياها ولم يعلم ان وجودها فى تلك اللحظة ربما سيكون القشة التى قصفت ظهر البعير ولعل شيطانه انساه موعدها لتنكشف نزواته التى لا يكل منها ولا يمل رغم عشقه لشما
الفتاه بصوت هامس لنفسها والغيظ قد تمكن منها : لقد توقعت هذا ايها المغرور فمنذ ان دخلت ورائحة عطرها النفاذة تملا المكان
اممم وكيف لك تنام هكذا اونت جالسا لتحرسها فما لك بى ما دمت هكذا هائم بها ؟ من يراك هكذا لا يراك وانت تأمرنى لاخلع عنك حذاءك واقبل اقدامك
ايها المغرور لن اتركها تسلب حقى وحق طفلى الذى احمله فى احشائى
ماذا فعلت فيك تلك الكئيبة فجعلتك تنسى ابوتك وتعشقها ؟ الم تذكرها لى فى كل دقيقة بالمتكبرة المغرورة العقيم ؟ ولكن يبدوا ان ذكرك لها بكل تلك الاوصاف انما كان لمداراه حبك لها
اخذت تفكر فى لحظات سريعة على ما يجب ان تفعله لتكسب الموقف وتثبت حالها امام عين شما لتقطع جذورها من هذا البيت فقد قررت ان يكون هذا البيت هو بيتها هى وابنها فهما الاحق به
اخذت تقرع على الباب بكل قوة وتنادى على هشام باعلى صوتها
انتفضت شما وبدا تفيق عل الصوت وكذلك كان فعل هشام
ما ان انتبهت شما الا وفزعت من وجود تلك الفتاه التى لا تحتاج لتعريف فملابسها الفاضحة تكشف عن صفتها ولكن الغريب ان شما احتمت بهشام وارتمت فى صدره واخذت تقول هشام من هذه العاهرة وكيف اتت الى غرفتنا هكذا ؟
لم يستوعب هشام الموقف وكل ما فعله ان ضم شما لصدره محاولا ان يغمض عينيها عن تلك الفتاه وهو يقول بصوت متلعثم وغير مرتب و غير مألوف : لا تخافى يا حبيبتى يبدو انها زوجة البستانى او الطباخ
ابعدت شما نفسها عن صدره وسالته بتعجب : كيف تكون هذه زوجة البستانى او الطباخ
حاول هشام ان يضمها مرة اخرى لصدره حتى لا تنظر الى الفتاه الا انها قاومته وقد بدات تفيق وتستوعب الموف وتستوب ما يفعله ليعمى عينيها عن الموقف وسالته بعصبية : من هذه يا هشام ؟
كل هذا والفتاة تقف فى منتصف الباب وقد سدت مخرجه ووضعت يدها فى خصرها واخذت تهز فى ساقيها وتطرقع بكعب حذاءها بعصبية فتصدر صوتاً مزعجا وتقول بصوت مائع : اخبرها يا سيد هشام من انا ومن اكون بالنسبة لك
شما لهشام وقد جحظت عينيها وبكل عصبية : انها تنادى عليك باسمك بدون القاب اخبرنى من هذه والا اغربت عنك فى التو
اخذ يهز اكتافه بمعنى لا افهم بتوتر وقلق فقد شعر بانها نهايته مع شما ولم يجد ما يتفوه به
جاء دور الفتاه لتفك الطلسم لشما وقالت بعجرفة ولازالت تضع يدها فى خصرها : انا حبيبته وزوجته المقبلة وام ابنه الذى فى احشائى
كانت تلك العبارة الاخيرة هى الطامة الكبرى على قلب شما
ولم يكن هشام يعلم بخبر حملها هذا فظل غير مستوعب ما قالته ولكنه فجاة عاد الى تركيزة وقام بسرعة من مكانه واقترب من الفتاه وهو يقول : لا تصدقيها يا شما هذه كاذبة ومنحلة واخذ يصفع الفتاه على وجهها صفعات متتالية بينما قامت شما من فراشها ووقفت واستقامت واخذت انفاسها تتلاحق بقهر
اخذت الفتاه تصرخ من صفعات هشام وهذا جعلها تعاند اكثر وتقهر شما اكثر فاخذت تبعد هشام عنها وهى تقول : الم تخبرنى انها مغرورة وانك تكره تكبرها عليك وانها عقيم
هنا صرخ فيها هشام واخذ يعاود الصفع مرة اخرى دون ان تاخذه اى رحمة بها او بجنينها الذى لم يستوعب وجوده حقا وحقيقة حتى الان بينما شما بدات سيل دموعها بقهر وكاد قلبها ان يتوقف عن النبض ولم تقوى عل النطق باى حرف
الفتاه : ارحمنى يا هشام فكل ما اخبرتك به حقا فانا احمل ابنك فى احشائى وهذه نتيجة التحاليل والاشعة وقد اتيت لابشرك بها لانى اعلم انه حلمك الذى تتمناه وامسكت حقيبتها واخرجت منها الاوراق والاشعة
ابتعد هشام عنها وكف عن الضرب ولازال غير مستوعب لما حدث ولكنه لم يمد يده وياخذ منها الاوراق
بل تحرك نحو شما وامسكها من كتفيها واخذ يهزها ويترجاها ويتوسل اليها بالا تصدق تلك الفتاه وانها هى الوحيدة فى قلبه : صدقينى يا شما انا احبك انتى فقط وربى الاعلى والاعلم
شما لا تتحرك وما تنطق فقط دموعها هى التى كانت تنطق عن حالتها وهذا ما جعله يصدق قهرها الحقيقى فهو اكثر الناس علما بكبريائها وعدم بكاءها قط الا وقت انهيارها حقا وه لم تنهار قط الا عند ذكرها لجنينها اوعقمها فكم من خيانة فعلها وسامحت او ربما لم تسامحه ولكنها فى الحالتين لم تبكى
هشام : ارجوك اغفرى لى نزواتى فانا كنت انتقم لرجولتى التى ترفضينها بامثال تلك العاهرات
ارجوك اغفرى لى كما تعودت منك على الغفران
الفتاه محاولة اثبات وجودها اكثر : لا تصدقيه هو فقط يخشى فض الشراكة بينكما ولكنه اعترف لى انك عقيم ذى رحم بور جاف
كانت كلماتها كالصواعق التى تضرب قمم الجبال على آذان شما مما جعلها تصمهما بكلا كفيها واخذت الدموع تنهمر بقوة ولازالت صامته فما اقهر ان تعاير الانثى بعدم انوثتها فالفارق الاساسى بين الرجل والمراة هو الرحم والانجاب امام ما تلى هذا فاوصاف تكميلية يمكن ان تتوافر فى احدهما او فى كلاهما
كان من الصعب على هشام ان يرى شما القوية تنهار هكذا امام عينيه والاصعب ان يكون هو السبب
اشتد تحدى العاهرة ووقفت شامخة صامدة وهى تشعر بالفخر لان غريمتها التى سلبت قلب هشام تنهار امامها وقالت : لما تبقى عليها وقد حققت لك ما كنت تتمناه ليل نهار ؟
ساد الصمت لاقل من لحظات ثم عاودت تقول موجه كلامها لشما : اعتقد ان مكانك لم يعد هنا هذا مكان ابنى وهذه الغرفة هى غرفة ابنى وصدقينى لم اطاوعه الا لانه اثبت لى انه يريد طفل وسيتزوجنى زواجا شرعيا ولكنك كنتى العقبة فى طريقه لانك شريكته
عاد الصمت يسود وكل هذا وشما تصم اذنيها الا ان كلمة هذه غرفة ابنى جعلت صدرها ينشق وبدات انفاسها تختنق ولم تعد تقوى على الحركة
عاد هشام يمسكها من كتفيها فقد بدا هو الاخر ينهار لانهيارها وقال لها متوسل : كيف اكفر عما تسببته لكى ؟ ارجوكى اصفحى لى ؟ ارجوكى اسمعينى اى كلمة حتى وان كانت نهر
اخيرا نطقت وهى تصرخ : يا الهى لقد صدقت كلامك منذ لحظات وصدقت انك تحبنى حتى شعرت انى انا المذنبة
صدقتك لانك كنت تكذب على بكل صدق
ركع امامها وامسك بكفها واخذ يقبلها ويترجاها ان تغفر وهذا ما اشعل غيرة الفتاه اكثر
شما : لا تطلب حنان منى وقد كان حنانك مزيف . لا تطلب منى حنان مزيف لتعيش به لحظات ستفرحك ولكنها تميتنى فعقلى له ذاكرة واعية لا يعرف كيف يلهى قلبى عن نظرة الاشفاق وكيف له هذا وهو يعلم ان الحب المتعقل لك ينتهى بخذلانى والحب العاطفى ينتهى بخيانتى فكيف له ان يفسح مكانا ليعطى مشاعر مزيفة ؟
يكفيك انتصاراً انك سترحل عنى الان تاركا لى ذكريات ليس لى قلب يتسع لها . ستتركنى بعد ان افقدتنى الثقة فى نفسى . لقد غبت عنى من الان ولابد ان يغيب صوتك عن مسمعى
كنت تعلم ما يبكينى ولكنك لم ترحم مدمعى فمن منا اذن المغرور ؟ لم تعد لك من الان سمائى ولم يعد نجمك يضىء فيها
لم تعد بقلبى من الان فقد كان يصاحبك كل الالام والاحزان فربما بعدك رحمة من الاله
صدقنى الحياة عادلة معى الان فلم تجعلنى ابكى الا بقدر ما فرحت وجعلت كل شىء يتشابة بى
لقد حكمت على ان لا اهنأ بغيابك ولا بوجودك فالامرين متشابهين نار على نار
لتكن وفيا ولو لمرة للبعد بيننا وان وجدت منى المناداه فلا تجبنى وقل لى انا على العهد وافى وانت على الجرح الجانى
فمكوثك بذاتى اصبح وفاء ممل اخرج من وجهى ومن صدرى ومن ملامح كلماتى ودعنى الملم جراحاتى فقد اتعبتنى الذكريات التى كنت انت فيها
كان يبكى صدقا فقد خسر قلبا لن يستطيع تعويضه ولو عاش فوق العمر اعمار
....................
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي